حدثنا الشيخ الجليل (تاريخ)
الدكتور خالد العبيدي
الدكتور خالد العبيدي
ها هي سنن الله تجري من حولنا فتذهب بملوك وتأتي بآخرين، وها هي جنود الله تتحرك في ملكوت عدله فتطيح برؤوس وترهب آخرين، وها هي مدونات التاريخ تسجل نكوص أقوام وصعود آخرين، وها هي أسس الملك المنخورة بالظلم تتهشم فهل يرعوي أقوام ويصحو آخرين؟!
العدل أساس الملك، هذا هو ما نصر الله به جنده وخذل بنقيضه أعداءه، وهذا هو ما قامت به السماوات والملكوت، إنه العدل قبان ميزان القوى في ملكوت الله تعالى ومنه سفينتنا التي نحيا عليها.
فالعدل نقيض الظلم، والظلم صنفان، ظلم الناس لربهم باتخاذهم طواغيت وأصناماً يعبدونهم ويطيعونهم، وظلم الناس لبعضهم بشتى صنوف الظلم والطغيان. ولعل على رأس هذا الأخير هو ظلم الحاكم للمحكوم.
ولقد حدثنا الشيخ الجليل (تاريخ) أن أقواماً عذبوا بفعال بعضهم، وأقواماً أخذوا بالسنين وآخرين سلط بعضهم على بعض وأخر جاءتهم المهلكات والكوارث المدمرة، كله بسبب الظلم لأنهم لم يأخذوا على يد الحاكم الظالم الذي سنّ دين -أي قانون- الظلم فيهم فقبلوا به وطبقوه، ولم يقولوا له يا ظالم، فأخذهم الله بظلمهم نكال هذا كله كما حدثنا الحبيب عليه الصلاة والسلام في الحديث عن بني إسرائيل. فإن بنى إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع على الذنب فينهاه عنه فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن { لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل } الآيات، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطراً ) -الترمذى، وابن ماجه عن ابن مسعود. الترمذى ، وابن ماجه عن أبى عبيدة مرسلاً.. جامع الأحاديث - (ج 8 / ص 468-.
وقال ابن مسعود يوشك من عاش منكم أن يري منكرا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره، وفي سنن أبي داود عن العرس بن عميرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها فمن شهد الخطيئة فكرهها في قلبه كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها)، لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب وهو فرض على كل مسلم لا يسقط عن أحد في كل حال من الأحوال. وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها ومن غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها )، وهذا مثل الذي قبله فتبين بهذا أن الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم في كل حال وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( [COLOR="Magneta)"]ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا إلا يوشك الله أن يعمهم بعقابه ) أخرجه أبو داود بهذا اللفظ، وقال قال شعبة فيه ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله )، وخرج أيضا من حديث جرير سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا )، وخرجه الإمام أحمد ولفظه: ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله )- جامع العلوم والحكم - (ج 1 / ص 321)-.
وإذن محرك قبان العدل هم خلق الله إن غيروا يتغير القبان فيصلحوا ويصلح حالهم وتنعم دنياهم برضا ربهم، وإن لم يفعلوا ورضوا بالمنكر والباطل والظلم أخذهم العذاب في حياتهم ثم يردون إلى ربهم فيسألهم لِمَ سكتم عن الحق ولم تغيروا؟ والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
يقول تعالى في سورة آل عمران " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)".. ويقول تعالى في سورة الرحمن : " يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)".
قال المفسرون: من شأنه أن يحيى ويميت، يغني فقيرا ، ويجبر كسيرا ، ويعز قومًا، ويذل قومًا، ويشفي مريضًا، ويفك عانيًا ويفرج مكروبًا، ويجيب داعيًا، ويعطي سائلا ويغفر ذنبًا إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء.
