ثقافة القتل عبر التاريخ...!!??

الرياضي

بكل روح رياضية
إنضم
8 فبراير 2010
المشاركات
4,699
التفاعل
939 0 0
[ العقلية الإبليسية لغريزة سفك الدماء وتصدير الكراهية للغرب العنصري]

ثقافة القتل.. ومدرسة القتل للقتل

بقلم: د. خير الدين عبد الرحمن
اعتبر المؤرخ العسكري الأمريكي فيكتور ديفيز هانسون، أستاذ الدراسات الكلاسيكية في جامعة كاليفورنيا، في كتابه الموسوم: (المذبحة والثقافة: معارك بارزة في صعود القوة الغربية)، أن السبب الحاسم والأكثر أهمية في تحقيق الهيمنة الغربية على سائر شعوب العالم هو "ما يتمتع الغرب به من موهبة في القتل"(1) مشددا على تفوق الغرب في ممارسة قتل خصومه من الشعوب الأخرى ببراعة فريدة وفتك شديد وتدمير كبير، دون اعتبار لوازع أخلاقي أو اعتبارات أخلاقية أو دينية، إذ إن قيود الأخلاق والدين وسواها من المعوقات التي تحد من شمول القتل وشدته تظل بعيدة عن الذهن الغربي لدى صياغة وتنفيذ أساليب القتال، ليبقى القرار للاحتياجات العسكرية دون غيرها. مضى هانسون أبعد من ذلك بتأكيده أن التفوق الثقافي لأمة أو جنس معين يتجسد في المعارك والحروب التي تخوضها، فالمنظومات الأكثر براعة وتقدما وموهبة في ممارسة القتل تحقق النصر وتحسم نتائج الحروب لصالحها.
شدد هانسون كذلك على أن النصر الثقافي النهائي والشامل والكامل للحضارة الغربية مرتبط ارتباطا وثيقا بالانتصارات العسكرية التي حققها الغرب عبر ممارسة القتل ببراعة، والتوسع في إقامة المذابح على نطاق واسع لضمان دحر الأعداء... ورأى هانسون أن هذا بالضبط هو سر هيمنة الأفكار والقيم الغربية على الكرة الأرضية على نحو لم تبلغه أية أفكار أو قيم أخرى، وسر انتصار النظريات الاقتصادية والتنظيمية والأيديولوجيات السياسية والمنظومات الثقافية الغربية طوال القرون الخمسة الأخيرة.

وهكذا لم يأت قول الجنرال البروسي كلاوتزفيتز، أبرز استراتيجيي أوربا في العصور الحديثة من فراغ عندما جزم بأن: "دبلوماسية الجثث أكثر جدوى من دبلوماسية الورود". إنه نفس المنطق الذي جعل جورج كليمنصو G.Clemenceau، رئيس الوزراء الفرنسي أثناء الحرب العالمية الأولى يمهد علنا لغدر الحلفاء بالعرب، ولتمزيق وطنهم على نحو ما فعلت بريطانيا وفرنسا وفق اتفاقية سايكس- بيكو المتكاملة مع تعهد بلفور، وزير الخارجية البريطاني، بتسهيل تهجير يهود أوربا إلى فلسطين وتمكينهم من اغتصابها ليقوموا باستنزاف العرب والإبقاء على انقسامهم وضعفهم وتخلفهم، حفاظا على المصالح الغربية في أرضهم. كان من أوجه التمهيد الذي مارسه كليمنصو قوله في العام 1914: "إن قطرة النفط أغلى من قطرة الدم".

كان يمكن المرور بتشديد هانسون على اعتبار أن "موهبة ممارسة القتل والمذابح" بحق الآخرين سبيل الغرب لفرض هيمنته الثقافية والاقتصادية والسياسية على العالم بما يستحقه كوجهة نظر، دون تهويل من شأنها أو تهوين، لو أنه صدر عن مفكر أو باحث يتخذ موقفا معارضا، من الحضارة الغربية أو سياساتها الراهنة، مثل المفكر الفرنسي روجيه جارودي أو المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي، أو يتخذ موقفا نقديا منها لسبب ما، حتى لو كان صاحب هذا الموقف من أبرز منظري ومنفذي تلك السياسات المعاصرين، مثل زبيغنو بريجنسكي، مستشار الأمن القومي للرئيس الأمريكي الأسبق جيمي كارتر.

لكن المشكلة في موقف هانسون كامنة في تباهيه وتفاخره بما اعتبره تفوقا وموهبة فريدة في ممارسة الغرب للقتل الجماعي والمذابح والتدمير وحتى الإبادة بحق الشعوب الأخرى سبيلا للتحكم بمساراتها وثرواتها وإنتاجها واستهلاكها وسلوكها وتفكيرها وفرض هيمنته عليها في كل مجال.

وما هو أكثر إثارة للدهشة هو هذا الربط الشديد بين القتل والثقافة، بين البراعة في ممارسة المذابح من ناحية واستحقاق الهيمنة الثقافية. بل إن هذا المؤرخ الذي يمثل التيار الأكثر نفوذا وانتشارا في الولايات المتحدة والغرب عموما، جعل من القتل الجماعي بحد ذاته ثقافة، وكاد يبشر بمدرسة في ثقافة القتل تروج لممارسة القتل للقتل، على نحو ما كان من أمر مدرسة الفن للفن، التي انطلقت من الغرب داعية لإطلاق حرية الإبداع الفني وممارسته دون تقييده بهدف أو قصد مسبق أو بأي وازع أو قيد أخلاقي أو ديني أو مجتمعي.

فسر نعوم تشومسكي تطور ثقافة القتل التي تجعل الحرب ستارا لها أحيانا، بينما لا تحتاج إلى ستار في كثير من الأحيان، بأننا نتراشق بالشتائم، ثم بالحجارة، ثم بالسكاكين، ثم بالصواريخ، إلى أن نكتشف اختفاء الإنسان ذاته من هذه القرية الكونية، بعدما صارت القوة تستخدم بديلا للعدالة من أجل بث نوع من الخوف الكوني في سياق إنتاج العنف تعبيرا عن تكوين ثقافي وتربوي جعلنا نحمل في اللاوعي قرارا بالحلول محل الآخر. إن طغيان اللحظة الاقتصادية التي تبرر الفوضى وتطارد الإنسان وتستبيح كل شيء، كرس وجها قبيحا للتاريخ الذي تعب من ذاته، وفرخ حروبا مفتعلة شديدة البطش تنتج ثقافات جديدة ورؤى جديدة وأمزجة جديدة، خلاصتها فوضى وهباء ونحر العدالة.

كذلك تحدث الفيلسوف الفرنسي جان فرانسوا ليوار بهلع عن الغد القريب وهو يعيش أولى سنوات القرن الحادي والعشرين، وربما أواخر سنوات عمره، فقال في مقابلة صحفية أثارت اهتماما كبيرا: "لقد منحنا القرنان التاسع عشر والعشرون من الإرهاب قدر ما نتحمل. لقد دفعنا ثمنا باهظا للحنين للكل وللواحد، للمصالحة بين المفهوم والمحسوس، بين الخبرة الشفافة والخبرة القابلة للتوصيل. وتحت المطلب العام للنضوب والتهدئة، يمكننا أن نسمع دمدمة الرغبة في العودة إلى الإرهاب، في تحقيق الوهم للإمساك بالواقع، والإجابة هي: لشن حرب على الكلية Totality. لنكن شهودا على ما يستعصي على التقديم، لننشط الاختلافات وننقذ شرف الاسم".

طبيعي أن الإرهاب الذي رأى ليوار أنه أرهق الإنسانية وجعلها تواجه تحدي إنقاذ شرف اسمها عبر رفض وحدانية الهيمنة المؤسسة على إلغاء الآخرين- ولو عبر القتل الجماعي- يختلف عن التعريف الأمريكي الرائج للإرهاب الذي تنشط مساعي فرضه حاليا لإخفاء الإرهاب الحقيقي الذي تجري ممارسته بحق غالبية الأمم.

رأى زبيغنو بريجنسكي بدوره، قبل عشر سنوات، مع المفاجأة التي عاشتها الولايات المتحدة بتفردها على قمة الهيمنة على العالم دون منافس أو خصم يوازنها، وفي أعقاب حرب الخليج الثانية التي خططت لها دوائر أمريكية لتجعل نتيجتها درسا رادعا لكل أمم العالم، بل ونشرت بعض التفاصيل عن مسار تلك الحرب وموعدها وأسلحتها وتكتيكاتها قبل عشر سنوات من اندلاعها ... رأى أن "القرن العشرين - هذا القرن الحافل بالأساطير الخارقة والموت المريع- أفرز مفاهيم خاطئة عن التسلط الكلي مستمدة من روح الغطرسة الكامنة في مزاعم التحلي بالفضيلة المطلقة والانفراد بمعرفة الصواب دون الآخرين كلهم.

وفي غضون هذا القرن انحرفت تلك الرؤى إلى أفدح ممارسة للعجرفة والاستهتار السياسي في تاريخ الجنس البشري.. القوة الأمريكية في حد ذاتها لن تكفي لفرض المفهوم الأمريكي في تصور نظام عالمي جديد.. ولا يمكن للمجتمع الأمريكي أن يكون نموذجا للعالم - سواء من الناحية المعنوية ومن ناحية النظام الاقتصادي عمليا - مادام جوهر هذا المجتمع يتحدد أخلاقيا بنظرة الجشع المادي الغالبة عليه..."(2).

