فى البداية ارجوا تثبيت الموضوع لاهميته
زنجبار تركة العمانين
تقع جزيرة زنجبار سياسياً ضمن إطار دولة تنزانيا، أما جغرافياً فهي تقع على الساحل الشرقي لأفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 1600 كم مربّع، وعدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة.
وزنجبار في اللغة كلمة عربية محرّفة عن كلمة « بُرج الزنج »، وتُجمِع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب ـ وتحديداً العُمانيين ـ قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، فقد امتدّ نشاط العرب التجاري إلى ساحل إفريقيا الشرقي حتّى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة. وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطّات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند.
ويدلّل المؤرّخون على ذلك بأن عُمان عندما استعصت على بني أمية، فوّض عبدُالملك بن مروان الحَجّاجَ بن يوسف الثقفي في بسط نفوذ بني أمية على عُمان. وبعد جولات طويلة أرسل الحجاج جيشاً عرمرماً فآثر سلطانا عمان سليمان وسعيد ابنا عبد الجلندي أن ينقذا أهلهما وجيشهما، فأخذا أهلهما ومن تبعهما من قومهما إلى أرض الزنج ( زنجبار ).
ويقول المؤرخ الدكتور عبدالمنعم عامر إنه: « يستحيل منطقاً أن يخرج سلطانا عمان من بلدهما إلى بلد لا يعرفان به، ولكن المنطقي أنهما ينتقلان إلى أرض بها وجود عماني كثيف يأمنان فيها على حياتهما ودينهما. وإذا كانت هذه الواقعة في القرن السابع الميلادي فمعنى ذلك أن هناك تاريخاً يمتد إلى زمن لا يقل عن ثلاثمائة عام، وقد يبلغ خمسمائة عام إذا استندنا إلى الآثار الموجودة ».
وقد خضعت زنجبار تاريخياً لسلطنة حكّام عُمان، سواء عندما حكمها اليعاربة أو آل بو سعيد. وكان سلطان عُمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشيو وأسمَرة ومدن كثيرة حتّى وسط أفريقيا. وقد ظلّت سيطرة العمانيّين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام، وكانت ممالك شرق أفريقيا كثيرة الثراء والازدهار. ويقدر « وندل فيليب » استناداً إلى وثائق أوربية أن إنتاج الذهب الذي كان يقدّمه ساحل شرق أفريقيا قارَبَ نصف مليون جنيه استرليني سنوياً في وقت ما من زمن الوجود العماني، بالإضافة إلى عائدات بيع المحصولات الرئيسية كجوز الطِّيب وجوز الهند والقُرنفُل والقَصَب، وبجانب هذين المصدرين المهمين كانت هناك تجارة الرقيق.
ولم تنقطع السيطرة العمانية على زنجبار وشرق أفريقيا إلاّ فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العُماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية ثم من الاستعمار البرتغالي، إلى أن طَرَد الإمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان، ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا.
وكان النظام المستقر في زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي تابعَينِ سلطان عُمان لذي كان يحكم من عُمان ويفوّض ولاة على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية.
وفي عام 1828 ميلادية قام السلطان سعيد بن سلطان بزيارة إلى جزيرة زنجبار، وعندما وصل إليها استهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان، فجعل من الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان. وسرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم، وإلى السلطان سعيد يعود الفضل لأنه أول من زرع شجر القُرنفُل في الجزيرة على الرغم من معارضة الأهالي، لتصبح زنجبار اليوم أكبر مصدر للقرنفل في العالم كله.
وقد ازدهرت زنجبار منذ ذلك الحين، فمُهِّدت الطرق، وأُقيمت القصور والمنازل والدور والمساجد، وأصبحت نقطة التقاء أشراف الساحل الشرقي والإفريقي والعمانيين، فالكل يذهب إلى عاصمة المملكة ومقرّ السلطان ولؤلؤة الممالك، وتضاءلت بجانبها المدن الأخرى الزاهرة مثل ممباسا وماليندي وكلوه، وهذا ما كان.
كيف ضاعت ؟
حتّى صباح يوم السبت 11 كانون الثاني عام 1964، كانت زنجبار جزيرة عربية مستقلة، يحكمها السلطان جمشيد بن عبدالله ال سعيد، أحد أحفاد السلطان سعيد بن سلطان. وفي مساء السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلفّ الجزيرة، ومرّت الساعات الأولى من الليل رطبةً شتائية، وبعد منتصف الليل شقّ هدوءَ الجزيرة صوتُ رصاص، ولم يستمر كثيراً، وقد ظنّ الذين لم يكونوا قد استسلموا للنوم أن جندياً طائشاً أطلق بعض طلقات من بندقيته. وكلما مضى من الليل وقت ازداد الجو رطوبة وبرودة وثقلاً، وما هي إلاّ ساعة بعد انتصاف الليل حتّى اجتاحت الأحياء والدور فرق من الجنود، فنهبوا البيوت، وشرعوا في قتل السكان واستباحوا النساء، وسقط ما يزيد على عشرين ألف قتيل، وفي رواية أخرى قد بلغ عدد القتلى خمسين ألفاً. وما أن أصبح الصباح، صباح يوم الأحد 12 كانون الثاني 1964، إلاّ وزنجبار، برج الزنج، لؤلؤة الممالك، مقر سلطنة الحكام العرب، لم تعد زنجبار العربية!
فقد كانت طلقات الرصاص عملية اجتياح لمراكز الشرطة والاستيلاء عليها من قبل الجنود ذوي الأصول الإفريقية، وعملية حصار لمقر الحكم. انقلاب دموي كامل تمّ معظمه بالسلاح الأبيض في أكثر الانقلابات وحشيّة في القرن العشرين!
ولا تكفي وقائع الانقلاب لِتُقدّم لنا إجابة عن أسباب ضياع زنجبار، والتساؤل عن الأسباب سوف يدفعنا إلى الإبحار قليلاً في بحار السياسة والتاريخ.
كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار متوافقاً مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي في ظل قواعده البحرية التقليدية، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل افريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. وكانت الكشوف الجغرافية من قبل ولفنجستون وستانلي وغيرها في افريقيا سبباً كافياً لكي يلتهب خيال أوربا بالطمع في افريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص. يذكر لنا التاريخ المكتوب أن هناك صراعاً بريطانياً ألمانياً دار حول زنجبار وانتهى بتوقيع اتفاقية تحديد مناطق نفوذ، وأن هناك صراعاً إيطالياً فرنسياً بريطانياً أمريكياً، إلاّ أن أمريكا كانت أسبق الجميع حين وقّعت معاهدة صداقة مع زنجبار عام 1823، وحظيت أمريكا بموجبها على امتياز الدولة الأحق بالرعاية. وفي عام 1839 وقّعت بريطانيا معاهد مع زنجبار، اشترطت فيها على السلطان تحريم الرقيق، وتعهّد السلطان بتحريم هذه التجارة في كل ممتلكاته، وتعيين وكيل بريطاني لممتلكات السلطان للالتزام بالتحريم، كما أعطت المعاهدة للسفن البريطانية الحق في تفتيش السفن ومصادرة أيّ سفن تمارس هذه التجارة. وتحت هذا الستار وبمعاونة مكتب شركة الهند الشرقية بدأت الأصابع البريطانية تتدخل في المنطقة لضمان سيطرتها عليها، خاصة أن البريطانيين لم يكونوا في ذلك الوقت يملكون إلاّ طريق الحيلة، فثراء السلطان سعيد كان بلا حدود، وفي قصره كان يعيش ألف شخص للخدمة، ودَخلُه من تجارة العبيد وحدها كان قرابة 80 ألف جنيه استرليني في العام بأسعار ذلك الزمان.
