د/ على السالوس .. الاقتصاد الإسلامي نماء ورحمة

عبدَ الله

<b><font color="#FF00FF">فرسان النهار</font></b>
إنضم
5 يناير 2008
المشاركات
559
التفاعل
6 0 0
حوار مع فضيلة الشيخ د. علي السالوس.
أستاذ الاقتصاد الإسلامي، ونائب رئيس مجمع فقهاء الشريعة

• النظام الربوي عائق أمام التنمية الاقتصادية.
• البنوك الإسلامية بحاجة إلى الدعم والمراجعة.
• الاقتصاد الإسلامي عالج مشكلات الفقر والبطالة بشكل جذري.
هذه هي أبرز النقاط التي تحدث عنها فضيلة الشيخ الدكتور «علي السالوس» أستاذ الفقه والأصول، والأستاذ الفخري في الاقتصاد الإسلامي والمعاملات المالية المعاصرة في جامعة قطر، والنائب الأول لرئيس مجمع فقهاء الشريعة في أمريكا. وإليكم نص الحوار:

البيان: يزعم العلمانيون أن الاقتصــاد علم لا دين له، وأنه لا يوجد نظام اقتصادي في الإسلام، فما رد فضيلتكم على ذلك؟
منذ عهد النبي - صلى الله عليه وسلم - والخلفاء الراشدين حتى الدولة العثمانية..، ما الذي كان يطبق؟ هل كان هناك اقتصاد أم لم يكن هناك اقتصاد؟ أكان هذا الاقتصاد مستمداً من الشريعة الإسلامية أم من القوانين العلمانية؟ وإلامَ يستند هذا الزعم؟ وماذا نفعل بهذه القرون الطويلة التي كان الاقتصاد الإسلامي هو المطبق في الدولة الإسلامية؟
وعندما جاء ما يسمونه عصر النهضة - والأَوْلى أن يسمى عصر الظلام أو عصر النكبة - ولما قضي على الخلافة الإسلامية المتمثلة في الدولة العثمانية التي شُوِّهت صورتها في الدراسات المعاصرة؛ بعد هذا طُبِّق الاقتصاد الوضعي العلماني. ثم لما بدأت الأمة في النهوض من جديد، وانتشرت اليقظة والصحوة الإسلامية؛ صاحبتها الدعوة إلى تطبيق الإسلام ومن ضمنها الاقتصاد الإسلامي. فكيف يأتي هذا السؤال؛ وهناك مئات الدراسات في الاقتصاد الإسلامي، وهناك كليات ومعاهد ومراكز وأساتذة متخصصون في الاقتصاد الإسلامي؟ وماذا يدرِّس كل هؤلاء؟
أذكر في اجتماع مشترك بين كلية الشريعة والإدارة والاقتصاد في جامعة قطر، والحديث كان عن: كيف سيدخل الاقتصاد الإسلامي في الجامعة؟ وكان هناك أستاذ كبير في الاقتصاد الإسلامي، بالإضافة إلى خبير في الاقتصاد الوضعي، وسأل: هل في الاقتصاد الإسلامي ما يكفي لمادة تُدرَّس؟ فقلت له: وهل هذا الأســتاذ الكبــير يُــدرِّس شيئاً لا وجود له؟!
والذي يقول: إن الاقتصاد علم لا دين له، وأن الإسلاميين هم الذين ألبسوا الاقتصاد العمامة الإسلامية، فهو كلام مردود، وإن كان ينطبق على شيء فيمكن أن ينطبق على النصرانية أو اليهودية، لكنه لا ينطبق على الإسلام؛ فالإسلام دين ودولة وليس خاصاً بالمساجد، والاقتصاد الإسلامي طُبِّق بالفعل في القرون الماضية، ويطبق الآن بشكل جزئي في أماكن مختلفة.