رد بريجنسكي السلوك الجمعي الأمريكي في عديد من جذوره إلى الأصول الأوربية للاستيطان الأبيض فيما صار يعرف بالقارة الأمريكية، بقوله إن "اللامبالاة الأنانية كانت الصفة المميزة لسلوك الأوربيين الغربيين إزاء المعاناة التي يخوضها إخوانهم الشرقيون".

لكن المفكر الفرنسي البارز سيرج لاتوش كان أكثر تحديدا ووضوحا وجذرية إذ رد المسألة إلى كون "التغريب مشروعا متجددا لاستعباد العالم، آخر دعاواه النموذج الحضاري العالمي، وتأليه العلم والتقنية، وتغذية النزعة الجنونية الجامحة للامتلاك والاستهلاك باسم حرية السوق والاقتصاد، ومن ثم الغزو الثقافي عبر آلة جهنمية تحتكر سوق الإعلام والمعارف والاتصال وتسحق البشر والثقافات من أجل أهداف جنونية. ولا تتهيب من خلال قيامها على قاعدة الفكرة الصهيونية- التوراتية القائلة بالوعي بالذات- أي بالأنا الفاعل، لفرض التبعية على الآخر وصولا إلى كون ذي بعد واحد- أن تستبيح الآخر وتسوغ لذاتها الإبادة الإثنية الجمعية لأمم وشعوب وحضارات، ضمن نظام اغتصاب متكامل لايتورع عن اجتثاث الآخر من جذوره" (3).

لاحظ لاتوش أن "الصليبية المتهودة، في سعيها المعاصر إلى إخضاع باقي العالم واستيعابه استيعاباً إلحاقيا، ليست قادرة على استيعاب أوربا نفسها في كيانها الديني الذي عمل اليهود فيه تحويرا وتزويرا وتحريفا وتشويها على مدى قرون، بحيث باتت المسيحية نفسها مستوعبةداخل مشروع اقتصادي استعبادي كوني".

التقى لاتوش بهذا مع المشددين على دور الصهيونية المسيحية الخطير الراهن في توجيه الولايات المتحدة الأمريكية، وهي مزيج مشوه من العقائد البروتستانتية والخرافات التلمودية والتفسيرات التوراتية المزورة حول نهاية العالم بعد معركة هرمجدّون (في فلسطين) التي تعقب حربا نووية يموت فيها ثلاثة مليارات من البشر، بعد اكتمال تجمع كل يهود العالم في "إسرائيل الكبرى فيما بين النيل والفرات".

تؤمن (1200) جماعة مسيحية تضم أكثر من ستين مليونا من الأتباع في الولايات المتحدة بمزيج ساذج من الخرافة والهوس التلمودي. أليس هذا متسقا مع خروج روبرت كور، مستشار رئيس الحكومة البريطانية توني بلير للسياسة الخارجية، بمقالته العاصفة التي نشرها في صحيفة الأوبزرفر بعنوان "لماذا لا نزال بحاجة إلى إمبراطوريات"، داعيا علنا إلى التسليم بالراية للامبراطورية الأمريكية لكي تقوم بتجديد الاستعمار والامبريالية، إذ لا غنى للعالم عنهما برأيه؟

أليس هذا متسقا كذلك مع دعوة المفكر الأمريكي ألفين توفلر، الذي جرى إشهاره كأبرز عالم مستقبليات، إلى أن تتجاوز البلدان الفقيرة مشاعرها الوطنيةالقديمة المعادية للاستعمار، لعلها تدعو بهذا بعض ما قد ينقذها من الاستثمارات الموجودة لدى الدول الاستعمارية، دون أن تظل واقعة تحت تأثير الشعور بأن تلك الاستثمارات تجديد للغزو الاستعماري (4).

إن توفلر الذي تحدث في كتابه الأخير المعنون "الحرب ومقارعتها"، بالاشتراك مع زوجته هايدي، عن ظاهرة جديدة هي "حضارة الحرب" صارت فيها أدوات الحضارة الحديثة ومخترعاتها التي انتشرت أفقيا وعموديا على نحو هائل، قابلة للتحول إلى أسلحة حربية خطيرة بذاتها أو باستخدامها في صنع أسلحة حربية، في ظل مفهوم جديد للقوة يتجاوز العناصر التقليدية من عنف وثروة مادية إلى المعارف المكتسبة حول المعرفة، بما يشكل تحولا خطيرا وجوهريا للعلاقات وموازين القوى في عصر التمايز الرقمي، يتخلى هو عن الكثير من عناصر رؤيته المستقبلية السابقة ليجعل من نصيحته للدول الفقيرة بالرضوخ عمليا لمستعمريها السابقين واستجدائهم بعض الاستثمارات علاجا لمشكلة الفقر، بما يلزم الشعوب المستباحة عمليا التماهي Identify مع قيم قاهريها والانسلاخ عن ذاتها تأكيدا لقابليتها للتكيف Adaptability مع شروط قاهريها المهيمنين، على أمل أن يحسن إليها قاهرها بمنحها بعض مقومات البقاء والحياة!

أعاد المفكر البريطاني دوغلاس ريد، في آخر كتبه الموسوم "جدل حول صهيون" معظم مشاكل عالمنا المعاصر وأزماته إلى أن اللاويين، ومن بعدهم الفريسيين، قد علموا أتباعهم اليهود منذ أيام المسيح ابن مريم عليه السلام أن المطلب الرئيسي لإلههم "يهوه" هو إبادة جميع الغرباء، أي غير اليهود، "ومن ثم فإن اليهود قد تحولوا إلى الشعب الوحيد في التاريخ الذي كانت مهمته التخريب بحد ذاته... وكانت النية واضحة بقدر ما، لتنظيم قوى فاعلة تخريبية دائمة". (5)

بكلمة أخرى: حملت أسطورة شعب الله المختار في أحشائها رفضا مسبقا واحتقارا تلقائيا للتسامح مع الآخرين، وللمساواة بين الأمم، حيث إنها زَعْمٌ يحصر البناء الإيجابي باليهود دون سواهم، ويدعوهم إلى اغتصاب ثروات الآخرين واستباحة حقوقهم وإبادتهم. فكانت كل الحركات العنصرية وتجارب الإبادة الشاملة لأمم من أجل سلب أراضيها وثرواتها تتمثل زعما باصطفاء إلهي ومهمة رسالية لأصحابها، تقليدا لزعم "الشعب المختار".

هذا ما رآه الكاتب الفرنسي ميشال بوغنون - موردا مثلا في كتابه "أمريكا التوليتارية" المنشور سنة 1997 إذ رأى أن "التفكير الجمعي الأمريكي يقوم على قاعدة أيديولوجية راسخة محورها أن الولايات المتحدة قامت كمجتمع ودولة أصلا لأنها مكلفة برسالة سامية، وبناء على هذا الإيمان يركن التفكير الجمعي الأمريكي إلى يقين راسخ بأن أداء هذه الرسالة يفرض استخدام كل الوسائل دون تحريم أو تردد. هذه العناصر مكونات رئيسية في جوهر الولايات المتحدة كدولة، وفي مواقفها وإسقاطاتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والثقافية بالنسبة لباقي العالم".

لكن المؤرخ البريطاني البارز إرنولد توينبي لم يتردد في فضح تستر المحتلين والمستعمرين ومغتصبي أوطان وثروات الأمم الأخرى برسالة سامية وتفرد بتكليف أو اصطفاء إلهي قناعا لتحقيق أغراضهم وإشباع شهوة القتل والنهب لديهم، إذ قال: "كنت دائما أخشى القول بأن القراصنة -لا العباقرة- هم الذين يصنعون التاريخ الذي هو في حالته الراهنة الابن غير الشرعي للجغرافيا".

على نفس النهج، جاء المؤرخ الأمريكي هوارد زين، أستاذ التاريخ في جامعة بوسطن، لينقض التاريخ الرسمي المتداول الذي صاغه المنتصرون وأصحاب النفوذ ليوافق أهواءهم ومصالحهم، وساعدهم كتبتهم في تزويره، وهكذا قدم ما أسماه التاريخ المضاد، تاريخ المقهورين والضحايا، عبر كتابه الضخم "تاريخ شعبي للولايات المتحدة الأمريكية من عام 1492 حتى الآن". تعمد الكاتب أن يجعل نقطة بدء تأريخه الشعبي للولايات المتحدة وصول كرستوفر كولومبوس ورجاله إلى الأرض التي اكتشفوا لاحقا أنها ليست الهند، مقصدهم الأصلي، وإن كانت أكثر ثراء وأسهل نهبا لثرواتها من الهند، الأرض التي أسموها لاحقا أمريكا، والتي كرس الأوربيون أن كولومبوس قد اكتشفها، وكأن حياة عشرات الأمم والشعوب والقبائل من سكانها الأصليين لآلاف السنين فيها قبل ذلك الحين لا يدخل في حساب الحياة الإنسانية مادام الأوربيون لم يكونوا قد عرفوها بعد.

وهكذا شدد هوارد زين في الفصل الأول المعنون "كولومبوس والهنود والتقدم الإنساني"، من خلال الرجوع إلى يوميات كولومبوس نفسه ووثائق أخرى، على أن الدافع إلى الرحلة أصلا كان جشع كولومبوس وشغفه بغرف أكبر كميات ممكنة من الذهب والتوابل.

