من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

a_aziz

عضو
إنضم
23 ديسمبر 2007
المشاركات
9,399
التفاعل
267 0 0
belouda_846003150.jpg


لم يخف العقيد عمار بن عودة، في الحلقة الأولى من الحوار المطول الذي أجرته معه ''الخبر''، ونشرت أمس حلقته الأولى، رفضه لأن يكون أحمد محساس رئيسا للثورة التحريرية، كون الثورة ليس لها رئيسا، وأنه كان ضد مؤتمر الصومام مائة بالمئة، كون فحوى الوثيقة كان بعيدا عن بيان الفاتح من نوفمبر 1954 وحوّلهم، على حد قوله، إلى اللائكية وإلحاد الشيوعية.
كما ذكر أن موقفه من مؤتمر الصومام، جعله يدفع الثمن غاليا، حيث أخرج من الجزائر إلى تونس برتبة رائد، وأصبح مكلفا بالأسلحة فقط، ومنع من تعاطي السياسة.​
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

لماذا لم تعترف القاعدة الشرقية بالحكومة المؤقتة؟
في سنة 1958 لم يكن للقاعدة الشرقية وجود، غير أن الولاية الأولى هي التي لم تعترف بالحكومة المؤقتة التي تشكلت سنة 1958، حيث قال العقيد محمد العموري وأحمد نواورة لا نعترف بالحكومة وهددوا بالإنقلاب، وبعدها اعترف الجميع بها، حتى المحكمة العسكرية التي شكّلت برئاسة العقيد هواري بومدين، حينئذ، للمناوئين لهم لم تستدع كل الجماعة التي كانت في القاهرة للإدلاء بشهاداتهم، حيث أصدرت أحكاما متفاوتة بين السجن والإعدام على أفراد الجماعة المخططة للإنقلاب، وفي هذه القضية يستطيع عمارة بوقلاز القول ''أنني مدين بحياتي لبن عودة''.
ولم أعترف أنا بالحكومة المؤقتة، رغم أنني عضو في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، ولم أعترف بفرحات عباس، وأنا من أزحته من على رئاسة المجلس، عندما دخلنا قاعة الاجتماع وكان المرحوم محمد الصديق بن يحي كاتب المجلس باعتباره الأصغر سنا، وفرحات عباس رئيس المجلس، لكونه الأكبر سنا، وبعد فتح الجلسة أخذت الكلمة وقلت ''أنه علينا محاسبة الحكومة لمعرفة مسار الثورة، وأنت كرئيس لا نستطيع الكلام معك، والأحسن ترك مكانك في المجلس الوطني للثورة الجزائرية''، فوقف وقال أقترح دحلب لرئاسة المجلس.
في الحقيقة كنت لا أثق في أحد في الحكومة المؤقتة سوى في كريم بلقاسم، عبد الحفيظ بوصوف ولخضر بن طوبال، كنت أعترف بهم وأمتثل لأوامرهم، وبقيت في التسليح والتموين منذ 1958 إلى غاية 1962، مع اقتطاع ستة أشهر من هذه الفترة ذهبت فيها إلى القاهرة، وأدخلت جزائريين في السلاح الجوي، في كل من القاهرة وبغداد.
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

ما الذي حال دون نشر مذكراتك لحد الساعة؟ أهناك أطراف تنزعج من ذلك؟
files.php
أغلب من كتبوا مذكراتهم حرفوا الحقائق التاريخية، ومنهم المؤرخ المعروف محمد حربي، خالد نزار وغيرهما، وعلى سبيل المثال، فقد وردت في مذكرات نزار أن بومدين أعطاني رسالة، عندما كنت أشتغل ملحقا عسكريا بسفارة الجزائر، لتسليمها للمصريين في السنوات الأولى للاستقلال ليأخذوا الأسلحة المتبقية هناك، وهذا ليس صحيحا، إذ لا توجد رسالة أصلا، وهنا أراد خالد نزار ضرب عصفورين بحجر واحد، لأن بومدين أتى به من باريس وبعثه إلى بشار، وعمار بن عودة كان له موقف من حزب فرنسا ... فهل هذه كتابة تاريخ؟، كما أن هناك من كتب مذكراته أيضا، ولديه من أهله شخص كان ''حركيا'' جعله وطنيا. ثم أن رفضي لكتابة المذكرات الشخصية مرده أن تعظيم الشخصية يسيطر على الأفكار أثناء الكتابة، والثورة كانت ملكا لجميع أفراد الشعب الجزائري، لذا لم يكن لذكر كلمة ''أنا''، حينئذ، أي مكان في حديثنا، وإنما كانت كلمة ''الخاوة'' هي المتعامل بها.
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