البيان: لماذا فشلت معظم خطط التنمية في الدول الإسلامية على الرغم من قيامها على دراسات وخطط اقتصادية؟
الاقتصاد الإسلامي اقتصاد أخلاقي، وهذه ميزة تميزه عن الاقتصاد الوضعي، وهو قائم على أن المال مال الله - سبحانه وتعالى - وأننا مستخلفون في هذا المال، ولذلك نحن نتصرف اقتصادياً وفق ما يبينه الله - سبحانه وتعالى - في كتابه العزيز وعلى لسان رسوله - صلى الله عليه وسلم -.
ومن أهم قواعد الاقتصاد الإسلامي التي بينها اللــه - عز وجل -: {يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ} [البقرة: ٦٧٢] فهل ينظر أو يهتم الاقتصاد الوضعي بذلك؟ بالطبع لا؛ لأنه اقتصاد قائم على الربا، لذلك يُمحق ويُسحق على الرغم من كل الدراسات والخطط؛ لأن الخالق العليم الخبير هو الذي قال هذا وهو أعلم بمن خلــق، ووعــد بمحــق الــربا وكــل ما يترتب عليه. ويكفينا أن التعامل بالربا واستحلاله يستوجب حرب الله ورسوله - صلى الله عليه وسلم -؛ فهل ننتظر تنمية ونهوضاً لمن يحاربه الله ورسوله؟ - صلى الله عليه وسلم {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ . فَإن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ} [البقرة: ٨٧٢ - ٩٧٢]. أما النماء والخير، فيأتي بتطبيق شرع الله في كل كبيرة وصغيرة في حياة الفرد والأمة، وعلى جميع المستويات السلوكية والأخلاقية والمالية والسياسية.
ومثال بسيط جداً على ذلك: ففي تركيا رمز العلمانية في العالم الإسلامي؛ عندما تولى شيئاً من أمورها جماعة تنتسب إلى الإسلام؛ نهض اقتصادها، وأصبحت قوة اقتصادية صاعدة بعدما كانت غارقة في الفساد والتدهور الاقتصادي في زمن العلمانية.
إن تنمية المجتمع الإسلامي تقوم على معرفة الفرق بين الفائدة الربوية التي تمحق وبين نظام المضاربة الإسلامي، فبينما نجد في النظام الرأسمالي الاعتمادَ على خلق النقود وإقراض ما لا يملك الإنسان وما لا وجود له بفائدة؛ نجد أن فلسفة القرض في الإسلام هو أنَّ قرضَ درهمين كصدقة درهم، فالقرض في الإسلام هدفه الأسمى هو الثواب من عند الله - عز وجل -: {إنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُورًا} [الإنسان: ٩]، ولا يستخدم القرض وسيلة استثمار، إنما المضاربة هي وسيلة الاستثمار، والقرض فقط للثواب من عند الله، سبحانه وتعالى. لذلك؛ فإن تطبيق الاقتصاد الإسلامي ضمن التطبيق الشامل للشريعة الإسلامية؛ سيكون له الأثر الواضح في تنمية المجتمع.

