رد: الرئيس الأسبق الشاذلي بن جديد في ذمة الله عن عمر يناهز 83 سنة
كاتب مذكراته عبد العزيز بوباكير يكتب للشروق عن الجوانب الخفية من شخصية الراحل:
لم أكن أتصوّر يوما أن ألتقي الرئيس الشاذلي بن جديد، فقد كنت طالبا في الخارج أثناء عهدته الأولى، بعيدا عما يجري من صراعات في الساحة السياسية، ولم تكن تصلني عنه إلا النكت التي تؤلف حوله وحول أسلوب حكمه، والتي تأكدت بعد معاشرتي له طيلة ستّ سنوات، ولقاءاتي معه كل أسبوع، أنها في غالبها من نسج خصومه من بارونات النظام، الذين أزاحهم من مواقعهم بسهولة مذهلة وبصرامة قلّ نظيرها إلى حد جعل أحد الوزراء المقرّبين منه يقول "سحّتهم كلّهم دون خوف أو تردّد"، وبعضها الآخر ناتج عن جهل بشخصية الرجل الذي جمع في ذاته بين صرامة العسكري، وبين ذكاء عملي ورثه عن أصوله الفلاحية، ونزاهة يشهد له بها حتى الأعداء، ثم عشت في عهدته الثانية من دون اهتمام بها، لأني كنت فقدت الثقة في إصلاح النظام السياسي الجزائري، وكنت شبه متأكد من أن إصلاحات الشاذلي في مجال نظام الحكم والاقتصاد والتعددية الإعلامية آئلة، لا محالة، للفشل، فالنظام متصلب ورافض لأيّ نقاش حول إصلاحه في العمق وحتى من داخله.
أما بعد استقالته، فقد كنت مقتنعا ككلّ الجزائريين أن الشاذلي سواء أخرج كريم النفس من الباب الواسع أو قفز من النافذة الضيّقة، فهو في كل الأحوال غادر السياسة وطلّقها بالثلاث حاملا معه أسراره وأوهامه وخيبات أمله وحلمه بجعل الجزائر بلدا قوّيا مزدهرا، يقضي أوقاته في داره في أعالي الأبيار وإقامته ببوصفر وسفرياته للعلاج على حساب الجيش في بلجيكا.
.
أول لقاء مع الرئيس
تم لقائي الأول به بمحض الصدفة، وربّ صدفة خير من أن تسعى وراء موعد لن تحصل عليه من رئيس جمهورية. ذات يوم كلّمني صديقي إسماعيل أمزيان، صاحب دار النشر القصبة، وقال لي إنه يحتاجني في أمر مهم. ذهبت للقائه وركبنا سيارته باتجاه مجهول بالنسبة لي، وفي الطريق قال لي اسماعيل نحن ذاهبان لزيارة الشاذلي، قلت له: "أيّ شاذلي؟"، أجابني الرئيس بن جديد، لم أصدّق لكن اسماعيل حرز ذلك فأردف ستكتب مذكراته. وهكذا دخلت لأول مرة "دار النسيم" أي دار الشاذلي. اعترف قبل الوصول أن شعورا انتابني شبيه بإحساس الصوفية: "فراغ القلب" أي لا شيء. رافقنا حرسه الخاص إلى صحن الدار المليء بأنواع نادرة من النباتات والورود تبدو في صيانة جيّدة، شاهدت الشاذلي من بعيد منزويا في ركن، في تلك اللحظة انتابني شعور مزودج وخطر ببالي وكأنه خرج للتو من رواية من روايات الكاتب الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز، أي باتريارك يعيش عزلة قاتلة، تأكدت فيما بعد أنها اختيار واع منه، فقد كان يرفض استقبال أي مسؤول جزائري، أما الشعور الثاني فهو أن الرجل يشبه أسدا شاخ، لكنه مازال محافظا على أنيابه ولبدته. ولم أفق من سطوة هذا الشعور إلا لما قال: "تفضل، أجلس تشرب قهوة".
.
قهوة الشاذلي ووجع العشرية السوداء
جلست ورحت أحدّق فيه. مازال محافظا على بنيته الرياضية، وقسمات وجهه لم تتغير كثيرا، وشعره يلمع بشيب وقور. إنه في شيخوخته يشبه الممثل الأمريكي جف شاندرل، الشيء الوحيد الذي تغيّر فيه هو عينه اليمنى مالت قليلا إلى الحول وكأنها يريد أن تحرج من حدقتها. فيما بعد عرفت أنه يعاني من مرض حاد في الغدة الدرقية أثر على عينيه. سألناه عن صحته وأحواله فأجاب بكلمات مقتضبة غير معير لأسئلتنا اهتماما كبيرا. بدأ يتحدث بانفعال وغضب كالانسان المجروح، وكأنه يرد على من أساءوا إليه، تحدث عن التحاقه المبكر بالثورة، هو ووالده سنة 1955، نافيا بالدليل التحاقه بالجيش الفرنسي، مندّدا بمن يروّج لذلك قصد الإساءة لتاريخه النضالي.