لماذا صوّت ضد وثيقة طرابلس؟
files.php

علي كافي هو من ترأس المؤتمر الذي ضم أعضاء المجلس الوطني للثورة الجزائرية، طلبت الكلمة، قال كافي أن التصويت تم، قلت ناقص واحد، وأخذت الكلمة، وواصلت أنه في حياتي النضالية منذ نهاية 1942 في حزب الشعب إلى اليوم، لم يكن لنا حديث عن الاشتراكية كنظام للشيوعيين الملحدين، غير أن الذين كانوا يريدون أن تكون الجزائر نسخة لمصر فرضوا هذا المذهب فرضا.
ما هي الأسباب التي دفعتك إلى مغادرة الجزائر والعمل في السلك الدبلوماسي عقب الاستقلال؟ ويقال أن الرئيس بن بلة حاول الوقوف ضد سفرك آنذاك؟
ما حدث في مؤتمر طرابلس يتعارض مع مبادئ أول نوفمبر، التي قامت الثورة على أساسها، لذا فضلت مغادرة الجزائر، وطلبت من بومدين تعييني في منصب ملحق عسكري بالقاهرة، غير أن بن بلة لما بلغه الخبر فضّل تعيين صالح صوت العرب في ذلك المنصب، ورفض بومدين قراره، وعيّنت في القاهرة، ثم تونس فباريس كملحق عسكري، ثم سفيرا في ليبيا سنة .
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

سرعان ما أجهض مشروع قيادة موحدة للجيش العربي لعدم وجود ثقة بين المجتمعين
كنت ضد مؤتمر الصومام وتقسيماته أدت إلى استشهاد 450 مناضل
قال العقيد عمار بن عودة ''إن عبان رمضان شخصية وطنية، لكنه ارتكب أخطاء دفع ثمنها''، مضيفا في حوار مطول مع ''الخبر''، أن ''هناك تزييفا'' في حقيقة تاريخية حول مجموعة 22 التاريخية وأن عدد مفجري الثورة كان .21 ولم يخف بن عودة أنه كان ضد مؤتمر الصومام، لأن كل محتوى الوثيقة كان، حسبه، بعيدا عن بيان الفاتح من نوفمبر 1954، الذي تضمن بناء دولة تقوم على مبادئ الدين الإسلامي.

ph_15_1_149890739.jpg
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

الدخول من بوابة التاريخ، يجعلنا نتساءل عن الجدل الدائر حاليا بشأن عبان رمضان، خاصة أن بلعيد عبان أصدر كتابا، يتهمك فيه بالتشفي لمقتل مهندس مؤتمر الصومام، فما ردك؟
عمار بن عودة يتكلم ولا يهاب ولا يخفي الحقيقة، بالنسبة لي عبان رمضان شخصية وطنية، ارتكب أخطاء ودفع ثمنها، كنت عضوا في مجموعة 21 التاريخية وكذا في المجلس الوطني للثورة الجزائرية، يقولون إن الرجل كان يجري اتصالات خارجية وأحيانا كانت الاتصالات مع العدو، ولما اكتشف أمره شكلت لجنة التنسيق والتنفيذ، التي ضمت خمسة عقداء، محكمة عسكرية، وصدر ضده حكم بالإعدام، ولم يعارض أحد القرار وقتذاك، عدا بن طوبال، ما يدل على أن إعدامه كان بناء على حكم، وليست قضية تصفية سياسية. لا أريد الدخول في تفاصيل أخرى، غير أنني أقول إنه كان هناك رائدان مع عبان رمضان، هما حاج علي ورابح نوار، تمت محاكمتهما معه، فحاج علي نفذ فيه حكم الإعدام، ورابح نوار هو من أخبر بأن عبان يريد الانقلاب على الثورة، ما دفع الإخوة لإبعاده إلى القاهرة، وذلك إلى غاية الاستقلال.
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

