عوني صادق
قلة من المراقبين النزيهين هم الذين لم يكتشفوا منذ البداية أن “اتفاقية نيفاشا” التي كانت “خطة” أمريكية خالصة لتفتيت السودان، لم توضع “لوقف الحرب وإحلال السلام” فيه، بل لفصل جنوبه كمقدمة لتقسيمه . قبل أن تنتهي “الفترة الانتقالية” ويحل موعد الاستفتاء على مصير الجنوب الذي كانت نتيجته معروفة ومحسومة سلفاً، كان النظام الحاكم في الخرطوم يهدد، كلما وقع خلاف حول قضية ما من قضايا الاستفتاء، بأنه سيوقف الإجراءات المتخذة لاستكمال خطوات تنفيذ الاتفاقية إن لم يكن مضموناً تحقيق غايتها وهي “إحلال السلام” على الجانبين .
بعد انفصال الحنوب، وتحوّله في يوليو/ تموز الماضي إلى دولة “جارة” مستقلة، بدأ يتأكد كثير من الأمور التي كانت تلفّها الشكوك، وأولها أن انفصال الجنوب لن يحل أياً من “القضايا العالقة” بين الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحولت إلى حزب حاكم في الجنوب، وبين الحكومة المركزية في الخرطوم، حيث ظل التوتر الذي ينتهي عادة بالاشتباكات العسكرية، هو سيد الموقف على الحدود مع الدولة الوليدة . وفي افتتاحيتها قبل حلول الموعد، كتبت صحيفة مصرية في ما يشبه التنبؤ، قائلة: “بعد انفصال جنوب السودان، وانقسام السودان إلى دولتين لهما كيانان مختلفان رسمياً، يرى الخبراء أن رياح التقسيم لا يراد لها أن تتوقف عند جنوب السودان فحسب، وإنما هذا الانفصال هو مقدمة لسلسلة انقسامات وانفصالات تفتت السودان إلى خمس دويلات ضعيفة، وهي: دارفور في الغرب، وشرق السودان، وجبال النوبة، إضافة إلى الشمال والجنوب” . (المصري اليوم- 8/7/2011) .
لم يكن ما قالته الصحيفة المصرية في افتتاحيتها قراءة في فنجان أو ضرباً في رمل، إذ لم يطل الوقت ليتأكد الجميع أنها قراءة في واقع . ففي العشرين من مايو/ أيار ،2011 اجتاحت قوات الجيش السوداني منطقة أبيي المتنازع عليها . وفي الخامس من يونيو/ حزيران ،2011 قامت حكومة الخرطوم بعمليات عسكرية في ولاية جنوب كردفان، ثم انتقلت الصراعات إلى ولاية النيل الأزرق، فقاد حاكمها المنتخب مالك عقار تمرداً مسلحاً ضد النظام في الخرطوم، فتم عزله . وفي أواخر سبتمبر/ أيلول، أصدرت “مجموعة الأزمات الدولية” تقريراً بعنوان “ضرورة وقف انتشار حرب أهلية جديدة في السودان”، وذلك في ضوء العمليات العسكرية التي كانت دائرة في ولاية النيل الأزرق وما ترتب عليها من عمليات نزوح للسكان المدنيين .
بعد انفصال الجنوب، تصور البعض أنه لم يعد ما يبرر وجود الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال، لكن تركيبتها أبقتها “حزباً سياسياً مهماً” فيه، حيث إن هناك من كان ولايزال من قياداتها ممن حارب في صفوفها من الشمال، مثل ياسر عرمان ومالك عقار ، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال ترى في الحركة “آلية” ضرورية لاستراتيجية تفكيك ما بقي من السودان ، وفي هذا الإطار سمعنا المبعوث الأمريكي الخاص لدى السودان، برنستون ليمان، يقول: إن الولايات المتحدة تحث السودان وجماعات المعارضة المسلحة بولاية النيل الأزرق على بدء محادثات فورية لوقف القتال، واصفاً الوضع هناك بأنه “خطر للغاية”، مطالباً الحكومة في الخرطوم بعدم قمع الحركة الشعبية لتحرير السودان/ قطاع الشمال (التي حملها مسؤولون شماليون مسؤولية اندلاع القتال في الولاية)، ومعتبراً إياها “حزباً سياسياً رئيساً” في السودان ، وهكذا تعود السياسة الأمريكية السيرة ذاتها التي اتبعتها واشنطن للوصول إلى “اتفاقية نيفاشا”، والتي أدت إلى فصل الجنوب، حيث تحرك واشنطن الجماعات الانفصالية نحو الحرب، ثم تطالب النظام في الخرطوم بالحوار معها، ضاغطة عليه، سياسياً واقتصادياً وحتى قانونياً، حتى يوافق على ما تضع له من اقتراحات توصل إلى ما كانت قد خططت له منذ البداية . (الجزيرة نت- 8/9/2011) .
وفي ضوء ما يجري، لا يبدو غريباً أن يقول محلل سياسي سوداني، إن في دولة الجنوب اتجاهاً يقوده المؤمنون بنظرية “السودان الجديد” الذين “يريدون استنزاف السودان لأجل الإطاحة به بالتنسيق مع الحركة الشعبية/ قطاع الشمال”، مشيراً إلى سيطرة الأخير على الحكم الجديد من خلال سيطرته على المؤسستين العسكرية والاقتصادية، ومعتبراً زيارة سلفاكير “محاولة لتبرئة الذمة مما يمكن أن يحدث مستقبلاً، وليس لمعالجة القضايا العالقة” (حسن مكي- الجزيرة نت- 10/10/2011) .
هكذا تبدو الأمور في السودان وكأنها تدور في دوائرها القديمة وتسلك المسالك ذاتها التي كانت ما قبل انفصال الجنوب، وها هي تستمر بعده ممهدة لانفصالات أخرى ، وهو أمر طبيعي طالما أن المخططات نفسها لاتزال معتمدة، وعقلية النظام في الخرطوم هي نفسها لم تتغير وهي التي تقرر، خصوصاً أن هذا النظام لم يكتشف حتى الآن وبعد كل الذي جرى خطأ سياساته وفشل أساليبه . ولعل ذلك ما جعل الخبراء في الشؤون السودانية يرون أن “معالم الصورة الأساسية تتكرر في السودان، وإن اختلفت أشخاصها ومسارح أحداثها” .
قلة من المراقبين النزيهين هم الذين لم يكتشفوا منذ البداية أن “اتفاقية نيفاشا” التي كانت “خطة” أمريكية خالصة لتفتيت السودان، لم توضع “لوقف الحرب وإحلال السلام” فيه، بل لفصل جنوبه كمقدمة لتقسيمه . قبل أن تنتهي “الفترة الانتقالية” ويحل موعد الاستفتاء على مصير الجنوب الذي كانت نتيجته معروفة ومحسومة سلفاً، كان النظام الحاكم في الخرطوم يهدد، كلما وقع خلاف حول قضية ما من قضايا الاستفتاء، بأنه سيوقف الإجراءات المتخذة لاستكمال خطوات تنفيذ الاتفاقية إن لم يكن مضموناً تحقيق غايتها وهي “إحلال السلام” على الجانبين .
بعد انفصال الحنوب، وتحوّله في يوليو/ تموز الماضي إلى دولة “جارة” مستقلة، بدأ يتأكد كثير من الأمور التي كانت تلفّها الشكوك، وأولها أن انفصال الجنوب لن يحل أياً من “القضايا العالقة” بين الحركة الشعبية لتحرير السودان التي تحولت إلى حزب حاكم في الجنوب، وبين الحكومة المركزية في الخرطوم، حيث ظل التوتر الذي ينتهي عادة بالاشتباكات العسكرية، هو سيد الموقف على الحدود مع الدولة الوليدة . وفي افتتاحيتها قبل حلول الموعد، كتبت صحيفة مصرية في ما يشبه التنبؤ، قائلة: “بعد انفصال جنوب السودان، وانقسام السودان إلى دولتين لهما كيانان مختلفان رسمياً، يرى الخبراء أن رياح التقسيم لا يراد لها أن تتوقف عند جنوب السودان فحسب، وإنما هذا الانفصال هو مقدمة لسلسلة انقسامات وانفصالات تفتت السودان إلى خمس دويلات ضعيفة، وهي: دارفور في الغرب، وشرق السودان، وجبال النوبة، إضافة إلى الشمال والجنوب” . (المصري اليوم- 8/7/2011) .
لم يكن ما قالته الصحيفة المصرية في افتتاحيتها قراءة في فنجان أو ضرباً في رمل، إذ لم يطل الوقت ليتأكد الجميع أنها قراءة في واقع . ففي العشرين من مايو/ أيار ،2011 اجتاحت قوات الجيش السوداني منطقة أبيي المتنازع عليها . وفي الخامس من يونيو/ حزيران ،2011 قامت حكومة الخرطوم بعمليات عسكرية في ولاية جنوب كردفان، ثم انتقلت الصراعات إلى ولاية النيل الأزرق، فقاد حاكمها المنتخب مالك عقار تمرداً مسلحاً ضد النظام في الخرطوم، فتم عزله . وفي أواخر سبتمبر/ أيلول، أصدرت “مجموعة الأزمات الدولية” تقريراً بعنوان “ضرورة وقف انتشار حرب أهلية جديدة في السودان”، وذلك في ضوء العمليات العسكرية التي كانت دائرة في ولاية النيل الأزرق وما ترتب عليها من عمليات نزوح للسكان المدنيين .
بعد انفصال الجنوب، تصور البعض أنه لم يعد ما يبرر وجود الحركة الشعبية لتحرير السودان في الشمال، لكن تركيبتها أبقتها “حزباً سياسياً مهماً” فيه، حيث إن هناك من كان ولايزال من قياداتها ممن حارب في صفوفها من الشمال، مثل ياسر عرمان ومالك عقار ، ويبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تزال ترى في الحركة “آلية” ضرورية لاستراتيجية تفكيك ما بقي من السودان ، وفي هذا الإطار سمعنا المبعوث الأمريكي الخاص لدى السودان، برنستون ليمان، يقول: إن الولايات المتحدة تحث السودان وجماعات المعارضة المسلحة بولاية النيل الأزرق على بدء محادثات فورية لوقف القتال، واصفاً الوضع هناك بأنه “خطر للغاية”، مطالباً الحكومة في الخرطوم بعدم قمع الحركة الشعبية لتحرير السودان/ قطاع الشمال (التي حملها مسؤولون شماليون مسؤولية اندلاع القتال في الولاية)، ومعتبراً إياها “حزباً سياسياً رئيساً” في السودان ، وهكذا تعود السياسة الأمريكية السيرة ذاتها التي اتبعتها واشنطن للوصول إلى “اتفاقية نيفاشا”، والتي أدت إلى فصل الجنوب، حيث تحرك واشنطن الجماعات الانفصالية نحو الحرب، ثم تطالب النظام في الخرطوم بالحوار معها، ضاغطة عليه، سياسياً واقتصادياً وحتى قانونياً، حتى يوافق على ما تضع له من اقتراحات توصل إلى ما كانت قد خططت له منذ البداية . (الجزيرة نت- 8/9/2011) .
وفي ضوء ما يجري، لا يبدو غريباً أن يقول محلل سياسي سوداني، إن في دولة الجنوب اتجاهاً يقوده المؤمنون بنظرية “السودان الجديد” الذين “يريدون استنزاف السودان لأجل الإطاحة به بالتنسيق مع الحركة الشعبية/ قطاع الشمال”، مشيراً إلى سيطرة الأخير على الحكم الجديد من خلال سيطرته على المؤسستين العسكرية والاقتصادية، ومعتبراً زيارة سلفاكير “محاولة لتبرئة الذمة مما يمكن أن يحدث مستقبلاً، وليس لمعالجة القضايا العالقة” (حسن مكي- الجزيرة نت- 10/10/2011) .
هكذا تبدو الأمور في السودان وكأنها تدور في دوائرها القديمة وتسلك المسالك ذاتها التي كانت ما قبل انفصال الجنوب، وها هي تستمر بعده ممهدة لانفصالات أخرى ، وهو أمر طبيعي طالما أن المخططات نفسها لاتزال معتمدة، وعقلية النظام في الخرطوم هي نفسها لم تتغير وهي التي تقرر، خصوصاً أن هذا النظام لم يكتشف حتى الآن وبعد كل الذي جرى خطأ سياساته وفشل أساليبه . ولعل ذلك ما جعل الخبراء في الشؤون السودانية يرون أن “معالم الصورة الأساسية تتكرر في السودان، وإن اختلفت أشخاصها ومسارح أحداثها” .