التآمر و الخـيـانة - أحــاجى حرب 1967 ، بقلم الدكتور كمال خلف الطويل

يحي الشاعر

كبير المؤرخين العسكريين
عضو مميز
إنضم
2 فبراير 2008
المشاركات
1,560
التفاعل
98 0 0
التآمر و الخـيـانة - أحــاجى حرب 1967 ، بقلم الدكتور كمال خلف الطويل
--------------------------------------------------------------------------------
التآمر و الخيانة ـ أحاجي 1967
... جزء -1-
بقلم د. كمال خلف الطويل




قام الصديق العزيز ، الدكتور كمال خلف الطويل ، فوضع تحت تصرفنا ... للنشر ، التحليل التالي "التآمر و الخيانة ـ أحاجي 1967 "الذي كتبه منذ سنوات طويلة ، إلا أن واقعيته تتميز بالتطرق إلي العديد من العوامل ... وتضع في النهاية علامة إستفهام كبيرة حول شخص معين ....

ليس عبدالحكيم عامر ... ولكن وزير الحربية السابق وعدد آخر من الأشخاص ....
أنه تصور إفتراضي ، إلا أنه يتميز بقيمة تحليلية تستدعي التمعن .... عن أسباب الأنزلاق "الموجه" إلي حرب 1967

ولقد نشرنا هذه الدراسة ، في الموقع المخصص التالي



"سـنوات وأيام مع جمال عبدالناصر ... الحــروب 1956 و 1967 وحـــرب الأسـتـنـزاف ، من أجل مصر ... وليس من أجل عبدالناصر"

د. يحي الشاعر


اقتباس:
12/6/1999
التآمر و الخيانة ـ أحاجي 1967

أعادت شهادة حسين الشافعي على العصر عبر قناة الجزيرة إثارة ملف هزيمة يونيو/حزيران 1967 بزخم ملحوظ , رغم أن أقواله في مجملها ليست جديدة على المسامع ، فلقد مضى يرددها منذ وفاة جمال عبد الناصر, و خاصة بعد أن أقاله أنور السادات في إبريل/نيسان 1975 من منصب نائب رئيس الجمهورية .

مقولة الشافعي باختصار هي أن الهزيمة كانت محصلة جماع عنصري التآمر و الخيانة : التآمر الإقليمي و الدولي من خارج و الخيانة من داخل .

والشاهد هو أن التآمر أمر بديهي ومتوقع من قوى عدة لم يتوقف تآمرها عبر دزينة من السنين سبقت عام الهزيمة و تحالفت تحت زعامة الولايات المتحدة ، وهي التي تنوعت وسائلها ما بين الترويض إلى المجابهة و أخيرا إلى الضربة النهائية .

مسألة التآمر ليس هنا موضعها وان لزم التنويه بأنه ليس بمفاجأة ولا بعملية غدر .

أما مسألة الخيانة ـ وهي بيت القصيد ـ فهي اشد تعقيدا و أكثر تراكبا و تحتاج لكثير من الأناة و التدقيق ولم شظايا الصورة ثم تركيبها إلى أن تصبح كاملة الوضوح .

بنى الشافعي مقولته على نقطتين رئيسيتين :

الأولى أنه كان شاهد عيان على الضربة الجوية الإسرائيلية صبيحة 5 يونيو/حزيران المشؤوم حيث كان في قاعدة فايد الجوية في القنال مع وفد عراقي يترأسه الفريق طاهر يحيى نائب رئيس الوزراء العراقي حينذاك، ورأى بأم عينيه كيف انهالت الطائرات الإسرائيلية ـ وبحرية عمل كاملة ـ تدمر على الأرض أسراب الطائرات وهي مصطفة في العراء بلا حماية ولا دفاعات( يفيد هنا القول أن الشافعي طار من القاهرة للقنال في الثامنة صباحا وبدأت الضربة الجوية في الثامنة وخمس وأربعين دقيقة ) .

أما الثانية فهي اكتشافه أثناء ترؤسه لمحكمة الثورة مطلع 1968 ـ التي حاكمت مجموعة المشير عامرـ أن المشير أرسل من الباكستان أثناء زيارته لها في أوائل ديسمبر/كانون أول 1966 شيفرة للرئيس عبد الناصر يحثه فيها على سحب قوات الطوارئ الدولية من سيناء وذلك في غمرة حملة سعودية ـ أردنية هائجة تعيَر عبد الناصر باختبائه خلف هذه القوات لجبنه عن التصدي لإسرائيل خاصة في أعقاب غارة السموع في نوفمبر/تشرين ثاني 1966.

استنتاج الشافعي هو أن المشير كان يستطيع أن يصبر حتى يعود للقاهرة بعدها بأيام ليقول ذلك شفاهة لعبد الناصر، وإن كون إشارة شفرية بهذا المعنى صدرت من الباكستان ـ مع العلم بقابلية الشيفرات للاختراق ـ يؤدي إلى معنى واحد و هو أن أحدا حول المشير أقنعه بذلك وبهدف أن تستبين نوايا مصر لأعدائها ويقرؤوا ما تنتويه .

وقبل الاستطراد فإن لدي تعليقان: الأول هو أن عبد الناصر أهمل الشفرة و لم يعمل بها في حينه، والثاني هو أن عبد الحكيم عامر فوق الشبهات لجهة وطنيته وإخلاصه لبلده وأمته .

