العرب واسرائيل صراع الطاقة

sword1988

عضو
إنضم
4 سبتمبر 2010
المشاركات
821
التفاعل
729 0 0
منذ بداية عام 2010م، كثر الحديث عن احتمال اكتشاف غاز في المناطق المغمورة في شرق البحر الأبيض المتوسط، والإمكانات التي يمكن أن تنتج عن هذه الاكتشافات، وعن الخلافات والنزاعات المحتملة، خصوصاً مع إسرائيل. وجديراً بالذكر أن الحديث عن احتياطات غاز في المنطقة المذكورة ليس جديداً، وقد صدرت بالفعل تقارير، كما روّجت شركات محلية ودولية معلومات متفائلة، وإن كانت محدودة، من أجل رفع قيمة أسهمها في البورصات، لكن يعتبر هذا الحديث الآن أكثر جدية من السابق.
وهذا الزخم الإيجابي الذي دفع إلى التفاول خلال الفترة القليلة الماضية، نابع من ثلاثة عوامل أساسية: أولاً: إعلان دائرة المسح الجيولوجي الأمريكية في أبريل 2010م، عن (حوض ليفانت) الذي يمتد عبر المناطق المغمورة والبرية الفلسطينية (من ضمنها الضفة الغربية)، وإسرائيل، ولبنان، وسوريا، إضافة إلى المياه القبرصية. وتشير معلومات الدائرة الأمريكية، التي مسحت الحوض الشرقي للبحر الأبيض المتوسط للمرة الأولى، والتي اعتمدت كذلك في دراستها على أبحاث إسرائيلية وأخرى سوفيتية قديمة، إلى مخزون يُقدّر بــ (227) تريليون قدم مكعب من الغاز، و (1،7) بليون برميل من السوائل البترولية. ثانياً: إعلان شركة (نوبل اينرجي) الأمريكية عن نتائج مسح (سيزمي) أجرته الشركة النرويجية المتخصصة (بتروليوم جيو سرفيسز) في 2009م حول (حوض ليفايثن) الذي يبعد نحو (130) كيلومتراً عن الساحل الإسرائيلي، ويمتد إلى المياه المجاورة (اللبنانية والقبرصية)، وتشير هذه الدراسة إلى احتمال توافر (16) تريليون قدم مكعب من الغاز. ثالثاً: نتائج البحث (السيزمي) النرويجي لصالح الحكومة اللبنانية.
وقد أثار الإعلان عن هذه الاكتشافات النفطية الأخيرة تساؤلات حول حجم الاكتشافات واقتصادياتها، إلى جانب استفسارات في البلدان المجاورة، خصوصاً لبنان الذي يؤكد أن حقلين للغاز يخترقان حدوده البحرية المشتركة مع إسرائيل، ناهيك عن الاكتشافات الأخرى داخل حدود المياه الفلسطينية ـــ الإسرائيلية في غزة. كما أُثيرت داخل إسرائيل تساؤلات حول هذه الاكتشافات، كانت في نظر خبراء إسرائيليين وأجانب مبالغاً فيها أو سابقة لأوانها، بل إن حملة الأسهم في الشركة الإسرائيلية التي تدير الحقل القريب من تل أبيب سارعوا إلى بيع أسهمهم بعدما رأوا أن ما أعلنته الشركة مبالغ فيه.
ويعود التفاؤل الحالي إلى اكتشافات الغاز الضخمة في المياه المصرية، بخاصة في شمال الإسكندرية ومنطقة دلتا النيل، ثم اهتمام بعض الشركات الدولية العاملة في المياه المصرية بالحفر في المناطق البحرية المجاورة، إضافة إلى اهتمامات الدول المجاورة في تكثيف عمليات الاستكشاف والتنقيب في مياهها على ضوء النتائج المشجعة في مصر. وقد توصلت الأبحاث (السيزمية) (الزلزالية) في دول عدة إلى نتائج مشجعة، وبذلك تتميز الاكتشافات المصرية في تواجدها في مياه إقليمية بحتة، فهي ليست قريبة من مياه دول أخري، لكن يختلف الأمر بالنسبة إلى الغاز المكتشف في فلسطين قرب ساحل غزة، حيث العراقيل الإسرائيلية.
ووفق ذلك، يجب الإشارة هنا إلى أن رسم الحدود أسهل بكثير قبل التوصُّل إلى اكتشافات بترولية، أما محاولة رسمها بعد الاكتشافات فهي عملية صعبة، وقد تؤدي إلى نزاعات سياسية وعسكرية، خصوصاً إذا كانت الدولتان المعنيتان في حالة حرب، كما هو الوضع في لبنان وإسرائيل. كما أن هناك مشاكل إضافية يجب ذكرها أيضاً، فمحاولة قبرص رسم (الخط الوسطي) في عرض البحر بينها وبين لبنان وسوريا واجه معارضة تركية، بحجة أن المياه الإقليمية لتركيا تمتد إلى هذه المناطق، وذلك من خلال احتلالها الجزء الشمالي من قبرص، ويُذكر أن كلاً من سوريا وقبرص قد طرح قطعاً بحرية عدة للاستثمار في عام 2007م، إلاّ أن رد فعل الشركات العالمية في حينه كان باهتاً، وهناك خطط لدى الدولتين لطرح قطع بحرية للاستثمار خلال الأشهر المقبلة.

أولاً: اكتشافات الغاز في شرق البحر المتوسط

بدأت عمليات التنقيب عن النقط والغاز في إسرائيل منذ عام 1947م قبل قيام الدولة، من جانب شركة تطوير النفط (فلسطين)، وهي شركة متفرعة من شركة نفط العراق، من خلال حفر بئر (كوخاف ـــ 1) شمالي مدينة غزة، لكن أعمال الحفر توقفت بسبب حرب 1948م، ثم استُؤنفت في عام 1955م من جانب شركة (نفط إسرائيل نافتا) المحلية، وقد بلغ معدل الإنتاج في بداية الستينيات (100) برميل يومياً، وأجرت الشركات الإسرائيلية أعمال تنقيب خلال الستينيات والسبعينيات في المناطق البرية، وفي الأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967م من دون أي نتيجة تذكر، وفي الفترة بين عام 1958 و 1961م، تم اكتشاف عدة حقول غاز برية صغيرة هي: حقل (زوهر)، و (كيدود)، و (كنعانيم)، وتقع غرب البحر الميت(1).
