تلعب الجبال اهمية قصوى في حياة شعبنا ليس لمناظرها الخلابة ومناخها المعتدل في منطقة شبه صحراوية، بل لما تخزنه من ثروات مائية رسمت الخصب بشكل هلال في هذا المشرق، فجبال طوروس وزغروس هي مصدر المياه لنهري دجلة والفرات في الشمال والشرق وسلسلة جبال لبنان الشرقية والغربية هي مصدر المياه لمعظم الينابيع والانهر في الغرب والتي اهمها العاصي والليطاني والاردن. هذه النعمة الالهية اصبحت شبه نقمة على شعبنا بعد تاسيس دولة اسرائيل في 1949 لسعيها المبرمج للسيطرة على هذه المياه ونهبها.
ينبع العاصي من شرق البقاع في لبنان ويعصي مساره الانهر الاخرى فيسير شمالا نحو الوسط السوري ليصب في المتوسط جنوب لواء الاسكندرون، وهو بهذا "العصيان" ينئى بنفسه نسبيا عن مخططات الهيمنة والسلب التي يواجهها الليطاني الذي لا يترك لبنان، فهو ينبع بالقرب من بعلبك بطاقة سنوية تبلغ 800-900 مليون م3 ويسير جنوبا في البقاع ثم ينحرف غربا قبل الحدود الفلسطينية بعدة كيلومترات ليروي الجنوب اللبناني قبل ان يصب في المتوسط شمال صور. اما الاردن من جهته فحظوظه قليلة لوجوده في عين العاصفة في الصراع مع اسرائيل، فقد طاله السلب والتحويل والتلوث ليصب شبه ميت في البحر الميت.
مصادر مياه نهر الاردن الرئيسية هي ينابيع وانهر الوزاني والحاصباني والعيون من لبنان واللدان من فلسطين وبانياس من الجولان الموزعة على اطراف جبل الشيخ والتي مصدر مياهها الثلوج التي تنساب من قممه في بداية الربيع. بعد ان تتحد هذه المصادر وتشكل نهر الاردن، تسير جنوبا لتغدي بحيرة طبريا باكثر من 520 مليون م3. بالاضافة الى ذلك تتغذى البحيرة مباشرة بحوالي 100 مليون م3 من مياه الينابيع والسيول من الجولان ليصبح بذلك مجمل مياه البحيرة المتجددة التي مصدرها جبل الشيخ والجولان اكثر من 620 مليون م3، اي حوالي 70٪ من مياهها البالغ 900 مليون م3. هذه المياه لم تدعها اسرائيل تسير في مجراها الطبيعي نحو القسم السفلي من نهر الاردن لتغذي ضفتي النهر الشرقية والغربية وصولا الى البحر الميت بل حولت معظمها (440 مليون م3) في العام 1964 الى المستوطنات الساحلية "الجديدة" وصولا الى صحراء النجف، عبر "قناة المياه الوطنية الاسرائيلية". بعد هذا التحويل والري المحلي والتبخر لا يبقى من مياه البحيرة الا 69 مليون م3 لتصب في القسم السفلي من الاردن قبل ان يرفده نهر اليرموك (الذي مصدره الينابيع والسيول من جبل الشيخ وحوران) على بعد 10 كلم من البحيرة باكثر من 450 مليون م3. بعد ذلك يتابع الاردن-اليرموك سيره ليستغل بشكل كثيف على ضفتيه الشرقية والغربية قبل ان يصب 20-30 مليون م3 المتبقية منه في البحر الميت. بهذا يكون الاردن قد قطع 251 كلم من النبع الى المصب بمجموع طاقة مائية بلغت 1287 مليون م3 واستهلكتت اسرائيل اكثر من نصفها ( 647 مليون م3 ) في العام 2006 (المصدر: ARIJ 2007).
بحيرة طبريا وروافدها
الذي يتابع مسيرة الحركة الصهيونية منذ تاسيسها يرى ان احتلال الجولان والضفة الغربية هو جزء من خطة نظامية لانشاء وطن قومي متكامل لليهود عماده الامن المائي وهذا المشروع لم يكتمل بعد. هذا الهدف يظهر بوضوح في الدراسات والمواقف والادبيات الصهيونية التي ركزت على اهمية السيطرة على مصاذر المياه الشمالية للاستيطان ولامن اسرائيل. أول هذه الدراسات هي دراسة للمهندس الاميركي ن. ويلبوش (N. Wilbush) الذي استنتج فيها ان "مياه نهر الاردن لا تكفي فلسطين في المستقبل" ثم تبعها في العام 1919 دراسة بعنوان "بناء أرض إسرائيل" لآرثور روبين(Arthur Ruppin)، الملقب بـ " أبي الاستيطان الصهيوني"، قال فيها "غير أن الأسباب الاقتصادية تتطلّب بالضرورة أن تمتد فلسطين صوب الشرق لتشمل المنبع الآخر لنهر الأردن ـ الحاصباني ـ . فالأردن هو النهر الرئيسي لفلسطين، ومياهه بالغة الأهمية في حقلي الري وتوليد الطاقة، والاستغلال المناسب والمؤمّن لمياهه في فلسطين لا يمكنه أن يتمّ إلا متى أصبحت ينابيعه ملكاً لفلسطين".
هذه الدراسات وازاها نشاط سياسي مكثف اهمها مذكّرة رسمية رفعتها المنظمة الصهيونية العالمية في شباط 1919 لمؤتمر الصلح بباريس بعنوان "تصريح المنظمة الصهيونية العالمية بصدد فلسطين", اعتبرت فيها "إنّ جبل الشيخ هو (أبو المياه) الحقيقي لفلسطين ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاصمة إلى جذور حياتها الاقتصادية بالذات. وجبل الشيخ لا يحتاج فقط إلى إعادة تحريج وتشجير، بل أيضاً إلى أعمال أخرى قبل أن يصبح مؤهلاً ليكون خزّان مياه البلاد، لذلك يجب أن يخضع كلياً لسيطرة أولئك الذين تحدوهم الرغبة الشديدة ويملكون القدرة الكافية لاستغلال إمكاناته حتى أقصى الحدود، ما يجب التوصّل إلى اتفاق دولي تحمي بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي نهر الليطاني (أي اليهود في فلسطين الكبرى) حماية تامة". من النشاطات الاخرى في 1919 ايضا رسالة كتبها "حاييم وايزمان" قبل ان يصبح أوَّل رئيس لدولة إسرائيل إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا جاء فيها: "إن مستقبل فلسطين الاقتصادي كله يعتمد على موارد مياهها للري والكهرباء، وتستمدّ موارد المياه بصفة رئيسية من منحدرات جبل حرمون (جبل الشيخ)، ومن نَهْرَيِ الأردن والليطاني، ونرى من الضروري أن يضم حد فلسطين الشمالي وادي الليطاني".
رغم ان مؤتمر الصلح لم يوافق على ضم منطقة جنوب الليطاني الى الدولة اليهودية، فالصهاينة حصلوا على كل مطالبهم الاخرى التي ترجمت في "اتفاقية الحدود" الموقعة في العام 1920 بين الدولتين المنتدبتين على سوريا ولبنان وفلسطين، فرنسا وبريطانيا، والتي شرعت لحكومة فلسطين (اسرائيل فيما بعد) بحكم المادة الثامنة من الإتفاقية أن تستغل "كل ما يمكن أن يسمى بالمياه اللبنانية الفائضة" حسب المحامي نهاد خشمان الذي يضيف "قانونياً، جرت تعديلات على هذه الإتفاقية في عهد الإنتداب لكنها لم تطل المادة الثامنة . ولبنان الدولة قد ورث عن الإنتداب الفرنسي الإتفاقيات الدولية ، أي أنه ورث "اتفاقية الحدود" ولما لم يقدم بدوره على أي تعديل فما زال بإمكان الطرف الآخر ( أي اسرائيل التي ورثت الإنتداب البريطاني ) أن يطالب بتطبيق المادة الثامنة ، لمّا يشاء . ولا بد من الإشارة أن لبنان قد كرس اتفاقية الحدود عبر اتفاقية الهدنة التي وقعها مع اسرائيل في 23/3/1949 ، عبر الفقرة الأولى من المادة الخامسة التي جاء فيها : يتبع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان و فلسطين".
هذه الانجازات لم تمنع القادة الصهاينة من الاستمرار في محاولاتهم للوصول الى غاياتهم كاملة فاوصت "اللجنة الدولية" (International Commission) في 1941، بناء على اقتراح بن غوريون، على تأجير لبنان لاسرائيل 87٪ من مياه الليطاني. بعد ذلك استمرت الدراسات واهمها مشروع لودرميلك (Lowdermilk) في 1945 الذي اعتُبر "الدستور المائي" للصهاينة والذي اقترح فيه وحدة حوض الاردن واليرموك واستعمال معظم مياهه لري وادي الاردن، وتحويل مياه الليطاني عبر الحاصباني الى بحيرة طبريا وشق قناة من البحيرة الى صحراء النجف عبر الساحل. هذه التوصيات تبنتها اسرائيل بعد تاسيسها في 1949 وحاولت الضغط على المبعوث الاميركي جونسون للقبول بها. بعد مفاوضات شاقة وعدة تغييرات قدم جونسون مشروعه في 1955 ولم يشمل اي تحويل لنهر الليطاني عن مجراه، لكنه وخلافا للقانون الدولي وافق على تحويل قسم من مياه الاردن الى الساحل والنجف عبر"قناة المياه الوطنية الاسرائيلية" التي تعتبر اهم انجاز استيطاني بعد تاسيس دولة اسرائيل . كذلك حدد جونسون حصص الدول المتشاطئة على الاردن-اليرموك فاعطى اسرائيل 30٪ (400 مليون م3) والاردن 56٪ (720 مليون م3) وسوريا 10٪ (132 مليون م3) ولبنان 3٪ (35 مليون م3). رغم مخالفته للقانون الدولي وانحيازه لاسرائيل، يعتبر مشروع جونسون اهم وثيقة دولية شبه قانونية لتوزيع المياه على الدول المتشاطئة ووافقت عليه اسرائيل ولجنة المياه التقنية العربية (دون ان تصدقه الجامعة العربية).
حاولت دول المشرق ومصر التصدي لتحويل مجرى الاردن الى داخل اسرائيل الذي دُشن في 1964 فأقرت جامعة الدول العربية في العام ذاته مشروع مضاد يُحول قسم من مياه الحاصباني الى الليطاني ويشق قناة من الوزاني عبر الجولان الى اليرموك ويبني بعدها سدا على اليرموك لحفظ هذه المياه وتحويلها عبر قناة غور الاردن الى المملكة الهاشمية. عند ابتداء العمل بالمشروع في الجولان قصفت اسرائيل المنشئات على الوزاني ومن ثم سد خالد بن الوليد على اليرموك واوقفت العمل به فكانت هذه بداية حرب المياه المباشرة التي انتهت في 1967 بتحقيق اسرائيل لاهدافها والسيطرة على "ابو المياه" (جبل الشيخ والجولان) و"ام المياه" لفلسطين (الضفة الغربية) بالاضافة الى غزة وسيناء. هذه السيطرة جعلت اسرائيل تتصرف بمياه الاردن-اليرموك البالغة 1287 مليون م3 وفق احتياجاتها الاستيطانية ففي 2006 استهلكت 647 مليون م3 منها، اي 247 فوق حصتها التي حددها مشروع جونسون ب400 مليون م3، والباقي توزع على الاردن (480 مليون م3) وسوريا (153 مليون م3) ولبنان (7 مليون م3) (المصدر: ARIJ 2007). هذا بالاضافة الى الاستئثار بمياه الضفة الغربية القابلة للتجدد والبالغة 679 مليون م3 والتي استهلكت اسرائيل منها 560 مليون م3 وسمحت للفلسطينيين باستهلاك 118 مليون م3 منها فقط، اي اقل من 15% من مياههم حسب معهد ابحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية (ماس).
رغم اتفاقي أوسلو ووادي عربة، تقدر نسبة المياه التي تستهلكها اسرائيل اليوم من اراضي 1967 المحتلة ب55٪ من مجموع استهلاكها السنوي، اي 900-1000 مليون م3 من مجموع المياه المتجددة السنوي البالغ 1800 مليون م3 مصدره خارج حدود 1967. في كتابه "موقع المياه في الصراع العربي الاسرائيلي من منظور مستقبلي" يستنتج الباحث الفلسطيني حسام شحاده انه ووفقا لاحصاءات 1995 في اسرائيل التي قدرت معدل استهلاك الفرد السنوي ب500 م3 وبعد تجاوز عدد السكان 7 ملايين بسبب موجة الهجرة من الاتحاد السوفياتي السابق والزيادة السكانية، فان استهلاك اسرائيل السنوي من المياه اليوم يتجاوز3500 مليون م3. لسد العجز البالغ 1700 مليون م3 بين المياه المتجددة المتوفرة والاستهلاك، تقوم اسرائيل بتكرير واعادة استعمال 500 مليون م" وتحلية 400 مليون م3 من مياه المتوسط، ليتقلص العجز بذلك الى 800 مليون م3. هذا العجز الذي يفوق 20٪من استهلاكها يؤكد انه من المستحيل ان تسمح اسرائيل للسوري او الفلسطيني ان يسبح في نهر الاردن او بحيرة طبريا او ربما حتى ان يتزلج على سفوح جبل الشيخ، ولن تسمح للفلسطيني ان يحفر الآبار وينعم في زراعة بساتينه بحرية في دولته المنشودة، فالحائط العنصري الذي تعتبره حدودها هو "حائط مائي" بامتياز ومعظم المياه الجوفية تقع غرب الحائط. امام هذه الثوابت فما هو اذن المشروع البديل التي تطرحه اسرائيل واميركا لسد العجز الاسرائيلي وتامين الحد الادنى من المياه للدويلة الفلسطينية البائسة.
بعد انتصاره في 1967 أفصح ليفي اشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك الى مخططاته القادمة عندما قال "إنَّ إسرائيل العطشى لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي ترى مياه الليطاني تذهب هدرًا إلى البحر". كذلك الامر بالنسبة لموشى دايان، وزير الدفاع، الذي نقل عنه موشى شاريت في مذكراته قوله ان اسرائيل وصلت الى اهدافها على كل الجبهات، ما عدا لبنان. بعد تحييد مصر باعادة سيناء القاحلة اليها، ركزت اسرائيل كل طاقاتها على الجبهة اللبنانية فكانت "عملية الليطاني" في 1978 وغزو لبنان في 1982 لكنها لم تستطيع ان تحقق اي من اهدافها المائية بفضل المقاومة اللبنانية، رغم وجود تقارير غير ثابتة عن استغلال اسرائيل للمياه الجوفية قرب الحدود وتحويلها لكميات محدودة من مياه الليطاني عبر قناة تحت الارض من تحت جسر الخردلي الى اقرب نقطة داخل اسرائيل.
قبل ان تنسحب من لبنان دون قيد او شرط في العام 2000، كانت اسرائيل قد نشرت في العام 1990 دراسة متكاملة عن مشروعها المائي وحسب د. رمزي سلامة في كتابه "مشكلة المياه في الوطن العربي - احتمالات الصراع والتسوية" يتلخص المشروع باربع نقاط:
1 - تزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالمياه من مصادر خارجية، ويطرح المشروع النيل أو اليرموك أو الليطاني أو جميعها؛ كمصدر رئيسي خارجي.
2 – نقل مياه النيل إلى شمال النقب؛ حيثُ يَزعُمُ المشروع أنَّ كمياتٍ ضئيلةً منَ المياه بالمقياس المصري (0.5% من الاستهلاك) لا تشكل عنصرًا مهمًّا في الميزان المائي المصري. كما أن هناك مشروعًا مصريًّا حاليًّا لتزويد سيناء بالمياه يمكن مده.
3 – مشروعات مع لبنان تتضمن الاستغلال الكهربائي لنهر الحاصباني، ونقل الليطاني إلى إسرائيل واستغلاله كهربائيًّا.
4 – هيئة مائيَّة مُشتركة أردنيَّة - إسرائيلية للتنمية المشتركة، واقتسام موارد المياه.
هذه الاهداف تظهر بصماتها في العرض الشفوي الذي قدمه عضو الكونغرس الاميركي المتحدر من اصل لبناني، داريل عيسى، في 30 أيار، 2003 على رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري والذي يقضي "بمساعدة لبنان على تمويل تنظيف مياه الليطاني ومنع هدرها في البحر لاستخدامها داخلياً". الرئيس الشهيد رفيق الحريري رفض العرض ونبه من خطورة ما يكمن خلف هذا العرض الذي يمكن ان يؤدي الى القول ان مياه الليطاني "المنظفة" تكفي حاجات لبنان مما قد يسوغ لاسرائيل المطالبة بمياه الوزاني والحاصباني. تبين فيما بعد ان ما خلف العرض اخطر من توقعات الحريري بعد ان تسربت الى الاعلام مذكرة من ديفيد تبه، مساعد عيسى، باسم "قانون الاستثمار في سيادة لبنان" جاء فيها انه " لا بد من النظر الى مشروع الليطاني على انه فرصة للولايات المتحدة، كي تلعب دوراً اكبر في تنمية لبنان. ويمكن، بل يجب ان يستخدم "جزرة" للحكومة اللبنانية. ويجب ان تكون الولايات المتحدة راغبة في تعهد تمويل اساسي للتنمية في الجنوب، اذا التزمت حكومة لبنان بعض الشروط، مثلاً مراقبة مناطق الحدود، ونزع سلاح المجموعات شبه العسكرية في البلد، وسحب القوات السورية، وإعلان العزم على التعاون مع المجتمع الدولي في شأن المياه، والمساعدة في اعادة تجنيس للاجئين الفلسطينيين، لدى انشاء دولة فلسطين.". هذا الكلام الجميل عن التعاون مع المجتمع الدولي في شأن المياه، والمساعدة في اعادة تجنيس اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن ان يفسر الا استخدام مياه الليطاني لسد العجز المائي الاسرائيلي والمساعدة على تامين المياه للاجئين الفلسطينيين الذي سيتم نقلهم الى الضفة الغريبة، وذلك تطابقا مع الاهداف الاسرائيلية.
في 14 شباط 2005 اغتيل الرئيس الحريري وانطلق مشروع "السلام" الاميركي الاسرائيلي. في تموز 2006 تعرض لبنان لعدوان كبير لتصفية المقاومة وفرض شروط السلام عليه. رغم الخلل الكبير في موازين القوى استطاعت المقاومة اللبنانية ان تصمد وتهزم اسرائيل بمنعها من فرض مشروعها بتحويل مياه الليطاني الى اسرائيل والضفة الغربية. هذا النصر للبنان لم يمر بدون اضرار جسيمة للمنشئات المائية فعمدت اسرائيل الى تدمير المضخات المائية على نبع الوزاني واعتبر موقع "Debka Files" على الانترنت المقرب من الموساد هذا العمل بانه "اهم انجازات الازمة" والجدير بالذكر ان أرييل شارون كان قد اعتبر تنصيب هذه المضخات في 2002 بمثابة اعلان حرب. كذلك دمرت اسرائيل ايضا قنوات الري التي تنقل مياه الليطاني الى 23 قرية و10 آلاف هكتار من الاراضي الزراعية في منطقة صور وبحيرة القرعون. الرد اللبناني جاء في آب/أوغسطس الماضي على لسان نبيه بري، رئيس مجلس النواب، الذي اعلن عن وضع حجر الاساس للمرحلة الاولى (من 4 مراحل) من مشروع الليطاني في الشهر الحالي، تشرين الثاني/نوفمبر، ليضحد بذلك الدعاية الاسرائيلية التي تقول ان مياه الليطاني تهدر في البحر.
امام غياب مشروع مشرقي استراتيجي يوحد ابناء جبل الشيخ وصنين والارز وطوروس وزغروس ليدافعوا عن هلالهم الخصيب، المسلوبة مياهه من الاعداء في الجنوب والاصدقاء الجدد في الشمال، وبغياب تحالف وثيق مع وادي النيل المهدد بنيله ايضا، لا يوجد خيار لمنع وصول اسرائيل الى اهدافها بسلب معظم مياه الليطاني، الا المقاومة في الجنوب مع جيشها وشعبها وعمقها الاستراتيجي السوري المدعوم من ايران ... رغم صعوبته. ان اختلال موازين القوى لصالح اسرائيل وعدم الاخذ بعين الاعتبار باي عوامل اخرى كفتح جبهة الجولان وعنصر المفاجئة وايمان المقاومة بحقها وارضها قد يجعل القارئ يستنتج ان اسرائيل تستطيع ان تدمر البنية التحتية للقرى الجنوبية قبل ان تجتاحها حتى الليطاني. اذا نجحت في ذلك، تبقى المهمة الاصعب وهي تحجيم النفوذ السوري في لبنان وتنصيب حكومة غير "ميثاقية" توافق على مشروع يشمل وضع منطقة جنوب الليطاني تحت سيطرة اليونيفيل وفق الفصل السابع و"بيع" نهر الليطاني "الشيعي" الى اسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولا يخلو من "الجزرات" الاميركية كالمساعدة باعادة اعمار الجنوب المهدم وتسديد بعض الدين العام ونقل 100-200 الف لاجئ فلسطيني من لبنان الى الكيان الفلسطيني الهزيل في الضفة الغربية.
ان الحرب القادمة ستكون حاسمة فاما ان يكتمل انتصار 2006 فتجبر اسرائيل على اعادة الجولان مع مياهه ويبقى الليطاني لبنانيا او نصاب بنكبة شبيهة بنكبة 1967 تفرض علينا السلام الاسرائيلي القاحل الذي يسلب لبنان والشام وفلسطين ثروتهم المائية ويمهد لسلب روح هذه الامة باكمال عرقنتها على اساس مذهبي عرقي.
م. راجي سعد
ينبع العاصي من شرق البقاع في لبنان ويعصي مساره الانهر الاخرى فيسير شمالا نحو الوسط السوري ليصب في المتوسط جنوب لواء الاسكندرون، وهو بهذا "العصيان" ينئى بنفسه نسبيا عن مخططات الهيمنة والسلب التي يواجهها الليطاني الذي لا يترك لبنان، فهو ينبع بالقرب من بعلبك بطاقة سنوية تبلغ 800-900 مليون م3 ويسير جنوبا في البقاع ثم ينحرف غربا قبل الحدود الفلسطينية بعدة كيلومترات ليروي الجنوب اللبناني قبل ان يصب في المتوسط شمال صور. اما الاردن من جهته فحظوظه قليلة لوجوده في عين العاصفة في الصراع مع اسرائيل، فقد طاله السلب والتحويل والتلوث ليصب شبه ميت في البحر الميت.
مصادر مياه نهر الاردن الرئيسية هي ينابيع وانهر الوزاني والحاصباني والعيون من لبنان واللدان من فلسطين وبانياس من الجولان الموزعة على اطراف جبل الشيخ والتي مصدر مياهها الثلوج التي تنساب من قممه في بداية الربيع. بعد ان تتحد هذه المصادر وتشكل نهر الاردن، تسير جنوبا لتغدي بحيرة طبريا باكثر من 520 مليون م3. بالاضافة الى ذلك تتغذى البحيرة مباشرة بحوالي 100 مليون م3 من مياه الينابيع والسيول من الجولان ليصبح بذلك مجمل مياه البحيرة المتجددة التي مصدرها جبل الشيخ والجولان اكثر من 620 مليون م3، اي حوالي 70٪ من مياهها البالغ 900 مليون م3. هذه المياه لم تدعها اسرائيل تسير في مجراها الطبيعي نحو القسم السفلي من نهر الاردن لتغذي ضفتي النهر الشرقية والغربية وصولا الى البحر الميت بل حولت معظمها (440 مليون م3) في العام 1964 الى المستوطنات الساحلية "الجديدة" وصولا الى صحراء النجف، عبر "قناة المياه الوطنية الاسرائيلية". بعد هذا التحويل والري المحلي والتبخر لا يبقى من مياه البحيرة الا 69 مليون م3 لتصب في القسم السفلي من الاردن قبل ان يرفده نهر اليرموك (الذي مصدره الينابيع والسيول من جبل الشيخ وحوران) على بعد 10 كلم من البحيرة باكثر من 450 مليون م3. بعد ذلك يتابع الاردن-اليرموك سيره ليستغل بشكل كثيف على ضفتيه الشرقية والغربية قبل ان يصب 20-30 مليون م3 المتبقية منه في البحر الميت. بهذا يكون الاردن قد قطع 251 كلم من النبع الى المصب بمجموع طاقة مائية بلغت 1287 مليون م3 واستهلكتت اسرائيل اكثر من نصفها ( 647 مليون م3 ) في العام 2006 (المصدر: ARIJ 2007).
بحيرة طبريا وروافدها
الذي يتابع مسيرة الحركة الصهيونية منذ تاسيسها يرى ان احتلال الجولان والضفة الغربية هو جزء من خطة نظامية لانشاء وطن قومي متكامل لليهود عماده الامن المائي وهذا المشروع لم يكتمل بعد. هذا الهدف يظهر بوضوح في الدراسات والمواقف والادبيات الصهيونية التي ركزت على اهمية السيطرة على مصاذر المياه الشمالية للاستيطان ولامن اسرائيل. أول هذه الدراسات هي دراسة للمهندس الاميركي ن. ويلبوش (N. Wilbush) الذي استنتج فيها ان "مياه نهر الاردن لا تكفي فلسطين في المستقبل" ثم تبعها في العام 1919 دراسة بعنوان "بناء أرض إسرائيل" لآرثور روبين(Arthur Ruppin)، الملقب بـ " أبي الاستيطان الصهيوني"، قال فيها "غير أن الأسباب الاقتصادية تتطلّب بالضرورة أن تمتد فلسطين صوب الشرق لتشمل المنبع الآخر لنهر الأردن ـ الحاصباني ـ . فالأردن هو النهر الرئيسي لفلسطين، ومياهه بالغة الأهمية في حقلي الري وتوليد الطاقة، والاستغلال المناسب والمؤمّن لمياهه في فلسطين لا يمكنه أن يتمّ إلا متى أصبحت ينابيعه ملكاً لفلسطين".
هذه الدراسات وازاها نشاط سياسي مكثف اهمها مذكّرة رسمية رفعتها المنظمة الصهيونية العالمية في شباط 1919 لمؤتمر الصلح بباريس بعنوان "تصريح المنظمة الصهيونية العالمية بصدد فلسطين", اعتبرت فيها "إنّ جبل الشيخ هو (أبو المياه) الحقيقي لفلسطين ولا يمكن فصله عنها دون توجيه ضربة قاصمة إلى جذور حياتها الاقتصادية بالذات. وجبل الشيخ لا يحتاج فقط إلى إعادة تحريج وتشجير، بل أيضاً إلى أعمال أخرى قبل أن يصبح مؤهلاً ليكون خزّان مياه البلاد، لذلك يجب أن يخضع كلياً لسيطرة أولئك الذين تحدوهم الرغبة الشديدة ويملكون القدرة الكافية لاستغلال إمكاناته حتى أقصى الحدود، ما يجب التوصّل إلى اتفاق دولي تحمي بموجبه حقوق المياه للشعب القاطن جنوبي نهر الليطاني (أي اليهود في فلسطين الكبرى) حماية تامة". من النشاطات الاخرى في 1919 ايضا رسالة كتبها "حاييم وايزمان" قبل ان يصبح أوَّل رئيس لدولة إسرائيل إلى لويد جورج رئيس وزراء بريطانيا جاء فيها: "إن مستقبل فلسطين الاقتصادي كله يعتمد على موارد مياهها للري والكهرباء، وتستمدّ موارد المياه بصفة رئيسية من منحدرات جبل حرمون (جبل الشيخ)، ومن نَهْرَيِ الأردن والليطاني، ونرى من الضروري أن يضم حد فلسطين الشمالي وادي الليطاني".
رغم ان مؤتمر الصلح لم يوافق على ضم منطقة جنوب الليطاني الى الدولة اليهودية، فالصهاينة حصلوا على كل مطالبهم الاخرى التي ترجمت في "اتفاقية الحدود" الموقعة في العام 1920 بين الدولتين المنتدبتين على سوريا ولبنان وفلسطين، فرنسا وبريطانيا، والتي شرعت لحكومة فلسطين (اسرائيل فيما بعد) بحكم المادة الثامنة من الإتفاقية أن تستغل "كل ما يمكن أن يسمى بالمياه اللبنانية الفائضة" حسب المحامي نهاد خشمان الذي يضيف "قانونياً، جرت تعديلات على هذه الإتفاقية في عهد الإنتداب لكنها لم تطل المادة الثامنة . ولبنان الدولة قد ورث عن الإنتداب الفرنسي الإتفاقيات الدولية ، أي أنه ورث "اتفاقية الحدود" ولما لم يقدم بدوره على أي تعديل فما زال بإمكان الطرف الآخر ( أي اسرائيل التي ورثت الإنتداب البريطاني ) أن يطالب بتطبيق المادة الثامنة ، لمّا يشاء . ولا بد من الإشارة أن لبنان قد كرس اتفاقية الحدود عبر اتفاقية الهدنة التي وقعها مع اسرائيل في 23/3/1949 ، عبر الفقرة الأولى من المادة الخامسة التي جاء فيها : يتبع خط الهدنة الحدود الدولية بين لبنان و فلسطين".
هذه الانجازات لم تمنع القادة الصهاينة من الاستمرار في محاولاتهم للوصول الى غاياتهم كاملة فاوصت "اللجنة الدولية" (International Commission) في 1941، بناء على اقتراح بن غوريون، على تأجير لبنان لاسرائيل 87٪ من مياه الليطاني. بعد ذلك استمرت الدراسات واهمها مشروع لودرميلك (Lowdermilk) في 1945 الذي اعتُبر "الدستور المائي" للصهاينة والذي اقترح فيه وحدة حوض الاردن واليرموك واستعمال معظم مياهه لري وادي الاردن، وتحويل مياه الليطاني عبر الحاصباني الى بحيرة طبريا وشق قناة من البحيرة الى صحراء النجف عبر الساحل. هذه التوصيات تبنتها اسرائيل بعد تاسيسها في 1949 وحاولت الضغط على المبعوث الاميركي جونسون للقبول بها. بعد مفاوضات شاقة وعدة تغييرات قدم جونسون مشروعه في 1955 ولم يشمل اي تحويل لنهر الليطاني عن مجراه، لكنه وخلافا للقانون الدولي وافق على تحويل قسم من مياه الاردن الى الساحل والنجف عبر"قناة المياه الوطنية الاسرائيلية" التي تعتبر اهم انجاز استيطاني بعد تاسيس دولة اسرائيل . كذلك حدد جونسون حصص الدول المتشاطئة على الاردن-اليرموك فاعطى اسرائيل 30٪ (400 مليون م3) والاردن 56٪ (720 مليون م3) وسوريا 10٪ (132 مليون م3) ولبنان 3٪ (35 مليون م3). رغم مخالفته للقانون الدولي وانحيازه لاسرائيل، يعتبر مشروع جونسون اهم وثيقة دولية شبه قانونية لتوزيع المياه على الدول المتشاطئة ووافقت عليه اسرائيل ولجنة المياه التقنية العربية (دون ان تصدقه الجامعة العربية).
حاولت دول المشرق ومصر التصدي لتحويل مجرى الاردن الى داخل اسرائيل الذي دُشن في 1964 فأقرت جامعة الدول العربية في العام ذاته مشروع مضاد يُحول قسم من مياه الحاصباني الى الليطاني ويشق قناة من الوزاني عبر الجولان الى اليرموك ويبني بعدها سدا على اليرموك لحفظ هذه المياه وتحويلها عبر قناة غور الاردن الى المملكة الهاشمية. عند ابتداء العمل بالمشروع في الجولان قصفت اسرائيل المنشئات على الوزاني ومن ثم سد خالد بن الوليد على اليرموك واوقفت العمل به فكانت هذه بداية حرب المياه المباشرة التي انتهت في 1967 بتحقيق اسرائيل لاهدافها والسيطرة على "ابو المياه" (جبل الشيخ والجولان) و"ام المياه" لفلسطين (الضفة الغربية) بالاضافة الى غزة وسيناء. هذه السيطرة جعلت اسرائيل تتصرف بمياه الاردن-اليرموك البالغة 1287 مليون م3 وفق احتياجاتها الاستيطانية ففي 2006 استهلكت 647 مليون م3 منها، اي 247 فوق حصتها التي حددها مشروع جونسون ب400 مليون م3، والباقي توزع على الاردن (480 مليون م3) وسوريا (153 مليون م3) ولبنان (7 مليون م3) (المصدر: ARIJ 2007). هذا بالاضافة الى الاستئثار بمياه الضفة الغربية القابلة للتجدد والبالغة 679 مليون م3 والتي استهلكت اسرائيل منها 560 مليون م3 وسمحت للفلسطينيين باستهلاك 118 مليون م3 منها فقط، اي اقل من 15% من مياههم حسب معهد ابحاث السياسات الاقتصادية الفلسطينية (ماس).
رغم اتفاقي أوسلو ووادي عربة، تقدر نسبة المياه التي تستهلكها اسرائيل اليوم من اراضي 1967 المحتلة ب55٪ من مجموع استهلاكها السنوي، اي 900-1000 مليون م3 من مجموع المياه المتجددة السنوي البالغ 1800 مليون م3 مصدره خارج حدود 1967. في كتابه "موقع المياه في الصراع العربي الاسرائيلي من منظور مستقبلي" يستنتج الباحث الفلسطيني حسام شحاده انه ووفقا لاحصاءات 1995 في اسرائيل التي قدرت معدل استهلاك الفرد السنوي ب500 م3 وبعد تجاوز عدد السكان 7 ملايين بسبب موجة الهجرة من الاتحاد السوفياتي السابق والزيادة السكانية، فان استهلاك اسرائيل السنوي من المياه اليوم يتجاوز3500 مليون م3. لسد العجز البالغ 1700 مليون م3 بين المياه المتجددة المتوفرة والاستهلاك، تقوم اسرائيل بتكرير واعادة استعمال 500 مليون م" وتحلية 400 مليون م3 من مياه المتوسط، ليتقلص العجز بذلك الى 800 مليون م3. هذا العجز الذي يفوق 20٪من استهلاكها يؤكد انه من المستحيل ان تسمح اسرائيل للسوري او الفلسطيني ان يسبح في نهر الاردن او بحيرة طبريا او ربما حتى ان يتزلج على سفوح جبل الشيخ، ولن تسمح للفلسطيني ان يحفر الآبار وينعم في زراعة بساتينه بحرية في دولته المنشودة، فالحائط العنصري الذي تعتبره حدودها هو "حائط مائي" بامتياز ومعظم المياه الجوفية تقع غرب الحائط. امام هذه الثوابت فما هو اذن المشروع البديل التي تطرحه اسرائيل واميركا لسد العجز الاسرائيلي وتامين الحد الادنى من المياه للدويلة الفلسطينية البائسة.
بعد انتصاره في 1967 أفصح ليفي اشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك الى مخططاته القادمة عندما قال "إنَّ إسرائيل العطشى لا يمكن أن تقف مكتوفة الأيدي، وهي ترى مياه الليطاني تذهب هدرًا إلى البحر". كذلك الامر بالنسبة لموشى دايان، وزير الدفاع، الذي نقل عنه موشى شاريت في مذكراته قوله ان اسرائيل وصلت الى اهدافها على كل الجبهات، ما عدا لبنان. بعد تحييد مصر باعادة سيناء القاحلة اليها، ركزت اسرائيل كل طاقاتها على الجبهة اللبنانية فكانت "عملية الليطاني" في 1978 وغزو لبنان في 1982 لكنها لم تستطيع ان تحقق اي من اهدافها المائية بفضل المقاومة اللبنانية، رغم وجود تقارير غير ثابتة عن استغلال اسرائيل للمياه الجوفية قرب الحدود وتحويلها لكميات محدودة من مياه الليطاني عبر قناة تحت الارض من تحت جسر الخردلي الى اقرب نقطة داخل اسرائيل.
قبل ان تنسحب من لبنان دون قيد او شرط في العام 2000، كانت اسرائيل قد نشرت في العام 1990 دراسة متكاملة عن مشروعها المائي وحسب د. رمزي سلامة في كتابه "مشكلة المياه في الوطن العربي - احتمالات الصراع والتسوية" يتلخص المشروع باربع نقاط:
1 - تزويد الضفة الغربية وقطاع غزة بالمياه من مصادر خارجية، ويطرح المشروع النيل أو اليرموك أو الليطاني أو جميعها؛ كمصدر رئيسي خارجي.
2 – نقل مياه النيل إلى شمال النقب؛ حيثُ يَزعُمُ المشروع أنَّ كمياتٍ ضئيلةً منَ المياه بالمقياس المصري (0.5% من الاستهلاك) لا تشكل عنصرًا مهمًّا في الميزان المائي المصري. كما أن هناك مشروعًا مصريًّا حاليًّا لتزويد سيناء بالمياه يمكن مده.
3 – مشروعات مع لبنان تتضمن الاستغلال الكهربائي لنهر الحاصباني، ونقل الليطاني إلى إسرائيل واستغلاله كهربائيًّا.
4 – هيئة مائيَّة مُشتركة أردنيَّة - إسرائيلية للتنمية المشتركة، واقتسام موارد المياه.
هذه الاهداف تظهر بصماتها في العرض الشفوي الذي قدمه عضو الكونغرس الاميركي المتحدر من اصل لبناني، داريل عيسى، في 30 أيار، 2003 على رئيس مجلس الوزراء اللبناني رفيق الحريري والذي يقضي "بمساعدة لبنان على تمويل تنظيف مياه الليطاني ومنع هدرها في البحر لاستخدامها داخلياً". الرئيس الشهيد رفيق الحريري رفض العرض ونبه من خطورة ما يكمن خلف هذا العرض الذي يمكن ان يؤدي الى القول ان مياه الليطاني "المنظفة" تكفي حاجات لبنان مما قد يسوغ لاسرائيل المطالبة بمياه الوزاني والحاصباني. تبين فيما بعد ان ما خلف العرض اخطر من توقعات الحريري بعد ان تسربت الى الاعلام مذكرة من ديفيد تبه، مساعد عيسى، باسم "قانون الاستثمار في سيادة لبنان" جاء فيها انه " لا بد من النظر الى مشروع الليطاني على انه فرصة للولايات المتحدة، كي تلعب دوراً اكبر في تنمية لبنان. ويمكن، بل يجب ان يستخدم "جزرة" للحكومة اللبنانية. ويجب ان تكون الولايات المتحدة راغبة في تعهد تمويل اساسي للتنمية في الجنوب، اذا التزمت حكومة لبنان بعض الشروط، مثلاً مراقبة مناطق الحدود، ونزع سلاح المجموعات شبه العسكرية في البلد، وسحب القوات السورية، وإعلان العزم على التعاون مع المجتمع الدولي في شأن المياه، والمساعدة في اعادة تجنيس للاجئين الفلسطينيين، لدى انشاء دولة فلسطين.". هذا الكلام الجميل عن التعاون مع المجتمع الدولي في شأن المياه، والمساعدة في اعادة تجنيس اللاجئين الفلسطينيين لا يمكن ان يفسر الا استخدام مياه الليطاني لسد العجز المائي الاسرائيلي والمساعدة على تامين المياه للاجئين الفلسطينيين الذي سيتم نقلهم الى الضفة الغريبة، وذلك تطابقا مع الاهداف الاسرائيلية.
في 14 شباط 2005 اغتيل الرئيس الحريري وانطلق مشروع "السلام" الاميركي الاسرائيلي. في تموز 2006 تعرض لبنان لعدوان كبير لتصفية المقاومة وفرض شروط السلام عليه. رغم الخلل الكبير في موازين القوى استطاعت المقاومة اللبنانية ان تصمد وتهزم اسرائيل بمنعها من فرض مشروعها بتحويل مياه الليطاني الى اسرائيل والضفة الغربية. هذا النصر للبنان لم يمر بدون اضرار جسيمة للمنشئات المائية فعمدت اسرائيل الى تدمير المضخات المائية على نبع الوزاني واعتبر موقع "Debka Files" على الانترنت المقرب من الموساد هذا العمل بانه "اهم انجازات الازمة" والجدير بالذكر ان أرييل شارون كان قد اعتبر تنصيب هذه المضخات في 2002 بمثابة اعلان حرب. كذلك دمرت اسرائيل ايضا قنوات الري التي تنقل مياه الليطاني الى 23 قرية و10 آلاف هكتار من الاراضي الزراعية في منطقة صور وبحيرة القرعون. الرد اللبناني جاء في آب/أوغسطس الماضي على لسان نبيه بري، رئيس مجلس النواب، الذي اعلن عن وضع حجر الاساس للمرحلة الاولى (من 4 مراحل) من مشروع الليطاني في الشهر الحالي، تشرين الثاني/نوفمبر، ليضحد بذلك الدعاية الاسرائيلية التي تقول ان مياه الليطاني تهدر في البحر.
امام غياب مشروع مشرقي استراتيجي يوحد ابناء جبل الشيخ وصنين والارز وطوروس وزغروس ليدافعوا عن هلالهم الخصيب، المسلوبة مياهه من الاعداء في الجنوب والاصدقاء الجدد في الشمال، وبغياب تحالف وثيق مع وادي النيل المهدد بنيله ايضا، لا يوجد خيار لمنع وصول اسرائيل الى اهدافها بسلب معظم مياه الليطاني، الا المقاومة في الجنوب مع جيشها وشعبها وعمقها الاستراتيجي السوري المدعوم من ايران ... رغم صعوبته. ان اختلال موازين القوى لصالح اسرائيل وعدم الاخذ بعين الاعتبار باي عوامل اخرى كفتح جبهة الجولان وعنصر المفاجئة وايمان المقاومة بحقها وارضها قد يجعل القارئ يستنتج ان اسرائيل تستطيع ان تدمر البنية التحتية للقرى الجنوبية قبل ان تجتاحها حتى الليطاني. اذا نجحت في ذلك، تبقى المهمة الاصعب وهي تحجيم النفوذ السوري في لبنان وتنصيب حكومة غير "ميثاقية" توافق على مشروع يشمل وضع منطقة جنوب الليطاني تحت سيطرة اليونيفيل وفق الفصل السابع و"بيع" نهر الليطاني "الشيعي" الى اسرائيل والسلطة الفلسطينية، ولا يخلو من "الجزرات" الاميركية كالمساعدة باعادة اعمار الجنوب المهدم وتسديد بعض الدين العام ونقل 100-200 الف لاجئ فلسطيني من لبنان الى الكيان الفلسطيني الهزيل في الضفة الغربية.
ان الحرب القادمة ستكون حاسمة فاما ان يكتمل انتصار 2006 فتجبر اسرائيل على اعادة الجولان مع مياهه ويبقى الليطاني لبنانيا او نصاب بنكبة شبيهة بنكبة 1967 تفرض علينا السلام الاسرائيلي القاحل الذي يسلب لبنان والشام وفلسطين ثروتهم المائية ويمهد لسلب روح هذه الامة باكمال عرقنتها على اساس مذهبي عرقي.
م. راجي سعد