قلت إنك عضو في مجموعة 21 التاريخية، إلا أن المعروف هو أنها مجموعة 22 التاريخية، ما هو العدد الحقيقي للمجموعة، وهل صوّت جميع الأعضاء الذين حضروا الاجتماع على العمل المسلح؟
الأمر فيه تزييف، هناك من يقول بأن الثورة فجرتها مجموعة 22، هم 21 عضوا، وإلياس دريش، رحمه الله، كان صاحب المنزل الذي احتضن اللقاء، وهو لم يحضر الاجتماع ولم يصوّت، وجميع الأعضاء الـ21 صوتوا للعمل المسلح.
أمــا بالنسبة للتــصويت عــلى القيادة بين بن بولعيد وبوضياف، فلم يتحصل كلاهما على النصاب بعد حوالي محاولتين أو ثلاث محاولات، وفي فترة الاستراحة كلمت سي مصطفى بن بولعيد، واقترحت عليه قيادة جماعية مثلما يحدث في ''سوق الجمعة'' في الأوراس، وهو ما حدث بالفعل.
وكيف كان موقف جماعة قسنطينة من التصويت، وهل كانوا مركزيين أم مصاليين؟
بالنسبة لموقف جماعة قسنطينة، وهم محمد مشاطي، عبد السلام حباشي، سليمان ملاح، السعيد بوعلي وعبد القادر العمودي، فلم يوافقوا على رابح بيطاط لتمثيلهم في قيادة الثورة، واقترحوا عبد الرحمن غيراس بدلا عنه، وهو أمر لم يرض ديدوش مراد، خاصة أن غيراس لم يدخل إلى الجزائر وبقي في فرنسا، مع التأكيد أن جماعة قسنطينة لم يكونوا مركزيين أو مصاليين، مشكلتهم أنهم كانوا يريدون غيراس وليس بيطاط، وكان من بينهم المسمى عبد القادر العمودي الذي صوّت ثم غادر إلى غاية الاستقلال.
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

ما حقيقة دور أحمد محساس في القاعدة الشرقية والولايتين الأولى والثانية في تأليب الوضع لصالح بن بلة؟
كان أحمد محساس يقدم نفسه على أنه نائب لأحمد بن بلة، وفي تونس كان يقول ''إن بن بلة في السجن، إذن أنا هو رئيس الثورة''، فقلت له ''إن الثورة ليس لها رئيس، خرجنا بقيادة تضم خمسة أشخاص، ثم ارتفع العدد ليصبح تسعة، وأنت لا تستطيع أن تكون رئيسا للثورة، ما دمت تقيم في فنادق فخمة بالعاصمة المصرية القاهرة''، وأخرجته من تونس بعد أن سجنه أوعمران وكان يريد قتله، تدخلت لدى مدير الأمن التونسي إدريس قيقة، وأخرجته من سجن باردو.
وكان للمصريين اليد الطولى في قضية محساس مع بن بلة، وكيف تدخل فتحي الديب أحد عناصر المخابرات المصرية، مكلفا بالمنظمات التحررية، في محاولة فرض بن بلة رئيسا للثورة، وهو الأمر الذي عارضته ودفعت فيه الثمن غاليا بعد اجتماع الإسكندرية.
تحدثت عن تأييد المصريين لبن بلة ليكون على رأس الثورة، كيف كان ذلك؟ وما حقيقة علاقتك بالرجل؟
الوقت غير مناسب للحديث عن هذه المسألة، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها مصر الشقيقة، أما عن بن بلة فلم أقبل به رئيسا. وفي اجتماع القادة العرب في الإسكندرية، الذي حضره أيضا كل من صالح صوت العرب وعلي كافي، تكلم بن بلة عن الطلبة بشكل أثار حفيظتي، وكان لي معه نقاش حاد على هامش اللقاء، ما دفع بي للعودة إلى تونس، وذهبت إلى هواري بومدين الذي اقترح علي الذهاب إلى القاهرة كملحق عسكري، للقيام بمهمة إدخال الأسلحة من هناك فوافقت. وفي القاهرة وقع اجتماع خاص ببحيرة طبرية، حيث تدارس القادة العرب مشروع إنجاز سد هناك، وكان يترأس الاجتماع الملك فيصل رحمه الله، وطلب المشاركة في المشروع، فتقدم الباهي لزغم من تونس وذكر أن مساهمة بلده ستكون بالإسمنت، وعندما وصلت الكلمة إلى بن بلة قال الملك فيصل: ''الدور على الجزائر''، فقال بن بلة بعد أن طأطأ رأسه ''إن الشيء الذي يقرره الرئيس عبد الناصر تدفعه الجزائر''.
وفي سنة 1964 ذهب كل من رئيس تونس وملك المغرب إلى القاهرة، يشكون الجزائر إلى عبد الناصر حول مسألة الحدود، وعقد اجتماع ضم الرؤساء الأربعة، حيث طلب عبد الناصر من بن بلة أن يعطي لتونس والمغرب ما يريدان؛ غير أن أحمد بن بلة طلب مهلة للتخلص من الجيش ثم يتحصل البلدان على ما يريدانه، وكان أخ تونسي يدعى إبراهيم طبال نقل ما جرى في اجتماع للصحفي حسنين هيكل، غير أنهم سرعان ما تفطنوا لما جرى وتم سحب المقال.
عدت إلى الجزائر وذهبت إلى بومدين فلم أتمكن من الوصول إليه، عندها ذهبت إلى بوتفليقة وشرحت له الموقف، وذهبنا مع بعضنا إلى بومدين، ورويت له ما جرى في الاجتماع، وبعدها عدت مباشرة إلى القاهرة، حيث كانوا يعدون لمشروع قيادة موحدة للجيش العربي، غير أن هذا المشروع سرعان ما أجهض لعدم وجود ثقة بين المجتمعين، أما بالنسبة لنا فكان المشروع في التخطيط للتصحيح الثوري لسنة 1965، الذي أطاح ببن بلة.
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

