الجاسوس الذى قتلته نزوة

إنضم
20 مايو 2008
المشاركات
347
التفاعل
145 0 0
الدولة
Egypt
شاكر فاخوري . . الجاسوس

الذي قتلته نزوة


قليلون جداً .. أولئك الخوننة الذين أسلموا قيادهم .. برغبتهم .. الى مخابرات دولية معادية من أجل شهوة المال. . والتاريخ الطويل الحافل بالصراع بين المخابرات العربية والمخابرات الإسرائيلية، يحفظ لنا تفاصيل هذه القصص القليلة جداً، التي يطرق أبطالها أبواب السفارات الإسرائيلية في الخارج، ويعرضون "خدماتهم" ويكتبون بأيديهم وثيقة خيانتهم للوطن دون رغبة في الانتقام من نظام، أو تعويض خسائر معنوية، اللهم فقط – الحصول على المال الحرام بأسلوب سهل، دون أن يحسبوا حساباً لعيون المخابرات العربية التي ترصد ولا تنام.
وكان شاكر فاخوري، أحد هؤلاء الخونة الشواذ الذين قتلتهم النزوة .. !!!
أساطير الوهم
. . في أعقاب نكسة يونيو 1967. . اشتد نزف الجرح العربي . . وخيمت قتامة قاسية وعم إحساس مرير بالمهانة. ولم تستطع وسائل الدعاية والإعلام العربية التغلب على سطوة هذا الشعور لفترة وطويلة.
فإسرائيل لم تكف عن اختراق حاجز الصوت بقاذفاتها كل يوم فس السماء العربية، دون رادع يوقفها. . وكأنما هي في رحلة ترفيهية آمنة، فتسخر بذلك من أجهزة الدفاع، ومن قوات العرب الت ياندحرت لاهثة أمام ضربات اليهود الفجائية. وتؤكد للعالم أن ادعاءات القوة العربية ضرب من الوهم والخيال.
وفي سكرة الصدمة القاتلة. . أصيبت الأمة العربية بصدمة أخرى يومي 9 و 10 يونيو 1967 وصفها في مذكراته الفريق أول محمد فوزي قائلاً:
(الإحساس بالضياع النفسي يملأني طوال إقامتي بمقر القيادة العامة للقوات المسلحة بمدينة مصر. طوال هذين اليومين كانت مصر بلا قيادة فالقيادة السياسية غير قائمة بإعلان جمال عبد الناصر عن قرار التنحي، والقيادة العسكرية العليا أيضاً غير موجودة باعتزال المشير عبد الحكيم عامر وشمس بدران في منزليهما، بالإضافة الى قادة أفرع القوات المسلحة الرئيسية الذين قدموا استقالاتهم).
هذا هو الجو النفسي المحزن الذي خلفته الهزيمة .. التي أجبرت العرب على تنكيس أعلامهم حداداً على قتل الكرامة والعزة والكبرياء. وفي خضم هذه المأساة.. كانت إسرائيل على جانب آخر تراقب مراحل سقوط العرب . . وتعن بغطرسة استحالة قيامهم ثانية . . ولو حدث .. وقاموا . . فقيام مريض أشل يجر أعضاءه زاحفاً.
ومن هنا .. نشطت المخابرات الاسرائيلية وأعدت العدة جيداً لمراقبة الجسد العربي الصريع ومحاولات النهوض من جديد.
لذا . . فقد بثت العيون والجواسيس والأجهزة .. ترصد وتحلل وتحسب . . وتتوقع ما ستنبئ عنه الخطوة القادمة. . وكان رأي خبراء المخابرات الإسرائيلية الذي لم يحيدوا عنه . . أن هذه الضربة التي أفقدت العرب قوتهم وتوازنهم .. بل وصوابهم .. لا بد لها من رد فعل حتمي سيتأكد حدوثه في لحظة ما.
