جهود وجهاد السلاجقة لنصرة الاسلام
الأتراك السلاجقة ، و هو جزء مهم للغاية رغم كونه منسيا ، و لو لم يكن من حسناتهم الا موقعة ملاذكرد ، او ظهور عماد الدين زنكى الذى ذكره ابن الأثير بقوله: ( ولولا أن الله تعالى منَّ على المسلمين بولاية الشهيد لكان الفرنج استولوا على الشام جميعه ) ، او ابنه نور الدين محمود ، او تلميذه صلاح الدين الايوبى لكفى ، فالى الموضوع:
- ذكرنا فى اللقاء السابق كيف وصل الاسلام للترك ، و الوضع السياسى فى شرق العالم الاسلامى ، و لكن يعتبر بداية ظهور الترك كقوة مؤثرة مع اعتناقهم للاسلام افواجا – وليس كافراد او جماعات – و كان بداية هذا الحدث البارز مع ظهور السلاجقة ، فمن هم و كيف تم هذا الحدث ؟
ينتمى السلاجقة الى قبيلة "قنق" إحدى العشائر المتزعمة لقبائل الغز التركية و التى يطلق عليها الغز بالعربية ( الاوغوز ، اليغور ، الايغور ، الاويغور وتعنى السهم بالتركية) و ينتسبون الى إلى جدهم دقاق الذي كان وأفراد قبيلته في خدمة أحد ملوك الترك الذي كان يعرف باسم ( بيغو ) ، وكان دقاق في هذه المرحلة من تاريخ السلاجقة، مقدم الأتراك الغُز؛ مرجعهم إليه، لا يخالفون له قولاً، ولا يتعدون له أمراً ، وكان سلجوق بن دقاق في خدمة (بيغو) كما كان والده من قبل، حيث كان يشغل وظيفة عسكرية مهمة تعني «مقدم الجيش», وفي هذا الوقت تذكر المصادر أن مظاهر التقدم وعلامات القيادة بدت واضحة عليه حتى إن زوجة الملك أخذت تثير مخاوف زوجها منه لما رأت من حب الناس له وانصياعهم إليه، إلى الحد الذي أغرته بقتله وما إن عرف سلجوق بذلك حتى أخذ أتباعه ومن أطاعه وتوجه إلى دار الإسلام وأقام بنواحي جند قريباً من نهر سيحون، وفيها أعلن سلجوق إسلامه وأخذ يشن غاراته على الكفار الترك ، وبعد وفاة سلجوق في جند، خلف عدداً من الأولاد ساروا على سياسة والدهم في شن الغارات على الترك الوثنيين وبذلوا جهوداً كبيرة في حماية السكان المسلمين الآمنين من غاراتهم ، فازدادت قوتهم وتوسعت أراضيهم وقد أكسبهم ذلك كله احترام الحكام المسلمين المجاورين لهم, فقد غزا ميكائيل بن سلجوق بعض بلاد الكفار من الترك فقاتل حتى استشهد في سبيل الله ، و تسارعت وتيرة اسلام الترك بعد اسلام عشيرة الغز .
- دخل السلاجقة فى معارك و حروب متفرقة مع القوى المجاورة ، فلما أحرز السلاجقة النصر في هذه المعارك ازدادوا قوة ولحقت بهم جيوشهم المتفرقة في أطراف خراسان، فاشتد وقعهم في القلوب وتقرر الملك لهم، واجتمع بعد ذلك الإخوان جغري بك وطغرل بك مع عمهما موسى بن سلجوق وأبناء أعمامهم وكبار قومهم وقواد جنودهم، وتعاهدوا على الاتحاد والتعاون فيما بينهم ويقول الراوندي: ولقد سمعت أن طغرل بك أعطى لأخيه سهماً وقال له: اكسره ، فتناول أخوه السهم وكسره في هوادة، ثم جمع له سهمين فكسرها أيضاً في هوادة ثم أعطاه ثلاثة فكسرها بصعوبة، فلما بلغ عدد السهام أربعة تعذر عليه كسرها، فقال له طغرل بك: إن مثلنا مثل ذلك فإذا تفرقنا هان لأقل الناس كسرنا وأما إذا اجتمعنا فلا يستطيع أحد أن يظفر بنا، فإذا نشأ خلاف بيننا لم يتيسر لنا فتح العالم ، وتغلب علينا الأعداء وذهب الملك من أيدينا، وجدد السلاجقة العهد لطغرل بك كقائد أعلى لجيوشهم وسلطان لهم على دولتهم، ورغم أن جغري بك كان أكبر منه سناً، إلا أن طغرل بك كان يتميز بشجاعته النادرة وقوة شخصيته مع تدين ملحوظ وذكاء حاد ، وكلها صفات رجحت كفته، وهكذا قامت دولة السلاجقة ، وقد اختار طغرل بك مدينة الري لتكون حاضرة ملكه ( بك تعنى امير – بيه بالعامية المصرية – تعنى حاليا سيد Mr ) .
- بعد أن وطّد طغرل بك أركان دولته أنفذ في عام 432هـ رسالة إلى الخليفة العباسي القائم بأمر اللهالله حتى سُرَّ بها غاية السرور، وبادر بإيفاد رسول إلى السلطان طغرل بك ، وقد تضمنت الرسالة رغبة الخليفة العباسي في عقد صلح بينه وبين الأمير البويهي أبي كاليجار، وتقبيح ما فعل أصحابه من فساد، كما أمر الخليفة رسوله أن يتقرب إلى طغرل بك ويدعوه للحضور إلى دار الخلافة في بغداد ، فضلاً عن الرسالة فقد كان الرسول يحمل معه إلى طغرل بك الخلع السلطانية التي منحها إياه الخليفة، مع كتاب تفويض بحكم البلاد .
- بعد أن شعر طغرل بك أول سلاطين السلاجقة بالاطمئنان على دولته إثر اعتراف الخليفة العباسي القائم بأمر الله بها ، شرع بتنفيذ ما تبقى من خطته الرامية إلى إتمام سيطرة السلاجقة على بلاد فارس، ومن ثم التوجه منها للسيطرة على العراق ، فاستولىعلى اقاليم جرجان وطبرستان و خوارزم ، و بذلك فأصبح السلاجقة أكبر قوة في بلاد فارس وما وراء النهر، وكان هذا سبباً في مسارعة حكام الأقاليم إلى إعلان طاعتهم وولائهم لهم .
- في سنة 440هـ قام إبراهيم ينال- اخو طغرل بك لأمه- بغزو الروم فدار بينهم قتال شديد تبادل فيه الفريقان النصر والهزيمة وكان النصر في النهاية للمسلمين ، استمر إبراهيم ينال يغزو تلك البلاد ولم يبق بينه وبين القسطنطينية سوى خمسة عشر يوماً، وكان من نتيجة هذه الغارات والغزوات أن غنم المسلمون الكثير، وسبوا ما يزيد على مائة ألف رأس، فضلاً عما لا يحصى من البغال والدواب والأموال حتى قيل إن الغنائم كانت قد حُملت على عشرة آلاف عربة وإن من جملة الغنائم تسعة عشر ألف درع وكان لهذه الغزوة آثار كبيرة فقد ألحق السلطان طغرل بك بالروم خسائر كبيرة ، و مكن الله له فى الارض.
- دخول العراق والقضاء على الدعوة الشيعية:
ذكرنا فيما سبق وقوع الخليفة العباسى تحت سيطرة وزرائه البويهيين ، الذين كانوا يتبعون المذهب الشيعى الفاسد ، و قد ظلموا اهل السنة و اظهروا عقائدهم الفاسدة (إن شاء الله سنتحدث عن التشيع بعد الدولة العثمانية ) ، بل وحاولوا تسليم الخلافة للعبيديين ( الفاطميين و هم شيعة ) ، و حجروا على الخليفة العباسى ، فبعث بدعاء مع بدوي وأمره أن يعلقه على الكعبة وهو في أسره ، و هذا نصه ( إلى الله العظيم من عبدك المسكين، اللهم إنك العالم بالسرائر المحيط بمكنونات الضمائر، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي، بما فيه عبد من عبيدك قد كفر بنعمتك، وما شكرها، وألقى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك، وتجبر بأناتك حتى تعدى علينا بغياً، وأساء إلينا عتواً وعدواناً. اللهم قلَّ الناصرون لنا، واغتر الظالم، وأنت المطلع العالم، والمنصف الحاكم، بك نعتز عليه، وإليك نهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز بك يا رب العالمين. اللهم إنا حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك ووثقت في كشفها بكرمك، فاحكم بيني وبينه وأنت خير الحاكمين، وأرنا منه ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم، اللهم فاسلبه عزه، ومكنا بقدرتك من ناصيته يا أرحم الراحمين ) فقتل قائد الفتنة – و كان يدعى البساسيرى – بعد سبعة ايام من تعليقه على الكعبة .
