ترجمة: شيماء نعمانبينما تتعالى الأصوات التي تطالب الولايات المتحدة بتنفيذ ضربة استباقية ضد المواقع النووية في إيران لا سيما في أعقاب ظهور التقرير الأخير للوكالة الدولية للطاقة الذرية الذي أبدت فيه الوكالة "مخاوف جدية" بشأن "إمكانية وجود بعد عسكري" للبرنامج النووي الإيراني، حذر خبراء إستراتيجيون من اتخاذ أي تحرك عسكري قد يؤدي المضي قدمًا فيه إلى نتائج عكسية تعزز من موقف إيران.
واعتبر الخبير الإستراتيجي الأمريكي "جيمس دوبينس"، مدير مركز الأمن الدولي وسياسات الدفاع بمعهد (راند) للدراسات الإستراتيجية، أن توجيه مثل تلك الضربة سواء من قبل واشنطن أو تل أبيب لن يصب إلا في صالح إيران؛ التي لن تتراجع عن موقفها من البرنامج النووي.
وردًا على تساؤل تناوله منتدى نادي النقاش التابع لمجلة "يو إس نيوز& ورلد ريبورت" الأمريكية تحت عنوان "هل ينبغي على الولايات المتحدة بحث القيام بعمل عسكري لعرقلة برنامج إيران النووي؟" ، كتب دوبينس تعليقًا نعرض نصه في السطور التالية:
أثار ما كشفته مؤخرًا الوكالة الدولية للطاقة الذرية من جديد احتمالات توجيه ضربة جوية أمريكية أو "إسرائيلية" تهدف إلى تدمير منشآت إيرانية نووية معلومة. وللوقوف على ما إذا كان مثل ذلك المسعى يتسم بالحكمة أم لا يقتضي الأمر مرجعين: أولاً فيما يتعلق بمدى جدوى مثل تلك الضربة التعجيزية، ثانيًا فيما يتعلق بمدى استحسانها والرغبة فيها.
وكان مسئولون أمريكيون- من بينهم وزير الدفاع السابق "روبرت جيتس"- قد أوضحوا أن كل ما يمكن أن يسفر عنه توجيه هجوم عسكري أمريكي ضد أهداف إيرانية ليس إلا عرقلة في طريق تقدم إيران نحو امتلاك السلاح النووي وليس إيقافًا له. فبعض المواقع الإيرانية النووية تقع على عمق تحت الأرض، بينما توجد مواقع أخرى على الأرجح مختفية بصورة كلية؛ ومن ثم فإنها جميعًا ستظل باقية دون أن تلحق بها أية أضرار. وبالمثل ستبقى بالرغم من أي هجوم الكثير من المعارف والخبرات التي حصلت عليها إيران فعليًا .
إن في أعقاب شن مثل ذلك الهجوم، ستدفع إيران على الأرجح ببرنامجها كلية إلى مواقع سرية شديدة التحصين. كما سيتضرر على نحو خطير التحالف الدولي الذي حشدته الولايات المتحدة في مواجهة البرنامج النووي الإيراني. وسيكون من العسير بل ربما من المستحيل فرض عقوبات دولية إضافية. كما قد تصير بعض الدول أكثر استعدادًا لمساندة البرنامج الإيراني أو على أقل تقدير ستصبح أقل اهتمامًا بمراقبة من قد يفعلوا.
أما السؤال الخاص بالاستحسان فيرتكز حول ما إذا كان سيصبح من الأيسر أم من الأصعب احتواء النفوذ الإيراني الخبيث في أنحاء الشرق الأوسط في أعقاب توجيه ضربة عسكرية. وهنا من الهام إدراك أن القلق الأساسي بالنسبة لجيران إيران ليس هو التعدي الإيراني بل أعمال التخريب التي يمكن أن تتسبب فيها. إنها قدرة إيران على اللجوء إلى عناصر منشقة تتمتع بإمكانيات داخل مجتمعات مجاورة لها- كالطوائف الشيعية في لبنان والعراق والمملكة العربية السعودية ودول الخليج؛ وكذلك العناصر الأكثر تشددًا في المجتمع الفلسطيني- وهذا هو الأمر الأكثر إثارة للقلق بالنسبة لهذه الدول. وإطلاق إيران لمناشدة في أنحاء الشرق الأوسط الإسلامي كمعقل للفاعليات المعادية لأمريكا والصهيونية هو أكثر ما يزعج الأنظمة الإقليمية الأخرى.
وهذا صحيح بالمثل حتى بالنسبة لـ "إسرائيل"، والتي تعد حساسيتها الأساسية ليست من الضغوط العسكرية الإيرانية ولكن من هجمات كلٍ من حماس و"حزب الله" ذوي الدعم الإيراني.
واحتواء هذا النوع من النفوذ من شأنه بما لا يقبل الشك أن يصبح أكثر صعوبة في أعقاب أي هجوم عسكري أمريكي أو "إسرائيلي" غير مبرر. وقد تتعاطف بهدوء معظم أنظمة الدول المجاورة لإيران مع مثل هذه الضربة الاستباقية إلا أن قلة فقط هي من ستؤيد ذلك بصورة علنية. وسيكون رد الفعل لدى شعوب الجوار عدائي متسق إلى حد بعيد. ومن ثم فالتعاطف على هذا النحو إزاء إيران سيجعل من احتواء النفوذ الإيراني أمرًا أكثر صعوبة بالنسبة لكلٍ من "إسرائيل" والولايات المتحدة والأنظمة العربية الحليفة لواشنطن في الوقت الراهن. وهذا صحيح بشكل دقيق لا سيما في المجتمعات حديثة الانضمام إلى ركب الديموقراطية، مثل مصر، والتي أصبح الرأي العام فيها أقل قيدًا وأكبر تأثيرًا.
إن القيادة الإيرانية في حاجة إلى أن يتم إقناعها في غضون العام أو العامين المقبلين أن قيامها فعليًا ببناء واختبار ونشر سلاح نووي، كما سبق وفعلت كوريا الشمالية، لن يؤدي إلا إلى مزيد من عزلتهم والحد من نفوذهم وبالتالي زيادة هشاشة النظام أمام حركة التغيير المضطرمة داخليًا في البلاد. ومن ثم فالتهديدات بالتحرك العسكري، والأكثر منها الإقدام على تنفيذه فعليًا لن يؤدي إلا إلى تأثير عكسي؛ كالحد من عزلة إيران وزيادة نفوذها وتشجيع تضامن داخلي معها وتعزيز قضيتها لبناء ونشر أسلحة نووية في أقرب وقت ممكن.
المصدر: مفكرة الاسلام