وهكذا لم يجلس رجال الموساد في انتظار الضربة المفاجئة.. بل عملوا على كشف تحركات واستعدادات العرب العسكرية والدبلوماسية للتكهن بنواياهم التي يضمرونها . . وكان لا بد من تلافي الضربة القادمة. . بالعمل على عدة محاور استراتيجية . . أهمها الإسراع بالبرنامج النووي الإسرائيلي لإرهاب العرب .. وإخضاعهم بالتخويف . . وإحباط عزيمتهم بالدعاية التي تصورهم كأنهم الأساطير . وكذلك بالعمل على تزويد الجيش اليهودي بأحدث مبتكرات تكنولوجيا السلاح العالمية .. لإظهار التفوق الكبير على جيوش عربية لا تستوعب السلاح الحديث. وأيضاً .. تنشيط الأقسام المختلفة في جهاز الاستخبارات الاسرائيلي بما يضمن الحصول على أدق الأسرار – العسكرية والاقتصادية والصناعية – من خلال شبكات متعددة من العملاء والجواسيس المهرة . . الذين زرعوا في غالبية المدن العربية، ينقلون لتل أبيب كل مشاهداتهم وتقاريرهم.
لذا . . فلا عجب إن لاحظنا كثرة أعداد الخونة الذين سقطوا في مصيدة الجاسوسية الإسرائيلية بعد نكسة يونيو 1967 .. في ذات الوقت الذي نشطت فيه المخابرات العربية للكشف عن هؤلاء الخونة الذين توالى سقوطهم وشنقهم. وكان من أبرزهم – شاكر فاخوري – الذي سعى بنفسه للدخول الى وكر الجواسيس طمعاً في المال .. !
كلهم جون .. وروبرت
نشأ شاكر فاخوري نشأة أولاد الأثرياء. فهو لم يعرف يوماً طعم الفقر .. ولم يذق مرارته.. وبرغم ذلك ظهرت بوادر الفشل في حياته أثناء دراسته الابتدائية فكان تعثره الدراسي يرهق بال أهله ويحيرهم.
وفي المرحلة الاعدادية وصم في محيطه بالفاشل . . وأحاطته حكايات تداولتها الألسنة عن سرقاته المتعددة لأموال والده.. وتخوف الأقارب من يده الطويلة حين زيارته لهم.
وبعدما ضج أهله وصرخوا من تصرفاته الطائشة الغبية .. الحقوه بمعهد مهني في روض الفرج .. فخرج منه كأنه لم يدخله. . واستدعى لتأدية الخدمة العسكرية فتهللت أسارير أسرته التي نكبت به .. ولحق بها الأذى من سلوكه المعوج.
وما إن أمضى مدة تجنيده في الدفاع الجوي.. حتى وجد نفسه بلا عمل.. ونظرات الحيرة والقلق تنهش جلده ممن يحيطون به. فحمل حقيبته المليئة بالفشل وسافر الى الكويت.. وعمل بإحدى الشركات الأجنبية في جزيرة فيلكه الواقعة بمدخل خليج الكويت.
كانت إقامته في كرافان معدني صغير مع فني أمريكية فرصة له . . ليتقرب من خلاله الى إدارة الشركة الأجنبية. . التي رأت عدة مرات الاستغناء عنه لافتقاره الى الخبرة الفنية.. وكان رفيق مسكنه – جون باليدر – مكلفاً بتدريبه على أعمال اللحام (ضغط عالي) لذلك .. كاد شاكر أن يقبل قدمي جون . . عندما أخطأ خطأً فنياً من شأنه إحداث أضرار جسيمة بأحد الأجهزة الدقيقة. لكن جون تدارك الخطأ سريعاً ثم صفعه على وجهه وبصق عليه.. فانفجر الرعب في وجه شاكر خوفاً من تقرير جون .. الذي بسببه سيطرد فوراً من الشركة ويعود الى مصر بفشله.
وحاول جاهداً استمالة جون والاعتذار له. لكن جون ظل لأكثر من ساعتين يكتب تقريره المفصل.. وبعدما فشلت محاولات شاكر .. بكى في ضعف فقام جون إليه وقال له:
أستطيع أن أمزق تقريري عنك ولكن في حالة واحدة فقط.
في ضراعة نظر شاكر إليه قائلاً:
لن أنس لك ذلك أبداً مستر جون .. ماذا تريد مني؟
اتجه جون الى مفتاح الإضاءة وأطفأ أنوار الكرافان .. وسمع شاكر حفيف ثياب تخلع وأنفاس تتلاحق . . فارتعش وانكمش في مكانه وقد ولت جرأته.
التصق به جون وقال له في صراحة:
لكي تستمر في العمل لا بد وأن تستجيب لي. لقد ألحقت تحت إمرتي بعد فشلك في عدة أقسام أخرى. وعدم رضائي عنك معناه الطرد. هيا .. هيا قرر الآن فوراً. . !!!