كما أرسل الخليفة من أسره رسالة إلى السلطان طغرل بك جاء فيها: (بحق الله أدرك الإسلام فقد ساد العدو اللعين وأخذ ينشر مذهب القرامطة) ، فبعث طغرل بك الى الأمير قريش بن بدران – هو من حلفاء البساسيريَّ- يأمره بأن يعاد الخليفة إلى داره، على ما كان عليه، وتوعّده على ترك ذلك بأساً شديداً, فكتب إليه قريش يتلطفُ به ويسالمه، ويقول: (أنا معك على البساسيريَّ بكلَّ ما أقدر عليه، حتى يمكن الله منه، ولكن أخشى أن أتسرع في أمر يكون فيه على الخليفة مفسدة، أو يبدر إليه أحد بأذيةٍ، ولكنَّي سأعمل لما أمرتني بكل ما يمُكنني) ، ثم راسل البساسيريَّ وأشار إليه بعودة الخليفة إلى داره، وخوّفه من جهة الملك طغُرل بك وقال له فيما قال: (إنك دعوتنا إلى طاعة المستنصر صاحب مصر وبيننا وبينه ستمائة فرسخ، ولم يأتنا من جهته رسول ولا أحد، ولم يفكر في شيء مما أرسلنا إليه، وهذا الملك من ورائنا بالمرصاد)، ومما جاء في رسالة طغرل بك إلى الأمير قريش بن بدران:... (ولكل مُجْترم في العراق عفونا وأمننا مما بدر منه إلا البساسيري فإنه لا عهد له ولا أمان منّا، وهو موكول على الشيطان وتساويله فقد أرتكب في دين الله عظيماً، وهو -إن شاء الله- مأخوذ حيث وجد ومُعذَّب على ما عمل، فقد سعى في دماء خلق كثير بسوء دخيلته، ودلَّت أفعاله على سوء عقيدته) ، وبعث بهذا الكتاب مع رسولين من أهل العمل وبعث معهما بتحف عظيمة للخليفة وأمرهما أن يخدما الخليفة نيابة عنه ، حتى حضر بنفسه للخليفة فى بغداد ، و كان الخليفة قد تزوج ابنة اخته ، ثم خطب طغرل بك ابنة الخليفة و دخل بها ثم توفى بعد عام بعد ان ارسى دعائم ملك عريض لخلفه محمد بن جغري بك.
ألب أرسلان (محمد) الأسد الشجاع:
• هو السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغري بك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق بن سلجوق التركماني، الغُزَّي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم ، ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلاً سار في الناس سيرة حسنة، كريماً رحيماً، شفوقاً على الرعية رفيقاً على الفقراء، بارّا بأهله وأصحابه ومماليكه كثير الدعاء بدوام ما أنعم به عليه، كثير الصدقات يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل يقنع من الرّعايا بالخراج في قسطين رفقا بهم
• حدد الب ارسلان اهدافه منذ البداية و كانت :
- ضمان وحدة الدولة
- مواجهة الخطر العبيدى الفاطمى
- نشر الاسلام فى البلاد النصرانية المجاورة كأرمينيا و بلاد الروم
- قال عنه وزيره محمد بن منصور بن محمد الكندري (ما أسعدني بدولة بني سلجوق؛ أعطاني طغرل بك الدنيا، وأعطاني ألب أرسلان الآخرة ).
• أهم اعماله :
- توحيد بلاد الشام تحت حكم العباسيين .
- صد البيزنطيين، ووقف أعمالهم ضد أراضيه .
- موقعة ملاذ كرد سنة 463هـ / 1071 م:
- كان الامبراطور الرومانى ( رومانوس ديوجينيوس ) قد عزم على اخذ جميع بلاد الاسلام ، ثم تخريب الحرمين الشريفين و اقسم الا يدع مسلما و الا يرفع بالارض اذان ( كيف و ان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا و لا ذمة ) ، و بلغ من غروره و تماديه فى غيه و ضلاله ان قسم البلاد الاسلامية على قواده و كأن الامر محتوم ، و اترككم مع رواية المعركة :
- تآمر ملك الروم على الإسلام: خرج ملك الروم (رومانوس) في جمع كبير من الروم والروس والكرج( جورجيا) والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذلك الجمع بثلاثمائة ألف جندي ، أعدهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلة من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه, قيل إنهم قرابة خمسة عشر ألفًا ، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له وقال قولته المشهورة: أنا أحتسب عند الله نفسي, وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر من حواصل النسور الغبر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أمسي ويومي خير من أمسي، وهجم بمن معه على مقدمة الأعداء وكان فيها عشرون ألفاً معظمهم من الروس، فأحرز المسلمون عليهم انتصاراً عظيماً وتمكنوا من أسر معظم قوادهم .
- ثم أرسل السلطان ألب أرسلان من قبله وفداً إلى إمبراطور الروم وعرض عليه المصالحة ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض، وقال: هيهات!! لا هدنة ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم ، وجاء في رواية: لا هدنة إلا ببذل الري( اى تسليم العاصمة السلجوقية )، فحمى السلطان وشاط ، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين .
- اندلاع المعركة وانتصار المسلمين: أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 463هـ، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقال لهم: ( نحن مع القوم تحت الناقص وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يُدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحباً فما هاهنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني، ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة, ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة)، فقالوا: (مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه) ، فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت وقال: (إن قتلت فهذا كفني) ، ثم وقع الزحف بين الطرفين ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه ومرغ وجهه بالتراب وأظهر الخضوع والبكاء لله تعالى وأكثر من الدعاء ثم ركب وحمل على الأعداء، وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر الله المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم جموعاً كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه الذي أسره أحد غلمان المسلمين فأحضر ذليلاً إلى السلطان ، فقّرعه بالمِقرعة، وقال ويلك ألم أبعث أطلب منك الهدنة؟) قال: (دعني من التوبيخ)، قال: (ما كان عزمك لو ظفرت بي؟) قال: (كل قبيح) قال: (فما تؤمَّلُ وتظُن بي؟) ، قال : ( القتل أو تُشهّرني في بلادك، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء) ، قال: ( ما عزمت على غيرها) ، فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده، فخلع عليه، وبعث معه عدة وأعطاه نفقة توصله ، و بعث معه حرسا اسلاميا و راية عليها (لا اله الا الله محمد رسول الله) ، وأما الروم فبادروا وملَّكوا آخر، فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهب، ثم جمع ما وصلت يده إليه نحو ثلاثمائة ألف دينار، وبعث بها، واعتذر وقيل: إنه غلب على ثغور الأرمن .
- تعتبر معركة «ملاذكرد» من المعارك الفاصلة في التاريخ ويسميها بعض المؤرخين باسم الملحمة الكبرى، وتعد أكبر نكسة في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وأصبحت الأراضي البيزنطية تحت رحمة السلاجقة .
- لم يكن هذا الانتصار انتصاراً عسكرياً فقط بل كان انتصاراً دعوياً للإسلام، إذ انتشر السلاجقة في آسيا الصغرى عقب معركة ملاذكرد وضموا إلى ديار الإسلام مساحة تزيد على 400 ألف كم، عم الإسلام تلك الجهات منُذ ذلك الوقت ولم يكن دخلها أبداً من قبل .
- تعتبر هزيمة البيزنطيين في ملاذكرد نقطة تحول في التاريخ الإسلامي البيزنطي فلأول مرة يقع الإمبراطور نفسه أسيراً في أيدي المسلمين ، فهي لا تقل أهمية عن اليرموك ونتائجها، فإذا كانت هذه الأخيرة قررت مصير بلاد الشام، فإن الأولى قد قررت مصير آسيا الصغرى، التي نجح الأتراك السلاجقة في فتحها والتوغل فيها، وكانت بذلك لبنة اجتثت من بناء الدولة البيزنطية فمهدت لسقوطها، فعندما فقدت الإمبراطورية ولاياتها الغنية في آسيا الصغرى، أصبحت القسطنطينية رأساً حُرم من الجسد الذي يسنده, وبذلك غدت آسيا الصغرى برمتها مكشوفة أمام السلاجقة، وهكذا بضربة واحدة دفعت الحدود التقليدية التي طالما فصلت بين الإسلام والمسيحية 400 ميل إلى الغرب, ولأول مرة استطاع الأتراك السلاجقة أن يحرزوا مكاناً ثابتاً في تلك البقاع ، ومنُذ ذلك الحين فقد الرؤساء والجنود شجاعتهم، ولم تحرز الإمبراطورية نصراً على الإطلاق .
- - ومن نتائج ملاذكرد أن قضى السلاجقة على التحالف البيزنطي الفاطمي، واضطرت بيزنطة إلى مصالحتهم، أما أرمينية فقد زالت منها الإدارة البيزنطية بعد أن هجرها سكانها وخضعت المدن الأرمينية للسلاجقة .
- ادى هذا النصر المدوى الى تنبه اوربا الغربية لعجز البيزنطيين ، مما اطلق سلسلة من الاحداث اسفرت عن انطلاق الحملات الصليبية على العالم الاسلامى فى الشرق .
- وفاة السلطان ألب أرسلان: قصد السلطان ألب أرسلان ما وراء النهر وعبر نهر جيحون، في مائتي ألف فارس، فأتي بقائد يقال له: يوسف الخُوارزمي، كانت بيده قلعة، قد ارتكب جريمة في أمر الحصن، فحمل مقيداً، فلما قرب منه أمر أن تُضرب له أربعة أوتاد لتشد أطرافه الأربعة إليها ثم يقتله فقال له يوسف: يا مخنث، مثلي يقتل هذه القتلة؟ فاحتد السلطان، وأخذ القوس والنشابة، وقال: حلّوه من قيوده، فَحُلّ، فرماه فأخطأه، وكان قلما يخطئ ، وكان جالساً على سريره، فنزل فعثر ووقع على وجهه، فبادره يوسف ، وضربه بسكين كانت معه في خاصرته، فوثب عليه فرَّاش أرمني، فضربه في رأسه بمرزبة فقتله ، فانتقل ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحاً وأحضر وزيره نظام الملك وأوصى إليه، وجعل ولده ملكشاه أبا شجاع محمد وليّ عهده ، ثم توفي السلطان وله أربعون سنة .
- يحكى أنه قال لما عاين ألموت بعينه: ( ما كنت قط في وجه قصدته ولا عدو أردته، إلا توكلت على اللهالله تعالى بأضعف خلقه وأنا أستغفر الله وأستقيله من ذلك الخاطر).
