إهـــداء
إلى كل مسلم يعتز بانتمائه إلى (خير أمة أخرجت للناس).. أمة الإسلام...
ليعلم حقيقة الإسلام الذي أمر الله به، ودعت إليه رسله الكرام.
.. ويدرك حقيقة العلمانية التي تجتال الناس عن دينهم، وتحمل الأمة على التحاكم في الدماء، والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله.. ويتبين دون لبس أو غموض أو إيهام.
لماذا نرفـض العلمانية؟
الفهرس
مقدمة
المبحث الأول: التوحيد حق الله علىالعباد
المبحث الثاني: لا إله إلا الله منهج حياة
المبحث الثالث: الإسلام عقيدة وشريعة
المبحث الرابع: الشرك.. ذنب البشرية الأعظم
المبحث الخامس: العلمانية.. وحكم الجاهلية
المبحث السادس: لماذا نرفض العلمانية؟
الخاتمة
المصادر والمراجع
مقدمة
إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله..
أما بعد...
فقد ظهر مصداق قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ فطوبى للغرباء"، وأصبح واقع الأمة الإسلامية اليوم يقرر أن غربة النبي، وأسرة ياسر، وبلال وغيرهم، قد عادت للذين يقولون: ربنا الله لا قيصر، والحاكمية لله لا للبشر، وغابت راية الإسلام عن أرض الإسلام، وحكمتها نظم وأوضاع علمانية لا دينية، وأصبحت الدعوة إلى أن يكون الإسلام بكتابه الكريم، وسنة رسوله الأمين أساس الحكم، جريمة وخيانة في أكثر دول العالم (الإسلامي) تُحاكم عليها قوانين تلك البلاد بالإعدام بتهمة تغيير شكل النظام !!.
ولقد كان مما ساعد على استقرار تلك الأوضاع غياب الكثير من حقائق الإسلام وبديهياته، ومن أظهرها أن وجوب الحكم بما أنزل الله عقيدة لا يكون المسلم مسلماً إذا تخلى عنها، وأن التشريع بغير ما أنزل الله، والرضى بشرع غير شرع الله هو شرك مخرج من الملة.
ولما كان بيان الحق وإبلاغه للخلق هو أمانة في عنق كل من علم شيئاً من حقيقة هذا الدين، فقد كتبت البحث:
(بياناً) لحقيقة الإسلام الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، وإقامة الحياة كلها بمقتضى المنهاج الرباني.
و(فضحاً) للعلمانية بكشف المخبوء من حقيقتها، وتعرية المستتر من أسرارها، وإضاءة المناطق المعتمة في حركة العلمانيين، لنقول لهم جميعاً.. شاهت الوجوه.
و(دعوة) للنجاة في الدنيا والآخرة بقبول شرع الله، ونبذ كل شريعة يقوم عليها علمانيون يقفون في طريق الإسلام والتوحيد الخالص كأرباب زائفين؟!
وبعد.. فليس القصد من هذا البحث أن يعرف القارئ ما يحويه لمجرد "المعرفة" التي تحسب في رصيد "الثقافة"، فهذا أمر لا يستحق عناء الجهد فيه، إنما القصد أن تتحول هذه المعرفة إلى قوة تدفع المسلم إلى أن يقيم حياته على المنهاج الرباني والشريعة الربانية، ويجاهد من أجل ذلك الأنظمة العلمانية ولا يرضى بها ولا يرضى عنها.
وعندها سيكون ذلك ميلاداً جديداً للفرد المسلم والأمة المسلمة، الأمة التي تحمل رسالتها لكل البشرية بالنجاة من الشرك.. تلك الرسالة التي عبّر عنها ربعّي بن عامر رسول قائد المسلمين إلى رستم قائد الفرس وهذا يسأله: ما الذي جاء بكم؟ فيجيب للتّو واللحظة (الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد إلى عبادة الله وحده).
أسأل الله عز وجل أن يكون هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم، وأن ينفع به كاتبه وقارئه، وأن يجزل الثواب لوالديّ اللذين حببا إليّ الإسلام، ولشيوخي الذين حببوا إليّ طلب العلم، وربّوْني على منهاج أهل السنة والجماعة.
ورحم الله أخاً قرأ فدعا لي بظهر الغيب، أو وجد عيباً فأصلحه.
والحمد لله رب العالمين
محمد محمد بدري
المبحث الأول
التوحيد.. حق الله على العباد
عبر عصور الانحطاط التي مرت بها الأمة، كانت هناك زحزحة مطّردة لقضية الشريعة عن مكانها من التوحيد وأصول الاعتقاد، وتسببت جرثومة الإرجاء التي تسللت إلى الفكر الإسلامي في إفراغ التوحيد من حقيقته الأساسية حتى انتهى الأمر بأكثر المسلمين إلى أن تصبح قضية الشريعة التي يتحاكمون إليها قضية منفصلة عن عقيدة التوحيد، ولا يعدون المروق منها مروقاً من الدين، ولقد أتاح ذلك للعلمانية أن تتسلل إلى أرض الإسلام، وتُنَحِي شريعة الله عن مواقع الحكم والتشريع، بل وتجعل الحق في التشريع المطلق إلى البشر من دون الله مع إيهام المسلمين أن توحيدهم لا يتأثر بذلك!!.
ولذلك وجب علينا أن نبدأ ببيان حقيقة التوحيد الذي هو جوهر الإسلام وقضيته الكبرى، والذي هو أصل الدين الذي يتفرغ منه سائر نظمه وأحكامه ومناهجه.
.. وقبل أن نحاول بيان حقيقة التوحيد يحسن بنا النظر إلى الأمة التي بعث إليها النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ.. كيف كانت تصوراتها؟ وكيف كان منهج حياتها؟ ذلك أن معرفة حالها هو خير معين لمعرفة العقيدة التي أنزلها الله لتصحيح هذه الحال.
- حقيقة الجاهلية:
الدارس لعقائد الجاهلية العربية يجد ـ من أول وهلة ـ أنها لم تكن تنكر وجود الله أبداً، بل كانت توحده في معظم أفعاله تعالى كالخلق والرزق والتدبير والإحياء والإماتة.. والشواهد على ذلك كثيرة في القرآن الكريم كقوله تعالى: {ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولون الله} [الروم: 61]، ومنهم من كان يقر بمشيئة الله النافذة في الكون وقدره الذي لا يرد {سيقول الذين أشركوا لو شاء الله ما أشركنا ولا آباؤنا ولا حرمنا من شيئ}[الأنعام:148]، وأنه يدبر الأمر { ومن يدبر الأمر فسيقولون الله} [يونس: 31]، وكانوا يؤمنون بالملائكة {وقال الذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة} [الأنعام: 124]، وكان منهم من يؤمن بالبعث والحساب كقول زهير:
يؤخر فيوضع في كتاب فيدخر ليوم الحساب أو يعجل فينتقم
وكذلك كان لبعض الجاهليين العرب بعض الشعائر التعبدية منها تعظيم البيت الحرام، والطواف حوله، والوقوف بعرفات، وتعظيم الأشهر الحرم. وكذلك ذبحهم ونذرهم لله كما في قصة نذر عبد الملطلب، وإهدائهم للبيت الحرام وتخصيص شيئ من الحرث والأنعام لله { وجعلوا لله مما ذرأ من الحرث والأنعام نصيباً} [الأنعام: 136]..
ومن الناحية التشريعية كانت الجاهلية العربية تقيم بعض الحدود كحد السرقة، فقد ذكر الكلبّي والقرطبيّ في تفسيره أن قريشاً كانت تقطع يد السارق.. هذا كله غير المزايا الخُلقية التي كان عليها هذا المجتمع..
ولكن وهذا هو المهم بماذا حكم الله على المجتمع، وكم حسبت هذه الأمور كلها في ميزان الإسلام؟
إن الله تعالى حكم على هذه البيئة بأنها كفر وجاهلية وعد تلك الأمور جميعهاً صفراً في ميزان الإسلام.
ولم يشفع للجاهلية العربية شعرها الرائق أو أدبها الفذ، أو ما ذكرنا من حال أهلها في عقائدهم وشعائرهم وشرائعهم.. لم يشفع لها كل ذلك أن توصف بأنها جاهلية، ذلك أن حقيقة الجاهلية: هي رفض الاهتداء بهدى الله، ورفض الحكم بما أنزل الله.
فالجاهلية انحراف عن المنهج الإلهي في الحياة، واستنباط النظم والشرائع والقوانين من مصدر غير المصدر الإلهي، فهي جهل بالله، وابتعاد عن هداه، وتحكيم لغير شريعة الله.
هذه هي حقيقة الجاهلية الخبيثة ـ قديماً وحديثاً ـ هي الهوى ما دام أنها ليست شريعة الله، وهي الضلال ما دام أنها ليست هي الحق..
فماذا بعد الحق إلا الضلال؟
- التوحيد الذي دعت إليه الرسل:
إن الدعوة الإسلامية على يد محمد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ إنما تمثل الحلقة الأخيرة من سلسلة الدعوة الطويلة إلى الإسلام بقيادة الرسل الكرام.. وهذه الدعوة على مدار التاريخ البشري كانت تستهدف أمراً واحداً: هو تعريف الناس بإلههم الواحد وربهم الحق..
فالتوحيد هو دعوة الرسل جميعاً، وأول ما يخاطب به الرسول قومه، قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون} [الأنبياء: 25]، وقال عز وجل: {ولقد بعثنا في كل أمة رسولاً أن اعبدوا الله واجتنبوا الطاغوت} [النحل: 36]، وقوله سبحانه: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سـواء بيننا وبينكم ألا نعـبد إلا الله ولا نشرك به شيئاً ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله، فـإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران: 64]، وقوله صلى الله عليه وسلم: "الأنبياء أخوة لعلات أمهاتهم شتى ودينهم واحد" [رواه البخاري].
فالدين واحد وهو التوحيد، والشرائع مختلفة، قال عز وجل: {لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجاً} [المائدة: 48]، فعبادة الله وحده هي أصل الدين، وهي التوحيد الذي بعث الله به الرسل وأنزل الكتب..
فالرسل إنما أرسلوا إلى أقوامهم لطلب توحيد العبادة، وتوحيد الألوهية، وإفراد الله بحقه الخالص.. وليس لمجرد التعريف بأن الله هو خالق العالم ورب السموات والأرض.. أرسلوا ليبينوا أن العبادة والنسك يجب أن توجه لله بلا شريك، وليبلغوهم تعليمات من ربهم ينظمون بمقتضاها حياتهم وتعاملاتهم بعضهم مع بعض، قال عز وجل: {لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط} [الحديد: 25]، وبين سبحانه أن هذه الثلاثة: الاعتقاد والشعائر والشرائع هي مقتضى قول كل رسول لقومه: {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} [هود: 50]..
وليس المراد بالتوحيد مجرد توحيد الربوبية، وهو اعتقاد أن الله وحده خلق العالم، فإن مشركي العرب كانوا مقرين بأن الله خالق كل شيئ وكانوا مع هذا مشركين.. ولهذا لما كان المشركون يحرّمون أشياء ما أنزل الله بها من سلطان، ويأمرون بأشياء ما أنزل الله بها من سلطان، أنزل الله سورة الأنعام والأعراف وغيرهما يذمهم على ذلك وذكر ما أمر به هو وما حرمه هو، فقال سبحانه وتعالى: {قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين} [الأعراف: 29].. فأمر مع القسط بالتوحيد، الذي هو عبادة الله وحده لا شريك له، وهذا أصل الدين وضده الذنب الذي لا يُغفر.. وهو الدين الذي أمر الله به جميع الرسل وأرسلهم به إلى جميع الأمم.
وإذن فالتوحيد الذي دعت إليه الرسل الكرام ونزلت به كتب الله نوعان:
- توحيد في المعرفة والإثبات.
- توحيد في المطلب والقصد.
فالأول: هو حقيقة ذات الرب تعالى، وأسمائه، وأفعاله، وصفاته، وعلوه فوق سمواته على عرشه، وتكلمه بكتبه، وتكليمه لمن شاء من عباده، وإثبات عموم قضائه وقدره وحكمه، وقد أفصح القرآن عن هذا النوع جد الإفصاح، كما في سورة الحديد، وسورة طه، وآخر سورة الحشر، وأول سورة تنزيل السجدة، وأول سورة آل عمران، وسورة الإخلاص بكمالها، وغير ذلك.