وعندما لم يلق جون رداً .. امتدت يده تتحسس شاكر الذي تفصد منه العرق. . وارتعدت "مفاصله" والجمه الخجل والخوف.
لم يطل الموقف المخزي كثيراً. . إذ قام شاكر "بالمطلوب" واستراح اليه جون .. وكتب فيه التقارير الكاذبة التي حسنت من وضعه أمام إدارة الشركة .. وجعلته يشعر بالأمن في جزيرة فيلكة الى حين.
لقد اشترى برجولته سكوت جون عن أخطائه في العمل ولم يكن ليتخيل أن يقوده الخوف من الطرد الى هذا الفعل الشائن. . وحاول أن ينسى ما حدث معتقداً أن جون سيتركه لحاله. . ولكن خاب اعتقاده وتكرر الأمر في اليوم التالي أيضاً . . وازدادت مطالب الشاذ الأمريكي يوماً بعد يوم .. بل وحدثت كارثة جديدة وضعت شاكر في مفترق طرق وخيار صعب يكاد يقضي عليه.
جاءه جون بمهندس قبرصي يدعى "روبرت هوب" يشغل وظيفة كبيرة في الشركة .. وطلب منه أن "يتعامل" معه بحرية. . ووجد شاكر نفسه مطالب بتلبية شذوذهما دون اعتراض.. بل أسفرت علاقته بالمهندس روبرت عن إحساسه بمهانة ما بعدها مهانة. إذ فوجئ به يريد "مبادلة المواقع" فتأفف شاكر ثائراً ورفض أن يقوم بدور الأنثى حتى ولو خسر عمره. فزجره روبرت وتهدده بالرفد من الشركة التي رفعت من راتبه كثيراً بتوصيات دائمة منه ومن جون. ولم تمر عدة أيام حتى استدعاه مدير شؤون العاملين وأخبره بنبأ الاستغناء عنه، وواجه شاكر المفاجأة بخوار واهن وحاول أن يشرح للمسؤولين بالشركة حقيقة الأمر .. لكن صمتهم أخافه .. وكانت اللامبالاة إجابة للتساؤلات التي بعقله. .فكل الأمريكان بالشركة كانوا جون . . وروبرت. وبعد خمسة أشهر من العمل في الجزيرة حمل حقائبه ولكن الى بيروت لا الى القاهرة.
بنات لبنان
كانت بيروت في تلك الفترة تموج بالفن وبالانفتاح وبالحياة. إنها تختلف كلية عن سائر العواصم العربية بما فيها عواصم دول المغرب العربي المتحررة . فهي أكثر تحرراً وتحضراً. وصفعه إعلان غريب جداً في إحدى المجلات البيروتية لكازينو مشهور . . يعلن عن وجود "كبائن" خاصة للزبائن .. لقضاء أوقات "الراحة" بعيداً عن عيون المتطفلين. فترك حقائبه بحجرته ببنسيون "دعلون" بشارع بعلبك . . واستقل أول سيارة صادفته الى الكازينو.
هناك وجد ضالته. فتيات شبه عاريات يتبخترن في دلال، قدودهن ممشوقة وضحكاتهن كأنها أغنيات تصدح في ليل لبنان.
اقتربت منه إحداهن فأغرقته بعطرها وجمالها في بحور من الأحلام والسحر . . وأغدقت عليه بدلالها فيضاً من الرغبات تفاعلت بأعماقه. . وقد تشوقت رجولته لطعم أنثى . . وجسد أنثى. . وصت أنثى ناعم كالنسيم. . بعدما مقت رائحة البترول وجسدي جون وروبرت. . وكره تأوهات الذكر . . وبعد تعارف سريع سحبته الى إحدى الكبائن التي تعمل بنظام "التايمر".
غرق شاكر بين أحضان الحسان في بيروت مستهلكاً مدخراته التي وفرها في الكويت.. فالضياع الذي توج حياته كان مدعاة لأن يحس بالخواء وينزلق الى حالك في اندفاع غير محسوب . . وثمالة تغشاه بلا روية .. وتصادف أن تعرف على فتاة
اسمها "أوفيليا" قالت له أنها يوغسلافية وإن كانت أمها في حلب.