وشهد عام 1967م منعطفاً مهماً على مستوى الطاقة في إسرائيل، إذ إن الاحتلال والسيطرة على شبه جزيرة سيناء طوال عقد تقريباً، منحا إسرائيل فرصة استغلال آبار النفط المصرية والحصول على نفط خام يكفي تقريباً لتلبية الحاجات المحلية، وفعلاً، وقبل وضع حد لاحتلال سيناء، فإن إنتاج إسرائيل وصل إلى نحو (43) مليون برميل، وهي كمية كانت تؤمّن إمدادات كافية لتلبية الحاجات المحلية، وفي أعقاب الانسحاب، استوردت إسرائيل النفط من المكسيك، وبحر الشمال، ومصر، وإيران (التي كانت تخضع لنظام آل بهلوي)، وروسيا، والنرويج، وأذربيجان. ومنذ يناير 2007م، قُدر احتياطي النفط المؤكد بنحو (0.02) مليار برميل، أما احتياطي الغاز الطبيعي فقُدر بــ (1.275) مليار قدم مكعب(2).
ووفق ذلك، فرضت هذه الاكتشافات الأولية والمتواضعة على إسرائيل الالتفات إلى الاستيراد لتلبية حاجاتها المحلية من الغاز. وإلى حينه لم تنجح إسرائيل في عقد أي صفقة إلاّ مع مصر، وفي المقابل، جرى تأجيل الخطط الرامية إلى استعمال الغاز بشكل مكثف بدلاً من الفحم في محطات توليد الكهرباء. وتعتمد إسرائيل حالياً على الفحم المستورد لتغذية محطات توليد الكهرباء، وتستهلك أكثر من (13) مليون طن من الفحم سنوياً. وكانت شركة الكهرباء الإسرائيلية الحكومية قد وضعت خططاً هدفها تغيير الوقود واستعمال الغاز لتوليد الكهرباء بحلول عام 2005م، معتمدة بصورة أساسية على الاستيراد من مصر، أو روسيا، أو أذربيجان، وتم التوصل إلى اتفاق مع الشركات العاملة في مصر لاستيراد كمية محدودة من الغاز. ودعت صفقة في عام 2005م إلى اعتماد اتفاق مدته عشرون عاماً لتزويد إسرائيل بكمية تبلغ (7) مليارات متر مكعب سنوياً(3)، لكن ثمة نزاع قائم في المحاكم المصرية بشأن الاتفاق بسبب (السعر التفضيلي) الذي تتلقاه إسرائيل، وواقع أن السلطات المصرية لم تنظر في مسألة حاجات مصر المستقبلية، وبالتالي اعترض المدعي معتبراً أنه يتعين وقف الصادرات حتى يتم التوصل إلى سعر تجاري، وإلى أن يجري وضع آلية للحرص على تلبية الحاجات المحلية المصرية المستقبلية. وفي أثناء ذلك، يستمر الفحم في تأمين أكثر من (50?) من قدرة التوليد التي تمتلكها شركة الكهرباء الإسرائيلية(4).
وأدت اكتشافات الغاز التجاري الأخيرة إلى طرح معضلة بشأن ما إذا كان يجب الاستمرار في استعمال الغاز المستورد، أو الاستثمار في محطات توليد الكهرباء التي تستهلك الغاز المحلي. ووضعت هذه المعضلة مناصري البيئة وشركة الكهرباء الإسرائيلية في موضع المواجهة، كما أنها أثارت مواجهات بين أعضاء مجلس الوزراء، الأمر الذي دفع رئيس الوزراء (بنيامين نتنياهو) مرتين إلى تأجيل إصدار قرار يمنح بموجبه الموافقة على بناء معمل توليد الكهرباء المثير للجدل في عسقلان، والذي تبلغ قدرته الإنتاجية (1.300) ميجاوات تقريباً، ويعتمد على استهلاك الفحم للتشغيل. وفي هذا السياق، يقود وزير حماية البيئة (جلعاد إيردان) حملة في المجلس لإلغاء المشروع واستبداله بمعمل يعمل على استهلاك الغاز، أو الاستعاضة عنه ببناء معمل توليد كهرباء يعمل على الطاقة الشمسية.
وتشدد شركة الكهرباء الإسرائيلية على أنها عاجزة عن تلبية الحاجات المستقبلية إلاّ من خلال بناء معمل يعتمد على الفحم. ويعتبر وزير البنى التحتية الوطنية (عوزي لانداو) المدافع الأول عن معمل توليد الكهرباء الذي يعمل على الفحم، وقد أعلن خلال مؤتمر للطاقة في ديسمبر 2009م: أنه «من الخطر جداً على إسرائيل الاعتماد على الغاز الطبيعي لأكثر من (50?) من إنتاج الكهرباء في البلد»، وحذّر من مغبة عدم المصادقة على بناء وتشغيل المعمل الذي يعمل على الفحم بحلول عام 2015م، لأن اعتماد إسرائيل على توليد الكهرباء من الغاز سيكون بنسبة (70?) بحلول عام 2018م، أو حتى قبلها. ويقدم (لانداو) حجة أساسية فحواها أن الأمر يشكّل خطراً كبيراً على إسرائيل لأنها لا تستطيع الاعتماد على دعم الغاز المستورد من الدول المجاورة خلال الحالات الطارئة. ويخشى الوزير من أنه في حال تعرض أي خط أنابيب رئيس لأي مشكلة، أو أي عثرات في الإنتاج، فإن عدة معامل لتوليد الكهرباء سيتعين إقفالها، ولن تتمكن شركة الكهرباء من تلبية التزاماتها تجاه المواطنين، وتوقعت وزارة البنى التحتية الوطنية أن يرتفع الطلب المحلي فيبلغ (10) مليارات متر مكعب من الغاز في عام 2016م، مع انتقال الصناعة إلى استعمال الغاز ومباشرة عمل المشاريع الخاصة لتوليد الكهرباء(5)، وستستحوذ شركة الكهرباء الإسرائيلية على نسبة (80?) من مجموع استهلاك الغاز.
