تناسى العرب بحكم طبيعة التسامح التي جبلوا عليها، أمنية الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رضي الله عنه عندما أمر جنده بالتوقف عند حدود العراق وإيران وعدم الانسياح في بلاد فارس، داعيا ربه بالقول "اللهم اجعل بيننا وبين فارس جبلا من نار". وعمر بن الخطاب، الذي عرف بفراسته وسعة درايته بالتاريخ، كان يعرف جيدا تاريخ الفرس مع العرب وما حواه هذا التاريخ من دسائس وحروب وجرائم غدر وعدوان، لذلك حرص على عدم توفير الفرص الملائمة للاندماج معهم، حتى أجبر على اتخاذ قرار الانسياح في إيران بسبب العمليات التي كانت تقوم بها قواتها على طول الحدود، ثم تحشدّها الكبير في نهاوند حينها للعدوان على جيوش المسلمين في العراق.
"
وللتاريخ، فإن هذا هو أسلوب إيران منذ قدم التاريخ وخاصة مع العراق وما يجاوره جنوبا، وحتى في التاريخ الحديث سواء في عهد الشاه أو عند قيام الثورة الإيرانية، فإن إفرازات النظام في طهران تنصب على رؤية الحرب والتلاعب بالطبيعة الجيوبولتيكية للعراق والمنطقة، وقد شهدت الأجيال السابقة والحالية احتلال شاه إيران الجزر العربية الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) عام 1971م، والحرب على العراق (1980-1988م)، ثم قيام إيران بعمليات ما سميت بصفحة الغدر والخيانة عقب انسحاب العراق من الكويت (1991م) راح ضحيتها الآلاف من العراقيين إضافة إلى تدمير البنى التحتية ومراكز الثقافة والعلم في معظم محافظات العراق، ثم مساهمة إيران بقوة وفعالية في حرب احتلال العراق (2003م) لتستثمر سقوط النظام السياسي والعسكري والثقافي والتعليمي فيه لصالحها.
إذن، تناسى العرب أمنية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسمحوا أو ساهموا في إسقاط نظام كان يشكل جبل نار بوجه النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، ولم يتذكروها فعلا حتى كشرّت القيادات العراقية الجديدة أنيابها وكشفت عن تحالفاتها مع إيران لتغيير معادلات النفوذ في المنطقة، وربما لم يأت مركز "Strategic Beige" الأميركي المتخصص في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية بجديد عندما أشار مؤخرا إلى "التزام العراق بالموقف الإيراني في الصراع في الشرق الأوسط"، وهو ما تشير إليه حقيقة كل سلوكيات النظام السياسي الجديد في العراق سواء المعلنة أم التي يجري الترتيب لها في الخفاء بالتنسيق بين طهران وبغداد.
ولأن القوة العظمى في العالم احتلت العراق بمساعدة دول بعينها في العالم وبدعم فعلي ولوجستي من بعض دول الإقليم العربي وغير العربي، فقد بدا على سطح المشهد السياسي لبضع سنوات بعد إسقاط النظام في العراق بروز طائفة معينة وانحسار طائفة أخرى قسريا، ورغم خطورة هذا المتغير فإن دول الخليج العربي تحديدا لم تحرك الكثير من ساكنها وتقرأ المستقبل جيدا، على اعتبار أن أي بديل عن نظام صدام حسين هو أفضل بالنسبة لأمنها، وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة تملك القدرة في أي وقت لتشكيل المعادلة الديمغرافية والسياسية في العراق، وفي الحالين لم تكن حسابات هذه الدول متطابقة وواقع الحال على أرض الواقع في العراق وفي إيران وفي جميع دولهم دون استثناء.
بعد وضوح الصورة ومنذ بضع سنوات بدأت الدولة الأكثر قدرة على إدارة الصراع في المنطقة، المملكة العربية السعودية، قراءة الصورة من جديد، وزاد من وضوح الصورة المرتسمة لدى الرياض تطورات الموقف الخطيرة في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية والتحالف المعلن بين حكومة المالكي وطهران، إضافة إلى الصلف الرسمي الإيراني في طريقة التعامل مع دول الخليج، وكان آخرها قيام رئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد بزيارة جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، وتواتر الحديث عن نية حكومته جعلها مركزا لمحافظة جديدة في إيران (المحافظة 31)!!
