المرتزقة الجدد و(خصخصة) الحروب بقلم محمد جمال عرفة
من مقدمة المؤلف لكتاب حول شركات المرتزقة ومهامها
قديما.. كان المحاربون الأشداء يؤجرون أنفسهم للبلاط الملكي في الممالك القديمة كجنود ومصارعين يستخدمون عضلاتهم وقوتهم الجسدية مقابل المال، وبعضهم كان يستخدمهم الملوك في حلبات المصارعة في وقت السلم، وفي ميدان الحرب في المعارك، وكان لهم دور في توسع امبراطوريات كبرى مثل "الرومانية".
ومع الوقت وتطور الحروب والزمن، تطور دور هؤلاء المحاربين -المرتزقة- الذين يبيعون قوتهم ومهاراتهم الحربية لمن يدفع، بحيث أصبحوا جيوشا كاملة تؤجّر نفسها وليس مجرد أفراد، حتى أن 30 الفا من الجنود المرتزقة الألمان المعروفين بـ (الهسيانز) شاركوا في الحرب الأهلية الأمريكية قبل ظهور الولايات المتحدة الحالية.
ومع خروج قوات الاستعمار الغربية من القارة الأفريقية وآسيا، بدأت هذه الدول تسعى عبر أجهزة مخابراتها في تشكيل شركات أمنية خاصة يشرف عليها عسكريون سابقون بهدف تأجيرها من الباطن للقيام بالأعمال القذرة والحروب الصغيرة في بعض البلدان التي ترغب الدول الاستعمارية في استمرار السيطرة عليها بوسائل أخرى غير تقليدية بعدما انتهت المرحلة الاستعمارية.
هذه الشركات الخاصة -أغلبها غربية- بدأت بالنمط التقليدي للمرتزقة في تلقي تعهدات مختلفة خصوصا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لحماية رؤساء دول ديكتاتوريين، أو تدبير انقلابات لصالح فئات سياسية معينة، أو حماية آبار بترول أو مناطق إنتاج الماس وغيرها مقابل نصيب من ثروات هذه البلدان.
وسريعا ما تطور نشاط هذه الشركات وتوسع ليتضمن أنشطة أخرى تكنولوجية وفنية واقتصادية بجانب النشاط العسكري، واختلف بالتالي دور المرتزقة العاملين في هذه الشركات من العسكري الذي يلبس اللباس العسكري ويحمل أسلحته ومعداته الحربية، إلي أشكال متعددة من المرتزقة، منهم الفنيون الذين يديرون شبكات الرادارات العسكرية وأجهزة الملاحة الدقيقة، وخبراء البرمجيات والكمبيوتر الذين يخططون المعارك ويديرون التقنيات الحديثة.
وساعدت عدة تطورات على انتشار شركات المرتزقة هذه، وعلى ظهور المرتزقة الجدد في العصر التكنولوجي الحديث، منها: رغبة الحكومات في التخفي عند القيام ببعض الأعمال القذرة، أو خشية السياسيين من أن تؤثر مشاهد توابيت القتلى من جيوشهم المسلحة -في حالة استخدموها بدل المرتزقة- في إثارة غضب الرأي العام الداخلي ضدهم، بعكس المرتزقة الذين لا بواكي عليهم.
ومنها أيضا ميل الخبراء العسكريين وخبراء التكنولوجيا والاتصالات والكمبيوتر لبيع خدماتهم لهذه الشركات الخاصة التي تدفع مبالغ مالية أعلى من الحكومات، ومن ثم اتجاه الحكومات للاستفادة من هذه الشركات في القيام بالعديد من الأعمال خصوصا في الحروب والغزوات لمساعدة قواتها.
والأهم من هذا وذاك أن الاعتماد على المرتزقة في الحروب يقلل من أعداد القتلى الرسميين -باعتبار أن أرقام قتلى المرتزقة لا تذكر رسميا- ما يسمح للحكومات بالكذب فيما يخص خسائرها البشرية لتظهر نفسها منتصرة أحيانا، وهذه حالة ظاهرة في حالة الغزو الأمريكي للعراق حيث أعداد القتلى تتوزع على جنود أمريكيين هم الذين يجري إعلان عدد قتلاهم فقط، وجنود أمريكان آخرون ليسوا حاصلين على الجنسية بشكل كامل وإنما "جرين كارد"، وهؤلاء لا يذكر عدد قتلاهم لأنهم ليسوا جنودا رسميين، ثم المرتزقة أو "المتعاقدون العسكريون أو المدنيون" وهم أيضا لا تذكر أي أرقام دقيقة عن خسائرهم!