لم تدع إلى مؤتمر الطارف حول القاعدة الشرقية، رغم أنك كنت أحد الفاعلين في الثورة، وصرحت آنذاك أنك استغربت الأمر وتجهل الأسباب؟ فهل حان الوقت لمعرفة الأسباب الحقيقية؟
بالفعل لم أتلق دعوة لحضور المؤتمر، وما قاله الشاذلي بن جديد، ذكره الله بخير، عني لم يكن صحيحا، بدليل ما قاله عمار بوفلاز في كتابه من أنه مدين لعمار بن عودة بحياته، أنا من جنّد عمارة بوفلاز وبعثه إلى القالة مع الفوج الموجود هناك، وترأس القاعدة الشرقية التي أنشئت سنة 1956 لمدة سنتين، حيث فككت بإنشاء لجنة العمليات العسكرية الشرقية والغربية ''الكوم''، التي أصبح عمارة بوفلاز عضوا فيها، وبهذا حلت القاعدة الشرقية، وجاءت قيادة الأركان مع هواري بومدين، ولم يعد للكلام عن قاعدة أو ولايات أي مكان، حيث أصبحت جيشا واحدا بقيادة واحدة.
لنعد الآن إلى معرفة موقفك من مؤتمر الصومام؟ وكيف عشت تلك الظروف والخلافات التي ظهرت بعد المؤتمر بين القادة السياسيين والعسكريين؟
كنت ضد مؤتمر الصومام مائة بالمائة؛ لأن كل محتوى الوثيقة كان بعيدا عن بيان أول نوفمبر 1954، الذي تضمن بناء دولة على مبادئ الدين الإسلامي، حوّلنا مؤتمر الصومام إلى اللائكية وإلحاد الشيوعية، وكل ما جاء به عبان رمضان في الديباجة كان بإيعاز من المسمى أوزفان، وهو سكرتير سابق في الحزب الشيوعي، إلى جانب أولوية الداخل على الخارج في اتخاذ القرار، التي خلفت لنا العديد من المشاكل مع الولايات الأولى والخامسة والقاعدة الشرقية، وكذا مع الأربعة الذين كانوا في الخارج وهم بوضياف، بن بلة، بيطاط وآيت احمد الذين قسموا الثورة.
كذلك أولوية السياسيين على العسكريين، فنحن في الثورة كنا مناضلين، حتم علينا الاستعمار حمل السلاح، لسنا عسكريين بأتم معنى الكلمة كما ورد في وثيقة الصومام، التي تضمنت أيضا نظام الحصص بين الحركات التي كانت موجودة قبل اندلاع الثورة.
وتسبب موقفي من مؤتمر الصومام في دفعي الثمن غاليا، حيث أخرجوني من الجزائر إلى تونس برتبة رائد، وأصبحت مكلفا بالأسلحة فقط، كما منعت من تعاطي السياسة، وأنت تعرفين أن مؤتمر الصومام كان البداية لإبعاد مجموعة 21 وقيادة ثورة 1954، وكنا بين سنتي 1956 و1957 في خصومات كبيرة، غير أنه لما وصلت إلى تونس وجدت الجماعة التي هي ضد قرارات المؤتمر، وجماعة أخرى تابعة لبن بلة، وأخرى تابعة لجماعة لزهر شريط رحمه الله، وفي خضم تلك الأحداث والمواقف كنت أتذكر ما قاله الشهيد العربي بن مهيدي ''ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب''، ولهذا لما ذهبت إلى تونس تغاضيت عن تلك الخصومات، وكنت أول المدافعين عن قرارات مؤتمر الصومام، ونجوت حينها من الموت المحقق مرتين من طرف جماعة لم تفهم موقفي، وبعدها تمكنت من إقناع جميع من كانوا في تونس، بمن فيهم الأشخاص الذين كانوا يظنون أنفسهم رؤساء للثورة، بالاعتراف بقرارات مؤتمر الصومام.
 
