والحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين وخاتم النبيين محمد صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الميامين ومن تبعهم إلى يوم الدي
وأحب أن تكون أول مشاركة لي في هذا القسم مميزة بموضوع يهم كل البشرية بأن أكتب بعضا من جهد علماء الأمة فيما وفقهم الله تعالى من تبيانهم لكتاب الله تعالى وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم ، حول التوحيد والعقيدة وكنت قد كتبته كمسودة في أحد المنتديات المتواضعة وها أنا أعيد صياغة بعض الجمل وأطرحه في هذا القسم المبارك من هذا المنتدى المبارك إن شاء الله وفق الله تعالى العاملين عليه لكل خير وإحسان وسيكون هذا بأسلوب متسلسل وواضح بسلاسة ديننا الحنيف الذي شرعه الله لنا ليجتمع لنا صلاح الدنيا والآخرة ، وبإختصار شديد خشية الأسهاب ، إلا ما لايتم فيه المعنى بدونه ولنتجاوز ضيق الوقت بالنسبة للكثير منا تأخذ مشاغل الحياة الكثير من وقته ، وبهذا نجعلها صفحة مراجعة وتذكير لكثير من اساسيات تَألف منها مئات الكتب في فقه الدين وأصوله وكلما دعت الحاجة للتوسع في هذه العلوم إزدادت الكتب المفصلة مع مرور الزمن ،
وهذا الدين دخلته أمم تختلف لغتها وثقافاتها فكانت هنا الحاجة دائمة لمثل هذه الكتب التي قدم كتايها عصارة جهدهم لأيصال الدعوة الصحيحة للبشرية جمعاء ، وتركوا تلك الشروحات لعلماء الترجمة يقوموا بواجبهم تجاهها ، وأبدأ هنا ومتوسما من حضراتكم النصح والإرشاد حول أي مخالفات قد أقع فيها من شرحٍ وتعقيب ، خاصة ونحن نخوض في أعظم أمر تتحدد به المصائر ، ألا وهو فهم الدين وبسم الله نبدأ ،
فمنذ أن كتب الإنسان ما كتبه في التأريخ وعلى مر العصور نجد إن البشرية كانت تؤمن بالدين وإن إختلفت دياناتهم وأساليبها وشرائعها ومقاصدها وقليل منهم ملحدين وهي نسبة ضئيلة إذا ما قورنت دوما بتعداد تلكم الأمم وعلى مر العصور وهم دعاة عقلانية لا عقل لها ومنطق أثبت لهم أهل زمانهم دوما فساد رأيهم وبطلان حجتهم ولكن هذه الدعوة مستمرة عبر الأزمان تستهوي جهال البشر ومحبي المخالفة والنشاز حتى إذا ما تنور لهؤلاء رجعوا عن معتقداتهم وآمن الكثير منهم عبر دعوات الحق في مناظرات ونقاشات تحاور بها أهل الدين مع هؤلاء كانت أكثرها تتبع الحس والمادة والمنطق الذي كانوا بسببه يصدون عن الدين ظنهم بحجتهم رجاحة عقولهم دون بقية البشر ، وكما نجد اليوم بعض الناس يتسائل كما تسائلوا ويستغرب كما استغربوا ولكني أسرد قصة هنا لكل عاقل أخذ بالأسباب أن يعقلها وقبل أن أنتقل للقسم الثاني وهو الأكثر أهمية طبعا ، وذلك لتحقيق التسلسل الذي نروم تبيانه ولو على عجالة ، فكان قوم من الملاحدة لا يؤمنون بوجود خالق قد جمعوا حججهم وبراهينهم وتهيئوا لنصرة رأيهم وعلمهم ومعتقدهم الفكري وطلبوا من أحد علماء الأمة قدومه إليهم للحوار فإما أن يبرهن أو يبرهنوا ، قما كان منه إلا أن بعث لهم أحد طلبة العلم من الذين يتتلمذون عنده ، فلما كان الموعد تأخر هذا الطالب عن القوم ساعة من النهار أو أكثر وكان بينهم نهر حتى إذا ما وصل إليهم أخذوا ينالون من حاله بأنه متخلف عن الموعد وهذه سفاهة في إحتقار الوقت وتهاون بشأن الناس وغيرها ، فقال لهم إنما تأخرت بسبب عدم وجود قارب لأعبر عليه حتى جلست على ضفة النهر فقرب من ضفة النهر جذع شجرة كبير يطوف في الماء فما رأيت إلا ومنشار ينشر هذا الجذع حتى صار ألواحا وإذا بمطرقة تطرق المسامير في الألواح بعد أن كانت بشكل قارب وهكذا حتى إذا ما كمل ركبته وجئت ولو متأخرا فأنا قدمت لكم عذري ، فضحك القوم منه وقالوا : يا هذا حدث العاقل بما لا يعقل فإن صدق فلا عقل له ، وقد ظنوا بهذه اللحظات نصرا مؤزرا ، فتجهم الطالب وقال : أيعني أنكم لا تصدقونني بأن القارب صار بهذه الكيفية ، فقالوا وأنا لنا أن نصدق فهذه سفاهة منا إن فعلنا ، وماقلت هزوا أو كذبا ، فظهر الحق من أفواههم وخاطب القوم بقوله فكيف منكم تطلبون مني ومن الناس أن يصدقوا إذا بأن هذا الكون من سماوات وأرض ونبات وخلائق كان بدون صانع خالق مصور ؟؟؟ فبهت القوم ووجلوا وتفكروا فلام بعضهم بعضا وتابوا إلى الله وما ذلك منهم إلا يقينا عقلانيا ولكن كان قد غاب عنهم بما إستهوتهم أنفسهم من كبر وغرور