إن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران بدأت منذ العام 1928، وكانت طهران دائما هي اللاعب المناكف للخيار العربي، وكلنا يعلم أو يتذكر الدور الذي لعبته إيران في تعويض النفط السعودي عندما قرر العرب عام 1973م حظر تصدير البترول للغرب عقابا له على دعمه لإسرائيل، وبعد أن أسقطت الثورة الإيرانية شاه إيران صاحب النفوذ المتغطرس في المنطقة، بدت إيران تحت تأثير نوعين من القوى السياسية، أولهما المؤسسة الدينية القوية، والثاني العقيدة العسكرية والأمنية الإيرانية التاريخية، التي تفترض دائما أن عدوها هناك في غرب البلاد!
"
ونتيجة ضغوط هاتين القوتين تصاعدت حمى التوتر في المنطقة ومع دولها رغم محاولة بعض الزعامات الإيرانية التخفيف من هذه الحدة، كسياسة "نزع التوترات" التي اتبعها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي (1997م)، ورؤية الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني الداعية إلى إقامة علاقات قوية مع المملكة العربية السعودية، كسبيل لتخفيف الضغوط الغربية على إيران.
اليوم تستشعر جميع دول المنطقة، وبالخصوص دول الخليج العربي، حجم التوتر القائم بين المملكة العربية السعودية وطهران، حتى إن البعض أطلق عليها "الحرب الباردة بين طهران والرياض"، ويذهب البعض الآخر لصورة أكثر عتمة فيتوقع مضاعفات أكبر من الحرب الباردة، فما الذي يدفع المملكة لإعلان موقفها المتشدد من طهران؟ وما هي المتغيرات التي دفعت للتصعيد بهذا الاتجاه؟ وما هي مخاوف المملكة الفعلية من إيران؟
حقيقة هناك محاور عدة دفعت وتدفع السعودية لتوجس متزايد تجاه إيران، يقف ربما على رأسها التحرك الإيراني المذهبي وتفعيل ما يطلق عليه في طهران بـ"تصدير الثورة الإيرانية"، والثورة هنا تعني لدى المتابعين والمعنيين بالشأن الإيراني، الموقف من الشيعة ومحاولة نشر هذا المذهب في المنطقة، وقد بدا واضحا التصعيد الطائفي المعلن في هذا الاتجاه، سواء في دعم حزب الله في لبنان، أو بمحاولات السيطرة المذهبية المطلقة في العراق على حساب المكون المذهبي الرئيسي الآخر هناك، موقف إيران من تطورات التحركات المذهبية في البحرين والمنطقة الشرقية واليمن، وأخيرا الدور الإيراني في حركات الربيع العربي ومحاولاتها الحثيثة لاستثمار التغييرات في المشهد السياسي العربي لصالح "تصدير ثورتها" ودعم حركة التغيير المذهبي لمئات الشباب العربي المقيم في أوروبا وأميركا مقابل إغراءات مالية ثم إرسالهم إلى دولهم لنشر المذهب الشيعي في دولهم (تونس وليبيا والمغرب ومصر وغيرها).
المحور الثاني يرتبط بتطورات البرنامج النووي الإيراني. حيث ترى إيران أن الموقف السعودي من برنامجها النووي ما هو إلا صدى للموقف الأميركي، وحقيقة أن المملكة العربية السعودية قلقة جدا من هذا البرنامج النووي، وهي قلقة أيضا من تراخي الولايات المتحدة في معالجة موضوعه وتأخرها في الضغط على إيران لتحديد سلميته كمشروع نووي، وقد باتت الآن أكثر قلقا نتيجة اقتراب إيران من تحقيق أهدافها النهائية من المشروع النووي، وهو ما يعني تحديدا امتلاكها الفعلي لحق النفوذ على دول المنطقة كقوة نووية تضاف إلى عناصر القوة التي تمكّن من النفوذ كقوة الاقتصاد والمساحة وعدد السكان وغيرها.
وقد تكون الأحداث الواقعة في سوريا ميدان تجارب للحرب الباردة بين طهران وحلفائها (العراق وحزب الله والنظام السوري)، والمملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج العربي وغيرها، وقد ثبت للمعنيين في المملكة قوة النفوذ الإيراني وقدرة طهران على التحكم بمقدرات بعض شؤون المنطقة الإستراتيجية، ولعل الاختبار الأبرز في التجربة السورية، دور العراق بحكومته الحالية وتحالفها كامتداد لإيران مع النظام في سوريا، بما يكفي لإثارة الحفيظة وربما الرعب من قادم الاختبارات، هذا إذا سمحت طهران بها!