لم أر في حياتي أحدا يتحدث عن والده مثلما يتحدث الشاذلي عن الهادي بن جديد بحب جم وتبجيل كبير وإعجاب يبلغ حدّ التقديس. تحدث عن فترة حكمه، وعن من يسميهم الخبثاء الذين يصفون عهده بالعشرية السوداء قائلا "الله يسوّدها عليهم"، وعن الاصلاحات التي قام بها وسط معارضة شديدة من معارضيه وأصحاب المصالح "أو اللي يخافوا النار، لأن كروشهم معمّرة بالتبن"، كما يحلو له أن يصفهم. كان ينتقل من موضوع إلى آخر بارتجال ودون تسلسل، ثم يعود إلى نفس الموضوع. استمعنا إليه أنا وإسماعيل باهتمام، دون تدخل. ودّعنا في صحن البيت، وبعد خروجنا قال لي اسماعيل: "ستكون مهمتك صعبة"، أجبته: "إنها مغامرة تستحق أن تخاض".
.
جزء من الذاكرة في ذمتي..
في البيت، قضيت الليلة أفكر من أين أبدأ، وأتساءل عن مخاطر هذه المغامرة، ثم تجاوزت هذا التردّد وأقنعت نفسي أنه يجب أن أساهم في انقاذ جزء من الذاكرة الوطنية، وأن كتابة مذكرات رئيس لا تتاح لأي انسان، وأنها مغامرة جميلة جديرة بأن تعاش بكل ما فيها من أتعاب ومن أفضال أيضا. وبدأت استذكر المسار النضالي للشاذلي أثناء الثورة، رغم أنه لم يكن من عادته الحديث عن نفسه كمجاهد. فقد كان يعتبر أن ما قام به أثناء الثورة واجب أسوة بأبناء جيله، وتذكرت ردّه على عمار بن عودة لما سلّمه هذا الأخير وسام الأثير مخاطبا إيّاه: "أنت أبو المجاهدين"، فردّ عليه الشاذلي: "لا، أنا مجاهد بسيط ككل المجاهدين". حاولت أن استرجع أهم معالم ومحطات حكمه مدة 13 سنة، بما فيها من ايجابيات وسلبيات، حاولت في حدود ما أعرف أن أرسم عنه ملمحا سيكولوجيا ربّما يساعدني على معرفة الرجل معرفة أفضل. ووصلت في النهاية إلى أن أفضل شكل من أشكال الإعداد لمذكراته هو الارتجال، لكن الارتجال المنظم، أي أدعه يتحدث أكثر مما أسأل، ثم أقوم بمسك الخيوط التي تساعدني على تكوين صورة عن الرجل وحكمه وآرائه صحيحة ووافية قدر الإمكان.
وكنت أعرف أن الكثير من المؤرخين والكتّاب والإعلاميين حاولوا الاتصال به للحصول على موافقته لتسجيل مذكراته أو حوارات مطوّلة معه، لكنه رفض رفضا قاطعا. وكان يعتبر أنه من الأفضل ترك الوقت للوقت، كما يقول الفرنسيون، وأن الصمت أحيانا أفضل من الصراحة الجارحة، وأن مذكراته يجب أن تكتب وتصدر في الجزائر. من بين الذين اتصلوا به من الأجانب بينيامين ستورا والقناة التونسية "المستقلة" و"الجزيرة" و"العربية"، ومن الجزائريين محمد بن شيكو وهابت حناشي واحميدة عياشي، كما حاول معه عابد شارف، لكن الاتصال بينهما انقطع لأسباب أجهلها.
كانت خرجته الأولى بعد صمت دام تسع سنوات في 13 جانفي 2001 في دردشة في شكل مقال مع محمد بن شيكو على صفحات "لوماتان" بعنوان "حقائقي"، وفي الحقيقة كان العنوان تشويقيا أكثر منه حقائق، فالشاذلي لم يقل في ذلك اللقاء أشياء مهمة، وإنما أثار قضايا ملمّحا أنه يمكنه الحديث مستقبلا، لم يذكر أسماء ولم يستفض في الحديث عن قضايا ظلت بلا جواب إلى اليوم مهددا، انه قد يكشف عن حقائق مجهولة ومزعجة للبعض. كان ذلك رسالة واضحة الى خصوم. مازلت أذكر وقع تلك القنبلة التي فجرّها الشاذلي، وأذكر أيضا التململ الذي حدث في أوساط الاعلاميين والطبقة السياسية والأجهزة الأمنية. كان الكل يتساءل ما الذي يريده الشاذلي؟ هل خرجته محسوبة، ومن يقف وراءها؟ هل هي مجرد صدفة، أم رغبة للرجل للرد على خصومه الذين تجاوزوا حدود اللياقة في تقييم شخصه وفترة حكمه. ومما قاله الشاذلي في تلك الدردشة "إن الصمت الذي فرضه على نفسه هو اختيار شخصي ولا أحد فرضه عليه". فقد ظل كما كتب بن شيكو "مرتبطا بثبات حازم بمقاومته لشياطين الجدل، وهو الموقف الذي سمح له بالنظر الى العالم المحيط به نظرة باردة ومن دون عداوة ولا أوهام عن الرجال، ضميره مرتاح وأنه غير نادم على أي شيء قام به".
