.
بهدوء .. تتقدم هذه البلاد الطاهرة كي تتبوء مكانتها الطبيعية و " التاريخية "
بهدوء .. ودون ضجيج الظواهر الصوتية التي صمّت آذاننا طيلة السبعين سنة الماضية
بهدوء الكبار الواثقين ..
نتقدم للقيام بدورنا التاريخي .. ليس على المستوى الإقليمي فحسب بل و العالمي ..
بهدوء العارفين المدركين المثابرين ..
نتقدم لقيادة العالم : روحياً و ثقافياً و علمياً .
سأورد نموذجاً من هذه القيادة " العلمية " المرتبطة بشكل مباشر بالاقتصاد العالمي وتحولاته الكبرى في المرحلة القادمة
هذا النموذج يقدم رؤى ثورية لأربع قضايا كبرى عالمية :
الأمن الغذائي / توفير المياه الصحية بأقل تكلفة / الطاقة المستدامة / حماية البيئة .
هذا النموذج الذي أحدثكم عنه تم إنشاؤه منذ أقل من 10 سنوات .. وهو يخضع للتطوير المستمر و فق ديناميكية تجعله نموذجاً فريداً من نوعه بين الجامعات و مراكز البحث ..
هذا النموذج العالمي هو : جامعة الملك عبدالله للعلوم و التقنية ( كاوست )
على سبيل المثال لا الحصر .. في مجال الأمن الغذائي :.. ثمة انجازات علمية كبرى تقدمها الجامعة خدمة للعالم بأسره
و كما تعلمون أثر " الأمن الغذائي " على العلاقات الدولية .. وعلى اقتصاديات الدول ..
هنا سأكتفي بذكر آخر انجازين علميين للجامعة في مجال الأمن الغذائي حدثا في الفترة الأخيرة .. أحدهما تم الإعلان عنه قبل أسبوع فقط :
1- نشرت مجلة " nature" العريقة قبل أسبوع مقالاً لباحثين من ( كاوست ) يعلنون فيه عن سبق مهم يتعلق بتفاصيل دقيقة عن جينوم نبتة " quinoa " الكينوا .
http://www.nature.com/nature/journal/v542/n7641/full/nature21370.html
ما هي أهمية هذا الاكتشاف ؟
أولاً ينبغي معرفة بعض الأمور عن الكينوا ..
تنمو الكينوا بشكل طبيعي في بلدان "جبال الأنديز" .. و بصورة رئيسية في ثلاث دول : بوليفيا ، بيرو ، اكوادور .
تعتبر الكينوا من فئة البذور (من الخضار) لكنها تؤكل كواحد من محاصيل الحبوب .. و يطلق عليها " أم الحبوب " .
كما يطلق عليها في موطن زراعتها بـ " الحبّة الذهبية لجبال الأنديز"
و يمكن تحضير الكينوا على طاولة الطعام مثاما يتم تحضير الارز و القمح بأشكال متعددة
تقول منظمة الأغذية و الزراعة للأمم المتحدة (فاو ) عن الكينوا :
" يعد مصدر غذاء طبيعي
ذا قيمة تغذوية عالية. وبات دوره الملموس في الأمن الغذائي لأجيال الحاضر والمستقبل يلقى الإعتراف والتقدير على نحو متصاعد."
وعلى هذا تم إعلان عام 2013
"السنة الدولية للكينوا".
يصنف الكينوا بأنه " طعام صحي " و مصدر هام غني جداً بالبروتين و الاحماض الامينية مقارنة بالحبوب الأخرى
و هو غني بالألياف .. و خالي من الغلوتين .. لمن يعانون من حساسية الغلوتين .. و مصدر غذائي لمن لديه حساسية من اللاكتوز . و للاستزادة يمكنكم الرجوع إلى :
http://www.fao.org/quinoa/ar/
https://ar.wikipedia.org/wiki/كينوا
إذاً ماذا يضيف اكتشاف العلماء في كاوست ؟
هذا الغذاء الصحي يُعتبر أحد الخيارات الصحية للطبقة المخملية و فوق المتوسطة في أوروبا
سعر محصول الكينوا تضاعف ثلاث مرات بين عامي 2006 و 2013 !