قبل أن نسترسل في وصف كولومبوس كيف مارس هو ورجاله القتل الجماعي والإبادة الشاملة بحق أهل تلك البلاد، نقرأ سريعا من واقع يوميات كولومبوس نفسه، وفقا لمصدر آخر، أنه ختم صلاته لدى بدء رحلته الأولى بقوله: "فليساعدني المولى برحمته على أن أحظى بهذا الذهب.." (6)، أما الغرض الذي أراد توظيف ما طمع بجلبه من ذهب لتحقيقه فأوضحه بجلاء إذ حدد غاية رحلته إلى الهند بقوله: "كان ذلك بنية الذهاب إلى مولانا الملك ومولاتنا الملكة للتوسل إليهما من أجل أن يتخذا قرارا بإنفاق العائدات التي يمكن أن يجنياها من الهند لاستعادة القدس" (7)!..

ركز هوارد زين على استهجان كولومبوس ورجاله للاستقبال الودود الدمث الذي استقبلهم السكان الأصليون به لدى وصول سفنهم شاطئ الأرض التي أطلق عليها لاحقا اسم أمريكا. اعتبر كولومبوس أن تدافع هؤلاء السكان إلى السفن حاملين الهدايا يقدمونها للغرباء الذين يرونهم للمرة الأولى بمثابة سذاجة. وكرر مرارا التعبير عن دهشته لتخلي هؤلاء السكان عن الذهب وممتلكات أخرى للغرباء بلا مقابل، بل واستجابتهم مبتسمين لكل ما طلب الغرباء منهم تقديمه.

تباهى كولومبوس بأن رجاله قد أخضعوا هؤلاء "السذج" لقهر شديد واستغلال موغل في البشاعة، ونقلوا بعضهم قسرا إلى اسبانيا عبيدا، وأعملوا سيوفهم في رقاب من تردد أو تلكأ، كما كان رجال كولومبوس يستمتعون بتعذيب هؤلاء وقتلهم ببطء لتبديد الضجر وتمضية الوقت والتغلب على السأم. ومع اشتداد وطأة هذه التجربة على السكان الأصليين راح الآباء فيهم يقتلون أبناءهم بأيديهم لإنقاذهم من عذاب الموت تحت التعذيب السادي على أيدي الغزاة الأوربيين. بعد وقت قصير سادت ظاهرة الانتحار الجمعي بين السكان الأصليين، واضمحلت أممهم وقبائلهم سنة بعد أخرى حتى اختفت تماما بعد بضع عشرات من السنين، وأخذ الغزاة الأوربيون أوطانهم، بعدما نهبوا ذهبهم وثرواتهم ومزارعهم.

أكد هوارد زين عبر الوثائق أن الإبادة الجماعية التي مورست بحق السكان الأصليين للقارة الأمريكية قد كانت سياسة مخططة مبرمجة تم تنفيذها بدقة شديدة. ولكنه بينما اعتبر وصول الغزو الأوربي إلى تلك القارة نقطة البدء في إبادة الأمم، ونقطة البدء في تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية، فإننا نعتبر ذلك الوصول بداية مرحلة سبقتها مراحل أخرى ترتبط بها. قرأنا مثلا عبر مصادر كثيرة أن الصليبيين أعملوا قتلا في سكان القدس، فذبحوا منهم سبعين ألفا في يومين، معظمهم من النساء والأطفال والشيوخ، عندما دخلوها يوم 15-7-1099م الموافق 22 شعبان 492ه، بعد حصار خانق دام أربعين يوما (8). دخل فارس نورماندي اسمه تانكريد حرم المسجد الأقصى بعد صلاة الجمعة مباشرة في ذلك اليوم على رأس مجموعة من جنود الغزاة المدججين بالسلاح، وبدأوا سرقة المصابيح الذهبية والفضية من مسجد الصخرة والمسجد الأقصى، ليكتشفوا بعد حين أن ثلاثة آلاف من المصلين قد احتموا بالمسجد الأقصى، طلب منهم تانكريد الاستسلام فاستسلموا وهم أصلا جاؤوا للصلاة وليس لديهم سلاح، لكن تانكريد طلب فدية كبيرة ليضمن حياتهم، فأرسلوا بعضهم لإحضار الفدية، وما إن توفرت تلك الفدية واستلمها تانكريد في اليوم التالي وبعد أن نصب رايته على المسجد الأقصى دليل منح الملتجئين إليه حمايته، حتى نقض الصليبيون عهدهم وذبحوا كل الثلاثة آلاف الذين كانوا في المسجد، ووصف أحد الغزاة الصليبيين المذبحة مؤكدا أنه خاض في دماء المصلين وجثثهم إلى ركبتيه (9).

قبل ذلك، وفي طريق جيوش الغزاة الصليبيين إلى القدس، تم اجتياح العديد من المدن وإبادة معظم سكانها. نقرأ مثلا اعتراف المؤرخ الفرنسي ألبير دكس أنه كان ضمن القوات الصليبية التي غزت معرة النعمان، بلدة أبي العلاء المعري، فجر يوم 12-12-1098، أي بعد أربعين سنة من وفاة شاعرها وفيلسوفها أبي العلاء المعري، مؤكدا مارواه مؤرخ فرنسي آخر هو راؤول دي كين من أن مفاوضات أعقبت حصار البلدة قد انتهت إلى تعهد قائد الجيش الصليبي بوموند بمنح سكان البلدة الأمان إن هم استسلموا، فوافق السكان ورفعوا الأعلام البيضاء على أسوار مدينتهم ومداخلها ومبانيها، لكن الغزاة اقتحموها بعد ساعات وأعملوا في سكانها ذبحا حتى قتلوا مئة ألف شخص، ثم أحرقوا كل بيوتها وهدموا ما بقي من أطلال الجدران بعد الحريق، فلم يبق حجر فوق حجر في المدينة.

قال دي كين: "كان جماعتنا يغلون مسلمين بالغين في القدور، ويشوون الأولاد في سفافيد ويلتهمونهم مشويين" (10). بينما أكد ألبير دكس الواقعة، كما أكدها مؤرخ آخر هو رادلف نقلا عن تانكريد النورماندي من أسرة دي هوتفيل، وشدد راؤول دي كين على القول: "لم تكن جماعتنا لتأنف وحسب من أكل قتلى العرب والأتراك، بل كانت تأكل الكلاب أيضا". عانى تانكريد أزمة نفسية وإيمانية فلجأ إلى بابا روما أوربان الثاني لينقذه من أزمته، فقال البابا: القتل ليس خطيئة بالضرورة، فالمسألة تتوقف على من هو الذي تقتله. فإذا قتلت أعداء المسيح، على نحو ما تفعل لتخليص القدس من الكفرة، لا تحتاج إلى التكفير، فالذبح المقدس يجلب المغفرة مثل الصلاة والصوم والحج..(11).

تفرض الدهشة نفسها علينا من مدى خضوع المجتمعات الغربية وامتداداتها لشهوة القتل على نحو غير إنساني عندما نقرأ للكاتبين الأمريكيين إدموند ستيلمان ووليم بفاف في كتابهما "سياسة الهستريا" الصادر سنة 1964 تفسيرا لراهن عالمنا في ظل الهيمنة الغربية يعود إلى نفس تلك الغزوات الصليبية التي اجتاحت كلا من المشرق العربي والمغرب العربي أيضا، فقد نقلا عن المؤرخ الفرنسي فرديناند نيل أن الصليبيين زحفوا من مدينة مونبيلييه يوم 20-7-1209، وبلغت قواتهم أسوار مدينة بيريه، فتوسط رجال الكنيسة في المدينة لمنع القتال، لكن الصليبيين اشترطوا تسليمهم كل الهراطقة (الكاثار) في المدينة، ولما حاول أهل المدينة تجاوز هذا الشرط، فرض الجيش الصليبي الحصار، فسعى أهل المدينة إلى التسلل والهرب، لكن الصليبيين ردوهم واقتحموا المدينة، فبدأت مذبحة أفزعت مقدماتها السكان فاحتموا بالكنائس وطمأنهم الرهبان بالصلاة وقرع الأجراس، لكن الجيش الصليبي اقتحم الكنائس واحدة بعد الأخرى وذبح الملتجئين إليها. تم ذبح سبعة آلاف في كنيسة واحدة ثم إحراقها، وتكرر الأمر في باقي الكنائس، ظل الصليبيون يعملون ذبحا ونهبا وحرقا حتى احترقت المدينة بأسرها بعد يومين، وقتل مئة ألف من سكانها. ربما بولغ في هذا الرقم بحيث يكون الثلاثين ألف قتيل هو الرقم الصحيح، لكن المؤكد أنه قد تم قتل كل أهل المدينة. وقد سئل راعي أبرشية (سيتو) في هذا الغزو عن الوسيلة الكفيلة بتمييز الكاثوليك عن الهراطقة فأجاب: "احرقوهم جميعا، وبعد ذلك سوف يعرف الله جماعته"!

أشار الكاتبان الأمريكيان في هذا الكتاب إلى انخفاض عدد سكان ألمانيا والنمسا في حرب الثلاثين عاما الدينية (1618 - 1648) من واحد وعشرين مليون نسمة إلى ثلاثة عشر مليونا فقط، وانخفض عدد سكان بوهيميا - بؤرة تلك الحرب- من مليونين إلى سبعمائة ألف نسمة، وبقي من أصل خمسة وثلاثين ألف مدينة وبلدة وقرية فيها تسعة وعشرون ألفا فقط.