.
عندما يبكي الشاذلي الصديق بن يحيى
في اللقاء الثاني قاطعته وهو يتحدث بسؤال يبدو أنه أزعجه فردّ عليّ منزعجا "أنتم لا تفهمون"، فلذت بصمتي لكي لا أزعجه أكثر، وبعد لحظات انتبه إلى صمتي وقال لي: "لماذا لا تسألني"، فأجبت إذا كانت أسئلتي تزعجكم من الأفضل أن لا أسأل، فانتبه إلى الأمر وقال لي: "معذرة، لم أكن أقصد، وأصارحك أن الأدوية التي أتناولها تجعل مني قلقا وعصبيا إلى حد لا يطاق أحيانا، وكل محيطي وحتى زوجتي تعاني من ذلك وأولادي أيضا". بعد ذلك أصبح منشرحا ينكت. قبل أن أفارقه في صحن البيت سألته، وكان ذلك اليوم هو نصف نهائي كأس العالم - فرنسا اسبانيا والبرازيل غانا - هل تتابعون المونديال؟ أجابني: "لا، مع أني خدمت كرة القدم الجزائرية أكثر من غيري". قلت له "أنتم تحبون"، فأجابني "أفضل الغطس والتنس والشطرنج والصيد".
خلال لقاءاتي الطويلة تحدث مرّة عن الموت المأساوي لوزير الخارجية في عهده محمد الصديق بن يحيى، ولم ينه الحديث وانفجر باكيا. ووجدت نفسي في وضع حرج لا يحتمل وأنا أمدّ له منديلا من الورق ليمسح دموعه، وطال الصمت بيننا خمس دقائق، ثم قال لي "لو كان عندي من أمثاله خمسة وزراء لجعلت من الجزائر قوة إقليمية عظمى".
.
خطأ الصحفيين وجريمة اليتيمة
طلب مني مرافقته إلى عنابة، ثم الطارف، حيث التقى في جامعتها مع المجاهدين الأحياء في القاعدة الشرقية والطلبة. تحدث باسترسال مدة ساعتين كاملتين عن القاعدة الشرقية، وعن هيئة الأركان العامة، وعن ما يسمى بمؤامرة العقداء، وعن علاقته بهواري بومدين، وأشياء كثيرة. كنت أتابع، وأنا في القاعة، ولاحظت تواجدا كثيفا لمراسلي الصحافة في الطارف وعنابة. وكانت الأسئلة تتهاطل وهو يجيب. كتبت له كلمة سلّمتها لحارسه الخاص وقلت له: "قل للرئيس أن يقرأها"، وقد كتبت فيها "أن القاعة تعجّ بالمراسلين المحليين، وقد يخطئ بعضهم في فهم كلامكم أو تأويله خارج السياق". انتبه إليّ الشاذلي وبايماءة من رأسه، فهمت أنه فهم كلامي. واختتم الجلسة بالقول: "على أيّة حال، الحديث في القضايا التاريخية يطول، وأعدكم بلقاءات أخرى، والتفاصيل ستقرؤونها في مذكراتي. وبالفعل، حدث ما كنت أتوقعه، فقد كانت التغطيات الصحافية في أغلبها خاطئة، ونزعت كلام الرئيس من السياق الذي قيل فيه. ولما سألني الرئيس عن الأمر، قلت له: "إن الصحافة ارتكبت نفس الأخطاء مما يدل على أن يدا واحدة كانت وراء ذلك". وقد تألم الرئيس أثناء العشاء في إقامة الولاية، وهو يشاهد نشرة الثامنة تتحدث عن لقاء لصاحب حزب مجهري مع كمشة من مناضليه قبل الحديث عن لقاء الشاذلي الهام مع أصدقائه المجاهدين والطلبة. ولما لفت انتباهه إلى ذلك قال لي "نوّكل عليهم ربي". وهي العبارة التي كان يرددها باستمرار حين ينزعج من أمر ما.