هو في التحليل الأخير غير جدير بمنصبه القيادي العسكري وغير كفء حتى للمهام المدنية , بدليل سجله في القيادة العسكرية خلال عمليات 1956، وفي إدارة الشأن السوري أثناء الوحدة ووصولا للانفصال, وحتى في عمليات اليمن 1962 ـ 1967 .

هذا شيء و أما الطعن بوطنيته فهو شيء أخر ، فالرجل كان من أعمدة الثورة كصانع و حارس ومسؤول، لكنه من ذلك النوع من الرجال الذين لديهم الاستعداد للضعف أمام مغريات السلطة و ملذاتها .

الآن......... ماذا كانت صورة الساحة العربية عشية حرب 1967 ؟ و ما الذي قاد في الأساس إلى أن أصبحت الحرب أمرا مقضيا , ثم ما الذي أودى بها إلى أن تكون هزيمة بهذا الحجم المروع ؟

كان لمصر في مايو/أيار 1967 فرقتان في اليمن وهو حجم للقوات يبلغ أقل من نصف ما وصلت إليه عامي 1964 ـ 1965 بفضل استراتيجية النفس الطويل التي بدأ تطبيقها هناك في ربيع 1966، وقلصت الدور العسكري المصري المباشر إلى حماية مثلث صنعاء ـ تعز ـ الحديدة والتعويل على القوات الجمهورية اليمنية لحماية الأطراف والحدود .

ترافقت تلك الاستراتيجية مع تشديد النكير على قوات الاحتلال البريطاني في جنوب اليمن بحيث بدا مع حلول عام 1967، أن عبد الناصر على وشك أن يجبر بريطانيا على أن تحمل عصاها على كتفها و ترحل , وهوما تأكد بقرار حكومة حزب العمال البريطاني مطلع 1966 بالخروج من عدن خلال عامين فيما سمي باستراتيجية شرق السويس .

مقابل فرقتي اليمن مصحوبة بعدد صغير من الطائرات والقطع البحرية، كان على أرض مصر ما ينوف عن سبعة فرق بينها فرقة مدرعة ، عدا عن قوة بحرية معتبرة كانت إن توفر لها عنصر التعادل الجوي على الأقل متفوقة بشكل ملحوظ على نظيرتها الإسرائيلية....يضاف إليها قوة جوية في حدود 300 طائرة، لكنها تقل عددا و كفاءة عن طيران العدو .

بدأت إسرائيل, وبضوء أخضر من الولايات المتحدة , بتجهيز المسرح الإقليمي لضربة اجهاضية قاتلة لمصر عبد الناصر منذ خريف 1966 وذلك بهجومها على السموع ، والتي هدفت منها ـ من جملة ما هدفت ـ إلى إظهار عبد الناصر كنمر من ورق غير قادر على أن يهب لنصرة بلد عربي شقيق وجار, وهو الذي يتباهى بزعامة الأمة العربية .

ثم توالت ترتيباتها بإعلانها التهديد تلو الأخر ضد سوريا , بحجة رعايتها لعمليات فتح الفدائية ، لتصل إلى شن غارة جوية غير مسبوقة فوق دمشق ذاتها يوم 7 إبريل/نيسان 1967 والتي أسقطت فيها 6 طائرات سورية و بانت فيها ذراع إسرائيل الطويلة " واستخفافها " الظاهر بالشقيق العربي الأكبر .

كانت تلك أفخاخا معدة لتقع مصر في واحدة منها، و لتضرب حين تفعل .

ورغم إحساس عبد الناصر أن وقت المواجهة العسكرية مع إسرائيل لم يزف بعد , وهي قناعة لازمته منذ أن وضعت حرب 1956 أوزارها، فإنه و هو يرى إسرائيل تعربد في المنطقة مستبيحة الجوار العربي ، لم يعد في وسعه أن يقف مكتوف الأيدي متفرجا اذ لم يكن لذلك أن يوفره لاحقا من ضربة العدو الآتية بأي الذرائع .

كانت غارة دمشق الجوية مفتاحا لفهم سلوك عبد الناصر في الأسابيع التي تلتها... و أراه قد بنى حساباته على الوجه التالي:

1ـ أن إسرائيل تفعل ما تفعله في المنطقة بموافقة ـ بل أمر ـ من الولايات المتحدة، وأن تصعيدها أمر لا يمكن السكوت عنه من حيث المبدأ خصوصا وأن ليفي أشكول رئيس الوزراء، وإسحق رابين رئيس الأركان أطلقا جملة تهديدات لسوريا وصلت إلى حد التهديد بغزو دمشق و احتلالها و إسقاط نظامها .

2ـ أن شكل الحوادث يمكن أن يجري على النحو التالي: حشود قوات مصرية كثيفة في سيناء (التي ترابط فيها عادة فرقة واحدة) مع طلب سحب القوات الدولية من خط الحدود مع استثناء قطاع غزة و شرم الشيخ .

نذكر هنا أن هذه ليست أول مرة يقوم فيها عبد الناصر بتحشيد القوات في سيناء... ففي يناير/كانون ثاني 1960 خلال فترة الوحدة حرك ثلاثة من فرق الجيش المصري إلى حدود سيناء لإنذار إسرائيل بوقف اعتداءاتها على جبهة الجولان، وفي حينها توقفت إسرائيل و فهمت الإشارة واكتفت .

والفرق بين التاريخين أن الأول لم تصحبه فرقعة إعلامية و لم يطلب سحب القوات الدولية و أن إسرائيل أخذت على حين غرة .

