لاكسمان بيهيرا
بعد أيام فقط من إعلان الهند زيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 11.6 في المائة لعام 2011، وذلك في شباط (فبراير)، أعلنت الصين زيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 12.7 في المائة. غير أن هذا الاقتراب النسبي للزيادة أمر هامشي، كما أنه مؤشر ضعيف على الحجم الحقيقي للميزانيتين. وتبلغ الميزانية الدفاعية الصينية 91 مليار دولار، أي أكثر من ضعفين ونصف الميزانية الهندية. ويتسع هذا الفرق أكثر فأكثر إذا أخذ المرء في الاعتبار الإنفاق الدفاعي الصيني الفعلي - المعلن والخفي - حيث يقدر بأنه أعلى من الأرقام المعلنة بما يراوح بين ضعفين وثلاثة أضعاف، كما تشير إليه الأرقام الرسمية الواردة من بكين. فقد ازداد الإنفاق الدفاعي الصيني بنسبة مرعبة بلغت 2300 في المائة في الفترة من 1989 إلى 2011.
وتقف وراء هذا الرقم زيادة سنوية في هذه الميزانية بخانتين عشريتين دون انقطاع، باستثناء العام الماضي الذي بلغت الزيادة فيه 7.5 في المائة، وذلك في ظل زيادة أخرى على تحديث الدفاع الصيني بقيمة 60 مليار دولار خلال ذلك العام. وتجعل هذه الزيادة المستمرة الصين قادرة على الاحتفاظ بالمركز الثاني عالمياً من حيث حجم ميزانية الدفاع، بعد أن كانت في المرتبة الثامنة في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وحدث كذلك تحديث نوعي على نطاق واسع على الآلة العسكرية الصينية، وبدرجة فاجأت حتى الولايات المتحدة.
في ظل العداوة التاريخية المتصلة بين الهند والصين، جاء النمو الصيني السريع على صعيد ميزانية الدفاع، وعمليات التحديث المستمرة للقوات المسلحة، كي يضيف بعداً جديداً للمخاوف التي تسود المؤسسة الأمنية الهندية. ويرى المسؤولون في هذه المؤسسة أن زيادة القوة العسكرية الصينية رافقتها زيادة ملحوظة في تصلب المواقف الصينية لدى تناول العديد من الأزمات، والخلافات مع أطراف أخرى. وظلت المؤسسة العسكرية الهندية تطالب بتعزيز القوات المسلحة لتجنب مثل ذلك الحرج الذي نجم عن هزيمة الهند أمام الصين عام 1962، حتى تكون الهند قادرة على المواجهة إذا تدهور الوضع بين الجانبين.
قد يكون من المؤذي للاقتصاد الهندي أن تحاول نيودلهي اللحاق السريع بأرقام الميزانية الدفاعية للصين. وستجبر الهند في مثل هذه الظروف على الدخول في سباق تسلح مكلف للغاية، وربما يصعب عليها تحمل تبعاته. وفي ظل اقتصاد صيني يبلغ أربعة أضعاف الاقتصاد الهندي، فإن لدى الصين ميزة طبيعية في تخصيص مزيد من الأموال للأغراض الدفاعية. وبالتالي، فإن على الهند أن تفكر بجدية حين يتعلق الأمر بما تستطيع أن تخصصه من إنتاجها القومي للأغراض الدفاعية، دون التضحية بالكثير من التنمية الاجتماعية الاقتصادية من خلال الانجرار إلى سباق تسلح باهظ التكلفة.
تبلغ ميزانية الدفاع الهندية للعام الحالي ما نسبته 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يكفي لتلبية حاجات القوات المسلحة. ومن المنطق أن تزيد الهند ميزانيتها الدفاعية على مدى فترة تراوح بين خمس وسبع سنوات كي تبلغ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وإن هذه النسبة مقبولة بالمقاييس العالمية، كما أنها تفي بوعد رئيس الوزراء الذي أطلقه بهذا الخصوص عام 2005.
ينبغي للهند أن تعمل على تحديث إجراءات شراء السلاح من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية، والحصول على المعدات المطلوبة، في الوقت المناسب لذلك. وعليها في سبيل ذلك اجتياز العقبات التي أدت إلى عدم القدرة على شراء الأسلحة المناسبة على الرغم من توافر الإمكانات المادية لذلك، حيث عرفت هذه القضية ''بمتلازمة بوفورز''. وبينما تواجه الصين صعوبات كبيرة في إبرام صفقات مباشرة لشراء السلاح من الغرب، لأسباب جيوسياسية معروفة، فإن أمام الهند الكثير من العروض من جانب عدة بلدان تعرض حتى الدخول في مشروعات مشتركة لإنتاج الأسلحة. وبذلك، فإن بإمكان الهند شراء أي نوع تريده من السلاح، مع استثناءات بسيطة، إذ إن المجال مفتوح أمامها لتقوم بذلك في الأسواق العالمية. وإذا استطاعت الهند استغلال هذه الظروف المواتية لها، فإنها لن تكون قادرة فقط على التخلص من قدم المعدات الذي رافقها منذ سنوات طويلة، إنما تصبح كذلك قادرة على توفير رادع يمكنه الوقوف في وجه الصين المتشددة، والقوية عسكرياً.
غير أن عمليات شراء الأسلحة من السوق العالمية لتعزيز القدرات الدفاعية ليست حلا على المدى الطويل، حيث لا يوجد بلد رئيس في العالم يعتمد على الأسواق الخارجية في مجال التسليح، دون أن تكون لديه قاعدة صناعية تمكنه من الحصول على كثير من الأسلحة من مصادر محلية. ويلاحظ هنا أن معظم قوة الصين العسكرية في الوقت الراهن يعود إلى زيادة قدراتها الصناعية المحلية التي أصبحت قادرة على إنتاج الأنظمة الدفاعية المتطورة. وبينما استطاعت الصين النجاح في ذلك من خلال عمليات الإصلاح الشامل لصناعاتها العسكرية القديمة التي تم إنشاؤها زمن الزعيم ماوتسي تونج، فشلت الهند في تقليد ذلك، على الرغم ما تقوله دائما بأن لديها ''استقلالاً ذاتياً'' مرموقاً على صعيد إنتاج الأسلحة. ولم يكن هناك حماس كبير لتنفيذ عدد غير قليل من المقترحات التي تقدمت بها لجان ذات كفاءات عالية لتطوير الصناعة العسكرية الهندية، والتخلص من الكثير من عيوبها. ويعني ذلك أن تطوير هذه الصناعات العسكرية باتجاه اللحاق بالمستويات العالمية المتقدمة هو أكبر تحد عسكري تواجهه الهند خلال العقود الزمنية المقبلة.
بينما على الهند أن تحل مشكلاتها الدفاعية الخاصة بالتمويل، والمشتريات، في سبيل مواجهة القوة العسكرية الصينية مستمرة التحديث، فإن من المفروض كذلك أن تتحرك الهند دولياً لتبصير دول العالم بعواقب التطوير والتحديث السريعين للقوات المسلحة الصينية. وعلى الرغم من أن الهند اختارت عدم الدخول في أي حلف عسكري، فإنه ما زال أمامها طريق مفتوح لتطوير علاقات تعاون استراتيجي مع البلدان التي لها شكوك دائمة في النوايا العسكرية الصينية. وإن الهند في حاجة كذلك إلى مناورات عسكرية مشتركة، وتعاون على صعيد الصناعات الدفاعية، ومشاركة في المعلومات الاستخبارية مع البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية الخاصة. وإن حصول الهند على دعم أخلاقي ومادي في أوقات السلام، والأزمات كذلك، سيزودها بسلاح إضافي يساعدها على مواجهة التهديد القادم من الصين.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Asia
بعد أيام فقط من إعلان الهند زيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 11.6 في المائة لعام 2011، وذلك في شباط (فبراير)، أعلنت الصين زيادة ميزانيتها الدفاعية بنسبة 12.7 في المائة. غير أن هذا الاقتراب النسبي للزيادة أمر هامشي، كما أنه مؤشر ضعيف على الحجم الحقيقي للميزانيتين. وتبلغ الميزانية الدفاعية الصينية 91 مليار دولار، أي أكثر من ضعفين ونصف الميزانية الهندية. ويتسع هذا الفرق أكثر فأكثر إذا أخذ المرء في الاعتبار الإنفاق الدفاعي الصيني الفعلي - المعلن والخفي - حيث يقدر بأنه أعلى من الأرقام المعلنة بما يراوح بين ضعفين وثلاثة أضعاف، كما تشير إليه الأرقام الرسمية الواردة من بكين. فقد ازداد الإنفاق الدفاعي الصيني بنسبة مرعبة بلغت 2300 في المائة في الفترة من 1989 إلى 2011.
وتقف وراء هذا الرقم زيادة سنوية في هذه الميزانية بخانتين عشريتين دون انقطاع، باستثناء العام الماضي الذي بلغت الزيادة فيه 7.5 في المائة، وذلك في ظل زيادة أخرى على تحديث الدفاع الصيني بقيمة 60 مليار دولار خلال ذلك العام. وتجعل هذه الزيادة المستمرة الصين قادرة على الاحتفاظ بالمركز الثاني عالمياً من حيث حجم ميزانية الدفاع، بعد أن كانت في المرتبة الثامنة في أواخر تسعينيات القرن الماضي. وحدث كذلك تحديث نوعي على نطاق واسع على الآلة العسكرية الصينية، وبدرجة فاجأت حتى الولايات المتحدة.
في ظل العداوة التاريخية المتصلة بين الهند والصين، جاء النمو الصيني السريع على صعيد ميزانية الدفاع، وعمليات التحديث المستمرة للقوات المسلحة، كي يضيف بعداً جديداً للمخاوف التي تسود المؤسسة الأمنية الهندية. ويرى المسؤولون في هذه المؤسسة أن زيادة القوة العسكرية الصينية رافقتها زيادة ملحوظة في تصلب المواقف الصينية لدى تناول العديد من الأزمات، والخلافات مع أطراف أخرى. وظلت المؤسسة العسكرية الهندية تطالب بتعزيز القوات المسلحة لتجنب مثل ذلك الحرج الذي نجم عن هزيمة الهند أمام الصين عام 1962، حتى تكون الهند قادرة على المواجهة إذا تدهور الوضع بين الجانبين.
قد يكون من المؤذي للاقتصاد الهندي أن تحاول نيودلهي اللحاق السريع بأرقام الميزانية الدفاعية للصين. وستجبر الهند في مثل هذه الظروف على الدخول في سباق تسلح مكلف للغاية، وربما يصعب عليها تحمل تبعاته. وفي ظل اقتصاد صيني يبلغ أربعة أضعاف الاقتصاد الهندي، فإن لدى الصين ميزة طبيعية في تخصيص مزيد من الأموال للأغراض الدفاعية. وبالتالي، فإن على الهند أن تفكر بجدية حين يتعلق الأمر بما تستطيع أن تخصصه من إنتاجها القومي للأغراض الدفاعية، دون التضحية بالكثير من التنمية الاجتماعية الاقتصادية من خلال الانجرار إلى سباق تسلح باهظ التكلفة.
تبلغ ميزانية الدفاع الهندية للعام الحالي ما نسبته 1.8 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، وهو ما يكفي لتلبية حاجات القوات المسلحة. ومن المنطق أن تزيد الهند ميزانيتها الدفاعية على مدى فترة تراوح بين خمس وسبع سنوات كي تبلغ 3 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي. وإن هذه النسبة مقبولة بالمقاييس العالمية، كما أنها تفي بوعد رئيس الوزراء الذي أطلقه بهذا الخصوص عام 2005.
ينبغي للهند أن تعمل على تحديث إجراءات شراء السلاح من أجل تعزيز قدراتها الدفاعية، والحصول على المعدات المطلوبة، في الوقت المناسب لذلك. وعليها في سبيل ذلك اجتياز العقبات التي أدت إلى عدم القدرة على شراء الأسلحة المناسبة على الرغم من توافر الإمكانات المادية لذلك، حيث عرفت هذه القضية ''بمتلازمة بوفورز''. وبينما تواجه الصين صعوبات كبيرة في إبرام صفقات مباشرة لشراء السلاح من الغرب، لأسباب جيوسياسية معروفة، فإن أمام الهند الكثير من العروض من جانب عدة بلدان تعرض حتى الدخول في مشروعات مشتركة لإنتاج الأسلحة. وبذلك، فإن بإمكان الهند شراء أي نوع تريده من السلاح، مع استثناءات بسيطة، إذ إن المجال مفتوح أمامها لتقوم بذلك في الأسواق العالمية. وإذا استطاعت الهند استغلال هذه الظروف المواتية لها، فإنها لن تكون قادرة فقط على التخلص من قدم المعدات الذي رافقها منذ سنوات طويلة، إنما تصبح كذلك قادرة على توفير رادع يمكنه الوقوف في وجه الصين المتشددة، والقوية عسكرياً.
غير أن عمليات شراء الأسلحة من السوق العالمية لتعزيز القدرات الدفاعية ليست حلا على المدى الطويل، حيث لا يوجد بلد رئيس في العالم يعتمد على الأسواق الخارجية في مجال التسليح، دون أن تكون لديه قاعدة صناعية تمكنه من الحصول على كثير من الأسلحة من مصادر محلية. ويلاحظ هنا أن معظم قوة الصين العسكرية في الوقت الراهن يعود إلى زيادة قدراتها الصناعية المحلية التي أصبحت قادرة على إنتاج الأنظمة الدفاعية المتطورة. وبينما استطاعت الصين النجاح في ذلك من خلال عمليات الإصلاح الشامل لصناعاتها العسكرية القديمة التي تم إنشاؤها زمن الزعيم ماوتسي تونج، فشلت الهند في تقليد ذلك، على الرغم ما تقوله دائما بأن لديها ''استقلالاً ذاتياً'' مرموقاً على صعيد إنتاج الأسلحة. ولم يكن هناك حماس كبير لتنفيذ عدد غير قليل من المقترحات التي تقدمت بها لجان ذات كفاءات عالية لتطوير الصناعة العسكرية الهندية، والتخلص من الكثير من عيوبها. ويعني ذلك أن تطوير هذه الصناعات العسكرية باتجاه اللحاق بالمستويات العالمية المتقدمة هو أكبر تحد عسكري تواجهه الهند خلال العقود الزمنية المقبلة.
بينما على الهند أن تحل مشكلاتها الدفاعية الخاصة بالتمويل، والمشتريات، في سبيل مواجهة القوة العسكرية الصينية مستمرة التحديث، فإن من المفروض كذلك أن تتحرك الهند دولياً لتبصير دول العالم بعواقب التطوير والتحديث السريعين للقوات المسلحة الصينية. وعلى الرغم من أن الهند اختارت عدم الدخول في أي حلف عسكري، فإنه ما زال أمامها طريق مفتوح لتطوير علاقات تعاون استراتيجي مع البلدان التي لها شكوك دائمة في النوايا العسكرية الصينية. وإن الهند في حاجة كذلك إلى مناورات عسكرية مشتركة، وتعاون على صعيد الصناعات الدفاعية، ومشاركة في المعلومات الاستخبارية مع البلدان ذات الأهمية الاستراتيجية الخاصة. وإن حصول الهند على دعم أخلاقي ومادي في أوقات السلام، والأزمات كذلك، سيزودها بسلاح إضافي يساعدها على مواجهة التهديد القادم من الصين.
خاص بـ «الاقتصادية»
حقوق النشر: Opinion Asia