ومن حيث القوة العسكرية كان السلطان سعيد يملك أسطولاً بحرياً قوياً، يتكون من خمسٍ وسبعين سفينة، في كل سفينة 56 مدفعاً. وكما يقول وندل فيليب في كتابه ( تاريخ عمان ) عندما يتحدث عن تلك الفترة من خلال الوثائق البريطانية، أن السلطان سعيد كان يستطيع أن يحقق لنفسه التفوق البحري في المحيط، فهو صاحب أقوى أسطول موجود في المنطقة الواقعة بين رأس الرجاء الصالح حتّى اليابان. والثابت تاريخياً أيضاً أنه أهدى فرقاطة بحرية مسلحة إلى ملك بريطانيا، وفرقاطة أخرى إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
صراع الإخوة
بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في 19 تشرين الأول 1856، ثار الشقاق بين اثنين من أشقائه كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية دامية. وكالعادة استعان أحد الأخوين بالبريطانيين، فشكّل البريطانيون لجنة تحكيم يرأسها اللورد « كانتج » المندوب السامي في الهند، فقسّم الامبراطورية إلى جزءَين أساسيين، هما عُمان وقد جعلها من نصيب السلطان ثويني بن سعيد، وزنجبار جعلها من نصيب السلطان ماجد، ومنذ ذلك التاريخ انفصلت زنجبار عن عُمان.
وداخل زنجبار ثارَ خلافٌ وشقاق؛ فقد حاول شقيق ماجد أن يغتاله في مؤامرة شاركه فيها بعض أفراد العائلة، فاستعان السلطان ماجد بالبريطانيين، فتولّوا حمايته بالقوة المسلحة. وحكم على برغش شقيق السلطان بالنفي إلى الهند. واستمر الموقف بنزاعات وشقاقات. وانتهز البريطانيون الفرصة ليبسطوا أيديهم أكثر على الجزيرة، حتّى جاء مؤتمر بروكسل، وفيه قُسّمت افريقيا بين القوى المتصارعة، وكان من ضمن ما قُسّم زنجبار. وفي تشرين الثاني 1886م قسّمت الجزيرة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وتعاظم الصراع بعد ذلك، وتوالى بشكل سريع، وتعاقب على حكم زنجبار ولاة لم يَدُم حكم بعضهم عامين، وعرفت الجزيرة الانقلابات والحروب، وفرض البريطانيون سلطتهم على الجزيرة، حتّى أنهم عزلوا حاكماً من حكامها بالقوة المسلحة لينصبوا آخر، وهكذا.
وخلال ذلك نشطت الجمعيات التبشيرية، وشجّعت بريطانيا توافد الأفارقة من الساحل الإفريقي إلى الجزيرة، وتدريجياً بدأ البريطانيون في تكوين قوى سياسية وطنية لهم داخل الجزيرة، وفي نفس الوقت عملوا على إذكاء حدة التفرقة بين العرب والأفارقة والتمييز بين ما هو عربي وما هو افريقي، وصبر البريطانيون طويلاً وزرعوا كثيراً، وكان لابد أن يُثمِر الزرع الذي زرعوه.
الأميرة العاشقة
أسهمت زنجبار بوضعها هذا وتاريخها في إثراء الكتابات عن افريقيا بعامة، وعن أحوال زنجبار وتاريخها بخاصّة. وأطرف ما كتب عن هذه الفترة مذكّرات الأميرة سالمة بنت السلطان سعيد بن سلطان التي عاونت أخاها برغش عندما تمرّد على السلطان ماجد وحاول اغتياله في الحرب التي نشبت بينها وتدخل فيها الإنجليز لصالح ماجد، وحكموا على برغش بالنفي إلى الهند، ففي أثناء نفي برغش تصالحت الأميرة سالمة مع أخيها، ولمّا عفا السلطان عن برغش وعاد إلى زنجبار لم يغفر لسالمة تصالحها مع أخيها السلطان، وظلّت حياتها في زنجبار قلقة، فقد كانت صغرى أبناء السلطان سعيد، وبالتالي فهي أصغر أخواتها. ويبدو أن وضعها هذا قد هيّأها للدخول في مغامرة، فأحبت رجلاً ألمانياً، وهربت معه إلى ألمانيا، وعاشت هناك، ومن البعد كتبت مذكّراتها تصف أيام المجد والقصور، والمربيات وركوب الخيل، والثروة، وعزّ المملكة الذي كان.
وضعها الحالي
تقع زنجبار الآن سياسياً ضمن تنزانيا، وقد ظهرت تنزانيا ككيان سياسي عقب استقلال تنجانيقا في 9 كانون الأول 1961م وخروجها من تحت الوصاية البريطانية، بينما حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا في كانون الأول 1963. وخلال هذين العامين بين استقلال تنجانيقا وزنجبار كانت بريطانيا قد هيّأت المسرح لما حدث بعد استقلال زنجبار بشهر ونصف فقط، حيث جرت وقائع الانقلاب الدموي الذي خُلع به سلطان زنجبار وفرّ إلى الخارج. وفي 26 نيسان 1964 أي بعد الانقلاب بأربعة أشهر أُعلن قيام الوحدة بين تنجانيقا وزنجبار، وأصبح اسم الدولة الجديدة تنزانيا، واختيرت دار السلام عاصمة لها. ونصّ اتفاق الوحدة ثم الدستور على أن يتولى الرئاسة جوليوس نيريري، وأن يليه في الرئاسة حاكم زنجبار. وتشكّلت حكومة محلّية لزنجبار وفوّضت في بعض الصلاحيات المحلية التي من خلالها حاولت الإدارة في زنجبار أن تحتفظ لنفسها بهوية مستقلة نسبياً إلاّ أن التاريخ لا ينسى، وقد ظلت الوظائف الإدارية العليا والإشرافية وبخاصة في الشرطة والجيش في أيدي الأفارقة ذوي الأصول غير العربية، ولكن هذا الاتجاه بدأ يقل تدريجياً بعد ضعف النعرات العرقية واستقرار الأحوال بالدولة الجديدة.
