رد: عاجل الرئيس الأسبق للجزائر أحمد بن بلة في ذمة الله
رئيس الجمهورية يعلن الحداد ثمانية أيام والجنازة يوم الجمعة
انتقل بعد ظهر أمس الرئيس الأسبق أحمد بن بلة إلى رحمة الله عن عمر يناهز 69 سنة بعد صراع طويل مع المريض، وأسلم الفقيد روحه إلى بارئها وهو على فراش النوم ببيته في حيدرة بأعالي العاصمة، حوالي الساعة الثالثة زوالا، وكان مرفوقا بابنتيه نورية ومهدية.
كان أحمد بن بلة من الوجوه السياسية البارزة التي ظلت تنشط على المسرح السياسي والدبلوماسي في الجزائر، توفي بعد مرض عضال حد من حركته خلال الأسابيع الماضية، حيث نقل مرات عديدة إلى المستشفى العسكري بعين نعجة.
ولد أحمد بن بلة في مدينة مغنية بمنطقة الغرب الجزائري، أين تلقى تعليمه الابتدائي،قبل أن ينتقل إلى مدينة تلمسان ليزاول دراسته الثانوية هناك.
بعدها أدى المرحوم الخدمة العسكرية سنة .1937 إلا أنه انخرط بسرعة بعد الحرب العالمية الثانية وخاصة بعد مجازر 8 ماي 1945 في صفوف الحركة الوطنية، حيث انضم بن بلة إلى حزب الشعب الجزائري ثم حركة انتصار الحريات الديمقراطية، حيث انتخب سنة 1947 مستشاراً لبلدية مغنية. واصل بن بلة مساره النضالي والحركي من خلال مساهمته في إنشاء أول منظمة شبه عسكرية -المنظمة الخاصة- وشارك في التخطيط والهجوم على مكتب بريد وهران عام 1949 بمشاركة حسين آيت أحمد ورابح بيطاط، للحصول على الأموال التي تستخدم لتمويل النشاط السري للمنظمة، إلا أنه تم القبض عليه في 1950 بالجزائر العاصمة من قبل الأمن الفرنسي، وحكم عليه في 1952 بسبع سنوات سجنا، إلا أنه فر من المعتقل في نفس السنة ليلتحق في القاهرة بحسين آيت أحمد ومحمد خيضر، أين تم تشكيل ما يعرف بالوفد الخارجي لجبهة التحرير الوطني.
كان بن بلة من بين القادة التاريخيين الذين تعرضوا لأول عملية قرصنة جوية قامت بها القوات الجوية الفرنسية في 22 أكتوبر 1956 ضد الطائرة ''دي سي''3 التي كانت تقل الوفد الجزائري المكون من بن بلة ومحمد بوضياف ورابح بيطاط وحسين آيت أحمد ومصطفى لشرف من المغرب أين التقوا الملك محمد الخامس وولي العهد الحسن الثاني، في طريقهم إلى تونس وتم اقتياد المجموعة إلى سجن ''حصن ليدو بجزيرة اكس بمقاطعة شارونت البحرية، وبقي بن بلة معتقلاً فيه إلى غاية الاستقلال في 5 جويلية 1962، إذ أطلق سراحه سنة 1962، شارك في مؤتمر طرابلس أين برز تباين في وجهات النظر والمواقف مع الحكومة المؤقتة، ليعود إلى الجزائر في 27 سبتمبر .1962
وبدعم من جيش الحدود يختار بم بلة رئيسا لمجلس الثورة، ثم في 15 سبتمبر 1963 أول رئيس للجمهورية، ليتم بعدها إزاحته في انقلاب 19 جوان 1965 من طرف مجلس الثورة، وتسلم الرئاسة هواري بومدين.
ظل أحمد بن بلة معتقلا ثم في إقامة جبرية منذ جويلية ,1979 ليطلق سراحه بقرار من الرئيس سابقا الشاذلي بن جديد في أكتوبر 1980، لينتقل إلى المنفى الاختياري في سويسرا العام 1981 ويؤسس بعدها بفرنسا الحركة الديمقراطية في الجزائر، وكانت هذه الحركة تصدر مجلتين هما البديل وبعده منبر أكتوبر. ومع الانفتاح السياسي، قرر بن بلة العودة إلى الجزائر في 29 سبتمبر1990، ثم يعود مؤقتا للمنفى في 1992، ليزاول بعدها عدة نشاطات سياسية غير رسمية على غرار عضويته في لجنة الرعاية لمحكمة روسيل حول فلسطين، ورئاسة اللجنة الدولية لجائزة القذافي لحقوق الإنسان، كما اختير ضمن حكماء القارة الإفريقية في إطار مبادرات تسوية النزاعات.