وقد يكون الاختبار الإيراني المعاكس سريعا جدا وتحديدا في البحرين، فحراك البحرين بالنسبة لطهران مشروع ومواجهته من قبل الحكومة البحرينية انتهاك لحقوق الإنسان هناك، في حين ترى الرياض أن ما يجري في البحرين حراك مذهبي، تقف إيران وراءه بوضوح، وبالطبع فإن رؤية السعودية كانت محل إجماع في مجلس التعاون الخليجي، ولكن هل يكفي أن تكون لدول الخليج رؤية مثل هذه كي تستطيع درء الخطر عن أمنها القومي؟
"
المملكة العربية السعودية، القوة الإقليمية الكبرى في منطقة الخليج العربي بالإضافة إلى إيران، تتحرك بشكل مكثف لإدارة الصراع مع طهران، فهي من جهة ركزت في موضوع العلاقات الخارجية على الانفتاح على أصدقاء إيران مثل روسيا والصين، وبدأت تعاملا حذرا مع حكومة بغداد وأعادت بشكل ما علاقاتها الدبلوماسية معها، ثم ها هي تتعامل بقوة مع قضية الجزر الإماراتية العربية المحتلة بدءا من مناورات "جزر الوفاء" التي جاءت ردا على زيارة نجاد لإحداها، وانتهاء بدعم دولة الإمارات العربية المتحدة في طرح هذه القضية على الجهات الدولية المعنية، مرورا بالتحشيد الإعلامي والسياسي والعسكري لوضع هذه القضية موضع الدرجة القصوى من الاهتمام بما تمثله من مساس بأمن الخليج العربي بدوله المختلفة.
جانب آخر يتعلق بضمانات المملكة وقدرتها على توفير كميات إضافية من النفط لمشتريه للتعويض عن النفط الإيراني المحظور تصديره، إضافة إلى دعوات الاتحاد الخليجي أو على الأقل الاتحاد مع البحرين بما تمثله عملية الاتحاد من صلاحيات قانونية وإدارية لمتابعة القضايا الخليجية دون أن تعطي لإيران مبررا للادعاء بالتدخل السعودي في شؤون دول الخليج العربية.
كل هذه التحركات السعودية جيدة في مفهوم إدارة الصراع بين الدول المتصارعة، لكنها قد لا تكون ذات جدوى كبيرة مع استمرار الانسياح الإيراني في بلاد الرافدين، ووصول العلاقة بين نظامي الحكم في بغداد وطهران إلى درجة الاتحاد، إن أمن دول الخليج العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية يحتاج إلى البحث فعليا وبشكل جدي عن "جبل نار" جديد في العراق يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
المصدر:الجزيرة
[/FONT]"
وللتاريخ، فإن هذا هو أسلوب إيران منذ قدم التاريخ وخاصة مع العراق وما يجاوره جنوبا، وحتى في التاريخ الحديث سواء في عهد الشاه أو عند قيام الثورة الإيرانية، فإن إفرازات النظام في طهران تنصب على رؤية الحرب والتلاعب بالطبيعة الجيوبولتيكية للعراق والمنطقة، وقد شهدت الأجيال السابقة والحالية احتلال شاه إيران الجزر العربية الإماراتية الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) عام 1971م، والحرب على العراق (1980-1988م)، ثم قيام إيران بعمليات ما سميت بصفحة الغدر والخيانة عقب انسحاب العراق من الكويت (1991م) راح ضحيتها الآلاف من العراقيين إضافة إلى تدمير البنى التحتية ومراكز الثقافة والعلم في معظم محافظات العراق، ثم مساهمة إيران بقوة وفعالية في حرب احتلال العراق (2003م) لتستثمر سقوط النظام السياسي والعسكري والثقافي والتعليمي فيه لصالحها.
إذن، تناسى العرب أمنية الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وسمحوا أو ساهموا في إسقاط نظام كان يشكل جبل نار بوجه النفوذ الإيراني في العراق والمنطقة، ولم يتذكروها فعلا حتى كشرّت القيادات العراقية الجديدة أنيابها وكشفت عن تحالفاتها مع إيران لتغيير معادلات النفوذ في المنطقة، وربما لم يأت مركز "Strategic Beige" الأميركي المتخصص في الشؤون الإستراتيجية والعسكرية بجديد عندما أشار مؤخرا إلى "التزام العراق بالموقف الإيراني في الصراع في الشرق الأوسط"، وهو ما تشير إليه حقيقة كل سلوكيات النظام السياسي الجديد في العراق سواء المعلنة أم التي يجري الترتيب لها في الخفاء بالتنسيق بين طهران وبغداد.