وقد انعكست آثار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تنزانيا كلها على زنجبار، حيث انخفض مستوى المعيشة وأصبح الفقر لا تُخطئه عين، والغلاء يزداد كل يوم، وسعر العملة ينخفض في كل عام عن العام الذي قبله. وعلامات الأزمة الاقتصادية في تنزانيا كثيرة، فوِفْق أرقام البنك الدولي يبلغ إجمالي الدَّين الخارجي حتّى نهاية 1986 قرابة 3609 ملايين دولار، ويبلغ متوسط دخل الفرد من الناتج القومي 290 دولاراً سنوياً، ويبلغ معدل التضخم سنوياً 6, 19 0/0.
تحوّلات في زنجبار
وفي أواخر سنة 1993 كان الوضع في زنجبار كما يلي:
منذ زيارة رئيس حكومة زنجبار المحلية سالمين عامور إلى مسقط عام 1991، وتقديم اعتذار للسلطان قابوس عن أحداث عام 1964، وزنجبار تشهد حركة ترميم واسعة للآثار العُمانية من فترة حكم سلاطين عمان لها من 1870 إلى 1964، وهي « قصر السلطان العُماني » و « قصر حريم السلطان » و « المتحف الوطني » الذي يضم متعلقات هذه الفترة في ما يوصف بأنه محاولة لإزالة آثار ثورة كانون الثاني ( يناير ) 1964 وإعادة النظر في العلاقات مع السلطنة.
وكانت ثورة زنجبار بقيادة أول رئيس لها عبيد كرومي قضت على حكم آخر السلاطين العُمانيين « جامشيد » الذي هرب على متن باخرته إلى مومباسا في كينيا. وأعمَلَ الثوارُ والأهالي من أصل افريقي وهندي التقتيلَ في السكان من أصل عربي الذين اضطروا إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية عمان واليمن والإمارات.
ولا تعبّر إزالة آثار الثورة عن محاولة عاطفيّة تمتزج بالشعور بالذنب فقط، إنما تأتي في إطار أزمة هوية يكتنفها البحث عن روابط بديلة لتحقيق المصالح بعد ضعف اتحاد زنجبار وتنجانيقا ( تنزانيا ) اقتصادياً وبنيوياً؛ فالشعب الزنجباري يعاني من تراجع معدلات التنمية وانخفاض مستوى الدخل السنوي، كما أن الوحدة تواجهها مخاطر الانفصال بسبب الرغبة في العودة إلى الأصول العربية والإسلامية.
ولا تنفرد الحكومة المحلية في زنجبار ( ذات الحكم الذاتي ) بهذه الرغبة والمحاولات؛ فعلى رغم أن سالمين عامور رئيس الحكومة كان أول من عبّر عنها وبادر بزيارة مسقط والتقى السلطان قابوس وقدم اعتذاراً وعاد ليقول للشعب إنهما اتفقا على نسيان الماضي، فإن المعارضة هي الأقوى والأكثر فاعلية في الشارع الزنجباري؛ إذ إن ( حزب جبهة الاتّحاد المدني ) هو الوحيد في تنزانيا يتخذ زنجبار مقرّاً ويشكّل ذوو الأصول العربية 90 في المئة من قياداته وأعضائه. كما أنه الأكثر تعبيراً عن الانتماء الإسلامي والعربي لزنجبار، علاوة على أنه الأكثر شعبية. كذلك فإن مسلمَينِ من أصل عربي هما سيف شريف حمادي رئيس الوزراء السابق وشعبان ميلو يتوليان منصب نائب الرئيس وأمانته العامة.
وتكاد هذه القضية أن تكون الوحيدة التي يتّفق فيها رأي الحكومة والحزب الثوري الحاكم مع المعارضة. وهذا التوجه لا يتفاعل معه سوى سلطنة عمان التي بادرت عقب زيارة عامور إلى تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة، وأنشأت مطاراً دولياً ومدرسة تمريض، وقدمت مساعدات طبية للمستشفى الحكومي، كما افتتحت قنصلية عامة لرعاية شؤون العلاقات والمصالح في أول استئنافٍ للعلاقات منذ أحداث 1964. كذلك فإن دبي سيّرت خط طيران مباشر إلى الجزيرة لنقل البضائع والمساعدات.
ومن البديهي أن تَلقى محاولات الحكومة المحلية تغيير الانطباعات والأفكار السيئة عن فترة الحكم العُماني والتي عملت الحكومة المركزية في دار السلام على ترسيخها منذ 1964 صعوبات في هذا السبيل. غير أن وصول المساعدات، والمشاكل التي يواجهها الاتحاد مع تنجانيقا، إضافة إلى أزمة الهوية التي يعيشها الشعب، وآثار فترة حكم الحزب الثوري في تنزانيا.. جعلت مهمة التحول سهلة؛ فقبل عمليات الترميم سبقت حكومة زنجبار الحكومة المركزية في تحرير التجارة للسماح بعودة العرب الذين غادروها تحت غطاء التجارة والاستثمار.
ولا يزال ذوو الأصول الإفريقية والهندية يجدون من مخلّفات الحكم العُماني ما يستخدمونه في ضرب هذا التوجه، خصوصاً سجن العبيد، أحد الآثار التي لم يَطُلها الترميم الذي يروّج أن السلطان العُماني كان يأسر فيه الزنوج لبيعهم عبيداً للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين في شرق افريقيا.
إلاّ أن الدعاية المضادة هذه لا تؤثّر حتّى الآن في استمرار هذا التوجه، حتّى أنّ التذكير بزيارة أنور السادات لزنجبار مُوفَداً من جمال عبدالناصر في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 لعرض تقديم مساعدات للسلطان العُماني، وقبل بدء أحداث كانون الثاني ( يناير ) 1964، بعد تسليم البريطانيين السلطة للسلطان، لا يجد صدى واسعاً داخل الأوساط المثقفة والمسيّسة في زنجبار، فأزمة الهوية هنا أقوى من دعايات مضادة.
من حال إلى حال
هل تملك جزيرتا زنجبار ( انجوجا وممبا ) ـ 1020 كيلومتراً مربعاً ومليون نسمة ـ مقومات الاستقلال إذا ما انفصلت عن تنجانيقا ؟
هذا هو السؤال المطروح حالياً على الساحة السياسية في زنجبار في ضوء التطورات الأخيرة وملامح أزمة « الهوية » التي تعمّقت بعد فشل محاولة حكومة زنجبار الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وأدت إلى نكسة لمشاعر الرأي العام.
فمع ضعف الاتحاد وتدهور اقتصاد الدولة، بدأت تظهر نزعة استقلالية جادة، أبرز ملامحها إظهار الوجه الإسلامي لزنجبار، وظهور جماعات دينية وتوجّه نحو إعادة الروابط مع الدول العربية عموماً وسلطنة عمان خصوصاً، واستكشاف سبل بناء اقتصاد وطني مستقل حرصت زنجبار على التمتع به عند إنشاء دولة الاتحاد عام 1964.