البيان: ما مخاطر الربا من الجانب الاقتصادي؟
إن للربا كوارث وليس مخاطر فقط، وهو ما قاله «جوهان فيليب بتمان» أحد علماء الاقتصاد الوضعي وفي الوقت ذاته مدير بنك ألماني، قال ذلك في بحث بعنوان «كارثة الفائدة»، رُشِّح بسببه لنيل جائزة نوبل في الاقتصاد، أوضح خلاله أن ارتفاع الفائدة يؤدي إلى تدهور النقد وتدمير قيمة العملة، ونسف أي نظام نقدي ما دامت تزيد كل يوم. وقال: إن ذلك يعني - بعبارة أخرى - أن تمتلئ بالونة النقود بهواء ساخن إلى أن تنفجر، فيعقب ذلك الكساد؛ فالفائدة المرتفعة معناها زيادة تضخمية في النقود، ولذلك كانت الفائدة المرتفعة هي التضخم ذاته. فالفائدة المرتفعة معناها ارتفاع الأسعار دون أن يقابل هذا الارتفاع إنتاج أو جهد إنتاجي. أي: زيادة في المديونيات دون زيادة مماثلة في الإنتاج، ومـن ثــم الفــوائد لا تُسدد، وتتراكم يوماً بعد يوم.
هذه الكارثة الاقتصادية أكدها أيضاً الدكتور «رفعت العوضي» أستاذ الاقتصاد في جامعة الأزهر، والذي أوضح أن الدراسات التطبيقية أثبتت أن رؤوس الأموال التي تتعامل بالربا تنقص قيمتها الحقيقية، وثبت ذلك في الدراسات التي تناولت الادخارات النفطية. وقد اقترح الاقتصاديون أنه لضمان عدم تناقص القيمة الحقيقية لرؤوس الأموال، أن يكون أسلوب استثمارها هو المشاركة، وهو ما قاله الإسلام منذ 15 قرناً.
وهو أيضاً ما اقترحه الخبير الألماني (بتمان)، حيث طالب باتباع سياسة تجعل الفوائد لا تزيد عن الاستخدام الفعلي لرأس المال العيني، أي كلما زاد الإنتاج زادت الفوائد، وإذا وصل الإنتاج إلى تحت الصفر تصبح الفوائد سلبية، أي: خسارة، وهذا هو مبدأ الغُنم بالغُرم، أو مبدأ المشاركة الذي تشير إليه المبادئ الاقتصادية الإسلامية.
لكن ما يحدث الآن وفي الوقت نفسه يسبب الكارثة؛ أن الربا أخرج النقود عن مهمتها الأساسية في تسهيل التبادل وتيسيره في السلع والخدمات إلى التجارة في النقود ذاتها. لذلك يقول مترجم البحث الألماني، الدكتورُ أحمد النجار - رحمه الله -: إن العالم يبحث عن منقــذ من الكــارثــة، ولا إنقاذ إلا بتطبيق التوجهات الاقتصادية الإسلامية تطبيقاً سليماً؛ فالجميع يمد يديه للخلاص؛ فهل يدرك الاقتصاديون الإسلاميون مسؤوليتهم ودورهم؟.

البيان: نلاحظ في الآونة الأخيرة تزايد التحول نحو المعاملات الإسلامية، فبِمَ تفسرون ذلك؟
هذا التحول يكون على وجهين: الأول: من جهة الدول الغربية التي تنظر إلى البنوك الإسلامية وتحاول أن تطبق منهجها في كثير من الحالات؛ لأنها رأت في ذلك مصلحتها. والأمر لا يتعلق بالجوانب الأخلاقية أو الدينية، فليس لديهم اهتمام بذلك، لكن من جانــب المصلحة الدنيوية. فتفسير هذا التحول هو الكسب المادي وليــس النــواحي الشــرعية أو الأخلاقية، فهذا التحول يدر عليهم أمولاً ويؤدي إلى كسب مادي.
والجهة الأخرى: من جانب المسلم الذي يتجه لدينه ويسعى للربح في الدنيا والآخرة، فهناك عودة قوية للإسلام، ففي البرامج الاقتصادية التي نقدمها على بعض الفضائيات الإسلامية؛ تأتي أسئلة تدل على يقظة إسلامية قوية وصحوة لضمير الأمة، فالناس يسألون عن الحلال والحرام في أدق المسائل والمعاملات المالية والاقتصادية. والأمر في النهاية سيعود للإسلام، وسنرى تطبيق الشريعة ولن نسمع عن بنك ربوي وبنك إسلامي، فستكـون كلها بإذن الله - تعالى - إسلامية خالصة.