...
ومع الوقت توسع نشاط هذه الشركات الخاصة العسكرية وزادت أعدادها حتى بلغت قرابة 100 شركة وأصبح حجم نشاطها المالي يفوق ميزانية الحكومات، ويزيد على 200 مليار دولار وفق بعض التقديرات، وبعد أن كانت الجيوش المحاربة في الغرب تضم نسبة 10-20 في المائة من المرتزقة للقيام بوظائف مختلفة (حماية – تأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح – تدريب- وظائف فنية)، أصبحت الاستعانة بجيوش المرتزقة الجدد من الشركات الخاصة أكبر حجما وتصل أحيانا لنصف هذه الجيوش المحاربة وأكثر، حتى أن دراسات أمريكية وتقريرا نشرته وكالة رويتر كشف عن أن عدد المتعاقدين الأمنيين المرتزقة في العراق بلغ 100-130 ألف مرتزق متعاقد في حين أن عدد القوات الأمريكية الرسمية 150 ألفا!؟.
وهكذا أصبح العالم على أبواب نوع جديد من الحروب هي حروب القطاع الخاص أو الحروب المخصخصة وأصبحت "خصخصة الحروب" هي أخر صيحة في عالم حروب اليوم، بعدما انتشرت شركات المرتزقة وأصبحت تطلق على نفسها أسماء أكثر لياقة وتنبذ كلمة "مرتزقة"، مثل تسمية نفسها "شركات حماية" أو "متعاقدون مدنيون" أو "متعهدون".
أما الحقيقة فهي أن هذه الشركات تعمل من الباطن مع الحكومات، بل وغالبا ما يديرها مسئولون سابقون سياسيون أو عسكريون، وقد يُعين بعض مسئوليها كوزراء في الدول المختلفة -تشيني نائب بوش كان رئيس شركة "هاليبرتون" التي لها عدة تعاقدات في العراق- وبالتالي فهي تدير الحروب والغزو وتدير الأزمات نيابة عن الحكومات التي تظل كامنة بعيدا في الظل تنفي عن نفسها التورط في هذه الجرائم!.
...
ومع تضخم شركات المرتزقة الجدد، بدأت هذه الشركات تلجأ للبحث عن غطاء أخلاقي أو سياسي أو اقتصادي أو حتى من الأمم المتحدة لتبرر نشاطها وتحظى بمصداقية وشرعية دولية، وكي توفر لعملائها من المرتزقة الجدد قدرا من الحماية خصوصا أن القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة تجرّم نشاط هؤلاء المرتزقة وتعتبرهم مجرمين وقتلة ولا تعترف بهم -لو وقعوا في الأسر- كمجرمي حرب أو أسرى.
وفي سبيل ذلك بدأت هذه الشركات -تساندها الحكومات التي تديرها أو تستفيد منها- تتجمل وتسعى للترويج لنفسها باعتبار أنها شركات تقدم خدمات تكنولوجية وتدريبا وخدمات، وأن دورها ليس إشعال الحروب أو القيام بأي أنشطة تتعلق بالصورة السلبية القديمة للمرتزق حامل السلاح وقاتل الأبرياء.
وكان النموذج الايجابي الذي طرحته هذه الشركات لنفسها هو الدور الذي قامت به شركة "أكسكيوتف أوتكوم" أو النتائج المضمونة (Executive Outcomes) الجنوب أفريقية في سيراليون عام 1995 حينما نجحوا في إعادة الاستقرار للبلاد وطرد المتمردين، وإعادة 300 ألف لاجئ إلى وطنهم نظير نصيب من ثروات البلاد من البترول والماس (!) أي دورها كشركات لحفظ السلام لا للحروب!.