كانت أوفيليا ذات جمال يسبي العقول .. وأنوثة طاغية تربك عمليات الفكر .. وتسري بجسدها البض دماء حارة تزيد من لسعات الرغبة. صادقته الفتاة ودارت به نهاراً بين جبال لبنان .. وليلاً بمواخيرها حتى نفذت نقوده. فتركته الى قبرص حيث تعمل في "لارنكا" بإحدى شركات التجارة الدولية. ومن هناك اتصلت تليفونياً به . . وأطلعته على صعوبة عثوره على عمل في قبرص وهو لازال ببيروت. فسافر إليها وأخذت تطوف معه أنحاء المدينة بحثاً عن عمل له وباءت محاولاتهما بالفشل. فقال له مازحة: "ليس لك إلا اللجوء لسفارة إسرائيل في نيقوسيا".
اندهش شاكر لعبارتها وفوجئ بها تخبره بأن سفارة إسرائيل بالفعل ستحل مشكلته. . كما حدث مع آخرين أغلقت في وجوههم أبواب الرزق في قبرص. فرتبت لهم أعمالاً مختلفة تتفق وميولهم، تأكيداً لنوايا إسرائيل الحسنة تجاه العرب. وعندما قال لها في استغراب: - هل يعد هذا السلوك خيانة لمصر؟
ضحكت عميلة الموساد وقالت في دلال:
أيها المغفل .. أنت خدمت في القوات الجوية في مصر. ولو أنك ذكرت ذلك للعاملين في سفارة إسرائيل فسيحملونك على أعناقهم. . لأنهم يريدون أصدقاء لهم في مصر على دراية بأوضاع الجيش . ولكنك لا تصلح لأن تكون جاسوساً أيها "الأبله".
وضحك شاكر وقال لها:
ولماذا لا أكون جاسوساً؟ إنني فشلت في كل حياتي ولم أفلح في أي عمل قط. .
وفي بنسيون "جونايكا" تمدد شاكر على ظهره. . وسلط عينيه الى نقطة وهمية بسقف الغرقة وقال لنفسه:
نعم .. أنا إنسان فاشل .. منذ صغري وتطاردني الخيبة تلو الخيبة. . حظي العاثر أوقعني في شرك الشواذ الأمريكيين في الكويت .. وطردت من العمل لأنني رفضت أن أمثل دور المرأة مع روبرت القذر. كنت أرحب بكوني "الرجل" والآن . . الآن ياليتني وافقت على ألعب "الدورين" معاً طالما وافقت على الاشتراك في تلك المهزلة . . وها أنا أعيش على "إعانة" من أوفيليا بعدما أبيعها رجولتي كل ليلة.. إعانة؟ ياليتها تكفي مصروفي هنا .. إنها تمنحني بمقدار ما أنفقه لأعيش بالكاد. حتى رجولتي شح نبعها وجف معينها أمام هذا النزف المستمر.
وقفز شاكر من فراشه يضمر أمراً .. وسحب حقيبته من الدولاب وأفرغ بها ملابسه وغادر لارنكا الى الشمال حتى نيقوسيا العاصمة.
من فوره قصد مبنى السفارة الإسرائيلية. . وعلى الباب الرئيسي تقدم الى موظف الاستعلامات وسأله عن ضابط المخابرات في السفارة.. دهش الموظف وطلب منه إبراز
جواز سفره ليتأكد من جنسيته.. ورفع سماعة التليفون ولم تمض عدة دقائق إلا وكان بمكتب الضابط المسؤول الذي سأله عما يريد بالضبط. فقال له شاكر أنه مر في حياته بظروف صعبة . . وعانى كثيراً من جراء حظه السيء الذي صادفه في مصر والكويت. . وأنه الآن لا يملك ثمن تذكرة العودة الى مصر ويريد أن "يبيع" لإسرائيل معلومات عسكرية هامة قد تحتاجها وفي ذات الوقت إنه على استعداد للعمل معهم في المستقبل لإمدادهم بما يحتاجونه من معلومات عن مصر . . بالمقابل، بل وحدد شاكر نوعية المعلومات التي يستطيع إمدادهم بها بالتفصيل . . وهي معلومات تتعلق بالقوات الجوية التي خدم بين صفوفها لمدة طويلة.
