انه إثر اندلاع الاحتجاجات في سوريا، عرضت قطر على القيادة السورية القيام بوساطة مع بعض القيادات المعارضة. وكانت تغطية قناة 'الجزيرة' للاحداث عادية 'ومن دون مبالغات' كما يقول السوريون. لكن دمشق، من جهتها، تمنت على الخارج عدم ممارسة اي نوع من الوصاية عليها. وأبلغ الرئيس السوري بشار الأسد امير قطر حمد بن خليفة آل ثاني انه جاد في الاصلاحات وسيمضي فيها حتى النهاية.
الصحيفة لفتت الى ان 'شيئاً ما حصل، لا تزال ملابساته غامضة حتى الان'، بحسب جهة قامت بوساطة غير ناجحة بين الجانبين. وتعتبر هذه الجهة ان الامر 'سياسي بالدرجة الاولى'، وان امير قطر ابلغ جهات دولية، بينها الرئيس الاميركي باراك اوباما، بأنه حصل على تعهد من الاسد باجراء اصلاحات عميقة وسريعة. ولاحقاً، عندما بدأت الامور تتطور في سوريا، ورفض الاسد كل الوساطات التركية والقطرية والمداخلات الغربية، طالب الاميركيون أمير قطر بما سبق ان ابلغه اليهم. فتصرف الاخير على انه 'طعن شخصيا في مصداقيته'. وترافق ذلك مع ارتفاع مستوى التغطية النقدية لـ'الجزيرة'، وسط مناخات اكثر وضوحا في معارضة النظام السوري عبّر عنها اعلاميون في القناة.
وبحسب 'الأخبار'، ارسلت قطر في وقت لاحق احد ابرز مستشاري الأمير الى دمشق، وعقد سلسلة اجتماعات تركزت على سبل استئناف التواصل. لكن الاسد ربط كل ذلك بعدم التدخل. وفي مرحلة ثالثة، حصل تباين ادى الى امتناع الاسد عن استقبال شخصيات بارزة مثل رئيس الحكومة حمد بن جاسم، ليتم بعدها الاتفاق على قناة مثّلها احد العاملين في مكتب الامير، والذي عاد الى سوريا مقترحا على الاسد كتابة رسالة الى امير قطر يشرح فيها ما يجري. وهو ما حصل بالفعل ليعود الرجل بعد ايام حاملا رسالة خطية جوابية من امير قطر. وكانت صدمة القيادة السورية ان امير قطر ضمّن رسالته مطلبا بان يتم تشكيل اطار سياسي انتقالي تتمثل فيه حركة 'الاخوان المسلمين' بنسبة لا بأس بها.
عند هذا الحد، بدا واضحا ان القيادة السورية لم تعد تتعامل مع الموقف على انه تباين في وجهات النظر. رفض الاسد ترتيب أي لقاءات اخرى. فيما رفعت 'الجزيرة' سقف الحملة على النظام، واستدعت عدداً كبيراً من المعارضين الاسلاميين الذين اطلقوا حملة مباشرة تدعو الى اسقاط النظام. ومن يومها توقفت العلاقات.
ولفتت 'الأخبار' الى انه عندما قرر رئيس 'جبهة النضال الوطني' النائب وليد جنبلاط، أخيراً، السفر الى الدوحة، بادر الى اثارة الامر مع القيادة السورية عارضا القيام بوساطة. ابلغه السوريون انهم لا يريدون وساطة، ولكنهم لا يمانعون ان يقوم باي جهد، وحرصوا على نفي طابع المهمة، وهو ما حرص جنبلاط بدوره على ابلاغه الى امير قطر خلال الاجتماع به في الدوحة. لكن جنبلاط سمع نقدا قاسيا سياسيا وشخصيا للرئيس السوري، وعاد ليبلغ جهات لبنانية وسورية توقعاته بأن الازمة طويلة بين الجانبين.
ويشار هنا الى ان ايران حاولت القيام بدور بين الجانبين، على هامش المباحثات الايرانية - القطرية حول الوضع في البحرين، لكنها شعرت بأن الامر معقد اكثر مما يعتقد كثيرون.
