زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر -.جزء 1 - ..دراسة تحليلية بقلم دكتور كمال خلف الطويـل
مرة أخري ، أرجع إلي الدراسة التحليلية التي كتبها الدكتور كمال خلف الطويل ، عن عبدالحكيم عامر والتي ننشرها في موقع ســامي شرف ، سكرتير جمال عبدالناصر ووزير شئون رئاسة الجمهورية سابقا ، والذي نخصصه للتطرق ونشر التفاصيل عن حــروب جمال عبدالناصر .... 67 ، حرب الأستنزاف .. وطبعا حرب 1956
وقد سمح لنا الصديق العزيز الدكتور كمال خلف الطويل ، بننشر تلك الدراسة علي الموقع ، حيث نتطرق إلي حرب 1967 وتطوراتها وملابساتها زننشر الخرائط والوثائق والصور ، بحيث يتمكن الباحث ، من العثور علي ما يسعي إليه ... وبشكل متركز عند الدخول لمواضيع الموقع ، وفي موقع واحد
http://samy-sharaf1.bravehost.com/
ويرجي العلم ، بأننا ما زلنا نضيف إليهم يوميا ، العديد ... ومن أقلام ... مؤيدة .. ومعارضة
أنشر هنا ، جميع موضوع التحليل ، وتبعا للفهرس والتقسيم الذي وضعه الدكتور كمال خلف الطويل ، ويرجي ملاحظة ، أنه نظرا لضخامة الموضوع ، فسيتم نشره علي عدة أجـــزاء منفصلة
د. يحي الشاعر
</H1>زيارة جديدة لعبد الحكيم عامر
دراسة تحليلية
بقلم
دكتور كمال خلف الطويـل
جـزء 1
سال الحبر كثيرا على سيرة عامر، بعضه من محازبيه - كصلاح نصر -بتحيز شبه سافر له، وجله متناثر هنا وهناك، قليله جاد، وكثيره إثاروي.
ولعل الرجل واحد من قلائل طبعوا بصمتهم على التجربة الناصرية عبر كل سنوات الصعود والسقوط، ولذا فدرس دوره يستوجب مزيجا من التحقيب الزمني والتأطير المكاني
الــفــهــرســت
- 1 عبد الحكيم عامر عسكريا
2 عبد الحكيم عامر داخليا
- 1.1 حرب السويس
- 1.2 حرب اليمن
- 1.3 حرب 67
- 3 عبد الحكيم عام اجتماعيا
- 4 عبد الحكيم عامر عربيا
5 عبد الحكيم عامر دوليا
- 4.1 لنتأمل معا حكاية داود عويس
- 6 عبد الحكيم عامر ورفاقه
- 7 كيف نظر عامر لعبد الناصر؟
- 8 عبد الحكيم عامر في ميزان التاريخ
- 8.1 حادثتان بعينهما تدلان على ذاك القول
عبد الحكيم عامر عسكريا
بداية فهو كان برتبة رائد صبيحة الثالث والعشرين من يوليو، لكنه تميز بخصائص ثلاث سبقت دوره ذلك اليوم:
الأول: هو تآخيه مع جمال عبد الناصر. عمر ذاك التآخي – قبل الإنقلاب – سنوات عشر بدأت في السودان، وتبرعمت على أرضية انتمائهما للصعيد، وأزهرت من واقع تكامل الشخصيتين: جمال الجاد القارئ والساحر بغموضه .... وعبد الحكيم المرح الدافئ والآسر للقلوب.
والثابت أن هذا التكامل لعب دورا حاسما في إنشاء تنظيم الضباط الأحرار أواخر عام 49 ، إذ كان عبد الحكيم الأنشط في تجنيد الضباط لثقتهم به وحبهم له – وهو الذي كان من الشجعان البواسل في حرب فلسطين – بينما تفرغ جمال لتجميع الخيوط والإشراف العام وتقريب المجاميع ذات الألوان المتباينة.
في فترة السنوات العشر تلك كان عبد الحكيم أحد اثنين أودع فيهما جمال محبته وثقته ..
أما الثاني فهو خالد محي الدين – وهو من رتبة عبد الحكيم أي أخفض برتبة من جمال -. من هنا نرى أن أكبر أولاد جمال سمي خالد تيمنا بمحي الدين وأن الثالث سمي عبد الحكيم تيمنا بعامر، وأما الثاني عبد الحميد فكان سمي خاله عبد الحميد كاظم صديق جمال الحميم من خارج السلك العسكري.
لنلحظ أن كلا من جمال وعبد الحكيم وخالد بعد العودة من السودان وفي أعقاب مذلة 4 فبراير1942 جربوا مسار الإخوان المسلمين عبر صلتهم بالضابط الإخواني المتقاعد محمود لبيب الذي وصلهم بإمام الإخوان حسن البنا والذي أقرّ لهم عضوية التنظيم السري الخاص في شعبة مستقلة للضباط.