نقل الكتاب وصف المؤرخ البلجيكي هنري بيرنيه مشاهداته أثناء تلك الحرب: "بات عرفا لدى الجميع أن يذبح كل من يرفض الاستسلام في تلك الحرب، وقد شعر الجنود أن المدنيين أهداف مشروعة، ولذلك كانوا يطلقون النار على أقدام المارة المدنيين في الشوارع للتسلية، وكثيرا ما راحوا يصادرون العديد من هؤلاء المدنيين باعتبارهم خدما، ويخطفون أطفالهم طلبا للفدية، ويحرقون كنائسهم للاستمتاع. لقد قطعوا أطراف رجل دين بروتستانتي لأنه قاوم تدمير كنيسته، وربطوا القساوسة تحت عجلات العربات وأرغموهم على الزحف على أربع حتى الإغماء... وفي الألزاس، كانوا يقطعون جثث المشنوقين ويلقونها للراغبين في أكلها، وفي بلاد الراين كانت جثث الموتى تخرج من قبورها لمقايضتها بالطعام، وفي زوبريكن اعترفت امرأة بأنها أكلت ولدها!!

قبل أن ننتقل مع الكاتبين الأمريكيين إلى ملاحظاتهما على تطور "مواهب القتل" وتصاعد "شهوة القتل للقتل" في القرن العشرين، نتساءل إزاء شهادات المؤرخين الأوربيين عن حروب إبادة وحشية خاضها مسيحيون ضد مسيحيين على هذا النحو: هل جاء في نفس السياق ما وصفه المؤرخون بالموت الأسود الذي أباد ربع سكان أوربا في العامين 1347 و1348 نتيجة جريمة جماعية ارتكبها اليهود عندما قاموا بتسميم منظم لآبار الشرب وينابيع المياه، أم أن اليهود قد نافسوا الصليبيين إمعانا في القتل الجماعي وتطبيقا لتعاليم مثل ما جاء في سفر التثنية - الإصحاح 20 (13): فاضرب جميع ذكورها بحد السيف، وفي سفر يشوع: الإصحاح 6 (121): وحرموا كل ما في المدينة من رجل وامرأة، من طفل وشيخ، حتى البقر والغنم والحمير، بحد السيف، وفي سفر الملوك: الإصحاح 3(19): وتقطعون كل شجرة طيبة، وتطمرون جميع عيون الماء، وتفسدون كل حقل جيد. ألم يزوّر أحبارهم هذه التعاليم مثلما زوروا إلها لهم أسموه (يهوه) جعلوه يحرض أتباعه على قتل الكنعانيين في فلسطين، بكل نسائهم وأطفالهم وشيوخهم؟

لئن عرف القرن العشرون تجديد هذا النزوع اليهودي الجامح إلى ممارسة القتل الجماعي عبر مجازر متلاحقة شملت سكان عشرات المدن والقرى الفلسطينية، ثم العديد من مخيمات اللاجئين الفلسطينيين أيضا بعدما استطاعت الغزوة الصهيونية اغتصاب معظم أرض فلسطين واقتلاع معظم شعبها وتشريده في المنافي سنة 1948، كما تلاحقت المجازر الجماعية التي نفذها الصهاينة في بلدان عربية أخرى فإن تلك المجازر التي أصبح العديد من قادتها أو من المشرفين عليها رؤساء حكومة في الكيان الصهيوني (مناحيم بيجن، إسحاق شامير، إسحاق رابين، شمعون بيريز، إيهود باراك، بنيامين نتنياهو، أريئيل شارون) تلتقي في جذورها مع مذابح أخرى مارسها المستوطنون الأوربيون في مناطق أخرى من العالم.

تلتقي مجازر الغزاة الصهاينة في دير ياسين والطنطورة وناصر الدين والدوايمة وكفر قاسم وخان يونس ورفح وقبية والقدس والخليل وغزة وجنين ونابلس وغيرها من المواقع الفلسطينية، وكذلك في مدرسة بحر البقر الابتدائية المصرية ومصانع أبو زعبل قرب القاهرة ومخيمي صبرا وشاتيلا في بيروت وحمام الشط في تونس وقانا في جنوب لبنان، مع المذابح التي تمت عبرها الإبادة الشاملة لشعوب المايا والإنكا والإزتيك وسواها من السكان الأصليين للقارة التي صار اسمها أمريكا على أيدي المستوطنين الأوربيين، والإبادة الشاملة التي مارسها المستوطنون البريطانيون بحق الأبوريجيين، السكان الأصليين للأرض التي أسماها غزاتها البريطانيون أستراليا، والعديد من المذابح التي شهدتها الصين والهند وبلدان أفريقية كثيرة.

قال الكاتبان الأمريكيان ستيلمان وبفاف في كتابهما "سياسة الهستيريا":

إن القرن العشرين قد شهد نزعة طاغية إلى تكريس سلوك جمعي غربي راسخ توارثته الأجيال هو ممارسة القتل باسم الله! هذا السلوك "هو الذي جعل بريطانيا تستخدم ما أسمته عاصفة النار في غارتها ليلة 27 يناير 1945 على مدينة هامبورغ الألمانية فأحرقت المدينة بكاملها"، وبين 24-7 و 29-7 زاد عدد القتلى في هامبورغ وحدها على اثنين وأربعين ألف قتيل، ويزيد بعضهم العدد إلى مئة ألف، وفي مدينة كاسل مات سبعون في المئة من القتلى اختناقا.

أما الهجوم الوحشي غير المبرر على مدينة درسدن بغارات جوية أمريكية وألمانية فقد حصد بقنابله مئة وخمسة وثلاثين ألف ضحية في ليلة واحدة، ليلة 13-2-1945م. وثبت لاحقا للباحثين على نحو قاطع أن درسدن لم تكن فيها قوات عسكرية ألمانية أو أهداف حيوية أو مصانع عسكرية تستدعي مثل تلك الغارات، وإنما كان معروفا تماما للقيادتين الأمريكية والبريطانية أن القصف سيصيب المدنيين فقط، وأن نصف هؤلاء المدنيين من الفلاحين وسكان المدن القريبة الذين لجأوا إلى درسدن في الأسابيع الأخيرة التي سبقت قصفها متوقعين أن تكون أكثر أمانا لخلوها تماما من الأهداف العسكرية التي تشكل إغراء بالقصف.

لقد بلغ هذا العدد من القتلى في درسدن وحدها ضعف مجموع القتلى البريطانيين الذين حصدتهم الغارات الألمانية طوال سنوات الحرب العالمية الثانية. ذلك أن التبرير الأمريكي - البريطاني لتلك الغارات كان الانتقام لضحايا غارات الطائرات الألمانية قبل سنوات على مدن بريطانية. أكثر من هذا، تبين أن قيادة الحلفاء كانت على علم أكيد قبيل تلك الغارة بانهيار هتلر ونظامه وقرب استسلام جيشه، بحيث لم يكن لتلك الغارات التي قتلت ذلك العدد الهائل من المدنيين أي تأثير على مسار الحرب وميزان القوة العسكرية.

إنه نفس ما حدث في شهر آب (أغسطس) من العام 1945 على الجبهة اليابانية. فعلى الرغم من رسائل رسمية وجهتها الحكومة اليابانية للحكومة الأمريكية عارضة استعداد اليابان للاستسلام وإنهاء الحرب، أصرت القيادة الأمريكية على استخدام السلاح النووي للمرة الأولى في تاريخ البشرية ضد مدينة هيروشيما اليابانية، مع يقينها بأن المدنيين فقط سيدفعون الثمن باهظا لأداة القتل الجماعي الرهيبة تلك، وأن تدمير هيروشيما تماما وقتل مئتي ألف من سكانها لم يكن ليؤثر على مسار العمليات الحربية ولا على تطور القتال، وإنما هو رسالة إلى باقي أمم العالم تظل حية لعقود طويلة، تثير الهلع والفزع والرعب على امتداد العالم، إذ تذكّر كل من يختلف مع الولايات المتحدة أو يعترض على هيمنتها بأن الذين دمروا هيروشيما وأبادوا سكانها في لحظات يستطيعون تكرار استخدام نفس سلاح التدمير الشامل والإبادة الجماعية ضد أي خصم آخر، متى شاؤوا!

لكن الأمر لم يتوقف عند ذلك الحد من إرهاب العالم بأسره، فبعد ثلاثة أيام من رصد نتائج ذلك التفجير النووي فوق هيروشيما، وبينما العالم في ذهول غير مسبوق، ألقت الطائرات الأمريكية قنبلة نووية ثانية أكبر حجما وأشد تدميرا على مدينة ناغازاكي اليابانية، على الرغم من أنها، شأن هيروشيما، لم تكن تضم أهدافا عسكرية يابانية تغري بتدميرها. لحسن الحظ -نسبيا- كانت الخسائر الناجمة عن القنبلة الثانية الأكبر حجما المسماة "الرجل البدين" أقل من الخسائر الناجمة عن القنبلة الأصغر المسماة "الولد الصغير" بسبب الطبيعة الجغرافية والتضاريسية لمدينة ناغازاكي التي حدّت من تأثيرات الانفجار المباشرة والإشعاع الناجم عنه لاحقا.

