بــــــــــسم الله الرحمن الرحيم
المصدر : ISLAM HISTORY
........................................
........................................
الموقع الجغرافي
هي إحدى جمهوريات يوغوسلافيا السابقة. تقع في منطقة البلقان بجنوب أوربا، يحدها من الشمال والغرب والجنوب كرواتيا الكاثوليكية، من الشرق صربيا الأرثوذكسية ومونتينجرو "الجبل الأسود"، لها منفذ من جهة الجنوب الغربي على البحر الأدرياتيكي تحتله كرواتيا.
تبلغ مساحة البوسنة 51129 كم2 وتمثل البوسنة جغرافيًا المناطق الوسطى والشرقية والغربية من البلاد، أما "هرسك" فهي اسم منطقة حوض نهر "نيريتفا"، ومن الناحية السياسية فالبوسنة والهرسك كانتا في السابق منطقتين تفصل بينهما سلسلة جبال إيفان، ثم اندمجتا على يد ملك البوسنة "بان كوترومانيتش" (1322م - 1353م) ومنذ ذلك الوقت ظلتا دولة واحدة وإن كثر الكروات في الهرسك.
بالقرب من مدينة موستار يمكن زيارة منبع نهر "نيريتفا" ورؤية قلعة حجرية في أعالي الجبال كانت تعود للملك "هرسك" الذي سميت الأراضي التابعة له باسمه. ينحدر شعب البوسنة والهرسك من "العرق السلافي" وخلال الحكم العثماني (1463م-1878م) أسلم جزء من البوسنيين أطلق عليهم اسم البوشناق، وقد أخذوا الكثير من حياة الأتراك وطبائعهم؛ إذ إن الأتراك هم النافذة الأولى التي أطلوا منها على الإسلام.
أهم المدن في البوسنة
سراييفو
مدينة سراييفو هي عاصمة البوسنة والهرسـك، أسسها الغازي "خسرو بك" واهتم ببنائها وتعميرها، وكان شديد التعلق بها لدرجة أنه عندما واتته المنية أوصى بدفنه داخل ساحة المسجد الذي يحمل اسمه. ويعتبر مسجد الغازي "خسرو بك" (أنشئ عام 1531م) من أكبر وأجمل مساجد البوسنة وإلى جانبه بنيت مدرسة لتحفيظ القرآن الكريم و(خانقاه) أي مدرسة لدراسة التصوف. وقد بلغت حجة وقف المدرسة الدينية سنة 1537م سبعمائة ألف درهم.
موستار
مدينة موستار من أهم مدن البوسنة، وتنفرد عن غيرها من مدن العالم بأن لها نسختين طبق الأصل لكل المرافق العامة والخدمات فيها من مستشفيات وجامعات ومدارس أولية ووسائل نقل عام بل وحتى خدمات الصرف الصحي!! ،وبالرغم من أن هذا الأمر يبدو مكلفاً للغاية وزائداً عن الحاجة في كثير من الأوقات إلا أن طبيعة تركيبة المدينة السكانية اقتضت وجود هاتين النسختين في كل مظاهر حياتها. وقد أظهر آخر إحصاء سكاني لمدينة "موستار" في عام (1991م) أن المسلمين يشكلون نسبة (34%) من سكان المدينة بينما يمثل الكروات نسبة (33%) والصرب (17%) والبقية من العرقيات الأخرى. ويقدر المسئولون الدوليون العدد الإجمالي لسكان "موستار" بمائة ألف نسمة؛ يمثل الكروات فيها الغالبية، بينما يمثل المسلمون أكبر أقلية بها.
تاريخ البوسنة
في الزمن القديم كان سكان البلقان من قبائل تُدعى قبائل "إليريه"، وبحلول القرن السابع الميلادي أخذت منطقة البلقان تتعرض لغزو جديد، حيث أخذت قبائل تُدعى "سقلبية" تغزو مناطق إليريه، ومن قبائل السقالبة من يُطلق عليهم السلافيون الروس الذين اتجهوا إلى روسيا، والأوكرانيون الذين اتجهوا إلى أوكرانيا، والبولنديون الذين اتجهوا إلى بولندا، والتشيكيون الذين اتجهوا إلى تشيكوسلوفاكيا، والسلوفيون الذين اتجهوا إلى سلوفانيا، والصرب الذين توجهوا إلى صربيا، والكروات الذين سكنوا كرواتيا، والبشناق الذين كوَّنوا البوسنة والهرسك.