ويروي لنا الشيخ الخبير (تاريخ) بعض القصص المليئة بالعبر والعظات عن تغير أحوال الملوك والأقوام فيقول:
1. قالت هند بنت الملك النُّعمان ابن المنذر: لقد رأيتُنا ونحن مِن أعزِّ الناس وأشدِّهم مُلكاً ، ثم لم تَغِبِ الشمسُ حتى رأيتُنا ونحن أقلُّ الناس ، وأنه حقٌ على الله ألا يملأ داراً خَيْرة إلا ملأها عَبرة . وسألها رجلٌ أن تُحَدِّثه عن أمرها ، فقالت : أصبحنا ذا صباح ، وما فى العرب أحدٌ إلا يرجونا ، ثم أمسينا وما فى العرب أحد إلا يرحمُنا . وبكت أختها حُرقَةُ بنت النُّعمان يوماً ، وهى فى عِزِّها ، فقيل لها : ما يُبكيكِ ، لعل أحداً آذاك ؟ قالت : لا ، ولكن رأيتُ غَضارة فى أهلى ، وقلَّما امتلأت دارٌ سروراً إلا امتلأت حُزناً. قال إسحاق بنُ طلحة : دخلتُ عليها يوماً ، فقلتُ لها : كيف رأيتِ عبراتِ الملوك ؟فقالت : ما نحنُ فيه اليومَ خيرٌ مما كنا فيه الأمس ، إنَّا نجِدُ فى الكتب أنه ليس مِن أهل بيت يعيشون فى خيْرة إلا سيُعقَبون بعدها عَبرة ، وأنَّ الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بَطَن لهم بيوم يكرهونه ، ثم قالت :
فَأُفٍّ لِدُنْيَا لاَ يَدُومُ نَعِيمُهَا *** تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ
2. المعتمد بن عباد ملك أشبيلية - قبض عليه وعلى ولده وأخذت أمواله وأودع السجن، وسبيت زوجاته وبناته ثم أخرج من ولايته مهاناً ذليلاً، ويقضي حياته في "أغمات في بلاد المغرب" أسيراً حسيراً كسيراً، وأصبحن بناته المترفات اللائي كن يخلط لهن التراب بالمسك ليمشين عليه؛ حسيرات يغزلن للناس الصوف ما عندهن ما يسترن به سوآتهن، ويأتين أباهن يوم العيد في السجن يزرنه، فيتأوه ويبكي وينشد وكان شاعراً:
ثم ما لبث الشيخ الجليل (تاريخ) يروي لنا قصصه حتى بان عليه التعب من عبر تلك القصص، فقلنا له هون عليك يا شيخنا، فقال: أتعبتني تلك الأحداث الجسام لكني أنتظر منها ما يعيد لي هيبتي على كبر، فقلنا : من تقصد، قال: أمة طال أنينها وبعد زمنها، ولم أر بعد مغيب شمسها إلا الظلام والظلم والظلمات.
قلنا يا شيخ رويدك وحنانيك، فلعلك اليوم تسجل تاريخ أمة أرادت أن تنهض من جديد، فنهض من عقال وقال: من أأمة الحبيب! –عليه الصلاة والسلام-، قلنا نعم إنها اليوم بدأت تنهض كالعنقاء، قال: مرحى، نعم وهذا ما كنت أنتظره وطال بي الإنتظار ولعل أمده قد اقترب، ولعمري ما سجلت في صحائفي الخير بمداد من ذهب، إلا على يد أمة النبي الخاتم التي خرجت من أرض العرب، فملأت الدنيا عدلاً ونوراً وعلماً وأدب.. نعم دعوني أدون زمن النهوض واطوي صفحة الزمن الخرب، ألا لا أعادك الله يا زمن النكوص والانكسار والمهانة والندب.