تألم مرة أخرى وهو يقرأ افتتاحية في جريدة لا أذكر اسمها بعنوان "اخرس يا الشاذلي"، عقّب "شايف يا عبد العزيز هذه الجرائد ظهرت بفضل اصلاحاتي، وهي اليوم تريدني أن أصمت". قلت له: "سيادة الرئيس، هذه العبارة سبق لجورج مارشي، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي أن قالها للصحفي ألقاباش على شاشة التليفزيون Taisez vous monsieur Alcabache"، فردّ: "قالها رجل سياسي لصحفي، واليوم يقولها صحفي لرئيس جمهورية". وكانت تلك الافتتاحية كتبت بعد عامين ردا على حوار أجراه باحثان يابانيان مع الشاذلي يتحدث فيه عن مراحل من حياته ونضاله. لماذا الكتابة بعد سنتين؟ السؤال مطروح.
.
أراد ان يهدي مكتبته للمكتبة الوطنية فتجاهلته خليدة تومي
كان يقضي أيامه في مطالعة الصحف والكتب التاريخية والسير الذاتية. والمبادرات الجميلة التي قام بها هو إهداءه مكتبته المؤلفة من أكثر من ثلاثة آلاف كتاب لجامعة الجزائر. ولهذه المبادرة قصة. طلب مني أن أنصحه لمن يهدي مكتبته، فأشرت عليه بالمكتبة الوطنية، وكلمت الزاوي والوزيرة خليدة، لكنها تجاهلت الأمر...
كان رحمه الله أبا مثاليا، على أخلاق سامية، عطوف حنون، وكريم النفس، وفضلا عن ذلك انسانا وطنيا مخلصا لبلده لم يغادره يوما إلا للعلاج. والجزائر هي البلد العربي الوحيد التي يعيش رؤساؤها فيها من بن بلة إلى كافي إلى الشاذلي إلى عبد العزيز بوتفليقة.
ذات يوم كنت معه في ليلة شتوية، وكان معنا أخواه العقيد المرحوم عبد المالك وحزام. ارتطمت حمامة بزجاج صحن البيت، محدثة دوّيا يشبه الانفجار، فالتفت الشاذلي، وقال لأخيه: "إنها حمامة، إن ماتت ادفنها، وان مازالت حيّة ساعدها على الطيران". كان يحب الحيوانات ويعشقها، ومما رواه لي أنه كان يرفض في شبابه إطلاق النار على الأيّل البربري الذي كان أنذاك موجودا بأعداد كبيرة في القالة والطارف، لأن الأيّل يذرف الدموع حين يصاب بطلقة.
تميّزت سياسته الخارجية بالبراغماتية والاعتدال والانفتاح. وكانت له علاقة متينة مع الرئيس الإيطالي برتيني وملك بلجيكا بودوان والملك الإسباني خوان كارلوس تجاوزت العلاقة البروتوكولية إلى العلاقة الحميمة.
دعته جامعة السوربون في الإمارات العربية للمشاركة في ندوة كبرى حول الجنرال ديغول والعالم العربي دعي اليها الرئيس الفرنسي جاك شيراك وبطرس غالي وميشال دوبري وشوفنمان وغيرهم من رجال السياسة البارزين فاستشارني وقلت له "لازم تشارك"، لكنه بعد أيام قال لي أنه لا يحبذ المشاركة، وعندما سألته عن السبب ردّ المشارقة أيّدهم ديغول أثناء عدوان 1956، وبعده لمصلحة فرنسا، أما نحن فقتّلنا، ولو شاركت وقلت لهم هذه الحقيقة لن يعجبهم الحال.
.
عندما غضب الشاذلي مني
في السنة الماضية سافرت إلى دبي للمشاركة في لجنة التحكيم لجائزة الصحافة العربية، ثم بعد ذلك إلى الكويت للمشاركة في ندوة دولية تحت مسمّى "العرب يتجهون شرقا"، أخبرته أني مسافر لمدة طويلة، لكنه نسي وظل يتصل بي باستمرار وهاتفي مغلوق. وعندما ذهبت بعد عودتي إلى بيته لأطمئن عليه، وجدته في فورة غضب عليّ لا توصف. وبعد أن هدأ عانقني قائلا: "أنا آسف أستاذ اذا كنت تريد أن أسعى لك لتعيينك في منصب مسؤولية فالأمر سهل" أجبته: "شكرا سيادة الرئيس، أنا زاهد مثلكم في المسؤولية".
وبالفعل، كان زاهدا في المسؤولية وفي الدنيا. قبل موته بأربعة أسابيع التقيته ولاحظت تدهور حالته الصحية، فلم أرد أن أطيل معه البقاء، أراد أن يودعني إلى خارج البيت، لكني رفضت ذلك بأدب. وبعد يومين كلّمني في التليفون وقال لي "سي عبد العزيز، أنت أخي، أحرص على المذكرات"، وفهمت من ذلك أنه يودّع الحياة والأحبة، ومن خانوه، ومن جعلهم رجالا، وكما كتبت في الشروق هو ودعهم وشيّعهم، وليسوا هم من ودعوه ومن شيّعوه.
