دلهي-الهند
ماكادت سواحل الهند الشرقية تضمد جراحها من جراء هجوم احد الاعاصير الموسميةحتى اصيبت بفاجعة اخرى دوت لها سماء الكرة الارضية فارتعدت اقمارها الصناعية هلعاوزفرت اهات الحزن عليها اسفا على اثر اصطدام طائرتين نفاثتين عملاقتين على ارتفاع 14000(4200)متربعيدا عن المدينة الهندية الكبرى دلهي،نحوا من80 ميلا غربا بالقرب من مدينة (دادري)،فراح ضحية ذلك الحادث الجلل 350 انسانا الامر الذي جعل هذاالحادث يؤرخ على انه من كوارث القرن العشرين الكبرى.
ولعل اطلال تلك الطائرتين المتفحمة وآثار اللهب المبعثرة وبقايا أعمدة الدخان الاسود هناك تحكي لنابأسى قصتها المؤثرة لتستدر منا دموع الحزن تريد إطفاء ألسنة اللهب تلك،فلعلها تبقي من الاثار ما تستطيع به ان تحكي به مأساتهاوفاجعتها.
............................
-أستغفر الله ..أستغفرالله..أستغفر الله..
اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام،اللهم لا مانع لما اعطيت ،ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد...لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئقدير.
وبكل خشوع وطمأنينةيمضي أبو أحمد(القبطان)ي الاستغفار والتهليل والتكبيربعد صلاة العصر حتى إّا ما فرغ من ورده ،ودعائه استدار إلى صديقه الحميم القبطانعدنان يحدثه:
-أبا عمر ،السلام عليكم....
ويرد القبطان السلام بابتسامته المعتادة:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،حياك الله أبا أحمد..
-أبا عمر،لقدرأيت في المنام ما أفزعني قبل قليل...
وينظر أبو عمر الى ابي احمد بشئ منالاستغراب وكأنه يستحثه في المضي في الكلام.
-...لقد صحوت من النوم قبل صلاةالعصر فزعا على اثر حلم مفزع...طائرة ونار...
.....لقد رأيتني في طائرة تحترقورأيت نارا وأناسا يصيحون ويصرخون في خوف وهلع وفزع.....ما رأيك يا أبا عمر في هذاالحلم؟
هزّ أبو عمر رأسه مهونا الامر قائلا:
أنت تعلم يا أبا أحمد ما نكابده من مصاعب وأهوال في أثناء الطيران بسبب العواصف وازدحام حركة الطائرات وغيرها من الاعطال الميكانيكية وهذا الحلم ليس بشئ غريب أن يراه كل طيار يدرك خطر وأهمية تلكالوظيفة....فلعله حديث نفس والله اعلم.
كان أبو أحمد ينظر الى عيني صديقه الحميم عدنان وهو يهون عليه أمر تلك الرؤيا،وما علم انها رؤية حق،ولكن الانسان لايعلم الغيب،لانه من خصوصيات البارئ جل وعلا.
هزّ أبو أحمد رأسه بعد أن أطرق شبهإطراقة وكأنه يقول:نعم قد يكون الامر هكذا....نعم لعله حديث نفس..بسبب المشكلة التي حصلت في مطار دلهي قبل عشرة ايام ،حيث كدنا أن نصطدم بطائرة اخرى بسبب سوء وفوضىتنظيم مراقبة حركة المرور هناك،نعم لعله حديث نفس....إنه مجرد حلم لا غير.
بعدهاقام القبطان خالد وعدنان وخرجا من المسجد ثم افترقا،كل قد اتجه الى بيته ليمضي فيعمل حياته المعتادة.فاليوم خميس وهي فرصة لزيارة بعض الاقارب والالتقاء بالاحباب بعد فراق طويل.
وتستمر عجلة الحياة فيغادر القبطان عدنان مدينة جدة بطائرته الى امريكا غربا،بينما يتولى خالد قيادة طائرة يقودها شرقا الى بلاد الهند.
وصلتطائرة القبطان خالد الشبيلي الى مطار (دلهي)عاصمة الهند،ونزل منها هو وبقية الطاقم ليرتاحوا من اثر السفر.
____
وبعد يومين من الاقامة في الفندق توجه طاقم الطائرةالسعودية الى المطار يتقدمهم:
1-خالد الشبيلي قائد طيارة747
2-نذير خان مساعدطيار 747
3- احمد ادريس مهندس جوي747
وبقية طاقم الضيافة:
4- لطفي موسىالزعل. 5-لطفي محمد عبيدي.
6- عبد الله محمد مدني. 7-جميل محمد باعبدالله.
8- محمد احمد بادغيش. 9- خالد عمر باعقيل.
