«أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية» الشراكة والتحالف الإستراتيجي لم يعد خافياً على أحد أن العلاقة القائمة بين أمريكا وإسرائيل هي من نوع يختلف عن جميع العلاقات القائمة بين الدول سواءَ أكانت سياسية أم اقتصادية أم دبلوماسية. إن العلاقة بين هاتين الدولتين علاقة شراكة أو تحالف استراتيجي، لكنها علاقة شراكة معكوسة، أي أن إسرائيل شريكة لأمريكا وليس العكس (فإسرائيل لا تسلّم رقبتها لأحد حتى وإن كان أمريكا) كما يرى الباحث «حسني عايش» في كتابه الصادر حديثاً عن المؤسسة العربية للدراسة والنشر بعنوان «أمريكا الإسرائيلية وإسرائيل الأمريكية».
وهذه الشراكة القائمة على علاقة «حميمية» قلّ نظيرها، تنطوي على انتهاك صارخ للدستور الأمريكي، والقوانين الفيدرالية، كما يرى عايش، لأن أمريكا دولة رأسمالية، وإسرائيل دولة اشتراكية؛ ولأن أمريكا دولة لها دستور ولائحة حقوق، فيما إسرائيل دولة بلا دستور ولائحة حقوق، ولأن أمريكا دولة علمانية تفصل بين الدين والدولة، في حين أن إسرائيل لا تفصل بينهما، بل تخصص موازنات وتوفر إعفاءات للمدارس والمنظمات اليهودية الدينية، وتُشرك الأحزاب الدينية اليهودية في الحكم.
وعليه، وفي ظل علاقة «الشراكة» هذه، وفي ظل الأوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة العربية في الوقت الراهن، أصبح من الواضح تحكُّم اللوبي الصهيوني بصنّاع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وفرضه هيمنته على إدارتها وكونجرسها وسائر السلطات فيها، وعلى المستويات كافة، كما تكشف التصريحات الإعلامية، والقرارات المتّخذة، والمواقف المعلنة وغير المعلنة.
ويبحث عايش في كتابه الذي جاء في 320 صفحة من القطع الكبير، في تبلور الظاهرة الدينية، ويستعرض ما أصابها من تحولات أدت إلى ظهور اليمين المسيحي المتصهين في أمريكا، أو ما يسمّى «المحافظين الجدد»، وسيطرته على الحكم فيها، وهو تيار داعم للكيان الصهيوني، ومؤازر له. لكن عايش يفرّق بين الصهيونيين المسيحيين الذين يشعرون بوجود رابط عاطفي وسيكولوجي خاص يربطهم بإسرائيل والصهيونية، وبين المسيحيين العرب من كل الطوائف، والمسيحيين الشرفاء في أمريكا وأوروبا، مذكّراً أن المسيحية هي أحد الأديان السماوية الثلاثة، والدين العربي الثاني، وأن للمسيح عليه السلام مكانةً مقدسة في القرآن الكريم.
وفي سياق متصل، يتحدث عايش عن تاريخ السفارة المسيحية العالمية في القدس، التي لا تمثل دولة معينة، ولا يعرف عنها الفلسطينيون والعرب والمسلمون الكثير عدا المسيحيين منهم الذين يقاومونها، ومجالس كنائس الشرق الأوسط الذي يحاربها لأنها ذراع صهيوني مسيحي خطير، يعمل على تسريع الاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه بموجب أيديولوجيا لاهوتية صهيونية مسيحية لها جهودها التنظيمية إقليمياً وعالمياً تمارسها خدمةً لإسرائيل.
وفي حديثه عن اللا ـ سامية، يتناول عايش النظريات اليهودية وغير اليهودية التي تفسرها على أنها الصيغة التي نشأت في ظل الخلفية التاريخية للجذور الصهيونية، مبيناً كيفية تحولها من أداة لاضطهاد اليهود، إلى أداة يضطهد اليهود بها الآخرين، ومقدّماً نماذج على قوّة هذا السلاح اليهودي الذي يُكتمون به فم كل ناقد للسياسة الإسرائيلية أو معارض لها.