رد: من تاريخ الجزائر العقيد عمار بن عودة مذكرة

لنعد الآن إلى معرفة موقفك من مؤتمر الصومام؟ وكيف عشت تلك الظروف والخلافات التي ظهرت بعد المؤتمر بين القادة السياسيين والعسكريين؟
كنت ضد مؤتمر الصومام مائة بالمائة؛ لأن كل محتوى الوثيقة كان بعيدا عن بيان أول نوفمبر 1954، الذي تضمن بناء دولة على مبادئ الدين الإسلامي، حوّلنا مؤتمر الصومام إلى اللائكية وإلحاد الشيوعية، وكل ما جاء به عبان رمضان في الديباجة كان بإيعاز من المسمى أوزفان، وهو سكرتير سابق في الحزب الشيوعي، إلى جانب أولوية الداخل على الخارج في اتخاذ القرار، التي خلفت لنا العديد من المشاكل مع الولايات الأولى والخامسة والقاعدة الشرقية، وكذا مع الأربعة الذين كانوا في الخارج وهم بوضياف، بن بلة، بيطاط وآيت احمد الذين قسموا الثورة.
كذلك أولوية السياسيين على العسكريين، فنحن في الثورة كنا مناضلين، حتم علينا الاستعمار حمل السلاح، لسنا عسكريين بأتم معنى الكلمة كما ورد في وثيقة الصومام، التي تضمنت أيضا نظام الحصص بين الحركات التي كانت موجودة قبل اندلاع الثورة.
وتسبب موقفي من مؤتمر الصومام في دفعي الثمن غاليا، حيث أخرجوني من الجزائر إلى تونس برتبة رائد، وأصبحت مكلفا بالأسلحة فقط، كما منعت من تعاطي السياسة، وأنت تعرفين أن مؤتمر الصومام كان البداية لإبعاد مجموعة 21 وقيادة ثورة 1954، وكنا بين سنتي 1956 و1957 في خصومات كبيرة، غير أنه لما وصلت إلى تونس وجدت الجماعة التي هي ضد قرارات المؤتمر، وجماعة أخرى تابعة لبن بلة، وأخرى تابعة لجماعة لزهر شريط رحمه الله، وفي خضم تلك الأحداث والمواقف كنت أتذكر ما قاله الشهيد العربي بن مهيدي ''ألقوا بالثورة إلى الشارع يحتضنها الشعب''، ولهذا لما ذهبت إلى تونس تغاضيت عن تلك الخصومات، وكنت أول المدافعين عن قرارات مؤتمر الصومام، ونجوت حينها من الموت المحقق مرتين من طرف جماعة لم تفهم موقفي، وبعدها تمكنت من إقناع جميع من كانوا في تونس، بمن فيهم الأشخاص الذين كانوا يظنون أنفسهم رؤساء للثورة، بالاعتراف بقرارات مؤتمر الصومام.
كيف تم التوصل إلى إقناع قادة الداخل وإلغاء مقررات مؤتمر الصومام في مؤتمر القاهرة سنة 1957؟
بالنسبة للداخل، فإن الأمور كانت تسير بشكل جيد، عدا الحادث الذي تكلم عنه سي علي كافي، ويتعلق بعميروش والولايات الثالثة والرابعة والسادسة، حيث أرادوا العودة إلى مقررات مؤتمر الصومام وإعطاء أولوية للداخل على الخارج، وهو أمر فصلنا فيه سنة 1957 في مؤتمر القاهرة، الذي ترأسه عبان رمضان، وطلب عدم العمل بمبدأ أولوية الداخل على الخارج، وقلنا إنه إذا تم الفصل في هذه النقطة فإن المطلوب العودة إلى بيان أول نوفمبر، وهو أمر استغرق ثلاث ساعات من النقاش، ثم مررنا إلى الانتخاب، علما أن صوت عمارة بوفلاز حال دون تمكن عبان رمضان من تغليب فكرة أولوية الداخل على الخارج والتقسيمات التي أتى بها مؤتمر الصومام، وهي التقسيمات التي تسببت في استشهاد أكثر من 450 مجاهد نظموا أنفسهم في ثكنة واحدة، فباغتهم العدو وقتلهم جميعا، ومن ثمة تم محو كل ما جاء به عبان رمضان بإيعاز من أوزفان في وثيقة الصومام، وعدنا إلى ميثاق أول نوفمبر.
.. يتبع
 
عودة
أعلى