10-عبد الله احمد دعبوش. 11- حسيبة شاوي.
12- رشيدة بو عزة . 13-بشرى كيلاني.
14-زهيدة بيهاري. 15-شارميكولاكاني
16-عفاف دخلي 17- نعمة الاخضر
18-كارميلا كونسبشن.
--------------------------------------------------------------------------------
ولكن رجال الامن الذين يعتمد عليهم بعد الله سبحانه وتعالى في حفظ امن الطائرات كانوا قد وصلوا الى المطار اولا كي يستقبلوا الطائرة السعودية القادمة كعادتهم وليقوموا بواجبهم الامني المعتاد على متن الطائرة.
حينما وصل الفريق الامني الى مطار دلهي كانت شمس ذلك اليوم قد توارات خلف الافق معلنة حلول وقت صلاة المغرب للمسلمين.
والذي ذهب منا الى مطار دلهي يرى انه يتميز وبقية مطارات القارة الهندية برائحة التوابل ودخان السجائر التي تفرزها اجسام القوم،فضلا عن كثرة التماثيل الكثيرة والعديدة الاشكال التي جمعت بين شكل الانسان والحيوان ،فهذا تمثال انسان له ستة ايد ورأس فيل وذاك تمثال امرأة ترقص ولها اربعة ايد وذاك تمثال بوذا المعروف وتلك بقرة قد زينها الهندوس بورود وقلائد الرياحين،الى غير ذلك من الصور المقدسة عندهم.
بالرغم من ذلك الجو الذي تفوح منه روائح الوثنية والشرك الاكبر اصطف ضباط الامن:فهد الفهد وعبد العزيز العبد الله ونايف العتيبي وسلطان العتيبي صفا واحدا خلف امامهم خالد العصيمي ليصلوا صلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا.
كبر الجميع وانطلقت آيات سورة الفاتحة من الامام خالد العصيمي وهو يتلوها جهرا في تلك الصلاة لتبدد أجواء الوثنية والشرك في ذلك المطار ولتعلن امام الملأ أن الله سبحانه وتعالى له الحمد والثناء وله المجد والعظمة فهو رب العالمين وله الملك والملكوت والجبروت ومن الله نستلهم العون على عبادته وطاعته ومنه ايضا نطلب الهداية والثبات على هذا الدين كما جاء ت به الرسل حنيفا قيما ملة ابراهيم عليه السلام وليس كما حرفه اليهود والنصارى فضلوا واضلوا فاصبحوا بذلك مغضوبا عليهم وضالين.
وبعد السلام ارتفعت الابتهالات واصداء التسبيح والتهليل والاستغفار راجية من الباري عز وجل القبول ،ثم ذهب الجميع الى الطائرة وقاموا بواجبهم المطلوب.
ارتقى افراد الطاقم طائرة الجامبو747 العملاقة،وقد توشحت شعار التوحيد الخالد:لا اله الا الله محمد رسول الله .
لقد كانت الامور طبيعية جدا في غرفة القيادة كما هو الحال في كل رحلة ،فها هو القبطان (خالد)يثبت سماعة الاتصال ،ويخرج خرائط الملاحة الجوية ويفحص جهاز الاكسجين ،وعن يمينه مساعده نذير الذي يعمل لبشئ نفسه ،ويستمر بفحص اجهزة الملاحة الجوية ومجموعة القدرة والتحكم في الطائرة ،بينما المهندس احمد ادريس – الرجل الحيوي الثالث –في اعداد وفحص اجهزة الضغط الجوي وسلامة دائرات المولدات الكهربائية ونظام اطفاء الحرائق في المحركات النفاثة وصلاحية مضخات وقراءة عدادات الوقود.
ثم يدخل رئيس المضيفين ليحيي جميع افراد الطاقم،وليعلم القبطان بان جميع ملاحي الطائرة قد انتهوا من فحص جميع ابواب ومخارج الطائرة ،وقد تم التاكد من جميع اجهزة السلامة-من اجهزة اكسجين متنقلة وطفايات حريق ومكبرات صوت وقوارب النجاة المائية وصدريات الطفو المائية تحت كل مقعد وانظمة فتح الابواب في الحالات الطارئة وصلاحية اجهزة المطابخ من افران الابواب في الحالات الطارئة وصلاحية اجهزة المطابخ من افران وثلاجات ومخازن التموين –قد تم فحصها ،وهي كاملة غير منقوصة ، وانهم على استعداد لاستقبال المسافرين في داخل الطائرة في أي وقت يراه القبطان مناسبا .