- نهاية رومانوس ديوجينيوس :
- بعد مطالبته بعرشه المفقود قامت حرب اهلية بينه و بين المتغلب على العرش فهزم شر هزيمة و اسر ثم سملت عيناه ، و هذا جزاء من يتطاول على الاسلام .
- الســـــــــلطان ملكشـــــــــاه :
- هو السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان محمد بن جغري بك السلجوقي التركي، تملك بعد أبيه، ودبّر دولته النظام الوزير بوصية من ألب أرسلان إليه .
- وقد أثبت السلطان الجديد مقدرة فائقة في الحرب، ورغبة نادرة في الإصلاح والتعمير حتى عده أحد المؤرخين المؤسس الحقيقي للإمبراطورية السلجوقية المترامية الأطراف وذلك بنشاطه وحنكة وزيره ، ويعتبر النظام هو الموجه لسياسة الدولة .
- بعد ان استقر له الامر و تغلب على مناوئيه وجه اهتمامه لبناء مرافق الدولة ، و انتشرت سيرة عدله فى البلاد ، و ه1ه بعض الروايات :
- تشييعه لركب الحجاج العراقي: شيَّعَ مرة ركب العراق إلى العُذيَب ، فصاد شيئاً كثيراً، فبنى هناك منارة القرون من حوافر الوحوش وقرونها، ووقف يتأمل الحجاج، فرقّ ونزل وسجد، وعفَّر وجهه وبكى، وقال بالعجمية: ( بلغوا سلامي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، وقولوا: العبد العاصي الآبق أبو الفتح يخدم ويقول: يا نبي الله، لو كنت ممّن يصلح لتلك الحضرة المقدسة، كنت في الصحبة) ، فضجّ الناس وبكوا، ودعوا له .
- الستر على أعراض المسلمين: اشتكى إليه تركماني أن رجلاً اعتدى على ابنته، وهو يريد أن يمكنه من قتله، فقال له: (يا هذا إن ابنتك لو شاءت ما مكَّنته من نفسها، فإن كنت لابد فاعِلاً فاقتلها معه) ، فسكت الرجل، ثم قال الملك: (أوخير من ذلك؟) قال وما هو؟) قالزوَّجها من ذلك الرجل وأمهرها من بيت المال كفايتها)، ففعل .
- إقامة العدل على الأمراء: واستعداه رجلان من الفلاحين على الأمير خُمارتكين أنه أخذ منهما مالاً جزيلاً وكسر ثنيَتيهما وقالاً: ( سمعنا بعدلك في العالم، فإن أقدتنا منه كما أمرك الله وإلا استعدينا عليك الله يوم القيامة)، وأخذا بركابه، فنزل عن فرسه وقال لهما: (خُذا بكُمَّى فاسْحبَانى إلى دار نظام الملك)، فهابا ذلك، فعزم عليهما، ففعلا ما أمرهما به، فلما علم النظام بمجيء السلطان إليه خرج مسرعاً من خيمته، فقال له الملك: (إنَّي قلدتك الأمر لتُنصف المظلوم ممَّن ظلمه)، فكتب من فوره بعزل خمارتكين وحلَّ إقطاعه وأن يرد إليهما أموالهما وأن يقلعا ثنيَّتيه إن قامت عليه البيَّنة، وأمر لهما الملك من عنده بمائة دينار .
- أسقط مرة بعض المكوس، فقال رجل من المستوفين يا سلطان العالم إن هذا يعدل ستَّمائة ألف دينار وأكثر. فقال ويحك، إن المال مال الله، والعباد عبيده، والبلاد بلاده، وإنَّما يبقى هذا لي عند الله) .
- كان نظام الملك يهتم بالعلماء والزهاد والمدارس العلمية وينفق الأموال الضخمة على الأساتذة والطلاب جميعاً، فسعى بالوشاية إلى السلطان ملكشاه خصومه وقالوا له إن النظام ينفق في كل سنة على الفقهاء والصوفية والقراء ثلاثمائة ألف دينار ، ولو صرف هذا المال على جيش لرفع رايته على أسوار القسطنطينية، فاستجوب السلطان وزيره فقال له: يا بني أنا شيخ أعجمي لو نودي عليّ لما زادت قيمتي على ثلاثة دنانير، وأنت تركي لعلك تبلغ المائة دينار، وقد أنعم الله عليك وعليّ بواسطتك ما لم يعطه أحداً من خلقه، أفلا تعوضه عن ذلك في حملة دينه وحفظة كتابه بثلاثمائة ألف دينار.. ثم إنك تنفق على الجيوش المحاربة في كل سنة أضعاف هذا المال مع أن أقواهم وأرماهم لا تبلغ رميته ميلاً، ولا يضرب سيفه إلا ما قرب منه، وأنا أقمت لك بهذا المال جيشاً يسمى جيش الليل, قام بالدعاء إذا نامت جيوشك، فمدوا إلى الله أكفهم وأرسلوا دموعهم فتصل من دعائهم سهام على العرش لا يحجبها شيء عن الله، فأنت وجيوشك في خفارتهم تعيشون وبدعائهم تثبتون وببركاتهم ترزقون.. فبكى السلطان وقال: شاباش يا أبت شاباش -بالتركية- ومعناه بالعربي: استكثر من هذا الجيش .
- استكمل توحيد بلاد الشام تحت حكمه .
- استكمال فتح بلاد آسيا الصغرى ، مع نقل العشائر التركية الى البلاد المفتوحة لنشر الاسلام بها .
- بدأت فى عهده دعوة الحشاشين الباطنية بالظهور ، فمن هم الحشاشون ؟
- اتباع رجل شيعى فارسى يدعى الحسن بن الصباح ظهر بمصر و حمل نشر الدعوة النزارية على عاتقه ، ، وتعود جذور الدعوة النزارية إلى سنة 478هـ حين توفي الخليفة الفاطمي المستنصر دون أن يبايع لابنه الأكبر نزار رغم أنه أبدى رغبته في ذلك في أواخر أيامه إلا أن الحاشية وعلى رأسها أمير الجيوش الوزير بدر الجمالي حالت دون ذلك، وقد بويع بعد وفاة المستنصر ابنه الأصغر المستعلي بالله وبذلك انشقت الدعوة الإسماعيلية إلى شقين: النزارية والمستعلية
- وكان الحسن بن الصباح يرى أن تولية نزار تتفق مع التعاليم الإسماعيلية التي تشترط في الإمام أن يكون أكبر أبناء أبيه، ولا شك أن إقامة الحسن بن الصباح في مصر أتاحت له التعرُّف على أحوال الدولة الفاطمية، وما آلت إليه الدعوة الإسماعيلية في ظل سيطرة بدر الجمالي، وقد عزم على إقامة الدعوة للمستنصر في فارس وخراسان وحرص على تكوين مجتمع إسماعيلي صرف وحين عاد إلى بلاد فارس بدأ بنشر دعوته إلى نزار رافضاً البيعة للمستعلي معتبراً نفسه نائب الإمام مخططاً لإنشاء دولة إسماعيلية جديدة في المشرق الإسلامي .
- وبعد أن رجع إلى فارس، وبلغ أصفهان سنة 473هـ باشر دعوته السرية، ولما ضيق نظام الملك عليه الخناق، رحل إلى قزوين، واستولى هناك على قلعة «ألموت» الحصينة، وجعلها مقراً له ولجماعته ، فتوسعوا وأكثروا الفساد في البلاد ، واتجه الى سياسة اغتيال معارضيه وكان أول ضحاياه الوزير السلجوقي نظام الملك الذي شدد على الدعوة النزارية وحاربها.
- و كان يستخدم الحشيش للسيطرة على مريديه ، و كانوا لا يردون له امرا ،و هذه الرواية اكبر دليل على ذلك :
- قال ابن كثير عن أهم أحداث عام 494هـ قال: فيها عظم الخطب بأصبهان ونواحيها بالباطنيّة، فقتل السلطان منهم خلقاً كثيراً، وأبيحت ديارهم وأموالهم للعامَّة، كلّ ُمن يقدرون عليه فلهم قتله وماله, وكانوا قد استحوذوا على قلاع كثيرة، وأوّل قلعة ملكوها في سنة 483هـ، وكان الذي ملكها الحسن الصبّاح، أحد دعاتهم، وكان قد دخل مصر وتعلَّم من الزنادقة الذين كانوا بها، ثم صار إلى تلك النواحي ببلاد أصبهان، فكان لا يدعو إلا غبيًّا لا يعرف يمينه من شماله، ثم يطعمه العسل بالجوز والشونيز(الحبة السوداء ) ، حتى يحترق مزاجه ويفسد دماغه، ثم يذكر له شيئاً من أخبار أهل البيت ويكذب له من أقاويل الرافضة الضُّلال، أنهم ظُلِمُوا ومُنعُوا حقَّهم، ثم يقول له: فإذا كانت الخوارج تقاتل مع بني أميّة لعليّ، فأنت أحقُّ أن تقاتل في نصرة إمامك علي بن أبي طالب، ولا يزال يسقيه من هذا وأمثاله حتى يستجيب له، ويصير أطوع له من أبيه وأمَّه، ويظهر له أشياء كثيرة من المخرقة والنَّيرنجات والحيل التي لا تروج إلا على الجهال، حتى التفَّ عليه بشر كثير وجم غفير، وقد بعث إليه السلطان ملكشاه يتهدده ويتوعّده وينهاه عن بعثه الِفداويّة (الفدائيين) إلى العلماء ، وهذا نص رسالة ملكشاه إلى الحسن بن الصّباح: (أنت حسن بن الصباح قد أظهرت ديناً وملة جديدة فأغريت الناس وخرجت على ولي عصرك، فجمعت حولك بعض سكان الجبال ثم أغويتهم بكلامك حتى حملتهم على قتل الناس وطعنت في الخلفاء العباسيين الذين هم خلفاء الإسلام وبهم استحكم قوام الملك والملّة ونظام الدين والدولة، فعليك أن ترجع عن هذه الضلالة وتكون مسلماً وإلا فقد عينت لك جيوشاً وأرجأت توجهها حتى تجيء إلينا أنت وجوابك، وحذار حذار على نفسك ونفوس تابعيك فارحمها ولا تلقها في ورطة الهلاك، ولا تغتر باستحكام قلاعك ولتعتقد حقيقة أن قلعة (ألموت) المستحكمة لو كانت برجاً من بروج السماء لجعلتها أرضاً يبابا ولساويتها مع التراب بعناية الله تعالى) ، فلما قرأ الكتاب بحضرة الرسول، قال لمن حضره من الشباب: ( إنَّي أريد أن أرسِلَ منكم رسولاً إلى مولاه، فاشرأبَّت وجوه الحاضرين منهم، ثم قال لشاب منهم: اقتل نفسك. فأخرج سكِّيناً فضرب بها غَلْصَمتَه (بلعومه) ، فسقط ميِّتاً، وقال لآخر منهم: ألق نفسك من هذا الموضع، فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفل خندقها فتقطع. فقال للرسول:
هذا الجواب. وجاء في رواية: أخبر سيدك أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا
حد طاعتهم لي. فعاد الرسول إلى السلطان فأخبره بما رأى فعجب من ذلك،
وترك كلامهم.
