حق العلماء على الأمة

ابو حامد

عضو مميز
إنضم
14 مارس 2008
المشاركات
1,109
التفاعل
10 0 0
حماية أعراضهم


اعلموا -رحمكم الله- أن لحوم العلماء مسمومة، وأن عادة الله فيمن تَنَقَّصَهم معلومة، وأن أسوار من استهزأ بهم مهدومة.

هذه كلمة قالها ابن عساكر .
فمن تَنَقَّص العلماء، وتعرض لهم: أذله الله، وأخزاه، وقمعه، وأنزل به كارثة أو نازلة، وهذا أمر معلوم.
بل التعرض للعلماء تعرض للإسلام مباشرة، وانتهاك قداسة العلماء انتهاك لقداسة الإسلام.
فحذارِ حذارِ! وإنما أنبه غيركم وأما أنتم فإنكم -إن شاء الله- لديكم من العلم والتقوى، والورع والوعي، ما تدركون ذلك، لكن إياك أعني واسمعي يا جارة.
يقول بعض المفسرين في قوله تعالى: أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا [الرعد:41].
قالوا: موت العلماء، أورده الشوكاني وغيره، موت العلماء نقصان الأرض من أطرافها، وموت عالم ثلمةٌ في الإسلام، وموت العالم زلزال في الأمة، وموت العالم جرح لا يندمل إلا بعالم آخر، وكانت الأمة إذا مات عالمها، بكوا كثيراً وحزنوا، وسألوا الله أن يبدله بمثله أو بخير منه.
ومعلوم أيها الإخوة! أنَّا عرفنا من الأشخاص من كان مذهبه التنقص في العلماء، فأصابه الله بخيبة، ولم يجعل له قبولاً، وصار عرضه منتهكاً عند شباب الإسلام، ولم يحفظ الله عليه عورته؛ لأنه لم يحفظ حرمة العلماء.


عذر العلماء إذا أخطئوا


الثالث من حقوق العلماء على الأمة عذرهم إن أخطئوا في اجتهادهم.