ويقدم الباحث، بالأدلة والوثائق، أمثلة دامغة على قوة هذا السلاح، خصوصاً بعد أن طالبت شخصيات يهودية، كـ «بشارانسكي» ـ اليهودي الروسي المهاجر إلى إسرائيل والوزير المكلف بشؤون ما يسمّى «يهود الشتات» ـ بعدم التفريق أو الفصل بين معاداة السامية (اللاـ سامية) ومعاداة الصهيونية، ومنها تلك العاصفة الدبلوماسية الإسرائيلية التي هبت في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما «زلّ» لسانه في مؤتمر صحفي قال فيه: «آمل أن لا يوجد حول الرئيس الأوكراني الجديد سياسيون ينضحون بالكراهية للروس، وصهاينة». ومع أن الموقع الرسمي للكرملين شطب الكلمة الأخيرة في العبارة السابقة، إلا أن العاصفة اليهودية تواصلت إلى أن أعتذر الكرملين عن هذا «الزلل»، موضحاً أن الرئيس كان يقصد القول: «يكنون كراهيةً للروس، ولا ـ ساميين».
ومن الشواهد التي يوردها عايش في حديثه عن قوّة تأثير اللوبي الإسرائيلي في السياسة الأمريكية، وتهمة اللا ـ سامية المصوَّبة دائماً تجاه كل معترض على السياسة الإسرائيلية، ما ورد على لسان السيناتور الأمريكي السابق جيمس أبو رزق المواطن الأمريكي من أصل لبناني، يقول فيه: «لقد أسس اللوبي (الإسرائيلي) منطقة مثيرة للشهوة (المال) عند معظم المرشحين للكونجرس. وهو يمارس الضغط على تلك المنطقة بقوة وفاعلية. وبما أن معظم السياسيين لا يهمّهم العرب أو اليهود، فإن المسألة تصبح عندهم وبكل بساطة مسألة إسهام مالي في حملاتهم الانتخابية»، موضحاً أن اللوبيات الأخرى في واشنطن باهتة أمام اللوبي الصهيوني الذي يُوصف بأنه أقوى لوبي في واشنطن، وأكثرها فساداً وإفساداً.
ويضيف أبو رزق: «إن أعضاء مجلس الشيوخ الذين ينتقدون إسرائيل يعرّضون حياتهم السياسية للخطر، لأن هذا اللوبي سرعان ما يقذف بتهمة اللا ـ سامية كلَّ من يعارض احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية، أو قصف المخيمات بالقنابل، أو أية ممارسات شنيعة أخرى تقوم بها، والتي إذا ما قام بها الآخرون احتجّ عليها الناس أنفسهم الذين لا يسمحون لأحد بانتقاد إسرائيل!».
كما يورد عايش، بالوثائق والأدلة الدامغة، قصصاً حول جنرالات وقيادات أمريكية سابقة وحالية تدلّل على قوة سلاح اللا ـ سامية. ومن ذلك أن حاكم كاليفورنيا ميرفن ديمالي، وصل إلى الكونجرس مرشحاً عن الحزب الديمقراطي وبمساعدة اللوبي الإسرائيلي. وكانت تصريحاته على الدوام لصالح إسرائيل. ومع ذلك أوقفت الجماعة اليهودية المؤيدة لإسرائيل دعمها المالي له سنة 1982، ورتب اللوبي الإسرائيلي في كاليفورنيا الهزيمة المنكرة له في السنة التالية. وعندما طُلب من ديمالي تفسير هذا التحول المفاجئ نحوه، أورد علامتين سوداوين في سجله المحابي لإسرائيل في الكونجرس: الأولى؛ أنه طرح من آن لآخر أسئلة على لجنة الشؤون الخارجية فيما يخص المساعدات المقدَّمة لإسرائيل، والثانية؛ مقابلته ياسر عرفات مرتين، مع أن اللقاءين لم يكونا مرتبين، ولم يكن لهما أية أصداء إعلامية.