أصيب الضابط بالدهشة وتركه يكتب بخط يده كل ما عنده من بيانات ومعلومات واستغرق شاكر في الكتابة ستة ساعات استطاع أن يكتب خلالها اثنتي عشرة صفحة فولسكاب تضمنت كل ما لديه. فطلب منه الضابط أن ينتظر بفندق واطسون حتى يستدعيه.
احتضان خائن
لازم شاكر حجرته بالفندق لمدة خمسة أيام . . اشتعلت بداخله أثناءها كل أنواع الظنون. وكان لبقائه بمفرده طوال هذه الأيام الخمسة سبب لا يعلمه بالطبع .. فالمخابرات الاسرائيلية لكي تدعم مدى صدق العميل الجديد .. تبحث في حياة العميل وشخصيته وتاريخ حياته.. ويترك العميل لفترة ما يقطع فيها الاتصال به. . وتتم في هذه الفترة أعمال التحريات والمراقبة والتحليل للتأكد من صدق النوايا. . وعندما استدعوه غمرته سعادة كبيرة .. وأسرع الى السفارة الاسرائيلية فاستقبله ضابط آخر اسمه "هيدار" وهو الضابط المسؤول عن التجسس في "الجمهورية العربية المتحدة".
استعرض معه هيدار تفاصيل ما جاء بتقريره. ولعدة ساعات أخرى خضع شاكر لامتحان صعب من الضابط الاسرائيلي الذي تعامل معه بلطف شديد وقال له "مرحباً بك في سفارة بلد صديق" وعليك أن تعلم جيداً أن الفن العسكري والسياسي .. يستقي قوته من المعلومات التي يوفرها جهاز المخابرات الفعال في شتى الميادين في زمن الحرب أو السلم.

فالمعلومات المستقاة من قبل دوائر المخابرات هي أهم ما يعتمد عليه واضعو السياسة .. والقادة العسكريون في كل دولة. تلك الخطط التي تكفل وتؤمن المفاجأة وإرباك العدو في المجالين العسكري والسياسي .
ومن أهم نجاحات رجال المخابرات . . ورود المعلومات في الوقت المناسب .. وبالقدر الكافي قبل بداية الالتحام. وقياساً عليه . . فإسرائيل لا يمكن لها أن تخطط لأي عملية دفاعية مع العرب .. إلا إذا تجمعت لديها كل المعلومات المطلوبة عن الدول العربية عامة .. والدول المجاورة لها خاصة.
واضاف "هيدار" بأن القسم الخاص بالدول العربية في المخابرات الاسرائيلية. . قد انتهج مناهج عديدة .. وطبق وسائل مختلفة لتحقيق انتصار دائم على العرب. وما حدث في يونيو 1967 هو نتاج المعلومات الغزيرة . . التي تجمعت وتسربت من البلاد العربية عن طريق عملاء إسرائيل المخلصين.
وأشد هيدار بدور هؤلاء العملاء موضحاً لشاكر صراحة أن إسرائيل دولة مزروعة في قلب الوطن العربي . . نتيجة لإرث قديم في أراضي فلسطين. . وأن المخابرات الاسرائيلية لا تترك عملاءها نهباً للمخاوف وللمخاطر .. بل تضحي بالكثير من أجلهم وتعمل جاهدة على استردادهم بتشى السبل .. ولا تبخل عليهم بشيء طالما هم مخلصون لإسرائيل محبون لها.
وأكد ضابط المخابرات المحنك . . أن الكثيرون يعتقدون بطريق الخطأ أن إسرائيل إنما تهدف فقط الى الحصول على معلومات عسكرية لها اتصال مباشر بالعمليات القتالية. ولكن المعركة العسكرية تعتمد على نواح كثيرة جداً لا تقل أهمية عن القوات. بل لها الأثر الفعال على كفاءتها مثل قدرة الدولة على الصناعة. . وتوافر الطاقة الانتاجية، والحالة الاقتصادية العامة للدولة، والحالة التموينية والاحتياطي العام والمخزون السلعي.. ومدى تماسك الجبهة الداخلية وصمودها .. وقدرة
الدولة ومدى استعدادها لظروف الحرب.
كانت الظروف النفسية السيئة مضافاً إليها الحاجة الماسة الى المال سبباً مهماً في جلوس شاكر فاخوري أمام ضابط الاستخبارات الإسرائيلي .. فقد جلس أمامه لأوقات طويلة وعلى مدار أيام عدة كتلميذ ينتبه لإرشادت أستاذه . . وبرأسه تدور عشرات الأسئلة حول معاناته. . والمشكلات التي يمر بها . .