لقد تصور كثير من البشر أن الحربين العالميتين الأولى والثانية اللتين تسببتا في مقتل خمسة وستين مليونا من البشر وجرح مئة وعشرة ملايين، قد أفرغتا من الحقد المخزون والشهوة الجامحة للقتل ما يسمح للبشرية بتوقع قرن كامل أو عدة قرون من الهدوء والسلام في العالم. لكن الحروب الإقليمية والمحلية سرعان ما تلاحقت بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، حرب في فلسطين وأخرى بين الهند وباكستان عقب استقلالهما، وحرب كبرى في كوريا ثم في فيتنام، إلى أن تجاوز عدد الحروب التي شهدها العالم في النصف الثاني من القرن العشرين المئة حرب، كان أكثرها مفتعلا ومبرمجا من قبل دول كبرى وشركات صنع أسلحة وأصحاب مصالح كبرى.

رأى روجيه جارودي -شأن كثيرين- أن صناعة السلاح أساسا هي التي جعلت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأولى في العالم بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى، وجعلتها تملك نصف ثروة العالم بعد الحرب العالمية الثانية التي جاءت حلا نهائيا للأزمة الاقتصادية التي عصفت بالولايات المتحدة منذ العام 1929. كذلك جددت الحرب الكورية الازدهار الاقتصادي في الولايات المتحدة، تماما مثلما فعلت الحرب ضد العراق، مع ارتفاع مستمر في إنتاج وبيع الأسلحة الأمريكية (12).

خلص جارودي، في تحليل لَحَظَ، مع أمور أخرى، هذا الدور المحوري لصناعة السلاح الأمريكي ومبيعاته وما تقتضيه من افتعال حروب وتغذيتها على امتداد العالم، إلى القول بأن "انحطاط الثقافة الذي يلعب دورا منظما في حياة المجتمع الأمريكي إنما ينحدر من طبيعة تاريخ الولايات المتحدة" (13)، إذ قام مجتمعها أصلا نتيجة غزو بلاد الآخرين، والإبادة الجماعية الشاملة لأصحاب تلك البلاد، والإلغاء المعنوي لملايين الأفارقة الذين تم اقتلاعهم من قارتهم بالقوة وإحضارهم عبيدا أرقاء إلى القارة الأمريكية لخدمة المستوطنين الأوربيين. وهنا يلتقي كثير من المفكرين العنصريين مع صمويل هنتنجتون، داعية صدام الحضارات الذي بات أحد أهم مستشاري الرئيس جورج بوش الابن، إذ اعتبر "الأسلحة المتطورة العنصر الرئيسي للتمييز بين الغرب والأمم التي تعاديه، فالغرب من حقه امتلاك ما لديه من أسلحة متطورة مهما كانت رهيبة التدمير لأنه عاقل ومتحضر، بينما الأمم الأخرى ليست جديرة بالثقة لأنها ليست عاقلة ولا متحضرة، وبالتالي لا يجوز السماح لها بامتلاك أسلحة متطورة".

كذلك رأى نعوم تشومسكي أن الهيمنة على العالم سياسة ثابتة للولايات المتحدة مكرسة لخدمة مصالح المهيمنين على الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية الأمريكية من أرباب الصناعة والتجارة الذين يرسمون استراتيجيات كونية لإحكام السيطرة على العالم. وهذا ما يؤكده د. محمد عابد الجابري في مقالة عنوانها "الغرب مصالح ولا شيء غير المصالح"(14) مستشهدا بمقالة جراهام فوللر التي نشرها في مجلة الشؤون الخارجية الأمريكية ردا على مقولة هنتنجتون حول صراع الحضارات، إذ قال إن الصدام الحضاري ليس صداما حول المسيح أو كونفوشيوس أو النبي محمد (صلى الله عليه وسلم) بقدر ما هو صراع سببه التوزيع غير العادل للقوة والثروة والنفوذ، والازدراء التاريخي الذي تنظر به الدول والشعوب الكبرى إلى الصغرى.

ولكن حتى لو أخذنا بوجاهة هذه النظرة، فهل يكفي التفسير الاقتصادي أو المصلحي لظاهرة ممارسة القتل الجماعي إلى حد الإبادة الشاملة، ولانتشار مدرسة راسخة يمارس أتباعها القتل للقتل بذاته، أو للاستمتاع بالقتل؟! ألم يرفع الصهاينة وأنصارهم في الولايات المتحدة شعار "ادفع دولارا تقتل عربيا" على امتداد الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، بحيث انتشر شعارهم على جدران الشوارع والمقاهي والمطاعم وفي الحافلات والقطارات دون أن تشكل هذه الدعوة العنصرية العلنية المفتوحة للقتل مدعاة قلق للضمير الفردي والجمعي الغربي؟!

ألم يكرر العديد من قادة الكيان الصهيوني شعارهم الدنيء "العربي الجيد هو العربي الميت"، دون أن يحتج سدنة حقوق الإنسان في الغرب؟ ألم يكرر هنري كسينجر مرارا وهو يتولى الخارجية الأمريكية القول بسخرية وحقد: اليهود وحدهم يفهمون العرب، إنهم يقتلونهم لكي يفهموهم"، جاعلا من قتل الآخر وسيلة لفهمه؟!

أليس هذا هو ما ذهب إليه اليهودي الآخر وولف ويتز، نائب وزير الدفاع الأمريكي، مستخفا عندما توقع صحفي احتجاجا عربيا على إيغال الإدارة الأمريكية بدعم وحماية ما ترتكبه إسرائيل، إذ قال: "الموتى لا يتكلمون" معتبرا ثلاثمئة مليون من العرب مجرد موتى برداء أحياء، أو أحياء مرشحين للموت؟

إنه نفس الالتزام بالقتل الجماعي فلسفة وسبيلا إلى تحقيق الذات وضمان مصالحها الذي جعل جون كيلي مساعد وزير الخارجية الأمريكي يدعو بلاده فور انتهاء حرب الخليج الثانية إلى "نشر الجثث الإقليمية (دولا وشعوبا) على امتداد العالم إذا أرادت الولايات المتحدة أن تنقذ نفسها من المصير الذي آلت إليه كل الامبراطوريات السابقة عندما أصيبت بفيروس اسمه التاريخ".
الهوامش:
(1) Victor Davis Hanson Carnage and Culture Landmark Battles in the Rise of Western Power.
(2) زبيجنو بريجنسكي، القوة والبعد الأخلاقي، المجلة، لندن ، 2-4-1993، ص 52.

(3) سيرج لاتوش، تغريب العالم، ترجمة خليل كلفت، لندن، دار العالم الثالث، 1984. انظر أيضاً عرض سعيد الكفراوي للكتاب في مجلة العربي، الكويت، العدد 430، أيلول- سبتمبر 1994، ص 197- 201.

(4) الاتحاد، أبو ظبي، 17-5-2002، ص 30.

(5) دو غلاس ريد، جدل حول صهيون، ترجمة غياث كنعو، دار الحصاد، دمشق، ط2، 1998، ص 114.

(6) من كتاب البحاثة تزفيتان تودوروف الموسوم "غزو أمريكا: مسألة الآخر"، ص 16، نشرت مجلة " الوحدة"، الشهرية الصادرة في الرباط، ترجمة الكتاب التي أنجزها د. عبدالكريم حسن و د. سميرة بن عمو في عدد سبتمبر 1992، ص 130.

(7) المصدر السابق، ص19.

(8) فهمي جدعان، أسس التقدم عند مفكري الإسلام، دار الشروق، عمان، 1988، ص 81.

(9) Terry Jones Alan Ereira, Crusades, B. B. C., London,

(10) أمين معلوف، الحروب الصليبية، ترجمة د. عفيف دمشقية، دار الفارابي، بيروت، ط2، 1993، ص61، نقلا عن عدة مصادر أوربية موثقة.

(1) Terry Jones Alan EReira, Crusades

(12) روجيه جارودي، الولايات المتحدة طليعة الانحطاط، ترجمة مروان حموي، دار الكاتب، دمشق، 1998، ص 27- 29.
 
رد: ثقافة القتل عبر التاريخ...!!??