كاتب مذكراته عبد العزيز بوباكير يكتب للشروق عن الجوانب الخفية من شخصية الراحل:
لم أكن أتصوّر يوما أن ألتقي الرئيس الشاذلي بن جديد، فقد كنت طالبا في الخارج أثناء عهدته الأولى، بعيدا عما يجري من صراعات في الساحة السياسية، ولم تكن تصلني عنه إلا النكت التي تؤلف حوله وحول أسلوب حكمه، والتي تأكدت بعد معاشرتي له طيلة ستّ سنوات، ولقاءاتي معه كل أسبوع، أنها في غالبها من نسج خصومه من بارونات النظام، الذين أزاحهم من مواقعهم بسهولة مذهلة وبصرامة قلّ نظيرها إلى حد جعل أحد الوزراء المقرّبين منه يقول "سحّتهم كلّهم دون خوف أو تردّد"، وبعضها الآخر ناتج عن جهل بشخصية الرجل الذي جمع في ذاته بين صرامة العسكري، وبين ذكاء عملي ورثه عن أصوله الفلاحية، ونزاهة يشهد له بها حتى الأعداء، ثم عشت في عهدته الثانية من دون اهتمام بها، لأني كنت فقدت الثقة في إصلاح النظام السياسي الجزائري، وكنت شبه متأكد من أن إصلاحات الشاذلي في مجال نظام الحكم والاقتصاد والتعددية الإعلامية آئلة، لا محالة، للفشل، فالنظام متصلب ورافض لأيّ نقاش حول إصلاحه في العمق وحتى من داخله.
أما بعد استقالته، فقد كنت مقتنعا ككلّ الجزائريين أن الشاذلي سواء أخرج كريم النفس من الباب الواسع أو قفز من النافذة الضيّقة، فهو في كل الأحوال غادر السياسة وطلّقها بالثلاث حاملا معه أسراره وأوهامه وخيبات أمله وحلمه بجعل الجزائر بلدا قوّيا مزدهرا، يقضي أوقاته في داره في أعالي الأبيار وإقامته ببوصفر وسفرياته للعلاج على حساب الجيش في بلجيكا.
.
أول لقاء مع الرئيس
تم لقائي الأول به بمحض الصدفة، وربّ صدفة خير من أن تسعى وراء موعد لن تحصل عليه من رئيس جمهورية. ذات يوم كلّمني صديقي إسماعيل أمزيان، صاحب دار النشر القصبة، وقال لي إنه يحتاجني في أمر مهم. ذهبت للقائه وركبنا سيارته باتجاه مجهول بالنسبة لي، وفي الطريق قال لي اسماعيل نحن ذاهبان لزيارة الشاذلي، قلت له: "أيّ شاذلي؟"، أجابني الرئيس بن جديد، لم أصدّق لكن اسماعيل حرز ذلك فأردف ستكتب مذكراته. وهكذا دخلت لأول مرة "دار النسيم" أي دار الشاذلي. اعترف قبل الوصول أن شعورا انتابني شبيه بإحساس الصوفية: "فراغ القلب" أي لا شيء. رافقنا حرسه الخاص إلى صحن الدار المليء بأنواع نادرة من النباتات والورود تبدو في صيانة جيّدة، شاهدت الشاذلي من بعيد منزويا في ركن، في تلك اللحظة انتابني شعور مزودج وخطر ببالي وكأنه خرج للتو من رواية من روايات الكاتب الكولومبي غابريال غارسيا ماركيز، أي باتريارك يعيش عزلة قاتلة، تأكدت فيما بعد أنها اختيار واع منه، فقد كان يرفض استقبال أي مسؤول جزائري، أما الشعور الثاني فهو أن الرجل يشبه أسدا شاخ، لكنه مازال محافظا على أنيابه ولبدته. ولم أفق من سطوة هذا الشعور إلا لما قال: "تفضل، أجلس تشرب قهوة".
.
قهوة الشاذلي ووجع العشرية السوداء
جلست ورحت أحدّق فيه. مازال محافظا على بنيته الرياضية، وقسمات وجهه لم تتغير كثيرا، وشعره يلمع بشيب وقور. إنه في شيخوخته يشبه الممثل الأمريكي جف شاندرل، الشيء الوحيد الذي تغيّر فيه هو عينه اليمنى مالت قليلا إلى الحول وكأنها يريد أن تحرج من حدقتها. فيما بعد عرفت أنه يعاني من مرض حاد في الغدة الدرقية أثر على عينيه. سألناه عن صحته وأحواله فأجاب بكلمات مقتضبة غير معير لأسئلتنا اهتماما كبيرا. بدأ يتحدث بانفعال وغضب كالانسان المجروح، وكأنه يرد على من أساءوا إليه، تحدث عن التحاقه المبكر بالثورة، هو ووالده سنة 1955، نافيا بالدليل التحاقه بالجيش الفرنسي، مندّدا بمن يروّج لذلك قصد الإساءة لتاريخه النضالي.