عندها هز القبطان خالد رأسه ،بعد ان القى نظرة فاحصة سريعة على مفاتيح وعدادات غرفة القيادة التي منها علم انها جاهزة للعمل ،عندها قال لرئيس المضيفين:
نعم، الطائرة جاهزة لاستقبال المسافرين
--------------------------------------------------------------------------------
ثم دقت اجراس الاعلام في صالة المطار لتعلم المسافرين الذين تقافزوا فرحا انه قد حان وقت صعود الطائرة السعودية 763 والمتجهة الى الظهران ،واصطف الجميع في طابور طويل كل قد حمل تأشيرة دخول وبطاقة سفر وشيئا من المال وبعضا من رسائل الاشتياق ،فبعضهم كان يحمل صورا لعائلته او اطفاله وزوجته،وقد ودعهم وما زالت حرارة الدمع في عينيه،وبعضهم جاء بعد ان اشرف على بناء بعض دور تحفيظ القران والمساجد،وبعضهم ترك اسرته ليغيب عنهم غيابا طويلا ،كي يؤمن لهم لقمة العيش،زبعصهم جاء يرتدي لباس الاحرام ،يريد زيارة المسجد لحرام.
دخل المسافرون الطائرة فاستقبلهم المضيفون بابتسامتهم وترحيبهم المعتاد ،فارشدوا كلا الى مقعده،حتى اذا ما اذن وقت الرحيل اغلقت الطائرة ابوابها ،وسارت على ارض المطار نحوالمدرج المتجه شرقا.
كان عدد المفاتيح التي تم فحصها في غرفة القيادة فقط نحوا من 400 مؤشر وعداد ومفتاح،وكان وزن الوقودفي رحلتنا هذه يقارب 50 طنا ،وعدد البشر الذين على متنها يقارب عددهم الـ312انسانا،اما وزن الطائرة فقط دون وقود ولا بشر ولا بضاعة فنحوا من 174 طنا من الحديد والفولاذ والنيكل والمطاط والزجاج والورق والقماش وغير ذلك مما يدخل في تركيب تلك الطائرة العملاقة ،واذا اخذنا بالاعتبار وزن البضاعة المشحونة يصبح وزن الطائرة الكلي التقريبي نحو300طنا.
كانت الاتصالات عادية جدا بين افراد غرفة القيادة وبرج المراقبة في المطار،اذ لم يكن هناك امر غير اعتيادي فقد أُخذ تصريح بتشغيل المحركات ثم الاتجاه الى مدرج الاقلاع ،حتى اذا ماقاربت الطائرة بداية المدرج التفت المساعد جهته اليمنى ناظرا من خلال زجاج نافذته قائلاApproach isClear.. يعني(مسار هبوط الطائرات خالي)
ويلتفت القبطان خالد جهته ويقول:
Runway is Clearيعني(المدرج خالي من الطائرات)
ثم قال القبطان خالد:اعلم برج المراقبة اننا جاهزون للاقلاع.
ويأتي الرد من برج المراقبة الهندي:الطائرة السعودية مسموح لها بالاقلاع.
عندها قال القبطان خالد: بسم الله ....يا معين يا رب(اول كلمة عربية يقولها..-تسجيل الصندوق الاسود-)
ثم دفع مقابض الدفع الاربع وهو يقول مرة اخرى:
يا معين يا رب .
عندها اسرعت الطائرة على ارض المدرج منطلقة شرقا بسبب محركاتها التي دارت باقصى قوتها الى ان بلغت سرعتها سرعة الاقلاع ،عندها ارتفعت الطائرة في الهواء والقبطان يردد:
يا معين يا رب.
وارتفعت الطائرة مودعة مطار دلهي وداعا ابديا
--------------------------------------------------------------------------------
وبعد ان رفعت الطائرة عجلاتها وادخلتها وضمت جنيحاتها داخل جناحها لتزيد من سرعتها وهي تدور الى جهة اليسار الى جهة الغرب،قال القبطان مبتهلا للمرة الرابعة:يا معين يا رب.
في تلك الساعة كان الليل قد ارخى سدوله وشمس البلاد الهندية قد غابت مودعة تاركة خلفها شفقا احمر قد توسط ثوب سمائها الاسود الذي امتد بين مشرقيها ،علامة من علامات نهاية يوم الثلاثاء في ذلك الاسبوع.في تلك اللحظة كان الهدوء يخيم على الجميع والطائرة السعودية بدأت تغيب وسط سحب خفيفة داكنة اللون بسبب كثافة عادم سيارات الديزل والدخان المتخلف من جراء حرق اوراق الاشجار في المزارع التي حول المطار او النيران التي تبقى مشتعلة طوال ايام السنة في معابد الهندوس والمجوس والبوذيين ، والتي من شأن دخانها ان يختلط بالرطوبة المنبعثة من جداول الانهار المحيطة بها فتكسو انوار المدينة والقرى القريبة منها وشوارعها غلالة رقيقة من الضباب الداكن الكريه الرائحة ،وقد تتعذر رؤية بعض المطارات المحيطة بتلك المزارع بسبب كثرة دخان تلك النيران المقدسة عندهم،ولكن هذه الامور كلها لا تشكل عائقا امام اجهزة الملاحة الجوية الحديثة وخبرة الطيارين الذين يمضون ساعات طويلة في التدريب على مواجهة تلك الحالات .