ومع قدوم القرن التاسع الميلادي تم تنصير القبائل السلافية، لتقوم بعد ذلك دولتان هم دولة الصرب الأرثوذكس في الجنوب، ودولة الكروات الكاثوليك في الشمال، وامتد الصراع بينهم إلى الآن، وظلت بلاد البشناق منطقة نزاع تتعرض لضغط من الصرب الأرثوذكس تارةً ومن الكروات الكاثوليك تارةً أخرى.
ظل البشناق في صراع مع الدولتين، حتى إحتدم الصراع بعد تكوين البشناق لدولتهم الأولى سنة (1137م)، وهي دولة قائمة على المذهب البوغوميلي. فزاد الضغط عليهم من البابا ومن ملوك المجر، وأصبح البشناقيون يتعرضون لجرائم كبرى أودت بحياة الكثير منهم.
ظل البشناق أو البوغوميليون صابرين على ما يتعرضون له من إيذاء لأكثر من مائتين وخمسين سنة، بدأ بعدها نور الإسلام يشع على المنطقة، عندما بدأ الإسلام الدخول لصربيا بعد فتح العثمانيين لها.
فلما شعر البوغوميليون بعدل الإسلام وقوة الدولة العثمانية آنذاك، أقبلوا يطلبون العون من حملة "تيمورلنك" ولكن أُخرت الاستجابة لطلبهم إلى عام 1463م حين دخل الإسلام بلاد البشناق، فدخل العديد من السكان والكثير من السلاف المسيحيين إلى الإسلام، وحسن إسلامهم، ومنذ ذلك الحين لم تتوقف البوسنة والهرسك عن الجهاد في سبيل الله وفي سبيل الحفاظ على إسلامها، ولمدة تزيد على الخمسة قرون لم يتوقف الصراع فيها ولم تتوقف المجازر ولم يتوقف البذل والعطاء، منذ دخول أهلها في الدين الإسلامي راغبين مقبلين مؤمنين، بعد الفتح الكامل لبلادهم على يد السلطان محمد الفاتح عام 1464م والتحاق 30000 منهم بالجيش الإسلامي.
كما ظلت الحروب قائمة بين الدولة العثمانية وبين روسيا والدول الأوربية التي يستثيرها البابا وذلك مدة خمسة قرون، حتى أتى مؤتمر برلين سنة 1878م وهو بمثابة اللطمة للمسلمين، حيث منح المؤتمر للإمبراطورية الأسترو هنجارية - النمسا و المجر حاليًا- الإدارة المؤقتة للبوسنة والهرسك، لترحل بذلك الدولة العثمانية عن البوسنة والهرسك، وتصبح البوسنة في يد النمسا بحلول عام 1908م.
بعد أربعة قرون من العيش كولاية عثمانية تطبق فيها الشريعة الإسلامية والفرمانات والتنظيمات السلطانية، انتقلت البوسنة والهرسك لتعيش مرحلة مختلفة مع الاستعمار النمساوي المجري النصراني.
كانت سلسلة أحداث غير المتوقعة هي التي أخرجت البوسنة من الدولة العثمانية، ففي عام 1877 م أعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية انتقامًا لهزيمة أتباعها الصرب والجبل الأسود وتمكنت من تحقيق النصر وانتزاع مكاسب كثيرة في معاهدة سان ستيفانو وهو ما لم يعجب إمبراطورية النمسا والمجر بسبب تغير موازين القوى لمصلحة الروس في البلقان، فضغطت فيينا إلى أن تمكنت مع دول أوربية أخرى من عقد مؤتمر ثان في برلين قسمت فيه الغنائم مرة أخرى، فذهبت البوسنة والهرسك للنمساويين واقتُطعت مقدونيا من بلغاريا للعثمانيين وحصلت كل من صربيا والجبل الأسود على استقلالهما.
كان أول ما حرصت عليه فيينا هو تقليص علاقة البوشناق المسلمين الدينية والسياسية مع اسطنبول إلى الحد الأدنى، واتبعت في ذلك إجراءات عدة أهمها إنشاء منصب رئيس العلماء وتشكيل مجلس العلماء ليصبح (أعلى جهاز لإدارة وتنظيم الشئون الدينية للمسلمين البوسنيين)، وعين الإمبراطور النمساوي الشيخ مصطفى حلمي حاجي عمروفيتش كأول رئيس للعلماء، إضافة إلى أربعة قضاة كأعضاء في مجلس العلماء، وفي عام 1888م تم الانتهاء من بناء المدرسة الشرعية وأطلق عليها مكتب النواب (أصبحت لاحقا كلية الدراسات الإسلامية) بهدف تعليم العلوم الشرعية وتأهيل القضاة الشرعيين، وقد امتدح مفتي مصر الراحل الشيخ محمد عبده (1849-1905) تلك المدرسة عندما اقترح على الحكومة المصرية تأسيس مدارس لتخريج القضاة الشرعيين على غرار مكتب النواب في سراييفو.
بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى أصبحت البوسنة والهرسك تحت اسم مملكة الصرب والكروات وسلوفينيا. ثم أعيدت تسمية هذه المملكة حيث أصبح اسمها يوغوسلافيا سنة 1929م.
مملكة يوغوسلاڤيا (1918–1941)
صدر في الثلاثين من مايو عام 1917م، إعلان يدعو فيه السياسي السلوفيني كوريشيتس وآخرون إلى توحيد السلوفينيين والكروات والصرب في إطار دولة واحدة. ولقد أصدر البرلمان الكرواتي إعلانا مشابها في التاسع تشرين الأول (أكتوبر) من عام 1918م، كما أصدرت الجمعية الوطنية الكرواتية بيانا مشابها في 29 من أكتوبر من نفس عام.
ولقد كان الحزب الذي لقي تأييد كل المسلمين (إلى حد احتكار كل تأييدهم) هو منظمة المسلمين اليوغسلاف، والذي تأسس في سراييفو في شباط (فبراير) من عام 1919م. ولقد كان ترشح قائد الحزب د. محمد سباهو يتمثل في أن يحافظ على هوية البوسنة كدولة مستقلة ضمن الدولة اليوغسلافية. وعندما أجريت انتخابات في يوغسلافيا كلها في نوفمبر من عام 1920م فاز حزب محمد سباهو بكل أصوات المسلمين في البوسنة تقريبا مما مكنه من شغل 24 مقعدا في الجمعية التشريعية الوطنية.
قام الملك ألكسندر في يناير عام 1929م بتعليق الدستور، وأعلن أن الدولة لن تعرف بعد اليوم باسم مملكة الصرب والكروات والسلوفينيين، بل إن اسمها سيصبح مملكة يوغسلافيا. ولقد تم تقسيم الدولة إلى تسع مقاطعات أو وحدات داخل المملكة نفسها تقطع الحدود القديمة للدول التي تشكل دولة يوغسلافيا. فلقد تم تقسيم البوسنة إلى أربع مقاطعات هي: فرباسكا التي ضَمّت أجزاء من كرواتيا، ودرينسكا والتي ضمت جزءا كبيرا من صربيا، وزيتسكا التي كانت تتألف من الجبل الأسود، وبريمورسكا مع جزء من ساحل دالماتسيا. وبهذا تم تقسيم البوسنة لأول مرة منذ 400 عام.
ولم يكن المسلمون البوسنيون مسرورين لهذا التقسيم أبدًا، فلقد كانوا أقلية في كل من المقاطعات الأربع. ولم يقبل الكروات بدستور ألكسندر، فبدأت مرحلة طويلة من النزاع السياسي بين الصرب والكروات استمرت سنوات، وفي أغسطس من عام 1939م توصل كل من الوزير الصربي تسفيتكوفيتش، والزعيم الكرواتي ماتشيك إلى اتفاق حل الهيكلة الجديدة ليوغوسلافيا. ولقد كانت أولى النقاط التي اتفقا عليها هي تقسيم البوسنة والهرسك، ودمج المقاطعتين الكرواتيتين الرئيستين وهما سافسكا وبريمورسكا (التي ضمت أجزاء من البوسنة والهرسك) بحيث أصبحتا مقاطعة واحدة هي المقاطعة الكرواتية، وأن على سكان باقي أنحاء البوسنة والهرسك أن يقرروا من خلال استفتاء عام إذا كانوا يريدون الانضمام إلى صربيا أو كرواتيا.
وتوفي محمد سباهو في يونيو عام 1939م، أثناء أدق مراحل المفاوضات. ولقد دعا خلفه جعفر كولينوفيتش إلى إنشاء دولة خاصة – البوسنة والهرسك، ولكن تم تجاهل طلبه.
البوسنة أثناء الحرب العالمية الثانية
في السادس من أبريل (نيسان) 1941م، قامت القوات الألمانية بغزو يوغوسلافيا، وبعد أربعة أيام، أي في 10 من أبريل 1941م، أعلنوا عن قيام دولة كرواتيا المستقلة المعروفة باللغة المحلية بـ (NDH)، حيث ضمت جميع أجزاء البوسنة والهرسك، لكنها لم تكن دولة مستقلة بل كانت عبارة عن منطقتين محتلتين من قبل الألمان والإيطاليان، حيث كان الخط الفاصل بين المنطقتين يمر بشكل قطري عبر البوسنة من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي.
بعد الحرب العالمية الثانية
استولى الشيوعيون على السلطة في يوغوسلافيا عام 1945م. وتفيد المعلومات أن هناك حوالي 75 ألف مسلم بوسني قضوا في الحرب العالمية الثانية وهي نسبة تعادل 8.1 % من مجموع سكان المسلمين. تعامل الشيوعيون بقسوة شديدة مع كل من لم يقبل بحكمهم. ويقدر المؤرخ نويل مالكولم إلى أن حوالي 250 ألف شخص قد قضوا في الإعدامات الجماعية التي قام بها تيتو، وفي مسيرات الموت والإجبارية ومعسكرات الاعتقال في الفترة ما بين عامي 1945م و1946م.
ولقد كان الدستور الاتحادي اليوغوسلافي الذي أعلن في يناير 1946م نسخة من الدستور السوفيتي الذي أعلن قبل ذلك بعشر سنوات. ولقد تضمن الدستور بنودا تؤكد على أن يوغوسلافيا سوف تحافظ على حريات المعتقد، ولكن الأمور كانت مغايرة لذلك تماما عند التطبيق
فأغلقت المحاكم الشرعية في عام 1946م، وتم في عام 1950م إغلاق آخر الكتاتيب التي كان التلاميذ يتعلمون فيها معلومات أساسية عن القرآن. فلقد تم حل جميع الجمعيات الإسلامية الثقافية والتربوية، مثل جمعيات "غيرت"، "نارودنا أوزدانيتسا" و"بريبورود" ولم يتم الإبقاء إلا على الجمعية الدينية الإسلامية الرسمية ومدرستين إسلاميتين تخضعان لرقابة مشددة. وتم إغلاق المطبعة الإسلامية في سراييفو وتولت الدولة إدارة الهيئة المشرفة على الأوقاف.
كانت هناك مقاومة سرية ضد بعض تلك الإجراءات. إذ استمر الناس في تداول الكتب الإسلامية، وكان الأطفال يتلقون التعليم في المساجد، وتابعت بعض الطرق الصوفية والدراويش الاحتفال بمناسباتها في المنازل، واستمرت المنظمة الطلابية المعروفة بمنظمة الشبان المسلمون في مقاومة الحملة ضد الإسلام، إلى أن تم سجن مئات من أعضائها ما بين عامي 1949م و1950م، وعلى عكس اعتقاد الحزب الشيوعي اليوغسلافي من خلال سني تيتو الأولى في الحكم، فإن قضية الهوية المسلمة في البوسنة لم تختفي. وإنما كان السؤال يدور حول ماهية تلك الهوية: هل هي دينية، أم عرقية أم قومية ؟
ولقد أعطى إحصاء السكان عام 1948م للمسلمين ثلاثة خيارات: إما أن يكتبوا بأنهم مسلمون صرب أو مسلمون كروات أو مسلمون دون قومية معلنة. وكانت النتائج كما يلي 72 ألف أعلنوا أنفسهم على أنهم صرب، و25 ألف على أنهم كروات، ولكن سجل 778 ألف على أنهم مسلمون فقط. وأظهر إحصاء السكان لعام 1953 نتائج مماثلة.