ووسوس له الشيطان أن إسرائيل تعرف كل شيء عن مصر .. وأن المعلومات التي قدمها لن تقدم أو تؤخر . . إنها مجرد معلومات عامة هامشية لا تحمل ضرراً ما لأمن وطنه.. أو تدينه أمام الجهات الأمنية إذا ما انكشف أمره.
وظلت تلك الأوهام تسيطر عليه حتى استحالت الى حقيقة. . يؤكدها ما كان يلقيه عليه هيدار بثقة . . واطمئنان.
لقد كانت جل أمانيه أن يخرج من بوتقة الفقر .. ويعيش بمصر آمناً معيشياً لا يسأل أحد أو يمر بضائقة مالية ترهق باله.
وأمام رغبته الملحة في الإثراء السريع المريح . . ونقص الدافع الوطني .. إضافة الى الإغراءات الخيالية التي صبت في أذنية صباً. . وتملكت منه . . وافق على أن يكون صديقاً للعدو .. أميناً في إمداده بكل ما يطلب منه من معلومات أو مهام. هكذا دخل شاكر برجليه وكر الجاسوسية راضياٌ قانعاً. . غير عابئ بالعواقب أو نهاية الطريق المظلم الحالك .. ووجدها رجال الموساد فرصة لا تعوض جاءتهم بلا تعب. . فاستغلوها وأجادوا تلقينه فنون اللعبة الخطرة . . وكانوا قانعين بأن من رضي باللعب مع الثعابين فحتماً – سيلدغ شر لدغة.
استوعب العميل الجديد مهامه التجسسية جيداً.. وامتلأت جيوبه الحاوية بأموال الموساد القذرة. وحمل حقائبه الى القاهرة لمدة شهر .. وعاد ثانية الى قبرص وأبلغ الضابط المسؤول بالسفارة الاسرائيلية بنتائج رحلته السريعة.
إخلاص جاسوس
كتب شاكر في تقريره أنه لم يضيع وقتاً في القاهرة. بل شرع في الحال في ممارسة عمله بصدق . . وكون صداقات عديدة مع رجال ونساء من فئات مختلفة من رواد الملاهي والبارات. وأهم صداقاته كانت مع ضابط مصري يدعى (م. ش. أ) تعرف عليه بأحد الفنادق. وأغدق عليه بكثير من الهدايا دون سؤاله عن أي شيء حتى لا يثير مخاوفه.
وكان التقرير الذي سلمه شاكر لضابط الموساد متخماً بالمعلومات التي أذهلت الضابط . . فأرسله بدوره الى تل أبيب . . وجاءت الأوامر العاجلة بضرورة سفر شاكر لإسرائيل.
وتأكيداً لإخلاصه للموساد وافق شاكر بدون مناقشة، وتسلم جواز سفر إسرائيلي باسم (موشي إبراهام) . . وطار بطائرة العال الإسرائيلية الى مطار (اللد). . ليجد الضابط هيدار
بانتظاره. . وكانت إقامته بتل أبيب في إحدى الشقق المعدة لأمثاله من الخونة .. وهي في العادة مجهزة بأحدث ميكروفونات التنصت والكاميرات الدقيقة.
وكعادة المخابرات الاسرائيلية لكي يضمنوا السيطرة على الجواسيس . . صوروه عارياً مع مديرة المنزل .. وهي فتاة في الثانية والعشرين خمرية اللون قالت له إن جذورها عربية. وأقامت معه الفتاة إقامة كاملة لخدمته ولراحته.
وفي مبنى المخابرات الاسرائيلية، اجتمع به عدة ضباط وخبراء ناقشوا معه التقرير المفصل الذي سلمه في قبرص، وكان بينهم الضابط هيدار . . وضابط آخر اسمه أبو يوسف . . وآخر مسؤول عن التجسس في لبنان، وبعد مناقشات طويلة، قال له كبير الخبراء:
لقد سعيت إلينا بنفسك في قبرص، والآن .. نريد أن نتأكد من إخلاصك للموساد .. وأنك لست ضابط مخابرات مصري مدسوس علينا . . وهذا ليس ببعيد على المخابرات المصرية التي زرعت خبراء لها في جهازنا مرات عديدة.
صراخ شاكر محتجاً، وأكد لهم أنه لا يعرف أين يقع مبنى المخابرات المصرية، وأنه بالفعل ذهب بنفسه الى سفارتهم في قبرص. . رغبة منه في إثبات أهميته ووجوده بعدما أحاطه الفشل من كل جانب. . وأيضاً ليحصل على أموال كثيرة تعينه على مجابهة أهله ومعارفه في مصر.
قال هيدار:
أنت هنا في تل أبيب لتثبت لنا ذلك، ولكي نعمل معاً بأمان،
فسنفحصك بواسطة "جهاز كشف الكذب".
ولم يحتج شاكر هذه المرة. . بل أبدى رغبة جادة في تأكيد "إخلاصه" لهم بكل الطرق التي يرونها.
وأخضع بالفعل للفحص بواسطة الجهاز الامريكي.. الذي أكد صدق خيانته لوطنه وانتمائه للموساد قلباً وعقلاً.
عند ذلك. . ابتدأ تدريبه على أيدي أمهر ضباط المخابرات. . الذين صنعوا منه جاسوساً خبيراً بفنون التصوير، وتشفير الرسائل، والكتابة بالحبر السري، ومسح الأراضي "الطوبوغرافيا" وكيفية التعرف على الأسلحة الحربية برية وبحرية وجوية، وتحديد قدرة تسلحها وطاقتها ومداها المجدي، وأعطى عنواناً في روما ليبعث برسائله المشفرة.
ومن المعروف أن المخابرات الاسرائيلية تخصص لكل جاسوس يعمل لحسابها شفرة خاصة به .. باستخدام "رواية" عربية معروفة أو أجنبية متداولة. . تكون أساساً للإشارات الرمزية المتبادلة بينه وبين المخابرات الإسرائيلية .. ويجري تبديل هذه الرموز بين آن وآخر.
أيضاً تحدد المخابرات الاسرائيلية نوعية الحبر السري لكل جاسوس، فلكل حبر سري ميزات خاصة تؤكد أن مسكر الرسالة هو العميل نفسه المسلم إليه الحبر.
خريج الموساد في القاهرة
بعدما حصل شاكر فاخوري على دورات في التجسس، عاد ثانية الى نيقوسيا ثم الى القاهرة. وبدأ في الحال جمع معلومات وافية عن الجيش المصري والقوات الجوية بالذات .. وكذلك عن النشاط السوفييتي في مصر والخبراء العسكريين السوفييت، والأحوال عامة بعد غارات إسرائيل المستمرة على ضواحي القاهرة، وكان يستقي معلوماته من أفواه العامة من الناس . . على المقاهي وفي المواصلات العامة والنوادي الليلية في شارع الهرم .. حيث ترتادها كافة
المستويات.
أما المعلومات العسكرية وأخبار الاستعدادات الحربية، ونشاط الخبراء السوفييت فكان يحصل عليها من العسكريين الذين يمتون اليه بصفة القرابة أو الجيرة. وأيضاً من خلال الضابط (م. ش. أ) الذي حمل اليه بعض الهدايا من قبرص على سبيل الذكرى.
لقد ركز شاكر كثيراً على هذا الضابط الذي استجاب له بسرعة .. وتبسط معه في الحديث وسرد الأخبار مما استتبع ملازمته لفترة طويلة طوال وجوده بالقاهرة، وعمل على منحه الدعوات المجانية للحفلات.. وبعض الهدايا الذهبية الثمينة في المناسبات المختلفة، والتي لا تتناسب وحجم علاقتهما.
كل ذلك أدى الى تخوف الضابط المصري من سلوك الشاب، فبادر على الفور بإبلاغ جهاز المخابرات بشكوكه. . ونقل الى المسؤولين بالجهاز كل ما دار بينه وبين الشاب من أحاديث وما تسلمه منه من هدايا مختلفة.
تم عمل الترتيبات الأمنية اللازمة .. وكان هناك حرص زائد على ضبطه ومعه أدلة إدانته .. وطلبوا من الضابط أن يتظاهر بصداقته، وألا يجعله يشك في نواياه.. وأن يطلعهم أولاً بأول على مجريات الأمور.
وبعدما اعتقد شاكر أنه اشترى الضابط المصري بهداياه .. انتهز فرصة مروره بضائقة مالية "مفتعلة"، وعرض عليه إمداده ببعض المال.