- استفحل امرهم واستشرى فى البلاد ، وامتنعوا بحصونهم ، ولم تفلح معهم الحروب ، اما للخيانة او بسبب بداية تفكك الدولة السلجوقية ، و عرفوا بالحشاشين و اشتركوا فى قتل الخلفاء العباسيين المسترشد والراشد وهددوا ملكشاه السلجوقي وصلاح الدين الأيوبي وأمراء مسلمين .
- تعاونوا مع الصليبيين فى اغتيال امراء المسلمين ، و نجا صلاح الدين الأيوبي من احدى محاولاتهم ، و عن طريق احتكاكهم بالصليبيين ، اشتقت تسمية القاتل المحترف فى اللغات الاوربية ( حشاشين - Assassin ).
- دام امرهم حتى ابادهم المغول تماما .
- و من محاسن السلاجقة استوزارهم لنظام الملك ، قال عنه الذهبي: الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير سعيد متدين، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء، أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم وأدر على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعد صيته تنقلت به الأحوال إلى أن وزر للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبر ممالكه على أتم ما ينبغي، وخفف المظالم، ورفق بالرعايا، وبنى الوقوف، وهاجرت الكبار إلى جانبه ، وأشار إلى ملكشاه بتعيين القواد والأمراء الذين فيهم خلق ودين وشجاعة, وظهرت آثار تلك السياسة فيما بعد، ومن هؤلاء القواد الذين وقع عليهم الاختيار آق سنقر جد نور الدين محمود، الذي ولي على حلب وديار بكر، والجزيرة، قال عنه ابن كثير: من أحسن الملوك سيرة وأجودهم سريرة ، وقام ولده عماد الدين زنكي ببداية الجهاد ضد الصليبيين، ثم قام من بعده نور الدين محمود، هذه الأسرة هي التي وضعت الأساس لانتصارات صلاح الدين والظاهر بيبرس وقلاوون ضد الصليبيين، وافتتحت عهد التوحيد والوحدة في العالم الإسلامي .
- ضبطه لأمور الدولة : فمن ذلك أن امرأة ضعيفة استغاثت به، فتوقف يكلمها وتكلمه، فدفعها بعض حجّابه، فأنكر ذلك عليه، وقال: إنما استخدمتك لأمثال هذه، فإن الأمراء والأعيان لا حاجة لهم إليك. ثم صرفه عن حجابته .
- وفاته 485هـ: الخميس في العاشر من شهر رمضان وحان وقت الإفطار، صلّى نظام الملك المغرب، وجلس على السماط، وعنده خلق كثير من الفقهاء والقراء والصوفية، وأصحاب الحوائج فجعل يذكر شرف المكان الذي نزلوه من أراضي نهاوند، وأخبار الوقعة التي كانت بين الفرس والمسلمين، في زمان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، ومن استشهد هناك من الأعيان، ويقول: طوبى لمن لحق بهم، فلما فرغ من إفطاره، خرج من مكان قاصداً مضرب حرمه فبدر إليه حدث ديلمي، كأنه مُستميح أو مستغيث، فعلق به وضربه، وحمل إلى مضرب الحرم، فيقال: إنه أول مقتول قتلته الإسماعيلية «الباطنية»، فانبث الخبر في الجيش وصاحت الأصوات، وجاء السلطان ملكشاه حين بلغه الخبر، مظهراً الحزن، والنحيب والبكاء, وجلس عند نظام الملك ساعة، وهو يجود بنفسه حتى مات، فعاش سعيداً فقيداً حميداً ، وكان قاتله قد تعثر بأطناب الخيمة، فلحقه مماليك نظام الملك وقتلوه, وقال بعض خدامه: كان آخر كلام نظام الملك أن قال: لا تقتلوا قاتلي، فإني قد عفوت عنه وتشهّد ومات .
• عهد التفكك والضعف وانهيار الدولة السلجوقية :
- بعد وفاة السلطان ملكشاه تفككت الدولة السلجوقية وبدأت عوامل الضعف والانهيار تدب في أوصالها بين أبنائه وإخوته وأحفاده، فضعفت بالتالي سيطرة الدولة على مختلف أقاليمها, ومن الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف تنافس الأمراء على عرش السلطنة، الأمر الذي أحدث انقساماً كبيراً ، و بدا و كأنهم نسوا قصة الاسهم المجتمعة .
- بدأ القتال بينهم على كرسى السلطنة ، مما ادى لتفككها الى سلاجقة العراق ، سلاجقة الشام ، سلاجقة كرمان (جنوب فارس) ، سلاجقة الروم ، مما سهل الفرصة للغاية امام الحملات الصليبية المتتالية .
- كما ظهرت عدة امارات تركية مستقلة سميت بالارتقيات ( نسبة الى ارتق بن سقمان ) ، و الاتابكيات ( اتابك " اتا = اب " ، " بك = امير " وتعنى الامير الوالد و هو مربى ولى العهد ) مثل اتابكية حلب ، اتابكية الموصل ، اتابكية سنجار ، و هو ما سنستكمل الحديث عنه ان شاء الله .
- اعتذر للغاية عن الاطالة رغم اننا لم نعطهم حقوقهم ، نفعنا الله واياكم ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
- سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك و اتوب اليك ، تضمنت ولاء السلاجقة له، وتأكيد تمسكهم بالدين الإسلامي، والتزامهم بالجهاد في سبيل الله وحبهم للعدل والتماسهم الحصول على اعتراف الخليفة بقيام دولتهم ، وما إن وصلت هذه الرسالة إلى الخليفة العباسي القائم بأمر في أمري، وطلبت منه نصري، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفت من تل عال، فرأيت عسكري في أجمل حال، فقلت: أين من له قدر مصارعتي، وقدرة معارضتي، وإني أصل بهذ العسكر إلى أقصى الصين، فخرجت عليّ منيتي من الكمين )، وجاء في رواية:.. (فقلت في نفسي: أنا ملك الدنيا وما يقدر أحد عليّ فعجّزني
الأتراك السلاجقة ، و هو جزء مهم للغاية رغم كونه منسيا ، و لو لم يكن من حسناتهم الا موقعة ملاذكرد ، او ظهور عماد الدين زنكى الذى ذكره ابن الأثير بقوله: ( ولولا أن الله تعالى منَّ على المسلمين بولاية الشهيد لكان الفرنج استولوا على الشام جميعه ) ، او ابنه نور الدين محمود ، او تلميذه صلاح الدين الايوبى لكفى ، فالى الموضوع:
- ذكرنا فى اللقاء السابق كيف وصل الاسلام للترك ، و الوضع السياسى فى شرق العالم الاسلامى ، و لكن يعتبر بداية ظهور الترك كقوة مؤثرة مع اعتناقهم للاسلام افواجا – وليس كافراد او جماعات – و كان بداية هذا الحدث البارز مع ظهور السلاجقة ، فمن هم و كيف تم هذا الحدث ؟
ينتمى السلاجقة الى قبيلة "قنق" إحدى العشائر المتزعمة لقبائل الغز التركية و التى يطلق عليها الغز بالعربية ( الاوغوز ، اليغور ، الايغور ، الاويغور وتعنى السهم بالتركية) و ينتسبون الى إلى جدهم دقاق الذي كان وأفراد قبيلته في خدمة أحد ملوك الترك الذي كان يعرف باسم ( بيغو ) ، وكان دقاق في هذه المرحلة من تاريخ السلاجقة، مقدم الأتراك الغُز؛ مرجعهم إليه، لا يخالفون له قولاً، ولا يتعدون له أمراً ، وكان سلجوق بن دقاق في خدمة (بيغو) كما كان والده من قبل، حيث كان يشغل وظيفة عسكرية مهمة تعني «مقدم الجيش», وفي هذا الوقت تذكر المصادر أن مظاهر التقدم وعلامات القيادة بدت واضحة عليه حتى إن زوجة الملك أخذت تثير مخاوف زوجها منه لما رأت من حب الناس له وانصياعهم إليه، إلى الحد الذي أغرته بقتله وما إن عرف سلجوق بذلك حتى أخذ أتباعه ومن أطاعه وتوجه إلى دار الإسلام وأقام بنواحي جند قريباً من نهر سيحون، وفيها أعلن سلجوق إسلامه وأخذ يشن غاراته على الكفار الترك ، وبعد وفاة سلجوق في جند، خلف عدداً من الأولاد ساروا على سياسة والدهم في شن الغارات على الترك الوثنيين وبذلوا جهوداً كبيرة في حماية السكان المسلمين الآمنين من غاراتهم ، فازدادت قوتهم وتوسعت أراضيهم وقد أكسبهم ذلك كله احترام الحكام المسلمين المجاورين لهم, فقد غزا ميكائيل بن سلجوق بعض بلاد الكفار من الترك فقاتل حتى استشهد في سبيل الله ، و تسارعت وتيرة اسلام الترك بعد اسلام عشيرة الغز .