3ـ أن احتمال الحرب وفق السيناريو أعلاه لن يزيد عن 20 بالمائة ، إذ أن خليج العقبة لن يقفل ( وهوما يرفع النسبة إلى 80 بالمائة).... إذن المخاطرة محسوبة ، وهي لن تصل إلى 50 بالمائة إلا إذا سحبت القوات الدولية بالكامل من سيناء وغزة ( وهذا ما حدث فعلا بطلب الأمين العام للأمم المتحدة يوثانت ومساعده رالف بانش ) .

4ـ أنه إن قادت الحوادث ـ و هو ما حصل فعلا ـ إلى إغلاق خليج العقبة فعندها ترتفع نسبة الحرب إلى 80 بالمائة.... في هذا السياق كان رهان عبد الناصر أن الجيش المصري بتجهيزاته التي يعرفها و بكل ما فيه من حسن و سيء قادر على إدارة معركة دفاعية معقولة داخل صحن سيناء تدوم أياما أو أكثر، ثم يتدخل القطبان الأعظم بعد توازن قتالي معقول لفك الاشتباك .

ومع ذلك وبعده فهو قادر على استخلاص تسوية سياسية مقبولة تضع حدا للعربدة الإسرائيلية و تفتح ملف حقوق شعب فلسطين بطريقة أكثر ملاءمة .

5ـ لذا فعندما رفض يوثانت طلب مصر سحبا جزئيا للقوات الدولية وخيَرها بين البقاء الكامل أو الانسحاب الكامل بإيعاز أمريكي عبر مساعده الأمريكي الأسود رالف بانش ، وجد عبد الناصر لزاما عليه أن يطلب سحبها الكامل يوم 18 مايو/أيار 1967، وبكل ما يعنيه ذلك من إخلائها لشرم الشيخ وبالتالي ضرورة أن تحل محلها القوات المصرية ، والتي ستجد بالتالي لزاما عليها إغلاق خليج العقبة أمام الملاحة الإسرائيلية ، وإعادة الوضع إلى ما كان عليه قبل حرب 1956 .

وبرغم أن هذا السيناريو غير مستحب إلا أنه لا يزال في إطار المخاطرة المحسوبة إذا ما أكدت القيادة العسكرية قدرتها على تحمل تبعات هذه المخاطرة .

عند ذلك المفصل عقد عبد الناصر اجتماعا للقيادة السياسية العليا يوم 21 مايو/أيار في منزله ( ضم الاجتماع المشير عبد الحكيم عامر وزكريا محي الدين وحسين الشافعي وأنور السادات وعلي صبري وصدقي سليمان ) ، وكان قد مضى على بدء الحشد في سيناء أسبوع كامل .

موضوع البحث الوحيد كان إغلاق خليج العقبة ....

حدد عبد الناصر في بداية الاجتماع أن المسألة برمتها تتوقف على جاهزية القيادة العسكرية ، فإن أشارت بنعم فهو يفضل الإغلاق و الانتهاء من ملف أثار 1956 ومواصلة الضغط المضاد على الولايات المتحدة عبر موقفه الحاسم من إسرائيل.....

أما إن أشارت بلا فهو يستطيع أن يغطي سياسيا على ترك الخليج مفتوحا فيما القوات الدولية قد غادرته , وتحت مقولة أن غلق الخليج يعني حتمية الحرب ، وأن قرار الحرب لا تمليه عليه ظروف معينة وإنما يحتفظ بخياره في الزمان و المكان ، وأن حلفاء الأمريكان من العرب مسؤولون عن الفرقة في الساحة العربية , ولعدم اكتمال الاستعدادات الدفاعية في الأردن و سوريا و لبنان ، ومن ثم فهو لن يغامر بغلق الخليج ليرى الضفة الغربية قد ضاعت ... إلى أخر ما هنالك من حجج .

وكان صدقي سليمان رئيس الوزراء هو الوحيد الذي تحفظ بالمجمل لقناعته أن مواصلة خطة التنمية تتضارب مع خوض معركة مسلحة في القريب الآجل اذ أنها ستأخذ من طريقها الكثير من الموارد .

أما زكريا والشافعي والسادات و صبري فكانوا من نفس منطق عبد الناصر، بينما كان المشير يزأر طوال الاجتماع مصرا على أن الجيش و قيادته جاهزان ومستعدان بل ويتلمظان لخوض معركة طال اشتياقهم لها .

عندها اتخذت اللجنة العليا للاتحاد الاشتراكي قرارها بغلق الخليج ، وبذا وصل احتمال الحرب إلى 80 بالمائة .

ويجدر هنا التنويه بأن امتلاك مصر للسلاح الذري كان متوقعا مطلع 1970.... وأن عبد الناصر ـ مع انتهاء خطة التنمية الثانية ـ كان يبيت خيارا عسكريا خلال ذات العام .

من هنا شعوره المركب بالاضطرار بل الارتياب من تداعي المسائل قبل أوانها متلازما بأن المسائل تحت السيطرة خصوصا مع تأكيدات القيادة العسكرية المتواصلة بأنه لا داعي للتشكك فكل شيء على ما يرام .

6ـ إن عبد الناصر كان يحسب لمعركة دفاعية بحتة ، و لم يكن في حسابه التعرض الهجومي للعدو، فذلك بالضرورة سيسحب الولايات المتحدة إلى الاشتراك في الحرب . كان جل همه توفير أكبر قدر من المعلومات لقيادته العسكرية حتى يكون استعدادها لامتصاص الهجوم الإسرائيلي مضمونا، وكذلك إدارة معركة سياسية تسبق وتصاحب العمل العسكري متى وعندما أتى، و تستخلص منه أفضل النتائج .