في هذه الأثناء، بقيت شركات التنقيب عن الغاز بمنأى عن النقاش العام، مع تأكيدها في المقابل أن حقلي (تامار) و (دالِت) يكفيان لتلبية حاجات إسرائيل من الغاز، وفي هذا الصدد، صرّح رئيس شركة (نوبل للطاقة) (تشارلز دافيدسون) معلقاً في يونيو 2009م: «نجحنا في تأمين كمية كبيرة من مصادر الغاز الطبيعي، وربما تكفي للعقدين المقبلين استناداً إلى الحاجات الإسرائيلية المتوقعة»(6).
ووفقاً لذلك، يمكن تقسيم هذه الاكتشافات الجديدة على النحو التالي:
1 ــــ اكتشافات الغاز داخل حدود المياه اللبنانية ـــ الإسرائيلية الشمالية:
تحسنت حظوظ إسرائيل من الهيدروكربون إلى حدٍ كبير بين عامي 2009 و 2010م، وتم اكتشاف مصادر غاز مهمة في المياه الإقليمية الشمالية في مقابل حيفا في عام 2009م، فقد اكتشفت شركة (نوبل للطاقة) الأمريكية عام 2009م(7)، وشركاؤها الإسرائيليون (ديليك دريلينغ)، و (أفندر للنفط والغاز)، و (إسرامكو)، و (دور للتنقيب)، وحقل (تامار) للغاز في امتياز (ماتان)، وعثر على حقل (تامار ـــ 2) على عمق (16،888) قدماً على مسافة (5،530) قدماً في أعماق المياه(8).
ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج من حقل (تامار) في النصف الثاني من عام 2012م، على الرغم من الشكوك السائدة فيما يتعلق بإمكان احترام هذه المهلة، وذلك بسبب دعوة قضائية رُفعت في المحكمة العليا في 21 مارس 2010م بشأن الآثار البيئية لموقع المصب البري للغاز، غير أن (إسرامكو) أعلنت أنها ستعوض عن الإمدادات من حقول أخرى، إذا ما تأخر موعد التسليم بسبب المحكمة. والشركة ملزمة قانونياً بإيصال الإمدادات المتعاقد عليها في الوقت المحدد، وإلاّ فإنها ستضطر إلى دفع غرامة عالية. وفي فترة لاحقة، عثر تجمّع شركات تقوده (نوبل للطاقة) على حقل (دالِت) المجاور لحقل (تامار)، ومن المعروف أن هذا الأخير يحتوي على ثلاثة مكامن، وأن المكمن الرئيس يقع على مسافة تتراوح ما بين (35 ـــ 40) كلم جنوبي المياه اللبنانية. ومن الجدير بالذكر أن مسحاً زلزاليا) Ceismic ثنائي الأبعاد، أُجري مؤخراً في المياه اللبنانية، بيَّن احتمال وجود تراكيب جيولوجية مشتركة بين المياه اللبنانية ـــ الإسرائيلية، وكما هو معروف، فإن الحدود البحرية بين البلدين غير مرسّمة بعد، وتقدر (نوبل للطاقة) إجمالي متوسط الاحتياطي في (حقل تامار) و (دالِت) بنحو (6،3) تريليون قدم مكعب(9).
في 27 ديسمبر 2009م، وقَّعت شركة الكهرباء الإسرائيلية رسالة نيات مع شركة (نوبل للطاقة) وشركائها، من أجل شراء الغاز من حقل (تامار) سنوياً ولــ (15) عاماً بكمية (2،7) مليار قدم مكعب بالحد الأدني. ويُعتبر العقد أهم عقد للطاقة في تاريخ إسرائيل، ومن المحتمل أن تبلغ عائداته (9،50) مليارات دولار لحساب تجمّع الشركات بقيادة (نوبل للطاقة). وبعد أسبوعين، وقّع تجمّع الشركات نفسه مذكرة تفاهم مماثلة مع شركة (داليا للطاقة)، التي تخطط لبناء معمل خاص لتوليد الكهرباء يعمل على الغاز في منطقة (تل تسافيت)، ومن المتوقع أن يبدأ الإنتاج في المعمل في عام 2013م. وتنص الصفقة على تسليم (200) مليون قدم مكعب من غاز (تامار) إلى معمل (داليا) وفقاً لاتفاق إمداد يمتد على (17) عاماً، ومن المتوقع أن تزيد شركتا الكهرباء كمية العرض في وقت لاحق، مع ازدياد الطلب. وفي المقابل، ساهم توقيع العقدين في تعزيز موقع تجمّع الشركات لدى المؤسسات المالية لأنها سعت للاقتراض من أجل تمويل تطوير (تامار)(10).
وفي يناير 2010م، أعلنت شركة (يونتان لهندسة البترول) الكندية اكتشاف حقلين إضافيين للغاز، ضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية شمالاً بمحاذاة (تامار)، وتُقدّر كمية الاحتياطي في هذين الحقلين المحتملين (ميرا) و (سارة) بنحو (5،71) تريليون قدم مكعب، وتُقدّر مصادر غاز (ميرا) المحتملة بــ (4،24) تريليون قدم مكعب، في حين تُقدّر مصادر (سارة) بنحو (1،47) تريليون قدم مكعب. ويقع هذان الحقلان المتجاوران على مسافة تتراوح بين (30 و 60) ميلاً ضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية، ويبلغ حجم كل منهما زهاء (154) ميلاً مربعاً، ويقع حقل (سارة) على مسافة (30) ميلاً تقريباً مباشرة جنوبي (تامار)، وهو يشبه المكمن نفسه الخاص بحقل (دالِت)، والذي يقع على مسافة نحو (10) أميال شمالاً، وقد استكمل وضع مسح زلزالي ثلاثي الأبعاد للحقلين المتجاورين (ميرا) و (سارة) في سنة 2009م.
2 ــــ اكتشافات الغاز داخل حدود المياه الفلسطينية ـــ الإسرائيلية الجنوبية:
عملت شركة (نوبل للطاقة) في البحر الأبيض المتوسط، ضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية منذ عام 1998م، وهي تمتلك حصة نسبتها (47?) في حقل (ماري ـــ ب)، وهو أول مرفق لإنتاج الغاز الطبيعي البحري في إسرائيل، وقد باشر الإنتاج في عام 2004م، بعد أربعة أعوام من اكتشافه، وتبلغ قدرته الإنتاجية نحو (600) مليون قدم مكعب يومياً ويقع حقل (ماري ـــ ب) بمحاذاة المياه الإقليمية الفلسطينية (مناطق غزة البحرية)، وبحسب التقارير فهو يقع في منطقة مشتركة بين خطي الحدود(11).