وهنالك قصة جون كونالي حاكم تكساس الأسبق، الذي رشّح نفسه للرئاسة العام 1979 عن الحزب الجمهوري، لكن اللوبي الإسرائيلي لقّنه درساً قاسياً على إثر حديثه عن التوتر بين اليهود والسود، وتبرّم الناس من نقص الوقود، وأنه ليس كغيره من الرؤساء، لا يتلقى الإيحاءات والإيماءات والأوامر من السفارة الإسرائيلية أو اللوبي الصهيوني، ما أدى بحملته أن تنهار وهي ما تزال في بداياتها.
أما السفير الأمريكي إدلاي ستيفنسون، فقد كان سجله لا تشوبه شائبة في تأييد إسرائيل بشكل مطلق، ولطالما حصل على التكريم تلو الآخر من المنظمات اليهودية، كما تم اختياره من الجماعة اليهودية في شيكاغو سنة 1974 كأفضل صديق لإسرائيل، وقد كرّمته إسرائيل عبر تأسيس «كرسي إدلاي ستيفنسون» في معهد وايزمن للعلوم. ورغم ذلك، تآمرت عليه إسرائيل وألحقت الهزيمة به جرّاء عبارة عابرة وردت في تقرير له أعده بعد إحدى رحلاته إلى الشرق الأوسط جاء فيها: «لا يوجد منظمة فلسطينية غير منظمة التحرير أكثر تمثيلاً للشعب الفلسطيني». ومع أن هذه العبارة مجرد إقرار بسيط لواقعة صحيحة، إلا أنها كانت كافية لوصف وسائل الإعلام لستيفنسون بأنه أسوأ ناقد للسياسة الإسرائيلية ولدعم أمريكا للدولة اليهودية.
ويستمر الكتاب في عرض الشواهد على هيمنة اللوبي الإسرائيلي الصهيوني على صنّاع القرار في أمريكا من خلال قصص لكل من: عضو مجلس الشيوخ جيسي هيلمز، عضو اللجنة الفرعية الخاصة بأوروبا والشرق الأوسط إد زيشاو، عضو الكونجرس شارل بيرسي، عضو الكونجرس الأسبق الجنرال براون، بول فندلي، وزير خارجية ريغان جورج شولتز، الجمهوري من كاليفورنيا والرئيس الأمريكي المتوقع بيت ماكلوسكي، السيناتور الأسبق وليم فولبرايت، عضو الكونجرس الأمريكي ثوماس داوني، حاكم تكساس الأسبق جون كونالي، وسواهم.
ويواصل عايش استعراض القصص الموثقة التي تطال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب الذي أقرّ في أحد اللقاءات التلفزيونية معه أنه تم تهديده من قِبل عمل لـ «إيباك» عشية الانتخابات الرئاسية الثانية العام 1992، لقوله إنه سيدرس احتمال وقف ضمانات القروض لإسرائيل ليضغط عليها لتجميد المستوطنات وعدم توطين اليهود السوفيات في الضفة الغربية. وهنالك أيضاً قصة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الذي حشد في إدارته أكبر عدد من اليهود الصهاينة، وقام بدور المحامي العنيد لإسرائيل، في مفاوضات كامب ديفيد ـ 2، وقاد حملة إعلامية شرسة ضد الفلسطينيين لرفضهم «العرض الخرافي السخي» الذي قدمه باراك في كامب ديفيد.
أما الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن، فقد تعلّم، كما يقول عايش، من تجربة والده، فباع نفسه للشيطان الصهيوني الإسرائيلي والمحافظين الجدد المتحالفين معه! ولذلك فهو «يبصم بالعشرة على كل ما تقوم به إسرائيل في فلسطين، غير محترم لقرارات الأمم المتحدة، وحق تقرير المصير ومبادئ حقوق الإنسان وخريطة الطريق التي تبناها، والتي تنتهكها إسرائيل يومياً دون أن يردعها أحد».
ويواصل الباحث قائلاً: «لعل احتلال أمريكا ـ ومن يدور في فلكها ـ للعراق بقيادة بوش سنة 2003 بحجّة أو كذبة امتلاك العراق أسلحةَ الدمار الشامل التي تهدد جيرانه (ويقصد إسرائيل)، ومن ثم تدمير بنيته التحتية والفوقية وتراثه وذاكرته ومؤسساته ووحدة شعبه، واستثناء إسرائيل دون دول العالم غير الذرية من المساءلة عن امتلاكها لهذه الأسلحة، أسطع دليل على إسرائيلية أمريكا وأمريكية إسرائيل، لأن الاحتلال والتدمير الشامل للعراق تم من أجل القضاء على آخر تهديد عربي ممكن ومحتمل لإسرائيل المُغْتَصِبة لفلسطين والمُشرِّدَة لشعبها، وإبقائها آمنة ومطمئنة».
ويستشهد عايش بتصريح وزير الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، لصحيفة «إيديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (13ـ 14/8/2005) الذي تقول فيه إن أمن إسرائيل هو مفتاح أمن العالم كله. وإنها تشعر برباط عميق مع إسرائيل. وعندما سُئلت فيما إذا كانت مشاعرها نحو إسرائيل تنبع من قناعات دينية، أجابت: «إنه لَسؤال عميق. لقد زرت إسرائيل للمرة الأولى عام 2000، وقد شعرت حينئذ أنني أعود إلى بيتي على الرغم من أنني لم أزر هذا المكان من قبل. إنني أشعر باتصال روحي عميق مع إسرائيل، وقد كنت معجبة دوماً بتاريخ إسرائيل وصلابة الشعب الذي أسسها وتصميمه. وإنني أعتقد أن لإسرائيل والولايات المتحدة قيماً مشتركة، وأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وهو أمر مهم جداً».
وتأكيداً لوجهة نظره المتضمَّنة في هذا الكتاب ـ عنواناً ومتناً ـ، يورد عايش، خلاصة لدراسة استمرت لستة أشهر أجرتها سارة وير مديرة منظمة «لو أن الأمريكيين يعرفون»، تابعت فيها صحيفتين أمريكيتين هما: «سان فرانسيسكو كرونيكل»، و«سان جوز مير كوري نيوز»، وجاء فيها أن تغطية أخبار «القتلى» الإسرائيليين بلغت اثني عشر ضعفاً مقارنة بتغطية أخبار «القتلى» الفلسطينيين، وأن الصحيفة الأولى أعطت للقراء إحساساً زائفاً بالتعادل بينهما بإيراد أرقام متساوية تقريباً للطرفين، وإن كان عدد القتلى الفلسطينيين ثلاثة أو أربعة أضعاف عدد القتلى الإسرائيليين؛ وأن الصحيفة الثانية كانت أكثر تحيزاً ومغالطة، وأن مقتل الإسرائيلي يحظى بتغطية جيدة تفوق بمقدار ثلاث مرات تغطية مقتل الفلسطيني
وعليه، وفي ظل علاقة «الشراكة» هذه، وفي ظل الأوضاع السياسية التي تشهدها المنطقة العربية في الوقت الراهن، أصبح من الواضح تحكُّم اللوبي الصهيوني بصنّاع القرار في الولايات المتحدة الأمريكية، وفرضه هيمنته على إدارتها وكونجرسها وسائر السلطات فيها، وعلى المستويات كافة، كما تكشف التصريحات الإعلامية، والقرارات المتّخذة، والمواقف المعلنة وغير المعلنة.
ويبحث عايش في كتابه الذي جاء في 320 صفحة من القطع الكبير، في تبلور الظاهرة الدينية، ويستعرض ما أصابها من تحولات أدت إلى ظهور اليمين المسيحي المتصهين في أمريكا، أو ما يسمّى «المحافظين الجدد»، وسيطرته على الحكم فيها، وهو تيار داعم للكيان الصهيوني، ومؤازر له. لكن عايش يفرّق بين الصهيونيين المسيحيين الذين يشعرون بوجود رابط عاطفي وسيكولوجي خاص يربطهم بإسرائيل والصهيونية، وبين المسيحيين العرب من كل الطوائف، والمسيحيين الشرفاء في أمريكا وأوروبا، مذكّراً أن المسيحية هي أحد الأديان السماوية الثلاثة، والدين العربي الثاني، وأن للمسيح عليه السلام مكانةً مقدسة في القرآن الكريم.