من هنا فهو قد أوضح للقيادة العسكرية في اجتماعه بها يومي 25 و 28 مايو/أيار أن الضربة الأولى هي لإسرائيل، وأن على القوات الجوية وقوات الدفاع الجوي تقليل الخسائر لأدنى حد ، ثم القيام بالاشتباك مع العدو فوق سيناء وإسرائيل خلال العمليات البرية .

ثم نراه يذهب لاجتماع ثالث يوم الجمعة 2يونيو/حزيران، حضره كافة المسؤولون السياسيون والعسكريون الكبار ليتلو على الجميع توقعاته الأخيرة بأن ضربة العدو الجوية آتية وفي يوم الاثنين الخامس من يونيو/حزيران على أرجح تقدير .

بنى توقعاته على :

1) تعيين موشي دايان وزيرا للدفاع يوم الأول من يونيو/حزيران .

2) بدء تحرك القوات العراقية لدخول شرق الأردن والضفة الغربية .

والحقيقة هي أن هذا التوقع كان معززا بمعلومات وردته من مصادر يوغوسلافية نصحته بالتحسب من قرب الضربة .

في هذا الاجتماع طلب عبد الناصر من قيادة الطيران والدفاع الجوي نقل طائراتها من مطارات سيناء الأربعة إلى مطارات العمق، ونقل قاذفاتها من مطارات القنال إلى مطارات العمق لإبعادها عن المدى المتوقع للطيران الإسرائيلي .

يثور هنا سؤال : لماذا لم تطع تلك القيادة أوامر عبد الناصر وأبقت طائراتها في مواقعها دون تبديل؟ بل لماذا لم تقم بنشر مظلة جوية من اتجاهات عدة من الفجر إلى الغروب ؟

ما تسرب من محاكمة قيادة الطيران أنها اكتفت بمظلة جوية ساعتي الفجر والغروب فقط ـ وهما الوقت المعتاد للضربات الجوية الكبيرة ـ , والأرجح هو أن المشير لم يبلع نبوءة الرئيس، أو أن بعض من حوله زين له أن مظلة الفجر والغروب تكفي وتزيد .

وقد فاقم المسألة أن هذه القيادة ( صدقي محمود و جمال عفيفي وعبد الحميد الدغيدي وإسماعيل لبيب) كانت تتصرف على أساس أن أبعد عمق يمكن للطيران الإسرائيلي أن يصل إليه هو القنال حسب معلوماتها , دون أن تعلم أن التطوير الذي لحق بطائرة الميراج يمكنها من الوصول إلى الأقصر.. وتلك واحدة من خطايا 1967 , أعني نقص المعلومات عن العدو

7ـ استنادا من المشير عامر لمعلومات الرئيس عن بدء العمليات يوم 5 يونيو/حزيران ، فقد قرر أن ينتقل بنفسه إلى سيناء ذاك اليوم و بعد انتهاء إنذار الفجر ( إذا مر دون هجوم معادي ) ليقود بنفسه المعركة بين قيادته و قواته .
والواضح هنا أن قرار المشير كان معروفا للمخابرات الإسرائيلية ، بحيث تم توقيت الضربة الجوية مع رحلة المشير علما أن نيران الدفاعات الجوية على طول خط الرحلة كانت مقيدة طيلة تلك الساعات الحرجة .

انطلقت طائرة المشير عامر في تمام الثامنة و النصف صباحا و عليها معه قائد الطيران ومدير العمليات لاحقة بطائرة الشافعي التي سبقتها بنصف ساعة .

هل كان علم إسرائيل برحلة المشير مستمد من كسرها للشفرة المصرية ؟ أم من إخطار أحد ما على الجانب المصري ؟

ما أرجحه، إلى أن يثبت العكس، هو الخيار الأول .

هذا رغم ما ورد فيكتاب جوردون توماس ( أطفال جدعون) عن وجود عملاء مؤثرين في مستويات عسكرية مصرية عليا .

والمثير هنا أن شفرة قيادة الدفاع الجوي المصري في المقطم تغيرت ـ بفعل فاعل ـ

صبيحة يوم 5 يونيو/حزيران لتفشل بالتالي في تلقي تحذير الفريق عبد المنعم رياض من عمان الذي صدر في الثامنة و النصف صباحا بعنوان شفري ( عنب ) منذرا القاهرة بأن الطيران الإسرائيلي انطلق من قواعده باتجاه مصر .

كان لمصر حينها قاعدة رادار في حبال عجلون ، أقيمت حال توقيع الملك حسين مع عبد الناصر على اتفاق دفاع مشترك يوم 30 مايو/أيار 1967 .

من العسير تفسير هذه الحادثة المصيرية إلا أنها من قبل عميل للموساد مزروع في أكثر المواقع حساسية .

نقطة أخرى معززة لهذا الشك هي أن إسرائيل كانت تعرف باحتياطات مصر لجهة نشر مظلة الفجر والغروب، ومن هنا اختيارها التوقيت يلي الفجر بحوالي الساعة أو أكثر و لتتواقت مع رحلة المشير .

8ـ ما هو سبب خيانة شريحة من القيادة العسكرية ـ وربما السياسية في مصر ؟

واضح منذ الفضيحة التي كشفتها صحيفة الواشنطن بوست في فبراير/شباط 1977 أن أنور السادات ـ رئيس مجلس الشعب حينها _ كان عميلا نائما مدفوع الأجر لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية منذ مطلع 1962 .