ولأن القوة العظمى في العالم احتلت العراق بمساعدة دول بعينها في العالم وبدعم فعلي ولوجستي من بعض دول الإقليم العربي وغير العربي، فقد بدا على سطح المشهد السياسي لبضع سنوات بعد إسقاط النظام في العراق بروز طائفة معينة وانحسار طائفة أخرى قسريا، ورغم خطورة هذا المتغير فإن دول الخليج العربي تحديدا لم تحرك الكثير من ساكنها وتقرأ المستقبل جيدا، على اعتبار أن أي بديل عن نظام صدام حسين هو أفضل بالنسبة لأمنها، وعلى اعتبار أن الولايات المتحدة تملك القدرة في أي وقت لتشكيل المعادلة الديمغرافية والسياسية في العراق، وفي الحالين لم تكن حسابات هذه الدول متطابقة وواقع الحال على أرض الواقع في العراق وفي إيران وفي جميع دولهم دون استثناء.
بعد وضوح الصورة ومنذ بضع سنوات بدأت الدولة الأكثر قدرة على إدارة الصراع في المنطقة، المملكة العربية السعودية، قراءة الصورة من جديد، وزاد من وضوح الصورة المرتسمة لدى الرياض تطورات الموقف الخطيرة في البحرين والمنطقة الشرقية من السعودية والتحالف المعلن بين حكومة المالكي وطهران، إضافة إلى الصلف الرسمي الإيراني في طريقة التعامل مع دول الخليج، وكان آخرها قيام رئيس الجمهورية الإيرانية أحمدي نجاد بزيارة جزيرة أبو موسى الإماراتية المحتلة، وتواتر الحديث عن نية حكومته جعلها مركزا لمحافظة جديدة في إيران (المحافظة 31)!!
إن العلاقات بين المملكة العربية السعودية وإيران بدأت منذ العام 1928، وكانت طهران دائما هي اللاعب المناكف للخيار العربي، وكلنا يعلم أو يتذكر الدور الذي لعبته إيران في تعويض النفط السعودي عندما قرر العرب عام 1973م حظر تصدير البترول للغرب عقابا له على دعمه لإسرائيل، وبعد أن أسقطت الثورة الإيرانية شاه إيران صاحب النفوذ المتغطرس في المنطقة، بدت إيران تحت تأثير نوعين من القوى السياسية، أولهما المؤسسة الدينية القوية، والثاني العقيدة العسكرية والأمنية الإيرانية التاريخية، التي تفترض دائما أن عدوها هناك في غرب البلاد!
"
ونتيجة ضغوط هاتين القوتين تصاعدت حمى التوتر في المنطقة ومع دولها رغم محاولة بعض الزعامات الإيرانية التخفيف من هذه الحدة، كسياسة "نزع التوترات" التي اتبعها الرئيس الإيراني الأسبق محمد خاتمي (1997م)، ورؤية الرئيس الإيراني الأسبق ورئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام هاشمي رافسنجاني الداعية إلى إقامة علاقات قوية مع المملكة العربية السعودية، كسبيل لتخفيف الضغوط الغربية على إيران.
اليوم تستشعر جميع دول المنطقة، وبالخصوص دول الخليج العربي، حجم التوتر القائم بين المملكة العربية السعودية وطهران، حتى إن البعض أطلق عليها "الحرب الباردة بين طهران والرياض"، ويذهب البعض الآخر لصورة أكثر عتمة فيتوقع مضاعفات أكبر من الحرب الباردة، فما الذي يدفع المملكة لإعلان موقفها المتشدد من طهران؟ وما هي المتغيرات التي دفعت للتصعيد بهذا الاتجاه؟ وما هي مخاوف المملكة الفعلية من إيران؟
حقيقة هناك محاور عدة دفعت وتدفع السعودية لتوجس متزايد تجاه إيران، يقف ربما على رأسها التحرك الإيراني المذهبي وتفعيل ما يطلق عليه في طهران بـ"تصدير الثورة الإيرانية"، والثورة هنا تعني لدى المتابعين والمعنيين بالشأن الإيراني، الموقف من الشيعة ومحاولة نشر هذا المذهب في المنطقة، وقد بدا واضحا التصعيد الطائفي المعلن في هذا الاتجاه، سواء في دعم حزب الله في لبنان، أو بمحاولات السيطرة المذهبية المطلقة في العراق على حساب المكون المذهبي الرئيسي الآخر هناك، موقف إيران من تطورات التحركات المذهبية في البحرين والمنطقة الشرقية واليمن، وأخيرا الدور الإيراني في حركات الربيع العربي ومحاولاتها الحثيثة لاستثمار التغييرات في المشهد السياسي العربي لصالح "تصدير ثورتها" ودعم حركة التغيير المذهبي لمئات الشباب العربي المقيم في أوروبا وأميركا مقابل إغراءات مالية ثم إرسالهم إلى دولهم لنشر المذهب الشيعي في دولهم (تونس وليبيا والمغرب ومصر وغيرها).