من هنا بدأت شركات المرتزقة الجدد تتحرك لتحظى بموافقة مسئولي الأمم المتحدة على إسناد مهام لها، وبدأت في البحث عن غطاء أخلاقي وديني عبر التعاون مع بعض الحكومات أو المنظمات المشهورة بدورها الخيري المعلن، والتي لا يعرف أحد تاريخها الأسود مثل دولة ما يسمي "فرسان مالطا" التي تشبه "الفاتيكان" وتوجد مقراتها داخل الفاتيكان في إيطاليا، والتي ينتمي لها غالبية رؤساء شركات المرتزقة الجدد ولها تاريخ قديم في أعماق الحروب الصليبية التي استهدفت السيطرة على كنوز الشرق!!.
...
وفي اللحظة التي بدأ فيها هؤلاء المرتزقة الجدد البحث عن تاريخ لهم أو غطاء شرعي يتدثّرون به من عار "الارتزاق"، بدأت تتكشّف حقيقتهم الصليبية القديمة، وأهدافهم في السيطرة على خيرات العالم النامي وفي القلب منه العالم العربي والإسلامي!.
فأحدث وأشهر شركات المرتزقة وهي شركة (بلاك وتر) Blackwater (المياه السوداء) لخدمات المرتزقة والحماية والتي تلعب دورا كبيرا في العراق وتسعى للعب ذات الدور في السودان ودارفور، ويقول أصحابها إن لهم أنشطة في دول إسلامية عديدة يرفضون الإفصاح عنها(!)، هذه الشركة تبيّن أن صاحبها مسيحي متعصب ينتمي للتيار اليميني المسيحي المتطرف في أمريكا والذي يدير الولايات المتحدة منذ صعود الرئيس بوش لسدة الحكم عام 2001، كما أنه وكبار مسئولي الشركة أعضاء في "فرسان مالطا"!.
وأخطر ما في عمل هؤلاء المرتزقة الجدد هو نشأتهم الصليبية وسعي الشركات التي يعملون فيها للمزاوجة بين الدين وبين العمل السياسي والعسكري، وهو ما ينعكس على طريقة أداء مرتزقتها في المناطق العربية والمسلمة، والدليل ظهر بوضوح في الفلوجة العراقية حينما تعمدوا قصف وتدمير قباب المساجد وتدمير المنازل على أهلها ولم يسلم منهم لا طفل ولا شيخ وكأنهم يقلّدون الصليبيين القدامي في قتلهم الشيوخ والعجائز في القدس!.
...
ولأنّ "خصخصة الحروب" موجّهة بالشكل الأساسي نحو شعوب العالم النامي التي ترفض سيطرة الدول الكبرى على مقدراتها ومواردها وفي القلب منها العالم الإسلامي الذي يتمتع بموارد طبيعية غزيرة فمن الطبيعي أن تثير خطط هذه الشركات وأنشطتها، التي تتجمع فيها كل أحقاد الصليبيين القدامى "فرسان مالطا" والجدد "اليمين المسيحي المتطرف" في إدارة بوش"، المخاوف من عصر جديد تسيطر فيه هذه الشركات على عالم المستقبل والسيطرة على ثروات العالم الإسلامي.
...
والأكثر خطورة أن هذه المخططات التي توجه نحو العالم الإسلامي ليست قاصرة على التحالف العسكري – السياسي - الديني لهؤلاء المرتزقة الجدد الأجانب لغزو العالم الإسلامي، كما يسعون حاليا في دارفور السودان والصومال ودول إسلامية أخرى لم يعلنوا هم عنها، لم تعد قاصرة على المرتزقة الأجانب من الخارج وإنما بدؤوا يخططون لتشغيل أو الاستفادة من مرتزقة "وطنيين" من داخل العالم الإسلامي يتحدثون بلسان عربي مبين ويدينون بالإسلام في أوراق هوياتهم لهدم الدين من الداخل على طريقة "طروادة.
فمنذ هجمات 11 سبتمبر على أمريكا وهناك تحفز أمريكي وأوروبي ضد العالم الإسلامي وسعي لوضع خطط استراتيجية جديدة لمواجهة هذا العالم الإسلامي كعدو بديل للشيوعية.