نجحت زنجبار في تحقيق قدر من الاستقلالية في إدارة علاقاتها الخارجية، وأنشأت علاقات قنصلية مع مصر وعُمان وموزامبيق والهند والصين وروسيا ( أغلقها الرئيس الروسي بوريس يلتسن عام 1991 ). وتتبع قنصلياتها سفاراتها في دار السلام ما عدا عُمان التي ليست لها سفارة في تنزانيا. كما نجحت في عقد اتفاقيات ثنائية مع هذه الدول حصلت بمقتضاها من مسقط على مساعدات اقتصادية، ومن مصر على خبراء في الزراعة والتصنيع وأطباء، ومن الصين على الإذاعة المحلية ومساكن للفقراء.
واحتفظت زنجبار ببعض مظاهر السيادة، مثل نظام تأشيرات الدخول والجمارك للأجانب ولأبناء تنجانيقا. ولا تملك الدولة الاتحادية ( تنزانيا أو تنجانيقا ) محطة تلفزيونية. وهناك محطة إرسال تذيع برامج مُهداة من تلفزيون كينيا وأوغندا وتمثليات إرشادية وخطب مسجلة للرئيس تذاع بعد إلقائها. وعلى رغم أن الحكومة المركزية في تنجانيقا أبطلت مفعول قرار حكومة زنجبار المحلية بالانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي إلاّ أن ما يثير الحساسية لدى الشعب هو نجاح تنجانيقا في منعها من حضور اجتماعات مؤسساتها من دون المرور على الحكومة الاتحادية في دار السلام أو الحصول على موافقتها.
فشعب زنجبار خليط من العرب والإيرانيين ( 20 في المئة من عدد السكان ) والهنود ( 10 في المئة )، والأفارقة ( 50 في المئة ) معظمهم من قبائل البانتو التي تعيش في شرق افريقيا، و 97 في المئة من السكان مسلمون على رغم اختلاف أصولهم العرقية. وأصبح من الصعوبة تحديد الأصول العربية أو الإيرانية للسكان بسبب الزواج المختلط.
وبينما يركّز ذوو الأصول العربية نشاطاتهم على التجارة اهتمّ الإيرانيون بالسياسة، واندمجوا مع العرب في علاقات مصاهرة.
وتحاول زنجبار تعويض فشلها في التركيز على وجهها الإسلامي وفتح علاقات مباشرة مع الدول العربية، خصوصاً سلطنة عُمان، وهو اتجاه يكتسب اهتماماً الآن على رغم أنّه بدأ منذ سنوات حينما حاولت حكومة زنجبار المحلية برئاسة إدريس عبدالوكيل عام 1986 طَرْقَ أبواب السلطنة وإعادة وصل ما انقطع من خيوط. ولم تنجح هذه المحاولات المستمرة إلاّ عام 1991 حين هبط الرئيس الحالي سالمين عامور في مطار مسقط، وحصل على مساعدات اقتصادية لبناء مطار ومستشفى ومدرسة للتمريض وفتح قنصلية عُمانية في زنجبار لمباشرة العلاقات.
وتمتد علاقات زنجبار مع السلطنة خصوصاً والعرب عموماً إلى حركة الكشوف الجغرافية عندما استعمرها البرتغاليون في القرن السادس عشر، واستنجد السكان ذوو الأصل العربي والديانة الإسلامية بسلطان عُمان بعد انتصاره على البرتغاليين في هرمز، فوصلت قواته إلى زنجبار عام 1650 وأصبحت إحدى ولايات السلطنة، إلى أن أعلنت بريطانيا الحماية في العام 1870.
وعرف شعب زنجبار تحت الحماية البريطانية التعددية الحزبية، برز خلالها حزب ASP الذي شكّل الحكومة الائتلافية الأولى في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 فور إنهاء الحماية وإعلان الاستقلال بقيادة رئيس الحزب الإفريقي كرومي.
وشهدت زنجبار في أيام معدودة بعد الاستقلال قلاقل واضطرابات مفاجئة قادها كرومي ضد الوجود العربي في الجزيرتين.
وسرعان ما تحوّلت الاضطرابات إلى أحداث دمويّة في 12 كانون الثاني ( يناير ) 1964، حين فتح « جون أكيلو » الأوغندي مخازن السلاح التابعة للسجون ومعسكرات الجيش البريطاني السابقة أمام الثوار الأفارقة التابعين لكرومي فأعملوا التقتيل في العرب ونهبوا ممتلكاتهم ما أدى إلى فرارهم إلى ممباسا.
وفور استقرار السلطة في يد كرومي ـ الذي أصبح أول رئيس لزنجبار ـ اتفق مع رئيس تنجانيقا جوليوس نيريري على إنشاء دولة اتحادية، وأقدم أحد أبناء ضحايا الثورة على قتل كرومي في عام 1972، وانتهج خلفه عبده جومبي السياسة نفسها ضد بقايا العرب، بل دمج حزبه الحاكم APS وحزب المعارضة في زنجبار TANU في الحزب الثوري الحاكم في تنجانيقا CCm عام 1977.
وعلى المنوال نفسه سار أسلاف غومبي ـ بعد استقالته 1978 ـ من حسن معيني ( 78م ـ 1985 )، وانتهاءً بسالمين عامور الرئيس الحالي للحكومة المحلية.
وبعد استئناف العلاقات مع مسقط بدأت زنجبار تعيد النظر في الماضي تحت شعار « إزالة آثار الثورة »، وترجمت ذلك بقرارات تسمح للعمانيين والعرب الذين غادروها عام 1964 بالعودة، وتتيح ترميم آثار المرحلة السابقة بما فيها تلك التي استُغلّت خلال حكم كرومي في تشويه صورة العرب. وتواجه هذه السياسات الجديدة مشكلة التعاطي مع الشعارات التي رفعتها الثورة على مدى السنوات الماضية واتسمت بالكراهية وإثارة الأهالي ضد العرب « المسيطرين على الاقتصاد والتجارة »، « وباعوا الأفارقة كعبيد للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين » في إطار حملة منظّمة ومستمرة.
زنجبار تركة العمانين
تقع جزيرة زنجبار سياسياً ضمن إطار دولة تنزانيا، أما جغرافياً فهي تقع على الساحل الشرقي لأفريقيا، وتبلغ مساحتها حوالي 1600 كم مربّع، وعدد سكانها حوالي 300 ألف نسمة.
وزنجبار في اللغة كلمة عربية محرّفة عن كلمة « بُرج الزنج »، وتُجمِع الكتابات التاريخية والآثار أن العرب ـ وتحديداً العُمانيين ـ قد بسطوا سيطرتهم على الساحل الشرقي لأفريقيا منذ القرن الأول الميلادي، فقد امتدّ نشاط العرب التجاري إلى ساحل إفريقيا الشرقي حتّى الهند، وأقاموا المدن الزاهرة. وكانت الموانئ المنتشرة على طول الساحل محطّات ومرافئ للسفن العربية التي تخترق المحيط في طريقها إلى الهند.