- دخل السلاجقة فى معارك و حروب متفرقة مع القوى المجاورة ، فلما أحرز السلاجقة النصر في هذه المعارك ازدادوا قوة ولحقت بهم جيوشهم المتفرقة في أطراف خراسان، فاشتد وقعهم في القلوب وتقرر الملك لهم، واجتمع بعد ذلك الإخوان جغري بك وطغرل بك مع عمهما موسى بن سلجوق وأبناء أعمامهم وكبار قومهم وقواد جنودهم، وتعاهدوا على الاتحاد والتعاون فيما بينهم ويقول الراوندي: ولقد سمعت أن طغرل بك أعطى لأخيه سهماً وقال له: اكسره ، فتناول أخوه السهم وكسره في هوادة، ثم جمع له سهمين فكسرها أيضاً في هوادة ثم أعطاه ثلاثة فكسرها بصعوبة، فلما بلغ عدد السهام أربعة تعذر عليه كسرها، فقال له طغرل بك: إن مثلنا مثل ذلك فإذا تفرقنا هان لأقل الناس كسرنا وأما إذا اجتمعنا فلا يستطيع أحد أن يظفر بنا، فإذا نشأ خلاف بيننا لم يتيسر لنا فتح العالم ، وتغلب علينا الأعداء وذهب الملك من أيدينا، وجدد السلاجقة العهد لطغرل بك كقائد أعلى لجيوشهم وسلطان لهم على دولتهم، ورغم أن جغري بك كان أكبر منه سناً، إلا أن طغرل بك كان يتميز بشجاعته النادرة وقوة شخصيته مع تدين ملحوظ وذكاء حاد ، وكلها صفات رجحت كفته، وهكذا قامت دولة السلاجقة ، وقد اختار طغرل بك مدينة الري لتكون حاضرة ملكه ( بك تعنى امير – بيه بالعامية المصرية – تعنى حاليا سيد Mr ) .
- بعد أن وطّد طغرل بك أركان دولته أنفذ في عام 432هـ رسالة إلى الخليفة العباسي القائم بأمر اللهالله حتى سُرَّ بها غاية السرور، وبادر بإيفاد رسول إلى السلطان طغرل بك ، وقد تضمنت الرسالة رغبة الخليفة العباسي في عقد صلح بينه وبين الأمير البويهي أبي كاليجار، وتقبيح ما فعل أصحابه من فساد، كما أمر الخليفة رسوله أن يتقرب إلى طغرل بك ويدعوه للحضور إلى دار الخلافة في بغداد ، فضلاً عن الرسالة فقد كان الرسول يحمل معه إلى طغرل بك الخلع السلطانية التي منحها إياه الخليفة، مع كتاب تفويض بحكم البلاد .
- بعد أن شعر طغرل بك أول سلاطين السلاجقة بالاطمئنان على دولته إثر اعتراف الخليفة العباسي القائم بأمر الله بها ، شرع بتنفيذ ما تبقى من خطته الرامية إلى إتمام سيطرة السلاجقة على بلاد فارس، ومن ثم التوجه منها للسيطرة على العراق ، فاستولىعلى اقاليم جرجان وطبرستان و خوارزم ، و بذلك فأصبح السلاجقة أكبر قوة في بلاد فارس وما وراء النهر، وكان هذا سبباً في مسارعة حكام الأقاليم إلى إعلان طاعتهم وولائهم لهم .
- في سنة 440هـ قام إبراهيم ينال- اخو طغرل بك لأمه- بغزو الروم فدار بينهم قتال شديد تبادل فيه الفريقان النصر والهزيمة وكان النصر في النهاية للمسلمين ، استمر إبراهيم ينال يغزو تلك البلاد ولم يبق بينه وبين القسطنطينية سوى خمسة عشر يوماً، وكان من نتيجة هذه الغارات والغزوات أن غنم المسلمون الكثير، وسبوا ما يزيد على مائة ألف رأس، فضلاً عما لا يحصى من البغال والدواب والأموال حتى قيل إن الغنائم كانت قد حُملت على عشرة آلاف عربة وإن من جملة الغنائم تسعة عشر ألف درع وكان لهذه الغزوة آثار كبيرة فقد ألحق السلطان طغرل بك بالروم خسائر كبيرة ، و مكن الله له فى الارض.
- دخول العراق والقضاء على الدعوة الشيعية:
ذكرنا فيما سبق وقوع الخليفة العباسى تحت سيطرة وزرائه البويهيين ، الذين كانوا يتبعون المذهب الشيعى الفاسد ، و قد ظلموا اهل السنة و اظهروا عقائدهم الفاسدة (إن شاء الله سنتحدث عن التشيع بعد الدولة العثمانية ) ، بل وحاولوا تسليم الخلافة للعبيديين ( الفاطميين و هم شيعة ) ، و حجروا على الخليفة العباسى ، فبعث بدعاء مع بدوي وأمره أن يعلقه على الكعبة وهو في أسره ، و هذا نصه ( إلى الله العظيم من عبدك المسكين، اللهم إنك العالم بالسرائر المحيط بمكنونات الضمائر، اللهم إنك غني بعلمك واطلاعك على أمور خلقك عن إعلامي، بما فيه عبد من عبيدك قد كفر بنعمتك، وما شكرها، وألقى العواقب وما ذكرها، أطغاه حلمك، وتجبر بأناتك حتى تعدى علينا بغياً، وأساء إلينا عتواً وعدواناً. اللهم قلَّ الناصرون لنا، واغتر الظالم، وأنت المطلع العالم، والمنصف الحاكم، بك نعتز عليه، وإليك نهرب من يديه، فقد تعزز علينا بالمخلوقين، ونحن نعتز بك يا رب العالمين. اللهم إنا حاكمناه إليك، وتوكلنا في إنصافنا منه عليك، وقد رفعت ظلامتي إلى حرمك ووثقت في كشفها بكرمك، فاحكم بيني وبينه وأنت خير الحاكمين، وأرنا منه ما نرتجيه فقد أخذته العزة بالإثم، اللهم فاسلبه عزه، ومكنا بقدرتك من ناصيته يا أرحم الراحمين ) فقتل قائد الفتنة – و كان يدعى البساسيرى – بعد سبعة ايام من تعليقه على الكعبة .
كما أرسل الخليفة من أسره رسالة إلى السلطان طغرل بك جاء فيها: (بحق الله أدرك الإسلام فقد ساد العدو اللعين وأخذ ينشر مذهب القرامطة) ، فبعث طغرل بك الى الأمير قريش بن بدران – هو من حلفاء البساسيريَّ- يأمره بأن يعاد الخليفة إلى داره، على ما كان عليه، وتوعّده على ترك ذلك بأساً شديداً, فكتب إليه قريش يتلطفُ به ويسالمه، ويقول: (أنا معك على البساسيريَّ بكلَّ ما أقدر عليه، حتى يمكن الله منه، ولكن أخشى أن أتسرع في أمر يكون فيه على الخليفة مفسدة، أو يبدر إليه أحد بأذيةٍ، ولكنَّي سأعمل لما أمرتني بكل ما يمُكنني) ، ثم راسل البساسيريَّ وأشار إليه بعودة الخليفة إلى داره، وخوّفه من جهة الملك طغُرل بك وقال له فيما قال: (إنك دعوتنا إلى طاعة المستنصر صاحب مصر وبيننا وبينه ستمائة فرسخ، ولم يأتنا من جهته رسول ولا أحد، ولم يفكر في شيء مما أرسلنا إليه، وهذا الملك من ورائنا بالمرصاد)، ومما جاء في رسالة طغرل بك إلى الأمير قريش بن بدران:... (ولكل مُجْترم في العراق عفونا وأمننا مما بدر منه إلا البساسيري فإنه لا عهد له ولا أمان منّا، وهو موكول على الشيطان وتساويله فقد أرتكب في دين الله عظيماً، وهو -إن شاء الله- مأخوذ حيث وجد ومُعذَّب على ما عمل، فقد سعى في دماء خلق كثير بسوء دخيلته، ودلَّت أفعاله على سوء عقيدته) ، وبعث بهذا الكتاب مع رسولين من أهل العمل وبعث معهما بتحف عظيمة للخليفة وأمرهما أن يخدما الخليفة نيابة عنه ، حتى حضر بنفسه للخليفة فى بغداد ، و كان الخليفة قد تزوج ابنة اخته ، ثم خطب طغرل بك ابنة الخليفة و دخل بها ثم توفى بعد عام بعد ان ارسى دعائم ملك عريض لخلفه محمد بن جغري بك.