والنوع الثاني: مثل ما تضمنته سورة {قل يا أيها الكافرون}، وقوله: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم}، وأول سورة تنزيل الكتاب وآخرها، وأول سورة يونس ووسطها وآخرها، وأول سورة الأعراف وآخرها، وجملة سورة الأنعام وغالب سور القرآن، بل كل سورة في القرآن فهي متضمنة لنوعي التوحيد، بل نقول قولاً كلياً: إن كل آية في القرآن فهي متضمنة للتوحيد.. وهذه هي حقيقة التوحيد أن تكون الربوبية كاملة لله تعالى، وتكون الألوهية كاملة لله تعالى، وتوحيد الألوهية وإفراد الله سبحانه بالعبادة هو فيصل التفرقة بين التوحيد والشرك، ولذلك يتعين علينا أن نعرف ما هي أركان توحيد الألوهية؟
- أركان توحيد العبادة:
توحيد الألوهية، أو توحيد العبادة: هو إقرار الله بحقه الخالص، وهو مقتضى رضا العبد بالله رباً.. فالرضا بالله رباً: أن لا يتخذ رباً غير الله تعالى يسكن إلى تدبيره، وينزل به حوائجه، قال تعالى: {قل أغير الله أبغي رباً وهو رب كل شيئ} [الأنعام: 164] قال ابن عباس رضي الله عنهما: سيداً وإلهاً، يعني فكيف أطلب رباً غيره وهو رب كل شيئ؟ وقال في أول السورة: {قل أغير الله أتخذ ولياً؟ فاطر السموات والأرض} [الأنعام: 14] يعني معبوداً وناصراً ومعيناً وملجئاً. وهو من الموالاة التي تتضمن الحب والطاعة. وقال في وسطها ـ أي سورة الأنعام ـ {أفغير الله أبتغي حكماً؟ وهو الذي أنزل إليكم الكتاب مفصلاً} [الأنعام:114]، أي أفغير الله أبتغي من يحكم بيني وبينكم، فنتحاكم إليه فيما اختلفنا فيه؟ وهذا كتابه سيد الأحكام، فكيف نتحاكم إلى غير كتابه؟ وقد أنزله مفصلاً، مبيناً كافياً شافياً..
وكثير من الناس يرضى بالله رباً، ولا يبغي رباً سواه، لكنه لا يرضى به ولياً وناصراً وحده، بل يوالي من دونه أولياء، ظناً منه أنهم يقربونه إلى الله، وأن موالتهم كموالاة خواص الملك وهذا شرك..
وكثير من الناس يبتغي غيره حكماً، يتحاكم إليه، ويخاصم إليه، ويرضى بحكمه.. بينما أركان التوحيد الثلاثة: أن لا يتخذ رباً سواه، ولا إلهاً، ولا غيره حكماً.
وإذن فتوحيد العبادة الذي هو العمل في أصل الدين لا يخرج عن ثلاثة معان هي:
- الحكم لله بلا شريك: قال تعالى: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين القيم} [يوسف: 40]، والحكم هو خطاب الشارع إلى المكلفين بالاقتضاء والتخيير والوضع.
- الولاية لله بلا شريك: قال تعالى:{أغير الله أتخذ ولياً} [الأنعام: 15]، {أم اتخذوا من دون الله أولياء فالله هو الولي} [الشورى: 9]، {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} [المائدة: 55]، {إن وليّي الله الذي نزل الكتاب وهو يتولى الصالحين}.. والولاية هي أن تتولى الله سبحانه وتوالي فيه عز وجل.
- النسك لله بلا شريك: قال سبحانه وتعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين}، {لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون}.. إذا عرف هذا فالرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب، وهو أساس الإسلام وقاعدة الإيمان، فيجب على العبد أن يكون راضياً بلا منازعة ولا معارضة ولا اعتراض، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يُحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}، فأقسم أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه، وحتى يسلموا لحكمه تسليماً وهذه حقيقة الرضا بحكمه.
فالرضا بحكم الله هو الركن الركين في العقيدة.. والتحاكم إلى شريعة الله هو شرط العبودية الأول، والاحتكام إلى الكتاب والسنة ليس نافلة ولا تطوعاً إنما هو أصل الاعتقاد وصلب التوحيد..
والتوحيد الذي هو الإقرار بتفرد الله بصفاته، والخلق والرزق والتدبير الكوني، دون الالتزام بمقتضى ذلك وهو اتباع حكم الله في كل شأن من شؤون الحياة.. لا ينفع صاحبه في النجاة يوم القيامة ولا يغني عنه شيئا، قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم، ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً بعيدا}.
فكما نتلقى من الله شعائر التعبد فنتعبده سبحانه وتعالى بما تعبدنا به من صلاة وصيام وزكاة وحج، كذلك نتلقى منه أمور حلالنا وحرامنا، أي الشريعة التي تحكم أمور حياتنا في الصغيرة والكبيرة سواء، لأن الله تعبدنا بتنفيذ شريعته كما تعبدنا بالصلاة والصوم والزكاة والحج، وكلها سواء.
وإذا أردنا تحقيق العبودية لله، فطريقنا إلى تحقيق عبوديتنا له سبحانه هو قبول شريعته عز وجل ورفض كل شريعة أخرى.
ولنعلم جميعاً أن نظام الله خير في ذاته، لأنه من شرع الله، ولن يكون شرع العبيد يوماً كشرع الله.. ولكن هذه ليست قاعدة التوحيد، إنما قاعدة التوحيد أن قبول شرع الله وحده أياً كان، ورفض كل شرع غيره أياً كان، هو ذاته التوحيد وليس للتوحيد حقيقة سواه.. فمن أتى التوحيد على صفاته هذه وأركانه التي ذكرناها، فقد قام بحق الله عليه، وكان له عند الله النجاة من العذاب.
.. قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لمعاذ بن جبل "يا معاذ أتدري ما حق الله على العباد؟ وما حق العباد على الله؟" قال: قلت الله ورسوله أعلم، قال: "حق الله على العباد، أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئاً، وحق العباد على الله أن لا يعذب من لا يشرك به شيئاً.." [رواه مسلم].
فمن أراد النجاة من عذاب الله فلا بد له من ترك الشرك، وإتيان التوحيد الذي عرّفه رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بأنه: "حق الله على العباد".
الخـلاصـة:
• الجاهلية: هي رفض الاهتداء بهدى الله، ورفض الحكم بما أنزل الله.
• التوحيد هو أصل الدين: وهو أول واجب على المكلف، وأول ما بدأت به دعوة الرسل جميعاً، وهو الشرط الذي لا يقبل الأعمال ولا تصح إلا به.
• التوحيد نوعان: توحيد الربوبية: هو معرفة الله على النحو الذي أخبر به عن نفسه. وتوحيد الألوهية: هو إفراد الله بحقه الخالص.
وحقيقة التوحيد أن تكون الربوبية كاملة لله وحده، وتكون الألوهية كاملة لله وحده.. ولكن توحيد الألوهية هو فيصل التفرقة بين التوحيد والشرك.
• توحيد الألوهية: هو العمل في أصل الدين، وهو ثلاثة أركان:
- الحكم لله بلا شريك: {أفغير الله أبتغي حكماً}.
- الولاية لله بلا شريك: {قل أغير الله أتخذ ولياً}.
- النسك لله بلا شريك: {قل أغير الله أبغي رباً}.
• التحاكم إلى شريعة الله: والحكم بها من أصل الاعتقاد وصلب التوحيد. ولا يصح التوحيد ولا يتحقق إلا بقبول شريعة الله، ورفض شريعة سواه.
• لا نجاة للعبد من عذاب الله إلا بتوحيد الله: ومتابعة الرسول، فلا يحاكم إلى غيره، ولا يرضى بحكم غيره، ولا يوقف أمره وتصديق خبره على عرضه على قول أحد.
لمزيد من الاطلاع، راجع ـ إن شئت:
- العلمانية ـ سفر الحوالي ـ رسالة ماجستير قدمت لجماعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1403 هـ.
- معالم في الطريق ـ سيد قطب ـ دار الشروق.
- الفتاوى ج1، 3 ـ ابن تيمية.
- حول تطبيق الشريعة ـ محمد قطب.
- فتح المجيد ـ عبد الرحمن بن حسن آل شيخ.
- مدراج السالكين ج2، 3 ـ ابن القيم.
- مقرر علم التوحيد ـ محمد قطب.
- العقيدة الطحاوية ـ لأبي عز.
المبحث الثاني
لا إله إلا الله.. منهج حياة
"لا إله إلا الله" هي الركن الأول والأكبر في الإسلام، قبل الصلاة والصيام والزكاة والحج.. فهي تمثل منهج الحياة في الإسلام، وتصور ملامح هذا المنهج، وتقرر خصائصه.. ولكن التفلت من التكاليف، وعدم كفاية التذكير، والترف المتلف، والسلبية الصوفية، والاستبداد السياسي، والفكر الإرجائي، كل واحدٍ من هؤلاء قد فعل فعله في إفراغ "لا إله إلا الله" من محتواها الحقيقي على المدى الطويل، فأصبحت عند كثير من الناس كلمة تطلق في الهواء، ولم يحسبوا لها مقتضيات، وظنوا أنه لا علاقة لها بتحكيم شريعة الله!!.
فما هو المعنى الحقيقي "للا إله إلا الله"؟.. وما هو ارتباطها بقضية التشريع؟
- حقيقة لا إله إلا الله:
ليست "لا إله إلا الله" كلمة تنطق باللسان، وإنما هي كلمة تدل على معنى لا بد من تحقيقه، ولها مقتضيات لا بد للمسلم أن يأتيها، باعتبارها المدلول العملي لشهادته بأنه "لا إله إلا الله". فإذا قال "لا إله إلا الله"، وهو يحارب الله بالشرك، وعبادة غيره، فإنه ما حقق هذه الكلمة..
فإن المنافقين يقولونها بألسنتهم وهم تحت الجاحدين لها في الدرك الأسفل من النار، فلا بد من قول القلب وقول اللسان، وقول القلب يتضمن من معرفتها والتصديق بها، ومعرفة حقيقة ما تضمنته من النفي والإثبات، ومعرفة حقيقة الإلهية المنفية عن غير الله، المخصة به، التي يستحيل ثبوتها لغيره، وقيام هذا المعنى بالقلب، علماً ومعرفةً ويقيناً وحالاً..
أما النطق بها من غير معرفة لمعناها ولا يقين ولا عمل بما تقتضيه من البراءة من الشرك، وإخلاص القول والعمل: قول القلب واللسان، وعمل القلب والجوارح ـ فغير نافع بالإجماع..
فمن أراد النجاة فلا بد له من الإتيان بمقتضيات "لا إله إلا الله"، وعدم الإتيان بضد ذلك قولاً وعملاً وعقيدةً، ومقتضى "لا إله إلا الله" الأول: هو توحيد الربوبية، وتوحيد الأسماء والصفات.. أي توحيد الاعتقاد، ومقتضاها الثاني: هو توجيه العبادة لله وحده لا شريك له.. أي توحيد العبادة، ومقتضاها الثالث: هو تحكيم شريعة الله وحدها دون غيرها من الشرائع.. أي توحيد الحاكمية..
فكلمة الإخلاص "لا إله إلا الله" تنفي كل شرك في أي نوعٍ كان من أنواع العبادة، وتثبت العبادة بجميع أفرادها لله تعالى، فالمراد بالكلمة هو تحقيق التوحيد..
قال رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان" [رواه مسلم]، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"بني الإسلام على خمس: شهادة أن لا إله إلا الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، وحج البيت" [رواه مسلم]، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"بني الإسلام على خمس: على أن يعبد الله ويكفر بما دونه، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وحج البيت، وصوم رمضان"، وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"بني الإسلام على خمس: على أن يوحد الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصيام رمضان، والحج".
ففي الروايات الأربعة عبّر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن نفس الشيئ وهو أن يعبد الله ويكفر بما دونه بـ: شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"، وبـ: أن يوّحد الله.. ثم أتبعه في كل رواية بباقي الأركان.. فمعنى هذا أن يعبد الله ويكفر بما دونه هو تحقيق شهادة أن "لا إله إلا الله"، وهو تحقيق شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله".. وقد كان النبي إذا سئل عن عمل يدخل به العبد الجنة، وينجو به من النار قال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله. وربما قال: تعبد الله ولا تشرك به شيئاً. فيعبر بالمعنى، فإن معنى شهادة أن لا إله الله.. أن تعبد الله ولا تشرك به شيئاً.
فالرسول لم يدعُ إلى كلمة ينتسب بها قائلها إلى هذا الدين، وإنما دعا إلى عبادة الله وحده وترك الشرك. والتزام الشريعة التي جاء بها من عند ربه، قال ـ صلى اله عليه وسلم ـ :"من قال لا إله الله، وكفر بما يعبد من دون الله، حرم دمه، وماله، وحسابه على الله". [رواه مسلم]، فالنبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ في هذا الحديث علّق عصمة المال والدم بأمرين: الأول: قول "لا إله إلا الله". والثاني: الكفر بما يعبد من دون الله، فلم يكتف باللفظ المجرد عن المعنى، بل لا بد من قولها والعمل بها، وهذا من أعظم ما يبين معنى "لا إله إلا الله"، فإنه لم يجعل التلفظ بها عاصماً للدم والمال، بل ولا معرفة معناها مع التلفظ بها، بل ولا الإقرار بذلك، بل ولا كونه لا يدعو إلا لله وحده لا شريك له، بل لا يحرم دمه وماله حتى يضيف إلى ذلك الكفر بما يعبد من دون الله، فإن شك أو تردد لم يحرم ماله ودمه..