امتدت يد الطيار الى زر اطفاء اشارة ربط الحزام عندما ابتعدت الطائرة 30 ميلا غرب مطار دلهي،بعدها قام المضيفون والمضيفات من مقاعدهم ليؤدوا عملهم المعتاد فمنهم من ذهب الى المطبخ ليعد وجبة العشاء الساخنة، ومنهم من ذهب ليعد الشراب المثلج بينما المسافرون في فرح ينتظرون وجبة العشاء اللذيذة .
في نفس الوقت دقت مضيفة الدور العلوي(المسؤولة عن خدمة غرفة القيادة)جرس غرفة القيادة ففتح لها الباب فدخلت ووقفت الى الخلف قليلا من مقاعد افراد الطاقم لتنتظر منهم طلباتهم من المشروبات او المأكولات .
وقفت المضيفة نحوا من دقيقة ولم يلتفت اليها احد من افراد الطاقم فقد كانوا مشغولين بالاتصال ومراقبة حركة الطائرات يمينا وشمالا من خلال زجاجها الامامي الذي يسمع منه صوت احتكاك الهواء به واضحا نتيجة سرعة الطائرة،عندها ادركت ام الوقت غير مناسب لخدمة غرفة القيادة الان ،فلتأت بعد قليل .
خرجت المضيفة من غرفة القيادة بينما كان القبطان خالد يدفع مقابض الدفع الى الامام للصعود بالطائرة من ارتفاع10الاف قدم الى 14 الف قدم بعدما تلقى امرا من مراقب الرادار الهندي.
(حتى اذا ما وصلت الطائرة السعودية الىذلك الارتفاع قال القبطان خالد:الطائرة السعودية 763على ارتفاع 14 الف قدم(حسب قراءة الصندوق الاسود عند فتحه كانت الطائرة السعودية على ارتفاع 13921قدم.
عندها قال مراقب الرادار الهندي :
MAINTAIN(أي الزم ذلك الارتفاع)
وكانت طائرة روسية عملاقة نفاثة من طراز(اليوشن)تقل على ظهرها 38راكبا ،بمن فيهم طاقمها قد اتت بشحنة بضائع ضخمة من مدينة (شمقند)في ولاية (كازاخستان)تريد افراغها وشراء غيرها من دلهي بمبلغ حملته معها،قدر بـ2\11مليون دولار.
وحينما دخلت الطائرة الروسية بلاد الهند ،وكانت على بعد 150كيلومتر تقريبا سمح لها بالاتجاه الى مطار دلهي،والمزول التدريجي الى 23الف قدم ،فاستدارت الطائرة اليوشن نحو الشرق،وبدأت في النزول التدريجي .
قال مراقب الرادار الهندي للطائرة الروسية التي كانت على ارتفاع 23 الف قدم :الطائرة الكازاخية 1907انزل الى ارتفاع الف قدم،هناك طائرة سعودية امامك مباشرة على بعد 14 ميلا على ارتفاع 14 قدم.
اجابت الطائرة الروسية مع وشوشة في الاتصال بالراديو:
الطائرة الكازاخية 1907 نازلة الى ارتفاع15الف قدم .
كان السكون والظلام يخيم على غرفة القيادة الا من ارقام عداداتها التي كانت تضفي على ذلك الجو شيئا من الرهبة.
وبينما كان المهندس الجوي احمد يدور بعينيه على عدادات الضغط والحرارة والتكييف كان المساعد نذير يحرك بعض المفاتيح بيده اليسرى،وفي الوقت نفسه كان القبطان خالد ينظر بعينيه الى خارج الطائرة من الامام ومن الجهة اليسرى في ذلك الظلام(وقد ابقى مصابيح الطائرة الخارجية مضاءة)فلعله يرى اثرا لاي طائرة حوله،وفجأة كانت منه التفاتة سريعة نحو اليسار،فلم يصدق ما رأى.............لقد رأى شبحا هائلا قد لفه السواد يتجه اليه من جهته اليسرى بسرعة هائلة ولم يدل عليه الا بريق ذلك الضوء الاحمر الذي من فوقه.
يتبع.....