كان معهم في ذاك التنظيم عبد المنعم عبد الرؤوف ومعروف الحضري وحسين حمودة وأبو المكارم عبد الحي وصلاح خليفة، وهم من بقوا فيه حتى بعد يوليو 52، وكذلك كمال الدين حسين وحسين الشافعي وغيرهم ممن أوقف علاقته بالتنظيم عشية حرب فلسطين كما فعل عبد الناصر وصحبه.
عاد جمال والآخرين من حرب فلسطين وهم مصممون على إنشاء تنظيم للضباط يحتفظ باستقلاله عن الأحزاب – ومنها الإخوان – ويجمع كل التنظيمات العديدة المتناثرة في أوساط الضباط، وكلها تشترك في معاداة الاحتلال البريطاني وفي النقمة على سلوك الملك فاروق، شخصا كان أم حاكما، خصوصا في حرب فلسطين.
ثاني الخصائص: هو أنه ابن أخت الفريق محمد حيدر القائد العام للقوات المسلحة.
ليس عسيرا أن يتصور المرء مدى فائدة هذه القرابة في التعرف على أحشاء المؤسسة العسكرية من حيث تتجمع كل مصادر المعلومات ثم في استكناه ما يدور حولها في مؤسستي القصر ورئاسة الحكومة.
ساعد في هذا الدور تواجد الرائد صلاح سالم مديرا لمكتب الفريق حيدر قبل نقله لرفح عشية الانقلاب.
ثالث الخصائص: هو قربه الشديد من اللواء محمد نجيب مدير سلاح الشاة. حارب عامر بإمرة نجيب في فلسطين وتوثقت بينهما عرى المودة لدرجة أن عامر هو من زكى اختيار نجيب واجهة للإنقلاب في أوائل صيف 52 خصوصا بعد اعتذار اللواء فؤاد صادق قائد قوات فلسطين.
كان عبد الحكيم عضوا في التشكيل الأول للجنة التأسيسية لتنظيم الضباط الأحرار والذي ضم إضافة له ولعبد الناصر: عبد اللطيف البغدادي وكمال الدين حسين وخالد محي الدين وحسن إبراهيم وعبد المنعم عبد الرؤوف فرست على أعضاء سبعة.
تولى عامر منصب مدير مكتب القائد العام اللواء محمد نجيب، حال نجاح الانقلاب، وجاء تنسيبه لوثوق علاقته معه، وليكون عينا عليه في آن. ولعام كامل استمر عامر في منصبه إلى أن استقر قرار مجلس القيادة على إعلان الجمهورية وتنصيب محمد نجيب كأول رئيس لها في يونيو 53.
حينها عزم عبد الناصر على ترفيع صنوه عامر لرتبة اللواء وتعيينه قائدا عاما للقوات المسلحة خلفا لنجيب. بلع الأخير الموس، رغم عدم اقتناعه بصواب التعيين، وذلك لحرجه أمام صفيه عامـر، ولعدم قدرته – عند حسـبان موازين القوى – على رده.
كان هدف عبد الناصر هو ابتعاد كل أعضاء مجلس الثورة – وليس فقط نجيب – عن القوات المسلحة وتسليم كل مقاليدها لعامر ليكون القناة الوحيدة للاتصال بها. لم يكن هناك أجدر من عامر لتأمين القوات المسلحة سياسيا فهو الأقرب والأوثق إلى عبد الناصر وهو الأكثر شعبية بين الضباط وخصوصا متوسطي وصغار الرتب.
كان اختبار مارس 54 شبه ناجح لقيادة عامر للقوات المسلحة، إذ كان واسطة العقد بين سلاحي المدفعية والطيران في تصديهما لسلاح المدرعات وإجهاض محاولته الانقلابية على مجلس القيادة ولصالح خالد محي الدين – الصاغ الأحمر – وحليفه محمد نجيب.
ما إن مرت أعوام ثلاث على توليه القيادة إلا وكان عامر قد اكتسب شعبية غلابة بين الضباط أوصلته إلى أن يقف في احتفال إهداء أعضاء مجلس القيادة قلادة النيل – يونيو 56 – ويتوجه بالقلادة نحو جموع الضباط الحاضرين في إيماءة واضحة إلى أنها بإسمهم ولهم عبره.
لم تكن تلك إشارة يخطئها الناظر الحصيف خصوصا وأنه – في تلك الآونة – احتج عامر بشدة على تكليف عبد الناصر إبراهيم الطحاوي – أحد الضباط الأحرار من الصف الثاني – تشكيل تنظيم سري من طلاب الضباط.