ألب أرسلان (محمد) الأسد الشجاع:
• هو السلطان الكبير، الملك العادل، عضد الدولة، أبو شجاع ألب أرسلان، محمد بن السلطان جغري بك داود ميكائيل بن سلجوق بن تُقاق بن سلجوق التركماني، الغُزَّي، من عظماء ملوك الإسلام وأبطالهم ، ملك بعد عمه طغرل بك، وكان عادلاً سار في الناس سيرة حسنة، كريماً رحيماً، شفوقاً على الرعية رفيقاً على الفقراء، بارّا بأهله وأصحابه ومماليكه كثير الدعاء بدوام ما أنعم به عليه، كثير الصدقات يتصدق في كل رمضان بخمسة عشر ألف دينار، ولا يعرف في زمانه جناية ولا مصادرة، بل يقنع من الرّعايا بالخراج في قسطين رفقا بهم
• حدد الب ارسلان اهدافه منذ البداية و كانت :
- ضمان وحدة الدولة
- مواجهة الخطر العبيدى الفاطمى
- نشر الاسلام فى البلاد النصرانية المجاورة كأرمينيا و بلاد الروم
- قال عنه وزيره محمد بن منصور بن محمد الكندري (ما أسعدني بدولة بني سلجوق؛ أعطاني طغرل بك الدنيا، وأعطاني ألب أرسلان الآخرة ).
• أهم اعماله :
- توحيد بلاد الشام تحت حكم العباسيين .
- صد البيزنطيين، ووقف أعمالهم ضد أراضيه .
- موقعة ملاذ كرد سنة 463هـ / 1071 م:
- كان الامبراطور الرومانى ( رومانوس ديوجينيوس ) قد عزم على اخذ جميع بلاد الاسلام ، ثم تخريب الحرمين الشريفين و اقسم الا يدع مسلما و الا يرفع بالارض اذان ( كيف و ان يظهروا عليكم لا يرقبوا فيكم الا و لا ذمة ) ، و بلغ من غروره و تماديه فى غيه و ضلاله ان قسم البلاد الاسلامية على قواده و كأن الامر محتوم ، و اترككم مع رواية المعركة :
- تآمر ملك الروم على الإسلام: خرج ملك الروم (رومانوس) في جمع كبير من الروم والروس والكرج( جورجيا) والفرنجة وغيرهم من الشعوب النصرانية، حتى قدر ذلك الجمع بثلاثمائة ألف جندي ، أعدهم الإمبراطور لملاقاة السلطان السلجوقي، الذي ما إن علم باقتراب الروم ومن معهم حتى استعد للأمر واحتسب نفسه ومن معه، وكان في قلة من أصحابه لا تقارن بعدد الروم وأتباعه, قيل إنهم قرابة خمسة عشر ألفًا ، ولم يكن لديه وقت لاستدعاء مدد من المناطق التابعة له وقال قولته المشهورة: أنا أحتسب عند الله نفسي, وإن سعدت بالشهادة ففي حواصل الطيور الخضر من حواصل النسور الغبر رمسي، وإن نصرت فما أسعدني وأنا أمسي ويومي خير من أمسي، وهجم بمن معه على مقدمة الأعداء وكان فيها عشرون ألفاً معظمهم من الروس، فأحرز المسلمون عليهم انتصاراً عظيماً وتمكنوا من أسر معظم قوادهم .
- ثم أرسل السلطان ألب أرسلان من قبله وفداً إلى إمبراطور الروم وعرض عليه المصالحة ولكنه تكبر وطغى ولم يقبل العرض، وقال: هيهات!! لا هدنة ولا رجوع إلا بعد أن أفعل ببلاد الإسلام مثل ما فُعل ببلاد الروم ، وجاء في رواية: لا هدنة إلا ببذل الري( اى تسليم العاصمة السلجوقية )، فحمى السلطان وشاط ، فقال إمامه أبو نصر محمد بن عبد الملك البخاري الحنفي: إنك تقاتل عن دين وعد الله بنصره وإظهاره على سائر الأديان، وأرجو أن يكون الله قد كتب باسمك هذا الفتح فالقهم يوم الجمعة في الساعة التي يكون الخطباء على المنابر، فإنهم يدعون للمجاهدين .
- اندلاع المعركة وانتصار المسلمين: أعد المسلمون العدة للمعركة الفاصلة واجتمع الجيشان يوم الخميس الخامس والعشرين من ذي القعدة سنة 463هـ، فلما كان وقت الصلاة من يوم الجمعة صلى السلطان بالعسكر ودعا الله تعالى وابتهل وبكى وتضرع وقال لهم: ( نحن مع القوم تحت الناقص وأريد أن أطرح نفسي عليهم في هذه الساعة التي يُدعى فيها لنا وللمسلمين على المنابر، فإما أن أبلغ الغرض وإما أن أمضي شهيداً إلى الجنة، فمن أحب أن يتبعني منكم فليتبعني، ومن أحب أن ينصرف فليمض مصاحباً فما هاهنا سلطان يأمر ولا عسكر يؤمر فإنما أنا اليوم واحد منكم، وغاز معكم، فمن تبعني، ووهب نفسه لله تعالى فله الجنة أو الغنيمة, ومن مضى حقت عليه النار والفضيحة)، فقالوا: (مهما فعلت تبعناك فيه وأعناك عليه) ، فبادر ولبس البياض وتحنط استعداداً للموت وقال: (إن قتلت فهذا كفني) ، ثم وقع الزحف بين الطرفين ونزل السلطان ألب أرسلان عن فرسه ومرغ وجهه بالتراب وأظهر الخضوع والبكاء لله تعالى وأكثر من الدعاء ثم ركب وحمل على الأعداء، وصدق المسلمون القتال وصبروا وصابروا حتى زلزل الله الأعداء وقذف الرعب في قلوبهم، ونصر الله المسلمين عليهم، فقتلوا منهم مقتلة عظيمة وأسروا منهم جموعاً كبيرة، كان على رأسهم ملك الروم نفسه الذي أسره أحد غلمان المسلمين فأحضر ذليلاً إلى السلطان ، فقّرعه بالمِقرعة، وقال ويلك ألم أبعث أطلب منك الهدنة؟) قال: (دعني من التوبيخ)، قال: (ما كان عزمك لو ظفرت بي؟) قال: (كل قبيح) قال: (فما تؤمَّلُ وتظُن بي؟) ، قال : ( القتل أو تُشهّرني في بلادك، والثالثة بعيدة: العفو وقبول الفداء) ، قال: ( ما عزمت على غيرها) ، فاشترى نفسه بألف ألف دينار وخمسمائة ألف دينار، وإطلاق كل أسير في بلاده، فخلع عليه، وبعث معه عدة وأعطاه نفقة توصله ، و بعث معه حرسا اسلاميا و راية عليها (لا اله الا الله محمد رسول الله) ، وأما الروم فبادروا وملَّكوا آخر، فلما قرب أرمانوس شعر بزوال ملكه، فلبس الصوف، وترهب، ثم جمع ما وصلت يده إليه نحو ثلاثمائة ألف دينار، وبعث بها، واعتذر وقيل: إنه غلب على ثغور الأرمن .
- تعتبر معركة «ملاذكرد» من المعارك الفاصلة في التاريخ ويسميها بعض المؤرخين باسم الملحمة الكبرى، وتعد أكبر نكسة في تاريخ الإمبراطورية البيزنطية وأصبحت الأراضي البيزنطية تحت رحمة السلاجقة .
- لم يكن هذا الانتصار انتصاراً عسكرياً فقط بل كان انتصاراً دعوياً للإسلام، إذ انتشر السلاجقة في آسيا الصغرى عقب معركة ملاذكرد وضموا إلى ديار الإسلام مساحة تزيد على 400 ألف كم، عم الإسلام تلك الجهات منُذ ذلك الوقت ولم يكن دخلها أبداً من قبل .
- تعتبر هزيمة البيزنطيين في ملاذكرد نقطة تحول في التاريخ الإسلامي البيزنطي فلأول مرة يقع الإمبراطور نفسه أسيراً في أيدي المسلمين ، فهي لا تقل أهمية عن اليرموك ونتائجها، فإذا كانت هذه الأخيرة قررت مصير بلاد الشام، فإن الأولى قد قررت مصير آسيا الصغرى، التي نجح الأتراك السلاجقة في فتحها والتوغل فيها، وكانت بذلك لبنة اجتثت من بناء الدولة البيزنطية فمهدت لسقوطها، فعندما فقدت الإمبراطورية ولاياتها الغنية في آسيا الصغرى، أصبحت القسطنطينية رأساً حُرم من الجسد الذي يسنده, وبذلك غدت آسيا الصغرى برمتها مكشوفة أمام السلاجقة، وهكذا بضربة واحدة دفعت الحدود التقليدية التي طالما فصلت بين الإسلام والمسيحية 400 ميل إلى الغرب, ولأول مرة استطاع الأتراك السلاجقة أن يحرزوا مكاناً ثابتاً في تلك البقاع ، ومنُذ ذلك الحين فقد الرؤساء والجنود شجاعتهم، ولم تحرز الإمبراطورية نصراً على الإطلاق .
- - ومن نتائج ملاذكرد أن قضى السلاجقة على التحالف البيزنطي الفاطمي، واضطرت بيزنطة إلى مصالحتهم، أما أرمينية فقد زالت منها الإدارة البيزنطية بعد أن هجرها سكانها وخضعت المدن الأرمينية للسلاجقة .
- ادى هذا النصر المدوى الى تنبه اوربا الغربية لعجز البيزنطيين ، مما اطلق سلسلة من الاحداث اسفرت عن انطلاق الحملات الصليبية على العالم الاسلامى فى الشرق .