وقد أجمع العلماء على معنى ذلك، فلا بد في العصمة من الإتيان بالتوحيد، والتزام أحكامه، وترك الشرك.. قال تعالى: {وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله}[الأنفال: 39]، والفتنة: الشرك فدل على أنه إذا وجد الشرك، فالقتال باقٍ بحاله، كما قال تعالى: {فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وخذوهم واحصروهم، واقعدوا لهم كل مرصد، فإن تابوا وأقاموا الصلاة وآتوا الزكاة فخلوا سبيلهم إن الله عفور رحيم} فأمر بقتالهم على.. فعل التوحيد، وإقامة شعائر الدين الظاهرة، فإذا فعلوها خلّى سبيلهم، ومتى أبوا عن فعلها أو فعل شيئ منها، فالقتال باقٍ بحاله إجماعاً، ولو قالوا "لا إله إلا الله".
وإذا كانت "لا إله إلا الله" لا تعصم من قالها إذا استباح محرماً، أو أبى عن فعل شعيرة من شعائر الدين الظاهرة، فكيف تعصم من دان بالشرك، وفعله وأحبه ومدحه، وأثنى على أهله ووالى عليه، وعادى عليه، وأبغض التوحيد وحارب أهله، وصد عن سبيل الله كما هو الشأن في العلمانيين؟!
إن "لا إله إلا الله" ليست كلمة تنطق باللسان فتعطي الإنسان صفة الإسلام مدى الحياة ثم يدخله الله الجنة في الآخرة مهما تكن أعماله وأفكاره ومشاعره، ولكن "لا إله إلا الله" كلمة لها معنى، وتستتبع مسؤوليات وتكاليف والالتزام بهذه الكلمة معناه الرفض الجازم والتخلي الكامل عن كل ما عدا الله من معبودات، سواء كانت شعارات أو زعامات، أو نظماً وقوانين، أو أحزاباً ورايات..
هذه هي حقيقة "لا إله إلا الله"، ولكل قول حقيقة كما قال الرسول المصطفى ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
- لا إله إلا الله.. وقضية التشريع:
ترتبط قضية التشريع ارتباطاً مباشراً وثيقاً "بلا إله إلا الله"، ولا يمكن أن ينفصل هذا الارتباط في حال من الأحوال.. ذلك أن شهادة أن "لا إله إلا الله" معناها إفراد الله سبحانه بالألوهية، وهذا معناه ـ كما تقدم "راجع المبحث الأول: حق الله على العباد" ـ أن الله عز وجل هو المشرع والحكَم.. وشهادة أن محمداً رسول الله معناها: التصديق بأن هذا المنهج الذي بلّغه لنا رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ عن الله سبحانه هو حقاً منهج الله عز وجل الذي رضيه لحكم الحياة.
فمن عرف أن "لا إله إلا الله"، فلا بد له من الانقياد لحكم الله والتسليم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
فمن شهد أن "لا إله إله لا الله"، ثم عدل إلى تحكيم غير رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ في موارد النزاع، فقد كذب في شهادته، وإن شئت قلت: لما كان التوحيد مبنياً على الشهادتين إذ لا تنفك إحداهما عن الأخرى لتلازمهما، كان معنى شهادة أن "لا إله إلا الله": توحيد الله بالعبادة، ونفي عبادة ما سواه، ومعنى شهادة أن "محمداً رسول الله"، أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ عبدٌ لا يعبد، ورسول صادق لا يكذّب، بل يطاع ويتّبع، لأنه المبلغ عن الله تعالى، فله عليه الصلاة والسلام منصب الرسالة، والتبليغ عن الله، والحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه، إذ هو لا يحكم إلا بحكم الله.. فلا بد من متابعته وتحكيمه في موارد النزاع، وترك تحكيم أو التحاكم إلى غيره.. وهذا هو معنى الشهادتين..
"فلا إله إلا الله" تقتضي الإقرار بحاكمية الشريعة الربانية، وأنها وحدها ـ دون سوها ـ التي يجب تحكيمها، وهي وحدها ـ دون سواها ـ التي يرجع الناس في كل ما يتنازعون فيه من أمر.
وإذا كان معنى "لا إله إلا الله"، الكفر بالطاغوت، والإيمان بالله.. قال تعالى: {فمن يكفر بالطاغوت ويؤمن بالله فقد استمسك بالعروة الوثقى لا انفصام لها}، والطاغوت: كل ما تجاوز به العبد حده من معبود أو متبوع أو مطاع، فطاغوت كل قوم من يتحاكمون إليه غير الله ورسوله أو يعبدونه من دون الله أو يتبعونه على غير بصيرة من الله، أو يطيعونه فيما لا يعلمون أنه طاعة لله، إذا علم هذا تبين أن الطاغوت لفظ عام يشمل كل ما يضاد "لا إله إلا الله" سواء كان شعاراً أم نظاماً أم قانوناً أم شخصاً أم راية أم حزباً أم فكرة..
وإن من تحاكم أو حاكم إلى غير ما جاء به الرسول فقد حكم الطاغوت، وتحاكم إليه.. وهذا في حكم الله نقض "للا إله إلا الله"..
ذلك أن "لا إله إلا الله" كما تشمل الاعتقاد بواحدانية الله.. أي توحيده في ذاته وصفاته وأسمائه وأفعاله.. وتشمل توجيه الشعائر التعبدية له وحده بلا شريك.. فإنها تشمل أيضاً تحكيم شريعته وحدها دون غيرها من الشرائع..
فلا إله إلا الله منهج حياة كامل.
الخـلاصـة:
• تحقيق التوحيد هو معنى شهادة أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول رسول الله".
• النطق بلا إله إلا الله لا يكفي في عصمة الدم والمال، إذا أتى قائلها بما ينقضه.
• تحكيم شريعة الله، والحكم بها، والتحاكم إليها هو مقتضى شهادة أن "لا إله إلا الله" ولازمها الذي لا بد منه، لأنه من علم أنه "لا إله إلا الله" فلا بد أن ينقاد لحكمه ويستسلم لأمره الذي جاء من عنده على يد رسوله.
• أن قضية التشريع ترتبط ارتباطاً وثيقاً "بلا إله إلا الله"، وهذا الارتباط لا يمكن أن ينفصم في أي حال من الأحوال.
• التشريع بغير ما أنزل الله، والرضى بتشريع مخالف لما أنزل الله ـ كلاهما ـ نقض "للا إله إلا الله".
لمزيد من الإطلاع، راجع ـ إن شئت ـ:
- معنى لا إله إلا الله ـ عبد العزيز بن باز.
- مدراج السالكين ج1 ـ ابن القيم.
- فتح المجيد ـ عبد الرحمن بن حسن.
- مفاهيم ينبغي أن تصحح ـ محمد قطب ـ دار الشروق.
- تيسير العزيز الحميد ـ سليمان بن عبد الله آل شيخ.
- أعلام الموقعين ج1 ـ ابن القيم.
المبحث الثالث
الإسلام.. عقيدة وشريعة
جاء الإسلام ـ ككل دين جاء من عند الله ـ عقيدة وشريعة.. العقيدة ثابتة لا تتغير {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره}، والشريعة في أسمى صورها وأكملها.. فآمن بالإسلام قوم، فأصبحوا مسلمين، وأبى قوم فأصبحوا في كفر وجاهلية..
وبمرور الزمن والبعد عن عهد النبوة، ومضّى القرون المفضلة وفشو الجهل في الناس، وانحسار كثير من مد الإسلام، أخذ مفهوم الإسلام في الانحسار حتى بات عند كثير من الناس لا يعدو النطق "بلا إله إلا الله"، وإن لم يعمل قائلها بمقتضاها..
وأصبح (مثقفونا) يتساءلون في استنكار ما للإسلام والاقتصاد؟.. ما للإسلام والسياسة والحكم؟... وأصبح الفرد من عامة المسلمين يقول "لا إله إلا الله"، ثم لا يجد حرجاً أن يرى شريعة الله لم تعد هي الفيصل فيما يعرض له من المشاكل !!.
ومن هنا كان من الضروري أن نبين حقيقة الإسلام الذي جاء به محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ وإليه دعا... ونقيم الدليل على بديهيته الأولى وهي: توحيد المشّرع، وتصديق ومتابعة المُبلِّغ ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
- حقيقة الإسلام وجوهره:
الإسلام هو دين الرسل جميعاً، وإن اختلفت شرائعهم وتنوعت مناهجهم كما قال تعالى: {وما أرسلنا من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون}.. والآيات في ذلك كثيرة والأحاديث، منها قول رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "نحن معاشر الأنبياء أخوة لعلات ديننا واحد".
ولهذا كانت الكتب السماوية المتواترة عن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام قاطعة أن الله لا يقبل من أحد ديناً سوى الحنيفية وهي الإسلام العام، قال تعالى: {إن الدين عند الله الإسلام}، وقال عز وجل: {ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين}.
ولفظ الإسلام يتضمن الاستسلام والانقياد، ويتضمن الإخلاص.. مأخوذ من قوله سبحانه: {ضرب الله مثلاً رجلاً فيه شركاء متشاكسون، ورجلاً سلماً لرجل}.. فلا بد في للإسلام من الاستسلام لله وحده، وترك الاستسلام لما سواه، وهذه حقيقة قولنا "لا إله إلا الله"، فمن استسلم لله ولغير الله فهو مشرك، والله لا يغفر أن يشرك به، ومن لم يستسلم له فهو مستكبر عن عبادته، وقد قال تعالى: {إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين}، وإذن فإن الإسلام لا يثبت إلا على ظهر التسليم والاستسلام..
والإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما فإما أن يختار العبودية لله، وإما أن يرفض هذه العبودية فيقع لا محالة في عبودية لغير الله.. فإفراد الله بالعبادة هو جوهر الإسلام وحقيقته، وهو المدلول العملي لشهادة أن "لا إله إلا الله".. والتلقي في كيفية هذه العبادة عن رسول الله، هو حقيقة تصديقه فيما أخبر، وهو المدلول العملي لشهادة أن "محمداً رسول الله". فدين الله مبنيّ على أصلين: أن نعبد الله وحده لا شريك له، وأن نعبده بما شرعه من الدين، وهو ما أمرت به الرسل أمر إيجاب أو استحباب، وهذان الأصلان هما حقيقة قولنا أشهد أن "لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله"..
ولهذا لما جاء نفر من اليهود إلى النبي فقالوا: نشهد إنك لرسول الله، لم يكونوا مسلمين بذلك، لأنهم قالوا ذلك على سبيل الإخبار عما في أنفسهم، أي نعلم ونجزم أنك رسول الله، قال: "فلِمَ لا تتبعوني؟" قال نخاف من يهود. فعلم أن مجرد العلم والإخبار عنه ليس بإيمان حتى يتكلم بالإيمان على وجه الإنشاء المتضمن للالتزام والانقياد مع تضمن ذلك الإخبار عما في أنفسهم، فالمنافقون قالوا مخبرين كاذبين، فكانوا كفاراً في الباطن، وهؤلاء قالوها غير ملتزمين ولا منقادين، فكانوا كفاراً في الظاهر والباطن، وكذلك أبو طالب قد استفاض عنه أنه كان يعلم بنبوة محمد وأنشد عنه:
ولقد علمت بأن دين محمد
من خير أديان البرية ديناً
ولم تدخله هذه الشهادة في الإسلام، ومن تأمل ما في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له ـ صلى الله عليه وسلم ـ بالرسالة، وأنه صادق فلم تدخلهم هذه الشهادة في الإسلام، علم أن الإسلام أمر وراء ذلك، وأنه ليس هو المعرفة فقط، ولا المعرفة والإقرار فقط، بل المعرفة والإقرار والانقياد والتزام طاعته ودينه ظاهراً وباطناً..
فالإسلام الذي نحرص عليه، ولا نرضى بغيره ديناً، ليس مجرد تصديق الرسول فيما أخبر، بل لا بد في الإسلام من تصديق الرسول فيما أخبر، وطاعته فيما أمر.. ذلك أن حقيقة الإسلام: توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان بالله ورسوله واتباعه فيما جاء به، فما لم يأت العبد بهذا فليس بمسلم.
وهذا أصل عظيم ينبغي معرفته لما قد لبس على الناس أصل الإسلام حتى صاروا يدخلون في أمور عظيمة هي شرك يتنافى مع الإسلام لا يحسبونها شركاً..
إن حقيقة الإسلام وجوهره: أن نعبد إلا الله، وأن لا نعبده إلا بما شرع.
حقيقة الإسلام: أن يستسلم العبد لرب العالمين، لا يستسلم لغيره.
- الإسلام.. وتوحيد المشرّع:
التشريع في الإسلام لا يكون إلا لله، ومن زعم لنفسه الحق في التشريع بغير سلطان من الله، فقد تجاوز حد العبودية، وتطاول إلى مقام الألوهية، وجعل نفسه نداً لله تعالى، فالمشرع هو الله وحده، ولا تشريع إلا ما شرعه سبحانه، قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} فالتشريع المطلق حق خالص لله وحده لا ينازعه في ذلك أحد كما قال تعالى: {ولا يشرك في حكمه أحداً}[الكهف:26]، وقال سبحانه: {إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه} [يوسف:40]، ولذلك أوجبت الشريعة التحاكم إلى الشرع وجعلته شرط الإيمان، قال تعالى: {فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}، وقال سبحانه: {وما اختلفتم فيه من شيئ فحكمه إلى الله} [الشورى: 10].
