مسألة: هل يعذب الميت ببكاء أهله عليه؟

IF-15C

عضو مميز
إنضم
3 سبتمبر 2007
المشاركات
2,746
التفاعل
81 0 0
ظَافِرُ بْنُ حَسَنْ آل جَبْعَان

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على خاتم النبيين وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد:
فقد ورد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - كما في حديث عبدالله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: اشتكى سعد بن عبادة شكوى له فأتاه النبي - صلى الله عليه وسلم - يعوده مع عبدالرحمن بن عوف وسعد بن أبي وقاص وعبدالله بن مسعود رضي الله عنهم، فلما دخل عليه فوجده في غاشية أهله فقال:" قد قضى" قالوا: لا يا رسول الله فبكى النبي - صلى الله عليه وسلم - فلما رأى القوم بكاء النبي - صلى الله عليه وسلم - بكوا فقال:« أَلاَ تَسْمَعُونَ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُعَذِّبُ بِدَمْعِ الْعَيْنِ، وَلاَ بِحُزْنِ الْقَلْبِ، وَلَكِنْ يُعَذِّبُ بِهَذَا - وَأَشَارَ إِلَى لِسَانِهِ - أَوْ يَرْحَمُ وَإِنَّ الْمَيِّتَ يُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ عَلَيْهِ » (1).

وقد اختلف العلماء في الإجابة عن هذا الحديث على ثمانية أقوال، وأقربها إلى الصواب قولان:
الأول: ما ذهب إليه الجمهور(2)، وهو محمول على من أوصى بالنوح عليه، أو لم يوصِ بتركه، مع علمه بأن الناس يفعلونه عادةً، ولهذا قال عبدالله بن المبارك:( إذا كان ينهاهم في حياته ففعلوا شيئاً من ذلك بعد وفاته، لم يكن عليه شيءٌ)، والعذاب عندهم بمعنى العقاب.

الثاني: أن معنى « يُعَذَّبُ » أي يتألم بسماعه بكاء أهله ويرق لهم ويحزن، وذلك في البرزخ، وليس يوم القيامة؛ وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطبري وغيره، ونصره ابن تيمية، وابن القيم وغيرهما؛ وقالوا:( وليس المراد أن الله يعاقبه ببكاء الحي عليه، والعذاب أعم من العقاب كما في قوله - صلى الله عليه وسلم -:« الْسَّفَرُ قِطْعَةٌ مِنْ الْعَذَابِ »، وليس هذا عقاباً على ذنب، وإنما هو تعذيب وتألم)(3).

ورجـح هذا القول الإمام القـرافي (ت:684هـ) - رحمه الله تعالى - فقال:(وهذا الوجه عندي هو الفرق الصحيح، ويبقى اللفظ على ظاهره، ويستغنى عن التأويل، وتخطئة الراوي، وما ساعده الظاهر من الأجوبة كان أسعدها، وأولاها)(4).

قال الإمام النووي(ت:676هـ) - رحمه الله تعالى -:( وإلى هذا ذهب محمد بن جرير الطّبري وغيره. وقال القاضي عياض: وهو أولى الأَقوال, واحتجوا بحديث فيه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - زجر امرأة عن البكاء على أبيها وقال: « إِنَّ أَحَدَكُمْ إِذَا بَكَى اسْتَعْبَرَ لَهُ صُوَيْحِبَهُ فَيَا عِبَادَ اللَّهِ لا تُعَذِّبوا إِخْوَانَكُمْ » (5).
وقد حكى النووي - رحمه الله تعالى - إجماع العلماء على اختلاف مذاهبهم، على أن المراد بالبكاء الذي يعذب الميت هو البكاء بصوت ونياحة، لا بمجرد دمع العين(6).
والله تعالى أعلم وأحكم


--------------------------
(1) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز: باب البكاء عند المريض(الفتح3/527برقم:1304)، وأخرجه مسلم في كتاب الجنائز: باب البكاء على الميت(2/636برقم:924).
(2) المجموع (5/282)، المغني(3/494)، شرح مسلم للنووي(5/325)، نيل الأوطار(4/125).
(3) أحكام الجنائز للألباني(ص:41-42).
(4) الفروق للقرافي(2/296).
(5) شرح مسلم للنووي(5/325)؛ وانظر سبل السلام(2/235).
(6) المجموع (5/282)، وانظر نيل الأوطار(4/128).



 
اللهم لا تعذبنا بعد موتنا و ارحمنا.
بارك الله فيك اخي خالد
 
عودة
أعلى