البيان: ما خصائص الاقتصاد الإسلامي التي تميزه عن الاقتصاد الوضعي؟
هناك عدة خصائص تميز الاقتصاد الإسلامي عن النظم الاقتصادية الأخرى، ومن أهم هذه الخصائص:
ربانية المصدر: فالخصيصة الأولى للاقتصاد الإسلامي أنه رباني المصدر؛ فهو جزء من الإسلام، فمصدره إلهي مستمد من بيان الله - عز وجل -، فهو ليس الاقتصاد الذي قال به أفلاطون أو أرسطو، وليس اقتصاد التجاريين أو الطبيعيين، أو الكلاسيكين أو الماركسيين... ومصادر هذا الاقتصاد هي القرآن الكريم والسنة النبوية، والإجماع، والقياس. لذلك، فإن الاقتصاد الإسلامي في جملته مصدرُه الوحي، أو الاجتهاد في ضوئه. وهذه الخصيصة لا توجد في أي مذهب اقتصادي آخر، فكل المذاهب الأخرى من وضع البشر. كما أن الاقتصاد الإسلامي وحده رباني المصدر، فالشرائع السابقة للإسلام كانت مؤقتة تمثل مرحلة انتقالية إلى أن يأتي الدين الخاتم، لذلك لم يكن هناك منهج اقتصادي متكامل ولا سيما مع تحريف التوراة والإنجيل وتبديلها. لذلك؛ وجب الإيمان بأن الاقتصاد الإسلامي هو الأصلح للناس، وينبغي الأخذ به وتطبيقه، فهو اقتصاد معصوم في أوامره ونواهيه ومبادئه الكلية، وأقرب إلى الصواب في الأمور التي تكون بالاجتهاد.
ربانية الهدف: الاقتصاد الإسلامي يهدف إلى سد حاجات الفرد والمجتمــع الدنــيوية، طــبقاً لشرع الله - تعالى - الذي استخلف الإنسان في التصرف في المال والانتفاع به، فالمسلم يدرك أن المال ملك الله - عز وجل – فيكون إرضـاء مالك المــال – سبحــانــه وتعــالى – هدفاً يسعى إليه المسلم في نشاطه المالي والاقتصادي.
وهذا الهدف ينفرد به الاقتصاد الإسلامي عن غيره من المذاهب الوضعية، فهدف التجاريين الحصول على أكبر قدر من الذهب، والطبيعيون اتجهوا إلى الثروة الزراعية، وقللوا من شأن الصناعة والتجارة. والرأسماليون يهدفون إلى المنفعة وإشباع الرغبات دون النظر إلى حلال أو حرام، والماركسيون هدفهم المادي يتجه لخدمة الشيوعية الملحدة.
الرقابة المزدوجة: عندما يضع أي نظام بشري مبادئه وقوانينه، فإن التطبيق يحتاج إلى جهاز للرقابة، ويستطيع الناس مخالفة هذا النظام ما داموا بعيدين عن أعين الرقباء. أما في الإسلام؛ فإن النشاط الاقتصادي يخضع لرقابتين: بشرية، وهي وظيفة المحتسب لمراقبة النشاط الاقتصادي، إلى جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ ورقابة ذاتية نابعة من إحساس المسلم أن الله - عز وجل - أحلّ كذا وحرم كذا، وأنه تحت سمع ربه وبصره، سبحانه وتعالى.
الجمع بين الثبات والتطور: في الاقتصاد الإسلامي أمور ثابتة لا تتغير ولا تتبدل مهما تغير الزمان والمكان، مثل: تحريم الربا، وأنصبة الزكاة والمواريث، وعقوبة السرقة... وهكذا. من جهة أخرى، فالإسلام جاء خاتماً للأديان وليطبق في كل مكان وزمان، لذلك كان فــي اقتصــاده من المــرونة ما جعله يتسع للأساليب المختلفة ما دامت لا تتعارض مع أصل ثابت. ومن المعروف أن الأصل في العبادات الحظر وفي المعاملات الإباحة، فكل عبادة ممنوعة ما لم يوجــد ما يدل على مشروعيتها، وكل معاملة مباحة ما لم يثبــت ما يمنعها.
التوازن بين المادية والـروحية: الإنسان مادة وروح، وخالقه - عز وجل - يعلــم ما يصلــح لكــــل منهـــما ومـا لا يصلــح {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْـخَبِيرُ} [الملك: ٤١] فجاء الاقتصاد الإسلامي بالتوازن بـين الجــانبــين؛ بحيــث لا يطغى أحدهما على الآخر، ولهذا وجدنا الربط بين التنمية الاقتصادية والتنمية الإيمانية: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} [الأعراف: ٦٩]، وجعل الجهاد في سبيل الله مع الضرب في الأرض: {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِن فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: ٠٢]. بل جعل النشاط الاقتصادي سعياً في سبيل الله، كما جاء في الحديث الشريف: «إن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على نفسه يعفّها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفاخرة فهو في سبيل الشيطان». كما أن الإسلام منع التفرغ للعبادة والرهبانية وجمع بين العبادة والعمل، وجعل المسلم وهو يعمل يتجه إلى الله - عز وجل -: {فَإذَا قُضِيَتِ الصَّلاةُ فَانتَشِرُوا فِي الأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللََّّهَ كَثِيرًا لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ} [الجمعة: ٠١] .
التوازن بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة: للإنسان دوافعه ورغباته وما يراه محققاً لمصلحته الخاصة، وقد تتعارض مصلحة الفرد مع مصلحة الجماعة، فراعى الاقتصاد الإسلامي التوازن التام بين المصلحتين. ومن المعلوم أن ما يملكه الفرد لا يجوز غصبه أو الاعتداء عليه، كما قال - صلى الله عليه وسلم - في خطبته يوم عرفة من حجة الوداع: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام؛ كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا». وللمالك حق الانتفاع المشروع بما لا يتعارض مع مصلحة الجماعة، وليس له حق استخدام ما يملك بطريقة تسبب الضرر للآخرين، وليس له كذلك تعطيل الانتفاع تعطيلاً يضر بمصلحة الجماعة. والمحتكر الذي يستغل حاجة الجماعة يُمنَع من ذلك ويجبره ولي الأمر على البيع بثمن المثل. وإذا أصبح العمل فرضَ عين على أحدٍ لمصلحة الجماعة؛ أُجبِر على العمل بأجر المثل. وهذا التوازن لا يوجد في المذاهب الوضعية، فالرأسمالية اتجهت نحو الفرد وإشباع رغباته دون حدود أو قيود، فلا يجبر على فعل شيء حتى لو كان في ترك ذلك ضرر للجماعة. والماركسية ألغت مصلحة الفرد إلغاء تاماً، إذا استثنينا أفراد الحزب الشيوعي. وهكذا نجد اتجاهين متعارضين متناقضين، ويبقى الاقتصاد الإسلامي متميزاً بخصيصة التوازن.
الواقعية: الاقتصاد الإسلامي واقعي في مبادئه ومنهجه وأحكامه، ينظر إلى الواقع العملي الذي يتفق مع طبائع الناس، ويراعي دوافعهم وحاجاتهم ومشكلاتهم، ولا يجنح إلى خيال وأوهام، ولا ينزل إلى درك لا يتفق مع البشرية التي كرمها الله، سبحانه وتعالى. ولْنتدبر قول العليم الخبير: {نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْـحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا وَرَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِّمَّا يَجْمَعُونَ} [الزخرف: ٢٣]، فهذا هو واقع الناس واختلافهم في الرزق والجاه، ليتخذ بعضهم من بعض أعواناً يسخّرون في قضاء حوائجهم حتى يتساندوا في طلب العيش وتنعيم الحياة، وختام الآية له أثره البالغ في أن يكون هذا في تراحم وتعاون محمود. كما أننا نجد في الواقع الاختلافات والفروق الفردية، فهناك الغبي، والذكي القوي، والضعيف الغني، والفقير، لكن الإسلام يضع من الحقوق والواجبـات ما يمنع الظلم والتغابن. وشتان بين هذا وبين صراع الطبقات عند الماركسية! وشتان بينه وبين أوهام الرأسمالية عند آدم سميث الذي يقول: إن الإنسان في سبيل تحقيق مصالحه الخاصة يحقق مصلحة الجماعة دون توجيه أو إرشــاد! وهذه أوهام بعيدة عن أرض الواقع.
العالمية: من الخَمْس التي خُص بها خاتم الرسل - صلى الله عليه وسلم - أنه بُعِث للناس كافة، وكان كل نبي يبعث لقومه خاصة، {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ } [الأنبياء: ٧٠١] ولهذا جاء الإسلام صالحاً لكل زمان ومكان. والاقتصاد جزء من هذا الدين الخاتم، ولهذا جاء بأحكام كلية ومبادئ عامة تناسب كل زمان ومكان وتسع اجتهادات المجتهدين، وجعل الأصل في المعاملات الإباحةَ ما لم يوجد ما يعارض نصاً أو مقصداً من مقاصد التشريع الإسلامي. ولعل الشرائع السابقة لم تأتِ بنظام اقتصادي عالمي متكامل؛ لأنها كانت محددة الزمان والمكان. والمذاهب الوضعية كل منها نظر إلى البيئة التي نشأ فيها والظروف المحيطة.
ولمن أراد مزيداً من التفاصيل بشأن هذه الخصائص؛ يمكن الاطلاع على كتاب (موسوعة القضايا الفقهية المعاصرة والاقتصاد الإسلامي).