فالشرع المنّزل من عند الله تعالى، وهو الكتاب والسنة الذي بعث الله به رسوله، ليس لأحد من الخلق الخروج عنه، ولا يخرج عنه إلا كافر..
فلا إسلام لمن منح البشر اختصاص الربوبية والرسالة من حق التشريع، والخضوع والإذعان التام لغير الله ورسوله، لأن معنى الإسلام ـ كما بينا ـ هو الاستسلام لله ورسوله بالطاعة والخضوع للأوامر الصادرة منهما، ولا يصح إسلام من يتمرد على حكم الله ورسوله.
فمعنى الإسلام: الاستسلام والطاعة لشريعة الله.. ومعنى عدم الاستسلام لهذه الشريعة، واتخاذ شريعة غيرها في أي جزئية من جزئيات الحياة، هو رفض للاعتراف بألوهية الله وسلطانه، سواء كان هذا الرفض باللسان أو بالفعل دون القول..
بل المسلم يتبع حكم الله في كل شأن من شؤون حياته، فالحلال ما أحله الله ورسوله، والحرام ما حرمه الله ورسوله، والدين ما شرعه الله ورسول. وقبول المسلم لشرع الله، هو رفض لشرع غيره.. وقبوله لأي جزئية من جزئيات شرع غير الله هو رفض لشرع الله في هذه الجزئيات، وهذا يعني رفض شرع الله كله. قال تعالى: {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله. ولا نشرك به شيئا، ولا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون} [آل عمران: 64]، ومعنى لا يتخذ بعضنا بعضاً أرباباً من دون الله: لا نطيع الأحبار فيما أحدثوا من التحريم والتحليل لأن كلاً منهم بعضناً.. بشر مثلنا.. وهو نظير قوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}، معناه: أنهم أنزلوهم منزلة ربهم في قبول تحريمهم وتحليلهم مما لم يحرمه الله ولم يحله الله..
وعلى هذا فالتحاكم إلى البشر عن رضى وطواعية هو خلع لربقة الإسلام من الأعناق، وقبول شريعة أي بشر وتقديمها على الكتاب والسنة هو الكفر بعينه..
فالله هو المشرّع وهو الحَكَم، وكتابه هو المهيمن، والناس ليس لهم مع القرآن والسنة سوى التنفيذ والتطبيق. وقد نفى الله سبحانه وتعالى الإيمان عن من لم يحكّموا النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فيما شجر بينهم، نفياً موكداً بتكرار أداة النفي وبالقسم، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً}.. وتأمل قوله عز وجل: {فيما شجر بينهم} فإن اسم الموصول (ما) مع صلته من صيغ العموم عند الأصوليين وغيرهم، وذلك العموم والشمول، هو من ناحية الأجناس والأنواع، كما أنه من ناحية القدر فلا فرق بين نوعٍ ونوعٍ، كما أنه لا فرق بين القليل والكثير..
فقبول شرع الله كله، ورفض شرع سواه كله هو الإسلام، وليس للإسلام حقيقة سواه، والرضا بالقضاء الديني الشرعي واجب وهو أساس الإسلام وقاعدته، فيجب على العبد أن يكون راضياً بلا حرج ولا منازعة ولا مدافعة ولا معارضة ولا اعتراض، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليماً} فالله عز وجل أقسم أنهم لا يؤمنون حتى يحكموا رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وحتى يرتفع الحرج من نفوسهم من حكمه، وحتى يسلموا لحكمه تسليماً، وهذه حقيقة الرضا بحكمه، فالتحكيم في مقام الإسلام، وانتفاء الحرج في مقام الإيمان، والتسليم في مقام الإحسان، وإذا كان يكفي لإثبات الإسلام أن يتحاكم الناس إلى شريعة الله وحكم رسوله فإنه لا يكفي في الإيمان هذا ما لم يصحبه الرضى النفسي والقبول وإسلام القلب والجنان في اطمئنان..
ولا يجتمع التحاكم إلى غير شريعة الله، أو رفض التحاكم إلى شريعة الله، لا يجتمع هذا وذاك مع الإسلام بأي حالٍ من الأحوال. ومن يرد شيئا من أوامر الله تعالى أو أوامر رسوله فهو خارج من الإسلام، سواء رده من جهة الشك فيه، أو من جهة ترك القبول والامتناع من التسليم..
فقبول شرع الله سبحانه يتحقق بعدم رد أمر الله عليه، وقبول شرع غيره يعرف بعدم الرد، فإن منع من رفض ورد شريعة غير الله الإكراه، فلا بد من كره القلب، وهذا يعني عدم مظاهرة القائمين على غير شريعة الله.. حاكماً كان أو حزباً أو طبقة..
فالمسلم يلتزم بمقتضى إسلامه أن يتّبع حكم الله في كل شأن من شؤون حياته، قال تعالى: {وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم}ـ هذه واحدة، والثانية أن المسلم ملزم بمتابعة الرسول فيما أمر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، قال تعالى: {وما آتاكم الرسول فخذوا وما نهاكم عنه فانتهوا}، وهذا أمر عام في الأمر والنهي، والحلال والحرام وكذلك في الحكم والاحتكام، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت ويسلموا تسليما}، والتحاكم إلى شريعة الله متابعة لرسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ الذي بلّغها عن الله..
فالمشرع هو الرحمان، وليس البرلمان، والشريعة هي الكتاب والسنة، وليس إرادة الأمة، والإسلام هو توحيد المشرّع.. ومتابعة المبلّغ.
إن هذا الدين شريعة وعقيدة، وشريعته هي الترجمة الواقعية لعقيدته، فهذا الدين لا يعرف الفصل بين العقيدة والشريعة.. بل الإسلام.. عقيدة وشريعة.
الخـلاصــة:
• الإسلام دين الرسل جميعاً، وإن تنوعت شرائعهم.
• كل رسول يدعو قومه {اعبدوا الله ما لكم من إله غيره} وهذا يعني: أن لا يعبدوا إلا الله، ولا يعبدوا إلا بما شرع.
• الإسلام هو تصديق خبر الرسول جملة وعلى الغيب، والانقياد للشرع.
• حقيقة الإسلام: الاستسلام لله وحده.. وهذا يعني قبول شرع الله، ورفض كل شرع سواه.
• التشريع المطلق حق خالص لله وحده، ولا تشريع إلا ما شرعه سبحانه.
• التحاكم إلى شريعة الله من مقتضيات الإسلام، والحاكمية المطلقة لله هي مقتضى شهادة المسلم بأنه "لا إله إلا الله".
ملاحظة: الحاكمية: مصدر صناعي على غير قياس، لأن المصدر الصناعي لا يصاغ إلا من اسم جامد كالوطن والوطنية، وكلمة حاكم مشتق لأنها اسم فاعل.
لمزيد من الاطلاع راجع ـ إن شئت ـ:
- الفتاوى ج1 ـ ابن تيمية.
- اقتضاء الصراط المستقيم ـ ابن تيمية.
- شرح العقيدة الطحاوية ـ لأبي العز.
- العبودية ـ ابن تيمية.
- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة ـ ابن تيمية.
- زاد المعاد ـ ابن القيم.
- طريق الهجرتين ـ ابن القيم.
- الفرقان ـ ابن تيمة.
- في ظلال القرآن ج2، 5 ـ سيد قطب ـ دار الشروق.
- تحكيم القوانين ـ محمد بن إبراهيم.
- مدراج السالكين ج2 ـ ابن القيم
قام أعداء الإسلام حين جاسوا خلال الديار الإسلامية بتنحية شريعة الله عن الحكم، وحكّموا بدلاً منها شرائع البشر، ثم قالوا للناس: لا بأس عليكم فأنتم مسلمون ما دمتم تصلون وتصومون وتقومون بشعائر العبادة، ثم سلطوا عليهم من الأفكار والمعتقدات والأنظمة ما يصرفهم عن الصلاة والصيام والعبادة، ثم قالوا لهم: لا بأس عليكم فأنتم مسلمون ما دمتم تقولون: "لا إله إلا الله"..
ولا شك أن "لا إله إلا الله، محمد رسول الله" هي مدخل الناس إلى الإسلام، ولا مدخل لهم سواها.. ولكن القضية التي يغفلها كثير من الناس، أن صفة الإسلام لا تلتصق بالإنسان بعد نطق الشهادتين ـ مهما تكن أفعاله وأفكاره ومشاعره، بل لا بد من البراءة من الشرك، تلك البراءة التي قال عنها الرسول الكريم ـ صلى الله عليه وسلم ـ "من مات لا يشرك بالله شيئاً دخل الجنة" [رواه مسلم]، وإذن فلا بد لنا من معرفة حقيقة الشرك، وتبين أنواعه ومزالقة، حتى نتقيه فتكون لنا النجاة في الدنيا والآخرة.
- الشرك وأنواعه:
الشرك هو أعظم الذنوب، بل هو الذنب الذي لا يغفره الله، قال تعالى: {إن الله لا يغفر أن يشرك به، ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء} [النساء: 48، 116]، فالله تعالى أخبر أنه لا يغفره لعبد لم يتب منه، وما دونه من الذنوب فهو داخل تحت المشيئة، إن شاء غفره لمن لقيه به، وإن شاء عذبه به، وذلك يوجب للعبد شدة الخوف من الشرك الذي هذا شأنه عند الله، لأنه أقبح القبيح، وأظلم الظلم، وتنقص لرب العالمين، وصرف خالص حقه لغيره، وعدل غيره به، كما قال تعالى: {ثم الذين كفروا بربهم يعدلون} [الأنعام:1]..
فالشرك انقطاع ما بين العبد وبين الله، فلا يبقى معه أمل في المغفرة إذا خرج من هذه الدنيا وهو مشرك فيكون حاله كما صوره الله سبحانه: {ومن يشرك بالله فكأنما خر من السماء فتخطفه الطير أو تهوي به الريح في مكان سحيق}، ولهذا كانت وصية رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "لا تشرك بالله وإن قتلت وحرقت" [رواه أحمد والطبراني].
ذلك أن للشرك آثاره الوبيلة في حياة الإنسان وفي آخرته، سواء كان الواقع فرداً أو جماعة.
والشرك أنواع.. الشرك الأكبر: وهو ينفي الإسلام بالكلية.. والشرك الأصغر: وهو أكبر من كبائر الذنوب.
والشرك الأكبر أنواع.. يتحدث الخطباء والوعاظ عن بعضها ـ الذي لا يغضب ذوي السلطان ـ ويهملون عن بعضها الآخر ـ فالتوجه لغير الله بشتى ألوان العبادة كالدعاء أو الاستعانة أو الاستغاثة أو النذر أو الذبح ـ شرك لا شك فيه. وما أكثر ما يتكلم الخطباء في هذا اللون من الشرك.
والظن بأن مع الله من يرزق أو يضر أو ينفع.. شرك لا شك فيه.. وما أكثر ما يتكلم فيه الخطباء.
والتشريع.. أي التحليل والتحريم بغير ما أنزل الله، والرضى بذلك التشريع شرك، لا شك فيه. ولكن الناس في قرنهم الأخير هذا قد جَهِلوا ـ أو جُهِلُوا ـ هذه الحقيقة الخطيرة.. فأما من وقفه الله فلن يغتر بدعاة الباطل، وعلماء السوء، وسيبقى على يقين أن الشرك في حقيقته ثلاثة أنواع رئيسية، كل واحد منها شرك، وكل منها ناقض "للا إله إلا الله":
الأول: يتعلق بالاعتقاد. وهو اعتقاد وجود آلهة تشارك الله سبحانه في النفع والضر، أو الإحياء والإماتة أو تدبير الأمر.. أو وجود شفعاء يملكون الشفاعة عند الله فيغيرون حكمه في السموات أو في الأرض.
الثاني: يتلعق بالعبادة، وهو توجيه أي مظهر من مظاهر العبادة لغير الله ـ معه أو من دونه ـ كالدعاء أو الاستغاثة أو النذر أو الذبح..
والثالث: يتعلق بالتحليل والتحريم.. أي التشريع بغير ما أنزل الله، وإذن فليس عبداً لله وحده من لا يعتقد بواحدانية الله سبحانه، قال تعالى: {وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين. إنما هو إله واحد فإياي فارهبون}، وليس عبداً لله وحده من يتقدم بالشعائر التعبدية لأحد غير الله ـ معه أو من دونه ـ قال تعالى: {قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين. لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162، 163]، وليس عبداً لله وحده من يتلقى الشرائع القانونية من أحد سوى الله، عن الطريق الذي بلّغنا الله به، وهو رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله} [الشورى: 21]، وقال: {وما آتاكم الرسول فخذوا وما نهاكم عنه فانتهوا} [الحشر: 7]..
وكما أن الاعتقاد بأنه ليس هناك إله، أو أن هناك آلهة مع الله، أو أن الإله هو الحجر أو القمر شرك وكفر يناقض "لا إله إلا الله"، وكما أن التوجه بالعبادة إلى غير الله شرك وكفر يناقض "لا إله إلا الله".. فكذلك قبول شريعة غير الله معه أو من دونه، والتحاكم إلى شريعة غير الله ـ إلا مع الإكراه والإنكار باليد أو اللسان أو القلب ـ كفر وشرك يناقض "لا إله إلا الله".