ومع أنهم سعوا في البداية لوضع خطط للتفرقة بين المسلم "المعتدل" والمسلم "المتطرف" والسعي لنصرة "المعتدلين" من الإسلاميين باعتبار أنهم ينبذون العنف، وضغطوا في هذا السياق على حكومات إسلامية لتسمح بانتخابات حرة نسبيا كحل لتقليل حدة الاحتقان والتطرف الداخلي الذي ينتقل للغرب، فقد أقلقتهم نتائج الانتخابات الحرة لأنها جاءت بهؤلاء الإسلاميين الذين يعارضون التدخلات الغربية في شئون بلادهم، وفشل فيها الليبراليون الذين عوّل الغرب عليهم للفوز.
من هنا بدأ التركيز على فكرة أكثر خبثا تدور حول زرع أو الاستفادة من مرتزقة "وطنيين" من أبناء الدول العربية والإسلامية يدينون بنفس الأفكار الليبرالية العلمانية الغربية ويناهضون الفكر الإسلامي الحقيقي القائم على الشريعة، بحيث يكون هؤلاء هم شوكة الاستعمار الجديد في بلاد العرب والمسلمين!.
هذا الأمر كشفه تقرير مهم نشره مركز (راند) التابع للقوات الجوية الأمريكية تحت عنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة- Building Moderate Muslim Networks)، وكشف عن أن المسلم المعتدل أو المرتزقة الوطنيين هنا هم المصنفون على أنهم مسلمون يأخذون من الدين مظاهره الفلكلورية في حين لا يؤمنون بشريعة الإسلام ويناهضونها ويعادون كل المظاهر الإسلامية الأخرى!.
...
من هم هؤلاء المرتزقة الجدد؟ وماذا تعرف عن علاقتهم بفرسان مالطا والصليبيين القدامى؟ وما هي خطط شركات المرتزقة الجدد لخصخصة الحروب؟ وما هي علاقة كل ذلك بخطط السعي لبناء شبكات إسلامية معتدلة من المسلمين العلمانيين؟ وهل نحن مقبلون علي عالم جديد تقوده شركات الحروب الخاصة ذات الخلفيات الأيدلوجيات المتطرفة؟
من مقدمة المؤلف لكتاب حول شركات المرتزقة ومهامها
قديما.. كان المحاربون الأشداء يؤجرون أنفسهم للبلاط الملكي في الممالك القديمة كجنود ومصارعين يستخدمون عضلاتهم وقوتهم الجسدية مقابل المال، وبعضهم كان يستخدمهم الملوك في حلبات المصارعة في وقت السلم، وفي ميدان الحرب في المعارك، وكان لهم دور في توسع امبراطوريات كبرى مثل "الرومانية".
ومع الوقت وتطور الحروب والزمن، تطور دور هؤلاء المحاربين -المرتزقة- الذين يبيعون قوتهم ومهاراتهم الحربية لمن يدفع، بحيث أصبحوا جيوشا كاملة تؤجّر نفسها وليس مجرد أفراد، حتى أن 30 الفا من الجنود المرتزقة الألمان المعروفين بـ (الهسيانز) شاركوا في الحرب الأهلية الأمريكية قبل ظهور الولايات المتحدة الحالية.
ومع خروج قوات الاستعمار الغربية من القارة الأفريقية وآسيا، بدأت هذه الدول تسعى عبر أجهزة مخابراتها في تشكيل شركات أمنية خاصة يشرف عليها عسكريون سابقون بهدف تأجيرها من الباطن للقيام بالأعمال القذرة والحروب الصغيرة في بعض البلدان التي ترغب الدول الاستعمارية في استمرار السيطرة عليها بوسائل أخرى غير تقليدية بعدما انتهت المرحلة الاستعمارية.
هذه الشركات الخاصة -أغلبها غربية- بدأت بالنمط التقليدي للمرتزقة في تلقي تعهدات مختلفة خصوصا في أفريقيا وأمريكا اللاتينية، لحماية رؤساء دول ديكتاتوريين، أو تدبير انقلابات لصالح فئات سياسية معينة، أو حماية آبار بترول أو مناطق إنتاج الماس وغيرها مقابل نصيب من ثروات هذه البلدان.