رغم ذلك، فإن آراء سورية تبدي تفاؤلاً بعودة المياه الى مجاريها بين الجانبين، وهو ما يعبّر عنه أمين تحرير صحيفة 'البعث' عدنان عبد الرزاق، الذي قال لـ'الأخبار' إن 'من الضروري الوقوف على طبيعة العلاقات قبل الأزمة وأثناءها وبعدها. فمن المعروف أن قطر كانت داعمة دائماً لموقف سوريا المقاوم، بدليل ما قامت به الحكومة القطرية في جنوب لبنان بعد عدوان تموز 2006، ومواقفها الداعمة لحركة حماس'. ويذكّر بحجم الاستثمارات القطرية في سوريا 'التي ساهمت كثيراً في دفع الاقتصاد السوري إلى الأمام'. ويحمّل الصحافي السوري فضائية 'الجزيرة' مسؤولية كبيرة في الخلافات. ويلفت إلى أن 'النهج الذي اتبعته 'الجزيرة' بات واضحاً للجميع، عندما اختارت الوقوف مع الشارع بنحو معاد للخطاب الرسمي'، ناقلاً عن المدير العام للشبكة وضاح خنفر انه سيبقى على 'هذا النهج حتى سقوط الرئيس بشار الأسد'. لكن عبد الرزاق يعترف بأن التلفزيون المذكور، ورغم كونه مؤسسة خاصة غير حكومية، تعكس سياسته التحريرية 'الرأي الرسمي القطري، وهذا إن دل على شيء إنما يدل على تغير السياسة القطرية تجاه سوريا'.
وعن إمكانية عودة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقاً، يركّز عبد الرزاق على نقطتين: الأولى هي الزيارة الرسمية التي قام بها جنبلاط لقطر 'لإعادة المياه للعلاقات السورية-القطرية إلى مجراها'، وفيها 'ربما لم يجد آذاناً صاغية لدى أمير قطر'. أما الثانية، فهي 'الاعتداء على السفارة القطرية في دمشق، الذي فُسر على أنه مساس بسيادة الدولة القطرية'. وهنا، يؤكد عبد الرزاق أن الدوحة ضخّمت الحساسية الدبلوماسية 'رغم تقديم الخارجية السورية اعتذاراً عما جرى'. ورأى أن ما قامت به قطر هو 'فعل استفزازي واضح'، على قاعدة أن الاعتداء 'لا يتطلب سحب السفير القطري، أسوة بالسفيرين الأميركي والفرنسي، علماً أن ما حصل للسفارة القطرية هو أقل بكثير مما حصل مع السفارتين الفرنسية والأميركية'. وخلص عبد الرزاق إلى أن 'قطر هي التي تحاول تأجيج الخلافات، ولو كانت حريصة على حسن النوايا، لتريثت قليلاً وتقدمت بشكوى رسمية كما فعلت واشنطن وباريس'. في النهاية، توقع عبد الرزاق أن 'تعود العلاقات الثنائية إلى ما كانت عليه سابقاً، لكن ليس في الفترة القريبة المقبلة، بعدما وصلت الأزمة إلى ذروتها'. لا بل إنه لم يستبعد أن تعود العلاقات الجيدة بين الحكومتين السورية والتركية 'إذ أتوقع أن تقوم أنقرة بدور العراب لإعادة العلاقات السورية-القطرية إلى ما كانت عليه سابقاً'.
غير أنّ مدير تحرير جريدة 'الثورة' الحكومية، مصطفى المقداد، لا يوافق مواطنه عبد الرزاق في تحميل قناة 'الجزيرة' المسؤولية كاملة عن الخلافات بين الحكومتين، مشيراً إلى أن 'كلا الطرفين يحاولان ضبط النفس على المستوى الرسمي منذ بداية تفجر الاحتجاجات السورية، والحملة الشعبية ضد قناة الجزيرة'. وشدد المقداد على أهمية عدم خروج تصريحات سياسية رسمية عن الأزمة بين البلدين من الطرفين، 'وأنا سمعت شخصياً تصريحات مختلفة لعدد من المسؤولين الدبلوماسيين السوريين خلال الفترة الماضية، تفيد بأن قطر لا تزال تدعم الموقف السوري المقاوم'.
وعزا المقداد سبب حرص الحكومتين على التهدئة الرسمية بـ'متانة العلاقات التي تم بناؤها خلال السنوات الخمس الماضية، أما الجزيرة فهي لا تمثل الجانب القطري الرسمي'. وفي السياق، رأى المقداد أن 'عودة العلاقات إلى ما كانت عليه سابقاً أمر ممكن جداً، ليس بين قطر وسوريا فقط، بل بين قطر وبقية الدول العربية الأخرى'.