وحسب الخطة وافق على طلب شاكر بجلب بعض الوثائق العسكرية. . بحجة الاطلاع على استعدادات الجيش للحرب، ولبس الخائن ثياب الوطني المخلص الذي يحلم بيوم الثأر من إسرائيل، وبأن رؤية هذه الوثائق وشروحه عليها تسعده كثيراً. . وتشعره بمدى قوة الجيش المصري، خاصة والطيران الاسرائيلي، قد بدأ يتساقط كالعصافير بعد اكتمال حائط الصواريخ، ولم تعد لديه الشجاعة على اختراق المجال الجوي المصري. وأمده الضابط بمعرفة جهاز المخابرات ببعض الوثائق، ولما تضخمت لدى شاكر الوثائق المعدة سلفاً حملها سريعاً الى نيقوسيا، وامتلأت جيوبه عن آخرها بأموال الموساد، فعاد بها الى القاهرة يحمل رغبة الموساد في تجنيد الضابط المصري، وكل مهمته منحصرة في إقناعه بالسفر الى قبرص لعلاج ابنته، وهناك. . سيتولى رجال الموساد اصطياده بالسيطرة عليه بتصويره عارياً مع عميلة إسرائيلية، وبمنحه آلاف الجنيهات.
عندما عرض شاكر على الضابط فكرة السفر الى قبرص. . تظاهر بالموافقة، وأخذ يماطله وفقاً لطلب المخابرات متحججاً بدراسة الطلب في قيادة الجيش، حيث كانت طلبات السفر خارج مصر تخضع لظروف عدة بالنسبة للضباط.

ولما طالت مدة الانتظار، أراد شاكر أن يذهب بالضابط الى قبرص مجنداً. . وترتفع بذلك مكانته في جهاز الموساد. . وبالتالي يتعاظم رصيده المالي. . فمنح الضابط مبلغاً كبيراً لقاء بعض الخرائط العسكرية، موضحاً عليها مواقع صواريخ "سام 6"، وكذلك المواقع التبادلية، وخرائط أخرى تبين محطات الرادار الهيكلية والصواريخ، وأيضاً خطط السوفييت لحماية المواقع الحيوية، وخطط اصطياد الطيران الاسرائيلي المتسلل الى العمق المصري.
بل إن الخائن الذي اعتقد بالفعل أنه اشترى الضابط. . طلب منه تصوير مواقع عسكرية، وإمداده بوثائق عن الخطط الدفاعية والهجومية العسكرية والأسلحة الحديثة، واستأجر الجاسوس الخائن شقة جديدة من أموال الموساد، خصصها للقاءاته مع الضابط و "تخزين" المستندات والخرائط بها.
وبعد عدة سفرات الى قبرص بالمعلومات التي سربتها المخابرات المصرية اليه لينقلها الى الموساد .. يعود شاكر بالأموال الطائلة، ينفق منها على ملذاته، ويشتري الهدايا للضابط ولأسرته.
وذات مساء عاد مخموراً من سهرة فسق، وعندما امتدت يده بالمفتاح الى كالون الشقة، فوجئ بالباب ينفتح فجأة .. ويقف بالداخل عدة أشخاص كانوا بانتظاره ويترقبون مجيئه. .
جذبه أحدهم الى الداخل، وعلى المكتب رأى الأوراق التي جمعها.. خرائط .. ووثائق. . وتقارير كتبها بخط يده، وصور لبعض المواقع العسكرية، وعدة أفلام خام لم يجر تحميضها..
وبينما كانت الأيدي تمسك به، ويتجه الركب الى حيث ينتظره مصيره الذي خطه بنفسه .. أحس باندفاع بوله الدافئ بين ساقيه. . وقال لمرافقيه:
الى أين ستأخذونني؟
فقال أحدهم:
لتدفع ثمن خيانتك .. هذه الأرض التي تبولت عليها الآن رعباً .. منحتك الأمن والأمان فبعتها. . بعتها لأقذر كلاب الأرض نجاسة وخسة .. فتعال الى مصيرك المحتوم حيث لن ينقذك أحد من حبل المشنقة. . !!
 
قصة ولا اروع
الجنة لشهداء 67 و 73
المصريين والعرب المساندين
 
اخوي كيف عرفت انه جاسوس ما فهمت؟أسف إذا ازعجتك
 
عودة
أعلى