وفي سياق منفصل، فإنه في سنة 1966م، ترأست شركة BG البريطانية (50?) من الحصص تجمّع شركات إسرائيلية (مجموعة إسرامكو 42?، وديليك دريلنغ 8?)، وقامت بأعمال تنقيب ضمن المياه الإقليمية جنوباً، وفي 1 نوفمبر 1999م، نجحت في اكتشاف بئر (أور ـــ 1) على عمق (695) متراً في امتياز (يفنه)، وسجلت النتائج الأولية كمية إنتاج بلغت (21) مليون قدم مكعب. ويقع حقل (ميد يفنه) على مسافة (20) ميلاً ضمن المياه الإقليمية الإسرائيلية، وهو أحد الامتيازات الإسرائيلية الخمسة للتنقيب، وتحتفظ فيه BG بنسبة (50?) من الحقوق ضمن تجمّع شركات إسرائيلية بقيادة شركة (إسرامكو). ويشكل امتياز (ميه يفنه) في بلوك (239) واحداً من خمسة امتيازات مُنحت لشركة BG ولتجمع الشركات الإسرائيلية بقيادة (إسرامكو)، وتضم الامتيازات الأخرى: (ميد تل أبيب) (بلوك 240)؛ (ميد حديرا) (بلوك 241)؛ (ميد أسدود) (بلوك 242)؛ (ميد هشارون) (بلوك 243)، كما منحت السلطات الإسرائيلية شركة BG، بالاشتراك مع (شركة الشرق الأوسط للطاقة)، امتيازاً يغطي مساحة (10،000) كلم2 في ثلاث كتل ضمن المياه الإقليمية تمتد من شمال المياه الإسرائيلية إلى أقصى الجنوب، بمحاذاة المياه الإقليمية المصرية(12).
وعلى الرغم من الطاقة الإنتاجية المحدودة لحقل (أور ـــ 1)، فإنه أدى إلى إثارة الاهتمام باحتمال اكتشاف مصادر أخرى في المياه الإقليمية، وباحتمال اكتشاف كميات كافية من احتياطي الغاز المحلي لتلبية الطلب المحلي الإسرائيلي.

ثانياً: مسألة صراع الحدود بين لبنان وإسرائيل

اعتمدت إسرائيل سياسة الاختراق الجيوبوليتيكي الإقليمي في محاولة منها لتخطي الدائرة المحيطة، ونسج علاقات مع دول إسلامية نفطية قادرة على تأمين حاجاتها النفطية، وبالتالي صيانة وتحصين سياسة أمن الطاقة لديها، فعدا عن خطط تل أبيب لإحياء خط الموصل ـــ حيفا، هناك خطط وُضعت الآن موضع التنفيذ، أهمها مشروع القرن الاستراتيجي الذي تشكّل تركيا لبَّه الأساسي، ويسمى Med Stream Project، بتكلفة تزيد على (12) مليار دولار ويربط البحور الأربعة (قزوين، والأسود، والمتوسط والأحمر)، ويساعد على ربط منطقة آسيا الوسطى بالشرق الأوسط ضمن رؤية تركية لدور محوري في مشروع طاقة أكبر يمتد من الصين شرقاً إلى أوروبا غرباً، ومن تركيا شمالاً إلى الهند جنوباً، والتي انضمت إلى المشروع في نهاية عام 2008م، ويتضمن ـــ من ضمن ما يتضمن ـــ أنابيب لنقل النفط والغاز والماء والكهرباء، وأيضاً الألياف الضوئية من تركيا إلى إسرائيل، وعقدت اجتماعات عديدة بين مسؤولي البلدين لمتابعته في أواخر عام 2008م وأيضاً في النصف الأول من العام 2009م.
ومع اكتشاف إسرائيل للمزيد من احتياطيات الغاز، تقترب إسرائيل خطوة إلى الأمام في مجال الاستقلال في التزود بالطاقة(13)، حيث ازداد الاعتماد على هذا المصدر كخيار لتوليد الطاقة الكهربائية في البلاد. وعلى الرغم من أن الغاز كان قد ساهم في إنتاج (20?) من الطاقة الكهربائية في إسرائيل العام 2007م، إلاّ أن الاعتماد الأساسي للبلاد في هذا المجال يقع على الفحم الذي ينتج ما يزيد عن (60?) من مجموع الطاقة الكهربائية في إسرائيل. وفي الوقت الذي تعاني فيه الدولة من نسبة النمو العالية في الطلب على الطاقة الكهربائية مقابل محدودية زيادة الإنتاج في هذا المجال، تعاني إسرائيل من مشكلة ـــ خصوصاً أنها غير متصلة بأي شبكة لتزويد الكهرباء في المنطقة، وهي بمثابة جزيرة معزولة من هذه الناحية عليها أن تعتمد على نفسها فقط ــــ ولأن إسرائيل تفتقر إلى احتياطيات الطاقة الأحفورية، وغير قادرة على استغلال النفط العربي لأسباب سياسية، فقد اعتمدت خلال الثلاثة عقود الماضية بشكل كبير على الفحم لتوليد الكهرباء، لكن للفحم مشاكله التي أصبح بالمقدور حلّها مع الاكتشافات الكبيرة لاحتياطات الغاز الطبيعي، وهو العنصر الجديد في أمن الطاقة الإسرائيلي، والذي قد ترتفع نسبة استخدامه إلى (40?) بحلول العام 2020م، مقابل انخفاض نسبة استخدام الفحم إلى (50?) و (10?) للطاقة المتجددة(14).
وعلى الرغم من أن إسرائيل تمتلك منطقة واسعة من المياه الإقليمية على طول ساحل البحر الأبيض المتوسط، فإن أنشطة التنقيب قد تركزت حتى الآن عند الرأسين شمالاً وجنوباً قرب المياه الإقليمية اللبنانية والفلسطينية. وهذا القرب الجغرافي يؤدي إلى بروز قلق وشكوك، وبخاصة في حال وجود بعض المكامن، كبيرة كانت أو صغيرة، في منطقة مشتركة بين الحدودين، حيث إن غياب حدود بحرية مرسّمة بشكل واضح، واستمرار النزاعات المسلحة، من شأنهما التأثير في تطوير هذه الحقول، كما أن استثمار حقل مشترك في هذه الأوضاع أدى في مناطق أخرى إلى اللجوء إلى القضاء من أجل وقف التطوير، أو إلى نزاع مسلح لوقف الإنتاج(15).
وبالنسبة إلى مسألة حقول الغاز المكتشفة على الحدود اللبنانية ـــ الإسرائيلية، فإنها تقدم مشهداً سياسياً بين لبنان وإسرائيل، ويطلق العنان لصيغة القوة، فالعالم اعتاد اكتشاف الطاقة في دول تحتاج لمن يحميها، بينما اليوم فإننا نقف أمام احتمالات مفتوحة لدولة تطمح دائماً لاستخدام الأدوات العسكرية في وقت تحتاج فيه لمساعدات دائمة، وهي تملك نوعاً من الخيال الجامح يجعل امتلاك الطاقة بالنسبة لها ظرفاً استثنائياً يكسر كل القيود التي يمكن أن تحدّ من حلمها العسكري(16).
وفي المقابل، فإن لبنان ـــ في المعادلة الجيوستراتيجية للشرق الأوسط ـــ هو نقطة التقاء التوازنات، وهذه النقطة لم توجد إلاّ بسبب التكوين الذي قام عليه، وربما جعل اقتصادياته دون ممكنات مستقلة، وهو يقف على قائمة الضعف بالنسبة للدول، حيث ماتزال (هوية الدولة) في مساحة الجدل، وفي مواجهة التيارات التي تتفاعل داخل مجتمعه فتنتج قادة قادرين على التجول في العالم، رغم ضيق مساحة التأثير التي يملكونها داخل دولتهم. وهذه المعادلة في مسألة الطاقة أو حقول الغاز المكتشفة في شرقي المتوسط لا تشكّل بيئة حرب فقط، بل تضع أيضاً احتمالات تحول (بُنى) الدول التي تشرف على تلك الحقول التي مازالت مجرد (إمكانيات)، وهي تحتاج إلى إجراءات إضافية حتى تصبح هذه الطاقة موجودة بالفعل على ساحة المعادلة الشرق أوسطية بكل تقلباتها، وبالتأكيد فإن الصراع لن يكون إقليمياً، لكنه سيكون محيراً لسببين(17):
الأول: هو احتمال تحوّل إسرائيل من صورتها النمطية داخل الخريطة العالمية، إلى تشكيل آخر، فهي ستحاول أن تنتقل من دولة وظيفية إلى شكل آخر يحمل زمام المبادرة دون التفكير بنوعية التوازن الذي تريده الولايات المتحدة أو أي دولة أخرى تملك عضوية دائمة في مجلس الأمن، فهذا الترابط الوثيق بين الولايات المتحدة وإسرائيل سيتغير شكله دون أن يعني انفراط عقد التحالف، لأن إسرائيل ـــ مع امتلاك الطاقة ـــ ستحتاج دائماً لهذا المنفذ الاستراتيجي الدولي، الذي يؤمّن لها قاعدة وجودها الفعلية.
الثاني: تغيّر التحالفات الشرق أوسطية بسبب تحول معادلة الطاقة بين الدول المنخرطة مباشرة بالصراع (سوريا، لبنان، ويمكن إضافة تركيا في حال استمرار التصعيد السياسي بين البلدين)، فهناك خلل جديد في التوازن الاستراتيجي سيصب في مصلحة إسرائيل، وهو ما سيجعل مرحلة ما قبل إنتاج الطاقة مرحلة مليئة باحتمالات الحرب.
ووفق ذلك، لم تعد حرب الطاقة حرباً مؤجلة بقدر كونها رسماً لبيئة الصراع المستمرة، فإسرائيل تسعى من خلال موضوع حقول الغاز أن تثبت بعضاً من خطوط التماس المستمرة التي تعلو دائماً على مشاريع التسوية المفترضة، فمسألة الغاز في سواحل المتوسط تكون بذاتها جغرافية تنقل الصراع إلى مجال لم يكن متوقعاً في حسابات العديد من دول الشرق الأوسط. عملياً، فإن ما يحدث مازال ضمن الاحتمالات، على الأخص أن مسألة الطاقة ليست مجرد إعلان عن وجود حقول، وهو يحتاج إلى إيجاد آليات واستثمار وصولاً إلى دخوله كعامل في إطار الصراع داخل الشرق الأوسط، لكن ما يحدث اليوم يحمل مؤشرين:
أولاً: خروج إسرائيل من كافة احتمالات التسوية، فرغم أنها تتعامل مع سياسات مخالفة لأي تهدئة، لكنها في المقابل تقدم اليوم مواقف تمهيدية للتصعيد وحتى لخوض حرب لتغير المعادلة القائمة اليوم.
ثانياً: التعامل مع لبنان التي من المفترض أن تكون شريكة في هذه الحقول على أنها ساحة الحرب القادمة، وهو يعني أن المعادلة اللبنانية يمكن أن تخضع لتدخلات مباشرة من أجل جعل (توازن الرعب) الحالي شأناً من الماضي، فمسألة المغامرة العسكرية هي اليوم أقرب للتحقق من أي وقت مضى، فأي ضربة لــ (حزب الله) لم تعد اليوم شأناً متعلقاً بــ (سطوة إسرائيل) في الشرق الأوسط، بل أيضاً باحتمالات تحويل معادلات الشرق الأوسط مع إدخال الطاقة إلى ساحة هذا الصراع.
وعلمياً، فإن هناك بروداً سياسياً بشأن هذا الموضوع، فباستثناء التصريحات اللبنانية، فإن هذا الملف لم يشهد أي مبادرة سياسية، فلبنان لن يستطيع بمفرده أن يتعامل مع مستجدات الطاقة التي فتحتها إسرائيل، فالاستقطاب الجديد بشأن لبنان ربما لن يتغير، ولكن هناك أسباباً أخرى لتعميق الخلافات الداخلية، ولشطب (حزب الله) من المعادلة سياسياً قبل التعامل معه بحل عسكري(18). إن ما سيحدث خلال الأشهر القادمة ـــ إذا اكتملت (رواية حقول الغاز) ـــ هو إعادة النظر إلى الشرق الأوسط وإلى المواقف السياسية لما كان يسمى دول الممانعة، لأن هناك خطوطاً جديدة لتفعيل الصراع ولإعادة ترتيب الشرق الأوسط وفق توجه مختلف عن السابق(19).
لقد ثبت الآن أن حجم ثروة الغاز في البحر تجاه منطقة صور ـــ الناقورة تبلغ (120) تريليون متر مكعب، وتدّعي إسرائيل أن هذه الحقول تقع داخل مياهها الإقليمية، فيما يؤكد لبنان العكس، وقد أقرّ مجلس النواب اللبناني في نهاية أغسطس 2010م قانوناً ينظم عمليات استثمار هذه الثروة من الغاز، كما ينص على تكليف مؤسسة دولية مختصة لرسم حدود مياهه الإقليمية في المنطقة الجنوبية المتاخمة لشمال إسرائيل.
وفي الواقع فإن رسم حدود المياه الإقليمية يتوقف على الرسم النهائي للحدود البرية، وهو ما لم يحصل حتى الآن، وطالما أن الحدود البرية غير واضحة المعالم بعد، وطالما أنها غير موثقة دولياً، فإن المياه الإقليمية تبقى مفتوحة أمام الاجتهادات المتناقضة. ويعود السبب في ذلك إلى استمرار الاحتلال الإسرائيلي لعدة مناطق من لبنان، منها مزارع شبعا، ومرتفعات (كفر شوبا) و (قرية الغجر)، وكذلك القرى اللبنانية السبع التي احتلتها إسرائيل بين عامي 1948 ـــ 1949م. وما الخط الأزرق الذي رسمته الأمم المتحدة على طول الحدود بين لبنان وإسرائيل سوى تخطيط أولي لضبط التجاوزات ولتحديد مهمة قوات الأمم المتحدة، ثم إن علاقات لبنان مع إسرائيل هي أسوأ وأخطر علاقات مقارنة بأية دولة عربية متاخمة لفلسطين المحتلة، وقد شنّت إسرائيل عدة اعتداءات عسكرية على لبنان، بما فيها عدوان 1982م عندما احتلت العاصمة بيروت، وكان آخرها عدوان 2006م عندما دمّرت البنية التحتية للاقتصاد اللبناني من طرق وجسور ومبانٍ عامة وخاصة(20).
وهناك تاريخ طويل من الاعتداءات الإسرائيلية على الثروات الطبيعية للبنان؛ ففي عام 1964م قام الطيران الإسرائيلي بقصف منشآت أقامتها الدول العربية (بقرار من القمة) بهدف تحويل مجاري نبع نهري (الوزاني والحاصباني) لري المناطق العطشى في جنوب لبنان. وقد منعت إسرائيل المشروع بالقوة العسكرية لضمان استمرار تدفق مياه النهرين إلى داخل الأرض المحتلة، ومنذ ذلك الوقت سقطت مظلة الدفاع العربي وفقد لبنان قدرته ـــ وليس حقه ـــ على استثمار مياه النهرين، ومنذ الثمانينيات من القرن الماضي وإسرائيل تضخ كميات غير محددة من المياه الجوفية اللبنانية لري مزارعها في الشمال، ولم تنفع احتجاجات لبنان، إذ إن الجنوب اللبناني والبقاع الغربي (نحو 12? من مساحة لبنان) كانا تحت الاحتلال الإسرائيلي. ولم تجد إسرائيل حرجاً حتى في نقل كميات كبيرة من التربة اللبنانية من المناطق الحدودية إلى داخل إسرائيل لاستخدامها في تحويل مناطق صخرية إلى مزارع على حساب المزارع اللبنانية(21).
وفي ضوء هذه الخلفية، فإن إسرائيل لا تكون قد ارتكبت جديداً إذا حاولت أن تحرم لبنان من حقه في الثروة المكتشفة من الغاز الطبيعي تحت أي حجة أو ذريعة ما، بما في ذلك الادعاء بأن هذه الثروة الطبيعية تقع حصراً داخل مياهها الإقليمية!! كما أنه لا توجد إمكانية لتفاهم لبناني ـــ إسرائيلي مباشر أو غير مباشر لاستثمار هذه الثرة الضخمة من الغاز الطبيعي. ولا توجد إمكانية لأن يتخلى لبنان تحت أي ضغط سياسي أو عسكري عن حقه في هذه الثروة التي تقع كلياً أو جزئياً في مياهه الإقليمية، وهذا يعني أنهما مقبلان على مواجهة جديدة، فإسرائيل تريد من وراء الغاز المكتشف أن تتحول من الفحم إلى الغاز في إنتاج الطاقة، كما تريد أن تتحول من دولة مستوردة للغاز (من مصر) إلى دولة مصدرة، فالكميات المكتشفة (120 تريليون قدم مكعب) من شأنها أن تحقق ذلك.
أما لبنان، فإنه يرزح تحت عبء ديون تتجاوز الخمسين مليار دولار، وهو يعاني فقراً مدقعاً في مصادر الطاقة حتى أن المولدات الكهربائية التي أنفق على شرائها عدة ملايين من الدولارات تعطلت لعدم توافر الغاز لتشغيلها. وبصرف النظر عن الحاجة، فهناك الحق، وبموجب القانون الدولي فإن لبنان يعتبر نفسه صاحب الحق في هذه الثروة المكتشفة، وهو ما تنكره عليه إسرائيل. من هنا يتبادر السؤال: هل يكون اكتشاف الغاز في شرق المتوسط ـــ وتحديداً في المنطقة الواقعة بين جنوب لبنان وشمال إسرائيل ـــ سبباً إضافياً لإشعال الصراعات بينهما؟ تستطيع إسرائيل بما تتمتع به من قوة عسكرية أن تمارس سياسة غطرسة القوة، وأن تحتل منابع الغاز وأن تمنع أي شركة دولية تتعامل مع لبنان من المشاركة في الاستثمار(22).
ولكن إسرائيل تعرف في الوقت ذاته أن لبنان المستضعف عسكرياً قادر على أن يطلق قذائف على منصات استخراج الغاز، وأن هذه المنصات مهما توافرت لها سبل الحماية والدفاع، تبقى في مرمى ما يملكه الجيش اللبناني والمقاومة من قذائف صاروخية؛ فإذا كان الاستثمار المشترك بين لبنان وإسرائيل سياسياً مستحيلاً، وإذا كان الاستثمار الإسرائيلي المنفرد أمنياً متعذراً، فما الحل؟ لم تمر الشركات الدولية العاملة في مجال استخراج النفط والغاز بمعادلة من هذا النوع، كما أن هناك حالات تعكس اختلافات بين دول مجاورة حول نسبة الحقوق، وليس حول مبدأ الحق. ولعل هذه المشكلة كانت من الأسباب التي أدت إلى عدم الإعلان عن وجود هذه الثروة من الغاز الطبيعي في المنطقة حتى الآن، رغم أن المعرفة المؤكدة بوجودها ليست جديدة. ومهما يكن من أمر، فإن استثمار غاز شرق المتوسط الذي يعلّق عليه كل من لبنان وإسرائيل آمالاً كبيرة، ربما يتحول إلى شرارة جديدة لصراع جديد أشد لهيباً(23).

ثالثاً: الحدود ومسألة التسوية الفلسطينية ـــ الإسرائيلية

تُعدّ مسألة السيادة على حقول الغاز في قطاع غزة من الأمور المثيرة للجدل، وإن كانت من وجهة النظر القانونية هي ملك للفلسطينيين، حيث إن إسرائيل وفقاً لسياسة الأمر الواقع وضعت يدها على تلك الحقول مستفيدة من الأحداث التي تلت وفاة الرئيس (ياسر عرفات)، وانتخاب حركة حماس وانقسام السلطة، فحين قامت الشركة الإنجليزية من جانبها بتجاهل حكومة حماس المنتخبة فيما يختص بحقوق التنقيب والتنمية لحقول الغاز، حيث يممت وجهها تجاه إسرائيل مكتفية بالتعامل معها.
وفيما يتعلق بالنزاع حول ملكية هذه الحقول، كانت مرحلة انتخاب رئيس الوزراء (أرئيل شارون) عام 2001م نقطة تحوّل رئيسة في هذا الشأن، حيث إن سيادة السلطة الفلسطينية على تلك الحقول كانت موضع تجاذب أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، وأكّد حينها (شارون) بما لا يدع مجالاً للشك أن إسرائيل لن تشتري غاز غزة من الفلسطينيين، في تلميح إلى أن تلك الحقول وما تحويه ملك خالص لإسرائيل. وبالفعل اعترض (شارون) في عام 2003م علي صيغة اتفاق مبدئي من شأنه أن يسمح للشركة الإنجليزية للغاز بتزويد إسرائيل بالغاز الطبيعي من الآبار البحرية في غزة(24). وفي عام 2006م أدى فوز حماس في الانتخابات التشريعية في 25 يناير إلى انحسار دور السلطة الفلسطينية بقيادة (محمود عباس)، وأصبحت تقتصر فقط على الضفة الغربية، وفي العام نفسه، كانت الشركة البريطانية للغاز على وشك توقيع اتفاق لضخ الغاز لمصر، ووفقاً للتقارير، فقد تدخل رئيس الوزراء البريطاني (توني بلير) بالإنابة عن إسرائيل، ليحول دون توقيعه(25).
وفي عام 2007م، وافق مجلس الوزراء الإسرائيلي على اقتراح قدّمه رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق (إيهود أولمرت)، يقضي بشراء الغاز من السلطة الفلسطينية بعقد تصل قيمته إلى (4) مليارات دولار، بجدوى ربحية قد تصل إلى (2) مليار دولار، يذهب منها مليار دولار واحد فقط للجانب الفلسطيني، حيث تريد إسرائيل أن يتم الدفع للفلسطينيين مقابل الغاز على شكل
سلع وخدمات، بدلاً من أن تدفع نقوداً تذهب لحكومة حماس علي القطاع، ولأن إسرائيل لا نية لها أساساً في تقاسم عائدات الغاز مع الفلسطينيين، فقد أوعزت الحكومة الإسرائيلية لفريقها المفاوض بأن يتوصل إلى اتفاق مع الشركة الإنجليزية مباشرة، وأن يتجاهل كلاً من حكومة حماس والسلطة الفلسطينية(26).
وكان الهدف الأساسي من وراء تلك السياسة هو إبطال العقد الذي تم إبرامه بين السلطة الفلسطينية إبان حكم الرئيس (عرفات) والشركة الإنجليزية عام 1999م، مع العلم أن الاتفاقية المقترحة عام 2007م مع الشركة الإنجليزية كان من المفترض أن يتم بموجبها مد خط أنابيب تحت البحر لنقل الغاز المستخرج من شواطئ غزة إلى ميناء عسقلان الإسرائيلي، وبذلك يصبح نقل الغاز خاضعاً لإسرائيل كما هو الحال في بيعه لها. ولكن الصفقة تعثّرت، والمفاوضات علقت، فقد عارض (مئير داغان) ـــ رئيس الموساد آنذاك ـــ الصفقة لأسباب أمنية كما ادعى، لأن العائدات من جراء هذا الاتفاق قد تذهب لتمويل الإرهاب بحسب زعمه، وصرّح كذلك (جلعاد أردان) عضو الكنيست، بأن ما انتوته إدارة (أولمرت) من شراء الغاز الفلسطيني سوف يخدم حكومة عباس(27)، كما تعلل (موشيه يعالون) بأن شراء الغاز المستخرج من المياه الساحلية في غزة قد يهدد الأمن القومي الإسرائيلي، فقد كانت إسرائيل بصدد استبعاد أي إمكانية تسمح بوصول العائدات المالية للفلسطينيين، الأمر الذي أدى إلى انسحاب الشركة الإنجليزية من المفاوضات مع إسرائيل، ثم أغلقت مكتبها هناك في يناير 2008م.
وفي هذا السياق، فإن قرار تسريع المفاوضات مع شركة الغاز الإنجليزية قد تزامن مع التخطيط لاجتياح قطاع غزة في يونيو 2008م، كما يبدو أن إسرائيل كانت حريصة على التوصّل إلى اتفاق مع الشركة الإنجليزية قبل الغزو، الذي كان بالفعل في مرحلة متقدمة من التخطيط، كما قامت السلطات الإسرائيلية في ذلك الشهر نفسه بإبلاغ الشركة البريطانية برغبة إسرائيل في استئناف المحادثات فيما يتعلق بمسألة شراء غاز غزة الطبيعي، بعد أن توافق على ذلك كل من المسؤولَيْن الإسرائيليين: مدير عام وزارة المالية (ياروم آرياف)، ومدير عام وزارة البنية التحتية الوطنية (حيزي كوجلار)، أما الشركة الإنجليزية فمن جهتها لم تلبِّ ما طلبته منها إسرائيل، إلاّ أنها ذكرت أن مسؤولين تنفيذيين لها قد يصلون إلى إسرائيل في غضون بضعة أسابيع لإجراء محادثات مع المسؤولين الإسرائيليين.