لم أر في حياتي أحدا يتحدث عن والده مثلما يتحدث الشاذلي عن الهادي بن جديد بحب جم وتبجيل كبير وإعجاب يبلغ حدّ التقديس. تحدث عن فترة حكمه، وعن من يسميهم الخبثاء الذين يصفون عهده بالعشرية السوداء قائلا "الله يسوّدها عليهم"، وعن الاصلاحات التي قام بها وسط معارضة شديدة من معارضيه وأصحاب المصالح "أو اللي يخافوا النار، لأن كروشهم معمّرة بالتبن"، كما يحلو له أن يصفهم. كان ينتقل من موضوع إلى آخر بارتجال ودون تسلسل، ثم يعود إلى نفس الموضوع. استمعنا إليه أنا وإسماعيل باهتمام، دون تدخل. ودّعنا في صحن البيت، وبعد خروجنا قال لي اسماعيل: "ستكون مهمتك صعبة"، أجبته: "إنها مغامرة تستحق أن تخاض".
.
جزء من الذاكرة في ذمتي..
في البيت، قضيت الليلة أفكر من أين أبدأ، وأتساءل عن مخاطر هذه المغامرة، ثم تجاوزت هذا التردّد وأقنعت نفسي أنه يجب أن أساهم في انقاذ جزء من الذاكرة الوطنية، وأن كتابة مذكرات رئيس لا تتاح لأي انسان، وأنها مغامرة جميلة جديرة بأن تعاش بكل ما فيها من أتعاب ومن أفضال أيضا. وبدأت استذكر المسار النضالي للشاذلي أثناء الثورة، رغم أنه لم يكن من عادته الحديث عن نفسه كمجاهد. فقد كان يعتبر أن ما قام به أثناء الثورة واجب أسوة بأبناء جيله، وتذكرت ردّه على عمار بن عودة لما سلّمه هذا الأخير وسام الأثير مخاطبا إيّاه: "أنت أبو المجاهدين"، فردّ عليه الشاذلي: "لا، أنا مجاهد بسيط ككل المجاهدين". حاولت أن استرجع أهم معالم ومحطات حكمه مدة 13 سنة، بما فيها من ايجابيات وسلبيات، حاولت في حدود ما أعرف أن أرسم عنه ملمحا سيكولوجيا ربّما يساعدني على معرفة الرجل معرفة أفضل. ووصلت في النهاية إلى أن أفضل شكل من أشكال الإعداد لمذكراته هو الارتجال، لكن الارتجال المنظم، أي أدعه يتحدث أكثر مما أسأل، ثم أقوم بمسك الخيوط التي تساعدني على تكوين صورة عن الرجل وحكمه وآرائه صحيحة ووافية قدر الإمكان.
وكنت أعرف أن الكثير من المؤرخين والكتّاب والإعلاميين حاولوا الاتصال به للحصول على موافقته لتسجيل مذكراته أو حوارات مطوّلة معه، لكنه رفض رفضا قاطعا. وكان يعتبر أنه من الأفضل ترك الوقت للوقت، كما يقول الفرنسيون، وأن الصمت أحيانا أفضل من الصراحة الجارحة، وأن مذكراته يجب أن تكتب وتصدر في الجزائر. من بين الذين اتصلوا به من الأجانب بينيامين ستورا والقناة التونسية "المستقلة" و"الجزيرة" و"العربية"، ومن الجزائريين محمد بن شيكو وهابت حناشي واحميدة عياشي، كما حاول معه عابد شارف، لكن الاتصال بينهما انقطع لأسباب أجهلها.
كانت خرجته الأولى بعد صمت دام تسع سنوات في 13 جانفي 2001 في دردشة في شكل مقال مع محمد بن شيكو على صفحات "لوماتان" بعنوان "حقائقي"، وفي الحقيقة كان العنوان تشويقيا أكثر منه حقائق، فالشاذلي لم يقل في ذلك اللقاء أشياء مهمة، وإنما أثار قضايا ملمّحا أنه يمكنه الحديث مستقبلا، لم يذكر أسماء ولم يستفض في الحديث عن قضايا ظلت بلا جواب إلى اليوم مهددا، انه قد يكشف عن حقائق مجهولة ومزعجة للبعض. كان ذلك رسالة واضحة الى خصوم. مازلت أذكر وقع تلك القنبلة التي فجرّها الشاذلي، وأذكر أيضا التململ الذي حدث في أوساط الاعلاميين والطبقة السياسية والأجهزة الأمنية. كان الكل يتساءل ما الذي يريده الشاذلي؟ هل خرجته محسوبة، ومن يقف وراءها؟ هل هي مجرد صدفة، أم رغبة للرجل للرد على خصومه الذين تجاوزوا حدود اللياقة في تقييم شخصه وفترة حكمه. ومما قاله الشاذلي في تلك الدردشة "إن الصمت الذي فرضه على نفسه هو اختيار شخصي ولا أحد فرضه عليه". فقد ظل كما كتب بن شيكو "مرتبطا بثبات حازم بمقاومته لشياطين الجدل، وهو الموقف الذي سمح له بالنظر الى العالم المحيط به نظرة باردة ومن دون عداوة ولا أوهام عن الرجال، ضميره مرتاح وأنه غير نادم على أي شيء قام به".