من قلم : توفيق الحاج تصميم عرب تايمز ..... جميع الحقوق محفوظة
نحن ..وثقافة القتل..!!
قبل أي ذكر للحقيقة الساطعة في تتبعنا لمسيرة العنف والقتل عبر تاريخنا الطويل أقول بداية أنه يجب الفصل تماما بين مبادئ وارث ديننا الحنيف كرسالة سماوية وما نقلته المراجع التاريخية عن مسلسل الاغتيالات والمؤامرات والحركات الدموية في التاريخ الإسلامي والعربي..!!
فظاهرة القتل والاغتيال السياسي ليس مبعثها دين أو مبدأ إنساني قط وإنما مبعثها شهوة بشرية جامحة للحكم والسيطرة وقد وجدت هذه الظاهرة منذ الأزل بوجود قابيل وهابيل ومما يسهم في تأجيجها أيضا رد الفعل الناتج عن ظلم حاكم أو قهر محكوم ..!!
لقد بدأ التاريخ الإسلامي بمحاولة اغتيال قريش للنبي محمد عليه الصلاة و السلام في مكة بخطة خبيثة تفرق دمه بين القبائل أراد الله لها أن تفشل..!!
ومبعث هذه المحاولة لم يكن الا خوف قريش على مكانتها الدينية والسياسية والاقتصادية.
وتلتها عدة محاولات يهودية فاشلة هي الأخرى لاغتياله في المدينة سواء بإلقاء حجر كبير أو بدس السم له في كتف شاه..!!
ولعل الأسباب نفسها هي التي جعلت يهود المدينة أن يقوموا بما قاموا به.
ثم كانت أول محاولة اغتيال سياسي ناجحة للخليفة الثاني الفاروق عمر على يد أبي لؤلؤة المجوسي وكان أن قتل القاتل وأثنين معه على يد ابن الخليفة القتيل دون أن يلحقه القصاص.. وكان ذلك أول مأخذ تاريخي على الخلافة الجديدة!!
وتتم تصفية الخليفة الثالث عثمان بن عفان بشكل بشع للغاية بعدما حاصر الثوار المصريون داره ومنعوا عنه الماء ثم تسوروا عليه وقتلوه وهو يقرأ القرآن..!! في حين تخاذل عنه المقربون والمتاجرون بقميصه وأولهم معاوية أملا بأن تؤول إليه الأمور وقد تحقق ذلك بخدعة التحكيم الشهيرة التي أحدثت شرخا عميقا في الصرح الإسلامي وباغتيال علي كرم الله وجهه الخليفة الرابع على يد الخارجي عبد الرحمن ابن ملجم..بعد أن انغمس الصحابة و السيدة عائشة أم المؤمنين معه في أتون الصراع السياسي وخاضوا موقعة الجمل وجها لوجه .
ثم تقوم الدولة الأموية لما استتب الأمر لها قليلا بالقضاء على الحسين في كربلاء وبدس السم للحسن عن طريق زوجته التي أملها معاوية بالزواج منها بعد ذلك..!!
وقام معاوية بإرهاب صريح للصحابة فإما البيعة ليزيد وإما السيف والقصة معروفة للجميع..!!
ويتجلى الصراع الدموي بين الأمويين والعباسيين والعلويين ويصل الى درجة تتجاوز كل المحرمات والشرائع بقصف الكعبة بالمنجنيق على يد الحجاج وتعليق جثة ابن الزبير على صارية حتى تساقطت أعضاؤه الى أن ترجل الفارس..!! وقتل على زين العابدين والتمثيل بجثته واللهو بجمجمته ككرة قدم..!!
ولما دارت الدوائر على الأمويين وتولى العباسيون مقاليد الأمور قام هؤلاء بنبش كل قبور الخلفاء الأمويين ماعدا الخليفة العادل عمر بن عبد العزيز وقتلوا من خصومهم الكثير الكثير ..!!
وبالرجوع إلى المراجع الإسلامية أولا والمحايدة ثانيا فان الخلافتين الأموية والعباسية مارستا على السواء إرهابا فكريا صارما وتصفيات جسدية شائنة للمعارضين و لبعض أشهر الشعراء والكتاب في حينه بتهم الزندقة كما حدث لبشار بن برد والحلاج وابن المقفع وابن رشد وأبو العلاء المعري والخيام...و...و...!!
كل ذلك عدا مانقل عن موبقات الترف والانحلال في قصور الولاة والحكام .
قد يقول قائل أنك تتجنى بذلك على عصر الفتوحات الإسلامية الزاهي وأنا أقول ببساطة أن الفتوحات كلها بما لها من عظيم الأهمية والأثر لا تشفع لخليفة أو سلطان أيا كان أن يقتل إنسانا ظلما..!!
ونمضي قدما لنري الإرهاب والاغتيال السياسي باسم الدين أخذا يتفاقمان على يد الطائفة الإسماعيلية فقد قام الحشاشون بتوظيف جنة قلعة " ألموت " لتجنيد اتباعهم من أجل اغتيال معارضيهم من خلفاء ووزراء وقادة الى درجة أن ولاة الأمر في ذلك الزمن بحثوا عمن يستخلفوه على الأمة فلم يجدوا من فرط الخوف..!!
ومن الطريف أن تتشابه الأحداث التاريخية فيما بعد وتنتهي غالبا بتصفية الخليفة قتلا أو سما أو خنقا من أهله أو أتباعه أو أعدائه إلى درجة أن أكثر من 90% من الخلفاء المسلمين قضوا على هذا النحو..!!
ونصل بالأحداث إلى عام 1928 عندما انشأ الشيخ الإمام حسن البنا حركة الإخوان المسلمين وهي حركة سياسية ذات منطلقات دينية تسعى الى الحكم وذلك في جو من رضا الملك فؤاد الذي كان يمني نفسه بالخلافة وجند مشايخ الازهر للدعوة اليها وقام بقمع معارضيها وأكبرهم الشيخ على عبد الرازق..!! كما وأن الشواهد التاريخية تثبت دعم الانجليز المادي للحركة عن طريق شركة قناة السويس التي مولت بناء مسجد جديد لها في الاسماعيلية بغرض مواجهة مد التيار الوطني المتمثل في قوة دفع ثورة 1919.
وقد أسست الحركة بعد تعرضها لتحديات قاسية "الجناح الخاص " الذي يتولى مواجهة خصوم الحركة بالتصفية والاغتيال خاصة بعدما لقي أنصارها من قتل وعنت شديد في المظاهرات والاحتجاجات الاخوانية ومن هنا فان حركة الإخوان تبنت ثقافة القتل والاغتيال من خلال ارث سياسي طويل ولم تأت بجديد..!!
لقد قامت الحركة بعدة اغتيالات كان أهمها اغتيال النقراشي باشا رئيس الحكومة المصرية في ذلك الوقت مما أثبت أن الجهاز الخاص بقيادة "عبد الرحمن السندي" اشتط كثيرا و قام بعمليات تصفية حسابات حتى في داخل الحركة وثبت فيما بعد أن اغتيال النقراشي تم دون الرجوع الى الإمام مما دعا الشيخ نفسه الى الاعتذار إلى الملك في دفتر التشريفات والتبرؤ علنا مما فعل السندي وجهازه في مقال كتبه للصحافة يدين به الاغتيال تحت عنوان " ليسوا إخوانا وليسوا مسلمين "..!! ولكن ذلك لم يكن كافيا لمنع تصفيته وبنفس الطريقة على يد زبانية فاروق..!!
ولا يغفل منصف ما قامت به حركة الإخوان المسلمين بعد ذلك من جهد نضالي كبير في حرب تحرير فلسطين وهذا يعد رصيدا تاريخيا عظيما دفعت ثمنه المئات من خيرة شبابها وكوادرها..لانه كان ببساطة في الاتجاه الصحيح..!!
ومع قيام ثورة 1952 حاولت الحركة جاهدة احتواء الثورة والتحكم بقيادتها من خلال محمد نجيب خاصة وانه كان لها بعض الموالين ومستفيدة من شهر العسل ومن قرار استثنائها من حظر الأحزاب لكنها لم تفلح ومن ثم كانت القطيعة وحلت الحركة التي ردت بحادث اغتيال عبد الناصر في المنشية عام 1954 ورغم أن الحركة تنفي للآن مسئوليتها عنه وتعتبر أن ما جرى ليس الا مسرحية للتخلص منها إلا أنها تؤكد بالمقابل أنها خططت فعلا لقلب نظام حكم عبد الناصر نفسه عام 1964.وهذا مثبت في أدبيات الحركة..!!
والحقيقة أن نظام عبد الناصر تعامل مع رموز الحركة وكوادرها بمنتهى القسوة تماما كما فعل مع الشيوعيين
فاعدم من أعدم وعذب من عذب واعتقد أن أي مبررات عن حماية النظام في حينه مهما كانت وجاهتها لم تكن لتعطي النظام الناصري الحق في أن يفعل ما فعل..!!
ومع ظهور السادات بدأت حركة الإخوان المسلمين تنتعش من جديد في جو غزل سياسي مكشوف من الرئيس المؤمن تجاهها ودعمها في مواجهة التنظيمات الناصرية في الجامعات ولكن طموح الحركة كأن دائما وتلقائيا يتعاظم باتجاه الاحتواء و السيطرة والوصول الى الحكم وبالتالي تكرر سيناريو القطيعة بعدما خرج الاخوان عن النص ..وعانت الحركة من جديد وأخذت تتشظى منها جماعات إسلامية تكفيرية كثيرة اغتالت الشيخ الذهبي وآخرين منهم السادات نفسه في حادث المنصة الشهيرعام1981 ... وكان أن انقلب السحر على الساحر..!!
ثم تظهر أفغانستان في الصورة بعد الاحتلال الروسي وتستغل أمريكا وتوابعها من العالم العربي والإسلامي العامل الديني القوي لدى الحركة والتوجهات الإسلامية الأخرى والتي أطلقت صيحة الجهاد ضد الملاحدة الروس وتم بالفعل دعم المجاهدين بالمال والعتاد وتحقق النصر ..ولكن ما لبث أن تفتت المجاهدون بعد قليل بسبب المؤامرات الأمريكية والطموحات المتعارضة وتنازعوا فيما بينهم لينتهي الأمر بأصدقاء الأمس أن يصبحوا أعداء اليوم بعد أن استنفذت أمريكا أغراضها من الورقة الإسلامية ومثال أسامة بن لادن قاعدته واضح للعيان..!!