البيان: بعد مرور نحو 30 عاماً على تجربة البنوك الإسلامية، هل هناك حاجة لإعادة النظر فيها؟ بعضهم يقول: إنها مجرد واجهة إسلامية لممارسات ربوية.
بالطبع من المفترض إعادة النظر باستمرار؛ لتجنب الأخطاء واستثمار النجاح، ولذلك دعت المجامع الفقهية إلى تشجيع البنوك الإسلامية وأيضاً مراجعة أنشطة هذه البنوك ومراقبتها للتأكد من مدى تطبيقها للشريعة الإسلامية، ولذلك فإن إعادة النظر ضرورة دائمة للتأكد من مطابقة الأنشطة البنكية للشريعة الإسلامية.
وأما ما يقال عن أن بعض البنوك الإسلامية إنما هي مجرد شعارات فقط لا غير، وأنها واجهة إسلامية تغطي وراءها أعمال البنوك الربوية وأنشطتها؛ فأقول: إن البنوك التي تفعل ذلك ليست إسلامية أو ربوية، وإنما هي مثل المنافقين؛ تظهر الإيمان وتبطن الكفر، والمنافقون في الدرك الأسفل من النار، فالبنك الذي يعلن أنه إسلامي ثم يتعامل بالربا أسوأ من البنوك الربوية التي تعلن من البداية أنها تتعامل بالربا وإن وصفته بالفوائد والأرباح وما إلى ذلك.