ماكادت سواحل الهند الشرقية تضمد جراحها من جراء هجوم احد الاعاصير الموسميةحتى اصيبت بفاجعة اخرى دوت لها سماء الكرة الارضية فارتعدت اقمارها الصناعية هلعاوزفرت اهات الحزن عليها اسفا على اثر اصطدام طائرتين نفاثتين عملاقتين على ارتفاع 14000(4200)متربعيدا عن المدينة الهندية الكبرى دلهي،نحوا من80 ميلا غربا بالقرب من مدينة (دادري)،فراح ضحية ذلك الحادث الجلل 350 انسانا الامر الذي جعل هذاالحادث يؤرخ على انه من كوارث القرن العشرين الكبرى.
ولعل اطلال تلك الطائرتين المتفحمة وآثار اللهب المبعثرة وبقايا أعمدة الدخان الاسود هناك تحكي لنابأسى قصتها المؤثرة لتستدر منا دموع الحزن تريد إطفاء ألسنة اللهب تلك،فلعلها تبقي من الاثار ما تستطيع به ان تحكي به مأساتهاوفاجعتها.
............................
-أستغفر الله ..أستغفرالله..أستغفر الله..
اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والاكرام،اللهم لا مانع لما اعطيت ،ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد...لا إله الا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد يحيي ويميت وهو على كل شئقدير.
وبكل خشوع وطمأنينةيمضي أبو أحمد(القبطان)ي الاستغفار والتهليل والتكبيربعد صلاة العصر حتى إّا ما فرغ من ورده ،ودعائه استدار إلى صديقه الحميم القبطانعدنان يحدثه:
-أبا عمر ،السلام عليكم....
ويرد القبطان السلام بابتسامته المعتادة:وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته،حياك الله أبا أحمد..
-أبا عمر،لقدرأيت في المنام ما أفزعني قبل قليل...
وينظر أبو عمر الى ابي احمد بشئ منالاستغراب وكأنه يستحثه في المضي في الكلام.
-...لقد صحوت من النوم قبل صلاةالعصر فزعا على اثر حلم مفزع...طائرة ونار...
.....لقد رأيتني في طائرة تحترقورأيت نارا وأناسا يصيحون ويصرخون في خوف وهلع وفزع.....ما رأيك يا أبا عمر في هذاالحلم؟
هزّ أبو عمر رأسه مهونا الامر قائلا:
أنت تعلم يا أبا أحمد ما نكابده من مصاعب وأهوال في أثناء الطيران بسبب العواصف وازدحام حركة الطائرات وغيرها من الاعطال الميكانيكية وهذا الحلم ليس بشئ غريب أن يراه كل طيار يدرك خطر وأهمية تلكالوظيفة....فلعله حديث نفس والله اعلم.
كان أبو أحمد ينظر الى عيني صديقه الحميم عدنان وهو يهون عليه أمر تلك الرؤيا،وما علم انها رؤية حق،ولكن الانسان لايعلم الغيب،لانه من خصوصيات البارئ جل وعلا.
هزّ أبو أحمد رأسه بعد أن أطرق شبهإطراقة وكأنه يقول:نعم قد يكون الامر هكذا....نعم لعله حديث نفس..بسبب المشكلة التي حصلت في مطار دلهي قبل عشرة ايام ،حيث كدنا أن نصطدم بطائرة اخرى بسبب سوء وفوضىتنظيم مراقبة حركة المرور هناك،نعم لعله حديث نفس....إنه مجرد حلم لا غير.
بعدهاقام القبطان خالد وعدنان وخرجا من المسجد ثم افترقا،كل قد اتجه الى بيته ليمضي فيعمل حياته المعتادة.فاليوم خميس وهي فرصة لزيارة بعض الاقارب والالتقاء بالاحباب بعد فراق طويل.
وتستمر عجلة الحياة فيغادر القبطان عدنان مدينة جدة بطائرته الى امريكا غربا،بينما يتولى خالد قيادة طائرة يقودها شرقا الى بلاد الهند.
وصلتطائرة القبطان خالد الشبيلي الى مطار (دلهي)عاصمة الهند،ونزل منها هو وبقية الطاقم ليرتاحوا من اثر السفر.
____
وبعد يومين من الاقامة في الفندق توجه طاقم الطائرةالسعودية الى المطار يتقدمهم:
1-خالد الشبيلي قائد طيارة747
2-نذير خان مساعدطيار 747
3- احمد ادريس مهندس جوي747
وبقية طاقم الضيافة:
4- لطفي موسىالزعل. 5-لطفي محمد عبيدي.
6- عبد الله محمد مدني. 7-جميل محمد باعبدالله.
8- محمد احمد بادغيش. 9- خالد عمر باعقيل.
