رد: احداث وول ستريت ( المظاهرات في امريكا )
ثورة "وول ستريت" والثورات العربية
محمد خليفة
إن سياسة العالم اليوم هي أشبه ما تكون بمسرحية من مسرحيات مسرح اللامعقول، حيث يشكل الفصل بين الفكر والحقيقة عقدتها، ولا شك أن انعزال الحقيقة عن الفكر لا يفضي فقط إلى ذبول الفكر بل إلى ذواء الحياة، والحقيقة هي التي تشكل جوهر التاريخ وهي التي تستولد أحداثه، ولكن الآن ثمة انقطاع صارخ من المشاركة الوجدانية بين منهج الرأسمالية المادية بشقيها الليبرالي والشمولي وبكافة أيديولوجياتها التي قد تنهار بعد أن بدأ العقل يتشكل على صورة العقل، وميل العلم المعاصر إلى الابتعاد عن مذهبي المادية والميكانيكية، والاقتراب من الاعتراف بغير العوامل الميكانيكية في ظواهر الطبيعة حتى الظواهر الفيزيائية .
وبرهنت الأيام والأحداث أن نمو الحياة النمو العضوي لا الطفيلي هو قضية تطور لا قضية تسلط، وكان دينسون قد كتب قبل مئة عام في كتابه “العواطف كأساس للحضارة” يصف القوة المادية في القرنين الخامس والسادس فيقول “إن المدينة الكبرى التي تكلف بناؤها جهود أربعة آلاف سنة مشرفة على التفكك والانحلال ، وإن البشرية توشك أن ترجع ثانية إلى ما كانت عليه من الهمجية، وكانت المدينة كشجرة ضخمة متفرعة امتد ظلها إلى العالم كله، واقفة تترنح وقد تسرب عليها العطب حتى اللباب” .
اليوم ليست الإنسانية بأحسن حال وإن اختلفت الأسباب، حيث تجثم الحيرة والقلق والاضطرابات على الضمير البشري في كل مكان، والحضارة المادية تهتز وتترنح كما كانت تهتز وتترنح من قبل 3000 سنة ، وأما المثقفون الأمريكان فهم أكثر إحساساً نحو تغيير الظروف الاقتصادية في أمريكا بعد سيطرة القهر المادي على الحضارة الغربية، وهذا التغيير منتظر ومتوقع بعد أن سارت أمريكا إلى التسلح الذي كلّف الدولة مبالغ ضخمة تنفق على حساب الرخاء الفردي، وبذلك بدأ التوازن يختل بين القوة الجاذبية للرأسمالية وقوة مقاومة الشعب الأمريكي للإنفاقات الباهظة على المشروعات التي تستنفد من الميزانية الأمريكية الشيء الكثير، وإذا كانت هذه الميزانية تنهض اليوم بهذه الأعباء فإنها قد بدأت تعجز وترهق الاقتصاد الأمريكي بأعباء تؤثر في مستوى المعيشة .
ولهذه الأسباب بدأ النشطاء الأمريكيون عبر ال”فيس بوك” يتبادلون رسائل تقول : نحن الذين نشكل 99% من المجتمع لن نتسامح بعد الآن مع الفساد الذي تتورط فيه نسبة 1% من البشر، فالنظام المالي الحالي ينصر الأغنياء على الفقراء، ولهذا تحرك النشطاء والفقراء واحتلوا شارع “وول ستريت” الذي يعد بؤرة النشاط المالي العالمي ويضم بورصة نيويورك ، إذ سار أكثر من ألف شخص أمام قاعة مجلس المدينة، ورفعوا لافتات تنتقد الشرطة، في حين هتف آخرون “البنوك يتم إنقاذها ونحن يتم بيعنا” .
وتوعد أعضاء “حركة احتلوا وول ستريت” بالبقاء حتى الشتاء احتجاجاً على الجشع وفساد النظم والأوضاع المالية وقضايا من بينها عملية الإنقاذ البنكية التي جرت في عام ،2008 وارتفاع معدل البطالة، وحمّلوا الرئيس السابق بوش والرئيس الحالي أوباما والديمقراطيين مسؤولية الأزمة ، وجاء هذا الاحتجاج بعد أن اعتقلت الشرطة منذ أسبوع 80 شخصاً أثناء مسيرة في منطقة “يونيون سكوير” التجارية المزدحمة، واستخدمت الشرطة مسحوق الفلفل ضد عدد من النساء خلال المسيرة .
لقد أدرك الشعب الأمريكي أنه يسبح في بحر من المجهول حتى إنه يجهل اللحظة التي قد ينهار فيها كيانه أمام قهر القوى المادية التي طغت على الإنتاج، ويكاد يصبغ الحياة كلها بالقلق والشقاء باسم الرأسمالية .
هل تنطلق الثورة الأمريكية لحماية ضعفاء البشر من عسف الأقوياء، ودفع الظلم أياً كان موقعه وأياً كان الواقع عليه، ومقاومة الفساد وتحقيق العدالة الاجتماعية تحقيقاً لمعنى الرحمة العامة وفق القواعد الشعورية القانونية التي بها تتحقق هذه المقومات والخصائص، وبمعدل شامل حتى لا تسفر المأساة عن نهاية الإنسان الذي سيسحقه مصير غير مفهوم وفق نظريات صانعة للمنعطفات المصيرية، ومنها نظريات التخييل الديناميكية الغرائزية الخارجة من دائرة المحسوس إلى دائرة التجريد الحتمية للمادية الجدلية للارتياب في الميكانيكا الكوانطية التي تهدم وتسقط المادة والمادية والحقوق السياسية والقانونية، وينتهي هذا الشريط الطويل الحافل بالصور والمشاهد والمقررات والحقائق والإيحاءات المتلاحمة بالخوارق المادية الرأسمالية إلى متاهات الظلام والأغوار في حركة عالم الموت والفناء والسقوط والانحدار؟