مرت تلك الحادثة دون كثير أثر لرجحان عوامل القربى بين الرجلين على أي أمر آخر، لكن محطة بدت فاصلة مع نهاية 56 هي محطة حرب السويس.
حرب السويس
توجل عامر خشية عندما سمع عبد الناصر يفاتحه في أمر تأميم القنال قبل أيام قلائل من إعلانه. كان رأيه أن ذلك سيستدعي غزوا بريطانيا ليس لقوات مصر المسلحة قبل في التصدي له بنجاح وهي التي بدأت منذ شهور فقط في التزود بالسلاح السوفياتي الحديث. لم يكن أي منهما يتوقع تواطأَ بريطانيا مع إسرائيل بالمطلق وإن كان توقع الاشتراك الفرنسي أقل استبعادا.
خضع عامر لقرار عبد الناصر مضطرا وقام مع هيئة أركانه بإعادة توزيع القوات لتعزيز محور الإسكندرية – القاهرة بظن أن اتجاه الغزو قادم من هناك. حاول عبد الحكيم عامر أيضا تفعيل التنسيق العسكري مع سوريا والأردن – وفق اتفاقية دفاع مشترك – فقام بزيارة دمشق أواخر أكتوبر لهذا الغرض. رصدت إسرائيل طائرتي عامر عند انطلاقهما من مطار المزة بدمشق يوم 28 أكتوبر فقامت بإسقاط الأولى في الإقلاع بظن أنها التي تحمل عامر بينما – واقعا – كانت تحمل مجموعة من المرافقين.
نجا عامر بأعجوبة من الكمين الجوي الإسرائيلي ليجد أن قوات إسرائيل انطلقت عبر سيناء في اليوم التالي مع إنزال مظلي على خط الدفاع الثالث – مضيق متلا. ارتبك عامر وهو الذي لم يتوقع هجوم إسرائيل على سيناء وإنما على الضفة الغربية – بسبب أعمال الفدائيين المدربين والمرعيين مصريا المنطلقة منها إلى عمق إسرائيل -.
قرر على الفور الدفع بقوات كبيرة إلى سيناء: أولا بهدف تدمير اللواء المظلي في متلا... وثانيا بهدف الاشتباك وسط صحن سيناء مع قوات الهجوم الإسرائيلية.
كانت أيام 29 و 30 و 31 أكتوبر أيام اشتباك بري وجوي شامل بين قوات مصر وإسرائيل. كانت هناك مظلة جوية فرنسية فوق إسرائيل وحماية بحرية فرنسية لسواحل إسرائيل.
تكفل هذين العاملين في إفشال أي اختراق جوي أو بحري مصري ذو قيمة لحدود إسرائيل. من هنا سقوط المدمرة إبراهيم - فخر البحرية المصرية - في الأسر أمام ميناء يافا أثناء محاولتها الاقتراب منه تمهيدا لقصفه.
لم تستطع القوات المصرية زحزحة لواء شارون المظلي عن ممر متلا ولا الوصول إلى صحن سيناء بحجم كاف لإدارة معركة تعرضية.
ثم ما إن بدت ملامح بعض من تحشد مع نهاية اليوم الثاني للحرب حتى داهم القيادة المصرية خبر الإنذار البريطاني – الفرنسي المشترك مساء 30 أكتوبر.
عند ذاك المنعطف الخطير للحوادث أصاب الشلل تفكير عامر لدرجة الخطورة الفائقة.
كان قرار عبد الناصر في ضوء الإنذار هو انسحاب كامل القوات من سيناء في غضون يوم وتجمعها في منطقة القنال لتقاتل معركة تعويق ضد الإنزال البريطاني – الفرنسي المرتقب فيها.
عاند عامر في رفضه هذا الانسحاب وفي تصميمه على الاستمرار في قتال إسرائيل داخل سيناء مبددا ساعات ثمينة كان يمكنها أن تيسر انسحابا عاجلا قبل نفاذ موعد الإنذار وبدء القصف الجوي المعادي.
فرض عبد الناصر – بعد لأي – الانسحاب على عامر وهيئة أركانه ولكن بثمن باهظ بعض الشيء. إذ تعرضت الفرقة المدرعة الرابعة – جوهرة العسكرية المصرية – إلى قصف جوي مركز وهي تعبر ممر الجفجافة ومن ثم كوبري الفردان عائدة لمنطقة القنال.
وسط أجواء الخيبة هذه كانت شعلة الضياء هي قدرة لواء المشاة في المحور الأوسط – أبو عجيلة/القسيمة - بقيادة العقيد سعد متولي على تحطيم موجات الهجوم الإسرائيلي مما دفع موشي ديان رئيس الأركان الإسرائيلي إلى إقالة قائد اللواء المدرع المهاجم وسط المعركة وإبداله بغيره.