ويدلّل المؤرّخون على ذلك بأن عُمان عندما استعصت على بني أمية، فوّض عبدُالملك بن مروان الحَجّاجَ بن يوسف الثقفي في بسط نفوذ بني أمية على عُمان. وبعد جولات طويلة أرسل الحجاج جيشاً عرمرماً فآثر سلطانا عمان سليمان وسعيد ابنا عبد الجلندي أن ينقذا أهلهما وجيشهما، فأخذا أهلهما ومن تبعهما من قومهما إلى أرض الزنج ( زنجبار ).
ويقول المؤرخ الدكتور عبدالمنعم عامر إنه: « يستحيل منطقاً أن يخرج سلطانا عمان من بلدهما إلى بلد لا يعرفان به، ولكن المنطقي أنهما ينتقلان إلى أرض بها وجود عماني كثيف يأمنان فيها على حياتهما ودينهما. وإذا كانت هذه الواقعة في القرن السابع الميلادي فمعنى ذلك أن هناك تاريخاً يمتد إلى زمن لا يقل عن ثلاثمائة عام، وقد يبلغ خمسمائة عام إذا استندنا إلى الآثار الموجودة ».
وقد خضعت زنجبار تاريخياً لسلطنة حكّام عُمان، سواء عندما حكمها اليعاربة أو آل بو سعيد. وكان سلطان عُمان يمتد إلى ممباسا وماليندي ومقديشيو وأسمَرة ومدن كثيرة حتّى وسط أفريقيا. وقد ظلّت سيطرة العمانيّين على زنجبار وساحل شرق أفريقيا قرابة ألف عام، وكانت ممالك شرق أفريقيا كثيرة الثراء والازدهار. ويقدر « وندل فيليب » استناداً إلى وثائق أوربية أن إنتاج الذهب الذي كان يقدّمه ساحل شرق أفريقيا قارَبَ نصف مليون جنيه استرليني سنوياً في وقت ما من زمن الوجود العماني، بالإضافة إلى عائدات بيع المحصولات الرئيسية كجوز الطِّيب وجوز الهند والقُرنفُل والقَصَب، وبجانب هذين المصدرين المهمين كانت هناك تجارة الرقيق.
ولم تنقطع السيطرة العمانية على زنجبار وشرق أفريقيا إلاّ فترات قصيرة عانت فيها مناطق النفوذ العُماني من رحلات الاستكشاف البرتغالية ثم من الاستعمار البرتغالي، إلى أن طَرَد الإمام سلطان بن سيف البرتغاليين من عمان، ثم بعد ذلك من ساحل شرق أفريقيا.
وكان النظام المستقر في زنجبار وساحل أفريقيا الشرقي تابعَينِ سلطان عُمان لذي كان يحكم من عُمان ويفوّض ولاة على زنجبار وبقية ممالك الساحل مقابل ضريبة سنوية.
وفي عام 1828 ميلادية قام السلطان سعيد بن سلطان بزيارة إلى جزيرة زنجبار، وعندما وصل إليها استهواه جمالها وطِيب مناخها مُقارَنةً بهجير عمان، فجعل من الجزيرة مقرّه الرسمي وعاصمة لمملكة يحكم منها عُمان وساحل إفريقيا، وأصبحت زنجبار منذ ذلك التاريخ عاصمة لمملكة عُمان. وسرعان ما تعاظمت وتكثّفت هجرات العُمانيين إلى الجزيرة ملتحقين بسلطانهم، وإلى السلطان سعيد يعود الفضل لأنه أول من زرع شجر القُرنفُل في الجزيرة على الرغم من معارضة الأهالي، لتصبح زنجبار اليوم أكبر مصدر للقرنفل في العالم كله.
وقد ازدهرت زنجبار منذ ذلك الحين، فمُهِّدت الطرق، وأُقيمت القصور والمنازل والدور والمساجد، وأصبحت نقطة التقاء أشراف الساحل الشرقي والإفريقي والعمانيين، فالكل يذهب إلى عاصمة المملكة ومقرّ السلطان ولؤلؤة الممالك، وتضاءلت بجانبها المدن الأخرى الزاهرة مثل ممباسا وماليندي وكلوه، وهذا ما كان.
كيف ضاعت ؟
حتّى صباح يوم السبت 11 كانون الثاني عام 1964، كانت زنجبار جزيرة عربية مستقلة، يحكمها السلطان جمشيد بن عبدالله ال سعيد، أحد أحفاد السلطان سعيد بن سلطان. وفي مساء السبت عاد الناس إلى بيوتهم، والهدوء يلفّ الجزيرة، ومرّت الساعات الأولى من الليل رطبةً شتائية، وبعد منتصف الليل شقّ هدوءَ الجزيرة صوتُ رصاص، ولم يستمر كثيراً، وقد ظنّ الذين لم يكونوا قد استسلموا للنوم أن جندياً طائشاً أطلق بعض طلقات من بندقيته. وكلما مضى من الليل وقت ازداد الجو رطوبة وبرودة وثقلاً، وما هي إلاّ ساعة بعد انتصاف الليل حتّى اجتاحت الأحياء والدور فرق من الجنود، فنهبوا البيوت، وشرعوا في قتل السكان واستباحوا النساء، وسقط ما يزيد على عشرين ألف قتيل، وفي رواية أخرى قد بلغ عدد القتلى خمسين ألفاً. وما أن أصبح الصباح، صباح يوم الأحد 12 كانون الثاني 1964، إلاّ وزنجبار، برج الزنج، لؤلؤة الممالك، مقر سلطنة الحكام العرب، لم تعد زنجبار العربية!
فقد كانت طلقات الرصاص عملية اجتياح لمراكز الشرطة والاستيلاء عليها من قبل الجنود ذوي الأصول الإفريقية، وعملية حصار لمقر الحكم. انقلاب دموي كامل تمّ معظمه بالسلاح الأبيض في أكثر الانقلابات وحشيّة في القرن العشرين!
ولا تكفي وقائع الانقلاب لِتُقدّم لنا إجابة عن أسباب ضياع زنجبار، والتساؤل عن الأسباب سوف يدفعنا إلى الإبحار قليلاً في بحار السياسة والتاريخ.