10-عبد الله احمد دعبوش. 11- حسيبة شاوي.
12- رشيدة بو عزة . 13-بشرى كيلاني.
14-زهيدة بيهاري. 15-شارميكولاكاني
16-عفاف دخلي 17- نعمة الاخضر
18-كارميلا كونسبشن.
--------------------------------------------------------------------------------
ولكن رجال الامن الذين يعتمد عليهم بعد الله سبحانه وتعالى في حفظ امن الطائرات كانوا قد وصلوا الى المطار اولا كي يستقبلوا الطائرة السعودية القادمة كعادتهم وليقوموا بواجبهم الامني المعتاد على متن الطائرة.
حينما وصل الفريق الامني الى مطار دلهي كانت شمس ذلك اليوم قد توارات خلف الافق معلنة حلول وقت صلاة المغرب للمسلمين.
والذي ذهب منا الى مطار دلهي يرى انه يتميز وبقية مطارات القارة الهندية برائحة التوابل ودخان السجائر التي تفرزها اجسام القوم،فضلا عن كثرة التماثيل الكثيرة والعديدة الاشكال التي جمعت بين شكل الانسان والحيوان ،فهذا تمثال انسان له ستة ايد ورأس فيل وذاك تمثال امرأة ترقص ولها اربعة ايد وذاك تمثال بوذا المعروف وتلك بقرة قد زينها الهندوس بورود وقلائد الرياحين،الى غير ذلك من الصور المقدسة عندهم.
بالرغم من ذلك الجو الذي تفوح منه روائح الوثنية والشرك الاكبر اصطف ضباط الامن:فهد الفهد وعبد العزيز العبد الله ونايف العتيبي وسلطان العتيبي صفا واحدا خلف امامهم خالد العصيمي ليصلوا صلاة المغرب والعشاء جمعا وقصرا.
كبر الجميع وانطلقت آيات سورة الفاتحة من الامام خالد العصيمي وهو يتلوها جهرا في تلك الصلاة لتبدد أجواء الوثنية والشرك في ذلك المطار ولتعلن امام الملأ أن الله سبحانه وتعالى له الحمد والثناء وله المجد والعظمة فهو رب العالمين وله الملك والملكوت والجبروت ومن الله نستلهم العون على عبادته وطاعته ومنه ايضا نطلب الهداية والثبات على هذا الدين كما جاء ت به الرسل حنيفا قيما ملة ابراهيم عليه السلام وليس كما حرفه اليهود والنصارى فضلوا واضلوا فاصبحوا بذلك مغضوبا عليهم وضالين.
وبعد السلام ارتفعت الابتهالات واصداء التسبيح والتهليل والاستغفار راجية من الباري عز وجل القبول ،ثم ذهب الجميع الى الطائرة وقاموا بواجبهم المطلوب.
ارتقى افراد الطاقم طائرة الجامبو747 العملاقة،وقد توشحت شعار التوحيد الخالد:لا اله الا الله محمد رسول الله .
لقد كانت الامور طبيعية جدا في غرفة القيادة كما هو الحال في كل رحلة ،فها هو القبطان (خالد)يثبت سماعة الاتصال ،ويخرج خرائط الملاحة الجوية ويفحص جهاز الاكسجين ،وعن يمينه مساعده نذير الذي يعمل لبشئ نفسه ،ويستمر بفحص اجهزة الملاحة الجوية ومجموعة القدرة والتحكم في الطائرة ،بينما المهندس احمد ادريس – الرجل الحيوي الثالث –في اعداد وفحص اجهزة الضغط الجوي وسلامة دائرات المولدات الكهربائية ونظام اطفاء الحرائق في المحركات النفاثة وصلاحية مضخات وقراءة عدادات الوقود.
ثم يدخل رئيس المضيفين ليحيي جميع افراد الطاقم،وليعلم القبطان بان جميع ملاحي الطائرة قد انتهوا من فحص جميع ابواب ومخارج الطائرة ،وقد تم التاكد من جميع اجهزة السلامة-من اجهزة اكسجين متنقلة وطفايات حريق ومكبرات صوت وقوارب النجاة المائية وصدريات الطفو المائية تحت كل مقعد وانظمة فتح الابواب في الحالات الطارئة وصلاحية اجهزة المطابخ من افران الابواب في الحالات الطارئة وصلاحية اجهزة المطابخ من افران وثلاجات ومخازن التموين –قد تم فحصها ،وهي كاملة غير منقوصة ، وانهم على استعداد لاستقبال المسافرين في داخل الطائرة في أي وقت يراه القبطان مناسبا .
عندها هز القبطان خالد رأسه ،بعد ان القى نظرة فاحصة سريعة على مفاتيح وعدادات غرفة القيادة التي منها علم انها جاهزة للعمل ،عندها قال لرئيس المضيفين:
نعم، الطائرة جاهزة لاستقبال المسافرين
--------------------------------------------------------------------------------
ثم دقت اجراس الاعلام في صالة المطار لتعلم المسافرين الذين تقافزوا فرحا انه قد حان وقت صعود الطائرة السعودية 763 والمتجهة الى الظهران ،واصطف الجميع في طابور طويل كل قد حمل تأشيرة دخول وبطاقة سفر وشيئا من المال وبعضا من رسائل الاشتياق ،فبعضهم كان يحمل صورا لعائلته او اطفاله وزوجته،وقد ودعهم وما زالت حرارة الدمع في عينيه،وبعضهم جاء بعد ان اشرف على بناء بعض دور تحفيظ القران والمساجد،وبعضهم ترك اسرته ليغيب عنهم غيابا طويلا ،كي يؤمن لهم لقمة العيش،زبعصهم جاء يرتدي لباس الاحرام ،يريد زيارة المسجد لحرام.
دخل المسافرون الطائرة فاستقبلهم المضيفون بابتسامتهم وترحيبهم المعتاد ،فارشدوا كلا الى مقعده،حتى اذا ما اذن وقت الرحيل اغلقت الطائرة ابوابها ،وسارت على ارض المطار نحوالمدرج المتجه شرقا.
كان عدد المفاتيح التي تم فحصها في غرفة القيادة فقط نحوا من 400 مؤشر وعداد ومفتاح،وكان وزن الوقودفي رحلتنا هذه يقارب 50 طنا ،وعدد البشر الذين على متنها يقارب عددهم الـ312انسانا،اما وزن الطائرة فقط دون وقود ولا بشر ولا بضاعة فنحوا من 174 طنا من الحديد والفولاذ والنيكل والمطاط والزجاج والورق والقماش وغير ذلك مما يدخل في تركيب تلك الطائرة العملاقة ،واذا اخذنا بالاعتبار وزن البضاعة المشحونة يصبح وزن الطائرة الكلي التقريبي نحو300طنا.
كانت الاتصالات عادية جدا بين افراد غرفة القيادة وبرج المراقبة في المطار،اذ لم يكن هناك امر غير اعتيادي فقد أُخذ تصريح بتشغيل المحركات ثم الاتجاه الى مدرج الاقلاع ،حتى اذا ماقاربت الطائرة بداية المدرج التفت المساعد جهته اليمنى ناظرا من خلال زجاج نافذته قائلاApproach isClear.. يعني(مسار هبوط الطائرات خالي)
ويلتفت القبطان خالد جهته ويقول:
Runway is Clearيعني(المدرج خالي من الطائرات)
ثم قال القبطان خالد:اعلم برج المراقبة اننا جاهزون للاقلاع.
ويأتي الرد من برج المراقبة الهندي:الطائرة السعودية مسموح لها بالاقلاع.
عندها قال القبطان خالد: بسم الله ....يا معين يا رب(اول كلمة عربية يقولها..-تسجيل الصندوق الاسود-)
ثم دفع مقابض الدفع الاربع وهو يقول مرة اخرى:
يا معين يا رب .
عندها اسرعت الطائرة على ارض المدرج منطلقة شرقا بسبب محركاتها التي دارت باقصى قوتها الى ان بلغت سرعتها سرعة الاقلاع ،عندها ارتفعت الطائرة في الهواء والقبطان يردد:
يا معين يا رب.
وارتفعت الطائرة مودعة مطار دلهي وداعا ابديا
--------------------------------------------------------------------------------
وبعد ان رفعت الطائرة عجلاتها وادخلتها وضمت جنيحاتها داخل جناحها لتزيد من سرعتها وهي تدور الى جهة اليسار الى جهة الغرب،قال القبطان مبتهلا للمرة الرابعة:يا معين يا رب.
في تلك الساعة كان الليل قد ارخى سدوله وشمس البلاد الهندية قد غابت مودعة تاركة خلفها شفقا احمر قد توسط ثوب سمائها الاسود الذي امتد بين مشرقيها ،علامة من علامات نهاية يوم الثلاثاء في ذلك الاسبوع.في تلك اللحظة كان الهدوء يخيم على الجميع والطائرة السعودية بدأت تغيب وسط سحب خفيفة داكنة اللون بسبب كثافة عادم سيارات الديزل والدخان المتخلف من جراء حرق اوراق الاشجار في المزارع التي حول المطار او النيران التي تبقى مشتعلة طوال ايام السنة في معابد الهندوس والمجوس والبوذيين ، والتي من شأن دخانها ان يختلط بالرطوبة المنبعثة من جداول الانهار المحيطة بها فتكسو انوار المدينة والقرى القريبة منها وشوارعها غلالة رقيقة من الضباب الداكن الكريه الرائحة ،وقد تتعذر رؤية بعض المطارات المحيطة بتلك المزارع بسبب كثرة دخان تلك النيران المقدسة عندهم،ولكن هذه الامور كلها لا تشكل عائقا امام اجهزة الملاحة الجوية الحديثة وخبرة الطيارين الذين يمضون ساعات طويلة في التدريب على مواجهة تلك الحالات .
