من احد أقوى جيوش القارة الأفريقية عدداً وعتاداً وتنظيماً وانضباطا عسكرياً إلى واحدٍ من اضعف جيوش العالم وأكثرها تعرضاً للشتات والتمزق والفرقة.انه الجيش الصومالى الذى يعود الآن من نقطة الصفر بعد ما كان مثالاً لطموحات القومية، بمختلف تعداداته القبلية والعشائرية والمناطقية، وصاحب الكلمة الفصل في الأحداث التي مرت بها الصومال منذ الاستقلال عام 1960م، فهو الذي أطاح بالنظام البرلماني عام 1969م ليتوج قائده الجنرال محمد سياد بري رئيساً للصومال لأكثر من عقدين من الزمن ليصبح يده الطولى في ضرب كل خصوم بري والطامحين للاستحواذ على الكرسي الرئاسي.
لكن المارد الصومالي بعد أن كان الحامي الرئيسي للدولة والنظام والحكم العسكري، اصبح أيضاً المسمار الأول الذي دُق في النعش العسكري في الصومال، وكان جرس الإنذار الأول لإنهيار نظامٍ بأكمله ودولة بكل مقوماتها.
فالحرب التي خاضها سياد بري بجيشه القوي ضد جاره اللدود والخصم التقليدي (اثيوبيا) وضد معارضيه في الداخل، قد أرهقت هذا المارد خاصة في الحربين اللتين خاضهما ضد اثيوبيا عام 1977م وعام 1983م التي أعادته إلى قمقمه ليبدأ بالانهيار الداخلي شيئاً فشيئاً ليدق ناقوس الخطر للانهيار الكامل لكل شيء في الصومال.
الجيش الصومالي تمزق أشتاتاً ليتحول إلى ميليشيات مسلحة متناحرة فيما بينها تقاتل مع من يدفع لها أكثر، وأضحى جنرالات الجيش إخوة الأمس أعداء اليوم، وتحولوا من قادة إلى أمراء حرب استغلوا خبراتهم العسكرية في إدارة حروب دامت 16عاماً كان وقودها جنود انساقوا خلف رغبات وأطماع الجنرالات وأمراء الحرب وزعماء القبائل والعشائر وقادة الميليشيات المسلحة ورجال الأعمال والشركات التجارية.
بقايا الجيش في الشمال والوسط
بعد انهيار الجيش والنظام في الصومال استطاع الجنرالات الشماليون بعد أن أعلنت ما يسمى أرض الصومال الانفصال بستة أقاليم ولملمت بقايا الجيش المنهار، وبعد حوار مع الجنود الذين ينتمون للأقاليم الشمالية والذين كونوا ميليشيات مسلحة استطاعت الحكومة بحوار دام سنتين دمج مسلحى الميليشيات في الجيش النظامي وأقنعوهم بتسليم السلاح للحكومة مقابل مناصب في الجيش والحكومة التي لم يعترف بها أحد حتى الآن وكما قال رئيس أرض الصومال الجنرال طاهر ريالي كاهن “لقد قدنا حواراً ناجحاً مع قادة الميليشيات وزعماء العشائر في كل الأقاليم الشمالية وجلسنا معهم تحت الشجر ، وكان نتيجة ذلك دمج المسلحين والميليشيات في جيش حكومة أرض الصومال، واعتمدنا لهم المرتبات ووزعنا بينهم الوظائف”
كما تمت إعادة تسليح جيش ارض الصومال من الأسلحة والعتاد العسكري الذي خلفه جيش سياد بري الذي شن حرباً ضروساً ضد متمردي الشمال لتكون مدينة هرجيسا عاصمة الشمال المنفصل آخر محطات جيش بري المنهار.
الأمر ذاته حصل في أقاليم الوسط الصومالي حيث استطاع الجنرال عبدالله يوسف بعد عودته من اثيوبيا إثر انهيار النظام التخلص من خصومه السياسيين والعسكريين بمساندة من اثيوبيا حتى استقر له الأمر عام 1994م ليكون ولاية بونت لاند الفيدرالية، وكان الجنود الذين ينتمون لأقاليم الوسط هم نواة جيش الولاية الفيدرالية.
وفي العاصمة مقديشو ومناطق الجنوب الصومالي كان جنرالات الجيش الموحد قد تقاسموا تركة الجيش والنظام المنهار وتحولوا إلى أمراء حرب وشكل كل واحدٍ منهم جيشه وميليشياته المسلحة وتقاسموا السلاح والعتاد والجنود، والأرض والنفوذ دون أن يحسم أحدهم المعركة لصالحه.