وسريعا ما تطور نشاط هذه الشركات وتوسع ليتضمن أنشطة أخرى تكنولوجية وفنية واقتصادية بجانب النشاط العسكري، واختلف بالتالي دور المرتزقة العاملين في هذه الشركات من العسكري الذي يلبس اللباس العسكري ويحمل أسلحته ومعداته الحربية، إلي أشكال متعددة من المرتزقة، منهم الفنيون الذين يديرون شبكات الرادارات العسكرية وأجهزة الملاحة الدقيقة، وخبراء البرمجيات والكمبيوتر الذين يخططون المعارك ويديرون التقنيات الحديثة.
وساعدت عدة تطورات على انتشار شركات المرتزقة هذه، وعلى ظهور المرتزقة الجدد في العصر التكنولوجي الحديث، منها: رغبة الحكومات في التخفي عند القيام ببعض الأعمال القذرة، أو خشية السياسيين من أن تؤثر مشاهد توابيت القتلى من جيوشهم المسلحة -في حالة استخدموها بدل المرتزقة- في إثارة غضب الرأي العام الداخلي ضدهم، بعكس المرتزقة الذين لا بواكي عليهم.
ومنها أيضا ميل الخبراء العسكريين وخبراء التكنولوجيا والاتصالات والكمبيوتر لبيع خدماتهم لهذه الشركات الخاصة التي تدفع مبالغ مالية أعلى من الحكومات، ومن ثم اتجاه الحكومات للاستفادة من هذه الشركات في القيام بالعديد من الأعمال خصوصا في الحروب والغزوات لمساعدة قواتها.
والأهم من هذا وذاك أن الاعتماد على المرتزقة في الحروب يقلل من أعداد القتلى الرسميين -باعتبار أن أرقام قتلى المرتزقة لا تذكر رسميا- ما يسمح للحكومات بالكذب فيما يخص خسائرها البشرية لتظهر نفسها منتصرة أحيانا، وهذه حالة ظاهرة في حالة الغزو الأمريكي للعراق حيث أعداد القتلى تتوزع على جنود أمريكيين هم الذين يجري إعلان عدد قتلاهم فقط، وجنود أمريكان آخرون ليسوا حاصلين على الجنسية بشكل كامل وإنما "جرين كارد"، وهؤلاء لا يذكر عدد قتلاهم لأنهم ليسوا جنودا رسميين، ثم المرتزقة أو "المتعاقدون العسكريون أو المدنيون" وهم أيضا لا تذكر أي أرقام دقيقة عن خسائرهم!
...
ومع الوقت توسع نشاط هذه الشركات الخاصة العسكرية وزادت أعدادها حتى بلغت قرابة 100 شركة وأصبح حجم نشاطها المالي يفوق ميزانية الحكومات، ويزيد على 200 مليار دولار وفق بعض التقديرات، وبعد أن كانت الجيوش المحاربة في الغرب تضم نسبة 10-20 في المائة من المرتزقة للقيام بوظائف مختلفة (حماية – تأمين إمداد القوات المحاربة بالمؤن والسلاح – تدريب- وظائف فنية)، أصبحت الاستعانة بجيوش المرتزقة الجدد من الشركات الخاصة أكبر حجما وتصل أحيانا لنصف هذه الجيوش المحاربة وأكثر، حتى أن دراسات أمريكية وتقريرا نشرته وكالة رويتر كشف عن أن عدد المتعاقدين الأمنيين المرتزقة في العراق بلغ 100-130 ألف مرتزق متعاقد في حين أن عدد القوات الأمريكية الرسمية 150 ألفا!؟.
وهكذا أصبح العالم على أبواب نوع جديد من الحروب هي حروب القطاع الخاص أو الحروب المخصخصة وأصبحت "خصخصة الحروب" هي أخر صيحة في عالم حروب اليوم، بعدما انتشرت شركات المرتزقة وأصبحت تطلق على نفسها أسماء أكثر لياقة وتنبذ كلمة "مرتزقة"، مثل تسمية نفسها "شركات حماية" أو "متعاقدون مدنيون" أو "متعهدون".