امتدت يد الطيار الى زر اطفاء اشارة ربط الحزام عندما ابتعدت الطائرة 30 ميلا غرب مطار دلهي،بعدها قام المضيفون والمضيفات من مقاعدهم ليؤدوا عملهم المعتاد فمنهم من ذهب الى المطبخ ليعد وجبة العشاء الساخنة، ومنهم من ذهب ليعد الشراب المثلج بينما المسافرون في فرح ينتظرون وجبة العشاء اللذيذة .
في نفس الوقت دقت مضيفة الدور العلوي(المسؤولة عن خدمة غرفة القيادة)جرس غرفة القيادة ففتح لها الباب فدخلت ووقفت الى الخلف قليلا من مقاعد افراد الطاقم لتنتظر منهم طلباتهم من المشروبات او المأكولات .
وقفت المضيفة نحوا من دقيقة ولم يلتفت اليها احد من افراد الطاقم فقد كانوا مشغولين بالاتصال ومراقبة حركة الطائرات يمينا وشمالا من خلال زجاجها الامامي الذي يسمع منه صوت احتكاك الهواء به واضحا نتيجة سرعة الطائرة،عندها ادركت ام الوقت غير مناسب لخدمة غرفة القيادة الان ،فلتأت بعد قليل .
خرجت المضيفة من غرفة القيادة بينما كان القبطان خالد يدفع مقابض الدفع الى الامام للصعود بالطائرة من ارتفاع10الاف قدم الى 14 الف قدم بعدما تلقى امرا من مراقب الرادار الهندي.
(حتى اذا ما وصلت الطائرة السعودية الىذلك الارتفاع قال القبطان خالد:الطائرة السعودية 763على ارتفاع 14 الف قدم(حسب قراءة الصندوق الاسود عند فتحه كانت الطائرة السعودية على ارتفاع 13921قدم.
عندها قال مراقب الرادار الهندي :
MAINTAIN(أي الزم ذلك الارتفاع)
وكانت طائرة روسية عملاقة نفاثة من طراز(اليوشن)تقل على ظهرها 38راكبا ،بمن فيهم طاقمها قد اتت بشحنة بضائع ضخمة من مدينة (شمقند)في ولاية (كازاخستان)تريد افراغها وشراء غيرها من دلهي بمبلغ حملته معها،قدر بـ2\11مليون دولار.
وحينما دخلت الطائرة الروسية بلاد الهند ،وكانت على بعد 150كيلومتر تقريبا سمح لها بالاتجاه الى مطار دلهي،والمزول التدريجي الى 23الف قدم ،فاستدارت الطائرة اليوشن نحو الشرق،وبدأت في النزول التدريجي .
قال مراقب الرادار الهندي للطائرة الروسية التي كانت على ارتفاع 23 الف قدم :الطائرة الكازاخية 1907انزل الى ارتفاع الف قدم،هناك طائرة سعودية امامك مباشرة على بعد 14 ميلا على ارتفاع 14 قدم.
اجابت الطائرة الروسية مع وشوشة في الاتصال بالراديو:
الطائرة الكازاخية 1907 نازلة الى ارتفاع15الف قدم .
كان السكون والظلام يخيم على غرفة القيادة الا من ارقام عداداتها التي كانت تضفي على ذلك الجو شيئا من الرهبة.
وبينما كان المهندس الجوي احمد يدور بعينيه على عدادات الضغط والحرارة والتكييف كان المساعد نذير يحرك بعض المفاتيح بيده اليسرى،وفي الوقت نفسه كان القبطان خالد ينظر بعينيه الى خارج الطائرة من الامام ومن الجهة اليسرى في ذلك الظلام(وقد ابقى مصابيح الطائرة الخارجية مضاءة)فلعله يرى اثرا لاي طائرة حوله،وفجأة كانت منه التفاتة سريعة نحو اليسار،فلم يصدق ما رأى.............لقد رأى شبحا هائلا قد لفه السواد يتجه اليه من جهته اليسرى بسرعة هائلة ولم يدل عليه الا بريق ذلك الضوء الاحمر الذي من فوقه.
يتبع.....