فالإشراك بالله في حكمه كالإشراك به في عبادته، قال في حكمه: {ولا يشرك في حكمه أحداً}، وفي قراءة ابن عامر من السبعة: {ولا تشرك في حكمه أحداً} بصفة النهي. وقال في الإشراك في عبادته: {فمن كان يرجو لقاء ربه فليعمل عملاً صالحاً، ولا يشرك بعبادة ربه أحدا}، فالأمران سواء.
وقد قال عز وجل: {لا تأكلوا مما لم يذكر اسم الله عليه وإنه لفسق، وإن الشياطين ليوحون إلى أولياهم ليجادلوكم، وإن أطعتموهم إنكم لمشركون}..
ومعنى {إن أطعتموهم إنكم لمشركون} أي حيث عدلتم عن أمر الله لكم وشرعه إلى قول غيره فقدمتم عليه غيره، فهذا شرك كقوله تعالى: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله}..
والذين يحكمون على عابد الوثن بالشرك، ولا يحكمون على المتحاكم إلى الطاغوت بالشرك، ويتحرجون من هذه، ولا يتحرجون من تلك.. هؤلاء لا يقرأون القرآن، ولا يعرفون طبيعة هذا الدين، فليقرأوا القرآن كما أنزله الله، وليأخذوا قول الله بجد: {وإن أطعتموهم إنكم لمشركون} [الأنعام:121]..
فكما لا يسجد الخلق إلا لله، ولا يعبدون إلا إياه ولا يعبدون المخلوق فكذلك يجب أن يرضخوا ولا يخضعوا أو ينقادوا إلا لحكم الحَكَم الحكيم، العليم الحميد، الرؤوف الرحيم، دون حكم المخلوق، الظلوم الجهول..
وقد بيّن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ذلك، حين دخل عليه عديّ بن حاتم وهو ـ صلى الله عليه وسلم ـ يقرأ قول الله عز وجل: {اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله والمسيح ابن مريم} [التوبة: 31]، فقال: يا رسول الله، ما عبدوهم، فقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "بلى.. إنهم أحلوا لهم الحرام وحرموا عليهم الحلال فاتبعوهم، فذلك عبادتهم إياهم"..
فعديّ بن حاتم كان يتوهم أن العبادة هي الركن والسجود فحسب، لذلك قال: إنهم لم يعبدونهم، ولكن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ بيّن له حقيقة الأمر كما علمه الله، بيّن له أن طاعة الأحبار والرهبان في التحليل والتحريم، بغير ما أنزل الله، هي عبادة، ومن ثم فهي إشراك بالله.. إشراك بالله حتى ولو ظل الركوع والسجود يقدم لله وحده ولا يقدم لغيره.
- رفض الشريعة.. خروج من الملة:
قبل أن نتكلم في هذه القضية، نسأل أولاً: لماذا يرسل الله لرسل إلى البشرية؟.. ولا نجيب من عند أنفسنا في هذا الأمر الخطير، فإنه لا ينبغي لأحد أن يجيب من عند نفسه في هذا الأمر، لأن الله سبحانه وتعالى قد تكفل من عنده بهذا، فقال في كتابه المنزل الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه: {وما أرسلنا من رسول إلا ليطاع بإذن الله} [النساء: 64].. وكأنه احتج بذلك على أن الذي لم يرض بحكمه.. وإن أظهر الإسلام، كان كافراً مستوجب القتل..
وتقريره أن إرسال الرسول لما لم يكن إلا ليطاع كان من لم يطعه ولم يرض بحكمه لم يقبل رسالته، ومن كان كذلك كان كافراً مستوجب القتل.. وقد قال سبحانه وتعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله، وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول، إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} [النساء: 59]..
وقوله عز وجل: {إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر} يدل على أن من لم يتحاكم في محل النزاع إلى الكتاب والسنة، ولا يرجع إليهما في ذلك فليس مؤمناً بالله ولا باليوم الآخر..
فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الإيمان في قلب عبد أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر.. فعدم التحاكم إلى شريعة الله خروج عن الإيمان مهما ادعى بعد ذلك مدعٍ أنه مؤمن، لأن الله عز وجل جعل هذا الرد من موجبات الإيمان، ولوازمه، فإذا انتفى هذا الرد انتفى الإيمان، ضرورة انتفاء الملزوم لانتفاء لازمه..
وإذاً فالزعم في أمر هذا الإيمان لا يكفي، والتحاكم إلى شرع غير شرع الله هو الخروج من الإيمان إلى الكفر.
ولقد عاش ابن كثير ـ المفسر المؤرخ المحدث ـ أول محنة لمحاولة تنحية كتاب الله عن توجيه الأمة المسلمة لاستبداله بقانون جنكيزخان الذي أسماه "الياسا" أو "الياسق" أي السياسات الملكية ـ فأطلق كلمته صريحة مدوية قائلاً: "فمن ترك الشرع المحكم المنزّل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا، وقدمها عليه، لا شك أن هذا يكفر بإجماع المسلمين".
وهذا حق لا مراء فيه، فاتباع الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والتزام شريعته هو الإسلام، ومن سوّغ الخروج عن شريعته ـ صلى الله عليه وسلم ـ إلى شريعة أخرى فإنه يكون هو ومن أطاعه في ذلك كافراً بإجماع المسلمين.. ومن أصدر تشريعاً عاماً ملزماً للناس يتعارض مع حكم الله فهذا يخرج من الملة كافراً.
وقد بين القرآن ذلك أوضح بيان، وبين سبحانه وتعالى أن التحاكم إلى شريعة غير الله، والصد عن شريعة الله هو النفاق الذي لا يبقى معه إسلام، فقال سبحانه: {ألم تر إلى الذين يزعمون أنهم آمنوا بما أُنزل إليك وما أُنزل من قبلك، يريدون أن يتحاكموا إلى الطاغوت، وقد أمروا أن يكفروا به ويريد الشيطان أن يضلهم ضلالاً بعيداً، وإذا قيل لهم تعالوا إلى ما أنزل الله وإلى الرسول، رأيت المنافقين يصدون عنك صدوداً} [النساء: 60].
فالله عز وجل ينكر على من يدعي الإيمان بما أنزل الله على رسوله، وعلى الأنبياء الأقدمين، وهو مع ذلك يريد التحاكم في فصل الخصومات إلى غير كتاب الله، وسنة رسوله، وقد ذكر في سبب نزول هذه الآية أنها في رجل من الأنصار، ورجل من اليهود تخاصماً، فجعل اليهودي يقول: بيني وبينك محمد، وذاك يقول بيني وبينك كعب بن الأشرف، وقيل نزلت في جماعة من المنافقين، ممن أظهروا الإسلام أرادوا أن يتحاكموا إلى حكام الجاهلية..
والآية أعم من ذلك كله، فإنها ذامة لمن عدل عن الكتاب والسنة، وتحاكم إلى ما سواهما من الباطل وهو المراد بالطاغوت.
وإذن فالإيمان لا يعدو أن يكون زعماً إذا أراد صاحبه أن يتحاكم إلى الطاغوت ومن دُعي إلى التحاكم إلى كتاب الله وإلى سنة رسوله فصد عن رسوله كان منافقاً. يقول سبحانه وتعالى: {ويقولون آمنا بالله وبالرسول وأطعنا ثم يتولى فريق منهم من بعد ذلك، وما أولئك بالمؤمنين، وإذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم إذا فريق منهم معرضون، وإن يكن لهم الحق يأتوا إليه مذعنين، أفي قلوبهم مرض أم ارتابوا أم يخافون أن يحيف الله عليهم ورسوله، بل أولئك هم الظالمون، إنما كان قول المؤمنين إذا دُعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا}ـ فبين سبحانه أن من تولى عن طاعة الرسول وأعرض عن حكمه فهو من المنافقين وليس بمؤمن، وأن المؤمن هو الذي يقول: سمعنا وأطعنا، فإذا كان النفاق يثبت ويزول الإيمان بمجرد الإعراض عن حكم الرسول وإرادة التحاكم إلى غيره، مع أن هذا ترك محض، وقد يكون سببه قوة الشهوة، فكيف بالنقص والسب ونحوه.. ويؤيد ذلك، "أن رجلين اختصما إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقضى للمحق على المبطل، فقال المقضي عليه: لا أرضى، فقال صاحبه: فما تريد. قال: أن نذهب إلى أبي بكر الصديق، فذهبا إليه فقال الذي قضى له: قد اختصمنا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقضى لي عليه، فقال أبو بكر: فأنتما على ما قضى به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأبى صاحبه أن يرضى وقال: نأتي عمر بن الخطاب، فأتياه فقال المقضي له: قد اختصمنا إلى النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ، فقضى لي عليه فأبى أن يرضى، فسأله عمر، فقال كذلك، فدخل عمر منزله، فخرج والسيف في يده قد سله فضرب به رأس الذي أبى أن يرضى فقتله، فأنزل الله تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم}.. فعمر ـ رضي الله عنه ـ عد هذا الرجل مرتداً عن الإسلام لأن نفسه لم ترض بقضاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ، والرجل بالطبع يشهد أن لا إله إلا الله، وإلا لما استوجب عند عمر القتل لأن القتل للمرتد الذي أسلم ثم ارتد، لا لمن لم يشهد ولم يدخل في الإسلام أصلاً". [الصارم المسلول ـ ابن تيمية]، إذا عرف هذا، فإن بإمكاننا أن نقول: كل من رفض التحاكم إلى شريعة الله أو فضل أي تشريع على تشريع الله، أو أشرك مع شرع الله شرائع أخرى من وضع البشر، وكل من رضى أن يستبدل بشرع الله قانوناً آخر.. فقد خرج من حوزة هذا الدين وألقى ربقة الإسلام من عنقه، ورضي لنفسه أن يخرج من الملة كافراً..
وحين نصل في حديثنا إلى هذه النقطة، يتصور قوم أننا مقدمون لا محالة على إصدار الحكم على الأجيال الحاضرة من الناس بالكفر، لأنهم لا يتحاكمون إلى شريعة الله، فيشعر القوم أنفسهم الخطر من هذه القضية كلها، فيسارعون إلى معارضتها من حيث المبدأ، خشية أن يجرهم إقرار المبدأ إلى إصدار الحكم.. ونحن نؤكد أن قضيتنا ليست هي إصدار الحكم على الناس، بل نحن نهدف إلى قضية أخرى.. أبعداً كثيراً، وأخطر ـ في نظرنا ـ كثيراً من إصدار حكم على هذا الجيل من الناس..
فنحن نتكلم عن تأثير رفض شريعة الله، أو قبول شريعة غير الله على عقيدة المسلم، ونقول لكل مسلم: الحذر.. الحذر من قبول شرع غير شرع الله، أو رفض شرع الله لأن كلاهما مخرج من الملة، ولا نجاة للعبد من النار، ولا طريق له إلى الجنة إلا إذا مات لا يشرك بالله شيئاً كما قال ـ صلى الله عليه وسلم ـ : "من مات ولا يشرك بالله شيئا دخل الجنة" [رواه مسلم]، وإذن فلا بد للعبد من قبول شرع الله ورفض شرع سواه للنجاة من الشرك، وثبوت حقيقة الإسلام، ودخول جنة الله في الآخرة..
ونحن في هذا الذي نقوله نحاول أن نقوم بالأمانة الملقاة على عاتقنا، وهي بيان الحق، فمهمتنا "البيان"، نحاول أن نبيّن لهم ما غاب عنهم من حقائق هذا الدين.. في غربة الإسلام الثانية.
الخـلاصــة:
• الشرك ذنب البشرية الأكبر.. وهو أنواع.. الشرك الأكبر: ينفي الإسلام بالكلية، والشرك الأصغر: أكبر من كبائر الذنوب.
• حقيقة الشرك من أكثر الحقائق التي تعرضت للبس والتحريف، فليس الشرك هو السجود إلى صنم فقط.. ولكن من الشرك أيضاً أن يشرك الإنسان مع الله غيره في العبادة، أو يطيع مع الله غيره في التشريع.
• أي انحراف في توحيد الاعتقاد (الربوبية والأسماء والصفات) هو شرك، وأي انحراف في توحيد العبادة (توجيه كل ألوان العبادة لله وحده بلا شريك) هو شرك.. وأي انحراف في توحيد الحاكمية (أي التحاكم إلى شريعة الله وحدها دون غيرها من الشرائع) هو كذلك شرك..
وكلها - الثلاثة - على ذات المستوى من الدخول في أصل العقيدة، والشرك في أيها هو الشرك المخرج من الملة.
• التحاكم إلى غير ما أنزل الله نفاق لا يجتمع مع أصل الإيمان.
• كل من رفض التحاكم إلى شريعة الله أو فضّل أي تشريع على تشريع الله، أو أشرك مع الله شرائع أخرى من وضع البشر، وكل من رضي أن يستبدل بشرع الله قانوناً آخر فقد خرج من حوزة الدين وألقى ربقة الإسلام من عنقه، ورضي لنفسه أن يخرج من هذه الملة كافراً.
• لسنا نقصد بهذا البيان إصدار حكم على أحد من أعيان الناس، إنما نحن في معرض البيان الواجب، الذي هو أمانة في عنق كل من علم حقيقة هذا الدين.
لمزيد من الإطلاع راجع ـ إن شئت ـ:
- مقومات التصور الإسلامي ـ سيد قطب ـ دار الشروق.
- حول تطبيق الشريعة ـ محمد قطب.
- فتح المجيد ـ عبد الرحمن بن حسن.
- مفاهيم ينبغي أن تصحح ـ محمد قطب ـ دار الشروق.
- معالم في الطريق ـ سيد قطب ـ دار الشروق.
- أضواء البيان ـ الشنقيطي.
- تفسير القرآن العظيم ـ ابن كثير.
- في ظلال القرآن ـ سيد قطب ـ دار الشروق.
- تحكيم القوانين ـ محمد بن إبراهيم.
- تفسير البيضاوي.
- أعلام الموقعين ـ ابن القيم.
- عمدة النفسير ـ أحمد شاكر.
- الصارم المسلول ـ ابن تيمية.
- العقيدة وأثرها في بناء الجيل ـ عبد الله عزام.
المبحث الخامس
العلمانية.. وحكم الجاهلية
حاول أعداء الإسلام ـ من يهود صهيونيين، ونصارى صليبيين، وغيرهم ـ حاولوا القضاء على الإسلام عن طريق نشر الإلحاد.. وفشلوا.. وحاولوا صرف الناس عن الإسلام عن طريق الشيوعية.. وفشلوا.. وأحس الأعداء اليأس من هذا الدين ولكنهم، بعد التفكير والتدبير، لجأوا إلى طريقة أخبث، وحيلة أمكر..
لجأوا إلى إقامة أنظمة وأوضاع تتزيا بزي الإسلام، وتتمسح في عقيدته، ولا تنكر الدين جملة، بل تعلن إيمانها به إيماناً نظرياً، واحترامها له كعقيدة في الحنايا، وشعائر تؤدي في المساجد، أما ما وراء ذلك من شؤون الحياة فمرده ـ بزعمهم ـ إلى إرادة الأمة الحرة الطليقة التي لا تقبل سلطاناً عليها من أحد.. وكانت هذه هي خدعة "العلمانية" التي تخفى النظم اللادينية حقيقتها وراء لافتتها، لتُقْصي شريعة الله عن الحياة، وتحكم الأمة بغير ما أنزل الله، ولما كانت حقيقة هذه العلمانية تخفى على كثير من المسلمين، فإنه من واجبنا أن نفضح هذه العلمانية، عبر نظرة نلقيها على واقعها لنراها على حقيقتها ونتبين ما هي العلمانية؟ وكيف نشأت؟.. لمن حق التشريع المطلق في نظمها؟ وما هي الشريعة التي تحمل الأمة على التحاكم إليها؟
- العلمانية.. التعريف والنشأة:
لفظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة Secularism في الإنجليزية، أو Secularite بالفرنسية، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ العلم ومشتقاته على الإطلاق.. والترجمة الصحيحة للكلمة هي اللادينية أو الدنيوية، لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين، أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد !!.
وفي دائرة المعارف البريطانية مادة Secularism: هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيههم من الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها..
وهل الدينا والآخرة طريقان منفصلان؟! وهل هذه لإله وتلك لإله؟! وهل الإله الذي يحكم الدنيا، غير الإله الذي يحاسب الناس يوم القيامة؟!
ولذلك فإن المدلول الصحيح لكلمة "العلمانية" هو: فصل الدين عن الدولة.. أو هو إقامة الحياة على غير الدين، سواء بالنسبة للأمة أو للفرد، ثم تختلف الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود، فبعضها تسمح به، وتسمى العلمانية المعتدلة، فهي ـ بزعمهم ـ لا دينية ولكنها غير معادية للدين، وذلك في مقابل المجتمعات الأخرى المضادة للدين.. وبدهي أنه لا فرق في الإسلام بين المسميين، فكل ما ليس دينياً من المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين، فالإسلام واللادينية نقيضان لا يجتمعان. ولا واسطة بينهما.
وإذن فالعلمانية دولة لا تقوم على الدين، بل هي دولة لا دينية، تعزل الدين عن التأثير في الدنيا، وتعمل على قيادة الدنيا في جميع النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية والأخلاقية والقانونية وغيرها بعيداً عن أوامر الدين ونواهيه.
والعلمانية دولة لا تقبل الدين إلا إذا كان علاقة خاصة بين الإنسان وخالقه بحيث لا يكون لهذه العلاقة أي تأثير في أقواله وأفعاله وشؤون حياته.
ولا شك أن المفهوم الغربي العلماني للدين، على أنه علاقة خاصة بين العبد والرب، محلها القلب، ولا علاقة لها بواقع الحياة.. جاء من مفهوم كنسي محرف، شعاره "أد ما لقيصر لقصير، ما لله لله"، ومن واقع عانته النصرانية خلال قرونها الثلاثة الأولى، حين كانت مضطهدة مطاردة من قِبل الإمبراطورية الرومانية الوثنية، فلم تتمكن من تطبيق شريعتها، واكتفت بالعقيدة والشعائر التعبدية ـ اضطراراً ـ واعتبرت ذلك هو الدين وإن كانت لم تتجه إلى استكمال الدين حين صار للبابوية سلطان قاهر على الأباطرة والملوك، فظل دينها محرفاً لا يمثل الدين السماوي المنزل. فلما جاءت العلمانية في العصر الحديث وجدت الطريق ممهداً، ولم تجد كبير العناء في فصل الدين عن الدولة، وتثبيت الدين على صورته الهزيلة التي آل إليها في الغرب..
وإذن فالعلمانية، رد فعل خاطئ لدين محرف وأوضاع خاطئة كذلك، ونبات خرج من تربة خبيثة ونتاج سيئ لظروف غير طبيعية.. فلا شك أنه لم يكن حتماً على مجتمع ابتلى بدين محرف أن يخرج عنه ليكون مجتمعاً لا دينياً بل الافتراض الصحيح هو أن يبحث عن الدين الصحيح..
فإذا وجدنا مجتمعاً آخر يختلف في ظروفه عن المجتمع الذي تحدثنا عنه، ومع ذلك يصر على أن ينتهج اللادينية ويتصور أنها حتم وضرورة فماذا تحكم عليه؟.. وكيف يكون الحكم أيضاً إذا كان المجتمع الآخر يملك الدين الصحيح.. فقط نثبت السؤال، ونترك ـ لا نقول لكل مسلم ـ بل لكل عاقل الإجابة عليه؟
أما نحن فنكرر هنا أنه لا يوجد دين جاء من عند الله هو عقيدة فقط، والدين الذي هو عقيدة فقط أو عقيدة وشعائر تعبدية، دون شريعة تحكم تصرفات الناس في هذه الأرض، هو دين جاهلي مزيف لم يتنزل من عند الله.
- العلمانية.. وحق التشريع المطلق:
في مسلسل نبذ الشريعة الإسلامية، وفصل الدين عن الحياة في ديار الإسلام، كانت الحلقة الأخيرة هي النص في دساتير الدول (الإسلامية) على تقرير حق التشريع المطلق للأمة ـ الأمة في الإسلام لا تملك حق التشريع المطلق، ولكن الشرع فوض إليها ـ في حدود ضوابط معينة ـ الحق في اختيار أئمتها ليسوسوا أمورها على مقتضى الكتاب والسنة ـ ونصت بعض هذه الدساتير على اعتبار رئيس الدولة جزءاً أصيلاً من السلطة التشريعية، واكتفى بعضها الآخر بالنص على الحقوق التي يمارسها رئيس الدولة في مجال التشريع وهي حق الاقتراح، وحق الإصدار وحق الاعتراض أو التصديق.
ومن الأولى:
- دستور المملكة الأردنية الهاشمية الذي ينص في المادة 25 على أنه: تناط السلطة التشريعة بمجلس الأمة والملك.
- والدستور السوداني الذي ينص في المادة 80 على أنه: رئيس الجمهورية هو رأس الدولة ويتولى السلطة التنفيذية، ويشارك في السلطة التشريعة.
- ودستور البحرين الذي ينص في المادة 42 على أنه: لا يصدر قانون إلا إذا أقره المجلس الوطني ووافق عليه الأمير.
ومن الدول التي اكتفت على النص على الحقوق التي يمارسها رئيس الدولة في مجال التشريع.. دستور مصر المادة 109: لرئيس الجمهورية حق الاقتراح، والمادتان 112، 113: تنظمان حق رئيس الجمهورية في التصديق على القوانين والاعتراض عليها.
- والمملكة المغربية ينص دستورها على: للملك حق الإصدار.. وينص في الفصل 44: يصدر القانون عن مجلس النواب بالتصويت.
- ودستور الجزائر ينص: رئيس الجمهورية يصدر القوانين (المادة 154) وينص في المادة 5: السيادة الوطنية ملك الشعب.
- والدستور الكويتي ينص في المادة 6: نظام الحكم في الكويت ديمقراطي السيادة وللأمة مصدر السلطات جميعاً.. ويقول في المادة 51: السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة.
والمسلمون يعرفون أن: الأمة في الإسلام لا تملك أن تحل ما تشاء وتحرم ما تشاء، كما هو الحال في الفكر الغربي الذي أخذ هؤلاء عنه دساتيرهم.
- ونفس هذا التقرير ـ تقرير السيادة والتشريع للأمة أو الشعب، واعتبار رئيس الدولة جزءاً من السلطة التشريعية ـ نفس هذا التقرير منصوص عليه في الدستور السوري (المادة 110)، والدستور الليبي (المادة 18، 20)، والدستور التونسي (المادة 38، 44)، والدستور العراقي (المادة 41، 51، 44)، والدستور اليمني (المادة 92)، ودستور دولة الإمارات (المادة 110، 47، 54).
وفي كل تلك الدول تتجسد السيادة التي قررتها الدساتير للأمة أو الشعب في ثلاثة مظاهر رئيسية:
الأول: السلطة التشريعية: ودورها سن القوانين التي يتحاكم إليها في الدماء والأموال والأعراض، وفي كل شؤون الحياة.
الثاني: السلطة التنفيذية: ووظيفتها المحافظة على النظام العام والسهر على حماية القوانين.
الثالث: السلطة القضائية: ووظيفتها حل المنازعات والفصل في الخصومات وفقاً للقوانين الصادرة من السلطة التشريعية.
وإذن فالأنظمة العلمانية تقر بالسيادة المطلقة للأمة، وتنص في دساتيرها على أن القانون هو التعبير على إرادتها المطلقة.. فالأمة ـ بزعمهم ـ هي التي تقرر الشرائع التي تحكم بها، وحقها في ذلك بلا حدود !!.
ولا شك أن هذا في حقيقته هو الإقرار بحق التشريع المطلق للأمة لا ينازعها فيه منازع، ولا يشاركها فيها شريك.. فما تحله هو الحلال وإن اجتمعت على حرمته كافة الشرائع السماوية، وما تحرمه هو الحرام وإن اتفق على حله كل دين جاء من عند الله..
ذلك أن الأمة في الأنظمة العلمانية هي مصدر التشريع، وما يصدر عنها هو القانون.. والقانون ليس بنصيحة، ولكنه أمر، وهو ليس أمراً من أي أحد، ولكنه أمر صادر فقط ممن يدان له بالطاعة وموجه إلى من تجب عليه تلك الطاعة.
وإذا كان سلطان الأمة يتجسد في السلطة التشريعية، والتنفيذية، والقضائية فإنه لا يوجد قانون بالمعنى الصحيح إلا إذا صدر عن السلطة التشريعية في الحدود التي رسمها الدستور، وكلتا السلطتين التشريعية والقضائية بهذا الاعتبار مشتركان في الخضوع لسيد الكل.. ألا وهو الدستور.. الذي يجب أن يحنى الجميع أمامه رؤوسهم صاغرين.
وتأمل معي هذه الكلمات، وقل معي رحم الله ابن تيمية حين قال: "إن الإنسان أمام طريقين لا ثالث لهما، فإما أن يختار العبودية لله.. وإما أن يرفض هذه العبودية فيقع لا محالة في عبودية لغير الله.
- العلمانية.. وكيف تحكم؟
للقانون في ظل العلمانية مصادر مادية، ومصادر رسمية، فأما المصادر المادية فهي التي تغترف منها مادة القانون، وهي متعددة ومتنوعة، ولا تفيد هذه المصادر في معرفة ما إذا كانت هناك قاعدة قانونية أم لا، لأن القاعدة القانونية لا تعتبر إلا إذا توفر لها عنصر الإلزام الذي يضيفه عليها المصدر الرسمي.
فالمصادر الرسمية هي التي يستمد منها القانون إلزامه، وسطوته وسلطانه.. والمصادر الرسمية للقانون المصري هي:
- التشريع.
- العرف.
- مبادئ الشريعة الإسلامية.
- مبادئ القانون الطبيعي.
- قواعد العدالة.