يصعب في ظني تصور دور مؤثر له في المجال العسكري , مع العلم أنه كان حاضرا في اجتماع 2 يونيو/حزيران الشهير .

والمهم هنا أن أنور السادات خلال سنوات ما قبل الهزيمة كان محسوبا على المشير عامر، ومن ضمن حاشيته , ومن هنا احتمال لعبه دورا إيحائيا عبر كثير من المحطات المذكورة .

أما لناحية الحلقة المحيطة بالمشير من الناحية السياسية فإن صلاح نصر رئيس المخابرات العامة هو أبعد ما يكون عن الاتهام ، فالرجل مذ تولى رئاسة المخابرات العامة في ربيع 1957 وهو في خط الصدام الأول مع الموساد و أجهزة المخابرات الغربية ، وكان صيده الثمين العميل الأكبر للمخابرات المركزية الأمريكية في مصر الصحفي مصطفى أمين .

ذات الشيء ينطبق على عباس رضوان معاونه ـ لفترة ـ في المخابرات العامة قبل أن يتقلب في مناصب عدة منها وزير الداخلية .

اللغز الحقيقي هو شمس بدران مدير مكتب المشير لسنوات طويلة ووزير الحربية في 1966 ـ 1967، والرجل الذي أرسل الشفرة من الباكستان .

لا أستطيع أن أجزم بشيء قبل أن تفتح كل ملفات الهزيمة و تنفك خيوطها ولو بعد تلك المدة الطويلة , لكن علامة استفهام تحوم فوق رأس الرجل ....


9ـ نعود إلى اتهام حسين الشافعي للاتحاد السوفيتي بالتورط في توريط مصر بالحرب و بالتالي الهزيمة الناتجة عنها .

إذ ليس أبعد عن المنطق من اتهام كهذا الذي يستند إلى مقولة أن هزيمة مصر ستجعلها أكثر اعتمادا عليه ، ومن ثم ارتباطا بالاتحاد السوفيتي مما يمهد المجال لنمو جيل قيادي جديد مصاغ على النسق السوفيتي يرث نظام عبد الناصر .
لا يصمد هذا المنطق لحقيقة أن هزيمة عبد الناصر لن تقود إلا إلى كنس الاتحاد السوفيتي و نفوذه من المنطقة ، وهذا ما حدث فعلا بعد سنوات .

ثم أن من يقرأ محاضر مباحثات كوسيجين رئيس الوزراء السوفيتي مع شمس بدران وزير الحربية المصري ما بين 25 - 28 مايو/أيار لا يسعه إلا أن يلحظ مدى الضغط السوفيتي على مصر لتهدئة التوتر بعد إغلاق خليج العقبة ، ولتنفيس الاحتقان المتولد عنه , فكيف ذلك ممن يسعون إلى حرب فهزيمة .

نعم قام الاتحاد السوفيتي بإخطار مصر ـ عن طريق زائرهم أنور السادات حينها ـ يوم 13 مايو/أيار بمعلوماتهم حول حشود إسرائيلية تتجمع للهجوم على سوريا , بما يفي برغبتهم في أن يقوم عبد الناصر بعمل رادع يقي سوريا من هذه النوايا .

لكن هذا لا يعني أنهم يريدون أكثر من حشد للقوات المصرية في سيناء حتى من دون سحب للقوات الدولية ... و في هذا القدر كفاية .

هل كان هذا الإخطار هو السبب الوحيد بل أقله الأساسي في قرارات عبد الناصر؟ الجواب بلا ، فما وصل إليه من قرار كان حصيلة شهور من الحوادث والنذر أوصلته إلى قناعة بأن تحركا جسورا قد آن أوانه ويستطيع من خلاله أن يقوي أوراقه التفاوضية اتجاه الولايات المتحدة بعد أعوام ثلاث عجاف وصل فيه الضغط الأمريكي عليه إلى ذراه وشمل وقف شحنات القمح ، وتحريض البنك الدولي و صندوق النقد الدولي على وقف التسهيلات الائتمانية , وطلب التفتيش على المفاعل الذري و مصانع السلاح , ووقف التسوق العسكري الهجومي , و إيقاف الخطوات الاشتراكية , و إلى ما هنالك من سلسلة المطالب و الإنذارات , عدا عن سلسلة لا تهدأ من عمليات "العمل الخفي" سواء للانقلاب أم الاغتيال .

ثم قد يقول قائل أن هذه الحشود لم تكن حقيقية ، كما ثبت لمصر بعدها بقليل حين قام الفريق محمد فوزي رئيس الأركان المصري حينها بزيارة لسوريا يوم 14 مايو/أيار (أي بعد الإخطار السوفيتي بيوم واحد) ووجد أقرانه السوريين ينفون هذه الأنباء .

إذن ... الإخطار في 13 مايو/أيار و نفيه في 14 مايو/أيار، ومع ذلك اتخذ عبد الناصر مع عبد الحكيم عامر قرارهما بحشد القوات في 15 مايو/أيار وبالتالي فالقرار كان مصريا بحتا، وليس للاتحاد السوفيتي فيه ذلك التأثير الملحوظ .