بالإضافة إلى ذلك، فإن حكومة (أولمرت) كانت قد بادرت إلى التفاوض مع الشركة الإنجليزية، مع علمها التام بأن الغزو العسكري لغزة قد وُضع قيد التنفيذ، كما أنها كانت ـــ وفي جميع الأحوال ـــ قد أعدت الترتيبات السياسية والإقليمية لمرحلة ما بعد الحرب على غزة. وفي حقيقة الأمر، كانت المفاوضات بين شركة الغاز الإنجليزية والمسؤولين الإسرائيليين قد بدأت في أكتوبر 2008م، أي قبل نحو شهرين إلى ثلاثة أشهر قبل عمليات القصف الجوي على غزة، والتي انطلقت في 27 ديسمبر من العام نفسه، وكانت وزارتا المال والبنى التحتية الإسرائيليتان، قد أصدرتا تعليماتهما في نوفمبر/تشرين الثاني من العام نفسه، لمؤسسة الكهرباء الإسرائيلية بالدخول في مفاوضات مع شركة الغاز الإنجليزية من أجل شراء الغاز الطبيعي الفلسطيني والاستفادة من الامتياز الممنوح للشركة البريطانية في غزة. وقد قام مؤخراً كل من (أرياف) و (كوجلار) بإبلاغ (عاموس لاسكار) الرئيس التنفيذي لشركة الكهرباء الإسرائيلية بقرار الحكومة، القاضي بالمضي قدماً في المفاوضات مع شركة الغاز الإنجليزية وفقاً للإطار المقترح الذي تمت الموافقة عليه في وقت سابق من ذلك العام. ووافق مجلس إدارة شركة الكهرباء الإسرائيلية برئاسة (فريدمان موتي) على المبادئ الواردة في الإطار المقترح، كما أقرّ استئناف المحادثات مع الشركة الإنجليزية بمجرد الموافقة على الإعفاء من المناقصة(28).
وهكذا، فإن الاحتلال الإسرائيلي العسكري لغزة قد أعد العدة لنقل السيادة على حقول الغاز إلى إسرائيل، وبانتهاك صارخ للقانون الدولي، فما هي نوايا إسرائيل فيما يتعلق باحتياطيات الغاز الطبيعي؟ وهل هناك ترتيبات إقليمية جديدة للقطاع تعهد بموجبها إسرائيل إلى قوات دولية لحفظ السلام منفردة أو بالاشتراك معها؟ أم أن الاستراتيجية الإسرائيلية ستكتفي بالتحصّن والعسكرية على طول الخط الساحلي لغزة؟ أم أنها ستعلن السيادة الإسرائيلية على المناطق البحرية لغزة، وتصادر بذلك جميع حقوق الغاز الطبيعية؟ وإذا ما حدث هذا الأخير، فمن المحتمل أن حقول الغاز في غزة ستتداخل وتندمج في المنشآت البحرية الإسرائيلية المجاورة لها.
كما أنها جميعاً ترتبط بممر نقل الطاقة الإسرائيلي الممتد من ميناء (إيلات)، محطة خط أنابيب النفط في البحر الأحمر إلي محطة أنابيب ميناء عسقلان، وشمالاً إلى حيفا، لتتصل في نهاية المطاف بالمسار المقترح لإنشاء خط أنابيب ممتد من إسرائيل إلى ميناء (جيهان) التركي وميناء (جيهان) بدوره هو المنفذ إلى (باكو الأذرية) حيث يمتد خط أنابيب نفط بحر قزوين، خط باكو ـــ تبليسي ـــ شيحان، فالمخطط إذاً، وبالمحصلة النهائية، هو ربط خط جيهان التركي، بخط إيلات ـــ عسقلان المعروف بخط أنابيب إسرائيل(29).
وعلى الرغم من ذلك، فقد أكّد وزير الطاقة التركي (تانر يلديز)، وعلى خلفية تدهور العلاقات التركية ـــ الإسرائيلية، أن بلاده تعيد النظر حالياً في علاقاتها في قطاع الطاقة مع إسرائيل، بعد أن هاجمت القوات الإسرائيلية أسطول الحرية الذي كان متجهاً إلى قطاع غزة لنقل مساعدات إنسانية.

خاتمـة

تُشكّل الطاقة من جديد مدخلاً نحو إزاحة المعادلات النمطية للصراع في الشرق الأوسط، أو في شرقي المتوسط على وجه التحديد، حيث يحتل عنصر أمن الطاقة الإسرائيلي مكانة مهمة للغاية في الاستراتيجية الأمنية لإسرائيل على الدوام، ولعل ذلك يعود في جزء منه إلى كون هذا العنصر يشكّل نقطة ضعف في الميزان الشامل للقوة الإسرائيلية بشكل عام، وهو الأمر الذي دفع إسرائيل إلى الاستنجاد بالولايات المتحدة سابقاً، حيث عقد الطرفان مذكرة اتفاق في العام 1979م، ويتم تجديدها بهدوء كل خمس سنوات تقوم أمريكا بموجبها بالتعهّد بتزويد إسرائيل بالنفط في الحالات الطارئة، وهي ممتدة حتى العام 2014م(30).
لكن الأمن الإسرائيلي بشكل عام وأمن الطاقة بشكل خاص لا يقف عند حدود الاعتماد على الآخرين مهما بلغوا من قوة، فقد عُرف عن إسرائيل تخطيطها للاستيلاء على حقوق نفط عربية منذ الستينيات للتغلّب على نقطة ضعفها المتمثلة في نقص الإمدادات مقارنة بالقوة العسكرية الضاربة التي تمتلكها، والتي من الممكن أن تتعرض إلى الشلل في أي معركة طويلة الأجل حال انقطاع الإمدادات، ومن بين أشهر الخطط الإسرائيلية في هذا المجال الخطة التي تم تسريبها في بداية العام 2002م وتُعرف باسم (عملية شيخينا) لاحتلال الآبار النفطية العراقية وإعادة إحياء خط الموصل ــــ حيفا(31)
 
رد: العرب واسرائيل صراع الطاقة

مشكور على الموضوع
 
عودة
أعلى