وليست هذه المصادر على درجة واحدة من الأهمية، فالتشريع هو المصدر الأساسي السابق في أهميته، في حين أن المصادر الأخرى لا تعدوا أن تكون مصادر ثانوية احتياطية لا يلجأ إليها إلا إذا سكت التشريع عن حكم النزاع.
فالمشرع الوضعي يوجب على القاضي أن يعمل نصوص القانون الوضعي فيما يعرض عليه من وقائع، فإن لم يجد عمل بالعرف، فإن لم يجد بحث في أحكام الشريعة الإسلامية، فإن لم يجد فقواعد العدالة والقانون الطبيعي. [مدخل دستوري ـ سيد صبري، نظرية القانون ـ فؤاد عبد الباقي].
فالتشريع الوضعي يشغل مكان الصدارة بالنسبة للمصادر الأخرى، والأغلبية الساحقة من القواعد القانونية ترجع إليه، إذ قد تقلص ظل المصادر الأخرى حتى أصبحت أهميتها بالغة التفاهة ـ حسب تعبير د/ سيد صبري ـ واقتصر دورها على سد النقص في التشريع عن حكم النزاع المعروض أمام القاضي.
على أن القاضي إذا عرض عليه نزاع معين وجب عليه أن يبحث في نصوص التشريع فإذا وجد بينها نصاً يسري بلفظه أو بروحه على الحالة المعروضة عليه التزم تطبيقه وما كان له أن يلجأ إلى المصادر الأخرى.
فقد نصت المادة الأولى من القانون المدني على ما يلي، تسري النصوص التشريعية على جميع المسائل التي تتناولها في لفظها أو في فحواها، فإذا لم يجد نص تشريعي يمكن تطبيقه حكم القاضي بمقتضى العرف، فإذا لم يجد فبمقتضى الشريعة الإسلامية، فإذا لم يجد فبمقتضى القانون الطبيعي وقواعد العادلة.
فتأمل ـ أخي المسلم ـ تقديم العمل بهذا القانون الوضعي على الشريعة الإسلامية وتأمل ما في ذلك من إهدار للشريعة، بل وتقديم العرف البشري على أحكام الشرع الإلهي، وفي هذا مزيد من الإهدار للشريعة الإسلامية..
فهي لا تعدو عند العلمانية أن تكون مصدراً احتياطياً في الدرجة الثالثة.. ولا يعدو تعليق إعادة الحكم إلى الشريعة الإسلامية على حالة انعدام النص القانوني أو العرفي، لا يعدوا أن يكون ضرباً من المحال، لأن التشريعات الوضعية يراعى فيها ـ كما يقول العلمانيون ـ الشمول والإحاطة والتناول المفصل لكل ما يمكن أن يعرض من المنازعات في الحياة العملية.
هذه هي طريقة العلمانية في الحكم بقوانينها، وتلك هي مصادر القوانين في ظلها.. ومن قبلها كانت مصادر جنكيزخان في كتاب أحكامه الذي وضعه للتتار هي اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وكانت الشريعة الإسلامية عنده مصدراً أصلياً وليس احتياطياً.. فماذا قال عنه العلماء؟
لقد أطلقها ابن كثير ـ المفسر المؤرخ المحدث ـ أطلقها صريحة مدوية: من ترك الشرع المنّزل على محمد بن عبد الله خاتم الأنبياء، وتحاكم إلى غيره من الشرائع المنسوخة فقد كفر، فكيف بمن تحاكم إلى الياسا، وقدمها عليه، لا شك أن هذا يكفر بإجماع المسلمين.
- العلمانية.. والمصدر الرئيسي للتشريع:
هناك شبة قد يشوش بها العلمانيون، وهي أن بعض الدساتير قد نص على أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع.. مثل دستور مصر الذي جاء في مادته الثانية: أن الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي للتشريع... ونحن نقول: إننا لا نحكم إلا بما نعلم، ولا نجزم إلا بما نرى المحاكم الوضعية تمارسه صباح مساء، وهو أن المحاكم لا تزال ملزمة قانوناً بتطبيق القوانين الوضعية، وأن القضاة لا يملكون بحال من الأحوال تطبيق الشريعة.
ففي قضية اغتيال السادات أسس الدفاع عمله على الدفع بعدم الدستورية لأن نصوص القوانين مخالفة لأحكام الشريعة الإسلامية التي تعتبر المصدر الرئيسي للتشريع وفقاً لأحكام المادة الثانية من الدستور الصادر عام 1971، والمعدلة عام 1980... فماذا قالت المحكمة في ردها على ذلك؟
جاء في رد المحكمة: رداً على هذا الدفع، فإن المحكمة تشير بادئ ذي بدء إلى ما هو مستقر من أن قواعد التفسير للنصوص تأبى تأويل النص أو تحميله أكثر مما يحتمل إذا كان واضحاً لغوياً فعبارة "المصدر الرئيسي للتشريع" لا تمنع لغوياً وجود مصادر أخرى للتشريع، وهو نفس مفاد النص قبل تعدليه.
أرأيتم.. إن المحكمة تؤكد أن العبارة شركية، وأنها تتضمن وجود مصادر أخرى غير الشريعة الإسلامية.
ولماذا نذهب بعيداً؟ لقد حدث بالفعل أن حكم قاضٍ بالجلد في جريمة سُكر، متأولاً هذه المادة الدستورية..
فماذا كانت النتيجة؟
لقد أبطل حكمه، وأقصى عن العمل من القضاء !!
وكان ممن ذكره رئيس محكمة استئناف الإسكندرية المستشار سعيد العيسوي في أوجه بطلان هذا الحكم ما يلي:
- أن من قضى بذلك فقد حنث في يمينه القضائي الذي أقسم فيه على الحكم بالعدل واحترام القوانين.. والعدل كما يقول السيد المستشار، يعني أن تقضي في الواقع المعروض بالعقوبة الملائمة في حدود القانون المطبق.. ثم يضيف فيقول: فقضاء هذه المحكمة بقانون آخر غير القوانين المطبقة في ذلك حنث باليمين فما بالك بمن يطبق أو يخترع قانوناً يعلم أنه غير معمول به !!.
- وجنائياً لا يجوز، ولا يقبل من القاضي أن يجرم فعلاً لا ينص القانون على اعتباره جريمة، ولا يجوز له ولا يقبل منه أن يقضي بعقوبة لم ينص عليها القانون.
- أن مصدر هذا الحكم لم يعرف شيئاً عن علم العقاب، فقد شدد المشرع الوضعي في العقوبة وجعلها ستة أشهر حماية للمجتمع، وهذا أحفظ من مجرد الجلد ثمانين جلدة !!!. [مأخودة من كتاب أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية ـ المستشار محمود عبد الحميد غراب].
أرأيت ـ أخي المسلم ـ إن هذه العلمانية ترى أن التشريع الوضعي أحفظ لأمن المجتمع من الشريعة الإسلامية.. والقاضي الذي حكم بالجلد لم يعرف شيئاً عن علم العقاب !!.. هكذا.. وكأن القوم يقولون إن الله ـ تعالى الله عما يقولون علواً كبيراً ـ لا يعرف شيئاً عن علم العقاب عندما اكتفى بمجرد الجلد على السُكر.. سبحانك.. هذا بهتان عظيم..
ومن الذي يجرؤ على ادعاء أنه يشرع للناس، ويحكم فيهم، خير مما يشرع الله لهم ويحكم فيهم؟ وأية حجة يملك أن يسوقها بين يدي هذا الادعاء العريض؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعلم بالناس من خالق الناس؟
أيستطيع أن يقول: إنه أرحم بالناس من رب الناس؟
أيستطيع أن يقول: إنه أعرف بمصالح الناس من إله الناس؟
أيستطيع أن يقول: إن الله سبحانه وهو يشرع شريعته الأخيرة، ويرسل رسوله الأخير، ويجعل رسوله خاتم النبين، ويجعل رسالته خاتمة الرسالات، ويجعل شريعته شريعة الأبد.. كان ـ سبحانه ـ يجهل أن أحوالاً ستطرأ، وأن حاجات ستجد، وأن ملابسات ستقع، فلم يحسب حسابها في شريعته لأنها كانت خافية عليه، حتى انكشفت للناس في آخر الزمان..
ما الذي يستطيع أن يقوله.. وبخاصة إذا كان يدّعي الإسلام؟.
إنه مفرق الطريق، الذي لا معدى عنده من الاختيار..
إما إسلام وإما جاهلية.. إما إيمان وإما كفر.. إما حكم الله وإما حكم الجاهلية..
وهذه العلمانية التي وصفنا حالها، ورأينا واقعها ليست يقيناً حكم الله القائم على الكتاب والسنة.. فماذا تكون إلا.. حكم الجاهلية؟
قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون، ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} فجعل عز وجل الحكم حكمين لا ثالث لهما: حكم الله.. وهو الحكم القائم على الكتاب والسنة، وحكم الجاهلية.. وهو ما خالف ذلك.
وإذن فالعلمانية هي.. حكم الجاهلية.
الخـلاصــة:
• العلمانية: هي فصل الدين عن الدولة.. أو هي إقامة الحياة على غير الدين.
• العلمانية تقر بالسيادة المطلقة، وحق التشريع للأمة، فما تحله هو الحلال ـ عندهم ـ وإن اجتمعت على حرمته كافة الشرائع السماوية وما تحرمه هو الحرام وإن اتفق على حله كل دين من عند الله.
• المصادر الرسمية للقانون في ظل العلمانية هي: التشريع، العرف، ومبادئ الشريعة الإسلامية، وقواعد العدالة، ومبادئ القانون الوضعي.. والتشريع، والعرف مقدمان في الحكم ـ عند العلمانيين ـ على الشريعة الإسلامية.
• العقوبات الشرعية معطلة ـ في ظل العلمانية ـ تعطيلاً كاملاً، والحكم بها جريمة تستوجب البطلان والمساءلة.
• القضاة في المحاكم الوضعية لا يملكون إلا أن يطبقوا القوانين الوضعية المكتوبة التي بين أيديهم، ولو حكموا بغيرها فمصير أحكامهم هو البطلان.
لمزيد من الإطلاع، راجع ـ إن شئت ـ:
- حول تطبيق الشريعة ـ محمد قطب.
- العلمانية ـ سفر الحوالي.
- مدخل دستوري ـ سيد صبري.
- العبودية ـ ابن تيمية.
- الشريعة الإلهية لا القوانين الجاهلية ـ عمر الأشقر.
- نظرية القانون ـ فؤاد عبد الباقي.
- البداية والنهاية ـ ابن كثير.
- صحيفة الأهرام ـ عدد الخميس 29 جمادي الأولى 1402.
لا شك أن العلمانية ـ كما عرضنا في المبحث السابق ـ لا تستدعي في حقيقة الأمر كبير جهد لبيان تناقضها مع دين الله "الإسلام" فهي من ذلك النوع من الاتجاهات والأفكار التي قال عنها علماؤنا قديماً: إن تصوره وحده كافٍ في الرد عليه..
فالتوحيد.. الذي هو جوهر الإسلام.. يتضمن إفراد الله بحق الحكم والتشريع بينما العلمانية.. تقر بحق التشريع والحكم لغير الله.. الشعب أو البرلمان أو الحزب أو الحاكم..
و"لا إله إلا الله".. التي هي شعار الإسلام.. تعني الكفر بالطاغوت والإيمان بالله، وتقتضي تحكيم شريعة الله، والحكم بها، والتحاكم إليها. بينما العلمانية.. نظام طاغوتي يقوم على الحكم بغير ما أنزل الله، ويحمل على التحاكم إلى غير شريعة الله.
والإسلام.. الذي هو دين الرسل جميعاً.. حقيقته هي الاستسلام المطلق لله، ورفض الاستسلام لسواه..
بينما العلمانية.. حقيقتها الاستسلام لغير الله ـ معه أو من دونه ـ سواء كان هذا الغير هو الدستور أو السلطة التشريعية أو الحزب أو غيرها... والشرك.. ذنب البشرية الأعظم، ونقيض الإسلام الأكبر.. أصله هو تحكيم غير الله والتلقي عن غير الله، فهو تمرد على شرع الله تعالى وعدم تحكيمه في شؤون الحياة بعضها أو كلها.
والعلمانية.. ترفض شريعة الله، وتمنع من قبول حكم الله رجوعاً إلى شريعة أخرى.. هي ما تشرعه الأمة أو الشعب أو الحاكم أو غيرهم من البشر..
وإذن فالإسلام والعلمانية طريقان متباينان، ومنهجان متغايران.. طريقان لا يلتقيان ولا تقام بينهما قنطرة اتصال.. واختيار أحدهما هو رفض للآخر.. ومن اختار طريق الإسلام.. فلا بد له من رفض العلمانية..
هذه بديهية من البديهات التي يعد إدراكهما ـ فيما نحسب ـ هو نقطة الانطلاق الصحيحة لتغيير واقع الأمة الإسلامية، ويعد غيابها هو السبب الأول لبقاء الأمة ألعوبة في يد العلمانيين يجرّونها إلى الهلاك بكل مهلكة من القول والعمل، ويزيدونها غياً كلما اتبعتهم في طريق الغيّ.. طريق العلمانية.. ولأن إدراك هذه البديهية على هذا القدر من الأهمية، فلا بد من التفصيل فنقول:
نحن نرفض العلمانية لأنها..