كان في سيناء عشية الإنذار فرقة المشاة الثانية، وهي المقيمة في سيناء، وفرقة المدرعات الرابعة التي وفدت إليها قبل يوم فقط، وكذلك وحدات متفرقة أخرى تقصر كلها عن مجموع فرقة.
ما انتهى إليه الحال هو وحدات مشتتة وممزقة ترتع خسائرها على طرق سيناء، وكذلك طريق الإسماعيلية
– القاهرة، بما دفع عبد الناصر يوم 2 نوفمبر على القول وهو يعاينها في طريقه من القاهرة للإسماعيلية: لقد هزمني جيشي.
والقاطع أن إدارة عبد الحكيم عامر للمعركة كانت على درجة من الهزال لم تخفى على أحد من أعضاء مجلس القيادة القديم الذين تجمعوا في مقر القيادة العسكرية بين الفينة والأخرى.
والأدهى والأمر أنه حين صدر الإنذار وانهارت أعصاب صلاح سالم مطالبا عبد الناصر بتسليم نفسه للسفارة البريطانية والاستسلام إنقاذا لمصر، تعاطف عبد الحكيم مع هذا الرأي لبرهة من الوقت بحجة أنه لا قبل لمصر برد العدوان في ضوء قدراتها العسكرية المحدودة قياسا.
تمالك عبد الحكيم نفسه بعد أن رفضت أغلبية المجلس هذا الخوار، وبعد أن ابتعد صلاح سالم إلى السويس ليقود المقاومة الشعبية هناك مدللا على تماسكه وبأسه.
ولعل من علائم سوء قيادة عبد الحكيم هو أنه توفر للطيران المصري مدة 24 ساعة إنذار ليقوم بعملية إخلاء سريعة للقواعد الجوية ناجيا بنفسه إلى السودان والسعودية وأعماق الصعيد... لكن ما حدث هو أنه ربض في قواعده بأمر قيادته – صدقي محمود – المحسوبة على عبد الحكيم مكشوفا في العراء وعرضة للتدمير الساحق، وهو فعلا ما جرى منذ غروب 31 أكتوبر.
أسفرت حرب السويس عن شرخ صامت في العلاقة بين "الأخوين" ناصر وعامر سرعان ما تبدى في طلب الأول تبديل القيادات العسكرية الكبيرة – وليس فقط قيادة بور سعيد الفاشلة -.
انتفض عامر معارضا وبحزم لهذا الطلب بحجة أنها – أي القيادات – ما كان في مقدورها أن تؤدي بأفضل في وجه حملة ثلاثية عاتية، وأن الإنصاف يقضي بإعطائها فرصة أخرى لتستوعب السلاح والعقيدة السوفياتية فتتفادى في مواجهات المستقبل أخطاء الماضي.
خضع عبد الناصر لضغط عامر بل ورفعّه لرتبة الفريق رمزا للتوافق وطي الصفحة. وبالفعل قٌسّم مكتب القائد العام إلى قسمين: الأول للشؤون العسكرية على رأسه ضابط قدير هو العميد حافظ إسماعيل، والثاني للشؤون العامة (التأمين السياسي) على رأسه عباس رضوان (بعد خروج صلاح نصر منه إلى المخابرات العامة) ومعه توفيق عبد الفتاح وشمس بدران.
وما لبث أن أوفد مئات الضباط للدراسة في أكاديمة فرونزي العسكرية في الاتحاد السوفياتي واستجلب مئات المدربين السوفيات للعمل في القوات المسلحة
والحق أن فترة 57-62 كانت فترة زاهية من عمر الجيش المصري الحديث تمت فيه عملية إعادة بناء واسعة – رغم ثغرات قيادية سبقت الأشارة إليها.
والدليل على ذلك هو ما جرى في فبراير 60: حينها شنت إسرائيل عملية عسكرية واسعة النطاق ضد الجيش الأول – السوري – في منطقة التوافيق. لم يطل عبد الناصر صبرا إذ قرر حشد قواته في سيناء نصرة للشمال وتخفيفا للضغط عنه. وفي لمح البصر احتشدت فرق ثلاث من الجيش الثاني – المصري – في سيناء مقتربة من خط الحدود ومستعدة للانطلاق نحو النقب إن لم تتوقف إسرائيل عن عملية الضغط على الشمال.
لم يعلن عبد الناصر حينها شيئا عن الحشد ولم يطلب سحب قوات الطوارئ الدولية من خط الحدود لكن بـن غوريون فهم جيدا أنه أمام خطر ماحق وهو اجتماع الجنوب والشمال معا حوله في كسارة بندق لا تٌحتمل خصوصا وأن طرف الكسارة الأقوى من الجنوب قادر ومقتدر. وفي صمت خنوع أوقف بـن غوريون عملياته في الشمال ثم تلا ذلك تخفيف عبد الناصر التدريجي لحشده في سيناء.