ربما بسبب الطلب الأوروبي و الأمريكي المتزايد كطعام صحي خارق !
و أيضاً بسبب ازالة " "saponinالـ سابونين من قشرة الكينوا و هي مادة تعطي مرارة شديدة عند تذوقها، كما أنها تعتبر مادة سامة .. و إزالتها من المحصول تحتاج إلى جهد كبير و إلى استخدام المزيد من المياه .
الاكتشاف الذي اعلن عنه باحثو كاوست سوف يمكّن - بمشيئة الله - العاملين في المشاريغ الزراعية الخاصة بهذا المنتج .. من انتاج محاصيل كينوا " حلوة الطعم " .. نظراً لعدم وجود مادة سابونين في القشرة .. وهذا سوف يؤدي الى انخفاض تكلفة الانتاج بشكل كبير ..و هناك تفاؤل مُبرر بأن تكون الكينوا " ام الحبوب " طعام البسطاء - ليس في جبال الانديز فحسب بل - في العالم .. و هو الطعام الصحي \و القيمة الغذائية العالية
هذا الاكتشاف سوف يمكّن أيضاً منتجي محاصيل الكينوا من زراعة اصناف بمواصفات تجعلها أكثر قدرة على التحمل : الكينوا الحالية طويلة وهشة و أكثر عرضة لأن تتلف قبل وقت حصادها ..
الكينوا المستقبلية - بمشيئة الله - ستكون أصغر و أكثر متانة و أقل عرضة للتلف .
كما أن هذا الاكتشاف سيساعد في تصميم خيارات متعددة لزراعة الكينوا في ظروف مختلفة و في بيئات متباينة .
طيب عرفنا فائدة هذا الاكتشاف للامن الغذائي العالمي .. ما هي فائدته للمنطقة وللسعودية على وجه الخصوص ؟
ثمة دراسات قام بها علماء نبات تختص بقدرة تحمل الرز و الشعير في تربة مالحة .. محاولين الرجوع الى / و دراسة خصائص نبات له القدرة على تحمل التربة شديدة الملوحة ( مثل تربتنا ) .. و في اقسى الظروف المناخية ..
خمنوا ماذا كان اسم النبات ؟ انه الكينوا : )
ساكتفي بهذا القدر من الحديث عن هذا المنجز ..
لكن أتعرفون ما هو العجيب حقاً ؟
قبل اسبوع - و بالصدفة - كنت اطالع هذا الخبر من خلال موقع الجامعة في نسخته الانجليزية ..
ثم تلتها بعض كبريات الصحف الغربية في الترويج لهذا المنجز الهام ..و هناك ترحيب من الاوساط العلمية بهذا الاكتشاف ..
العجيب هو انني لم اشاهد قناة أخبار عربية .. او اقرأ صحيفة ناطقة بالعربية .. او حتى موقعاً إخبارياً أو اجتماعياً يتواصل باللغة العربية يتحدث عن هذا المنجز ..
حينها تذكرت الهدوء الذي حدثتكم عنه في المقدمة ..
هدوء .. دون ضجيج ، دون ظواهر صوتية ..
هذا هو قدرنا .
2- في مجال الأمن الغذائي هناك مجال مزدهر يقوم فيه باحثو كاوست بدور ريادي متعلق بـ"الزراعة الدقيقة ".. يستخدمون فيه أساليب جديدة و مبتكرة لقياس ورصد كلٍ من:
- كمية الري المطلوبة ( و معرفة ما إذا كان كمبة الري أعلى أو اقل من المطلوب يومياً لكل نبتة من نباتات المحصول )
-جودة المحصول من الناحية الصحية ( هل تعاني النبتة من أمراض ؟ هل تنمو و تزدهر في تربة معينة ؟ كل ذلك يتم رصده لكل نبتة بشكل يومي !).