كان استقرار السلطان سعيد بن سلطان في زنجبار متوافقاً مع بدء إحساس الغرب بأهمية موقع زنجبار الاستراتيجي في ظل قواعده البحرية التقليدية، من حيث كونها موقع مواجهة مع ساحل افريقيا الشرقي القريب من الهند ومن ساحل الخليج العربي. وكانت الكشوف الجغرافية من قبل ولفنجستون وستانلي وغيرها في افريقيا سبباً كافياً لكي يلتهب خيال أوربا بالطمع في افريقيا بعامة وزنجبار بوجه خاص. يذكر لنا التاريخ المكتوب أن هناك صراعاً بريطانياً ألمانياً دار حول زنجبار وانتهى بتوقيع اتفاقية تحديد مناطق نفوذ، وأن هناك صراعاً إيطالياً فرنسياً بريطانياً أمريكياً، إلاّ أن أمريكا كانت أسبق الجميع حين وقّعت معاهدة صداقة مع زنجبار عام 1823، وحظيت أمريكا بموجبها على امتياز الدولة الأحق بالرعاية. وفي عام 1839 وقّعت بريطانيا معاهد مع زنجبار، اشترطت فيها على السلطان تحريم الرقيق، وتعهّد السلطان بتحريم هذه التجارة في كل ممتلكاته، وتعيين وكيل بريطاني لممتلكات السلطان للالتزام بالتحريم، كما أعطت المعاهدة للسفن البريطانية الحق في تفتيش السفن ومصادرة أيّ سفن تمارس هذه التجارة. وتحت هذا الستار وبمعاونة مكتب شركة الهند الشرقية بدأت الأصابع البريطانية تتدخل في المنطقة لضمان سيطرتها عليها، خاصة أن البريطانيين لم يكونوا في ذلك الوقت يملكون إلاّ طريق الحيلة، فثراء السلطان سعيد كان بلا حدود، وفي قصره كان يعيش ألف شخص للخدمة، ودَخلُه من تجارة العبيد وحدها كان قرابة 80 ألف جنيه استرليني في العام بأسعار ذلك الزمان.
ومن حيث القوة العسكرية كان السلطان سعيد يملك أسطولاً بحرياً قوياً، يتكون من خمسٍ وسبعين سفينة، في كل سفينة 56 مدفعاً. وكما يقول وندل فيليب في كتابه ( تاريخ عمان ) عندما يتحدث عن تلك الفترة من خلال الوثائق البريطانية، أن السلطان سعيد كان يستطيع أن يحقق لنفسه التفوق البحري في المحيط، فهو صاحب أقوى أسطول موجود في المنطقة الواقعة بين رأس الرجاء الصالح حتّى اليابان. والثابت تاريخياً أيضاً أنه أهدى فرقاطة بحرية مسلحة إلى ملك بريطانيا، وفرقاطة أخرى إلى رئيس الولايات المتحدة الأمريكية.
صراع الإخوة
بعد وفاة السلطان سعيد بن سلطان في 19 تشرين الأول 1856، ثار الشقاق بين اثنين من أشقائه كاد أن يؤدي إلى حرب أهلية دامية. وكالعادة استعان أحد الأخوين بالبريطانيين، فشكّل البريطانيون لجنة تحكيم يرأسها اللورد « كانتج » المندوب السامي في الهند، فقسّم الامبراطورية إلى جزءَين أساسيين، هما عُمان وقد جعلها من نصيب السلطان ثويني بن سعيد، وزنجبار جعلها من نصيب السلطان ماجد، ومنذ ذلك التاريخ انفصلت زنجبار عن عُمان.
وداخل زنجبار ثارَ خلافٌ وشقاق؛ فقد حاول شقيق ماجد أن يغتاله في مؤامرة شاركه فيها بعض أفراد العائلة، فاستعان السلطان ماجد بالبريطانيين، فتولّوا حمايته بالقوة المسلحة. وحكم على برغش شقيق السلطان بالنفي إلى الهند. واستمر الموقف بنزاعات وشقاقات. وانتهز البريطانيون الفرصة ليبسطوا أيديهم أكثر على الجزيرة، حتّى جاء مؤتمر بروكسل، وفيه قُسّمت افريقيا بين القوى المتصارعة، وكان من ضمن ما قُسّم زنجبار. وفي تشرين الثاني 1886م قسّمت الجزيرة بين بريطانيا وفرنسا وألمانيا.
وتعاظم الصراع بعد ذلك، وتوالى بشكل سريع، وتعاقب على حكم زنجبار ولاة لم يَدُم حكم بعضهم عامين، وعرفت الجزيرة الانقلابات والحروب، وفرض البريطانيون سلطتهم على الجزيرة، حتّى أنهم عزلوا حاكماً من حكامها بالقوة المسلحة لينصبوا آخر، وهكذا.
وخلال ذلك نشطت الجمعيات التبشيرية، وشجّعت بريطانيا توافد الأفارقة من الساحل الإفريقي إلى الجزيرة، وتدريجياً بدأ البريطانيون في تكوين قوى سياسية وطنية لهم داخل الجزيرة، وفي نفس الوقت عملوا على إذكاء حدة التفرقة بين العرب والأفارقة والتمييز بين ما هو عربي وما هو افريقي، وصبر البريطانيون طويلاً وزرعوا كثيراً، وكان لابد أن يُثمِر الزرع الذي زرعوه.
الأميرة العاشقة
أسهمت زنجبار بوضعها هذا وتاريخها في إثراء الكتابات عن افريقيا بعامة، وعن أحوال زنجبار وتاريخها بخاصّة. وأطرف ما كتب عن هذه الفترة مذكّرات الأميرة سالمة بنت السلطان سعيد بن سلطان التي عاونت أخاها برغش عندما تمرّد على السلطان ماجد وحاول اغتياله في الحرب التي نشبت بينها وتدخل فيها الإنجليز لصالح ماجد، وحكموا على برغش بالنفي إلى الهند، ففي أثناء نفي برغش تصالحت الأميرة سالمة مع أخيها، ولمّا عفا السلطان عن برغش وعاد إلى زنجبار لم يغفر لسالمة تصالحها مع أخيها السلطان، وظلّت حياتها في زنجبار قلقة، فقد كانت صغرى أبناء السلطان سعيد، وبالتالي فهي أصغر أخواتها. ويبدو أن وضعها هذا قد هيّأها للدخول في مغامرة، فأحبت رجلاً ألمانياً، وهربت معه إلى ألمانيا، وعاشت هناك، ومن البعد كتبت مذكّراتها تصف أيام المجد والقصور، والمربيات وركوب الخيل، والثروة، وعزّ المملكة الذي كان.
وضعها الحالي
تقع زنجبار الآن سياسياً ضمن تنزانيا، وقد ظهرت تنزانيا ككيان سياسي عقب استقلال تنجانيقا في 9 كانون الأول 1961م وخروجها من تحت الوصاية البريطانية، بينما حصلت زنجبار على استقلالها من بريطانيا في كانون الأول 1963. وخلال هذين العامين بين استقلال تنجانيقا وزنجبار كانت بريطانيا قد هيّأت المسرح لما حدث بعد استقلال زنجبار بشهر ونصف فقط، حيث جرت وقائع الانقلاب الدموي الذي خُلع به سلطان زنجبار وفرّ إلى الخارج. وفي 26 نيسان 1964 أي بعد الانقلاب بأربعة أشهر أُعلن قيام الوحدة بين تنجانيقا وزنجبار، وأصبح اسم الدولة الجديدة تنزانيا، واختيرت دار السلام عاصمة لها. ونصّ اتفاق الوحدة ثم الدستور على أن يتولى الرئاسة جوليوس نيريري، وأن يليه في الرئاسة حاكم زنجبار. وتشكّلت حكومة محلّية لزنجبار وفوّضت في بعض الصلاحيات المحلية التي من خلالها حاولت الإدارة في زنجبار أن تحتفظ لنفسها بهوية مستقلة نسبياً إلاّ أن التاريخ لا ينسى، وقد ظلت الوظائف الإدارية العليا والإشرافية وبخاصة في الشرطة والجيش في أيدي الأفارقة ذوي الأصول غير العربية، ولكن هذا الاتجاه بدأ يقل تدريجياً بعد ضعف النعرات العرقية واستقرار الأحوال بالدولة الجديدة.
وقد انعكست آثار الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها تنزانيا كلها على زنجبار، حيث انخفض مستوى المعيشة وأصبح الفقر لا تُخطئه عين، والغلاء يزداد كل يوم، وسعر العملة ينخفض في كل عام عن العام الذي قبله. وعلامات الأزمة الاقتصادية في تنزانيا كثيرة، فوِفْق أرقام البنك الدولي يبلغ إجمالي الدَّين الخارجي حتّى نهاية 1986 قرابة 3609 ملايين دولار، ويبلغ متوسط دخل الفرد من الناتج القومي 290 دولاراً سنوياً، ويبلغ معدل التضخم سنوياً 6, 19 0/0.
تحوّلات في زنجبار
وفي أواخر سنة 1993 كان الوضع في زنجبار كما يلي:
منذ زيارة رئيس حكومة زنجبار المحلية سالمين عامور إلى مسقط عام 1991، وتقديم اعتذار للسلطان قابوس عن أحداث عام 1964، وزنجبار تشهد حركة ترميم واسعة للآثار العُمانية من فترة حكم سلاطين عمان لها من 1870 إلى 1964، وهي « قصر السلطان العُماني » و « قصر حريم السلطان » و « المتحف الوطني » الذي يضم متعلقات هذه الفترة في ما يوصف بأنه محاولة لإزالة آثار ثورة كانون الثاني ( يناير ) 1964 وإعادة النظر في العلاقات مع السلطنة.
وكانت ثورة زنجبار بقيادة أول رئيس لها عبيد كرومي قضت على حكم آخر السلاطين العُمانيين « جامشيد » الذي هرب على متن باخرته إلى مومباسا في كينيا. وأعمَلَ الثوارُ والأهالي من أصل افريقي وهندي التقتيلَ في السكان من أصل عربي الذين اضطروا إلى الهرب إلى كينيا وتنجانيقا أو العودة إلى بلدانهم الأصلية عمان واليمن والإمارات.
ولا تعبّر إزالة آثار الثورة عن محاولة عاطفيّة تمتزج بالشعور بالذنب فقط، إنما تأتي في إطار أزمة هوية يكتنفها البحث عن روابط بديلة لتحقيق المصالح بعد ضعف اتحاد زنجبار وتنجانيقا ( تنزانيا ) اقتصادياً وبنيوياً؛ فالشعب الزنجباري يعاني من تراجع معدلات التنمية وانخفاض مستوى الدخل السنوي، كما أن الوحدة تواجهها مخاطر الانفصال بسبب الرغبة في العودة إلى الأصول العربية والإسلامية.
ولا تنفرد الحكومة المحلية في زنجبار ( ذات الحكم الذاتي ) بهذه الرغبة والمحاولات؛ فعلى رغم أن سالمين عامور رئيس الحكومة كان أول من عبّر عنها وبادر بزيارة مسقط والتقى السلطان قابوس وقدم اعتذاراً وعاد ليقول للشعب إنهما اتفقا على نسيان الماضي، فإن المعارضة هي الأقوى والأكثر فاعلية في الشارع الزنجباري؛ إذ إن ( حزب جبهة الاتّحاد المدني ) هو الوحيد في تنزانيا يتخذ زنجبار مقرّاً ويشكّل ذوو الأصول العربية 90 في المئة من قياداته وأعضائه. كما أنه الأكثر تعبيراً عن الانتماء الإسلامي والعربي لزنجبار، علاوة على أنه الأكثر شعبية. كذلك فإن مسلمَينِ من أصل عربي هما سيف شريف حمادي رئيس الوزراء السابق وشعبان ميلو يتوليان منصب نائب الرئيس وأمانته العامة.
وتكاد هذه القضية أن تكون الوحيدة التي يتّفق فيها رأي الحكومة والحزب الثوري الحاكم مع المعارضة. وهذا التوجه لا يتفاعل معه سوى سلطنة عمان التي بادرت عقب زيارة عامور إلى تقديم مساعدات اقتصادية كبيرة، وأنشأت مطاراً دولياً ومدرسة تمريض، وقدمت مساعدات طبية للمستشفى الحكومي، كما افتتحت قنصلية عامة لرعاية شؤون العلاقات والمصالح في أول استئنافٍ للعلاقات منذ أحداث 1964. كذلك فإن دبي سيّرت خط طيران مباشر إلى الجزيرة لنقل البضائع والمساعدات.
ومن البديهي أن تَلقى محاولات الحكومة المحلية تغيير الانطباعات والأفكار السيئة عن فترة الحكم العُماني والتي عملت الحكومة المركزية في دار السلام على ترسيخها منذ 1964 صعوبات في هذا السبيل. غير أن وصول المساعدات، والمشاكل التي يواجهها الاتحاد مع تنجانيقا، إضافة إلى أزمة الهوية التي يعيشها الشعب، وآثار فترة حكم الحزب الثوري في تنزانيا.. جعلت مهمة التحول سهلة؛ فقبل عمليات الترميم سبقت حكومة زنجبار الحكومة المركزية في تحرير التجارة للسماح بعودة العرب الذين غادروها تحت غطاء التجارة والاستثمار.
ولا يزال ذوو الأصول الإفريقية والهندية يجدون من مخلّفات الحكم العُماني ما يستخدمونه في ضرب هذا التوجه، خصوصاً سجن العبيد، أحد الآثار التي لم يَطُلها الترميم الذي يروّج أن السلطان العُماني كان يأسر فيه الزنوج لبيعهم عبيداً للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين في شرق افريقيا.
إلاّ أن الدعاية المضادة هذه لا تؤثّر حتّى الآن في استمرار هذا التوجه، حتّى أنّ التذكير بزيارة أنور السادات لزنجبار مُوفَداً من جمال عبدالناصر في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 لعرض تقديم مساعدات للسلطان العُماني، وقبل بدء أحداث كانون الثاني ( يناير ) 1964، بعد تسليم البريطانيين السلطة للسلطان، لا يجد صدى واسعاً داخل الأوساط المثقفة والمسيّسة في زنجبار، فأزمة الهوية هنا أقوى من دعايات مضادة.
