سحبت السلطات السورية من على حدودها مع لبنان فرق الشرطة غير المؤهلة للقتال واستبدلتها بنخبة القوات القتالية، وعززت انتشار هذه القوات ببطاريات صواريخ أرض ـ جو ومدفعية ثقيلة، إضافة الى تسيير دوريات راجلة ومؤللة، في سابقة من نوعها.
وتغير مشهد الحدود السورية ـ اللبنانية. ولم يعد متاحاً التجول بحرية لمتابعة ما يجري من تطورات عسكرية ميدانية على مقربة من حدود لبنان، أو التواصل مع مقاتلي ما يعرف بـ"الجيش السوري الحر" الذين كانوا يتسللون ليلاً الى داخل الأراضي اللبنانية للعلاج من إصابة أو لنقل معدات عسكرية ومدنية ومواد تموينية وخلافه. ولم يعد الجيش السوري النظامي يسمح لأي تحرك مشبوه أو مثير للريبة بأن يمر بسلام، وأصبح التحرك والتجول، وإن كان داخل الأراضي اللبنانية المتاخمة، هدفاً مشروعاً للرصاص.
وبعد انتشار الجيش السوري والجنود المدججة بمختلف أنواع الأسلحة، اختفت ظاهرة ما كان يعرف بالتهريب البشري والمادي، في ظل هذه الإجراءات والتعزيزات العسكرية التي باشرت برسم حزامها الأمني والعسكري داخل الأراضي اللبنانية بعمق يتراوح ما بين 2 و5 كلم.
في هذا الشأن اشار مصدر أمني لبناني الى ان التعزيزات العسكرية السورية التي انتشرت يوم 1 اغسطس/آب على طول خط الحدود مع لبنان "تعتبر الأكثر نوعية". وأضاف إن هذه الإجراءات العسكرية السورية "أُبلغ الجانب اللبناني ببعض تفاصيلها الميدانية"، موضحاً أن الجانب العسكري السوري "وضع خطة عسكرية شاملة على طول خط الحدود مع لبنان من دير العشاير جنوباً، مروراً بطفيل ومرتفعات عرسال، وصولاً الى مشاريع القاع ومختلف المعابر غير الشرعية".
ولفت المصدر الى أن التعزيزات "العسكرية القتالية السورية شملت نقاط العبور الرسمية نحو لبنان كمعبر جديدة يابوس وجوسيه قرب القاع". وأشار الى أن الجيش السوري ينفذ ليلاً انتشاراً عسكرياً واسعاً على طول الطريق الممتدة من أطراف معبر المصنع اللبناني الشرقية، مروراً بجديدة يابوس ومرتفعاتها، وصولاً الى أطراف الزبداني، لافتاً الى أن معبر جديدة يابوس أصبح أكثر تحصيناً وتدعيماً، وأن انتشار الجنود على الطريق الدولية من داخل المنطقة المحايدة بين معبري المصنع وجديدة يابوس "يتخذ الطابع القتالي مدعّمين بدبابات ومدافع هاون ورشاشات ثقيلة ومتوسطة". كما لفت المصدر الى أن ما يعرف بـ"الجيش السوري الحر" حاول خلال اليومين الماضيين السيطرة على الطريق الدولية من أطراف جديدة يابوس الشرقية حتى الزبداني و"فشلت المحاولة بسبب التعزيزات العسكرية النظامية التي أسرت أكثر من 10 مقاتلين من الجيش الحر حاولوا إقامة حاجز على الطريق الدولية في منطقة زرزر القريبة من الزبداني". وكشف المصدر أيض أن الجيش السوري نشر بطاريات صواريخ أرض ـ جو جديدة قرب الحدود مع لبنان في مناطق سهل كفر يابوس ومشارف الطفيل اللبنانية، اضافة الى بطاريات مدفعية ثقيلة استخدمت منذ ايام في قصف الزبداني ومضايا، وقد سمع دويها بوضوح في القرى اللبنانية المتاخمة. التعزيزات على طول خط الحدود مع لبنان، بدأ يلحظها رعاة ماشية الذين كانوا يجتازون الحدود بسهولة. ويقول بعض هؤلاء انهم منذ ايام عدة لم يعودوا قادرين على العبور بمواشيهم الى المراعي الخصبة داخل الاراضي السورية. ولفتوا الى ان الانتشار القتالي السوري المدعّم بمدرعات ودبابات ورفع سواتر ودشم قتالية "لم نر مثيلاً له". هذه التطورات الميدانية العسكرية السورية قرب الحدود الجنوبية الشرقية، لا تختلف عن تلك المتخذة منذ أيام وخلال الساعات الماضية في محيط قرية الطفيل اللبنانية، وصولاً الى مرتفعات أعالي جرد عرسال، ونزولاً الى مشاريع القاع التي تشهد بين حين وآخر اشتباكات بين الجيش ومقاتلين سوريين يلقون دعماً من مقاتلين لبنانيين.
وتابع المصدر الأمني أن الجيش السوري رفع سواتر ودشماً جديدة على طول خط الحدود مع عرسال وشرق مشاريع القاع، وبدأ إزالة الأشجار التي تعرقل رؤية الأراضي اللبنانية المتاخمة، كما أن الجيش اللبناني عزز مواقعه في المنطقة وأقام مراكز مراقبة جديدة، فيما تحدث مواطنون لبنانيون عن صعوبة في التنقل ليلاً داخل بساتين مشاريع القاع وحقولها الزراعية بسبب الرصاص السوري.
وقال احد السكان ان الجرحى السوريين الذين كانوا يُنقلون الى مستشفيات في البقاع وشمال لبنان "لم يعد من الممكن وصولهم الى هنا لأن الإجراءات العسكرية السورية أصبحت أكثر تشدداً". في حين اوضح مواطن اخر متعاطف مع "الثورة السورية"، والذي يتواصل مع مقاتلين من "الجيش الحر" ان محاولة جرت قبل أيام للسيطرة على معبر جوسيه السوري، قائلا أن مقاتلين من "الجيش الحر شنوا هجوماً على المعبر لكنهم لم ينجحوا".