وعندما سقط نظام سياد بري دخلت القبيلة إلى صفوف الجيش الصومالي ومزقته بعد أن كانت القبيلة قد انحسرت أيام بري نهائياً ولكن مع الحروب الأهلية والاقتتال فيما بين القبائل تعززت الخلافات والأحقاد القبلية، حيث هرب ضباط من الجيش أواخر حكم سياد بري وتحصنوا بقبائلهم وقادوا المعارك ضده وكونوا الجبهات العسكرية حتى انهار الجيش الصومالي وتفرق إلى قبائل في حين ان السلاح دخل في صفوف الناس والميليشيات استباحت المعسكرات ونهبت كل الأسلحة وهكذا انهار سياد بري وهرب من مقديشو إلى المناطق الجنوبية ثم إلى الحدود مع كينيا وحاول عدة مرات العودة وإعادة تكوين جيشه من جديد لكنه لم ينجح.
إرادة واصرار على العودة
مسئولو الجيش يؤكدون ان لديهم الإرادة والإصرار القوي لإعادة هيبة الدولة والنظام إلى الصومال من خلال بناء جيش صومالي موحد يشمل كافة القبائل الصومالية الا انهم يعرفون صعوبة الامر نظرا للإمكانيات الضئيلة جداً وندرة الموارد المساعدة لنجاح هذه الخطوة ، وفي هذا السياق قال رئيس هيئة الأركان الجنرال اسماعيل ناجي نحن نحتاج إلى دعم كبير جداً فلقد بدأنا بإيجاد جنود على مستوى عال من التدريب تخرجوا من عدة مدارس كفرقة الكوماندوس ولديهم قوة تحمل كبيرة ولكن ما لدينا من عتاد وبنية تحتية لا تفي ولا بأقل القليل لتجهيز جيش صغير فنحن نفتقد إلى كل مقومات الجيش.. واضاف نحن بحاجة ايضا إلى مدرعات وعربات عسكرية ومدافع جديدة ودبابات وطائرات ومراكز ومن أجل توفير كل ذلك نحتاج إلى مساعدات خارجية ودعم مالي كبير، أضف إلى ذلك أننا في الجيش بحاجة ماسة إلى تدريب الجنود وتأهيلهم خاصة على استخدام الأسلحة الحديثة فمثلاً طيلة ستة عشر عاماً تطورت التكنولوجيا العسكرية بشكل كبير وخاصة في مجالات السلاح الجوي والبحري وحتى الأسلحة البرية المختلفة .. الآن الدبابات العصرية تستخدم أسلحتها بالليزر فمثلاً الجيش الأثيوبي الذي كان معنا لديه دبابات (72) ونحن لا نعرف عن تقنيات هذه الدبابات أي شيء فآخر مرة كان لدينا دبابات كان من طراز (55) هنت وفي حالة تسلحنا بأسلحة متطورة فإننا نحتاج إلى تدريب وتأهيل ومن المستحيل أن تحقق ذلك بدون الدعم العربي”
وقد بدأت الحكومة المؤقته في الوقت الراهن بدمج الميليشيات التي كانت مؤيدة لأمراء الحرب في الجيش النظامي وتم إدخالهم معسكرات التدريب ليتعلموا الانضباط والاستخدام الصحيح للسلاح في حين ان الذين لا يرغبون الانخراط في الجيش فان لدى الحكومة خطة بتشجيع من الأمم المتحدة تهدف إلى إكسابهم حرفاً مهنية أخرى كالنجارة والميكانيكا وغيرها من الحرف اليدوية. وقد شهدت عكاظ أول استعراض عسكري لنواة الجيش الجديد الذي اجري في المطار العسكري القديم بمقديشو وظهر فيه الجنود يلبسون بزات زيتيه باهتة اللون والكثير منهم ينتعلون الاحذية المطاطية فيما كانت البنادق التي يحملونها قديمه ومهترئه .
وفيما كان الجنود الجدد يقدمون عرضهم البدائي وغير المنظم كان هناك مجموعة من العسكريين من ذوي الأعمار الكبيرة كانوا يراقبون حركات الجنود الجدد وهؤلاء هم من الجنود والضباط الذين كانوا ضمن جيش سياد بري قبل الانهيار وقد عادوا الى الخدمة العسكرية بطلب من الحكومة المؤقتة لمساعدتها في تدريب الجيش الجديد ومن اجل الاستفادة من خبراتهم العسكرية ولو أنها قديمه وأعمارهم لا تؤهلهم لقيادة وتأهيل جيش مدرب ومنظم .
المصادر العسكرية ذكرت ان نواة الجيش الصومالي الجديد سيتم تدريبها على ايدي خبراء من الجيش الاثيوبي الذين سيساعدون بقايا جيش بري في تدريب الجنود الجدد ، ومع ذلك فالمخاوف من انفراط عقد الجيش الجديد واردة اذ ان مرور فترة طويلة على انضمام الميليشيات الى الجيش النظامي دون حصولهم على مرتبات سيجعل أمر بقائهم في الجيش صعبا بل ان مخاوف عودتهم لتكوين ميليشيات مسلحة امر وارد من اجل الحصول على المال .