البيان: أين دور هيئات الرقابة الشرعية في البنوك الإسلامية؟ وهل هو دور رقابي أم استشاري؟
في بعض البنوك يكون دور هيئة الرقابة الشرعية دوراً استشارياً فقط، أي: لا سلطة لها، وإنما تُعرض عليها بعض الأشياء وتقول رأيها، وهذا لا وزن له. لكنّ هناك بنوكاً أخرى ملزَمة بقرارات هيئة الرقابة الشرعية.
وبشأن الادعاء بأن جميع هيئات الرقابة الشرعية مجرد حبر على ورق ولا دور لها؛ فإن القاعدة الإسلامية أن البينة على من ادعى. ومحدثكم كان عضواً في هيئة الرقابة الشرعية لأحد المصارف الإسلامية لعدة سنوات، وكانت تقوم بالاطلاع على المعاملات قبل تنفيذها وتعطي رأيها بالجواز من عدمه، وأنشأنا إدارة للتدقيق الشرعي الداخلي مهمتها النظر في أعمال المصرف، ثم إذا وجدت ما يخالف قرارات هيئة الرقابة الشرعية؛ تعرضه على الهيئة لتصحيح ذلك، وهذا التصحيح في بعض الحالات كان يؤدي إلى خسارة المصرف الملايين، وكانت الهيئة تلغي قرارات لمجلس الإدارة إذا كانت تتعارض مع الشريعة الإسلامية.
لكن هل كل البنوك تطبق هذا، أو هل كل البنوك الإسلامية لا تطبق؟ فهذا سؤال يحتاج إلى مراجعة. لكن الثابت أن واقع هيئات الرقابة الشرعية يقع بين الأمرين، فليست كل هيئات البنوك الإسلامية هامشية ولا دور لها، وليست كلها أيضاً لها قرارات ملزمة وتقوم بدورها على أكمل وجه، فواقعها وسط بين الطرفين.
ولخطورة دور هيئات الرقابة الشرعية؛ دعا المؤتمر الأخير لمجمع الفقه الإسلامي إلى إنشاء هيئة رقابة شرعية تابعة للبنك المركزي وليست لأي بنك إسلامي، وتشرف على كل البنوك الإسلامية في كل دولة، بحيث يكون هناك توحيد للفتوى والمعاملات المصرفية بالنسبة لهيئات الرقابة الشرعية في الدولة الواحدة. ولو طبقت هذه الصورة فيمكن أن تأتي بعد ذلك خطوات أكبر على مستوى العالم الإسلامي بشكل كامل.

