شكل الغواصات النووية، التي تتمتع بمدى عملاني غير محدود تقريباً، بقدرة عالمية، من الصعب جداً اعتراضها دون مفهوم دفاع طباقي يسعى لتحديد السفن ومتابعتها مع خيار مهاجمتها اذا دعت الضرورة. وعلى رغم التقدم في مجال تكنولوجيا الكشف، يبقى أمراً واقعياً ان الغواصات النووية التي تغوص عميقاً يصعب جداً مواجهتها في المحيطات الواسعة. وان اكتشافها بنجاح لا يقتضي فقط دوريات جوية بعيدة المدى وسفن حربية سطحية مجهزة للحرب المضادة للغواصات (ASW)، وغواصات هجومية، بل أيضاً اقماراً اصطناعية آمنة فضائياً، وطائرات قيادة وتحكم لاجراء اتصال مع الغواصة. وتدعو الحاجة ايضاً الى شبكة مستشعرات موضوعة في قاع البحر لمتابعة تحركات الغواصات في نقاط الاختناق الخطيرة في ارض المحيط المعروف انها تعبر بالقرب منها، ومن الواضح تماماً أن بحريات قليلة جداً تستطيع ان تتحمل تكاليف باهظة في تأمين كل هذه الدفاعات ضد الغواصات التي تمخر عباب المحيط، لكن في مناطق مثل الخليج العربي وحول المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط حيث المياه ضحلة أكثر، فهناك العديد من الخيارات المتاحة التي تخفض من خطر التعرض للغواصات. فبالنسبة لمعظم البلدان، التي تُعتمد معدات الدفاع والمستشعرات تحت الماء فانها باهظة التكاليف الى درجة محرّمة، وان الطبقة العليا للدفاع ربما سوف تشمل طائرات دورية بحرية بعيدة المدى مع طائرات دورية ساحلية قصيرة المدى، على ان تتضمن الطبقة الأخيرة طوافات تعتمد في عملها على السفن المجهزة أيضاً بمستشعرات حرب مضادة للغواصات (ASW) وأسلحة مناسبة.
الدورية الجوية على الأرض
تتألف السوق العالمية حالياً في هذا المجال من منصات قديمة العهد الى حد بعيد يبلغ عمرها اكثر من ٤٠ عاماً، جرى تحديث العديد منها تماماً على مر السنين. وان طائرة الدورية البحرية (MR) المستعملة اكثر على نطاق واسع في الحرب المضادة للغواصات (ASW) هي بلا شك طائرة (P - 3C Orion) من شركة (Lockheed Martin) التي تعود الى الخمسينات. وقد أثبتت على انها قادرة على استيعاب تجديد وتحديث دون نهاية تقريباً، ولذلك فقد استوعبت على مر السنين اقوى المحركات ونظم المهام والأسلحة الجديدة والاتصالات والكترونيات الطيران الجديدة، ومؤخراً راداراً وشاشات جديدة في القمرة.
ان المشغلين الذين جددوا مؤخراً اساطيل طائرات (P - 3) هم استراليا ونيوزيلاندا وكندا. وقد نشأت اعمال تجديد ومبيع مزدهرة انطوت على طائرات (P - 3s) مستعملة. وقد تضمن الأمر استخراج طائرات من المخزون منذ سنوات في البحرية الأميركية واعادة تجهيزها بالكترونيات طيران جديدة ونظم في القمرة. وفي بعض الحالات برادار جديد، في حين جرت مبيعات اخرى أدت الى تجديد طائرات (P - 3) مسحوبة من الخدمة تخلت عنها بلدان مختلفة في (NATO). وقد طُبقت وسائل تحديث مماثلة على طائرات الدورية البحرية (MR) من طراز (Atlantique) التي تشغلها فرنسا وألمانيا. وقد باتت هذه الطائرات حالياً قديمة جداً، لكن لم يعلن عن اي خطط مؤكدة لاستبدالها، مع ان المانيا تنوي استعمال طائرات (EuroHawk) دون طيار لبعض مهام المراقبة البحرية والاستطلاع فوق البر.
تتسلم البحرية الأميركية حالياً دفعة اولى من طرازات الانتاج الباكرة من طائرات الدورية البحرية (Boeing P-8A Poseidon MR) وتستعد لانشاء اول سرب لتدريب الطاقم، الذي يفضي في النهاية لتدريب الأطقم على سرب مؤلف من ١١٧ طائرة تحل محل كل طائرات (P - 3C Orion) الباقية. وتتمتع طائرة الدورية (P - 8A) بنظام مهام متقدم، وعلى رغم انها تعتمد على هيكل الطائرة المدنية (Boeing 737 - 800) فقد تم تجهيزها بمزايا عسكرية مثل القدرة على التزود بالوقود في الجو بأسلوبي تزويد الوقود خارجياً او داخلياً ليتسنى تعليق الأسلحة وتعزيز فعاليتها بمستشعرات مراقبة (IR/EO) مركبة على البرج وبرادار جديد جو - سطح وبنظام مساعدات دفاعية. ويتمتع هيكلها بحجرة عمل بحيز واسع للعرض التكتيكي والمشغلين ليعملوا ويتمتعوا براحة عالية. وتمنح محركاتها المزدوجة (CFM - 56) استدامة طويلة في موقعها تتيح لها القيام بدوريات تدوم لغاية ٨ ساعات. وتستطيع مستشعراتها المتقدمة اكتشاف الغواصات على السطح او تحته، كما ستكون الطائرة (P - 8A) قادرة على العمل أيضاً في نطاق مجال المعركة بدور اداري يدمج بيانات الهدف ويوزعها على السفن وعلى طائرات اخرى على نطاق واسع. وقد عبّرت استراليا عن رغبتها في طلب طائرات (P - 8s) للخدمة في وقت لاحق من هذا العقد. وقد طلبت الهند ٨ طائرات (P - 8I) على ان تجهز بكثير من المعدات التي طورتها الهند.
هناك بعد طائرة (P - 8A)، من حيث القدرة، عدد من الطائرات المجهزة بمحركي دفع تربينيين تنافس حالياً على المبيعات في سوق الدورية الجوية البحرية وسوق الحرب المضادة للغواصات (ASW).
تشمل هذه الطائرات طائرات (295) من شركة (EADS) وطائرات الدورية البحرية (ATR 72 MR). وتعرض كلا الطائرتان نظم مهام جاهزة متقدمة تدمج الرادار ومستشعرات المراقبة (IO/EO) مع القدرة على القاء طافيات وأسلحة حرب مضادة للغواصات (ASW) من اماكن التعليق في هيكلها. وتُقدم هذه المنصات الحديثة تسوية جيدة توازن بين التكاليف المعقولة والاعتمادية مع القدرة الفعالة للحرب المضادة للغواصات والمرونة للعمل أيضاً في الأدوار المضادة للسطح والبحث والانقاذ. وتجهز هذه المنصات نظم تنتجها شركة (Thales) و(EADS) و(Selex Galileo).
طائرات بجناح دوار
تؤمن طائرات الحرب المضادة للغواصات حيث تكون حاملات الطائرات والسفن الحربية الكبيرة المجهزة بمنصات للطوافات متاحة، قدرات بعيدة المدى فعالة في النهار او في الليل. لكن حتى البحرية الاميركية قد استبدلت حالياً طائرات منصة الحرب المضادة للغواصات بجناح ثابت التي تعتمد على حاملات الطائرات مثل طائرة (S3 - Viking بطوافات اكثر مرونة يندرج معظمها ضمن مجموعة طوافات (S - 60 Sea Hawk) وقد حلت هذه الطوافات ايضاً محل طوافات (Sea King) القديمة في البحرية الاميركية، ولكن تبقى طوافة (Sea King) في معظم ارجاء العالم هي الطوافة الأكثر استعمالاً في الحرب المضادة للغواصات (ASW) على نطاق واسع في الخدمة. وقد جرى تحديثها مع مر السنين بمستشعرات وأسلحة محسنة، وقد اظهر هيكلها القوي اشارة صغيرة من مشاكل الأعياء، على رغم ان اساطيل امضت ألوف الساعات وهي تعمل بنجاح انطلاقاً من متون السفن في احوال كثيرة الملوحة. وهي مجهزة برادار مراقبة يعمل على ٣٦٠ درجة للبحث والمتابعة على السطح. وتحمل طوافات الحرب المضادة للغواصات ايضاً معدات اختصاصية اخرى تشمل صونار غوص ينزله ونش في المياه، وطافيات تتناثر فوق منطقة اوسع، واحتياط لحمل شحنات عمق او طوربيدات موجهة. ويحمل بعضها نظم كشف المغنطيسية الشاذة (MAD) تدل على تبدلات في الحقل المغنطيسي نتيجة ظهور أجسام دخيلة موجودة تحت الماء - كالغواصات بنوع خاص. ومع تقدم تكنولوجيا الحرب المضادة للغواصات في العهد الرقمي، فان المستشعرات تستطيع نظم العرض الحديثة عرض الأهداف المبرمجة من جوانبها كافة للمقارنة بصورة