.
عندما يبكي الشاذلي الصديق بن يحيى
في اللقاء الثاني قاطعته وهو يتحدث بسؤال يبدو أنه أزعجه فردّ عليّ منزعجا "أنتم لا تفهمون"، فلذت بصمتي لكي لا أزعجه أكثر، وبعد لحظات انتبه إلى صمتي وقال لي: "لماذا لا تسألني"، فأجبت إذا كانت أسئلتي تزعجكم من الأفضل أن لا أسأل، فانتبه إلى الأمر وقال لي: "معذرة، لم أكن أقصد، وأصارحك أن الأدوية التي أتناولها تجعل مني قلقا وعصبيا إلى حد لا يطاق أحيانا، وكل محيطي وحتى زوجتي تعاني من ذلك وأولادي أيضا". بعد ذلك أصبح منشرحا ينكت. قبل أن أفارقه في صحن البيت سألته، وكان ذلك اليوم هو نصف نهائي كأس العالم - فرنسا اسبانيا والبرازيل غانا - هل تتابعون المونديال؟ أجابني: "لا، مع أني خدمت كرة القدم الجزائرية أكثر من غيري". قلت له "أنتم تحبون"، فأجابني "أفضل الغطس والتنس والشطرنج والصيد".
خلال لقاءاتي الطويلة تحدث مرّة عن الموت المأساوي لوزير الخارجية في عهده محمد الصديق بن يحيى، ولم ينه الحديث وانفجر باكيا. ووجدت نفسي في وضع حرج لا يحتمل وأنا أمدّ له منديلا من الورق ليمسح دموعه، وطال الصمت بيننا خمس دقائق، ثم قال لي "لو كان عندي من أمثاله خمسة وزراء لجعلت من الجزائر قوة إقليمية عظمى".
.
خطأ الصحفيين وجريمة اليتيمة
طلب مني مرافقته إلى عنابة، ثم الطارف، حيث التقى في جامعتها مع المجاهدين الأحياء في القاعدة الشرقية والطلبة. تحدث باسترسال مدة ساعتين كاملتين عن القاعدة الشرقية، وعن هيئة الأركان العامة، وعن ما يسمى بمؤامرة العقداء، وعن علاقته بهواري بومدين، وأشياء كثيرة. كنت أتابع، وأنا في القاعة، ولاحظت تواجدا كثيفا لمراسلي الصحافة في الطارف وعنابة. وكانت الأسئلة تتهاطل وهو يجيب. كتبت له كلمة سلّمتها لحارسه الخاص وقلت له: "قل للرئيس أن يقرأها"، وقد كتبت فيها "أن القاعة تعجّ بالمراسلين المحليين، وقد يخطئ بعضهم في فهم كلامكم أو تأويله خارج السياق". انتبه إليّ الشاذلي وبايماءة من رأسه، فهمت أنه فهم كلامي. واختتم الجلسة بالقول: "على أيّة حال، الحديث في القضايا التاريخية يطول، وأعدكم بلقاءات أخرى، والتفاصيل ستقرؤونها في مذكراتي. وبالفعل، حدث ما كنت أتوقعه، فقد كانت التغطيات الصحافية في أغلبها خاطئة، ونزعت كلام الرئيس من السياق الذي قيل فيه. ولما سألني الرئيس عن الأمر، قلت له: "إن الصحافة ارتكبت نفس الأخطاء مما يدل على أن يدا واحدة كانت وراء ذلك". وقد تألم الرئيس أثناء العشاء في إقامة الولاية، وهو يشاهد نشرة الثامنة تتحدث عن لقاء لصاحب حزب مجهري مع كمشة من مناضليه قبل الحديث عن لقاء الشاذلي الهام مع أصدقائه المجاهدين والطلبة. ولما لفت انتباهه إلى ذلك قال لي "نوّكل عليهم ربي". وهي العبارة التي كان يرددها باستمرار حين ينزعج من أمر ما.
