طوافات النقل الثقيل
ريتشارد غاردنر
تغيرت على مدى العقود الثلاثة
الماضية الطائرات بجناح ثابت كثيرا، لكن الطوافات العسكرية تظهر للوهلة
الاولى انها لم تتغير الا قليلا، وما زالت تحلق ببطء نسبيا، اقل من ٢٠٠ ميل
بالساعة، وما زالت تحمل قرابة الحمل النافع نفسه كما كانت قبل ثلاثة عقود.
ما الذي تغير؟ وما الذي يجري التخطيط له مستقبلا؟
احدى الطوافات الغربية التي باتت مقياسا عالميا لمهام النقل الثقيل هي
طوافة (CH-47 Chinook) من شركة (Boeing)
التي حلقت للمرة الاولى في مطلع
الستينات، ونشرها الجيش الاميركي في فيتنام. اما الطراز الاكثر قدرة
(CH-47D) باداء اعلى، فقد ادخل في العام ١٩٨٢. وقد اصبح هذا الطراز اكثر
استعمالا على نطاق واسع لطوافة النقل الثقيل حول العالم. بالاضافة الى
الانتاج الاميركي، جرى تجميع (CH-47D) ايضا في بلدان عديدة في الخارج، بما
فيها ايطاليا واليابان. وجرى التفكير في الماضي بنموذج موسع، لكن بقي هيكل
الطوافة الاساسي على مر السنين دون اي تعديل تقريبا، انما جرى تحديث منتظم
لمحركاتها ونظم الكترونيات الطيران والاتصالات ومعدات الاسعاف الدفاعية.
وقد اضيفت نظم النظارات الليلية ونظم (FLIR). اضافة الى الابراج
الالكترونية - البصرية المتعددة المستشعرات في مقدمها. وقد اصبحت الطوافة
(CH-47) هي الطوافة الجوية التي يسعى وراؤها كثير للقيام بمهام القوات
الخاصة. وان قدرتها على نقل حمل ثقيل من القوات والمعدات على مسافات بعيدة،
وفي احوال حارة وعالية الحرارة، لا يمكن ان تضاهيها اي طوافة اخرى بنيت في
الغرب.
CH-47D of the Spanish Army in 2009
استعملت القوات الجوية الاميركية والقوات الجوية في (NATO)
والجيوش طوافة (Chinook) على مدى ٤٠ عاما، ويجري تجديد صناعة اكثر من ٣٠٠
طوافة، او بناؤها من جديد، للجيش الاميركي بطراز (CH-47F)، مجهزة في قمرتها
الزجاجية بأحدث شاشات العرض والاتصالات الآمنة الحديثة والمسعفات
الدفاعية، مثل اجهزة تلقي الانذار الراداري ونثر العصائف. وتحمل بعض طوافات
(Chinook) رزمة اسعافات دفاعية اكثر شمولا، بما فيها نظم التدابير المضادة
التي تعمل بالاشعة تحت الحمراء الموجهة لصد الصواريخ المعادية. وان تركيب
مدافع صغيرة سريعة الاطلاق تعمل يدويا في فتحات الابواب الامامية وفي باب
المنحدر الخلفي يمنح الطوافة المعنية قدرة معززة للدفاع عن نفسها في المهام
الخطرة حيث يمكن ان تكون بحاجة الى غطاء ناري وهي تقترب حاملة قوات من
موقع الهبوط المتنازع عليه.
Soldiers prepare to board a CH-47F at the National Training Center, Fort Irwin, Calif. in November 2007
ان طوافات (Chinook) التي تقوم بالتحويم وتؤمن معدلا عاليا من نار
المدافع الرشاشة المركزة يمكنها ان تمنح طوافات النقل فرصة افضل لتحقيق
مهمتها، في حين لا يخفض حمل الرشاشات قدرة الطوافة (Chinook) على ان تحمل
حملها بالكامل من القوات او المؤن. وغالبا ما تشمل عمليات طوافات (Chinook)
في افغانستان استعمال طوافات الهجوم (Apache) لقوة النار الدفاعية ومهام
الحراسة الى مواقع الانزال ومنها في ساحة القتال. وقد طورت طوافة (CH-47G)
باعتبارها طوافة دعم للقوات الخاصة مجهزة بزعانف جانبية كبيرة جدا تحمل
وقودا اضافيا ومعدات متخصصة، تشمل مسبارا للتزود بالوقود في الجو.
MH-47G Chinook, during the aircraft's rollout ceremony 6 May 2007 at Boeing
وقد
واصلت شركة (Boeing) تطوير عروض لطوافة (Chinook) اكبر لتحل مكان طوافة
(CH-47F) و(CH-47G) في الوقت المناسب، لكن لم تلقَ هذه العروض دعما رسميا.
استعملت المملكة المتحدة (UK) طوافات (Chinook) في كل عملياتها النشطة،
انطلاقا من حرب جزر الفولكلاندس (Falklands) الى النزاع في اوروبا الشرقية
وفي الحرب العراقية والافغانية. وقد اشتركت ايضا في اغاثات كثيرة لمناطق
المجاعة في العالم وفي عمليات دعم السكان ابان الكوارث الطبيعية، والتي
تجعل قدرتها على حمل مركبات ثقيلة وحاويات رافعة جوية مثالية في الاحوال
الطارئة.
يجري تطوير ثلاث طوافات جديدة في عمليات طوافات (Chinook) في المملكة
المتحدة لتحسين قدرة اسطول طوافات (Chinook) تحسينا اضافيا. وان اهم برنامج
جديد هو الذي يعرف بمشروع (Julius)، ويتضمن قمرة زجاجية حديثة تماما تعتمد
على تصميم (Topdeck) من شركة (Thales) وعلى استبدال محركات (T55-714) من
شركة (Honeywell). وسوف يشمل هذا التحديث ٤٦ طوافة. وقد طلبت المملكة
المتحدة، بالاضافة، ١٤ طوافة (Chinook) اخرى جديدة كليا، التي سوف تزوّد
بنظام رقمي اوتوماتيكي يتحكم بالطيران وبرافعة انقاذ وبرج (FLIR). والتعزيز
الثالث لعمليات الطوافات المعنية في المملكة المتحدة هو ادخال ٨ طوافات
حديثة موسّعة المدى التي سوف تعزز القدرة على الذهاب والاياب في الانتشار
ما وراء البحار بأقل قدر من التوقف العابر.
The CH-47F improved cargo helicopter features reduced vibration, improved avionics and more powerful engine.
ويمكن تفكيك طوافات (Chinooks)
الى اجزاء وحملها على متن طائرات النقل النفاثة من طراز (C-17) اذا دعت
الحاجة الى اعادتها الى قواعدها الاصلية او الى اصلاحها. لكن من الاسهل
عادة في الدورة الروتينية للطائرات المنشورة الاقلاع بالطائرة ان لم تكن
اصيبت بضرر فادح والعودة بها الى قاعدتها الاساسية.
C-17 takes off
في معرض الدفاع ومعدات الأمن الذي اقيم مؤخرا في لندن (DSEi)، اعلنت
شركة (Weatherhaven) الكندية عن تصميم جديد مبتكر لحاوية موسّعة تُحمل جوا
للمرة الاولى داخل مقصورة الطوافة (Chinook) ويمكن تزويد الطوافة Chinook
او اي طوافة نقل كبيرة بحمل تقليدي معلقا تحتها، لكن ذلك يجعلها في وضع خطر
عندما تحلق فوق ارض صعبة، وخاصة في اوضاع الخطوط الامامية المعادية.
وينبغي ان تحلق الطوافة آنذاك بشكل ابطأ، وهي اقل رشاقة عندما تكون
الحاويات متدلية من تحتها، ويمكن ان تصبح الاحمال في الاوضاع الحادة غير
مستقرة وقد ينبغي الغاؤها. واذا كانت الحاوية تتضمن معدات طبية في داخلها
ومؤنا حيوية اخرى، فان هذا قد يكون له تداعيات خطيرة جدا.
طورت شركة (Weatherhaven) حاليا حاويات تكتيكية قابلة للتوسعة مدمجة
وخفيفة لدرجة كافية تناسب داخل طوافة (Chinook). ويمكن ان تحمّل الوحدات
وتفرّغ بسرعة ومن ثم تُرصّف لتشكيل مركزا طبيا او مجمّع عمليات في مناطق
بعيدة. ويمكن لهذا النظام الجديد للحاويات القابلة للتوسعة ان يتيح لطوافة
(Chinook) واحدة ان تنقل مركزا طبيا كاملا الى ساحة الخطوط الامامية والذي
يمكن انشاؤه خلال دقائق في موقعه. وقد يأتي الحمل كاملا مع كل المعدات
ومجهزا بالاتصالات البصرية - الليفية. ويمكن انشاء عدة وحدات لتشكل قاعدة
شاملة، دون تأخير مع تفادي الاخطارالفيزيائية التي تحتم استعمال طريق
القوافل عبر الاراضي المعادية. وان خيار عدم المجازفة المستعمل حاليا وهو
نقل كل شيء جوا في احمال معلقة تحت الطوافات هو الافضل.
اما الخطر الآخر الذي يحصل من تشغيل طوافات كبيرة في الصحراء وفي بيئات
قاسية يعلوها الغبار، فهو مجازفة للطيارين الذين تضلّلهم الاحوال الداكنة.
وهذا الانجراف الكبير للهواء الذي تشكله شفرات الدوار المزدوجة لطوافة
(Chinook) يؤدي الى تكوين غيمة كبيرة من الرمل او الغبار التي ترتفع وتحوط
الطوافة وهي تقلع وتهبط في أحوال معينة. وهذا يمكن ان ينطبق في العراق
وافغانستان على حركة كل طوافة تقريبا، لكن يشكل خطرا بنوع خاص على طوافة
(Chinook) باعتبار ان الانجراف الهوائي عنيف جدا. ويمكن ان يساعد التدريب
الكثيف للطيار على اعداد الاطقم لمواجهة الاخطار المعنية، الا ان معظم
الحوادث العملانية تحصل من التضليل الكامل لان الرؤية من نوافذ القمرة
تختفي، حتى عندما يكون الاقتراب من موقع الهبوط. وعندما يتعين على الطوافة
(Chinook) التحويم على مستوى منخفض لنقل او تسليم حمل معلقا تحتها، فان
مقدار الرمل والغبار يمكن ان يحجب تماما قاعدة الهبوط المستعملة، ويعرض
بالتالي الاطقم والمسافرين وموظفي الحركة على الارض للخطر. ولذلك، طورت
شركة (BAE Systems) حاليا حلا جديدا اطلقت عليه تعبير (BLAST).
وقد نشأت تكنولوجيا المساعدة المعززة على الهبوط في الأحوال الداكنة من
خلال بحوث كثيرة وتطوير اعتمد على بيانات رادارية بموجة ملليمترية وعلى
بيانات الارتفاع عن الارض الرقمية. ويُدمج النظام في شاشات العرض في قمرة
الطائرة او في شاشات العرض الرأسية او الشاشات المركبة على الخوذة والتي
تراقب منطقة الهبوط وتغذي الطيارين بمعلومات سريعة. وهذا يمنحهم مصدراً
حديثاً دائماً للمعلومات حول السرعة والارتفاع والاتجاه، حتى عندما تعميهم
الرؤية في الأحوال الداكنة ويتمكنون مع ذلك من تلقي مؤشرات ادراك الوضع
التي تسمح لهم بالتحكم بالطوافة بامان وثقة. وقد يناسب هذا النظام الجديد
المهام الخاصة والطيران في الخطوط الأمامية بنوع خاص، بما فيها الطيران
وراء خطوط العدو، ويخفض كثيراً فرص المعاناة من حوادث الاصطدام التي تؤدي
الى هبوط اضطراري، او حتى الى خسارة الطوافة بكاملها.
اما طوافة النقل الثقيل المنافسة لطوافة (Chinook) منذ وقت طويل
والمصنوعة في الولايات المتحدة فهي طوافة (CH - 53 D/E) من شركة (Sikorsky)
التي تخدم في فيلق مشاة البحرية الأميركية (USMC) وتشغّل المانيا أيضاً
اسطولاً كبيراً منها. وتطور الشركة طرازاً محدثاً هو طراز (CH - 53 K) ليحل
محل طوافات (Marine Sea Stallions) القديمة،
CH-53D
وتتمنى الشركة ايضاً أن تحل
محل بعض طوافات (Chinook) في الجيش الأميركي، وسوف تحمل الطوافة (CH - 53K)
حملاً نافعاً يبلغ وزنه نحو ٠٠٠ ٣٥ رطل، ويجري اعتبارها منصة محتملة بعيدة
المدى بجناح دوار لسلاح الجو الأميركي،
CH-53K concept c. Sikorsky
على رغم ان طائرة (V - 22 Osprey)
من شركة (Bell - Boeing) المجهزة بدوار يغير الاتجاه يفترض بأنها تلبي هذا
الدور. وهي (V - 22) تعمل بنجاح كبير وموثوق في افغانستان، وتتمتع بسرعة
عالية ومدى بعيد، الا ان مقصورتها محدودة السعة.
وما يريده سلاح الجو
الأميركي فعلاً، فهو طائرة نقل ثقيل تقلع وتهبط عمودياً (VTOL) تتمتع بسعة
طائرة (C - 130 Hercules) وبمرونة طوافة (Chinook) وعلى رغم انه اقترح
تطوير دوار وجناح يغير الاتجاه من طائرة (C - 130 Hercules) منذ سنين
عديدة، فان ذلك لم يتحقق لغاية الآن ببرنامج مؤكد، وقد لا يرى النور على
الاطلاق.
احدى الطوافات التي تندرج في فئة طائرات (C - 130) التي تقلع وتهبط
عمودياً (VTOL) وهي حالياً أكبر طوافة نقل ثقيل قيد الانتاج، هي الطوافة
الروسية (Mi - 26)
Russian Air Force Mi-26
وهذه الطوافة العملاقة للنقل المجهزة بجناح دوار تتمتع
بممر تحميل خلفي منحدر مثل طائرة (Hercules) وبحجرة داخلية كبيرة السعة.
Mil Mi-26 Russian helicopter cargo compartment
ويبلغ حملها النافع أكثر من ٢٠ طناً. وهذا النموذج الجديد هو طوافة (Mi -
26T) المجهزة في القمرة الزجاجية بشاشات عرض حديثة وبجهاز طيران آلي رقمي
وبنظم طيار معززة للتحليق بأحمال كبيرة معلقة تحتها.
وعلى غرار طوافة (Mi -
26) الحالية، فهي تتمتع بأداء عال ممتاز جداً في الأحوال الحارة. وعلى رغم
ان هذه الطوافة تخدم في القوات الجوية في قليل من المستعملين المدنيين في
كل العالم النامي، فلم يعتمدها زبائن في الغرب مطلقاً. فهي، مع ذلك تحظى
بالاحترام لواقع انها طوافة نقل ثقيل فائقة فعلاً. ولما كان الكثيرون في
الغرب يعتبرون انها طوافة اساسية فعلاً في كمالها ومعداتها، فقد تكون طوافة
(Mi - 26T) عرضاً مختلفاً.
Mil-26 Cockpit
لما كانت شركة (EADS/Eurocopter) قد حاولت ان تدفع الى الأمام متطلبات
المشروع والخيارات التقنية لطوافة النقل الثقيل الجديدة الأوروبية، بمشاركة
وبدون مشاركة الولايات المتحدة، فان مناخ الاستثمار الأوروبي الصعب الحالي
في البرامج العسكرية الجديدة يعني ان البرنامج قد أوقف فعلاً.
تم بحمد الله
field marshal