وأما القسم الثاني من البشر وعبر تأريخ الأنسانية جمعاء فلدينا حقائق نقلها لنا كتاب التأريخ تروي لنا القصص حول كيفية التطور البشري ويصاحب ذلك اوصاف مناخية وجغرافية وحالات المجمعات ودياناتها ، ولكننا كمؤمنين نأخذ قصص القرآن بإعتبارها أصدق القصص وأقدمها على الإطلاق وما كان من الحديث الشريف في أخبار الأمم وسلوكياتها ، ولن نخوض في هذا إلا فيما يخص أصل الدين الذي نقصد منه الحق لنتجنب مخالفة الخالق ، ونحذر ما جعل من الناس كفارا بعد إيمانهم ، ونحن نعرف حقائق تدل على وجود كفار من ذرية آدم في الجيل الثاني وهم من وجدهم نوح على كفر بالله ، وسيكون في سرد الموضوع مصطلحات لا بد من تبيان معناها ولو بإختصار أحيانا ، وأحيانا لابد من إعطاء المصطلح معناه وحقه بالكامل على أن لا نبتعد عن أصل الموضوع إن شاء الله تعالى
الحلقة الثانية من الموضوع
[/size وكما نعلم فإن الله لما خلق الخلائق جعل لهم فطرة وجعل لهذه الخلائق وظائف فحاشى لله تعالى أن
يخلق شيئا عبثا ، قال تعالى :]﴿ تبارك الذي نزّل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيراً. الذي له ملك السموات والأرض ولم يتَّخذْ ولداً ولم يكن له شريك في الملك وخلق كل شيءٍ فقدّرَهُ تقديراً ﴾ آية 1،2 الفرقان ،
فاما من الخلائق من غير الجن والإنس فقال فيهم سبحانه وتعالى : (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا) الإسراء آية 44وقال تعالى : {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُمْ مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَىْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ (38)} (سورة الأنعام
وأما ما يخصنا فقال تعالى ( وما خَلقتُ الجِنَ والإنسَ إلا ليعبدون ) آية 56 الذاريات ، وما تكون هذه العبادة إلا بضوابط ربانية تكون لنا شريعه شرعها الله تعالى لنا لنعبد الله تعالى كما يريدنا أن نعبده لا كما يحلوا لنا أو نظن دون يقين أو دليل ،ومثلا ولله المثل الأعلى أن يكون مهندسا صاحب خبرة قد شرع ببناء بنايةٍ ما وقد إستخدم عمالا من ذوي حرف ولكنهم قليلي الدراية بمثل هذه الأبنية الحديثة والمراد منها فهل يقبل هذا المهندس أن يغير احد العمال في مخططات وقوائم البناية شيء ؟ بل سيعتبره سوء تصرف من العامل وتخريب لجهود كل العمل وبقية العمال والناتج سيكون تأخير وإضرار ، والأمثال تضرب ولا تقاس ، فما بال بعض الناس يصححون لله ويقولون نحن نرى ونحن نقول ، ولكي لا يبقى عذر لأحد بعذر الجهل فكان البلاغ قد بَلغَ كل الناس وعلى مر الأزمان كلها ولهذا فقد بعث الله تعالى لنا الرسل يعلموننا الدين بشريعةٍ سمحة ، والشريعة معناها ( المخطط ) أي الطريق المرسوم بخطة ، فتكون طريقة العبادة والسلوك وهي الطريق المعبد المرتفع الذي ما إن ننحرف عنه نهوي عن كتفه بسرعة متزايدة وبمقدار زاوية الإنحراف تقدر الشقة الحاصلة وكلما نستمر من نقطة الصفر عند بداية الإنحراف تزداد المسافة الفاصلة بين شريعة الحق وبين شريعة الهوى والشيطان والعياذ بالله ، وقال تعالى ( أرأيت من اتخذ إلهه هواه ) 43 الفرقان ، أي يأخذ برأيه دون الشريعة فيغدو ضالا فتنصرف حقوق الله لهوى نفس الضال وبهذا يكون مؤلهاً لهواه دون الله تعالى ،
والله تعالى جعل لنا الدين الأسلامي بشريعة حنيفية سمحة ليبلونا وينقينا فإن أطعنا نغدوا صُلَحا ً لنكون من أهل الجنة التي جعلها الله تعالى سلعة غالية يفوز بها المتقين المؤمنين الطائعين لله ورسوله ، قال رسول الله ( ألا إن سلعة الله غالية ألا إن سلعة الله الجنة )
والبداية مع الإسلام تكون فكرية عقائدية قبل المادية والجسمانية ، فلابد للمقبل على الإسلام أن يفهم معناه بالكامل قبل تلفظه بكلمات وإغتساله وإبدال ثيابه أو غسلها ، ولابد أن نعرف الأسلام وما يعنيه لله تعالى وللعبد الذي ينوي اعتناق هذا الدين وما ينقض هذا الميثاق وما يذهب بأصل فهم هذا الدين العظيم ، وذلك ليكون إسلاماً يتطابق فيه الوصف والموصوف ، لكي يكون حقيقياً لا زائفا ، فالبضاعة المزيفة رخيصة مبتذلة والبضاعة الأصيلة غاليةٌ ثمينة .
وقد عَرَفَ علماء الأمة الأسلامَ بأنه الإستسلامُ لله بالتوحيد والإنقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهله وهو دين القيمة ، جائنا به النبي الأمي محمد صلى الله عليه وسلم مرسلا من الله تعالى نزله عليه الروح الأمين وعلمه .
قال تعالى : إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ
وقوله سبحانه: وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ،
وقوله عز وجل في سورة المائدة: الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ . ديناً ) والآيات في هذا كثيرة
والأسلام مبني على أصل أساسي وهو التوحيد لله ، فكل رسل الله وأنبيائه جائوا بهذا الأمر على أممهم التي ضلت في هذا الأمر وتاهت من بعد إبني آدم وإلى مبعث خاتم الرسل والأنبياء محمد صلى الله عليه وسلم ، و لأن كل النتائج الكفرية كانت بسبب الأبتعاد عن الفهم الصحيح للتوحيد بقصد أو بغير قصد وهنا يكون أصل الفساد في الدين .
وهنا نصل إلى واجب فهمنا للدين عبر مدخل التوحيد ، ومعرفة مصطلح الكفر والشرك ، وكيف إن الشهادتين هما التعبير الأصيل الحق للتوحيد وما سينتج عنه ومنه لأن لهذا الدين عراً تتعلق فيه ولابد أن يكون الرابط به بكل القوة والمراسة التي ستتحمل كل الموانع المثقلة من إستدراج الشيطان ومن هوى النفس ومن الفتن والإختبارات .
معنى ( لا إله إلا الله )
وقد يسأل سائل عن الفرق في مفهوم الرب و الإله ، وهذه المفردات لها دلائل خاصة بما عقله العرب من لغتهم والقرآن نصه عربي
قال تعالى (إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ )
والرب عند العرب هو الخالق وهو الرزاق المدبر القدير المقدر ، المحيي المميت ، ينزل منه إلينا ، ومشركي قريش الذين نزل فيهم الوحي وبُعثَ فيهم نبي الرحمة كانوا يظنون إن الله هو رب الأرباب وهو المنتخب من هذه الآلهة ( الأصنام ) التي يعبدونها لذلك كان قصدهم صرف العبادة له بواسطة هذه الآلهة المتعددة ، وبهذا هم أشركوا بالوهية الله سبحانه وتعالى لأن اللوهية هي من التأليه فيكون الأله منزها عمن سواه مرتفع المكانة فكانوا يصرفون عبادتهم ودعائهم ونذورهم وإستخاراتهم لهذه الأصنام التي ظنوا بها واسطة سريعة بينهم وبين الله وهذه الأصنام كانت تماثيل لأُناس خيرين يدعون الى محاسن الأخلاق وفضائلها ، فالأله هو من نألهه فيصعد منا إليه من ظن وإعتقاد ودعاء ونذر وغيرها من العبادات ، ففي قوله تعالى : ( ألا للهِ الدينُ الخالص والذينَ اتخذوا من دونهِ أولياء ما نَعبُدُهُم إلا ليقربونا إلى اللهِ زُلفىٰ إن اللهَ يَحكُمُ بَينَهُم فيما هُم فيهِ يَختَلِفونَ إنَ اللهَ لا يهدي مَن هو كاذبٌ كفٰـــر ) آية 3 الزمر ، وهذا هو تبيان حال كفار قريش ومن جاورهم قبل إسلامهم
، وقال تعالى ( ولئن سألتهم من خلق السماوات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون قل يا قوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل ) ،
والكثير من آيات القرآن تشير لدلالة إن المشركين كانوا قد ضلوا في هذا الأمر ، وأن الله لايقبل منا توحيد الربوبية فحسب وإنما التوحيد كاملا في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته ،
والشرك كان منهم بما استدرجهم الشيطان ليضلهم ويمنيهم لأنه عدو مطلق ، ومعه بما استهوته أنفسهم لأنهم كانوا يحتاجون في معاملاتهم بعض الإلتفاف على الشريعة لايستطيعون تغير ثوابتها إلا بإذن من الإله فكانت هنا حاجتهم لآلهه تعطيهم هذه الأذونات والمباركات يستلب بها القوي من الضعيف والغني من الفقير وساعد ذلك تبادل المنافع المحرمة على وجود السدنة والكهان ومن شابههم من أهل التدليس ، فنجدهم إستغلوا الخيرية في فطرة الناس فتدرعوا لهم بهذه المزاعم باسماء وشخصيات غائبة ( متوفاة ) كانت معروفة ومشهورة بالخيرية والصلاح ، فطوى الجهل على أمم لم تكن لتجابه خيرية هذه الشخصيات وتجازف بمجابهة المنتفعين من الطواغيت ، فكان الشرك بالله تعالى يظهر ويعم متى ما توافر الجهل يؤازره قوة شوكة الطواغيت بما يقابله من ضعف إرادة أُمم الأسلام على مر العصور في ماقبل وبعد بعثة الرسول الأمين محمد صلى الله عليه وسلم وعلى آله وصحبه ،
والمشركون لم يتخذوا عناوين للشر يشركون بها بل اخذوا عناوين وضائة ومنيرة وأشركوا بها مع الله ، والأنداد ليسوا بأضداد لأن الند هو المشابه والموازي والمنافس لنفس الإتجاه ، فقال تعالى ( وَمِنَ النَّاسِ مَن يَتَّخِذُ مِن دُونِ اللّهِ أَندَاداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَالَّذِينَ آمَنُواْ أَشَدُّ حُبّاً لِّلّهِ ) ، وقال تعالى في سورة الكهف ( أَفَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن يَتَّخِذُوا عِبَادِي مِن دُونِي أَوْلِيَاء إِنَّا أَعْتَدْنَا جَهَنَّمَ لِلْكَافِرِينَ نُزُلا
و أما الكفار فهم المنكرون للدين او بعضا منه ، والكفر معناه التغطية والفلاح يكفر البذر في الأرض أي يجعل بذرة النبات في الأرض فيكفرها ( يغطيها بالتراب ) قال تعالى :
( ... كَمَثَلٍ غَيثٍ أعجَبَ الكُـــفارَ نَباتُهُ .... ) آية 20 الحديد
وما يخص أهل الكفر هنا هم الذين غيبوا جزءا من الدين وأنكروه ، فالكفار من الملاحدة قد أنكروا الدين كله ونسبوا الخلق إلى الطبيعة وتغافلوا عمن خلق الطبيعة وما فيها ومن فيها فخابوا وخسروا ، وأما كفار أهل الكتاب فقد أقروا ببعض الشريعة وأنكروا منها ومنهم من حرف الكتب السماوية ، ومنهم من جعل لله ولدا ، ومنهم من جعل له ولدا وزوجة فكان منهم الكفر والشرك على حد سواء ، وقال تعالى في الذين يطمروا بعض ما جائهم من العلم والكتاب : (وَإِذَا لَقُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ قَالُواْ آمَنَّا وَإِذَا خَلاَ بَعْضُهُمْ إِلَىَ بَعْضٍ قَالُواْ أَتُحَدِّثُونَهُم بِمَا فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَآجُّوكُم بِهِ عِندَ رَبِّكُمْ أَفَلاَ تَعْقِلُونَ ) (76) البقرة
وهذا ما فهمته من معاني مفردات ( الرب ، الأله ، الشرك ، الكفر ) وقد إقتبست ما أمكن فيه من إختصار ، وذلك من ضرورة فهمها قبل التوكل على الله تعالى و حيث ما بلغنا في التسلسل والتدرج لنكون قد وقفنا الآن عند باب الشهادتين ، فقال أحد علماء الأمة إن للأسلام باب ومفتاحه ( لا إله إلا الله ، محمد رسول الله ) وأن للمفتاح أسنان ، وأسنان لا إله إلا الله شروطها ،
فلو مثلا إن أحدنا أراد أن يفتح باب غرفة بمفتاح فهل يجوز أن يفتح بأي مفتاح !! ؟ فلا بد لنا من ان نفتح الباب بمفتاحه الذي صنع له لا لغيره ، ولهذا سمي مفتاح ، وهنا يكون لابد لنا أن نفهم هذه الشهادتين ليكون إلتزامنا بها صحيحا ، لأنها عهد مع الله والإنسان يكون ملتزما بعقوده مع الناس ويلزمه بها الشرع ( والقانون الوضعي والعرف لدى غير المسلمين ) لأن في العقود عهود ومواثيق وإتفاقات ، تفعل كذا وتأخذ كذا ، والإخلال به تتغرم كذا من باب التعويض للمقابل لما لحق به من ضرر نتيجة أهمال الطرف الثاني ، ولست هنا أجوز الغرامة ولكن من باب ضرب الأمثال فالقاعدة الشرعية ( لا ضر ولا ضرار ) تكون أحيانا فيصلا بين المتعاقدين ، والعقود الغير شرعية دوما تجد فيها حيفا وظلما يقع على كاهل أحد الأطراف ، لأن للشرع ميزان معاملات فيه من الحلال والحرام يجعل الألتزام به نافعا لكل أطراف العقد .
ولأن الدين هو رأس المنفعة وخيريته تنسحب على الأنسان في دنياه وآخرته فيحق لنا بوصف دخول هذا الدين هو بمثابة عقد تبيع وتشتري فيه مع كريم لا حدود لكرمه ، تعتقد فتنوي فتقول وتفعل والطرف الأول كريم يوزن لك الحسنة بعشرة أضعافها وإلى آلاف الأضعاف ، والسيئة يجعلها كما هي .
أي عقد رابح هذا ؟ إنه عقد الطاعة ، إنه توحيد الله تعالى ، فتعبده وتوحده كما يأمرك وهو من قبل قد خلق وهو القادر عليك فأحسن لنفسك تنجو !!
وبدون هذا العقد لا يقبل لك عمل صالح ، وتعال نقرب الحال بهذا المثل ، ولله المثل الأعلى ولكن بلغة العصر نتكلم ، فنفرض أحدهم جاء على أرض البلدية في مدينة ما ، وأنشأ عليها دكانا بدون إذن ولا إجازة بناء ، فنتيجة ذلك معروفة كأن تأتي السلطة تهدم هذا البناء إلى أُسه وتغرم المتجاوز وترفع الأنقاض ، وأما الذي يبني بناءه وفق إتفاق وعقد أو إجازة فبنائه سيكون وتدفع له القروض والمنح لأتمام مشروعه ، فكذلك وعدنا الله بأنه لا يقبل عمل عامل خير إلا ضمن الشريعة وضمن العهد نافذا من تأريخ الإستسلام لإرادة الله تعالى ، قال تعالى سبحانه :
( 85 آل عمران ) وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ
وما عنوان هذا العهد إلا أن يكون بالشهادتين ( أشهد أن لا إله إلا الله ، وأشهد أن محمدا رسول الله ) وهي شهادة يدخل الإنسان بها الإسلام ، منضبطاً به دينا ومنهاجا ، إعتقاداً وسلوكا ، نطقاً وظنا ، والحمد لله الذي من علينا بنعمة الإسلام . .
والدين هو من الديدن ، حيث السلوك المنتهج والقول الصادر وقبلهما القناعة الفكرية وهي: العقيدة اي المعتقد الراسخ من ظن ويقين ، حيث هناك عقائد فاسدة وهنا عقيدة حقٍ صافية ، وكل هذه تشير إلى الديانة لما يتعلق بين الله وعباده .
وإن للإسلام أركان لابد من الإلتزام بها ، وإن فيه جهاد منه جهاد النفس والغير ، والغير من وسواس أو عدو ، وإن في الإسلام إيمان ، وفيه أصول وفروع ، وفيه فروض واجبة ومندوبات مؤكدة ومستحبة ، وكل ذلك واجب على المسلم أن يوغل فيه برفق وروية ، بفهم وتتبع ، وإتباع وإقتداء ، وكل ذلك لابد أن يكون بدليل من الكتاب والسنة ، ولما يختلف جاهل عن الكتاب والسنة كما نرى في هذا العهد وما قرأنا عنه من جدل الفرق الضالة فاعلم إنما الخلاف يكون في فقه الفروع وهذا جعله الله تعالى رحمة للاُمة ، وأما من خالف في الأصول فقد شق فرقة يكون بها المئال الى النار ، والتوحيد أصل يجمع كل الدين ، فما وافق (شهادة لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، وشهادة أن محمدا عبده و رسوله )
جاز لنا تعلمه والتوسع فيه وما لم يوافقها فهو ليس من الدين في شيء ،
وهذه الشهادة تلفظ باللغة العربية ولا بد ، لما لها من مدلولات واجبٌ فهمها فيكون لدينا منها ما يلي
لا إله ( أي لا معبود ) إلا الله ( غير الله)
وهي نفي الألوهية عن أي أحد أو شيء وبإستثناء واحد فقط وهو الله تعالى ، وإثبات صفة الألوهية له وحده ، ومعناها لا معبود بحق إلا الله
وهنا يكون لدينا ( نفي وإثبات ) وهذا النفي مشروط بهذا الإثبات لا يفترق عنه ، لأن الملاحدة تنفي ولا تثبت
وبكون من الفهم أيضا ، البراءة من أي إلهٍ أو آلهه متعددة ، والولاء لله وحده ، حيث لا إله ( فيها البراء ) وإلا الله ( فيها الولاء ) وهذه البراءة مشروطة مع هذا الولاء لا تفترق عنه ، لأن المشركين يوالون آلهه متعددة ، فيكون أن نفهم البراء والولاء ويكون البراء قبل الولاء ، وهذا ما كان مع سيدنا ابراهيم لما تبرأ من كل ما يعبد قومه ووالى الله تعالى بعدها وطلب منه الهداية
ويكون الفهم لنا أن الله لا يقبل أن يشرك به ، قال تعالى
(إن الله يغفر الذنوب جميعا لمن يشاء إلا أن يشرك به ) ، وهذا ما يجعل لهذه الشهادة مدلول آخر ، وحيث لا مجال لأي شراكة في القلب واللسان والعمل كما سنصل لهذا في قابل الصفحات إن شاء الله ، فيكون ولا بد من التخلية قبل التحلية ، فلا بد أن تطهر قلبك وعقلك وثيابك وبيتك من كل شرك أو رمز كان يشير لعقد معين غير هذا العقد ( العهد ) بينك وبين غير الله ، لأن من شروط هذا العهد ( أن يكون حصريا ) مع الله تعالى ، فلو كان لأحدهم كوبا فيه بعض قذر أفكان ليصب في من شرابٍ طيب دون أن يغسله من قذره !!؟ والقلب كذلك لابد أن يخلوا من كل شرك حتى يزدان بالإيمان والتوحيد صافيا .
فيكون لدينا هنا البراء والولاء
و النفي والإثبات
و التخليةُ قبل التحلية
وفي هذا سعة لتأكيد الأستيعاب والفهم الذي لا يخالطه وهمٌ وظن
] ومما سبق علمنا إن من قال ( لا إله إلا الله محمد رسول الله ) يكون مسلما ، وإنماالعرب كانت تعرف كل ما يترتب ما على هذه الشهادة ، فعن أسامة بن زيد قال: بعثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أناس من جهينة، فأتيت إلى رجل منهم فذهبت أطعنه فقال: لا إله إلا الله، فطعنته فقتلته، فجئت إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته، فقال: أقتلته وقد شهد أن لا إله إلا الله؟ قلت: يا رسول الله إنما فعل ذلك تعوذا، قال: فهلا شققت عن قلبه؟. متفق عليه.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال عمر: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لأدفعن اللواء غداً إلى رجل يحب الله ورسوله، يفتح الله به، قال عمر: ما تمنيت الإمرة إلا يومئذ، فلما كان الغد، تطاولت لها، فقال لعلي: قم، اذهب وقاتل ولا تلتفت حتى يفتح الله عليك. فقال: يا رسول الله: علام أقاتلهم؟ قال: حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها حرمت دماؤهم وأموالهم إلا بحقها. قال السيوطي: وسنده صحيح.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله ويؤمنوا بي وبما جئت به، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله.
والقول عند العرب كلام له دلالة ومفهوم ، وبه إلزام لما ينطق به ، وأزيد في التوضيح فليس كل الكلام هو قول ، فلو إنك تتكلم إلى إنسان أبكم فليس كلامك عنده قول لأنه لايفهم كل ما تنطق به ، ولو إنك تكلمت بلغة عربية لإنسان من الصين لا يجيد غير اللغة الصينية فليس كلامك عنده قول لأنه لا يفهم كل كلامك ، والقول هو الكلام المفهوم والمقصود منه شيء ، لذا قال صلى الله عليه وسلم ( من قال لا إله إلا الله دخل الجنة ) وما قال من لفظ أو تكلم بها ، بل قال من قال ، وهنا الحسم والدلالة بأن القول يدل على الإخلاص في النية لما قاله حيث إتمام المقصود بها ، ولابد من أن يتبع ذلك الإخلاص في النية الإخلاص في النطق
(وعلى قدر الإستطاعة للبكم والأعاجم ) ولا بد أن يتبع ذلك إخلاص في العمل ( وأيضا على قدر الإستطاعة ) ، لأنها كلمة ٌ فصل ، وأما الذين يمنون أنفسهم بلفظٍ وحسب فأقول لهم ، نجد رجلا كد في بناء دارٍ له سنين طويله يعمل فيه ويدفع الأموال ، وقد عرض عليه آخر سعر معين مقابل هذه الدار وباع له الأول فبماذا يبيع ؟ فالأمر يبدأ بالنية والتفكر حتى إذا ما قرر الموافقة يقول له بعتك داري مقابل كذا ، وهذا نطق باللسان أو إقرار بإشارة الموافقة إن كان أبكما لما فهمه من اشارات من قبل المشتري حيث يمثل له بالتعبير الذي يفهمه الأبكم ، ومن ثم يتبع هذا الإتفاق إستلام الأول للمال وإستلام الثاني للدار ، فتحول جهد السنين وتعبها إلى دراهم عند الأول ، وتحول جهد الثاني في جمعه للمال خلال الزمن الى دار يسكنه ، وكان الدليل بينهما القول والإتفاق وهذا ما يدل على إن للقول واللفظ أمور تنسحب إليها الأحوال بواقع حقيقي .
وأما من دخل الإسلام فإما أن يكون قاصدا أكان مؤمناً أو منافقاً ، واما ان يكون جاهلا لكثير من جوانب التوحيد وقد أحب جزءاً من هذا الدين فدخل فيه واعتنقه كما نرى حال الكثير من الناس في وقتنا هذا ، أو يكفيهم أنهم وجدوا آبائهم على هذا الدين فتلقبوا به كأنه إرث عائلي من غير أن يفهموه أو يعملوا به .
والمنافق حاله معلوم بمحاولته مرائاة الناس بحاله إنه مسلم يفعل ما يفعلون ويشمئز ،ويقول ما يقولون ويكذب فيه ، ليس له إيمان في قرارة نفسه بالذي يقول او يفعل ،
: ومعنى النفاق في اللغة العربية:
، مأخوذٌ من "النَّافِقاء"، و النَّافِقاءُ هو المَخْرجُ المستورُ لِجُحْر اليربوع، حيث أنَّ لجُحْرِهِ مَخرجان، مَخْرجٌ ظاهرٌ يُسمّى "الْقاصعاء"، و مخرجٌ آخر غيرُ ظاهر مستور بالتراب يُسمّى "
النَّافِقاء"، و هذا المخرج يستخدمه اليربوع في الحالات الطارئة للهروب من المهاجمين، و لدى استخدامه لهذا المخرج يقال : "نافق اليربوع"، أي استخدم النَّافِقاء.
معنى النفاق في المصطلح الإسلامي:
و أما النفاق في المصطلح الإسلامي فَيُطلقُ على إظهار الإسلام قولاً و عملاً، و إضمار الكفر، و مَنْ يكون هذا حاله يُقالُ له "منافق".
و المنافق رأسماله الكذب و الخديعة، فيتظاهر بالإيمان و العمل الصالح، ليتستَّر بالإسلام على كفره ليأمن من بطش المسلمين، و ليدفع الخطر عن نفسه، و يكون المنافق في الغالب مرتبكاً و خائفاً من الفضيحة.
وأما المؤمن بهذا الدين يكون عنده الأيمان يقينٌ بالجنان وقول باللسان ، وعمل الجوارح بالأركان ،
والجنان هو الباطن من قلب وعقيدة الفكر ، والقول هو التصريح ولو كان ابكما ، و الجوارح هي الرجلين واليدين والجسم عامة والسمع والبصر
والإيمان عند المسلمين يزيد ويقوى بالطاعات ، وينقص ويفتر بالمعاصي ، ومن المعاصي ما يؤدي إلى الكفر أو الشرك أو النفاق ، ومنها ما ينقص اليمان وحسب .
ولولا الإسلام لما ترسخ الأيمان وصحَ ، لأن من أهل الكفر من يؤمن بالجبت والطاغوت وهذا الإيمان كفري مذموم ، فلا بد أن يوافق الأيمان الأسلام والتوحيد لله تعالى ، ولولا الإيمان الصحيح لما تحققت الموافقة بين صدق العبادة والتوحيد لله تعالى ،
وللإسلام أركان ٌ هي : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدٌ رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت من إستطاع إليه سبيلا
وللإيمان أركانٌ هي : الأيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله والساعة والقدر خيره وشره
حيث أركان الإسلام تطبيقات عملية حسية مرتبطه بالعقيدة الفكرية الصحيحة ، وأما أركان الإيمان فواعزها غيبي روحاني مقيد بواقع حال الفهم الصحيح لمعنى الأيمان ولمعنى الإسلام المطلق
و في اللقاء القادم إن شاء الله سننتقل إلى ميزة راقية تتداخل في أصل الأيمان ألا وهي الطاعة وما فيها من مكاسب وما فيها من خيرية لكل البشرية .
وبتوفيق اللهِ تعالى نكمل في ما حول طاعة الله تعالى ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم ، واما في ما امر سبحانه وتعالى عباده في حق عبادته فهو ذاته ما أمر به العالمين من إنس وجن وما جاء به كل الأنبياء والرسل أجمعين وهو التوحيد الخالص ، وأما طاعة الأحوال والمعاملات والمواريث وفق الشريعة فقد كانت تختلف من أمة عن غيرها ، وإن أجدرها بالإتباع هي الأخيرة منها والتي جاءنا بها رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم وهو خاتم الأنبياء والرسل أجمعين ، فالآخِر ينسخ ماقبله ، وحقيقة ذلك كونها أثبت من غيرها في ما جرى من تحريف في شرائع السابقين وكما أشرنا بما سبق ،
ولما تبين لنا مع هذه الحقائق فوجب علينا أن نتبع الشريعة ألتي أرادها الخبير العزيز علام الغيوب ، وحده يعلم مطلق المصلحة ووحده يعلم مطلق المفسدة وهو المشرِعُ لنا هذه الشريعة السمحة ، ففي هذه الطاعة تتحقق المصلحة المطلقة وتدرء المفسدة المطلقة ، ولما كان فينا ضعفاً ، فنحن لم نحقق الخيرية المطلقة ولن نحققها ،ولكن نتقرب الى الله تعالى بأن نخلص له بالطاعات كلها حتى يكون التوفيق لنا منه بأن نكون الأقرب لرحمته في نصره ورزقه وتوفيقه لما يحب ويرضى سبحانه وتعالى ،
والطاعة من المطاوعة فيكون منا لين وطواعية في سلوك الإستقامة لأن الطبع والغريزة البشرية يكون فيهما عوج لِما تكسب النفس من خبائث وبما يستدرج الشيطان عباد الله غير المخلصين إلى مصائد وكمائن والرجوع عن ذلك يكون بمطاوعتنا لما أمر الله تعالى ونهى ، ومقاومة هذا الإعتدال يكون عصياناً ، والمعاصي عكس الطاعات حيث ترتبط بالطاعة الأمور الحسنة ، وبالمعاصي الأمور الخبيثة ، إلا إذا لازمها ألفاظ تعكس المعنى مثل طاعة الطواغيت أو عصيان الطواغيت فهذا يعكس معنى هٰذين اللفظين ، فمن أطاع الله نجى وعصى الله خاب وخسر ،
وقد بين لنا علماء الأمة من السلف الصالح ومن مجددين حال القاعدة الشرعية ( درء المفاسد مقدم على جلب المصالح ) و ( ودرء المفسدة الكبرى بأصغر منها ) وهذا حق ، ولكن الباطل من يدخل المداخل الخبيثة التي تمس التوحيد في براءهِ وولاءهِ وقد نجد من دلس على الناس بقياسه الخاطيء كأن يكون في كذا درء لمفسدة وجلب لمصلحة وفي غير ما يرى عكس ذلك ، فلا يكونن قياسنا على ما يلائم أحوالنا بهوىً أو ضلالة نفس ، ولكن نقيس بالدليل والأصول وإن شق علينا ما يجره ذلك من جهاد أو جهد ، وقال تعالى (يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله ورسوله ولا تولوا عنه وأنتم تسمعون ) الأنفال
وقال تعالى ( يا أيها الذين آمنوا لا تخونوا الله والرسول وتخونوا أماناتكم وأنتم تعلمون ) الأنفال
فالطاعة تتحقق خيريتها لما تكون طاعةً للهِ ورسولهِ وليس طاعة الطواغيت أو النفس والهوى ، ومنهم من أهمتهم أنفسهم وظنوا بإن المداهنة لأعداء الله ستدرء مفاسد وتجلب مصالح وهٰذا قياسٌ باطل لا برهان له ولا دليل ، وقد نهانا الله تعالى عن إظهار الدنيئة في ديننا والتسليم لإرادةِ الكفار وطاعتهم ، ولما تكون هذه الطاعة عامة ويقودها ولي أمرالمسلمين لتكون شاملة وقائمة ستتجسد لنا خيريتها وستدرء كل المفاسد وستجلب جل المصالح ، وأما ما لا يدرك كله فلا يترك جله ، وعلى قدر أهل العزم تؤتى العزائم ،
والطاعة تكون لله بما فطرنا عليه وجعل منها جبلتنا ولرسوله الذي أدى الأمانة وبلغ تمام الدين من كتابٍ وسُنة ، وعليه يقع على عاتق كل مسلم أن يعرف ربه ونبيه ودينه وهي مسائل ثلاث يجب فهمها على إن الله تعالى هو ربِ العالمين والنبي المرسل محمد صلى الله عليه وسلم هو المبلغ للدين والدين هو الإسلام ، وقد مر علينا إن الله تعالى نعرفه بانه هو الألٰه المعبود وهو ربنا ربانا ولم نكُ من قبل شيئاً ، وله الأسماء الحسنىٰ والصفاةُ الفضلىٰ نصفهُ كما وصف نفسه تعالى لانزيد ولا ننقص ، ونثني عليه كما أمرنا ونحمده كثيرا بألسننا ونشكر له بأعمالنا وعباداتنا التي كلفنا بها بإقامة شريعته وتعظيم شعائره سبحانه وتعالى ،
ونبي الله ورسوله هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم وهاشم من قريش وقريش من العرب خاتم الأنبياء والرسل أجمعين أدى الأمانة وبلغ الأمة وجاهد في الله حق جهاده ، ومن آمن بأن محمد صلى الله عليه وسلم هو عبد الله ورسولهِ ، فاز بالبديهية بأيمانه باللهِ تعالى وبالإسلام دينا ، فعن أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( العبدُ إذا وُضِعَ في قبرهِ وتولىٰ وذهب أصحابه ، حتى إنه ليسمع قرع نِعالِهم ، أتاه ملكان فأقعداه ، فيقولانِ له ، ماكنت تقول في هٰذا الرجل محمد ؟ فيقولُ أشهدُ أنهُ عبدُ اللهِ ورسوله ، فيقالُ : اُنظر إلىٰ مقعَدِكَ من النار أبدلك اللهُ به مقعداً من الجنة ، قال النبي صلى الله عليه وسلم فيراهما جميعا ً ، وأما الكافرأو المنافقُ فيقول لا أدري ، كنت أقول ما يقول الناس ، فيُقالُ ، لادَريتَ ولا تَليتَ ، ثم يُضرَب بمطرقةٍ من حديد ضربةً بين اُذنيهِ ، فيصيح صيحةً يسمعها من يليه إلا الثقلين ) رواه البخاري 1338 ومعنى الثقلين : الأنسِ والجن .
ولنا عودة لابد منها حول أركان الإسلام وأركان الإيمان ونواقظ الإسلام ، وأركان الإسلامِ خمسة ،
عن أبي عبدالرحمن عبدالله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله ، وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وحج البيت ، وصوم رمضان) رواه البخاري ومسلم
والشهادة قد تبين لنا حال فهمها ، والصلاة هي التواصل في عبادة الله تعالى خمس فروضٍ مكتوبة في اليوم والليلة ( يقصد هنا باليوم هو النهار ) فيها التكبير والدعاء والقرآن والتسبيح والتحميد والتمجيد والخضوع والسكينة والطمانينة يجتمع فيها القلب واللسان والجوارح كلها تؤدي هٰذهِ العبادة ولصحتها شروط واركان وتاركها خارجٌ من الملة ،قال الله تعالى: ( قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين كما بدأكم تعودون) الأعراف(29 وفي هذا الكثير من الآيات التي امرنا الله تعالى بها بالصلاة ، و عن جابر بن عبد الله الأنصاري- رضي الله عنه-قال: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقول:" إن بين الرجل وبين الشرك والكفر ترك الصلاة" أخرجه مسلم
والزكاة هي الركن الثالث تَجِبُ على كل مالٍ من نقدٍ وثمرٍ من تمرٍ وزيتون ، وحبٍ من شعير أو حنطة ، وأنعام ، وقسمها علماء الفقه بأبوابٍ وتفاصيل ، حيث النصاب من شروط وجوبها أي اذا بلغ المال حدا معيناً فدفع منه الغني للفقير يؤلف الله بها بين قلوب المسلمين وتدفع كلما بلغ على المال حول السنة وتمامها ، قال تعالى : {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [النور: 56
و روى البخاري أن أبا هريرة رضي الله عنه قال: "لما توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أبو بكر رضي الله عنه، وكفر من كفر من العرب، فقال عمر رضي الله عنه: كيف تقاتل الناس، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا: لا إله إلا الله. فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله" رواه البخاري. فقال أبو بكر: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، فإن الزكاة حق المال. والله لو منعوني عناقاً كانوا يؤدونها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم لقاتلتهم على منعها، قال عمر: فوالله ما هو إلا أن قد شرح الله صدر أبي بكر رضي الله عنه، فعرفت أنه الحق ، أنتهى
فمانع الزكاة يُقتل ، ولم يسأل أبو بكر الصديق من منعها إن كان ذلك منه جحدا أم بخلا ، لأنها من حقوق ( لاإله إلا الله )
وحج البيت كان قد اُختلِفَ عن روايتين صحيحتين إن كان مقدما على الصوم أم العكس ولا يضر مسألتنا هنا شيئاً ، والحج من شعائر الله ، وفضله معلوم للجميع وهو مقرونٌ بإستطاعة الوصول إليه وله شروطٌ واركان ومواقيت ،
وأما صوم رمضان وفيه صوم الجوارح والإمتناع عن الأكل والشراب والنكاح في سبيل الله يقـول
- تـعـالـى -(يـا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام...)) [البقرة: 183
وهذه العبادة الغيبية لها دلالات عظيمة في تربية النفس على طاعة الله تعالى في أمرٍ ينكره ُ أهل الكفر والإلحاد
ولنا تكملة مع أركان الأيمان ونواقض الإسلام ومعنى البِدعَة ، إن شاء الله تعالىٰ