وفي سياق متصل، يتحدث عايش عن تاريخ السفارة المسيحية العالمية في القدس، التي لا تمثل دولة معينة، ولا يعرف عنها الفلسطينيون والعرب والمسلمون الكثير عدا المسيحيين منهم الذين يقاومونها، ومجالس كنائس الشرق الأوسط الذي يحاربها لأنها ذراع صهيوني مسيحي خطير، يعمل على تسريع الاغتصاب الإسرائيلي لفلسطين، وإنكار حق الشعب الفلسطيني في أرضه ووطنه بموجب أيديولوجيا لاهوتية صهيونية مسيحية لها جهودها التنظيمية إقليمياً وعالمياً تمارسها خدمةً لإسرائيل.
وفي حديثه عن اللا ـ سامية، يتناول عايش النظريات اليهودية وغير اليهودية التي تفسرها على أنها الصيغة التي نشأت في ظل الخلفية التاريخية للجذور الصهيونية، مبيناً كيفية تحولها من أداة لاضطهاد اليهود، إلى أداة يضطهد اليهود بها الآخرين، ومقدّماً نماذج على قوّة هذا السلاح اليهودي الذي يُكتمون به فم كل ناقد للسياسة الإسرائيلية أو معارض لها.
ويقدم الباحث، بالأدلة والوثائق، أمثلة دامغة على قوة هذا السلاح، خصوصاً بعد أن طالبت شخصيات يهودية، كـ «بشارانسكي» ـ اليهودي الروسي المهاجر إلى إسرائيل والوزير المكلف بشؤون ما يسمّى «يهود الشتات» ـ بعدم التفريق أو الفصل بين معاداة السامية (اللاـ سامية) ومعاداة الصهيونية، ومنها تلك العاصفة الدبلوماسية الإسرائيلية التي هبت في وجه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عندما «زلّ» لسانه في مؤتمر صحفي قال فيه: «آمل أن لا يوجد حول الرئيس الأوكراني الجديد سياسيون ينضحون بالكراهية للروس، وصهاينة». ومع أن الموقع الرسمي للكرملين شطب الكلمة الأخيرة في العبارة السابقة، إلا أن العاصفة اليهودية تواصلت إلى أن أعتذر الكرملين عن هذا «الزلل»، موضحاً أن الرئيس كان يقصد القول: «يكنون كراهيةً للروس، ولا ـ ساميين».
ومن الشواهد التي يوردها عايش في حديثه عن قوّة تأثير اللوبي الإسرائيلي في السياسة الأمريكية، وتهمة اللا ـ سامية المصوَّبة دائماً تجاه كل معترض على السياسة الإسرائيلية، ما ورد على لسان السيناتور الأمريكي السابق جيمس أبو رزق المواطن الأمريكي من أصل لبناني، يقول فيه: «لقد أسس اللوبي (الإسرائيلي) منطقة مثيرة للشهوة (المال) عند معظم المرشحين للكونجرس. وهو يمارس الضغط على تلك المنطقة بقوة وفاعلية. وبما أن معظم السياسيين لا يهمّهم العرب أو اليهود، فإن المسألة تصبح عندهم وبكل بساطة مسألة إسهام مالي في حملاتهم الانتخابية»، موضحاً أن اللوبيات الأخرى في واشنطن باهتة أمام اللوبي الصهيوني الذي يُوصف بأنه أقوى لوبي في واشنطن، وأكثرها فساداً وإفساداً.
ويضيف أبو رزق: «إن أعضاء مجلس الشيوخ الذين ينتقدون إسرائيل يعرّضون حياتهم السياسية للخطر، لأن هذا اللوبي سرعان ما يقذف بتهمة اللا ـ سامية كلَّ من يعارض احتلال إسرائيل للمناطق الفلسطينية، أو قصف المخيمات بالقنابل، أو أية ممارسات شنيعة أخرى تقوم بها، والتي إذا ما قام بها الآخرون احتجّ عليها الناس أنفسهم الذين لا يسمحون لأحد بانتقاد إسرائيل!».
كما يورد عايش، بالوثائق والأدلة الدامغة، قصصاً حول جنرالات وقيادات أمريكية سابقة وحالية تدلّل على قوة سلاح اللا ـ سامية. ومن ذلك أن حاكم كاليفورنيا ميرفن ديمالي، وصل إلى الكونجرس مرشحاً عن الحزب الديمقراطي وبمساعدة اللوبي الإسرائيلي. وكانت تصريحاته على الدوام لصالح إسرائيل. ومع ذلك أوقفت الجماعة اليهودية المؤيدة لإسرائيل دعمها المالي له سنة 1982، ورتب اللوبي الإسرائيلي في كاليفورنيا الهزيمة المنكرة له في السنة التالية. وعندما طُلب من ديمالي تفسير هذا التحول المفاجئ نحوه، أورد علامتين سوداوين في سجله المحابي لإسرائيل في الكونجرس: الأولى؛ أنه طرح من آن لآخر أسئلة على لجنة الشؤون الخارجية فيما يخص المساعدات المقدَّمة لإسرائيل، والثانية؛ مقابلته ياسر عرفات مرتين، مع أن اللقاءين لم يكونا مرتبين، ولم يكن لهما أية أصداء إعلامية.
وهنالك قصة جون كونالي حاكم تكساس الأسبق، الذي رشّح نفسه للرئاسة العام 1979 عن الحزب الجمهوري، لكن اللوبي الإسرائيلي لقّنه درساً قاسياً على إثر حديثه عن التوتر بين اليهود والسود، وتبرّم الناس من نقص الوقود، وأنه ليس كغيره من الرؤساء، لا يتلقى الإيحاءات والإيماءات والأوامر من السفارة الإسرائيلية أو اللوبي الصهيوني، ما أدى بحملته أن تنهار وهي ما تزال في بداياتها.
أما السفير الأمريكي إدلاي ستيفنسون، فقد كان سجله لا تشوبه شائبة في تأييد إسرائيل بشكل مطلق، ولطالما حصل على التكريم تلو الآخر من المنظمات اليهودية، كما تم اختياره من الجماعة اليهودية في شيكاغو سنة 1974 كأفضل صديق لإسرائيل، وقد كرّمته إسرائيل عبر تأسيس «كرسي إدلاي ستيفنسون» في معهد وايزمن للعلوم. ورغم ذلك، تآمرت عليه إسرائيل وألحقت الهزيمة به جرّاء عبارة عابرة وردت في تقرير له أعده بعد إحدى رحلاته إلى الشرق الأوسط جاء فيها: «لا يوجد منظمة فلسطينية غير منظمة التحرير أكثر تمثيلاً للشعب الفلسطيني». ومع أن هذه العبارة مجرد إقرار بسيط لواقعة صحيحة، إلا أنها كانت كافية لوصف وسائل الإعلام لستيفنسون بأنه أسوأ ناقد للسياسة الإسرائيلية ولدعم أمريكا للدولة اليهودية.
ويستمر الكتاب في عرض الشواهد على هيمنة اللوبي الإسرائيلي الصهيوني على صنّاع القرار في أمريكا من خلال قصص لكل من: عضو مجلس الشيوخ جيسي هيلمز، عضو اللجنة الفرعية الخاصة بأوروبا والشرق الأوسط إد زيشاو، عضو الكونجرس شارل بيرسي، عضو الكونجرس الأسبق الجنرال براون، بول فندلي، وزير خارجية ريغان جورج شولتز، الجمهوري من كاليفورنيا والرئيس الأمريكي المتوقع بيت ماكلوسكي، السيناتور الأسبق وليم فولبرايت، عضو الكونجرس الأمريكي ثوماس داوني، حاكم تكساس الأسبق جون كونالي، وسواهم.
ويواصل عايش استعراض القصص الموثقة التي تطال الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الأب الذي أقرّ في أحد اللقاءات التلفزيونية معه أنه تم تهديده من قِبل عمل لـ «إيباك» عشية الانتخابات الرئاسية الثانية العام 1992، لقوله إنه سيدرس احتمال وقف ضمانات القروض لإسرائيل ليضغط عليها لتجميد المستوطنات وعدم توطين اليهود السوفيات في الضفة الغربية. وهنالك أيضاً قصة الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون الذي حشد في إدارته أكبر عدد من اليهود الصهاينة، وقام بدور المحامي العنيد لإسرائيل، في مفاوضات كامب ديفيد ـ 2، وقاد حملة إعلامية شرسة ضد الفلسطينيين لرفضهم «العرض الخرافي السخي» الذي قدمه باراك في كامب ديفيد.