المحور الثاني يرتبط بتطورات البرنامج النووي الإيراني. حيث ترى إيران أن الموقف السعودي من برنامجها النووي ما هو إلا صدى للموقف الأميركي، وحقيقة أن المملكة العربية السعودية قلقة جدا من هذا البرنامج النووي، وهي قلقة أيضا من تراخي الولايات المتحدة في معالجة موضوعه وتأخرها في الضغط على إيران لتحديد سلميته كمشروع نووي، وقد باتت الآن أكثر قلقا نتيجة اقتراب إيران من تحقيق أهدافها النهائية من المشروع النووي، وهو ما يعني تحديدا امتلاكها الفعلي لحق النفوذ على دول المنطقة كقوة نووية تضاف إلى عناصر القوة التي تمكّن من النفوذ كقوة الاقتصاد والمساحة وعدد السكان وغيرها.
وقد تكون الأحداث الواقعة في سوريا ميدان تجارب للحرب الباردة بين طهران وحلفائها (العراق وحزب الله والنظام السوري)، والمملكة العربية السعودية وحلفائها من دول الخليج العربي وغيرها، وقد ثبت للمعنيين في المملكة قوة النفوذ الإيراني وقدرة طهران على التحكم بمقدرات بعض شؤون المنطقة الإستراتيجية، ولعل الاختبار الأبرز في التجربة السورية، دور العراق بحكومته الحالية وتحالفها كامتداد لإيران مع النظام في سوريا، بما يكفي لإثارة الحفيظة وربما الرعب من قادم الاختبارات، هذا إذا سمحت طهران بها!
وقد يكون الاختبار الإيراني المعاكس سريعا جدا وتحديدا في البحرين، فحراك البحرين بالنسبة لطهران مشروع ومواجهته من قبل الحكومة البحرينية انتهاك لحقوق الإنسان هناك، في حين ترى الرياض أن ما يجري في البحرين حراك مذهبي، تقف إيران وراءه بوضوح، وبالطبع فإن رؤية السعودية كانت محل إجماع في مجلس التعاون الخليجي، ولكن هل يكفي أن تكون لدول الخليج رؤية مثل هذه كي تستطيع درء الخطر عن أمنها القومي؟
"
المملكة العربية السعودية، القوة الإقليمية الكبرى في منطقة الخليج العربي بالإضافة إلى إيران، تتحرك بشكل مكثف لإدارة الصراع مع طهران، فهي من جهة ركزت في موضوع العلاقات الخارجية على الانفتاح على أصدقاء إيران مثل روسيا والصين، وبدأت تعاملا حذرا مع حكومة بغداد وأعادت بشكل ما علاقاتها الدبلوماسية معها، ثم ها هي تتعامل بقوة مع قضية الجزر الإماراتية العربية المحتلة بدءا من مناورات "جزر الوفاء" التي جاءت ردا على زيارة نجاد لإحداها، وانتهاء بدعم دولة الإمارات العربية المتحدة في طرح هذه القضية على الجهات الدولية المعنية، مرورا بالتحشيد الإعلامي والسياسي والعسكري لوضع هذه القضية موضع الدرجة القصوى من الاهتمام بما تمثله من مساس بأمن الخليج العربي بدوله المختلفة.
جانب آخر يتعلق بضمانات المملكة وقدرتها على توفير كميات إضافية من النفط لمشتريه للتعويض عن النفط الإيراني المحظور تصديره، إضافة إلى دعوات الاتحاد الخليجي أو على الأقل الاتحاد مع البحرين بما تمثله عملية الاتحاد من صلاحيات قانونية وإدارية لمتابعة القضايا الخليجية دون أن تعطي لإيران مبررا للادعاء بالتدخل السعودي في شؤون دول الخليج العربية.
كل هذه التحركات السعودية جيدة في مفهوم إدارة الصراع بين الدول المتصارعة، لكنها قد لا تكون ذات جدوى كبيرة مع استمرار الانسياح الإيراني في بلاد الرافدين، ووصول العلاقة بين نظامي الحكم في بغداد وطهران إلى درجة الاتحاد، إن أمن دول الخليج العربي وتحديدا المملكة العربية السعودية يحتاج إلى البحث فعليا وبشكل جدي عن "جبل نار" جديد في العراق يعيد الأمور إلى نصابها الصحيح.
المصدر:الجزيرة