ويصل بنا التاريخ عبر هذا النفق الدموي المظلم الى يومنا هذا حيث يسود الظلم والقهر من الإمبراطورية المهيمنة ضد كل ما هو عربي و إسلامي ومما يساعد في ذلك بعض الممارسات الدموية الطائشة من قتل وذبح وتفجير هنا وهناك باسم الإسلام والمسلمين زورا يقع ضحيتها أبرياء..!!
انظروا إلى حركات الإخوان المسلمين الإقليمية وتأملوا كم هي بعيدة أو قريبة من البوصلة الاخوانية الأم التي أسسها الإمام البنا رحمه الله.
فإخوان العراق كانوا أول من رحب بالاحتلال الأمريكي وتعاونوا مع برايمر..!! وإخوان "البيانوني "في سوريا تحولوا علنا الى مخبرين في وكالة الاستخبارات الأمريكية ..!!
لقد أصبحت المصالح الخاصة والشهوة للحكم بوصلة كل حركة اخوانية إقليمية تأخذها في اتجاه خاص دون أدنى اعتبار لدين أو وحدة مصير..!!
ومن هنا يجب ألا يفاجأ المرء مما بينها من تناقض في المواقف أحيانا
ولم نبتعد..ودمنا تحت أقدامنا ومشاهد التمثيل بخلقة الله بين أيدينا وكأننا نعود بذلك إلى القرون الوسطى.. ومما يؤسف له أن يقوم المتناحرون المتشهون للسلطة في عالمنا العربي أحيانا بتصدير بياناتهم ضد خصومهم أو تضمينها بآيات جهادية من القرآن الكريم قيلت أصلا في المشركين الذين حاربوا الله ورسوله ولا تنطبق بحال على فئتين مختلفتين في الاجتهاد الدنيوي ولهما نفس الدين والعقيدة ولكنها أي الآيات هنا توظف بخبث لغرض سياسي يخدم فئة بعينها تنصب من نفسها بالباطل وكيلا لله في الأرض تكفر من تشاء وتعطي صكوك الغفران لمن تشاء بفتاوى ما أنزل الله بها من سلطان..!!
اني ومنذ فترة ابحث عن اجابة لسؤال يثير فزعي وحيرتي معا وهو كيف تصل الجرأة والوحشية بالمسلم أن يذبح و يقتل ويسحل أخاه المسلم بدم بارد ويتفنن في تقطيع جثته واللهو بها مع صيحات النصر و التكبير..؟!! هل السبب تربية الحقد أو كما يقال حبوب السعادة..؟!!
لقد رأيت بأم عيني مشاهد حيوانية لا تتصورها مخيلة ولا يقر بها عقل ولا تغفرها توبة.. ولا يشرفني حقا أن تجمعني ومقترفيها أي صفة من صفات البشر..!!
ولذلك لم يعد يدهشني ما يفعله اليهود من قتل لطفل وهو يلهو ببندقيته البلاستيكية..!! أو تقطيع لساقي مراسل صحفي بمشط كامل من الرصاص عيار 500 وفي بث مباشر..!!
اني بت على قناعة راسخة تؤكدها المعطيات التاريخية والآنية أن السياسة قادرة على تدنيس اطهر المبادئ وأعظمها وهناك فرق كبير أن تكون رجل حكم وسياسة أوأن تكون رجل دين ولا مجال للخلط بين الأمرين ثم ندعي الطهارة والنزاهة..!!
ان الدين الإسلامي بريء تماما من ثقافة القتل والاغتيال رغم انه يستغل في ذلك استغلالا قبيحا .. فهذه الثقافة الممتدة للأسف عبر التاريخ في محيطنا ليست من نتاجه وإنما هي مرة أخرى من نتاج شهوة الحكم والسيطرة.. نتاج يعبر عن إفلاس فكري وحضاري وإنساني قبل كل شيء..!!
هذه وجهة نظر بعيون مفتوحة على مصراعيها ليست مزاجية أو عشوائية بقدر ما هي مدعومة بالتاريخ وأرجو من القارئ الحصيف أن يقرأها بتمعن وألا يكون انتقائيا ويغلب هواه على الموضوعية ..!!
ان من السهل أن نرفض بانفعال مالا نحب أو ما لا نتعود..ومن الأسهل أن نتهم ونرجم ونخون ولكن من الأفضل لعقولنا أن نتمعن وندقق ونراجع ونقارن ونحاكم حتى ولو كلفنا ذلك عناء إعادة بناء وتركيب مفاهيمنا في الاتجاه الصحيح ، فليس بالضرورة أن يكون كل ما نستسهله ونتعوده ونركن إليه عاطفيا صحيحا .
وأنا ربما لا استطيع زحزحة القوالب الفكرية المسبقة ولكني أستطيع أن أدعو من يريد الاقتراب من الحقيقة وملامستها إلى إعادة قراءة التاريخ بتجرد وحيادية وربطه بالأحداث الجارية وأعتقد أن هذا الأمر من أولويات واجبي نحو قرائي.. أليس كذلك..؟!!
أخيرا سادتي القراء ..اغفروا لي تخففي من بصمتي الساخرة هذه المرة..لأن الدموع تملأ محجري والمقام لا يحتمل..!
 
رد: ثقافة القتل عبر التاريخ...!!??

اقتباس
.................................

التاريخ يختصر مسافات الإحباط والدهشة
ما أن يتلبسك الصمت أمام صورة دموية حية حتى تستفيق الذاكرة على (ثقافة القتل) المستوطنة في عمق ذلك الوجع المسمى (تاريخ) ذات غفلة وانكسار , معلنة عن انبلاج ليل جديد وسواد قاتم يتصادم مع الزهد والعبادة وسطوع الحقيقة


(الأعراب أشد كفراً ونفاقا)
منطق الهي رضخ للتجربة فكان القتل افراز طبيعي للتعصب المختزل (حصرياً) في الأجندة العربية على مر العصور والأزمنة , وفي جبين تاريخنا الإسلامي ما يوثق هذة المفارقة التي من خلالها قتل ثلاثة من الخلفاء الراشدين لم يشفع لهم تنفسهم الهواء ابان عصر صدر الإسلام وما ارتجلوا عنه من أرث خالد للأمة , ولحق بهم الخليفة الخامس في عصر ليس بالبعيد بسيناريوا (التسميم)
وبالرغم من أن ذلك المدعو (تاريخ) يؤكد على أن القتلة مجوس ويهود وفي بعض المناسبات (خوارج) الا أنه لم يتطرق الى أنهم (عرب أعراب) في جلباب مسلمين استحضروا بتعميد من بعض اصحاب رؤوس الأموال والجاه (ثقافة القتل) من جوف تزمت الجاهلية وبقايا طعنات حروب قبائل أبناء الجزيرة العربية (الهامشية) , لمصالح شخصية تكاد تنحصر في المال والمنصب وفي بعض الأحيان للإعتقاد بالكمال وإقصاء الطرف الآخر


من لم يمت بالقتل لم يمت بغيره
الواقع المعاصر تشرب هذة الثقافة بكل معطياتها وتداعياتها على الرغم من محاولات التشويش واعادة تأهيل الأحداث بما يتناسب مع حجم الأمة الإسلامية وثقلها وتأثيرها الا أن ثقافة القتل تسللت من خلال التركيبة العربية الى تركيبة الحدث وهي دائماً ما تحرص على الإطاحة بالرؤوس ذات (الكراسي) فكان الفيصل والسادات على موعد مع الموت في حين مؤامرة , لينكشف بعد ذلك القناع عن وجه هذة الثقافة فتشبث الخلف بالزنزانة والسجان ومواكب التحصين حتى أصبح الواحد منهم لا يموت الا على فراشه أو في أحد دور النقاهه لتعثر الوصول اليه والحاقه بالركب
وبعد أن فشلت تلك الثقافة في محاصرة الأفراد المستهدفين (بديهياً) تسابقت على الجموع في غلاف جديد ومطور من حيث الطرق والأدوات ومتواكب مع عمليات الثأر الفلسطيني المستحدث من اليهود , فأصبح الإنتحار (تفجيراً) حبكة العمل الثقافي ونقطة التقاء ممارسي هذا النشاط على أن تكون المواجهة مواجهة معتقد تحت غطاء التدين والإستشهاد في سبيل الله

 
رد: ثقافة القتل عبر التاريخ...!!??

وبما انو هذه الظاهر تركز على الادمغة والعقول في القتل والاغتيال راح ناخذ العراق الحبيب كنموذ ج عربي اخذ نصيب كبير من ثقافة القتل لدراسة هذه الظاهر

ثقافة القتل وثقافة الحوار
ــــــــــــــ

لابدّ من إرساء مشروع حضاري وإنساني للتأليف بين مكونات المجتمع العراقي، وتوثيق أواصرها؛ وما إقامة مؤتمر في ((رؤى الأكاديميين العراقيين في بناء العراق الجديد)) إن هو إلا انعكاس لرؤيتنا ـ نحن الأكاديميين ـ الإنسانية، ولمسؤوليتنا تجاه مجتمعنا العراقي والمجتمع الإنساني.

ولعلّ (ثقافة الحوار وقبول الآخر) التي ننادي بها في أوساطنا الجامعية وخارجها تُلقي علينا بالمسؤولية على أوضاعنا وقضايانا المصيرية، بحيث نكون نحن، ويكون الآخر جزءاً من الحلّ، إذ إن الحوار يُحرِّر الإنسان من مخاوفه، ومن وَهَم السّلطة.

نَعدّ (ثقافة الحوار) "مشروعاً حضارياً ــ يهدف إلى بناء المجتمع الانساني من خلال تشكيل الواقع، وبعثه نظيفاً سامياً بعيداً عن ثقافة الصمت والمسايرة، وبعيداً عن استعمال العنف الجسديّ والكلاميّ، واستبداله بالحوار، بوصفه استراتيجية للتداول بين الناس والأمم والشعوب والدول على اختلاف مذاهبهم سياسياً ودينياً وعرقياً وحضارياً ..الخ".

وإذا ما تأمّلنا كلمة (حوار) في أبعادها الدلالية وجدناها تحمل بعداً إنسانياً، ففي البدء كان الإنسان وكان الحوار، وكان من نتيجة ذلك هذا التعاون الذي أدى إلى نشوء حضارات باذخة بالقيم الثقافية والعمرانية.
بين ثقافة الحوار وثقافة القتل:

إنّ ظاهرة القتل عريقة في تاريخ البشر، متّخذةً أشكالاً متعددة كالثأر والردع والترهيب والانتقام، بدأت فرديةً ثم أضحت جماعيةً كالأقوام والجماعات وغيرها؛ ثم اتخذت أشكالاً أخرى مثل التجمعات السياسية والطائفية والعرقية، ولعل نشوءها دولةً أو في صورة نظام حكم معيّن أطلق العنان في ظاهرة القتل من أجل ديمومة الدولة أو النظام بغض النظر عن الأسباب والمبرّرات.

ومع ذلك، فقد "كانت هناك حالة أخرى من التعامل بين التجمعات المجتمعية والأفراد تطرح نفسها بدرجات متفاوتة، نعني حالة (الحوار والتداول والسجال السلمي) أخذت ظاهرة القتل الفردي ترتد إلى الوراء، مُتيحة للسياسة وللمؤسسات القضائية أن تقوم بضبط الواقع والوقائع المتحدرة منه، على نحو قانوني وسلمي".

ولكن لا يمكن الركون إلى استقرار الدولة واستتباب الأمن فيها إذا ما أصاب مؤسساتها الخلل، وبخاصة في تغيّر مرجعيات المجتمع، " فكلما احتكم ضبط شؤون المجتمع إلى مرجعيات غير معلن عنها مثل: الطائفية والإثنية والطبقية الفاضحة والعشائرية والقرابة، إلخ، كانت النتائج عميقة على صعيد انفلات القانون العام وظهور النزاعات المدمرة للمجتمع، بما فيها ظاهرة القتل الفردي".

إنّ ظاهرة القتل الفردي بصيغة الاغتيال قد تُفضي إلى تدمير المجتمع، ومن ثم إلى إنتاج صراعات وفتن تأتي على كل شيء. "والملاحظ أن ذلك لا يُنهي فريقاً ليرفع فريقاً، وإنما هو مدخل إلى سقوط الجميع".

وقد فصَّل د. إسماعيل جليلي في بحث له بعنوان (محنة الأكاديميين العراقيين)، قدّمه إلى مؤتمر مدريد الدولي بشأن استهداف العلماء والأكاديميين العراقيين واغتيالهم في 23-24 نيسان 2006م، منذ دخول الأميركان العراق في آذار من سنة 2003م؛ متّهماً جهات أجنبية في قتل 730 عالماً عراقياً؛ مستنداً إلى مركز المعلومات الفلسطيني الذي أشار إلى تقرير أعدته وزارة الخارجية الأميركية لاطلاع الرئيس الأمريكي بشأن قيام عناصر إسرائيلية وأجنبية أرسلها الموساد بالتعاون مع الولايات المتحدة إلى العراق باغتيال في الأقل 530 عالماً عراقياً وأكثر من 200 أستاذ جامعة وشخصيات أكاديمية أخرى .

وفي ما يأتي رسوم بيانية توضّح نِسَب اغتيالات والأكاديميين العراقيين:



N7677243.jpg


عدد الهجمات المسجلة على الأكاديميين: 307
نسبة اغتيال الأطباء: 74%
نسبة الذين تمكنوا من النجاة: 26%






33H78286.jpg




توزيع الاغتيالات بحسب الجامعات من الشمال إلى الجنوب:
أكثر الجامعات استهدافا (تنازلياً) بغداد ـ البصرة - المستنصرية ـ الموصل ـ الأنبار ـ تكريت. الجامعات المتساوية تقريباً : النهرين - ديالى - بابل ـ القادسية ـ الإسلامية.
الجامعات المتساوية: التكنولوجيا ـ الكوفة.
يرجى ملاحظة أن الجامعات باللون الأزرق؛ جميعها في مدينة بغداد.







hZS78383.jpg



بحسـب الجنس:
ذكـور 95%
إنـاث 5%



oym78468.jpg


بحسب التخصص (مَنْ تم اغتيالهم ):
العلوم 31% ـ الطب 23% ـ الإنسانيات 21 %
ـ غير معينة 13 % ـ العلوم الاجتماعية 12%




aW078533.jpg


توزيع الاغتيالات بحسب نوع المؤسسة:
جامعات 80% ـ قطاع الصحة 9% ـ الخدمة المدنية 7% ـ تدريس آخر 3% ـ قطاعات أخرى 1%
بحسب المدينة: بغداد 57% ـ البصرة 14% ـ الموصل 11% ـ النجف 6% ـ الأنبار 5% ـ تكريت 4% ـ الحلة وكربلاء وكركوك وديالى (كل منها 1%)




85m78653.jpg


شكل بياني بحسب تواريخ الاغتيالات





hV278795.jpg



توزيع الاغتيالات بحسب المناطق (تنازليا)
بغداد ـ الشمال والجنوب (متساوية) ـ
غير معينة ـ الوسط ـ المدن المقدسة



5x878885.jpg


الزيادة السنوية لجميع الحوادث المسجلة



وقد كانت للدكتور إسماعيل جليلي في ضوء البيانات ملاحظات عدة أهمها:

1. إنّ الكثير من محاولات الاغتيال انتهت بموت أعضاء آخرين من عائلة العالم والمرافقين له، والتي لم تضمن في البحث.

2. الاغتيال والخطف والتهديدات للأكاديميين والأطباء لإجبارهم على مغادرة العراق لا تتبع أي نمط طائفي اغتيال الأكاديميين العراقيين هي ظاهرة جديدة في العراق لم تحدث أبدا قبل نيسان 2003.
3. نمط القتل يكشف عن حملة وأهداف مرعبة.

4. اغتيال الأكاديميين العراقيين هي ظاهرة جديدة في العراق لم تحدث أبدا قبل نيسان 2003.
تحليل دورية العراق:

وقد حلَّلت دورية العراق بيانات د. إسماعيل جليلي فاستنتجت عدة نتائج أهمها:


1- إن القتل ليس عشوائيا بدليل أن اكبر عدد من حاملي الشهادات هم أصحاب الدكتوراه وأقلهم عدداً حاملو البكالوريوس .

2- استهداف التعليم والجامعات هو استهداف للعقل العراقي؛ يعني نشر الجهل.

3- استهداف الصحة والأطباء يعني استفحال المرض، كذا يكون لدينا رباعي البلاد المستعمرة : فقر وتخلف وجهل ومرض القضاء على خبراتنا في هذه المجالات يعني تدمير البنى التحتية لبناء الإنسان العراقي .... .

4- مما يثير الدهشة استهداف خبراء (اللغات) وهم الفئة الأكثر استهدافاً في مجال العلوم الإنسانية مع أن المفترض أن الاستعمار يشجع على نشر لغته، بل إنه يقدمها على اللغات الأصلية. ولكن يمكن معرفة الجواب إذا عرفنا أية (لغات) استهدف أصحابها .. هل معظمهم من مدرسي اللغات غير الانجليزية؟.

ونحن نرى ـ مع احترامنا لما تقدّم من تحليلات ـ أنه لا نصحّ العودة بأسباب ذلك إلى العوامل الخارجية (وهي هنا عوامل الاحتلال الأميركي) فحسب، بل يجب أن لا ننسى ما يجري من تمزيق النسيج الوطني والقيم الأخلاقية في داخل العراق بسبب العوامل الداخلية، ممّا يؤدي إلى "استنفاد طاقات العراق البشرية ذات الخبرات والتخصصات العلميّة والاجتماعيّة خصوصاً. ووَضْع كهذا يمثّل أو قد يمثّل مدخلاً إلى الموت الجماعي".

يبدو أن المواجهة تكون في تأسيس نمط من الثقافة يُقرّ بثقافة الحوار والإقرار بالآخر، وتكون ـ كما قيل : ‘‘الاستجابة لمرجعيتين عظيمتين، هما: الوطن والعقل . . . كي يتمكن الشعب من الخروج مما قد ندعوه بـ : صراع الموت’’.
 
رد: ثقافة القتل عبر التاريخ...!!??

فعلا ليس قتل عشوائي انما امر مدبر و مخطط له بدقة و علي المدي الطويل يعني اثاره ستضهر علي الجيل القادم و ليس الحالي
بالنسبة للابادة سجل التاريخ نوعين من الغزو الناجح
الغزو الاوربي لاستراليا و الغزو الاوربي لامريكا و ابادة الهنود الحمر و طردهم
 
رد: ثقافة القتل عبر التاريخ...!!??

بالنسبة للعراق القتل مدبر من طرف ذكي جدا علي الارجح اسرائيل و خطط له قبل الغزو العراقي لذلك صدام كان يمنع العلماء من السفر للخارج و هو الوحيد الي جانب سوريا من تمكن من بناء قاعدة علمية
لكن للاسف تكالب عليه الصديق قبل العدو
 
رد: ثقافة القتل عبر التاريخ...!!??

لا اريد حصر التعليقات الا في العراق نحن نتناولها كدراسة مثال فقط فالتاريخ في الكثير من الحالات التي تشبهه
القتل ينجح في انها ء الشخص لكن مستحيل يغتال الفكرة التي يحملها الشخص المغتال وخاصة وان كانت الفكرة نبيلة
 
عودة
أعلى