قلنا نعم لعل الله تعالى قد نظر لأمة حبيبه نظرة رحمة فدب فيها روح التحدي والنهوض والانطلاق من جديد، وكأنك حين تتدبر ما فعله الأبطال في تونس ومصر وليبيا ليأخذك شعور واحد وكأن الناس الذين لا قائد لهم تقودهم الملائكة فيرون في أعين البصيرة ما لا يراه آخرون في أعين البصر.. فسبحان من يقول للشيء كن فيكون، وسبحان من علمنا أننا لا يمكن أن نتغير حتى نغير ما بأنفسنا فنثور على الظلم بكل أنواعه من قهر وتكبر وتعالي وفساد وجور فنطبق سنن العدل كي نعدو لسنن التمكين.
اللَّهُمَّ ارحم امة حبيبك وأعدها إلى عهدها القديم وأعلي رايتها وعجل نصرها وسدد خطواتها وخذ بيدها إلى مرضاتك يا أرحم الراحمين...
بتصرف قليل جدا عن موقع الدكتور خالد العبيدي
العدل أساس الملك، هذا هو ما نصر الله به جنده وخذل بنقيضه أعداءه، وهذا هو ما قامت به السماوات والملكوت، إنه العدل قبان ميزان القوى في ملكوت الله تعالى ومنه سفينتنا التي نحيا عليها.
فالعدل نقيض الظلم، والظلم صنفان، ظلم الناس لربهم باتخاذهم طواغيت وأصناماً يعبدونهم ويطيعونهم، وظلم الناس لبعضهم بشتى صنوف الظلم والطغيان. ولعل على رأس هذا الأخير هو ظلم الحاكم للمحكوم.
ولقد حدثنا الشيخ الجليل (تاريخ) أن أقواماً عذبوا بفعال بعضهم، وأقواماً أخذوا بالسنين وآخرين سلط بعضهم على بعض وأخر جاءتهم المهلكات والكوارث المدمرة، كله بسبب الظلم لأنهم لم يأخذوا على يد الحاكم الظالم الذي سنّ دين -أي قانون- الظلم فيهم فقبلوا به وطبقوه، ولم يقولوا له يا ظالم، فأخذهم الله بظلمهم نكال هذا كله كما حدثنا الحبيب عليه الصلاة والسلام في الحديث عن بني إسرائيل. فإن بنى إسرائيل لما وقع فيهم النقص كان الرجل فيهم يرى أخاه يقع على الذنب فينهاه عنه فإذا كان الغد لم يمنعه ما رأى منه أن يكون أكيله وشريبه وخليطه فضرب الله قلوب بعضهم ببعض ونزل فيهم القرآن { لعن الذين كفروا من بنى إسرائيل } الآيات، فقال عليه الصلاة والسلام: ( لا حتى تأخذوا على يد الظالم فتأطروه على الحق أطراً ) -الترمذى، وابن ماجه عن ابن مسعود. الترمذى ، وابن ماجه عن أبى عبيدة مرسلاً.. جامع الأحاديث - (ج 8 / ص 468-.
وقال ابن مسعود يوشك من عاش منكم أن يري منكرا لا يستطيع له غير أن يعلم الله من قلبه أنه له كاره، وفي سنن أبي داود عن العرس بن عميرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إذا عملت الخطيئة في الأرض كان من شهدها فكرهها كمن غاب عنها ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها فمن شهد الخطيئة فكرهها في قلبه كان كمن لم يشهدها إذا عجز عن إنكارها بلسانه ويده ومن غاب عنها فرضيها كان كمن شهدها وقدر على إنكارها ولم ينكرها)، لأن الرضا بالخطايا من أقبح المحرمات ويفوت به إنكار الخطيئة بالقلب وهو فرض على كل مسلم لا يسقط عن أحد في كل حال من الأحوال. وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( من حضر معصية فكرهها فكأنه غاب عنها ومن غاب عنها فأحبها فكأنه حضرها )، وهذا مثل الذي قبله فتبين بهذا أن الإنكار بالقلب فرض على كل مسلم في كل حال وأما الإنكار باليد واللسان فبحسب القدرة كما في حديث أبي بكر الصديق رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: ( [COLOR="Magneta)"]ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي ثم يقدرون على أن يغيروا فلا يغيروا إلا يوشك الله أن يعمهم بعقابه ) أخرجه أبو داود بهذا اللفظ، وقال قال شعبة فيه ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أكثر ممن يعمله )، وخرج أيضا من حديث جرير سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول: ( ما من رجل يكون في قوم يعمل فيهم بالمعاصي يقدرون أن يغيروا عليه فلم يغيروا إلا أصابهم الله بعقاب قبل أن يموتوا )، وخرجه الإمام أحمد ولفظه: ( ما من قوم يعمل فيهم بالمعاصي هم أعز وأكثر ممن يعمله )- جامع العلوم والحكم - (ج 1 / ص 321)-.