البيان: كيف ينظر النظام الاقتصادي الإسلامي إلى قضايا الفقر والبطالة؟
الإسلام عالج مشكلة الفقر بشكل جذري، ووضع لذلك عدة خطوات عملية:
الخطوة الأولى: العمل والسعي في طلب الرزق الحلال، فالعمل واجب على الشخص القــادر. والشخص الـــذي لا يجد عملاً؛ فواجب على من يستطيع أن يجد له عملاً أن يوفر له فرصة عمل. وإذا أصبح الشخص يعمل؛ فإننا نطبق حديث الرسول - صلى الله عليه وسلم -: «من كان لنا عاملاً ولم يكن له زوجة فليتخذ زوجة، وليس له مسكن فليتخذ مسكناً، وليس له خادم فليتخذ خادماً، وليــس له دابـة فليتخــذ دابة»، وهــو ما يسمى في الاقتصاد الإسلامي «ضمان تمام الكفاية»، وهو من المبادئ الكلية للنظام الاقتصادي في الإسلام.
الخطوة الثانية: إذا كان الإنسان عمله لا يكفيه، أو لا يجد عملاً، أو غير قادر على العمل؛ فنأخذ من أقاربه الموسِرين. وعلى القريب الموسِر أن ينفق على قريبه الفقير إلى أن يصل إلى تمام الكفاية، أي: المسكن، والزوجة، والدابة، والخادم إذا كان يحتاج إلى خادم.
الخطوة الثالثة: إذا لم يكن للفقير أقارب موسرون؛ فنعطيه من الزكاة. وإذا قرأت في هذه المسألة ما ذكره الفقهاء تجد عظمة الإسلام؛ فبعضهم يقول: نعطيه من الزكاة مدة سنة، وبعضهم يقول: نعطيه مدة عمره؛ فنعطيه ضيعة إذا كان يحسن الزراعة، أو رأس مال إذا كان يحسن التجارة. وإذا كان عاجزاً عن العمل؛ قال الفقهاء: نجد له عقاراً يكفي حاجته من ريعه.
الخطوة الرابعة: إذا كانت الزكاة نفدت ولا تكفي، يأخذ الفقيرِ من موارد الدولة من غير الزكاة.
الخطوة الخامسة: وإذا كانت موارد الدولة لا تكفي أيضاً؛ فهنا يُفرَض على أغنياء المسلمين بقدر حاجة الفقراء. كما حدث في عام المجاعة أو الرمادة في عهد سيدنا عمر ابن الخطاب، رضي الله عنه.
فلو طبقنا هذه الخطوات الإسلامية، فلن يكون هناك فقير أو مسكين؛ فهذا حل إسلامي جذري لمشكلة الفقر. وهذا يأتي ضمن تطبيق المنظومة الإسلامية المتكاملة، والاحتكام لشريعة الله - عز وجل - في كل مناحي الحياة.
 
التعديل الأخير:
بارك الله فيك اخي عبد الله

بدات البنوك عندنا بالتحول للمصرفيه الاسلاميه واقتنعت بجدواها وفائدتها اضافه للوعي الحاصل بين فئات المجتمع بخطورة الربا وعقوبته بالدنيا والاخره
 
عودة
أعلى