تألم مرة أخرى وهو يقرأ افتتاحية في جريدة لا أذكر اسمها بعنوان "اخرس يا الشاذلي"، عقّب "شايف يا عبد العزيز هذه الجرائد ظهرت بفضل اصلاحاتي، وهي اليوم تريدني أن أصمت". قلت له: "سيادة الرئيس، هذه العبارة سبق لجورج مارشي، الأمين العام للحزب الشيوعي الفرنسي أن قالها للصحفي ألقاباش على شاشة التليفزيون Taisez vous monsieur Alcabache"، فردّ: "قالها رجل سياسي لصحفي، واليوم يقولها صحفي لرئيس جمهورية". وكانت تلك الافتتاحية كتبت بعد عامين ردا على حوار أجراه باحثان يابانيان مع الشاذلي يتحدث فيه عن مراحل من حياته ونضاله. لماذا الكتابة بعد سنتين؟ السؤال مطروح.
.
أراد ان يهدي مكتبته للمكتبة الوطنية فتجاهلته خليدة تومي
كان يقضي أيامه في مطالعة الصحف والكتب التاريخية والسير الذاتية. والمبادرات الجميلة التي قام بها هو إهداءه مكتبته المؤلفة من أكثر من ثلاثة آلاف كتاب لجامعة الجزائر. ولهذه المبادرة قصة. طلب مني أن أنصحه لمن يهدي مكتبته، فأشرت عليه بالمكتبة الوطنية، وكلمت الزاوي والوزيرة خليدة، لكنها تجاهلت الأمر...
كان رحمه الله أبا مثاليا، على أخلاق سامية، عطوف حنون، وكريم النفس، وفضلا عن ذلك انسانا وطنيا مخلصا لبلده لم يغادره يوما إلا للعلاج. والجزائر هي البلد العربي الوحيد التي يعيش رؤساؤها فيها من بن بلة إلى كافي إلى الشاذلي إلى عبد العزيز بوتفليقة.
ذات يوم كنت معه في ليلة شتوية، وكان معنا أخواه العقيد المرحوم عبد المالك وحزام. ارتطمت حمامة بزجاج صحن البيت، محدثة دوّيا يشبه الانفجار، فالتفت الشاذلي، وقال لأخيه: "إنها حمامة، إن ماتت ادفنها، وان مازالت حيّة ساعدها على الطيران". كان يحب الحيوانات ويعشقها، ومما رواه لي أنه كان يرفض في شبابه إطلاق النار على الأيّل البربري الذي كان أنذاك موجودا بأعداد كبيرة في القالة والطارف، لأن الأيّل يذرف الدموع حين يصاب بطلقة.
تميّزت سياسته الخارجية بالبراغماتية والاعتدال والانفتاح. وكانت له علاقة متينة مع الرئيس الإيطالي برتيني وملك بلجيكا بودوان والملك الإسباني خوان كارلوس تجاوزت العلاقة البروتوكولية إلى العلاقة الحميمة.
دعته جامعة السوربون في الإمارات العربية للمشاركة في ندوة كبرى حول الجنرال ديغول والعالم العربي دعي اليها الرئيس الفرنسي جاك شيراك وبطرس غالي وميشال دوبري وشوفنمان وغيرهم من رجال السياسة البارزين فاستشارني وقلت له "لازم تشارك"، لكنه بعد أيام قال لي أنه لا يحبذ المشاركة، وعندما سألته عن السبب ردّ المشارقة أيّدهم ديغول أثناء عدوان 1956، وبعده لمصلحة فرنسا، أما نحن فقتّلنا، ولو شاركت وقلت لهم هذه الحقيقة لن يعجبهم الحال.
.
عندما غضب الشاذلي مني
في السنة الماضية سافرت إلى دبي للمشاركة في لجنة التحكيم لجائزة الصحافة العربية، ثم بعد ذلك إلى الكويت للمشاركة في ندوة دولية تحت مسمّى "العرب يتجهون شرقا"، أخبرته أني مسافر لمدة طويلة، لكنه نسي وظل يتصل بي باستمرار وهاتفي مغلوق. وعندما ذهبت بعد عودتي إلى بيته لأطمئن عليه، وجدته في فورة غضب عليّ لا توصف. وبعد أن هدأ عانقني قائلا: "أنا آسف أستاذ اذا كنت تريد أن أسعى لك لتعيينك في منصب مسؤولية فالأمر سهل" أجبته: "شكرا سيادة الرئيس، أنا زاهد مثلكم في المسؤولية".
وبالفعل، كان زاهدا في المسؤولية وفي الدنيا. قبل موته بأربعة أسابيع التقيته ولاحظت تدهور حالته الصحية، فلم أرد أن أطيل معه البقاء، أراد أن يودعني إلى خارج البيت، لكني رفضت ذلك بأدب. وبعد يومين كلّمني في التليفون وقال لي "سي عبد العزيز، أنت أخي، أحرص على المذكرات"، وفهمت من ذلك أنه يودّع الحياة والأحبة، ومن خانوه، ومن جعلهم رجالا، وكما كتبت في الشروق هو ودعهم وشيّعهم، وليسوا هم من ودعوه ومن شيّعوه.
التعديل الأخير: