وضعية الجيوش في النظم الديمقراطية
كتب:عبد المعطى ذكى إبراهيم - 2012-01-14 15:13:10
من الأهمية بمكان التعرض لموضوع العلاقة بين الجيش والسياسة والسلطة، في الدولة الديمقراطية الحديثة، والدور الحيادي الذي يلعبه الجيش في عملية التنافس السلمي على السلطة واقتصار هذا الدور في المحافظة على كيان الوطن والدولة من التهديدات الخارجية. وليس هناك من طريق للحفاظ على مدنية الدولة أو بمعنى أدق أن تكون المؤسسات السياسية المنتخبة معبرة عن إرادة الأمة إلا بالتحديد الدقيق، المترجم دستوريًا لدور الجيش.
[FONT="]من المعروف أن الجيش في النظام السياسي الديمقراطي هو مؤسسة سيادية كغيرها من المؤسسات السيادية المتعددة المنصوص عليها دستورياً، كالبرلمان والقضاء ورئاسة الدولة ... ، وهي المؤسسة التي تتمتع بالاستقلال والحياد التامين تجاه النظام السياسي القائم (الحكومة).[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]والدولة الديمقراطية لا تعرف ظاهرة الانقلابات العسكرية، أو ظاهرة تدخل الجيش في الشأن السياسي ، من خلال الانتصار لفريق سياسي ضد آخر خلال عملية التنافس السلمي على السلطة، وذلك لكون السياسة في النظام الديمقراطي مجرد لعبة مدنية صرفة، ومجال مفتوح لجميع المواطنين، وحق من حقوقهم المدنية التي كفلها القانون والدستور سواء من حيث تشكيل الأحزاب السياسية والانتخاب والترشح في الانتخابات العامة.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]والجيش ركن سيادي من أركان الدولة الديمقراطية الحديثة، وليس أداة بيد السلطة الحاكمة، ولا يمارس إلا المهام المقررة له دستورياً وهي: حفظ كيان الوطن والدولة من الأخطار الخارجية[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]ولم يعرف التاريخ السياسي للدول الديمقراطية الأوروبية ( إلا في حالات نادرة أو ملتبسة كما حدث في اليونان) ظاهرة الانقلابات العسكرية ، أو تدخل الجيش في الشؤون السياسية من حيث فرض حكومات أو إسقاطها، ولم يعرف انتشار وباء الحزبية فيه، ولا يعتمد إلا الكفاءة في العمل العسكري، وبعبارة موجزة:[/FONT][FONT="] الجيش هناك[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]جيش محترف دون تدخل في السياسة.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]ولعل المدخل الأول لفهم الوضع الاعتباري للجيش في الدولة الديمقراطية هو ضرورة التمييز القاطع بين الدولة والسلطة، وذلك يقتضى التمييز بين مصطلحي الدولة والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]فالدولة هي الكيان السياسي للشعب، المتجسد في نظام مؤسسي يعبر عن ماهية هذا الشعب، ويحقق مبدأ سيادته على نفسه وأرضه ومنافعه، بمعنى أنها لا تتغير بتغير الحكومة، فهي كيان حيادي بالضرورة ويطلق عليها عموما الجهاز الإداري[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]أما السلطة فهي تعبير عن توازن القوى السياسية والاجتماعية في فترة زمنية محددة، والمنتمية إلى حقل الممارسات السياسية، أى انها تتغير بتغير القوى السياسية والتى تتحدد من خلال العمليه الإنتخابيه تحقيقا لمبدأ تداول السلطة الراسخ في الدول الديمقراطية[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]هناك قاعدتان أساسيتان نرى ضرورة الإشارة إليهما بشيء من التفصيل نظراً لتلازمهما العضوي مع الموضوع وبدونهما لا تتحقق عملية ديمقراطية حقيقية[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]القاعدة الأولى: تقوم على التمييز القاطع بين السيادة والسياسة [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]فالسيادة هي مجال التعبير عن كيان الأمة والدولة ككل، والتي يشارك المواطنون جميعاً في صنعها من خلال إقرار الدستور والقانون وانتخاب نواب الشعب، وهي الأمور التي لا تخضع للمنافسة السياسية بعد إقرارها، وإنما تخضع للإجماع الشعبي العام من خلال آلية الانتخاب، أما السياسة فهي التي يتحقق فيها مبدأ المشاركة السياسية من خلال المساهمة في إدارة الشأن العام، وصنع القرار وإدارة السلطة ومراقبتها[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وبناءً على استقلال الموضوع السيادي الكياني عن الموضوع السياسي التنافسي، لهذا يحظر على السيادي التدخل في السياسي أو العكس، وهذا ما يفرض على الجيش التزام موقف الحياد تجاه الصراع السياسي، باعتباره مؤسسة سيادية طبقاً للعقد الاجتماعي الدستوري[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أما القاعدة الثانية فهي أن النظام السياسي الديمقراطي يقوم على قاعدة تحييد العنف من الحياة السياسية واتباع الأسلوب السلمي في عملية التغيير السياسي والاجتماعي ، كونه النظام المولد لآليات التغيير الديمقراطي والمتمثلة بالعملية الانتخابية الدورية الموصلة للتداول السلمي على السلطة، وفي ظل هذا النظام لا تحتاج القوى السياسية أصلاً إلى التوسل بالانقلابات العسكرية طريقاً للوصول إلى السلطة، حيث لا يوجد إلا طريق واحد هو صندوق الاقتراع وذلك معلم رئيسى للنظم الديمقراطية.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وعليه تكون وظيفة الجيش باعتباره مخزون القوة هي الدفاع عن السيادة العليا للدولة تجاه الخارج أولاً، والدفاع عن سيادة القانون تجاه الداخل ثانياً، وذلك بتفويض من السلطتين التشريعية والقضائية ، وباشتراطات ثلاث: [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أن يكون ا لموضوع محدد المعالم وليست لمواضيع متعددة تحددها السلطة[/FONT][FONT="] .[/FONT]
[FONT="]أن يكون لمنطقة جغرافية محددة وليست لعموم جغرافية البلد وجهاته الأربع[/FONT][FONT="] .[/FONT]
[FONT="]أن يكون لفترة زمنية محددة وليست على مدى عمر النظام الحاكم[/FONT][FONT="] .[/FONT]
[FONT="] [/FONT][FONT="]الحالات الثلاث للعلاقة بين الجيش والسياسة والسلطة في النظم الاستبدادية[/FONT]
[FONT="]توجد على أرض الواقع السياسي العربي ثلاث حالات، تمثل العلاقة الشاذة بين الجيش والسياسة والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الأولى : من خلال سيطرة السياسي على الشأن العسكري[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الثانية: من خلال سيطرة العسكري على الشأن السياسي [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الثالثة : من خلال تحويل الجيش الوطني إلى جيش أهلي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الحالة الأولى : جيش السلطة الحاكمة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]يكون الجيش في هذه الحالة أداة بيد السلطة الحاكمة المستبدة، باعتبارها السلطة المهيمنة على كافة المؤسسات السيادية وفي مقدمتها مؤسسة الجيش، من خلال تسييسه وتحزيبه بسياسات الحزب الحاكم أو أيديولوجيته الحاكمة وإدخال اللوثة السياسية إليه، وإحكام السيطرة عليه، وتخليق ما يسمى بالجيش العقائدي المؤدلج، المدعي مهمة الحرب والإعمار معا، والمعتمد على الولاء الحزبي للفرد العسكري أكثر من اعتماده الكفاءة العسكرية (الولاء أولاً والكفاءة ثانياً)، وتنصب مهام الجيش في هذه الحالة على: الحفاظ على السلطة – إرهاب المجتمع – قمع المعارضة[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وقد سادت حالة سيطرة السياسي على الشأن العسكري لدى كافة الأنظمة السياسية المتسربلة بالأيديولوجيات الشمولية كما هو الحال فى حالة منظومة الدول الاشتراكية (سابقاً) تحت دعاوي أيديولوجية طبقية، وإيران تحت شعارات دينية.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الحالة الثانية : سلطة الجيش الحاكم[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]في هذه الحالة تصبح مؤسسة الجيش نفسها سلطة من خلال مصادر[/FONT][FONT="]ة الحكم والسلطة [/FONT][FONT="]والسطو عليها بطريقة الانقلاب العسكري، وتحول القيادات العسكرية إلى نخب حاكمة ترتدي الزي المدني، وتتجسد بذلك سيطرة العسكري على الشأن السياسي وانقلاب الوظيفة الأصلية للجيش والتي هي صون السيادة الوطنية إلى وظيفة سياسية تُنتقض فيها هذه السيادة.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]والهدف الأساسي من الاستيلاء على السلطة في هذه الحالة هو الحفاظ على بقاء الحكم العسكري تحت واجهات شتى وديكورات سياسية متنوعة: انتخابات أحزاب وزارة الداخلية، جبهة وطنية صورية يقودها حزب السلطة، تقييد الحريات والإعلام، قانون الطوارئ، المحاكم الاستثنائية، عدم الفصل بين السلطات، أمننة المجتمع ..... ويمكن أن تدار هذه السلطة بطريقتين:[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]الإدارة المباشرة للسلطة من خلال حكم عسكري، بالزي المدني أو العسكري[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الإدارة غير المباشرة للسلطة من وراء ستار ، ووضع شخصيات صورية في الواجهة[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]والحالة الثانية هذه (سلطة الجيش غير المباشرة ) هي التي غَلبت على المشهد السياسي العربي، والتي سادت بلدان اليسار (مصر – العراق – سورية – الجزائر – ليبيا – اليمن الديمقراطية )، والتي عمّت كلا من (فيتنام – كوريا الشمالية – كمبوديا – كوبا – تركيا – البرتغال – اليونان – إسبانيا – البرازيل – المكسيك – بعض الدول الأفريقية – بعض دول أمريكا اللاتينية وخاصة خلال مرحلة الحرب الباردة بين القطبين الرأسمالي والشيوعي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]مع الإشارة إلى أن العديد من الدول المذكورة سارت باتجاه التحول الديمقراطي باستثناء كل من (سورية – إيران – كوريا الشمالية) على صعيد القارة الآسيوية ، تحت ذرائع رسالية شمولية: قومية – دينية – طبقية على التوالي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الحالة الثالثة: الجيش العصبوي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وهي الحالة المنتشرة في دول المجتمعات التعددية غير المندمجة من حيث الأعراق والأديان والطوائف والقبائل، لمجتمع ما قبل إقامة الدولة الحديثة والتي تنعكس سلباً على مؤسسة الجيش في ظل نظام سياسي استبدادي مهيمن على السلطة، ويفرض آراءه الأيديولوجية والسياسية الأحادية على الجميع والذي يعمل جاهداً على إعاقة تحقيق الانصهار المجتمعي، من خلال اتباعه لسياسة فرق تسد بين المكونات المجتمعية والقوى السياسية المتعددة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]في هذه الحالة يتكيف الجيش ذاتياً مع المجتمع الرخو الاندماج والتي تميل صراعاته إلى التعبير عن نفسها من خلال الاقتتال الأهلي ويغدو الجيش جيش العرق أو جيش المذهب أو جيش الطائفة، ويتجه للتشظي على مقاس المجتمع الأهلي وانعكاساً له – أي على مقاس عصبياته المتدافعة – ويتحول إلى مليشيا بقوام عصبوي، وهنا يتم الانتقال من احتكار الدولة للعنف تجاه الخارج إلى خصخصة العنف تجاه الداخل [/FONT]
[FONT="]وأخيراً عندما تنفلت أمور الوطن وتتدهور ، يكون الجيش بالضرورة منحازاً وأداة بيد فريق سياسي أو عرقي أو مذهبي أو طائفي أحادي، ضد فريق آخر، نتيجة لانفراط عقد الوطن - ولا ندري إن كانت الحالة السورية في بداية هذا السيناريو أم في أتونه، والطامة الكبرى تأتي عندما تتسلح البنى العصبوية المتعددة وتأخذ شكل جيوش ميليشيوية خاصة، حينها تتعرض الوحدة الوطنية والترابية للتقسيم، ويبدأ الذبح على الهوية، عندها يكون الولاء الوطني قد أضحى في مهب الريح ( لبنان – الصومال) [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وننوه إلى أن الحالات الثلاث المذكورة سابقاً، لا تمثل كل منها حالة منفصلة عن الحالات الأخرى بكافة تفاصيلها وتضاريسها، بل قد تتداخل وتتفاعل فيما بينها، وتتطور من حالة لأخرى، وذلك تبعاً للحراك الاجتماعي، وتوازنات القوى بين السلطة والمعارضة[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أسباب اضطراب العلاقة بين الجيش والسياسة والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]إن عدم قيام علاقة سوية بين الجيش والسلطة في الوطن العربي لا يعود لمجرد غريزة شهوانية سلطوية عند بعض العسكريين العرب فحسبُ بل إن هناك أسباب موضوعية تكمن وراءها منها[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الأول: عدم وجود دولة حديثة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]إن البلدان العربية لم تشهد قيام دولة وطنية حديثة بالمعنى القانوني المتعارف عليه في الفكر السياسي الحديث (دولة مؤسسات)، بل بقيت دولة مركبة بجوهر داخلي سلطاني موروث، وذات قشور حداثية موروثة عن الإدارة الاستعمارية السابقة، لهذا كان المطلب الأول لأهل الديمقراطية والساعين إليها، هو بناء دولة وطنية ديمقراطية مدنية، باعتبارها المدخل لتأسيس علاقة صحيحة بين الجيش والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الثاني: ضعف الطبقة الوسطى[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]من المعروف أن الطبقة الوسطى هي حامل المشروع الوطني الديمقراطي كما تبلور في الغرب تاريخياً، حيث كانت هي الطبقة التي تفكر وتَكتب وتُنتج وتَتَمرد على الأوضاع القائمة، وتقود النضال الديمقراطي ضد القهر والاستبداد[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]في حين أن الطبقة الوسطى العربية بأحزابها وقواها السياسية وقياداتها الشعبية، تتسم بالضعف والهزال، لهذا بدت المؤسسة العسكرية هي الأكثر تنظيماً وانضباطاً وجاهزية لتولي وتسيير شؤون الحكم[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الثالث: المنزع الاستعجالي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]من المعلوم أن الفكر الانقلابي الثوري كان فكراً متجذراً ومتأصلاً في أغلب أدبيات الأحزاب القومية واليسارية، خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وفي مقدمتها فكرة الاستيلاء على السلطة، بالأسلوب الثوري المعهود (العنف)، وذلك بالتوازي مع الموجة الثورية التي عمت الكثير من بلدان العالم خصوصاً عقب الحرب العالمية الثانية[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]ولقد برزت أسباب عدة دفعت الثوريين العرب إلى القفز على مركب السلطة، يأتي في مقدمتها ضرورة وضع الأطروحات الفكرية والبرامج السياسية لأحزابهم موضع التنفيذ، ونكبة فلسطين عام 1948 والاحتجاجات الشعبية المستمرة على الأوضاع القائمة المتعفنة، وفي مقدمتها المسألة الاجتماعية والعدل الاجتماعي، وإرضاء النزعة التسلطية لقادة هذه الأحزاب، وعدم استعدادهم لتحمل تبعات ومشاق النضال الشعبي ونَفسِهم النضالي القصير من حيث التثقيف والتنظيم والإعداد لأفراد الشعب، علاوة على حمل هذه الأحزاب أهدافاً كبرى ورفعها لشعارات عظيمة تنوء بحملها والتي تريد تحقيقها دفعة واحدة: (الوحدة العربية ، تحرير فلسطين، الاستقلال ، الديمقراطية ، التنمية، التجدد الحضاري، العدل الاجتماعي) والتي لم تجد سبيلاً لتحقيقها غير ركوب مركب السلطة اختصاراً للزمن ورفع شعار - لا صوت يعلو فوق صوت المعركة- للإلتفاف على معركة الديمقراطية باعتبارها أم المعارك والبوابة الرئيسية لتحقيق كافة الأهداف.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وقد كانت القوى القومية من أوائل القوى التي استطاعت الاستيلاء على السلطة من خلال البيان رقم (1)، والمتبدية للعيان من خلال كثرة انقلاباتها العسكرية تحت ذرائع شتى، والتي أطلقت على نفسها لقب الأنظمة الثورية ، وبلغت ذروتها خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ( مصر – سورية – العراق – الجزائر – ليبيا – اليمن الديمقراطي )، بل قد تم القيام بالكثير منها داخل الفريق العسكري - السياسي الواحد ،(البعث السوري مثلاً) الذين تنطبق عليهم مقولة صاحب المقدمة ابن خلدون (المُلك – الحُكم - لمن يدوس الرقاب ) وذلك في معرض تحليله لأسباب قيام الدول وسقوطها مع عدم تبنيه لها طبعا.[/FONT]
كتب:عبد المعطى ذكى إبراهيم - 2012-01-14 15:13:10
[FONT="]دور الجيش في الدولة الديمقراطية[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]والدولة الديمقراطية لا تعرف ظاهرة الانقلابات العسكرية، أو ظاهرة تدخل الجيش في الشأن السياسي ، من خلال الانتصار لفريق سياسي ضد آخر خلال عملية التنافس السلمي على السلطة، وذلك لكون السياسة في النظام الديمقراطي مجرد لعبة مدنية صرفة، ومجال مفتوح لجميع المواطنين، وحق من حقوقهم المدنية التي كفلها القانون والدستور سواء من حيث تشكيل الأحزاب السياسية والانتخاب والترشح في الانتخابات العامة.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]والجيش ركن سيادي من أركان الدولة الديمقراطية الحديثة، وليس أداة بيد السلطة الحاكمة، ولا يمارس إلا المهام المقررة له دستورياً وهي: حفظ كيان الوطن والدولة من الأخطار الخارجية[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]ولم يعرف التاريخ السياسي للدول الديمقراطية الأوروبية ( إلا في حالات نادرة أو ملتبسة كما حدث في اليونان) ظاهرة الانقلابات العسكرية ، أو تدخل الجيش في الشؤون السياسية من حيث فرض حكومات أو إسقاطها، ولم يعرف انتشار وباء الحزبية فيه، ولا يعتمد إلا الكفاءة في العمل العسكري، وبعبارة موجزة:[/FONT][FONT="] الجيش هناك[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="]جيش محترف دون تدخل في السياسة.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]ولعل المدخل الأول لفهم الوضع الاعتباري للجيش في الدولة الديمقراطية هو ضرورة التمييز القاطع بين الدولة والسلطة، وذلك يقتضى التمييز بين مصطلحي الدولة والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]فالدولة هي الكيان السياسي للشعب، المتجسد في نظام مؤسسي يعبر عن ماهية هذا الشعب، ويحقق مبدأ سيادته على نفسه وأرضه ومنافعه، بمعنى أنها لا تتغير بتغير الحكومة، فهي كيان حيادي بالضرورة ويطلق عليها عموما الجهاز الإداري[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]أما السلطة فهي تعبير عن توازن القوى السياسية والاجتماعية في فترة زمنية محددة، والمنتمية إلى حقل الممارسات السياسية، أى انها تتغير بتغير القوى السياسية والتى تتحدد من خلال العمليه الإنتخابيه تحقيقا لمبدأ تداول السلطة الراسخ في الدول الديمقراطية[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]قواعد النظام الديمقراطي وعلاقتها بالمؤسسة العسكرية[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]القاعدة الأولى: تقوم على التمييز القاطع بين السيادة والسياسة [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]فالسيادة هي مجال التعبير عن كيان الأمة والدولة ككل، والتي يشارك المواطنون جميعاً في صنعها من خلال إقرار الدستور والقانون وانتخاب نواب الشعب، وهي الأمور التي لا تخضع للمنافسة السياسية بعد إقرارها، وإنما تخضع للإجماع الشعبي العام من خلال آلية الانتخاب، أما السياسة فهي التي يتحقق فيها مبدأ المشاركة السياسية من خلال المساهمة في إدارة الشأن العام، وصنع القرار وإدارة السلطة ومراقبتها[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وبناءً على استقلال الموضوع السيادي الكياني عن الموضوع السياسي التنافسي، لهذا يحظر على السيادي التدخل في السياسي أو العكس، وهذا ما يفرض على الجيش التزام موقف الحياد تجاه الصراع السياسي، باعتباره مؤسسة سيادية طبقاً للعقد الاجتماعي الدستوري[/FONT][FONT="].[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أما القاعدة الثانية فهي أن النظام السياسي الديمقراطي يقوم على قاعدة تحييد العنف من الحياة السياسية واتباع الأسلوب السلمي في عملية التغيير السياسي والاجتماعي ، كونه النظام المولد لآليات التغيير الديمقراطي والمتمثلة بالعملية الانتخابية الدورية الموصلة للتداول السلمي على السلطة، وفي ظل هذا النظام لا تحتاج القوى السياسية أصلاً إلى التوسل بالانقلابات العسكرية طريقاً للوصول إلى السلطة، حيث لا يوجد إلا طريق واحد هو صندوق الاقتراع وذلك معلم رئيسى للنظم الديمقراطية.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وعليه تكون وظيفة الجيش باعتباره مخزون القوة هي الدفاع عن السيادة العليا للدولة تجاه الخارج أولاً، والدفاع عن سيادة القانون تجاه الداخل ثانياً، وذلك بتفويض من السلطتين التشريعية والقضائية ، وباشتراطات ثلاث: [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أن يكون ا لموضوع محدد المعالم وليست لمواضيع متعددة تحددها السلطة[/FONT][FONT="] .[/FONT]
[FONT="]أن يكون لمنطقة جغرافية محددة وليست لعموم جغرافية البلد وجهاته الأربع[/FONT][FONT="] .[/FONT]
[FONT="]أن يكون لفترة زمنية محددة وليست على مدى عمر النظام الحاكم[/FONT][FONT="] .[/FONT]
[FONT="] [/FONT][FONT="]الحالات الثلاث للعلاقة بين الجيش والسياسة والسلطة في النظم الاستبدادية[/FONT]
[FONT="]توجد على أرض الواقع السياسي العربي ثلاث حالات، تمثل العلاقة الشاذة بين الجيش والسياسة والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الأولى : من خلال سيطرة السياسي على الشأن العسكري[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الثانية: من خلال سيطرة العسكري على الشأن السياسي [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الثالثة : من خلال تحويل الجيش الوطني إلى جيش أهلي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الحالة الأولى : جيش السلطة الحاكمة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]يكون الجيش في هذه الحالة أداة بيد السلطة الحاكمة المستبدة، باعتبارها السلطة المهيمنة على كافة المؤسسات السيادية وفي مقدمتها مؤسسة الجيش، من خلال تسييسه وتحزيبه بسياسات الحزب الحاكم أو أيديولوجيته الحاكمة وإدخال اللوثة السياسية إليه، وإحكام السيطرة عليه، وتخليق ما يسمى بالجيش العقائدي المؤدلج، المدعي مهمة الحرب والإعمار معا، والمعتمد على الولاء الحزبي للفرد العسكري أكثر من اعتماده الكفاءة العسكرية (الولاء أولاً والكفاءة ثانياً)، وتنصب مهام الجيش في هذه الحالة على: الحفاظ على السلطة – إرهاب المجتمع – قمع المعارضة[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وقد سادت حالة سيطرة السياسي على الشأن العسكري لدى كافة الأنظمة السياسية المتسربلة بالأيديولوجيات الشمولية كما هو الحال فى حالة منظومة الدول الاشتراكية (سابقاً) تحت دعاوي أيديولوجية طبقية، وإيران تحت شعارات دينية.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الحالة الثانية : سلطة الجيش الحاكم[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]في هذه الحالة تصبح مؤسسة الجيش نفسها سلطة من خلال مصادر[/FONT][FONT="]ة الحكم والسلطة [/FONT][FONT="]والسطو عليها بطريقة الانقلاب العسكري، وتحول القيادات العسكرية إلى نخب حاكمة ترتدي الزي المدني، وتتجسد بذلك سيطرة العسكري على الشأن السياسي وانقلاب الوظيفة الأصلية للجيش والتي هي صون السيادة الوطنية إلى وظيفة سياسية تُنتقض فيها هذه السيادة.[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]والهدف الأساسي من الاستيلاء على السلطة في هذه الحالة هو الحفاظ على بقاء الحكم العسكري تحت واجهات شتى وديكورات سياسية متنوعة: انتخابات أحزاب وزارة الداخلية، جبهة وطنية صورية يقودها حزب السلطة، تقييد الحريات والإعلام، قانون الطوارئ، المحاكم الاستثنائية، عدم الفصل بين السلطات، أمننة المجتمع ..... ويمكن أن تدار هذه السلطة بطريقتين:[/FONT][FONT="] :[/FONT]
[FONT="]الإدارة المباشرة للسلطة من خلال حكم عسكري، بالزي المدني أو العسكري[/FONT][FONT="] [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الإدارة غير المباشرة للسلطة من وراء ستار ، ووضع شخصيات صورية في الواجهة[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]والحالة الثانية هذه (سلطة الجيش غير المباشرة ) هي التي غَلبت على المشهد السياسي العربي، والتي سادت بلدان اليسار (مصر – العراق – سورية – الجزائر – ليبيا – اليمن الديمقراطية )، والتي عمّت كلا من (فيتنام – كوريا الشمالية – كمبوديا – كوبا – تركيا – البرتغال – اليونان – إسبانيا – البرازيل – المكسيك – بعض الدول الأفريقية – بعض دول أمريكا اللاتينية وخاصة خلال مرحلة الحرب الباردة بين القطبين الرأسمالي والشيوعي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]مع الإشارة إلى أن العديد من الدول المذكورة سارت باتجاه التحول الديمقراطي باستثناء كل من (سورية – إيران – كوريا الشمالية) على صعيد القارة الآسيوية ، تحت ذرائع رسالية شمولية: قومية – دينية – طبقية على التوالي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الحالة الثالثة: الجيش العصبوي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وهي الحالة المنتشرة في دول المجتمعات التعددية غير المندمجة من حيث الأعراق والأديان والطوائف والقبائل، لمجتمع ما قبل إقامة الدولة الحديثة والتي تنعكس سلباً على مؤسسة الجيش في ظل نظام سياسي استبدادي مهيمن على السلطة، ويفرض آراءه الأيديولوجية والسياسية الأحادية على الجميع والذي يعمل جاهداً على إعاقة تحقيق الانصهار المجتمعي، من خلال اتباعه لسياسة فرق تسد بين المكونات المجتمعية والقوى السياسية المتعددة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]في هذه الحالة يتكيف الجيش ذاتياً مع المجتمع الرخو الاندماج والتي تميل صراعاته إلى التعبير عن نفسها من خلال الاقتتال الأهلي ويغدو الجيش جيش العرق أو جيش المذهب أو جيش الطائفة، ويتجه للتشظي على مقاس المجتمع الأهلي وانعكاساً له – أي على مقاس عصبياته المتدافعة – ويتحول إلى مليشيا بقوام عصبوي، وهنا يتم الانتقال من احتكار الدولة للعنف تجاه الخارج إلى خصخصة العنف تجاه الداخل [/FONT]
[FONT="]وأخيراً عندما تنفلت أمور الوطن وتتدهور ، يكون الجيش بالضرورة منحازاً وأداة بيد فريق سياسي أو عرقي أو مذهبي أو طائفي أحادي، ضد فريق آخر، نتيجة لانفراط عقد الوطن - ولا ندري إن كانت الحالة السورية في بداية هذا السيناريو أم في أتونه، والطامة الكبرى تأتي عندما تتسلح البنى العصبوية المتعددة وتأخذ شكل جيوش ميليشيوية خاصة، حينها تتعرض الوحدة الوطنية والترابية للتقسيم، ويبدأ الذبح على الهوية، عندها يكون الولاء الوطني قد أضحى في مهب الريح ( لبنان – الصومال) [/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]وننوه إلى أن الحالات الثلاث المذكورة سابقاً، لا تمثل كل منها حالة منفصلة عن الحالات الأخرى بكافة تفاصيلها وتضاريسها، بل قد تتداخل وتتفاعل فيما بينها، وتتطور من حالة لأخرى، وذلك تبعاً للحراك الاجتماعي، وتوازنات القوى بين السلطة والمعارضة[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]أسباب اضطراب العلاقة بين الجيش والسياسة والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]إن عدم قيام علاقة سوية بين الجيش والسلطة في الوطن العربي لا يعود لمجرد غريزة شهوانية سلطوية عند بعض العسكريين العرب فحسبُ بل إن هناك أسباب موضوعية تكمن وراءها منها[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]الأول: عدم وجود دولة حديثة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]إن البلدان العربية لم تشهد قيام دولة وطنية حديثة بالمعنى القانوني المتعارف عليه في الفكر السياسي الحديث (دولة مؤسسات)، بل بقيت دولة مركبة بجوهر داخلي سلطاني موروث، وذات قشور حداثية موروثة عن الإدارة الاستعمارية السابقة، لهذا كان المطلب الأول لأهل الديمقراطية والساعين إليها، هو بناء دولة وطنية ديمقراطية مدنية، باعتبارها المدخل لتأسيس علاقة صحيحة بين الجيش والسلطة[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الثاني: ضعف الطبقة الوسطى[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]من المعروف أن الطبقة الوسطى هي حامل المشروع الوطني الديمقراطي كما تبلور في الغرب تاريخياً، حيث كانت هي الطبقة التي تفكر وتَكتب وتُنتج وتَتَمرد على الأوضاع القائمة، وتقود النضال الديمقراطي ضد القهر والاستبداد[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]في حين أن الطبقة الوسطى العربية بأحزابها وقواها السياسية وقياداتها الشعبية، تتسم بالضعف والهزال، لهذا بدت المؤسسة العسكرية هي الأكثر تنظيماً وانضباطاً وجاهزية لتولي وتسيير شؤون الحكم[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]الثالث: المنزع الاستعجالي[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]من المعلوم أن الفكر الانقلابي الثوري كان فكراً متجذراً ومتأصلاً في أغلب أدبيات الأحزاب القومية واليسارية، خلال فترة الأربعينيات والخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، وفي مقدمتها فكرة الاستيلاء على السلطة، بالأسلوب الثوري المعهود (العنف)، وذلك بالتوازي مع الموجة الثورية التي عمت الكثير من بلدان العالم خصوصاً عقب الحرب العالمية الثانية[/FONT][FONT="][/FONT]
[FONT="]ولقد برزت أسباب عدة دفعت الثوريين العرب إلى القفز على مركب السلطة، يأتي في مقدمتها ضرورة وضع الأطروحات الفكرية والبرامج السياسية لأحزابهم موضع التنفيذ، ونكبة فلسطين عام 1948 والاحتجاجات الشعبية المستمرة على الأوضاع القائمة المتعفنة، وفي مقدمتها المسألة الاجتماعية والعدل الاجتماعي، وإرضاء النزعة التسلطية لقادة هذه الأحزاب، وعدم استعدادهم لتحمل تبعات ومشاق النضال الشعبي ونَفسِهم النضالي القصير من حيث التثقيف والتنظيم والإعداد لأفراد الشعب، علاوة على حمل هذه الأحزاب أهدافاً كبرى ورفعها لشعارات عظيمة تنوء بحملها والتي تريد تحقيقها دفعة واحدة: (الوحدة العربية ، تحرير فلسطين، الاستقلال ، الديمقراطية ، التنمية، التجدد الحضاري، العدل الاجتماعي) والتي لم تجد سبيلاً لتحقيقها غير ركوب مركب السلطة اختصاراً للزمن ورفع شعار - لا صوت يعلو فوق صوت المعركة- للإلتفاف على معركة الديمقراطية باعتبارها أم المعارك والبوابة الرئيسية لتحقيق كافة الأهداف.[/FONT][FONT="] [/FONT]
[FONT="]وقد كانت القوى القومية من أوائل القوى التي استطاعت الاستيلاء على السلطة من خلال البيان رقم (1)، والمتبدية للعيان من خلال كثرة انقلاباتها العسكرية تحت ذرائع شتى، والتي أطلقت على نفسها لقب الأنظمة الثورية ، وبلغت ذروتها خلال فترة الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن الماضي ( مصر – سورية – العراق – الجزائر – ليبيا – اليمن الديمقراطي )، بل قد تم القيام بالكثير منها داخل الفريق العسكري - السياسي الواحد ،(البعث السوري مثلاً) الذين تنطبق عليهم مقولة صاحب المقدمة ابن خلدون (المُلك – الحُكم - لمن يدوس الرقاب ) وذلك في معرض تحليله لأسباب قيام الدول وسقوطها مع عدم تبنيه لها طبعا.[/FONT]