حادثة أخرى بنى عليها الكثيرون نتائج بلا أسانيد : مع تشوق القيادة العسكرية المصرية لمعركة مع إسرائيل منذ شهور خلت رأيناها وقد اندفعت مع ازدياد حدة التوتر في المنطقة لتطلق لخيالها العنان وتبدأ في التفكير بعملية هجومية على إسرائيل .

وفعلا وافق المشير عامر على خطة عملياتية لقصف مطارات النقب بالطيران و أخرى لاحتلال إيلات برا ، وجرى التوقيت لهما 27 مايو/أيار .

ما إن علم عبد الناصر بذلك حتى سارع للاجتماع بالقيادة العسكرية يوم 25 مايو/أيار وتحذيرها من مغبة ما تنتويه والأمر بإلغاء تلك الخطط للتو وفي اللحظة... و فعلا هذا ما تم .

والمهم في الأمر أن مخابرات إسرائيل ـ وهذا يعود بنا لعملاء إسرائيل المزروعين ـ علمت بتلك الخطة ، وسارع آبا إيبان وزير خارجية إسرائيل وكان حينها في واشنطن ليبلغ الرئيس جونسون بمعلوماته ، فسارع الأخير بطلب لقاء السفير المصري الدكتور مصطفى كامل ، وتحذيره من قيام مصر بأي عمل هجومي , في وقت كان فيه عبد الناصر قد سبق و ألغى تلك الخطة .

بعد ذلك بساعات ، أي فجر 27 مايو/أيار ( الساعة الثالثة صباحا ) طلب السفير السوفيتي في القاهرة لقاء عبد الناصر في منزله و طلب منه إيقاف الهجوم قبل شنه .

يستخلص مهاجمو الاتحاد السوفيتي من هذه القصة أن السوفييت منعوا مصر من الهجوم و بالتالي عطلوا قدرتها على النصر فيما لو بدأت بالهجوم .

حقيقة الأمر أن القرار كان قرار عبد الناصر ولحساباته المنطقية ، وأن جونسون وإسرائيل انزعجا لأن هجوما كهذا كان سيربك خططهما الهجومية التي تنتظر أن تنطلق من عقالها .

وبافتراض أن هذا الهجوم كان قد تم فإن وضع القوات الجوية الذي تبدى يوم 5 يونيو/حزيران كان كفيلا بإفشاله في كل الأحوال.... ثم لو افترضنا ـ أكثر ـ أنه كان ذي مفعول لدخلت القوة الجوية الأمريكية بقضها وقضيضها على طول الخط لتدمير المهاجم ودحره .

المسألة الوحيدة التي يمكن أن يكون فيها جانب من المصداقية أن بعضا من الخبراء العسكريين الروس الموجودين في مصر حينها ـ و كانوا بضع مئات ـ قد يكون مخترقا من أجهزة المخابرات الغربية و بالتالي أسهم في تزويد إسرائيل بالمعلومات من الداخل ..... أما أن القيادة السوفيتية شدت عبد الناصر من أذنه ليحارب ويهزم ، فبين ذلك والحقيقة مسافات ووديان .

10ـ كان المفصل الثاني الذي حدد مصير الحرب بالهزيمة هو قرار الانسحاب الشامل من سيناء في غضون 24 ساعة ، والذي اتخذه المشير عامر في الساعة الثالثة عصر السادس من يونيو/حزيران .

في ظهر ذلك اليوم كلف المشير مجموعة منتخبه من القادة , شملت الفريق محمد فوزي رئيس أركان الحرب والفريق أنور القاضي مدير العمليات , بتجهيز خطة إنسحاب منظم في سيناء بعد أن نجحت القوات الإسرائيلية في كسر الخط الأول للمحور الشمالي ـ الرئيسي ـ و احتلت العريش، ومن خلفه قطاع غزة ، وتمددت على المحور الأوسط لتحاصر القسيمة .

كان القرار ـ في المبدأـ منطقيا تماما، فخط المضائق هو خط دفاع طبيعي، ثم إن القوات المصرية في صحن سيناء الصحراوي عرضة لهجمات الطيران الإسرائيلي لا يصدها طيران مقابل .

تداعت المجموعة للعمل و أقرت خطة علمية متدرجة تشمل انسحابا من 4 أياما و 3 ليالي إلى خط المضائق .
ذهبوا للقاء المشير حوالي ا
لثالثة عصرا ليجدوه وهو يبلغهم أن الأمر قد قضي و أنه منذ الوهلة أصدر أمر الانسحاب الشامل و ما عليهم إلا التقيد .

السؤال المثار هو ما الذي تغير عند المشير حتى يقرر وفي غضون ساعات قلائل ألا ينتظر رأي خبرائه العسكريين ، وأن يرفع سماعة الهاتف مخاطبا كل قائد فرقة و قائد لواء بمفرده ليبلغه بالارتداد الفوري مع ترك السلاح الثقيل ؟

هل هو وحي يوحى ؟ وممن ؟ علما بأن الوحيد الذي لازم المشير في مكتبه طيلة أيام الحرب كان وزير الحربية شمس بدران ؟

تلك المسألة تعزز الشك حوله وتوجه له إصبع الاتهام بأنه كان الناصح غير الأمين في قرار حسم مصير المعركة .

واجب التنويه هنا بأن القوات البرية المصرية في سيناء كانت قادرة ـ تحت قيادة محترفة و جديرة ـ أن تخوض معركة دفاعية معقولة خصوصا على خط المضائق حتى بدون الغطاء الجوي , إذ في ظروف التحام الجيوش يصبح الطيران المعادي محدود الفعالية .