الهدف المكتشف، وتكون صور الأهداف المبرمجة محمولة في مكتبات رقمية على متن الطائرة، ولذلك بات اسهل حالياً على المشغلين ان يتعرفوا فوراً على ما تم اكتشافه. وان المهارة الزائدة في تفسير معطيات المستشعرات تمكن حتى من ان تدل على فئات مختلفة من الغواصات وسفن السطح وتبين ايضاً ما اذا كان هدف كبير يتحرك تحت الماء هو غواصة او حوت، واضافة الى تقديم مزيد من معلومات الكشف ومعالجة اسرع للبيانات، فان نظم الحرب المضادة للغواصات (ASW) المحمولة حالياً على متون الطائرات هي اخف كثيراً ومدمجة أكثر من الأجيال السابقة للطوافات المضادة للغواصات. وهذه تقدم فوائد عديدة، مثل منح المنصة استدامة اطول للقيام بدوريات اطول انطلاقاً من محطتها، او بزيادة المدى الفائق انطلاقاً من السفينة، وتتيح بالمقابل، حمل عبء اسلحة اكبر الى مسافة ابعد. ولعل الفائدة الاكبر من احدث نظم المستشعرات هي الاعتمادية الزائدة التي تعني ان وقتاً أقل يجب ان يمضيه طاقم الصيانة بين العمليات. فعلى متون حاملات طائرات كبيرة ربما تحمل الواحدة ١٠ طوافات او اكثر، فان هذا لا يشكل معضلة، لكن على متون سفن حربية أصغر ربما لا مكان الا لطوافة واحدة او طوافتين للحرب المضادة للغواصات، فان الاعتمادية والمتاحية الزائدتين اللتين يمكن الحصول عليهما من معدات الحرب المضادة للغواصات من الجيل الجديد يشكلان عاملاً حيوياً في الحصول على أكثر فائدة فعالة وكافية من المعدات الجوية الباهظة التكاليف.
صممت طوافة (EH101 Merlin) من شركة (AgustaWestland) خصوصا لتحل محل طوافة (Sea King) في دور الحرب المضادة للغواصات، وهي حالياً أفضل طوافة مجهزة من نوعها، وهي الطوافة الوحيدة المجهزة بثلاثة محركات تمنح سلامة اضافية ومدى اطول فوق الماء. وقد اختارها زبائن عديدون، اضافة الى البحرية البريطانية والايطالية، ويدخل في الخدمة حالياً نموذج محدث (MK2) مع البحرية الملكية مجهزاً بنظام مهام جديد تماماً وبشاشات عرض ونظم الكترونيات طيران حديثة في القمرة. وقد قدمت هذه النظم شركة (Lockheed Martin) البريطانية. وقد طوّرت هذه الشركة ايضا مع شركة (Northrop Grumman) حاضن رادار متقدما جديداً كلياً، يحمل اسم (Vigilance)، يمكن تثبيته على طوافة قياسية ليمنح قدرة مراقبة اضافية متعددة الادوار. وهذا يتيح لطوافة (Merlin) المصممة للحرب المضادة للغواصات ان تنفذ ايضا ادوار القيادة والتحكم والإنذار الباكر المحمول جوا والمراقبة السطحية بأدنى حد من التعديل، لان النظام يستعمل نظام مهام الإنشاء المفتوح القائم وامداد الطاقة.
مؤخراً، فازت شركة (Sikorsky) المشاركة في هيكل في فريق (Team Romeo) مع شركة (Lockheed Martin) بمنافسة رئيسية على تزويد طوافات حرب مضادة للغواصات (ASW) متقدمة من طراز (MH-60R) للبحرية الاسترالية الملكية. ويمنح نظام المهام الذي تزوده شركة (Lockheed Martin) ادراكاً وضعياً اضافياً وشبكة وصلات بيانات كثيفة تجعل مهمة مشاطرة المعلومات واتخاذ القرار أسرع وأكثر دقة. وهذا النموذج الاخير (MH-60R) من طوافة (Sea Hawk) هو نموذج متعدد الأدوار وقادر أيضا على مطاردة أهداف سطحية وغواصات. وقد احتدمت هذه المعركة على المبيعات بين فريق (Team Romeo) وشركة (Eurocopter) التي تقدم النموذج البحري من طوافة (NH-90). وقد اختارت استراليا طوافة (NH-90) لدور المنافع العامة في الجيش. ويجري تجميع الطوافة محلياً في استراليا، لكن حملة تسويق قوية جداً اجتذبت البحرية الاسترالية التي سوف تضع الطوافات (MH-60Rs) التي اختارتها على متون فرقاطاتها ومدمراتها وفي النهاية على متني حاملتي الطوافات الجديدتين. وتُعرض طوافة شركة (Sikorsky)، طراز (S-92)، كطوافة بحرية متعددة الادوار، لكن ينوي الزبائن حالياً استعمالها لمهام البحث والانقاذ بدلاً من الحرب المضادة للغواصات، وقد طلبتها كندا في هذا الدور.
من ناحية اخرى، تسلمت البحرية الفرنسية حالياً اولى طوافات (NH-90) المجهزة بمحركين ووضعتها في الخدمة. وسوف تعمل انطلاقاً من المدمرات الجديدة (Horizon) ومن فرقاطات (FREMM). وقد طلب الاوروبيون وزبائن التصدير معا أكثر من ٥٠٠ طوافة من فئة (NH-90). اما المشغلون في الخارج فهما نيوزيلاندا وعمان. وان طوافة (NH-90) هي تصميم لطوافة خفيفة ومتقدمة، مجهزة بنظام يتحكم بالطيران بالاسلاك، مزودة بالكترونيات طيران ونظم اسلحة متقدمة. وتتمتع الطوافة، في دور الحرب المضادة للغواصات، بنظام كشف الشذوذ المغنطيسية (MAD) في الذيل، كما تتمتع بمستشعرات تشغيل ومراكز تنسيق تكتيكية في الحجرة، وهي مجهزة بصونار غوص وقاذفات طوربيد وطافيات. وان شاشات العرض في القمرة هي من احدث تصميم، وتساعد الطوافة على ان تكون عملانية تماماً بطاقم مؤلف من ثلاثة افراد فقط. وتتيح نظم المهام المدمجة والاوتوماتيكية على متنها اجراء اتصالات عالية المستوى، بحيث يشكل عاملاً رئيسياً في اجراء عمليات حرب مضادة للغواصات على نطاق اسطول واسع، تشارك فيه منصات وسفن متعددة في الحرب المضادة للغواصات، اضافة الى المقرات الرئيسية على البر، وقد طورت شركة (Thales) مع شركة (EADS) وشركة (Selex Galileo) رادارا يعمل في دائرة كاملة ٣٦٠ درجةا، ويستطيع متابعة نحو ٢٠٠ هدف سطحي في اكثر الاحوال الجوية المعادية وفي احوال بحرية عالية.
تملك شركة (AgustaWestland) مجموعة من طوافات الحرب المضادة للغواصات، المناسبة للسفن او المشاطرة في الاستعمال من القواعد البرية. وتشمل تلك الطوافات طوافة (EH 101 Merlin) الاخيرة والطوافة الاخف (AW 159 Wildcat) وطوافة (Super Lynx 300)، التي تستعملها البحريات في (NATO) على نطاق واسع وعبر العالم. وان الطوافة الاحدث (AW 159) هي قيد التطوير لتحسين اداء الطيران، وتقوم مواصفات عالية ذات مستوى عال من المساوات المشتركة بين نماذج الطوافات البرية والبحرية التي ليست بحاجة الا لتغيير بسيط لتغيير الادوار، بما فيها الحرب المضادة للغواصات. وتستطيع طوافة (Wildcat)، مثل طوافة (Lynx) وطوافة (Super Lynx) السابقتين، العمل انطلاقا من متن سفينة صغيرة، لما يجعلها طوافة مثالية للاستعمال في ادوار متعددة، حيث لا يوجد مجال كاف على متون السفينة لحمل اكثر من طوافة واحدة.
كانت هناك زيادة في الاهتمام في المركبات الجوية دون طيار للاستعمال على متون السفن، بما فيها الحرب المضادة للغواصات. ولما كانت هذه الطوافات الصغيرة قادرة على اطلاق التوربيدات ضد هدف كالغواصة، فانها تفتقر حاليا الى الحمل النافع والاستدامة لتنفيذ ادوار بعيدة في البحث والمتابعة للحرب المضادة للغواصات. ولهذه المهمة، فان المنصة التي يشغلها مشغلون مهرة تحتل مكانا ممتازا لاطلاق غطاء جوي طويل ومتوسط الاستدامة مع القدرة على تحديد وتصنيف ومهاجمة الغواصات. فلا شك ان المركبات الجوية دون طيار المجهزة بقدرات بحرية سوف يتعزز استخدامها، وتستطيع هذه المركبات بالتأكيد ان تقوم بتنفيذ دوريات سطحية مفيدة على طول الخطوط الساحلية وفوق البحر. لكن بالنسبة للمستقبل المنظور، فان الطائرات التي يقودها طيار والتي تنطلق من قواعد على البر ومن السفن يرجح ان تبقى المنصة المفضلة في الحرب المضادة للغواصات.