و ذلك من خلال قياس : الكتلة الحيوية ( حجم و ووزن المحصول في مساحة معطاة ) / محتوى الكلوروفيل / النتح النباتي ( لمعرفة الكمية الدقيقة التي استهلكتها النبتة الواحدة من المياه ) .
أحد الباحثين في الجامعة طوّر تقنية " تعلّم آلي " ( أحد فروع الذكاء الصناعي ) لأخذ معلومات من صور ملونة ( حمراء/ خضراء/ زرقاء) يتم استقبالها من أقمار صناعية نانوية و من ثم تقوم هذه الآلة بدمجها مع بيانات أخرى للقمر الصناعي و ذلك لصنع خرائط " Normalized Difference Vegetation Index (NDVI) maps " ..
مثل هذه البيانات الثورية قد تؤدي دوراً كبيراً في تحول سريع في أساليب الإدارة الزراعية عالمياً .
بالنسبة للتقنيات المستخدمة لجمع البيانات وتحليلها و صنع خرائط بتفاصيل غاية في الدقة عن الكساء النباتي في مساحة محددة ( كمية الري وصحة النبتة ومحتوى الكلوروفيل في كل نبتة ) :
- تقنية تعلم آلي طورها احد الباحثين في مركز تحلية واعادة استخدام المياه بالجامعة .
- اقمار صناعية نانوية ابتكرتها شركة ناشئة في وادي السيلكون .
- استثمار التقدم في تقنيات التصوير التي تقوم بها طائرة من دون طيار مزودة بأجهزة استشعار و مبرمجة للطيران بشكل متماثل فوق محصول زراعي .. و التي تجع بياناتها على مقياس سنتيمترية لخصائص تتعلق بـ : صحة ورقة النبات / محتوى الكلوروفيل / درجة حرارة النبات .. إلخ
الجامعة من خلال هذا الدور الريادي سوف تنشئ "نظام دعم القرار ".. سيوفر للمزارعين تقارير تلقائية و فورية عن جودة المحصول وصحته و إنتاجيته وفق مقاييس معيارية .
و للاستزادة يمكنكم الاطلاع على هذا التقرير :
https://discovery.kaust.edu.sa/en/article/287/a-blossoming-field-of-precision-agriculture-nbsp
و على ذكر المنجزات العلمية للجامعة.. تداعى إلى ذاكرتي التقرير الصادر عن وكالة الأناضول لأهم 15 منجزاً علمياً في العالم عام 2016 .. و أتى انجاز ( كاوست ) في المرتبة السادسة .. و لعل بعضكم يتذكر مثل هذا الخبر الذي مر بهدوء دون ضجيج .. على الرغم من أن بعض المواقع الإخبارية و الاجتماعية تناقلته كوجبة سريعة !
http://riyadhpost.live/9303
وفي سياق الحديث عن تقنية المعلومات في ( كاوست ) فقد نظمت الجامعة قبل اسبوع ملتقى عالمي عن تقنية المعلومات و يأتي هذا التنظيم في إطار سعي الجامعة لوضع خطتها الإستراتيجية للخمس سنوات القادمة ..
الجامعة تسير بسرعة كبير الآن لتتبوء مكانتها التي تستحقها في طليعة كبرى مراكز الأبحاث العالمية في مجالات الحوسبة الفائقة و الذكاء الصناعي و تقنيات تعلم الآلة و التعلم العميق .. إلخ
فما بالكم وهي الآن تعلن بشكل جلي عن عزمها وضع خطة استراتيجية لخمس سنوات قادمة ..
أظن أننا مقبلون خلال العشر سنوات القادمة على عصر جديد في تقنية المعلومات يكون لهذه الجامعة دور ريادي على مستوى العالم ليس في صناعة تقنية المعلومات فحسب .. بل و في تغيير جذري و ثوري في العلوم و الهندسة الحاسوبية و الكهربائية و الحسابية .
و بس : )