لازم الفقيد المرض منذ بداية السنة، مما استدعى نقله إلى مستشفى بالعاصمة الفرنسية باريس في 4 جانفي، ثم دخل عدة مرات مستشفى عين نعجة، قبل أن توافيه المنية يوم أمس بعد صراع طويل مع المرض.
الحداد ثمانية أيام
أصدرت رئاسة الجمهورية مساء أمس بيانا جاء فيه أن الرئيس عبد العزيز بوتفليقة أعلن الحداد الوطني لثمانية أيام، كما قرر تمكين الجزائريين من إلقاء النظرة الأخيرة على جثمان الفقيد أحمد بن بلة اليوم الخميس بداية من منتصف النهار بقصر الشعب في العاصمة، أما جنازته فستكون يوم غد بعد صلاة الجمعة إلى مربع الشهداء بمقبرة العالية.
صدمة في البيت الذي عانى أسابيع من الإشاعات
ابنة الفقيد لـ''الخبر'': لقد مات اليوم
كانت الساعة الرابعة مساء عندما نزل خبر وفاة الرئيس الأسبق أحمد بن بلة على قاعات التحرير كالصاعقة، وكانت الوجهة الأولى بيت الراحل الكائن في حي بارادو بحيدرة في العاصمة.. بدا المكان وكأنه يستعد لهذا الحدث المؤلم، من خلاء الطلاء الجديد للجدران، باعتبار أن الفقيد كان مريضا وسبق وأن انتشرت إشاعة رحيله قبل شهر ونصف، ومع ذلك فإن الصدمة كانت كبيرة بالنسبة إلى عائلته وابنتيه.
سادت المكان الكثير من المظاهر الرسمية، كتواجد مكثف للشرطة والدرك الوطني وسيارات الإسعاف والحماية المدنية، حيث تم غلق الطريق المؤدي إلى البيت مباشرة، ومنع دخول الصحفيين إليه، إلا من كان معزيا فقط، وكانت لـ''لخبر'' فرصة الدخول، وتقديم التعازي للابنة الصغرى، التي بدت على محياها آثار الحزن والألم، لكن مع الكثير من رباطة الجأش.. تقبلت تعازينا وقالت ''لقد مات اليوم''.
خصّصت العائلة حيّزا من البيت للأهل والضيوف والجيران، وآخر للرسميين من وزراء وسياسيين. ولم يغلق الباب الرئيسي في وجه أي أحد، شباب وشيوخ، مجاهدون ورفاق لدرب، ومناضلون رافقوا الفقيد في مساره السياسي.
كان أول المعزين من الرسميين، وزير الداخلية والجماعات المحلية، دحو ولد قابلية، الذي بدا متأثـرا جدا وهو يخرج من بيت الفقيد بعد أكثـر من ساعتين مكثها هناك، مرفوقا بوزير الصحة جمال ولد عباس، وقال ولد قابلية في تصريح للصحافة ''صدمنا بخبر الوفاة اليوم، رغم أنه كان مريضا منذ مدة''، ثم أضاف بكثير من الألم ''فقدت الجزائر رجل دولة أحب وطنه وكان نزيها، ومن الأوائل الذين قادوا النضال الوطني''.
أما ولد عباس فقال بتلقائية ''عرفته منذ وقت طويل، إنه أول رئيس للجزائر، بقي بقوته وصلابته وهو في سن 96 تقريبا، إنه رمز من رموز الدولة، فقدته الجزائر اليوم''، مضيفا ''لقد عرفته في قضية وهران قبل ,1954 وعندما عاد في الثمانينيات زرته وكنت دائما معه، لي الكثير من الذكريات، لقد أحضرت له ذات يوم ابن كاسترو، الذي كان يحبه''. بدأ أعضاء الحكومة يصلون الواحد تلو الآخر، وجاء دور وزير الاتصال ناصر مهل الذي قال ''فقدت الجزائر رجلا قدّم حياته لها''، مضيفا ''أتمنى أن تكرمه الجزائر كما يجب''، كما شوهد في الوقت نفسه خروج الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي السعيد الذي قال عن الراحل ''المرحوم من الناس الذين صنعوا الثورة والاستقلال، وكان أحد المحركين لتاريخ الجزائر وقدم الكثير لها''.
كما قدم التعازي وزير العمل والتشغيل والضمان الاجتماعي الطيب لوح، ورئيس المجلس الدستوري الطيب بلعيز. ولم يغلق باب الفقيد حيث تواصل وصول المعزين من رسميين وجيران وأصدقاء ورفقاء ومناضلين إلى ساعة متأخرة من مساء أمس.