أما الحقيقة فهي أن هذه الشركات تعمل من الباطن مع الحكومات، بل وغالبا ما يديرها مسئولون سابقون سياسيون أو عسكريون، وقد يُعين بعض مسئوليها كوزراء في الدول المختلفة -تشيني نائب بوش كان رئيس شركة "هاليبرتون" التي لها عدة تعاقدات في العراق- وبالتالي فهي تدير الحروب والغزو وتدير الأزمات نيابة عن الحكومات التي تظل كامنة بعيدا في الظل تنفي عن نفسها التورط في هذه الجرائم!.
...
ومع تضخم شركات المرتزقة الجدد، بدأت هذه الشركات تلجأ للبحث عن غطاء أخلاقي أو سياسي أو اقتصادي أو حتى من الأمم المتحدة لتبرر نشاطها وتحظى بمصداقية وشرعية دولية، وكي توفر لعملائها من المرتزقة الجدد قدرا من الحماية خصوصا أن القانون الدولي والقرارات الصادرة عن الأمم المتحدة تجرّم نشاط هؤلاء المرتزقة وتعتبرهم مجرمين وقتلة ولا تعترف بهم -لو وقعوا في الأسر- كمجرمي حرب أو أسرى.
وفي سبيل ذلك بدأت هذه الشركات -تساندها الحكومات التي تديرها أو تستفيد منها- تتجمل وتسعى للترويج لنفسها باعتبار أنها شركات تقدم خدمات تكنولوجية وتدريبا وخدمات، وأن دورها ليس إشعال الحروب أو القيام بأي أنشطة تتعلق بالصورة السلبية القديمة للمرتزق حامل السلاح وقاتل الأبرياء.
وكان النموذج الايجابي الذي طرحته هذه الشركات لنفسها هو الدور الذي قامت به شركة "أكسكيوتف أوتكوم" أو النتائج المضمونة (Executive Outcomes) الجنوب أفريقية في سيراليون عام 1995 حينما نجحوا في إعادة الاستقرار للبلاد وطرد المتمردين، وإعادة 300 ألف لاجئ إلى وطنهم نظير نصيب من ثروات البلاد من البترول والماس (!) أي دورها كشركات لحفظ السلام لا للحروب!.
من هنا بدأت شركات المرتزقة الجدد تتحرك لتحظى بموافقة مسئولي الأمم المتحدة على إسناد مهام لها، وبدأت في البحث عن غطاء أخلاقي وديني عبر التعاون مع بعض الحكومات أو المنظمات المشهورة بدورها الخيري المعلن، والتي لا يعرف أحد تاريخها الأسود مثل دولة ما يسمي "فرسان مالطا" التي تشبه "الفاتيكان" وتوجد مقراتها داخل الفاتيكان في إيطاليا، والتي ينتمي لها غالبية رؤساء شركات المرتزقة الجدد ولها تاريخ قديم في أعماق الحروب الصليبية التي استهدفت السيطرة على كنوز الشرق!!.
...
وفي اللحظة التي بدأ فيها هؤلاء المرتزقة الجدد البحث عن تاريخ لهم أو غطاء شرعي يتدثّرون به من عار "الارتزاق"، بدأت تتكشّف حقيقتهم الصليبية القديمة، وأهدافهم في السيطرة على خيرات العالم النامي وفي القلب منه العالم العربي والإسلامي!.
فأحدث وأشهر شركات المرتزقة وهي شركة (بلاك وتر) Blackwater (المياه السوداء) لخدمات المرتزقة والحماية والتي تلعب دورا كبيرا في العراق وتسعى للعب ذات الدور في السودان ودارفور، ويقول أصحابها إن لهم أنشطة في دول إسلامية عديدة يرفضون الإفصاح عنها(!)، هذه الشركة تبيّن أن صاحبها مسيحي متعصب ينتمي للتيار اليميني المسيحي المتطرف في أمريكا والذي يدير الولايات المتحدة منذ صعود الرئيس بوش لسدة الحكم عام 2001، كما أنه وكبار مسئولي الشركة أعضاء في "فرسان مالطا"!.
وأخطر ما في عمل هؤلاء المرتزقة الجدد هو نشأتهم الصليبية وسعي الشركات التي يعملون فيها للمزاوجة بين الدين وبين العمل السياسي والعسكري، وهو ما ينعكس على طريقة أداء مرتزقتها في المناطق العربية والمسلمة، والدليل ظهر بوضوح في الفلوجة العراقية حينما تعمدوا قصف وتدمير قباب المساجد وتدمير المنازل على أهلها ولم يسلم منهم لا طفل ولا شيخ وكأنهم يقلّدون الصليبيين القدامي في قتلهم الشيوخ والعجائز في القدس!.