- وفاة السلطان ألب أرسلان: قصد السلطان ألب أرسلان ما وراء النهر وعبر نهر جيحون، في مائتي ألف فارس، فأتي بقائد يقال له: يوسف الخُوارزمي، كانت بيده قلعة، قد ارتكب جريمة في أمر الحصن، فحمل مقيداً، فلما قرب منه أمر أن تُضرب له أربعة أوتاد لتشد أطرافه الأربعة إليها ثم يقتله فقال له يوسف: يا مخنث، مثلي يقتل هذه القتلة؟ فاحتد السلطان، وأخذ القوس والنشابة، وقال: حلّوه من قيوده، فَحُلّ، فرماه فأخطأه، وكان قلما يخطئ ، وكان جالساً على سريره، فنزل فعثر ووقع على وجهه، فبادره يوسف ، وضربه بسكين كانت معه في خاصرته، فوثب عليه فرَّاش أرمني، فضربه في رأسه بمرزبة فقتله ، فانتقل ألب أرسلان إلى خيمة أخرى مجروحاً وأحضر وزيره نظام الملك وأوصى إليه، وجعل ولده ملكشاه أبا شجاع محمد وليّ عهده ، ثم توفي السلطان وله أربعون سنة .
- يحكى أنه قال لما عاين ألموت بعينه: ( ما كنت قط في وجه قصدته ولا عدو أردته، إلا توكلت على اللهالله تعالى بأضعف خلقه وأنا أستغفر الله وأستقيله من ذلك الخاطر).
- نهاية رومانوس ديوجينيوس :
- بعد مطالبته بعرشه المفقود قامت حرب اهلية بينه و بين المتغلب على العرش فهزم شر هزيمة و اسر ثم سملت عيناه ، و هذا جزاء من يتطاول على الاسلام .
- الســـــــــلطان ملكشـــــــــاه :
- هو السلطان الكبير جلال الدولة أبو الفتح ملكشاه بن السلطان ألب أرسلان محمد بن جغري بك السلجوقي التركي، تملك بعد أبيه، ودبّر دولته النظام الوزير بوصية من ألب أرسلان إليه .
- وقد أثبت السلطان الجديد مقدرة فائقة في الحرب، ورغبة نادرة في الإصلاح والتعمير حتى عده أحد المؤرخين المؤسس الحقيقي للإمبراطورية السلجوقية المترامية الأطراف وذلك بنشاطه وحنكة وزيره ، ويعتبر النظام هو الموجه لسياسة الدولة .
- بعد ان استقر له الامر و تغلب على مناوئيه وجه اهتمامه لبناء مرافق الدولة ، و انتشرت سيرة عدله فى البلاد ، و ه1ه بعض الروايات :
- تشييعه لركب الحجاج العراقي: شيَّعَ مرة ركب العراق إلى العُذيَب ، فصاد شيئاً كثيراً، فبنى هناك منارة القرون من حوافر الوحوش وقرونها، ووقف يتأمل الحجاج، فرقّ ونزل وسجد، وعفَّر وجهه وبكى، وقال بالعجمية: ( بلغوا سلامي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم، وقولوا: العبد العاصي الآبق أبو الفتح يخدم ويقول: يا نبي الله، لو كنت ممّن يصلح لتلك الحضرة المقدسة، كنت في الصحبة) ، فضجّ الناس وبكوا، ودعوا له .
- الستر على أعراض المسلمين: اشتكى إليه تركماني أن رجلاً اعتدى على ابنته، وهو يريد أن يمكنه من قتله، فقال له: (يا هذا إن ابنتك لو شاءت ما مكَّنته من نفسها، فإن كنت لابد فاعِلاً فاقتلها معه) ، فسكت الرجل، ثم قال الملك: (أوخير من ذلك؟) قال وما هو؟) قالزوَّجها من ذلك الرجل وأمهرها من بيت المال كفايتها)، ففعل .
- إقامة العدل على الأمراء: واستعداه رجلان من الفلاحين على الأمير خُمارتكين أنه أخذ منهما مالاً جزيلاً وكسر ثنيَتيهما وقالاً: ( سمعنا بعدلك في العالم، فإن أقدتنا منه كما أمرك الله وإلا استعدينا عليك الله يوم القيامة)، وأخذا بركابه، فنزل عن فرسه وقال لهما: (خُذا بكُمَّى فاسْحبَانى إلى دار نظام الملك)، فهابا ذلك، فعزم عليهما، ففعلا ما أمرهما به، فلما علم النظام بمجيء السلطان إليه خرج مسرعاً من خيمته، فقال له الملك: (إنَّي قلدتك الأمر لتُنصف المظلوم ممَّن ظلمه)، فكتب من فوره بعزل خمارتكين وحلَّ إقطاعه وأن يرد إليهما أموالهما وأن يقلعا ثنيَّتيه إن قامت عليه البيَّنة، وأمر لهما الملك من عنده بمائة دينار .
- أسقط مرة بعض المكوس، فقال رجل من المستوفين يا سلطان العالم إن هذا يعدل ستَّمائة ألف دينار وأكثر. فقال ويحك، إن المال مال الله، والعباد عبيده، والبلاد بلاده، وإنَّما يبقى هذا لي عند الله) .
- كان نظام الملك يهتم بالعلماء والزهاد والمدارس العلمية وينفق الأموال الضخمة على الأساتذة والطلاب جميعاً، فسعى بالوشاية إلى السلطان ملكشاه خصومه وقالوا له إن النظام ينفق في كل سنة على الفقهاء والصوفية والقراء ثلاثمائة ألف دينار ، ولو صرف هذا المال على جيش لرفع رايته على أسوار القسطنطينية، فاستجوب السلطان وزيره فقال له: يا بني أنا شيخ أعجمي لو نودي عليّ لما زادت قيمتي على ثلاثة دنانير، وأنت تركي لعلك تبلغ المائة دينار، وقد أنعم الله عليك وعليّ بواسطتك ما لم يعطه أحداً من خلقه، أفلا تعوضه عن ذلك في حملة دينه وحفظة كتابه بثلاثمائة ألف دينار.. ثم إنك تنفق على الجيوش المحاربة في كل سنة أضعاف هذا المال مع أن أقواهم وأرماهم لا تبلغ رميته ميلاً، ولا يضرب سيفه إلا ما قرب منه، وأنا أقمت لك بهذا المال جيشاً يسمى جيش الليل, قام بالدعاء إذا نامت جيوشك، فمدوا إلى الله أكفهم وأرسلوا دموعهم فتصل من دعائهم سهام على العرش لا يحجبها شيء عن الله، فأنت وجيوشك في خفارتهم تعيشون وبدعائهم تثبتون وببركاتهم ترزقون.. فبكى السلطان وقال: شاباش يا أبت شاباش -بالتركية- ومعناه بالعربي: استكثر من هذا الجيش .
- استكمل توحيد بلاد الشام تحت حكمه .
- استكمال فتح بلاد آسيا الصغرى ، مع نقل العشائر التركية الى البلاد المفتوحة لنشر الاسلام بها .
- بدأت فى عهده دعوة الحشاشين الباطنية بالظهور ، فمن هم الحشاشون ؟
- اتباع رجل شيعى فارسى يدعى الحسن بن الصباح ظهر بمصر و حمل نشر الدعوة النزارية على عاتقه ، ، وتعود جذور الدعوة النزارية إلى سنة 478هـ حين توفي الخليفة الفاطمي المستنصر دون أن يبايع لابنه الأكبر نزار رغم أنه أبدى رغبته في ذلك في أواخر أيامه إلا أن الحاشية وعلى رأسها أمير الجيوش الوزير بدر الجمالي حالت دون ذلك، وقد بويع بعد وفاة المستنصر ابنه الأصغر المستعلي بالله وبذلك انشقت الدعوة الإسماعيلية إلى شقين: النزارية والمستعلية
- وكان الحسن بن الصباح يرى أن تولية نزار تتفق مع التعاليم الإسماعيلية التي تشترط في الإمام أن يكون أكبر أبناء أبيه، ولا شك أن إقامة الحسن بن الصباح في مصر أتاحت له التعرُّف على أحوال الدولة الفاطمية، وما آلت إليه الدعوة الإسماعيلية في ظل سيطرة بدر الجمالي، وقد عزم على إقامة الدعوة للمستنصر في فارس وخراسان وحرص على تكوين مجتمع إسماعيلي صرف وحين عاد إلى بلاد فارس بدأ بنشر دعوته إلى نزار رافضاً البيعة للمستعلي معتبراً نفسه نائب الإمام مخططاً لإنشاء دولة إسماعيلية جديدة في المشرق الإسلامي .
- وبعد أن رجع إلى فارس، وبلغ أصفهان سنة 473هـ باشر دعوته السرية، ولما ضيق نظام الملك عليه الخناق، رحل إلى قزوين، واستولى هناك على قلعة «ألموت» الحصينة، وجعلها مقراً له ولجماعته ، فتوسعوا وأكثروا الفساد في البلاد ، واتجه الى سياسة اغتيال معارضيه وكان أول ضحاياه الوزير السلجوقي نظام الملك الذي شدد على الدعوة النزارية وحاربها.