11ـ عودة إلى التساؤل عن سبب الخيانة.... هناك إشارات في كتاب أطفال جدعون جديرة بالانتباه , لكنني أرجح أن السبب الأساسي هو كره شريحة من القيادة لكل ما مثله و يمثله نهج جمال عبد الناصر، و بالتالي شعورهم أن الطريقة الوحيدة للخلاص منه هو بتلبيسه هزيمة فادحة تودي به و بنظامه وتنجيهم من الحساب تحت حجة أننا طالبنا بالهجوم ورفض، و كان ذلك سبب الكارثة .

لم يكن في حسابهم ما حدث يومي 9 و 10 يونيو/حزيران حين قام الشعب المصري بهبته العارمة مطالبا ببقاء عبد الناصر ـ بعد تنحيه ـ و إجباره على سحب استقالته . أكررأن المشير لا يمكن له أن يكون في صورة التآمر الخياني , بدليل أنه أوشك عصر الثامن من يونيو على الانتحار في مكتبه حين تبدت له كاملة فداحة الهزيمة .

12ـ مهم جدا استذكار أن عبد الناصر كان مبعدا عن شؤون القوات المسلحة منذ ما بعد الانفصال عام 1961.... وبالتالي فهو لو كان يعرف عن جيشه عشر معشار ما أصبح عليه بعد الهزيمة لما قام بكل ما قام به في مايو/أيار 1967 ، و لكان أكثر حسما ـ رغم كل المخاطر ـ في تعامله مع المشير وزمرته خصوصا إذا أحس بضرورة الانخراط في عمل عسكري ضد إسرائيل .

كان يشعر بين الحين و الأخر أن ليس كل شيء على ما يرام , و مثال ذلك حين زار مع المشير المدمرة " القاهرة " في ربيع 1965 ووقع عليها انفجار بسبب إهمال، وطلب حينها من المشير إقالة قائد القوات البحرية فرفض متعللا بأنه ليس مسؤولا مباشرة عن هذا الإهمال و بأن إقالته ستترك أثرا معنويا سيئا على الكوادر .

نجده أيضا في مطلع 1964 وهو يصر على تعيين الفريق فوزي رئيسا للأركان ليصبح له نافذة على شؤون الجيش , وليقوم المشير بالرد وتكوين قيادة مستقلة للقوات البرية ، تنتزع معظم صلاحيات رئاسة الأركان ,, هذا عدا عن محاولاته السابقة ما بين خريف 1961 بعد الانفصال مباشرة إلى خريف / شتاء 1962 لعزل المشير أو تحديد صلاحياته ، و باءت كلها بالفشل لعظم التأييد و الإسناد الذي كان للمشير في أوساط الضباط فهو... ولي النعم .

13ـ ماذا حول الجبهتين الأردنية و السورية وما هو دورهما في إيصال الأحداث إلى ما وصلت إليه ؟ ما يهم هو بعض النقاط المرتبطة بما جرى على الساحة المصرية .

هناك أولا دور الملك حسين البالغ الإتقان في أيام ما قبل الحرب , وخصوصا خلالها . افتتاحية هذا الدور كانت رسالته " التحذيرية " إلى عبد الناصر عبر الفريق رياض مطلع مايو/أيار 1967 ـ أي قبل أن تدور عجلة الأزمة ... لاحظ ـ بأن إسرائيل تبيت أمراً جلل ، وأن النظام السوري (البعث الجديد) منخرط في عملية تواطؤ دولية لجر مصر إلى معركة مع إسرائيل تنتهي بهزيمتها .

على السطح يبدو التحذير و كأنه ينم عن إخلاص قومي يسمو فوق كل شيء ، لكن الحقيقة تكمن في أنه ـ واستباقا لما يعرف بأنه قادم ـ قام بالتحذير و هو يعلم أن عبد الناصر يصدق عكس كل ما يقول لقناعته فيه بأنه رجل الغرب في الشرق العربي ، وأنه بالتالي يبطن عكس ما يظهر .

كانت خطوته الثانية هي التحاقه بركب عبد الناصر دون سابق إنذار يوم 30 مايو/أيار حين طار للقاهرة عارضا دخول الجيش العراقي و جيش التحرير الفلسطيني للأردن ومعهم سرايا الصاعقة المصرية ، وقاعدة رادار مصرية في عجلون..... بل و أصر على توقيع اتفاق دفاع مشترك مع مصر و العراق ، وعلى اصطحاب أحمد الشقيري رئيس منظمة التحرير الفلسطينية معه إلى عمان معه ، والأهم على تعيين الفريق عبد المنعم رياض قائدا عاما للجبهة الأردنية وعلى الفور .

كان ظن الملك أن جائزة إسرائيل الكبرى المهداة من الولايات المتحدة لقاء تدميرها لجمال عبد الناصرلابد هي الضفة الغربية , وهو ما يتلاقى مع دفين توقه الى تطويع الشعب الفلسطيني في الضفة له بشكل نهائي واعتباره المخلّص بعد أن يذوقوا طعم الاحتلال الإسرائيلي ... ليجدوا فيه نهاية الطريق بعد رحلة طويلة من التململ والرفض امتدت منذ 1948 .

كان ذلك بالطبع يشمل عقد معاهدة صلح نهائية تكون جائزته بعدها قطاع غزة مع ممر وظيفي (آمن) يؤمن الاتصال مع شطره في الضفة .