...
ولأنّ "خصخصة الحروب" موجّهة بالشكل الأساسي نحو شعوب العالم النامي التي ترفض سيطرة الدول الكبرى على مقدراتها ومواردها وفي القلب منها العالم الإسلامي الذي يتمتع بموارد طبيعية غزيرة فمن الطبيعي أن تثير خطط هذه الشركات وأنشطتها، التي تتجمع فيها كل أحقاد الصليبيين القدامى "فرسان مالطا" والجدد "اليمين المسيحي المتطرف" في إدارة بوش"، المخاوف من عصر جديد تسيطر فيه هذه الشركات على عالم المستقبل والسيطرة على ثروات العالم الإسلامي.
...
والأكثر خطورة أن هذه المخططات التي توجه نحو العالم الإسلامي ليست قاصرة على التحالف العسكري – السياسي - الديني لهؤلاء المرتزقة الجدد الأجانب لغزو العالم الإسلامي، كما يسعون حاليا في دارفور السودان والصومال ودول إسلامية أخرى لم يعلنوا هم عنها، لم تعد قاصرة على المرتزقة الأجانب من الخارج وإنما بدؤوا يخططون لتشغيل أو الاستفادة من مرتزقة "وطنيين" من داخل العالم الإسلامي يتحدثون بلسان عربي مبين ويدينون بالإسلام في أوراق هوياتهم لهدم الدين من الداخل على طريقة "طروادة.
فمنذ هجمات 11 سبتمبر على أمريكا وهناك تحفز أمريكي وأوروبي ضد العالم الإسلامي وسعي لوضع خطط استراتيجية جديدة لمواجهة هذا العالم الإسلامي كعدو بديل للشيوعية.
ومع أنهم سعوا في البداية لوضع خطط للتفرقة بين المسلم "المعتدل" والمسلم "المتطرف" والسعي لنصرة "المعتدلين" من الإسلاميين باعتبار أنهم ينبذون العنف، وضغطوا في هذا السياق على حكومات إسلامية لتسمح بانتخابات حرة نسبيا كحل لتقليل حدة الاحتقان والتطرف الداخلي الذي ينتقل للغرب، فقد أقلقتهم نتائج الانتخابات الحرة لأنها جاءت بهؤلاء الإسلاميين الذين يعارضون التدخلات الغربية في شئون بلادهم، وفشل فيها الليبراليون الذين عوّل الغرب عليهم للفوز.
من هنا بدأ التركيز على فكرة أكثر خبثا تدور حول زرع أو الاستفادة من مرتزقة "وطنيين" من أبناء الدول العربية والإسلامية يدينون بنفس الأفكار الليبرالية العلمانية الغربية ويناهضون الفكر الإسلامي الحقيقي القائم على الشريعة، بحيث يكون هؤلاء هم شوكة الاستعمار الجديد في بلاد العرب والمسلمين!.
هذا الأمر كشفه تقرير مهم نشره مركز (راند) التابع للقوات الجوية الأمريكية تحت عنوان: (بناء شبكات مسلمة معتدلة- Building Moderate Muslim Networks)، وكشف عن أن المسلم المعتدل أو المرتزقة الوطنيين هنا هم المصنفون على أنهم مسلمون يأخذون من الدين مظاهره الفلكلورية في حين لا يؤمنون بشريعة الإسلام ويناهضونها ويعادون كل المظاهر الإسلامية الأخرى!.
...
من هم هؤلاء المرتزقة الجدد؟ وماذا تعرف عن علاقتهم بفرسان مالطا والصليبيين القدامى؟ وما هي خطط شركات المرتزقة الجدد لخصخصة الحروب؟ وما هي علاقة كل ذلك بخطط السعي لبناء شبكات إسلامية معتدلة من المسلمين العلمانيين؟ وهل نحن مقبلون علي عالم جديد تقوده شركات الحروب الخاصة ذات الخلفيات الأيدلوجيات المتطرفة؟