من حال إلى حال
هل تملك جزيرتا زنجبار ( انجوجا وممبا ) ـ 1020 كيلومتراً مربعاً ومليون نسمة ـ مقومات الاستقلال إذا ما انفصلت عن تنجانيقا ؟
هذا هو السؤال المطروح حالياً على الساحة السياسية في زنجبار في ضوء التطورات الأخيرة وملامح أزمة « الهوية » التي تعمّقت بعد فشل محاولة حكومة زنجبار الانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي وأدت إلى نكسة لمشاعر الرأي العام.
فمع ضعف الاتحاد وتدهور اقتصاد الدولة، بدأت تظهر نزعة استقلالية جادة، أبرز ملامحها إظهار الوجه الإسلامي لزنجبار، وظهور جماعات دينية وتوجّه نحو إعادة الروابط مع الدول العربية عموماً وسلطنة عمان خصوصاً، واستكشاف سبل بناء اقتصاد وطني مستقل حرصت زنجبار على التمتع به عند إنشاء دولة الاتحاد عام 1964.
نجحت زنجبار في تحقيق قدر من الاستقلالية في إدارة علاقاتها الخارجية، وأنشأت علاقات قنصلية مع مصر وعُمان وموزامبيق والهند والصين وروسيا ( أغلقها الرئيس الروسي بوريس يلتسن عام 1991 ). وتتبع قنصلياتها سفاراتها في دار السلام ما عدا عُمان التي ليست لها سفارة في تنزانيا. كما نجحت في عقد اتفاقيات ثنائية مع هذه الدول حصلت بمقتضاها من مسقط على مساعدات اقتصادية، ومن مصر على خبراء في الزراعة والتصنيع وأطباء، ومن الصين على الإذاعة المحلية ومساكن للفقراء.
واحتفظت زنجبار ببعض مظاهر السيادة، مثل نظام تأشيرات الدخول والجمارك للأجانب ولأبناء تنجانيقا. ولا تملك الدولة الاتحادية ( تنزانيا أو تنجانيقا ) محطة تلفزيونية. وهناك محطة إرسال تذيع برامج مُهداة من تلفزيون كينيا وأوغندا وتمثليات إرشادية وخطب مسجلة للرئيس تذاع بعد إلقائها. وعلى رغم أن الحكومة المركزية في تنجانيقا أبطلت مفعول قرار حكومة زنجبار المحلية بالانضمام إلى منظمة المؤتمر الإسلامي إلاّ أن ما يثير الحساسية لدى الشعب هو نجاح تنجانيقا في منعها من حضور اجتماعات مؤسساتها من دون المرور على الحكومة الاتحادية في دار السلام أو الحصول على موافقتها.
فشعب زنجبار خليط من العرب والإيرانيين ( 20 في المئة من عدد السكان ) والهنود ( 10 في المئة )، والأفارقة ( 50 في المئة ) معظمهم من قبائل البانتو التي تعيش في شرق افريقيا، و 97 في المئة من السكان مسلمون على رغم اختلاف أصولهم العرقية. وأصبح من الصعوبة تحديد الأصول العربية أو الإيرانية للسكان بسبب الزواج المختلط.
وبينما يركّز ذوو الأصول العربية نشاطاتهم على التجارة اهتمّ الإيرانيون بالسياسة، واندمجوا مع العرب في علاقات مصاهرة.
وتحاول زنجبار تعويض فشلها في التركيز على وجهها الإسلامي وفتح علاقات مباشرة مع الدول العربية، خصوصاً سلطنة عُمان، وهو اتجاه يكتسب اهتماماً الآن على رغم أنّه بدأ منذ سنوات حينما حاولت حكومة زنجبار المحلية برئاسة إدريس عبدالوكيل عام 1986 طَرْقَ أبواب السلطنة وإعادة وصل ما انقطع من خيوط. ولم تنجح هذه المحاولات المستمرة إلاّ عام 1991 حين هبط الرئيس الحالي سالمين عامور في مطار مسقط، وحصل على مساعدات اقتصادية لبناء مطار ومستشفى ومدرسة للتمريض وفتح قنصلية عُمانية في زنجبار لمباشرة العلاقات.
وتمتد علاقات زنجبار مع السلطنة خصوصاً والعرب عموماً إلى حركة الكشوف الجغرافية عندما استعمرها البرتغاليون في القرن السادس عشر، واستنجد السكان ذوو الأصل العربي والديانة الإسلامية بسلطان عُمان بعد انتصاره على البرتغاليين في هرمز، فوصلت قواته إلى زنجبار عام 1650 وأصبحت إحدى ولايات السلطنة، إلى أن أعلنت بريطانيا الحماية في العام 1870.
وعرف شعب زنجبار تحت الحماية البريطانية التعددية الحزبية، برز خلالها حزب ASP الذي شكّل الحكومة الائتلافية الأولى في كانون الأول ( ديسمبر ) 1963 فور إنهاء الحماية وإعلان الاستقلال بقيادة رئيس الحزب الإفريقي كرومي.
وشهدت زنجبار في أيام معدودة بعد الاستقلال قلاقل واضطرابات مفاجئة قادها كرومي ضد الوجود العربي في الجزيرتين.
وسرعان ما تحوّلت الاضطرابات إلى أحداث دمويّة في 12 كانون الثاني ( يناير ) 1964، حين فتح « جون أكيلو » الأوغندي مخازن السلاح التابعة للسجون ومعسكرات الجيش البريطاني السابقة أمام الثوار الأفارقة التابعين لكرومي فأعملوا التقتيل في العرب ونهبوا ممتلكاتهم ما أدى إلى فرارهم إلى ممباسا.
وفور استقرار السلطة في يد كرومي ـ الذي أصبح أول رئيس لزنجبار ـ اتفق مع رئيس تنجانيقا جوليوس نيريري على إنشاء دولة اتحادية، وأقدم أحد أبناء ضحايا الثورة على قتل كرومي في عام 1972، وانتهج خلفه عبده جومبي السياسة نفسها ضد بقايا العرب، بل دمج حزبه الحاكم APS وحزب المعارضة في زنجبار TANU في الحزب الثوري الحاكم في تنجانيقا CCm عام 1977.
وعلى المنوال نفسه سار أسلاف غومبي ـ بعد استقالته 1978 ـ من حسن معيني ( 78م ـ 1985 )، وانتهاءً بسالمين عامور الرئيس الحالي للحكومة المحلية.
وبعد استئناف العلاقات مع مسقط بدأت زنجبار تعيد النظر في الماضي تحت شعار « إزالة آثار الثورة »، وترجمت ذلك بقرارات تسمح للعمانيين والعرب الذين غادروها عام 1964 بالعودة، وتتيح ترميم آثار المرحلة السابقة بما فيها تلك التي استُغلّت خلال حكم كرومي في تشويه صورة العرب. وتواجه هذه السياسات الجديدة مشكلة التعاطي مع الشعارات التي رفعتها الثورة على مدى السنوات الماضية واتسمت بالكراهية وإثارة الأهالي ضد العرب « المسيطرين على الاقتصاد والتجارة »، « وباعوا الأفارقة كعبيد للمستعمرين البريطانيين والفرنسيين » في إطار حملة منظّمة ومستمرة.