مقديشوإستطاعت قوات الجيش الصومالي من السيطره على قواعد حركة الشباب التابعه لتنظيم القاعده في منطقة كاران شمال العاصمه مقديشو,وقد إندلعت الإشتباكات عندما بدأت قوات حركة الشباب بقصف المواقع الحكوميه والسكنيه وقد ردت القوات الحكوميه بقصف مماثل وأتبعته بهجوم شامل على هذه المواقع .
http://blogs-static.maktoob.com/wp-content/blogs.dir//138140/files//2010/03/74.jpg
وقد توغلت الدبابات التابعه للجيش الصومالي في هذه المناطق حيث إستطاعت تدمير معظم المواقع الدفاعيه والمحصنه التي كانت تتمركز فيها ميلشيات حركة الشباب لتندلع بعدها حرب شوارع عنيفه إستمرت عدة أيام بعد تمركز مليشيات حركة الشباب داخل منازل السكان المهجرين وتحويل هذه المنازل إلى مواقع هجوميه لغرض إيقاف تقدم قوات الجيش.
لكن القوات الحكوميه بدأت بعد ذلك بالإنتشار الكثيف لقواتها الراجله بالقرب من المواقع التي كانت تنطلق منها النيران وبدأت بعدها بحملات دهم وتفتيش للمنازل التي يتحصن بها المسلحون وقد سيطرت قوات الجيش الصومالي على مواقع مليشيات حركة الشباب في بيحاني و جراش جيدولي ونصيب بوندو وقد توسعت القوات الحكوميه في منطقه كاران .
وأفاد راديو مقديشو بأن القوات الحكوميه إستطاعت قتل أحد القاده الميدانيين الأجانب لحركة الشباب الملقب بأبو مصعب الجزائري في هذه العمليه في حين لم يتعرف على هويات أكثر الجثث المتناثره على جوانب الطرقات حيث أفادت بعض المصادر الأوليه بأن أحد القتلى الصوماليين هو أحد المغتربين الصوماليين العائدين من كندا والذي تم التغرير به للقتال في صفوف مليشيات حركة الشباب وقد نجحت القوات الصوماليه من القبض على مجموعه من المسلحين بعد فشلهم في الهروب من إحدى المواقع حيث تم إقتيادهم إلى الثكنات العسكريه تمهيدا لمحاكمتهم في حين أنه تم نقل بعض الجرحى ومنهم أحد المطلوبين الصوماليين واسمه معلم عبد الرحمن
إلى مستشفى كيساني .
وقد تلقت حركة الشباب ضربه موجعه بعد الخسائر الفادحه التي منيت بها في هذه المعارك حيث أفاد احد عناصر الحركه المعتقلين لدى القوات الحكوميه بأن الحركه لم تتوقع هذا الهجوم القوي بسبب قوة التحصينات التي كانت موجوده في هذه المناطق حيث كانوا يعولون بأن القوات الحكوميه ستعجز عن إقتحام هذه التحصينات ليختم كلامه قائلا " لقد إنتهى كل شيء".
وقد ألقى قائد كتيبة المشاة الجنرال علي عراله عوسبل خطبة حماسيه لعناصر قوات الجيش الصومالي بعد دحر الميليشيات التابعه للقاعده حيث وجه تحية تقدير لقوات الدوله على الجهد الكبير الذي بذلوه قائلا " إنني أعتز بكم ايها الفدائيين فلقد ضحيتم من أجل وطنكم وشعبكم وسطرتم أعظم صفحات البطوله والفداء إنني أبشركم بإن هذه المعركه ستكون بداية النهايه للمجاميع التخريبيه والتكفيريه في العاصمه مقديشو".
وعلى الصعيد المدني بدأ السكان المحليين بممارسة حياتهم الطبيعيه بعد نهاية العمليات القتاليه وأبدوا سعادتهم بتوزيع قوات الجيش المؤن الطبيه والغذائيه حيث كانوا بأمس الحاجه إليها بعد معاناتهم في الأيام السابقه وعدم إستطاعتهم الخروج من منازلهم بسبب العمليات القتاليه .
وقد كانت الخسائر على الصعيد المدني فادحا بكل المقاييس فقد إستشهد مايقارب الثلاثين مدنيا بسبب هذه المعارك الأخيره وجرح مايقارب السبعين وقد نقلت قوات الجيش عددا من السكان المدنيين الجرحى إلى مستشفيات العاصمه لتلقي العلاج.
وقد شوهدت تعزيزات عسكريه تابعه للحكومه الصوماليه تتجه إلى المناطق المحرره في شيبس وكاران حيث بدأت القوات الحكوميه في إزالة آثار الحرب وتطهير الطرقات من الألغام التي زرعتها المجموعات المسلحه على جوانب الطرق وبدأت في ضبط الأمن والنظام تمهيدا لعودة النازحيين إلى منازلهم .