أما الرئيس الأمريكي الحالي جورج بوش الابن، فقد تعلّم، كما يقول عايش، من تجربة والده، فباع نفسه للشيطان الصهيوني الإسرائيلي والمحافظين الجدد المتحالفين معه! ولذلك فهو «يبصم بالعشرة على كل ما تقوم به إسرائيل في فلسطين، غير محترم لقرارات الأمم المتحدة، وحق تقرير المصير ومبادئ حقوق الإنسان وخريطة الطريق التي تبناها، والتي تنتهكها إسرائيل يومياً دون أن يردعها أحد».
ويواصل الباحث قائلاً: «لعل احتلال أمريكا ـ ومن يدور في فلكها ـ للعراق بقيادة بوش سنة 2003 بحجّة أو كذبة امتلاك العراق أسلحةَ الدمار الشامل التي تهدد جيرانه (ويقصد إسرائيل)، ومن ثم تدمير بنيته التحتية والفوقية وتراثه وذاكرته ومؤسساته ووحدة شعبه، واستثناء إسرائيل دون دول العالم غير الذرية من المساءلة عن امتلاكها لهذه الأسلحة، أسطع دليل على إسرائيلية أمريكا وأمريكية إسرائيل، لأن الاحتلال والتدمير الشامل للعراق تم من أجل القضاء على آخر تهديد عربي ممكن ومحتمل لإسرائيل المُغْتَصِبة لفلسطين والمُشرِّدَة لشعبها، وإبقائها آمنة ومطمئنة».
ويستشهد عايش بتصريح وزير الخارجية الأمريكية كوندليزا رايس، لصحيفة «إيديعوت أحرونوت» الإسرائيلية (13ـ 14/8/2005) الذي تقول فيه إن أمن إسرائيل هو مفتاح أمن العالم كله. وإنها تشعر برباط عميق مع إسرائيل. وعندما سُئلت فيما إذا كانت مشاعرها نحو إسرائيل تنبع من قناعات دينية، أجابت: «إنه لَسؤال عميق. لقد زرت إسرائيل للمرة الأولى عام 2000، وقد شعرت حينئذ أنني أعود إلى بيتي على الرغم من أنني لم أزر هذا المكان من قبل. إنني أشعر باتصال روحي عميق مع إسرائيل، وقد كنت معجبة دوماً بتاريخ إسرائيل وصلابة الشعب الذي أسسها وتصميمه. وإنني أعتقد أن لإسرائيل والولايات المتحدة قيماً مشتركة، وأن إسرائيل هي الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، وهو أمر مهم جداً».
وتأكيداً لوجهة نظره المتضمَّنة في هذا الكتاب ـ عنواناً ومتناً ـ، يورد عايش، خلاصة لدراسة استمرت لستة أشهر أجرتها سارة وير مديرة منظمة «لو أن الأمريكيين يعرفون»، تابعت فيها صحيفتين أمريكيتين هما: «سان فرانسيسكو كرونيكل»، و«سان جوز مير كوري نيوز»، وجاء فيها أن تغطية أخبار «القتلى» الإسرائيليين بلغت اثني عشر ضعفاً مقارنة بتغطية أخبار «القتلى» الفلسطينيين، وأن الصحيفة الأولى أعطت للقراء إحساساً زائفاً بالتعادل بينهما بإيراد أرقام متساوية تقريباً للطرفين، وإن كان عدد القتلى الفلسطينيين ثلاثة أو أربعة أضعاف عدد القتلى الإسرائيليين؛ وأن الصحيفة الثانية كانت أكثر تحيزاً ومغالطة، وأن مقتل الإسرائيلي يحظى بتغطية جيدة تفوق بمقدار ثلاث مرات تغطية مقتل الفلسطيني