بقلم هيثم النوبي
محمد - صلَّى الله عليه وسلم - أول من تنبأ بالتضخم الاقتصادي
يعيشُ العالم حالةً من التضخم جعلت رؤساءَ الدولِ يصرخون قبل شعوبهم، ليسوا مفلسين، بل إن ما يربحونه وما يدَّخرونه من نقدٍ وذهبٍ لا يتماشى مع الأسعارِ العالية التي تهدِّدُ العالم بثوراتِ جياع، وأصبح المليار يتردَّدُ على الآذان كثيرًا، والمليون قد انحصر في شراءِ شقة أو قطعة أرض، والألف قد تكفي لشراءِ هاتفٍ محمول، أو لعبةٍ يلهو بها الصِّغارُ، أمَّا المائة فلا بأس بها لتشتري وجبةَ غداء لا يتبقَّى منها شيءٌ للعشاء، والعشرة إن أعطيتَها لنادلٍ كبقشيش يرمقُك ساخطًا، ويندمُ أنه خدَمك.
ويتسابقُ علماء الاقتصاد والباحثون في تعريفِ ظاهرة التضخم التي اختنق بسببها العالَمُ، وألَّفوا كتبًا لتعريفِ التضخم وأسبابه، ولكن قبلهم بألفٍ وأربعمائة سنة أنبأنا به المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - في روايةِ عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوةِ تبوك، وهو في قبَّةٍ من أدم، فقال: ((اعدد ستًّا بين يدي السَّاعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان، يأخذ فيكم كقُعَاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينارٍ فيظلُّ ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيتٌ من العربِ إلا دخلتْه، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفرِ فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا)).
هنا لخصَّ الذي لا ينطقُ عن الهوى مفهومَ التضخم الذي نعاصرُه الآن في جملةٍ وجيزة بليغة ((استفاضة المال حتى يُعطى الرَّجلُ مائة دينار فيظل ساخطًا))، لا أجدُ تعريفًا لمصطلح التضخم أبلغ من تلك العبارة الوجيزة التي شملت التضخم بكلِّ معانيه وصوره، فاستفاضةُ المال كناية عن تضخمِ الأجور والدخول والأرباح، وسخطُ العامل كناية عن تضخمِ الأسعار وتكاليف الإنتاج، وهذا ما يعانيه الإنسانُ في عصرنا، فأحدنا قد يحملُ المئات والآلاف ولكنَّها لا تلبي حاجاتِه، فباتت الأموالُ لا قيمةَ لها، وزاد السخط بين النَّاس، وقد رأى البعضُ أنَّ هذه العلامة وقعت في عهدِ عمر بن عبدالعزيز لما فاض المالُ، ولكنِّي أقولُ: الأمرُ مختلف تمامًا؛ لأنَّ استفاضة المال في عهدِ عمر بن عبدالعزيز كانت عن غنًى، فكانت للنقودِ قيمتُها، والمنتجات والمحاصيل متوفرة، أما ما قصده النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو استفاضة مع فقرٍ وسخط؛ بمعنى أن تقلَّ قيمةُ النقودِ لوفرتها، وترتفع قيمة المحاصيل والمنتجات لندرتِها، لذا يسخطُ الرجل أو العامل إن أعطيتَه مائة؛ لأنها لا تشتري شيئًا في عصرِ الغلاء هذا.
وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فيظل ساخطًا))؛ إشارة إلى استمراريةِ السخط قبل وبعد العطاءِ لحاجته الشديدة، والتي لم تنقضِ بعد أن أُعطي المائة، على الرَّغمِ من كثرتها العددية وقلة قيمتها الشِّرائية، أمَّا عهد عمر بن عبدالعزيز، فكان زمنَ رخاء اقتصادي وليس تضخم يسخطُ بسببِه النَّاس.
ولو نظرنا إلى أسبابِ التضخم لوجدنا السببَ الأول هو عدم التمسك بتعاليمِ وأخلاق الإسلام في التجارة، فقد انتشر الاحتكارُ والاستغلال والغشُّ والرِّبا، وحبس الصَّدقةِ والزكاة عن الفقراءِ، وكَنز الذهب والفضة، والسعي وراء الثراءِ الفاحش بشتى السبل، وغيرها من جشعِ وطمعِ وحماقةِ حكَّامٍ جعلت قيمةَ النقود الورقية أكبر من قيمتِها الشرائية، وأصبحوا يتفنَّنون في خفضِ تكلفة طباعة النقود حتى ثقبوا العملات المعدنية لخفضِ وزنها، وتقليل تكلفةِ صكِّها، وغيرها من الحلولِ الغبية الأنانية التي أدَّتْ إلى الغلاءِ الشديد الذي أرق الغني والفقير.
وصدق المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أُوتي جوامع الكلم، لما وصف حالَنا منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وكأنَّه يعيشُ بيننا الآن، ليواكبَ بأقوالِه علماء هذا الزَّمان، بل سبقهم وما أدركوه في شتى العلوم، ليُعجز من أنكروا نبوتَه وهو الصَّادق المصدوق، قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم : 3-4].
محمد - صلَّى الله عليه وسلم - أول من تنبأ بالتضخم الاقتصادي
يعيشُ العالم حالةً من التضخم جعلت رؤساءَ الدولِ يصرخون قبل شعوبهم، ليسوا مفلسين، بل إن ما يربحونه وما يدَّخرونه من نقدٍ وذهبٍ لا يتماشى مع الأسعارِ العالية التي تهدِّدُ العالم بثوراتِ جياع، وأصبح المليار يتردَّدُ على الآذان كثيرًا، والمليون قد انحصر في شراءِ شقة أو قطعة أرض، والألف قد تكفي لشراءِ هاتفٍ محمول، أو لعبةٍ يلهو بها الصِّغارُ، أمَّا المائة فلا بأس بها لتشتري وجبةَ غداء لا يتبقَّى منها شيءٌ للعشاء، والعشرة إن أعطيتَها لنادلٍ كبقشيش يرمقُك ساخطًا، ويندمُ أنه خدَمك.
ويتسابقُ علماء الاقتصاد والباحثون في تعريفِ ظاهرة التضخم التي اختنق بسببها العالَمُ، وألَّفوا كتبًا لتعريفِ التضخم وأسبابه، ولكن قبلهم بألفٍ وأربعمائة سنة أنبأنا به المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - في روايةِ عوف بن مالك - رضي الله عنه - قال: أتيت النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - في غزوةِ تبوك، وهو في قبَّةٍ من أدم، فقال: ((اعدد ستًّا بين يدي السَّاعة: موتي، ثم فتح بيت المقدس، ثم موتان، يأخذ فيكم كقُعَاص الغنم، ثم استفاضة المال حتى يعطى الرجل مائة دينارٍ فيظلُّ ساخطًا، ثم فتنة لا يبقى بيتٌ من العربِ إلا دخلتْه، ثم هدنة تكون بينكم وبين بني الأصفرِ فيغدرون، فيأتونكم تحت ثمانين غاية، تحت كل غاية اثنا عشر ألفًا)).
هنا لخصَّ الذي لا ينطقُ عن الهوى مفهومَ التضخم الذي نعاصرُه الآن في جملةٍ وجيزة بليغة ((استفاضة المال حتى يُعطى الرَّجلُ مائة دينار فيظل ساخطًا))، لا أجدُ تعريفًا لمصطلح التضخم أبلغ من تلك العبارة الوجيزة التي شملت التضخم بكلِّ معانيه وصوره، فاستفاضةُ المال كناية عن تضخمِ الأجور والدخول والأرباح، وسخطُ العامل كناية عن تضخمِ الأسعار وتكاليف الإنتاج، وهذا ما يعانيه الإنسانُ في عصرنا، فأحدنا قد يحملُ المئات والآلاف ولكنَّها لا تلبي حاجاتِه، فباتت الأموالُ لا قيمةَ لها، وزاد السخط بين النَّاس، وقد رأى البعضُ أنَّ هذه العلامة وقعت في عهدِ عمر بن عبدالعزيز لما فاض المالُ، ولكنِّي أقولُ: الأمرُ مختلف تمامًا؛ لأنَّ استفاضة المال في عهدِ عمر بن عبدالعزيز كانت عن غنًى، فكانت للنقودِ قيمتُها، والمنتجات والمحاصيل متوفرة، أما ما قصده النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم - فهو استفاضة مع فقرٍ وسخط؛ بمعنى أن تقلَّ قيمةُ النقودِ لوفرتها، وترتفع قيمة المحاصيل والمنتجات لندرتِها، لذا يسخطُ الرجل أو العامل إن أعطيتَه مائة؛ لأنها لا تشتري شيئًا في عصرِ الغلاء هذا.
وقول النبي - صلَّى الله عليه وسلَّم -: ((فيظل ساخطًا))؛ إشارة إلى استمراريةِ السخط قبل وبعد العطاءِ لحاجته الشديدة، والتي لم تنقضِ بعد أن أُعطي المائة، على الرَّغمِ من كثرتها العددية وقلة قيمتها الشِّرائية، أمَّا عهد عمر بن عبدالعزيز، فكان زمنَ رخاء اقتصادي وليس تضخم يسخطُ بسببِه النَّاس.
ولو نظرنا إلى أسبابِ التضخم لوجدنا السببَ الأول هو عدم التمسك بتعاليمِ وأخلاق الإسلام في التجارة، فقد انتشر الاحتكارُ والاستغلال والغشُّ والرِّبا، وحبس الصَّدقةِ والزكاة عن الفقراءِ، وكَنز الذهب والفضة، والسعي وراء الثراءِ الفاحش بشتى السبل، وغيرها من جشعِ وطمعِ وحماقةِ حكَّامٍ جعلت قيمةَ النقود الورقية أكبر من قيمتِها الشرائية، وأصبحوا يتفنَّنون في خفضِ تكلفة طباعة النقود حتى ثقبوا العملات المعدنية لخفضِ وزنها، وتقليل تكلفةِ صكِّها، وغيرها من الحلولِ الغبية الأنانية التي أدَّتْ إلى الغلاءِ الشديد الذي أرق الغني والفقير.
وصدق المصطفى - صلَّى الله عليه وسلَّم - الذي أُوتي جوامع الكلم، لما وصف حالَنا منذ أكثر من أربعة عشر قرنًا، وكأنَّه يعيشُ بيننا الآن، ليواكبَ بأقوالِه علماء هذا الزَّمان، بل سبقهم وما أدركوه في شتى العلوم، ليُعجز من أنكروا نبوتَه وهو الصَّادق المصدوق، قال الله - عزَّ وجلَّ -: ﴿ وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ﴾ [النجم : 3-4].