- و كان يستخدم الحشيش للسيطرة على مريديه ، و كانوا لا يردون له امرا ،و هذه الرواية اكبر دليل على ذلك :
- قال ابن كثير عن أهم أحداث عام 494هـ قال: فيها عظم الخطب بأصبهان ونواحيها بالباطنيّة، فقتل السلطان منهم خلقاً كثيراً، وأبيحت ديارهم وأموالهم للعامَّة، كلّ ُمن يقدرون عليه فلهم قتله وماله, وكانوا قد استحوذوا على قلاع كثيرة، وأوّل قلعة ملكوها في سنة 483هـ، وكان الذي ملكها الحسن الصبّاح، أحد دعاتهم، وكان قد دخل مصر وتعلَّم من الزنادقة الذين كانوا بها، ثم صار إلى تلك النواحي ببلاد أصبهان، فكان لا يدعو إلا غبيًّا لا يعرف يمينه من شماله، ثم يطعمه العسل بالجوز والشونيز(الحبة السوداء ) ، حتى يحترق مزاجه ويفسد دماغه، ثم يذكر له شيئاً من أخبار أهل البيت ويكذب له من أقاويل الرافضة الضُّلال، أنهم ظُلِمُوا ومُنعُوا حقَّهم، ثم يقول له: فإذا كانت الخوارج تقاتل مع بني أميّة لعليّ، فأنت أحقُّ أن تقاتل في نصرة إمامك علي بن أبي طالب، ولا يزال يسقيه من هذا وأمثاله حتى يستجيب له، ويصير أطوع له من أبيه وأمَّه، ويظهر له أشياء كثيرة من المخرقة والنَّيرنجات والحيل التي لا تروج إلا على الجهال، حتى التفَّ عليه بشر كثير وجم غفير، وقد بعث إليه السلطان ملكشاه يتهدده ويتوعّده وينهاه عن بعثه الِفداويّة (الفدائيين) إلى العلماء ، وهذا نص رسالة ملكشاه إلى الحسن بن الصّباح: (أنت حسن بن الصباح قد أظهرت ديناً وملة جديدة فأغريت الناس وخرجت على ولي عصرك، فجمعت حولك بعض سكان الجبال ثم أغويتهم بكلامك حتى حملتهم على قتل الناس وطعنت في الخلفاء العباسيين الذين هم خلفاء الإسلام وبهم استحكم قوام الملك والملّة ونظام الدين والدولة، فعليك أن ترجع عن هذه الضلالة وتكون مسلماً وإلا فقد عينت لك جيوشاً وأرجأت توجهها حتى تجيء إلينا أنت وجوابك، وحذار حذار على نفسك ونفوس تابعيك فارحمها ولا تلقها في ورطة الهلاك، ولا تغتر باستحكام قلاعك ولتعتقد حقيقة أن قلعة (ألموت) المستحكمة لو كانت برجاً من بروج السماء لجعلتها أرضاً يبابا ولساويتها مع التراب بعناية الله تعالى) ، فلما قرأ الكتاب بحضرة الرسول، قال لمن حضره من الشباب: ( إنَّي أريد أن أرسِلَ منكم رسولاً إلى مولاه، فاشرأبَّت وجوه الحاضرين منهم، ثم قال لشاب منهم: اقتل نفسك. فأخرج سكِّيناً فضرب بها غَلْصَمتَه (بلعومه) ، فسقط ميِّتاً، وقال لآخر منهم: ألق نفسك من هذا الموضع، فرمى نفسه من رأس القلعة إلى أسفل خندقها فتقطع. فقال للرسول:
هذا الجواب. وجاء في رواية: أخبر سيدك أن عندي من هؤلاء عشرين ألفاً هذا
حد طاعتهم لي. فعاد الرسول إلى السلطان فأخبره بما رأى فعجب من ذلك،
وترك كلامهم.
- استفحل امرهم واستشرى فى البلاد ، وامتنعوا بحصونهم ، ولم تفلح معهم الحروب ، اما للخيانة او بسبب بداية تفكك الدولة السلجوقية ، و عرفوا بالحشاشين و اشتركوا فى قتل الخلفاء العباسيين المسترشد والراشد وهددوا ملكشاه السلجوقي وصلاح الدين الأيوبي وأمراء مسلمين .
- تعاونوا مع الصليبيين فى اغتيال امراء المسلمين ، و نجا صلاح الدين الأيوبي من احدى محاولاتهم ، و عن طريق احتكاكهم بالصليبيين ، اشتقت تسمية القاتل المحترف فى اللغات الاوربية ( حشاشين - Assassin ).
- دام امرهم حتى ابادهم المغول تماما .
- و من محاسن السلاجقة استوزارهم لنظام الملك ، قال عنه الذهبي: الوزير الكبير، نظام الملك، قوام الدين، أبو علي الحسن بن علي بن إسحاق الطوسي، عاقل، سائس، خبير سعيد متدين، محتشم، عامر المجلس بالقراء والفقهاء، أنشأ المدرسة الكبرى ببغداد وأخرى بنيسابور، وأخرى بطوس، ورغب في العلم وأدر على الطلبة الصلات، وأملى الحديث، وبعد صيته تنقلت به الأحوال إلى أن وزر للسلطان ألب أرسلان، ثم لابنه ملكشاه، فدبر ممالكه على أتم ما ينبغي، وخفف المظالم، ورفق بالرعايا، وبنى الوقوف، وهاجرت الكبار إلى جانبه ، وأشار إلى ملكشاه بتعيين القواد والأمراء الذين فيهم خلق ودين وشجاعة, وظهرت آثار تلك السياسة فيما بعد، ومن هؤلاء القواد الذين وقع عليهم الاختيار آق سنقر جد نور الدين محمود، الذي ولي على حلب وديار بكر، والجزيرة، قال عنه ابن كثير: من أحسن الملوك سيرة وأجودهم سريرة ، وقام ولده عماد الدين زنكي ببداية الجهاد ضد الصليبيين، ثم قام من بعده نور الدين محمود، هذه الأسرة هي التي وضعت الأساس لانتصارات صلاح الدين والظاهر بيبرس وقلاوون ضد الصليبيين، وافتتحت عهد التوحيد والوحدة في العالم الإسلامي .
- ضبطه لأمور الدولة : فمن ذلك أن امرأة ضعيفة استغاثت به، فتوقف يكلمها وتكلمه، فدفعها بعض حجّابه، فأنكر ذلك عليه، وقال: إنما استخدمتك لأمثال هذه، فإن الأمراء والأعيان لا حاجة لهم إليك. ثم صرفه عن حجابته .
- وفاته 485هـ: الخميس في العاشر من شهر رمضان وحان وقت الإفطار، صلّى نظام الملك المغرب، وجلس على السماط، وعنده خلق كثير من الفقهاء والقراء والصوفية، وأصحاب الحوائج فجعل يذكر شرف المكان الذي نزلوه من أراضي نهاوند، وأخبار الوقعة التي كانت بين الفرس والمسلمين، في زمان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب ، ومن استشهد هناك من الأعيان، ويقول: طوبى لمن لحق بهم، فلما فرغ من إفطاره، خرج من مكان قاصداً مضرب حرمه فبدر إليه حدث ديلمي، كأنه مُستميح أو مستغيث، فعلق به وضربه، وحمل إلى مضرب الحرم، فيقال: إنه أول مقتول قتلته الإسماعيلية «الباطنية»، فانبث الخبر في الجيش وصاحت الأصوات، وجاء السلطان ملكشاه حين بلغه الخبر، مظهراً الحزن، والنحيب والبكاء, وجلس عند نظام الملك ساعة، وهو يجود بنفسه حتى مات، فعاش سعيداً فقيداً حميداً ، وكان قاتله قد تعثر بأطناب الخيمة، فلحقه مماليك نظام الملك وقتلوه, وقال بعض خدامه: كان آخر كلام نظام الملك أن قال: لا تقتلوا قاتلي، فإني قد عفوت عنه وتشهّد ومات .
• عهد التفكك والضعف وانهيار الدولة السلجوقية :
- بعد وفاة السلطان ملكشاه تفككت الدولة السلجوقية وبدأت عوامل الضعف والانهيار تدب في أوصالها بين أبنائه وإخوته وأحفاده، فضعفت بالتالي سيطرة الدولة على مختلف أقاليمها, ومن الأسباب التي أدت إلى هذا الضعف تنافس الأمراء على عرش السلطنة، الأمر الذي أحدث انقساماً كبيراً ، و بدا و كأنهم نسوا قصة الاسهم المجتمعة .
- بدأ القتال بينهم على كرسى السلطنة ، مما ادى لتفككها الى سلاجقة العراق ، سلاجقة الشام ، سلاجقة كرمان (جنوب فارس) ، سلاجقة الروم ، مما سهل الفرصة للغاية امام الحملات الصليبية المتتالية .
- كما ظهرت عدة امارات تركية مستقلة سميت بالارتقيات ( نسبة الى ارتق بن سقمان ) ، و الاتابكيات ( اتابك " اتا = اب " ، " بك = امير " وتعنى الامير الوالد و هو مربى ولى العهد ) مثل اتابكية حلب ، اتابكية الموصل ، اتابكية سنجار ، و هو ما سنستكمل الحديث عنه ان شاء الله .
- اعتذر للغاية عن الاطالة رغم اننا لم نعطهم حقوقهم ، نفعنا الله واياكم ، و السلام عليكم و رحمة الله و بركاته .
- سبحانك اللهم وبحمدك اشهد ان لا اله الا انت استغفرك و اتوب اليك ، تضمنت ولاء السلاجقة له، وتأكيد تمسكهم بالدين الإسلامي، والتزامهم بالجهاد في سبيل الله وحبهم للعدل والتماسهم الحصول على اعتراف الخليفة بقيام دولتهم ، وما إن وصلت هذه الرسالة إلى الخليفة العباسي القائم بأمر في أمري، وطلبت منه نصري، وأما في هذه النوبة، فإني أشرفت من تل عال، فرأيت عسكري في أجمل حال، فقلت: أين من له قدر مصارعتي، وقدرة معارضتي، وإني أصل بهذ العسكر إلى أقصى الصين، فخرجت عليّ منيتي من الكمين )، وجاء في رواية:.. (فقلت في نفسي: أنا ملك الدنيا وما يقدر أحد عليّ فعجّزني