ذلك الدور استلزم أن يجري تسليم الضفة الغربية برمتها لإسرائيل ودون قتال جدي وهو ما تم فعلا.... فللعلم كان مجمل خسائر الجيش الأردني طيلة ثلاثة أيام من الحرب 16 شهيدا فقط ، وكان التسليم شبه علني و فاضح و مفتوح للأعين .

تطلب ذلك غطاء لا شبهة حوله حتّم دور الفريق رياض الذي رسمه له الملك ، وهو عنه غافل .... القائد مصري و أنا فعلت ما في وسعي ... و الباقي لا يغني حذر من قدر .

وماذا بالنسبة للسوريين ؟

روى خالد الحسن في حواره مع آلان هارت رجل المخابرات البريطانية ومؤلف كتاب "عرفات إرهابي أم صانع سلام" الذي نشر عام 1984 ما مفاده أن النظام السوري ـ عبر وساطة إسبانية ـ عقد صفقة مع إسرائيل في ربيع 1967 ، وكان ممثله في اجتماعاتها التي عقدت في مدريد وزير الخارجية آنذاك إبراهيم ماخوس .

أولا هذه المعلومة غير موثقة من أي مصدر أخر، وثانيا منطوق هذه النظرية أن
إسرائيل عرضت على السوريين إخلاء الجولان مقابل الحفاظ على النظام و عدم الاقتراب من دمشق ، ماذا وإلا فالوصول إلى دمشق وإسقاط النظام.... الثمن إذن هو الجولان !

بغياب أي دليل على هذه المعلومة أجدها غير قابلة للصمود أمام الفحص العلمي .
كيف يمكن لعبد الناصر الذي ناله من السوريين ـ حسب هذه النظرية ـ ما نال ، أن يواصل التعاون معهم لثلاث سنوات بعد هزيمة 1967 ؟

ألم يساوره شك فيما تسببوا له به من معركة غير محسوبة جرت بلده و أمته إلى هاوية سحيقة ؟

ثم من قال أن احتلال دمشق كان أمر يسيرا ـ من الناحية السياسية ـ و الاتحاد السوفيتي موجود ؟

الأكثر قربا من المنطق ـ وإلى أن يثبت العكس ـ أن النظام السوري آنذاك دبت في أوصاله مخاوف الرعب من أن تتصاعد الأزمة بعد حشد القوات المصرية في سيناء ، وهو أدرى الناس بمحدودية قدراته على الانخراط في حرب نظامية مع إسرائيل وأحوال الجيش السوري في الدرك الأسفل بعد التسريحات الكثيفة و المتعاقبة لخيرة كوادره بعد 8 مارس/آذار 1963 ووصولا إلى سبتمبر/ أيلول 1966...

آلاف من كوادر الضباط وجدت طريقها إلى المنازل خلال تلك السنوات الثلاث لتفرغ الجيش السوري من أي قدرة ملموسة له على القتال .

ربما يفسر ذاك الرعب محاولة القيادة العسكرية السورية في 14 مايو/أيار التهوين من معلومات السوفييت حول الحشود الإسرائيلية ضدهم ، و يفسر يقينا ما سمعه زكريا محي الدين من القادة السوريين عندما زارهم في دمشق في 2 يونيو/حزيران اذ ناشدوه أن تحاول مصر المستحيل الخروج من الأزمة بسلام .

تبدى الرعب على أشده في إحجام السوريين عن الانخراط في أي عمل عسكري جدي ضد إسرائيل طيلة أيام الخامس و السادس و السابع و الثامن من يونيو/حزيران خشية أن يوفروا الذريعة لإسرائيل بشن هجوم مضاد كاسح تكون نتيجته ضياع الجولان، و تبدى أيضا في إحجامهم حتى عن انتهاز فرصة الهجوم الجوي الإسرائيلي على مصر بساعاته الثمينة الأربعة ليقوموا بهجوم جوي على القواعد الإسرائيلية أقله في الشمال .

المضحك هو أنهم وهم فيما هم فيه من رعب شل تفكيرهم ، أرسلوا لواء مشاة لنصرة الأردن فذهب ليقيس الأرض ذهابا و إيابا دونما قتال ولاما يحزنون .

كل ذلك لم يقهم مما نوته إسرائيل من ابتلاع الجولان ، ومن هنا فعندما دقت ساعة الحقيقة وأرسل الجيش الإسرائيلي جحافله باتجاههم فقدوا أي توازن لديهم وأضطرب ميزانهم خصوصا وأن مصر خرجت من المعركة و لم يبق في الميدان إلا حديدان .

مساء التاسع من يونيو/حزيران , بدأ النظام يتوجس من أن نوايا إسرائيل ربما لا تكون فقط الاكتفاء بالجولان بل الوصول إلى دمشق ، وهو ما مهد السبيل لقرار ظنوه ذكيا أو متذاكيا حتى ولو كلف انسحابا عشوائيا لا يحكمه نظام ولا رابط.

هل كان يمكن للأداء العسكري السوري أن يكون أفضل مما كان ؟ الجواب القاطع هو بنعم ، حتى رغم كل الوهن و الضعف البنيوي الذي كان عليه حال الجيش عامة ، لكن الحرب هي في الأساس عملية إرادة فان غابت لن يفيد أفضل الجيوش ، ولنا في فرنسا عام 1940 أمام الاجتياح الألماني أكبر دليل .

للخيانة دور جزئي في حجم و فداحة هزيمة 1967 ...... لاأكثر و لا أقل .

والله أعلم !!
 
عودة
أعلى