أولاً أيها الأحباب! ليس العلماء معصومين، لأنه من عقيدة أهل السنة ليس معصوماً إلا الأنبياء والرسل عليهم الصلاة والسلام، أما العالم فليس معصوماً، قد يخطئ وقد يذنب، تجوز عليه الكبائر في الجملة، ولكن قد يتوب منها، وقد يأتي بمسألة يظنها صحيحة وهي خطأ، ويأتي بوجهة نظر وهي متردية لا تساوي شيئاً، لكن لا تسقط عدالته ولا تذهب كلمته.
يقول عليه الصلاة والسلام في الصحيح كما ورد عن عمرو بن العاص : {إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجرٌ واحد } فإذا اجتهد وبحث عن الأدلة، رأى دليلين في موطن التعارض، رأى من عمومات النصوص، وحاول أن يجتهد، لكنه أخطأ، فله أجر واحد لأنه أخطأ، وإن أصاب فله أجران؛ أجر الاجتهاد وأجر الصواب.
ولـابن تيمية رسالة بديعة اسمها: رفع الملام عن الأئمة الأعلام وقد عذر اختلاف أهل العلم في مسائل الفروع التي يختلف فيها، وفيها يجري الاجتهاد.
ومن أعذارهم:
أولاً: أن الدليل قد يبلغ هذا العالِم ولا يبلغ العالِم الآخر؛ فقد يكون وصلك الدليل لكن لم يصلني أنا، مثل: تحريك الإصبع، فأنا -مثلاً- لا أحرك إصبعي في الصلاة وأنت تحركها، فتسألني: لماذا لا تحرك إصبعك؟
أقول: ما وصلني الدليل، فهذا تَعَذَّر عليه، ولك أجر واحد أنك اجتهدت بحسب ما وجدت، ولا تبطل صلاتك، وتبقى المسائل الفرعية مختلفٌ فيها.
ثانياً: أن يكون الدليل عندك ثابتٌ وعندي منسوخ.
تقول: هذا الحديث لماذا لا تعمل به؟
أقول: منسوخ. فلا تحمل عليَّ، ولا تشنع ولا تغضب عليَّ، فقد اجتهدت فأخطأت.
وثالثاً: أنه قد يكون عندك الحديث صحيحٌ، وعندي ضعيف؛ والتصحيح والتضعيف -يا أيها الفضلاء- أمرٌ اجتهادي، لك أن تصحح الحديث ولي أن أضعفه بطرقي الخاصة، ولذلك تجد حديثاً يصححه ابن حجر ويضعفه -مثلاً- من بعده كـالسخاوي -مثلاً- أو الألباني ، ويصحح ابن تيمية حديثاً ويضعفه ابن القيم ، فلا حرج والمسألة فيها سعة، إنما الصدق، والنصيحة، والإخلاص، والجد في طلب الدليل.
ورابعاً: أنك قد تفهم من الدليل ما لا أفهم أنا، مثل قوله تعالى: وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] فهم الأحناف من هذه الآية: أنها تدخل فيها الثمار والحبوب والخضروات، فقالوا: في الخضروات زكاة، حتى الجرجير عند الأحناف فيه زكاة، والخس والبقدونس.
وقال الجمهور: لا. وإنما فيما يحصد فقط؛ لأن الله يقول: يَوْمَ حَصَادِهِ [الأنعام:141] والجرجير والخس والبقدونس لا تحصد.
فماذا نفعل؟! هل نضلل الأحناف؟
لا. بل نقول: اجتهدوا فربما أخطئوا ولهم أجر واحد، والجمهور لهم أجران، وهكذا المسائل، ومن عَبَدَ الله على مذهب أبي حنيفة نجا بإذن الله، أو على مذهب مالك ، أو على مذهب أحمد ، أو على مذهب الشافعي ، شريطة أن يبحث طالب العلم عن الدليل في أي مذهبٍ كان، ويعمل به، ويتمسك بدليل عن المعصوم، ولا يسعه إلا ذاك.


ربط الشباب بالعلماء


الرابع: من حقوق العلماء على الأمة: ربط الشباب بهم.

فالفوضى لا تصلح، فوضى بدون قيادة فكرية علمية لا تصلح، كلٌ يخطب، وكلٌ يعمل، وكلٌ يوجه، وكلٌ يتحمس، لا. لا بد من علماء للمسيرة:
لا يصلح القوم فوضى لا سراةَ لهم ولا سراة إذا جهالهم سادوا

والبيت لا يبتنى إلا بأعمدةٍ ولا عماد إذا لم تُرس أوتاد

الأوتاد: العلماء، نراجعهم، وللخطيب أن يعود إلى العالم قبل صلاة الجمعة، فيقول: أترى أن أخطب في هذا الموضوع؟
أترى أن أثير هذه المسألة؟
أترى أن أورد هذا الكلام؟
يسأله لأنه أكبر منه وأعلم وأفضل، وقد يمنحك الله بركةً على لسانه، ويجري حقاً على فمه، فيكون لك الحق فتعمل به... وهكذا.
وإذا وسد الأمر إلى غير أهله، إذا تقلد الأمور العلمية أناسٌ جهلة، وقادوا الأمة إلى مهاوٍ ومزالق، وهم جهلة، وقد سبق معنا: {فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا } والله المستعان!.
نطالب أهل الفضل، وأهل العلم، وأهل السنة ، أن يتقدموا المسيرة، ولا يتركوا الميدان للجهلاء السفهاء، من سفهة البغاة العلمانيين:
عذرت البدن إن هي قارعتني فما بالي وبال ابن اللبون

هذا البيت لـجرير ، ومعناه يقول: أنا أعذر أن يصارعني الجمل الهائج أما ابن اللبون، ابن سنة فلا أستطيع له، أنا لا أبارزه، وهذا أمر معلوم في الفِطَر والأحوال.
 
عودة
أعلى