وإذن محرك قبان العدل هم خلق الله إن غيروا يتغير القبان فيصلحوا ويصلح حالهم وتنعم دنياهم برضا ربهم، وإن لم يفعلوا ورضوا بالمنكر والباطل والظلم أخذهم العذاب في حياتهم ثم يردون إلى ربهم فيسألهم لِمَ سكتم عن الحق ولم تغيروا؟ والله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم.
يقول تعالى في سورة آل عمران " قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (26) تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ (27)".. ويقول تعالى في سورة الرحمن : " يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ (29)".
قال المفسرون: من شأنه أن يحيى ويميت، يغني فقيرا ، ويجبر كسيرا ، ويعز قومًا، ويذل قومًا، ويشفي مريضًا، ويفك عانيًا ويفرج مكروبًا، ويجيب داعيًا، ويعطي سائلا ويغفر ذنبًا إلى ما لا يحصى من أفعاله وإحداثه في خلقه ما يشاء.
ويروي لنا الشيخ الخبير (تاريخ) بعض القصص المليئة بالعبر والعظات عن تغير أحوال الملوك والأقوام فيقول:
1. قالت هند بنت الملك النُّعمان ابن المنذر: لقد رأيتُنا ونحن مِن أعزِّ الناس وأشدِّهم مُلكاً ، ثم لم تَغِبِ الشمسُ حتى رأيتُنا ونحن أقلُّ الناس ، وأنه حقٌ على الله ألا يملأ داراً خَيْرة إلا ملأها عَبرة . وسألها رجلٌ أن تُحَدِّثه عن أمرها ، فقالت : أصبحنا ذا صباح ، وما فى العرب أحدٌ إلا يرجونا ، ثم أمسينا وما فى العرب أحد إلا يرحمُنا . وبكت أختها حُرقَةُ بنت النُّعمان يوماً ، وهى فى عِزِّها ، فقيل لها : ما يُبكيكِ ، لعل أحداً آذاك ؟ قالت : لا ، ولكن رأيتُ غَضارة فى أهلى ، وقلَّما امتلأت دارٌ سروراً إلا امتلأت حُزناً. قال إسحاق بنُ طلحة : دخلتُ عليها يوماً ، فقلتُ لها : كيف رأيتِ عبراتِ الملوك ؟فقالت : ما نحنُ فيه اليومَ خيرٌ مما كنا فيه الأمس ، إنَّا نجِدُ فى الكتب أنه ليس مِن أهل بيت يعيشون فى خيْرة إلا سيُعقَبون بعدها عَبرة ، وأنَّ الدهر لم يظهر لقوم بيوم يحبونه إلا بَطَن لهم بيوم يكرهونه ، ثم قالت :
فَأُفٍّ لِدُنْيَا لاَ يَدُومُ نَعِيمُهَا *** تَقَلَّبُ تَارَاتٍ بِنَا وَتَصَرَّفُ
2. المعتمد بن عباد ملك أشبيلية - قبض عليه وعلى ولده وأخذت أمواله وأودع السجن، وسبيت زوجاته وبناته ثم أخرج من ولايته مهاناً ذليلاً، ويقضي حياته في "أغمات في بلاد المغرب" أسيراً حسيراً كسيراً، وأصبحن بناته المترفات اللائي كن يخلط لهن التراب بالمسك ليمشين عليه؛ حسيرات يغزلن للناس الصوف ما عندهن ما يسترن به سوآتهن، ويأتين أباهن يوم العيد في السجن يزرنه، فيتأوه ويبكي وينشد وكان شاعراً:
فيما مضى كنت بالأعياد مسروراً**فساءك العيد في أغمات مأسوراً
ترى بناتـــك في الأطمـــــار جائعة ** يغزلن للنــــاس ما يملكن قطميرا
برزن نحـــوك للتسليم خاشــــــعة ** أبصــــــــــارهـن حسيرات مكــــــــاسيرا
يطــأن في الطين والأقدام حافية ** كأنهــــــــــا لم تطأ مسـكـــا وكافـورا
من بــات بعـــدك في ملك يسر به ** فإنمـا بات بالأحـــــــلام مغرورا
ترى بناتـــك في الأطمـــــار جائعة ** يغزلن للنــــاس ما يملكن قطميرا
برزن نحـــوك للتسليم خاشــــــعة ** أبصــــــــــارهـن حسيرات مكــــــــاسيرا
يطــأن في الطين والأقدام حافية ** كأنهــــــــــا لم تطأ مسـكـــا وكافـورا
من بــات بعـــدك في ملك يسر به ** فإنمـا بات بالأحـــــــلام مغرورا
ثم ما لبث الشيخ الجليل (تاريخ) يروي لنا قصصه حتى بان عليه التعب من عبر تلك القصص، فقلنا له هون عليك يا شيخنا، فقال: أتعبتني تلك الأحداث الجسام لكني أنتظر منها ما يعيد لي هيبتي على كبر، فقلنا : من تقصد، قال: أمة طال أنينها وبعد زمنها، ولم أر بعد مغيب شمسها إلا الظلام والظلم والظلمات.
قلنا يا شيخ رويدك وحنانيك، فلعلك اليوم تسجل تاريخ أمة أرادت أن تنهض من جديد، فنهض من عقال وقال: من أأمة الحبيب! –عليه الصلاة والسلام-، قلنا نعم إنها اليوم بدأت تنهض كالعنقاء، قال: مرحى، نعم وهذا ما كنت أنتظره وطال بي الإنتظار ولعل أمده قد اقترب، ولعمري ما سجلت في صحائفي الخير بمداد من ذهب، إلا على يد أمة النبي الخاتم التي خرجت من أرض العرب، فملأت الدنيا عدلاً ونوراً وعلماً وأدب.. نعم دعوني أدون زمن النهوض واطوي صفحة الزمن الخرب، ألا لا أعادك الله يا زمن النكوص والانكسار والمهانة والندب.
قلنا نعم لعل الله تعالى قد نظر لأمة حبيبه نظرة رحمة فدب فيها روح التحدي والنهوض والانطلاق من جديد، وكأنك حين تتدبر ما فعله الأبطال في تونس ومصر وليبيا ليأخذك شعور واحد وكأن الناس الذين لا قائد لهم تقودهم الملائكة فيرون في أعين البصيرة ما لا يراه آخرون في أعين البصر.. فسبحان من يقول للشيء كن فيكون، وسبحان من علمنا أننا لا يمكن أن نتغير حتى نغير ما بأنفسنا فنثور على الظلم بكل أنواعه من قهر وتكبر وتعالي وفساد وجور فنطبق سنن العدل كي نعدو لسنن التمكين.
اللَّهُمَّ ارحم امة حبيبك وأعدها إلى عهدها القديم وأعلي رايتها وعجل نصرها وسدد خطواتها وخذ بيدها إلى مرضاتك يا أرحم الراحمين...
بتصرف قليل جدا عن موقع الدكتور خالد العبيدي
التعديل الأخير: