عبدالعظيم محمود حنفي
ذكرت المنظمات الدولية الرسمية والمستقلة من جمع روايات موثوق منها ومتناسقة ومدعومة بالوثائق أنها لمست من نهج النظام السوري نمطا من الخروقات المنهجية والواسعة لحقوق الإنسان من قبل القوات العسكرية والأمنية السورية, بما في ذلك القتل والاختفاء القسري, والتعذيب والحرمان من الحرية, والاضطهاد ، وأن حجم وطبيعة هذه الأعمال يعتبر في مصاف الجرائم ضد الإنسانية, فشهداء الحرية تجاوزوا خمسة الاف والمصابون بعشرات الالاف والمعتقلون أضعافهم .
وكل تلك دلائل على أن القتل والقمع والاعتقالات لن تسكت الشعب الثائر من أجل حقوقه الشرعية المسلوبة ، إن استمرار نظام الأسد في استخدام القمع الوحشي يبين أنه مصمم على التمسك بالسلطة بصرف النظر عن الثمن الذي سيدفعه شعبه وهو ما ينم عن يأس النظام من قمع الشعب الثائر.
والسؤال المطروح لمَ نجح النظام القمعي في التعامل مع انتفاضة عامي 1979 و 1982 ويفشل الآن ? ينبئنا عديد الخبراء أن على المستوى التكتيكي, تطور أسلوب النظام السوري مع انتشار المقاومة، ففي المراحل المبكرة يناير فبراير نشر النظام قوات الشرطة جنباً إلى جنب مع العناصر الأربعة الرئيسة من قوات الأمن (وهي الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة واستخبارات القوات الجوية والأمن السياسي).
وقد استخدمت تلك القوات قنابل الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية ما أدى إلى وقوع العديد من القتلى وشن حملة اعتقالات جماعية ، وقد حاول النظام عزل وتخويف وإرهاب المعارضة, وفي الوقت نفسه إعطاء إشارات استرضائية رمزية , وزيادة الرواتب الحكومية, وبحلول نهاية مارس, كانت الحكومة قد نشرت قوات حماية النظام ووحدات جيش نظامية كتعزيزات ما أدى إلى المزيد من الإصابات في صفوف المدنيين ، كما أن المدن التي كانت المقاومة فيها بارزة (مثل درعا واللاذقية) قد تعرضت للحصار من جانب قوات الأمن ووحدات الجيش النظامية ثم اقتُحمت من قبل هذه القوات الأمنية ووحدات حماية النظام ، ومع انتشار الاحتجاجات عرض النظام استرضاءات إضافية مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإقالة المسؤولين الذين لا يحظون بشعبية في صفوف الشعب والوعد بالإصلاح ، وأنه بدءاً من أواخر أبريل الماضي تبنى النظام نهجاً أكثر عدوانية, بقيامه بحملة موسعة لاستهداف المدن الجنوبية والغربية التي شهدت اضطرابات كبرى.
وقد بدأ هذا الجهد في درعا ثم انتقل إلى حمص وبانياس وحماة وتلكلخ ما أدى إلى نزوح أعداد هائلة من اللاجئين إلى لبنان ، وطوال هذه الحملة استخدم النظام الدبابات ومركبات قتال المشاة والمدفعية للتغلب على أي مقاومة ، وفي أوائل يونيو الماضي استعمل النظام المروحيات المسلحة في قتل المحتجين ؛ مما أدى إلى حدوث تدفقات كبيرة من اللاجئين على تركيا ، وفي أوائل يوليو طوقت قوات الأمن ووحدات حماية النظام ثانية حماة ودخلت أجزاء منها لتخويف السكان واعتقال المنشقين.
ومع امتداد الاحتجاجات في كل المدن السورية يبدو النظام عاجزا تماما عن قمع الثورة العنيدة التي تزداد اشتعالا مع تزايد اعداد شهدائها .
ويرون أن نجاح النظام في التعامل مع انتفاضة عامي 1979 و 1982 قد سهلته الطبيعة المتمركزة للمعارضة إلى حد كبير, وقدرة الجيش على عزل المناطق المعادية للنظام (حلب في عام 1980 وحماة في عام 1982), والقسوة الرهيبة التي اتبعتها دمشق لسحق المعارضة ، وبالنظر إلى الطبيعة المشتتة لأنشطة المعارضة في ذلك الوقت كانت الوحدات القليلة العدد نسبياً التي نشرها النظام كافية لتلك المهمة ، وقد شملت هذه سرايا الدفاع والفرقة 569 من قوات الحرس والفرقة الثالثة من الجيش النظامي واللواء الآلي المستقل السابع والأربعون والعديد من أفواج القوات الخاصة والميليشيات الموالية للنظام التي تسمى "الفرسان".
وليس هناك شيء من تلك الظروف سائد في الوضع الحالي ، فمعارضة اليوم واسعة النطاق وليس لها قادة يمكن التعرف عليهم (على الأقل على المستوى المحلي) وهي قادرة على مداومة أنشطتها. كما أن رد النظام قد تأرجح بين اللفتات الاسترضائية التي تنقصها المصداقية والقوة القاتلة التي تكفي لإشعال المعارضة ولا تكفي لقمع الاحتجاجات كما أن "قواعد حماة" - وهي مناورات الأرض المحروقة التي استخدمت لإخماد انتفاضة جماعة "الإخوان المسلمين" في تلك المدينة في عام 1982 ما أدى إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف مدني- لا يمكن تطبيقها في عام 2011 ويضيف الخبراء أن النظام يفتقر إلى العدد الكافي من الوحدات التي يمكن الاعتماد عليها (والتي أغلبها من العلويين) لتأمين مناطق واسعة على نحو واثق.
ولكن رغم هذه الحقائق فقد اتبع النظام النموذج نفسه الذي استخدم في عامي 1979 و 1982 متعاملاً مع الاضطرابات باعتماده على الوحدات التي تتكون غالبيتها من العلويين والتي تعتبر حماية النظام مهمتها الأولى ، وهي تشمل عناصر وحدة الحرس الرئيسي للنظام, و"فرقة الحرس الجمهوري" (رغم أن الكثير من هذه الوحدة قد ظل على الأرجح في منطقة العاصمة لمقاومة أي انقلاب محتمل) إلى جانب قوات الأمن ووحدات جيش نظامية رئيسة مثل الفرقة الرابعة المدرعة وعناصر من "فرقة القوات الخاصة" الرابعة عشر والميليشيات الموالية للنظام "الشبيحة".
وعلاوة على ذلك لم يتم تدريب أو تجهيز معظم وحدات الجيش النظامية للقيام بمهام الأمن الداخلي والسيطرة على الحشود (ربما لم يتوافر لوحدات حماية النظام الكثير من التدريب في هذا الصدد أيضاً).
وتجمع الآراء على ظهور مؤشرات متزايدة على إجهاد الجيش ، حيث رفض بعض الجنود إطلاق النار على المحتجين وهجروا الجيش في وقت لاحق, ثم تزايدت الانشقاقات والعصيان من قبل ضباط ميدانيين وضباط الصف, والتمرد من قبل وحدات بأكملها, ووقعت مصادمات كبيرة داخل الوحدات أو فيما بينها ؛ ما يعني أن تلك الوحدات التي يعتمد عليها النظام بكثافة بدأت في تقليل نشاطها العملياتي مع الانسحاب من بعض العمليات ما يعني أنها بدأت في استنفاذ قواها.
إن نظام الأسد يسير عكس اتجاه التاريخ ، وهو يعلم تماما ما عليه فعله .
ذكرت المنظمات الدولية الرسمية والمستقلة من جمع روايات موثوق منها ومتناسقة ومدعومة بالوثائق أنها لمست من نهج النظام السوري نمطا من الخروقات المنهجية والواسعة لحقوق الإنسان من قبل القوات العسكرية والأمنية السورية, بما في ذلك القتل والاختفاء القسري, والتعذيب والحرمان من الحرية, والاضطهاد ، وأن حجم وطبيعة هذه الأعمال يعتبر في مصاف الجرائم ضد الإنسانية, فشهداء الحرية تجاوزوا خمسة الاف والمصابون بعشرات الالاف والمعتقلون أضعافهم .
وكل تلك دلائل على أن القتل والقمع والاعتقالات لن تسكت الشعب الثائر من أجل حقوقه الشرعية المسلوبة ، إن استمرار نظام الأسد في استخدام القمع الوحشي يبين أنه مصمم على التمسك بالسلطة بصرف النظر عن الثمن الذي سيدفعه شعبه وهو ما ينم عن يأس النظام من قمع الشعب الثائر.
والسؤال المطروح لمَ نجح النظام القمعي في التعامل مع انتفاضة عامي 1979 و 1982 ويفشل الآن ? ينبئنا عديد الخبراء أن على المستوى التكتيكي, تطور أسلوب النظام السوري مع انتشار المقاومة، ففي المراحل المبكرة يناير فبراير نشر النظام قوات الشرطة جنباً إلى جنب مع العناصر الأربعة الرئيسة من قوات الأمن (وهي الاستخبارات العسكرية والمخابرات العامة واستخبارات القوات الجوية والأمن السياسي).
وقد استخدمت تلك القوات قنابل الغاز المسيل للدموع والذخيرة الحية ما أدى إلى وقوع العديد من القتلى وشن حملة اعتقالات جماعية ، وقد حاول النظام عزل وتخويف وإرهاب المعارضة, وفي الوقت نفسه إعطاء إشارات استرضائية رمزية , وزيادة الرواتب الحكومية, وبحلول نهاية مارس, كانت الحكومة قد نشرت قوات حماية النظام ووحدات جيش نظامية كتعزيزات ما أدى إلى المزيد من الإصابات في صفوف المدنيين ، كما أن المدن التي كانت المقاومة فيها بارزة (مثل درعا واللاذقية) قد تعرضت للحصار من جانب قوات الأمن ووحدات الجيش النظامية ثم اقتُحمت من قبل هذه القوات الأمنية ووحدات حماية النظام ، ومع انتشار الاحتجاجات عرض النظام استرضاءات إضافية مثل الإفراج عن المعتقلين السياسيين وإقالة المسؤولين الذين لا يحظون بشعبية في صفوف الشعب والوعد بالإصلاح ، وأنه بدءاً من أواخر أبريل الماضي تبنى النظام نهجاً أكثر عدوانية, بقيامه بحملة موسعة لاستهداف المدن الجنوبية والغربية التي شهدت اضطرابات كبرى.
وقد بدأ هذا الجهد في درعا ثم انتقل إلى حمص وبانياس وحماة وتلكلخ ما أدى إلى نزوح أعداد هائلة من اللاجئين إلى لبنان ، وطوال هذه الحملة استخدم النظام الدبابات ومركبات قتال المشاة والمدفعية للتغلب على أي مقاومة ، وفي أوائل يونيو الماضي استعمل النظام المروحيات المسلحة في قتل المحتجين ؛ مما أدى إلى حدوث تدفقات كبيرة من اللاجئين على تركيا ، وفي أوائل يوليو طوقت قوات الأمن ووحدات حماية النظام ثانية حماة ودخلت أجزاء منها لتخويف السكان واعتقال المنشقين.
ومع امتداد الاحتجاجات في كل المدن السورية يبدو النظام عاجزا تماما عن قمع الثورة العنيدة التي تزداد اشتعالا مع تزايد اعداد شهدائها .
ويرون أن نجاح النظام في التعامل مع انتفاضة عامي 1979 و 1982 قد سهلته الطبيعة المتمركزة للمعارضة إلى حد كبير, وقدرة الجيش على عزل المناطق المعادية للنظام (حلب في عام 1980 وحماة في عام 1982), والقسوة الرهيبة التي اتبعتها دمشق لسحق المعارضة ، وبالنظر إلى الطبيعة المشتتة لأنشطة المعارضة في ذلك الوقت كانت الوحدات القليلة العدد نسبياً التي نشرها النظام كافية لتلك المهمة ، وقد شملت هذه سرايا الدفاع والفرقة 569 من قوات الحرس والفرقة الثالثة من الجيش النظامي واللواء الآلي المستقل السابع والأربعون والعديد من أفواج القوات الخاصة والميليشيات الموالية للنظام التي تسمى "الفرسان".
وليس هناك شيء من تلك الظروف سائد في الوضع الحالي ، فمعارضة اليوم واسعة النطاق وليس لها قادة يمكن التعرف عليهم (على الأقل على المستوى المحلي) وهي قادرة على مداومة أنشطتها. كما أن رد النظام قد تأرجح بين اللفتات الاسترضائية التي تنقصها المصداقية والقوة القاتلة التي تكفي لإشعال المعارضة ولا تكفي لقمع الاحتجاجات كما أن "قواعد حماة" - وهي مناورات الأرض المحروقة التي استخدمت لإخماد انتفاضة جماعة "الإخوان المسلمين" في تلك المدينة في عام 1982 ما أدى إلى مقتل أكثر من عشرة آلاف مدني- لا يمكن تطبيقها في عام 2011 ويضيف الخبراء أن النظام يفتقر إلى العدد الكافي من الوحدات التي يمكن الاعتماد عليها (والتي أغلبها من العلويين) لتأمين مناطق واسعة على نحو واثق.
ولكن رغم هذه الحقائق فقد اتبع النظام النموذج نفسه الذي استخدم في عامي 1979 و 1982 متعاملاً مع الاضطرابات باعتماده على الوحدات التي تتكون غالبيتها من العلويين والتي تعتبر حماية النظام مهمتها الأولى ، وهي تشمل عناصر وحدة الحرس الرئيسي للنظام, و"فرقة الحرس الجمهوري" (رغم أن الكثير من هذه الوحدة قد ظل على الأرجح في منطقة العاصمة لمقاومة أي انقلاب محتمل) إلى جانب قوات الأمن ووحدات جيش نظامية رئيسة مثل الفرقة الرابعة المدرعة وعناصر من "فرقة القوات الخاصة" الرابعة عشر والميليشيات الموالية للنظام "الشبيحة".
وعلاوة على ذلك لم يتم تدريب أو تجهيز معظم وحدات الجيش النظامية للقيام بمهام الأمن الداخلي والسيطرة على الحشود (ربما لم يتوافر لوحدات حماية النظام الكثير من التدريب في هذا الصدد أيضاً).
وتجمع الآراء على ظهور مؤشرات متزايدة على إجهاد الجيش ، حيث رفض بعض الجنود إطلاق النار على المحتجين وهجروا الجيش في وقت لاحق, ثم تزايدت الانشقاقات والعصيان من قبل ضباط ميدانيين وضباط الصف, والتمرد من قبل وحدات بأكملها, ووقعت مصادمات كبيرة داخل الوحدات أو فيما بينها ؛ ما يعني أن تلك الوحدات التي يعتمد عليها النظام بكثافة بدأت في تقليل نشاطها العملياتي مع الانسحاب من بعض العمليات ما يعني أنها بدأت في استنفاذ قواها.
إن نظام الأسد يسير عكس اتجاه التاريخ ، وهو يعلم تماما ما عليه فعله .