- تُحِل ما حرم الله:
إذا كانت الشريعة مُلْزِمة من حيث المبدأ، فإن في داخل هذه الشريعة أحكاماً ثابتة لا تقبل التغيير، وأحكاماً عامة ثابتة في ذاتها، ولكنها تقبل أن تدخل تحتها متغيرات.. ومن بين الثوابت التي لا تقبل التغيير ولا يدخل تحتها متغيرات، أحكام العبادات كلها، والحدود، وعلاقات الجنسين.
فماذا فعلت العلمانية بهذه الثوابت؟..
إن الأنظمة العلمانية تبيح الزنا برضا الطرفين، و"المتشدد" منها يشترط موافقة الزوج أو الزوجة.. والكثير منها يبيح اللواط للبالغين.. وكلها يبيح الخمر والخنزير !!..
فأما الزنا برضى الطرفين فنجد مثلاً أن قانون العقوبات في مصر والعراق يؤكد على أن الزنا إذا وقع برضى الطرفين وهما غير متزوجين وسنهما فوق الثامنة عشرة ، فلا شيئ عليهما، وإن كانا متزوجين فلا عقوبة عليهما ما لم يرفع أحد الزوجين دعوى ضد الزوج الخائن. [قانون العقوبات المصري ـ مواد 267، 279]، وقانون العقوبات العقوبات العراقي ـ المواد 232، 240].
وإذن ففي شريعة العلمانية يكتسب الزنا "شرعية" حين يقع برضاء الطرفين والصلة بامرأة بالغة برضائها لا تقوم به جريمة إذا لم يقع في ظروف تجلعه داخلاً تحت قانون مكافحة الدعارة.. وتبيح العلمانية ظهور النساء على شواطئ البحر بملابس الاستحمام مع أنها تكشف العورات..
فالعِرض في شريعة العلمانية هو مجرد حرية السلوك الجنسي، ولكل شخص في هذه الشريعة أن يتخذ لنفسه السلوك الجنسي الذي يروق له، والأفعال التي يحرّمها قانون العلمانية في جرائم العرض، إنما يحرمها لكونها تشكل اعتداء على الحرية الجنسية فحسب لا باعتبارها أمراً يغضب الله ويحرّمه الدين فإذا اتخذت الجريمة صورة الاغتصاب أو هتك العرض بالقوة فإن القانون الوضعي يُحرم ذلك لكونه اعتداء على الحرية الجنسية، لأن الجاني قد أرغم المجني عليه على سلوك جنسي لم تتجه إليه إرادته ورغبته.. ونفس الأمر نجده في جريمة الزنا فهي لا تعد جريمة إذا كان الطرفان غير متزوجين، أو إذا ارتكبها الزوج في غير منزل الزوجية، ولا تتحرك الدعوى الجنائية في جريمة الزنا إلا بناء على شكوى من الزوج، وللزوج الحق في التنازل عن الشكوى بعد تقديمها، وبالتالي تنقضي الدعوى الجنائية، وتوقف إجراءات رفع الدعوى الجنائية وللزوج حق وقف تنفيذ العقوبة !!. [شرح قانون العقوبات ـ محمود نجيب حسني، مجلة نادي القضاة 1981].
ذلك قانون العلمانية، وتلك فلسفته فيما يتعلق بجرائم العِرْض والزنا، وما ذكرته ليس إلا شرحاً لنصوص هذا القانون الذي تحكم به محاكمنا، ويدرسه طلاب كلية الحقوق.. قانون يمجد الحرية الجنسية، ويجعل من الشرطة حامياً لها، بل وتشرف الدول العلمانية على الملاهي الليلية وتعد لها شرطة خاصة لحمايتها.. وكأنها بيوت رسمية للبغاء.. بل هي على الحقيقة كذلك فلا يستطيع إنسان كائناً من كان، منع راقصة من الذهاب إلى هذه الملاهي، وإلا اعتبر ذلك منع لموظفة من أداء وظيفتها، وتعرض مَنْ منعها للعقوبة الجنائية والمدنية، واحتفظ صاحب الملهى بحق مقاضاتها ومطالبتها بالتعويض لعدم وفائها بالتزامها التعاقدي معه !!.
وهكذا تبيح العلمانية الزنا، وتهيئ له الفرص، وتعد له المؤسسات، وتقيم له الحفلات في الملاهي والمسارح.
وأما الربا فهو عماد الاقتصاد العلماني، تؤسس عليه البنوك، وتقدم به القروض، بل ويدخل الناس فيه كرهاً.. ومن شاء فليراجع المواد 226 ـ 233 من القانون المدني المصري، والتي تنص على الفوائد والقواعد المتعلقة بها فتحل ما حرم الله بقوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}.. وهذه الآية نزلت في أهل الطائف لما دخلوا الإسلام والتزموا الصلاة والصيام لكن امتنعوا من ترك الربا فبين الله أنهم محاربون له ولرسوله إذا لم ينتهوا عن الربا.. فإذا كان هؤلاء محاربين لله ورسوله فكيف بمن يقيمون للربا بنوكاً ويعطون للتعامل به الشرعية الكاملة؟.
وأما الخمر فإن النظم العلمانية تبيح شربها، وتفتح المحلات لبيعها وشرائها والتجارة بها، وتجعلها مالاً متقوماً يَحْرم إهداره، بل إن النظم العلمانية تنشئ المصانع لإنتاج الخمور وتعطي على الاجتهاد في إنتاجها جوائز إنتاج، وبالتالي فهي تبيح تصديرها واستيرادها، وعقد الصفقات للتجارة بها، وتحرّم على الأطراف المتعاقدة عدم الالتزام بنصوص العقد أو عدم مطابقتها للمواصفات المتعاقد عليها.. هكذا كأي سلعة تدخل في نظام التغذية !!..
وإذن فالعلمانية تحل شرب الخمر وبيعها وعصرها.. فتحل ما حرم الله، وتحرم إهدارها والإنكار على شاربها وعدم الوفاء بالالتزام التعاقدي عليها.. فهي تحرم ما أحله الله.
فالعلمانية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحله الله.. وليس هذا في الزنا والربا والخمر فقط، أو في الحدود والتعاذير فقط، أو في مادة أو أكثر من مواد القانون الوضعي العلماني.. بل إن قضية تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحله الله هي قضية النظام القانوني العلماني بأكمله، وبجميع جوانبه المختلفة..
ولما كان تحليل ما حرم الله، وتحريم ما أحل الله..كفراً لمن فعله، ومن قبله.. فلا بد لنا لنبقى مسلمين من رفض الكفر.. ورفض شريعة الكفر.. ورفض العلمانية التي تقوم على هذه الشريعة.
ونحن نرفض العلمانية لأنها..
- كـفـر بــواح:
العلمانية ـ كما أوضحنا ـ هي قيام الحياة على غير الدين، أو فصل الدين عن الدولة، وهذا يعني ـ بداهة ـ الحكم بغير ما أنزل الله، وتحكيم غير شريعته سبحانه، وقبول الحكم والتشريع من غير الله.. لذلك فالعلمانية هجر لأحكام الله عامة بلا استثناء وإيثار أحاكم غير حكمه في كتابه وسنة نبيه، وتعطيل لكل ما في الشريعة، بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة..
وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة إنما نزلت لزمان ولعلل وأسباب انقضت فسقطت الأحكام كلها بانقضائها..
وكان من نتيجة ذلك أن أصبحت القوانين والأحكام التي تعلوا أغلب ديار الإسلام هي قوانين تخالف الإسلام مخالفة جوهرية في كثير من أصولها وفروعها، بل إن في بعضها ما ينقض الإسلام ويهدمه، وحتى ما فيها من قوانين لا تخالف الإسلام فإن من وضعها حين وضعها لم ينظر إلى موافقتها للإسلام أو مخالفتها، إنما نظر إلى موافقتها لقوانين أوربا ولمبادئها وقواعدها وجعلها هي الأصل الذي يرجع إليه..
وقد وضع الأمام الشافعي قاعدة جليلة دقيقة في نحو هذا ولكنه لم يضعها في الذين يشرعون القوانين عن مصادر غير إسلامية، فقد كانت بلاد الإسلام إذ ذاك برئية من هذا العار، ولكنه وضعها في المجتهدين العلماء من المسلمين الذين يستنبطون الأحكام قبل أن يتثبتوا مما ورد في الكتاب والسنة، ويقيسون ويجتهدون برأيهم على غير أساس صحيح، حتى ولو وافق الصواب حيث يقول: ومن تكلف ما جهل، وما لم تثبت له معرفته كانت موافقته للصواب ـ إن وافقه من حيث لا يعرفه ـ غير محمودة والله أعلم، وكان بخطئه غير معذور إذا نطق فيما لا يحيط علمه بالفرق بين الخطأ والصواب فيه..
وإذا كان هذا هو حكم المجتهد في الفقه الإسلامي على غير أساس من معرفة، وعن غير تثبت من أدلة الكتاب والسنة حتى ولو أصاب، فلا شك أن هؤلاء الذين يشرعون من دون الله. مخطئون إذا أصابوا، ومجرمون إذا أخطأوا، لأنهم أصابوا عن غير طريق الصواب إذ لم يضعوا الكتاب والسنة نصب أعينهم، بل أعرضوا عنها ابتغاء مرضاة غير الله..
بل إن هؤلاء الذين يشرعون من دون الله قد وقعوا في نوع من أنواع الكفر الأكبر وهو كفر التشريع من دون الله، قال تعالى: {أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكماً لقوم يوقنون} [المائدة:50]، يقول ابن كثير رحمه الله عند تفسير هذه الآية: ينكر الله تعالى على من خرج عن حكم الله المحكم المشتمل على كل خير، الناهي عن كل شر، وعدل إلا ما سواه من الآراء والأهواء التي وضعها الرجال بلا مستند من شريعة الله، كما كان أهل الجاهلية يحكمون به من الضلالات والجاهلات مما يضعونها بآرائهم وأهوائهم وكما يحكم به التتار من السياسات الملكية المأخوذة عن ملكهم جنكيزخان الذي وضع لهم الياسق، وهو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتى، من اليهودية والنصرانية والملة الإسلامية، وفيها كثير من الأحكام أخذها من مجرد نظره وهواه، فصارت في بنيه شرعاً متبعاً يقدمونها على الحكم بكتاب الله وسنة رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ومن فعل ذلك منهم فهو كافر يجب قتاله حتى يرجع إلى حكم الله ورسوله فلا يحكم سواه في قليل ولا كثير..
أرأيت ـ أخي المسلم ـ هذا الوصف القوي من الحافظ ابن كثير في القرن الثامن، لذلك القانون الوضعي الذي وضعه عدو الإسلام جنكيزخان؟ ألا ترى هذا الوصف ينطبق على القانون الوضعي الذي يضعه العلمانيون الذين يشرعون للناس من دون الله؟ إلا في وصف واحد وفرق واحد ـ أشرنا إليه سابقاً ـ وهو أن الشريعة الإسلامية كانت عند جنكيزخان مصدراً أساسياً لقانونه، بينما هي عند العلمانيين مصدراً احتياطياً من الدرجة الثالثة !!.
وإذا تبين هذا فإننا نقول بما قاله الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله: "إن من الكفر الأكبر المستبين تنزيل القانون اللعين منزلة ما نزل به الروح الأمين على قلب محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليكون من المنذرين، بلسان عربي مبين، في الحكم به بين العالمين، والرد إليه عند تنازع المتنازعين، مناقضة ومعاندة لقول الله عز وجل: {فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا}.. فإنه لا يجتمع التحاكم إلى غير ما جاء به النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ مع الإيمان في قلب عبد أصلاً، بل أحدهما ينافي الآخر... فهذه المحاكم الآن في كثير مـن أمصار الإسلام ميهأة مكملة، مفتوحة الأبواب، والناس إليها أسراب إثر أسراب، يحكم حكامها بينهم بما يخالف حكم السنة والكتاب من أحكام ذلك القانون، وتلزمهم به، وتقرهم عليه، وتحتمه عليهم. فأي كفر فوق هذا الكفر، وأي مناقضة للشهادة بأن "محمداً رسول الله" بعد هذه المناقضة.
إن ما جد في حياة المسلمين من تنحية شريعة الله، واستبدالها بالقوانين الوضعية البشرية القاصرة، بل رمي شريعة الله بالرجعية والتخلف وعدم مواكبة التقدم الحضاري والعصر المتطور ـ إن هذا في حقيقته ردة جديدة على حياة المسلمين، وهذا هو ما قاله الشيخ عبد العزيز بن باز في معرِض رده على القوميين حيث قال ـ : "الوجه الرابع من الوجوه الدالة على بطلان الدعوة إلى القومية العربية أن يقال أن الدعوة إليها والتكتل حول رايتها يفضي بالمجتمع ولا بد إلى رفض حكم القرآن لأن القوميين غير المسلمين لن يرضوا تحكيم القرآن فيوجب ذلك لزعماء القومية أن يتخذوا أحكاماً وضعية تخالف حكم القرآن حتى يستوي مجتمع القومية في تلك الأحكام، وقد صرح الكثير منهم بذلك كما سلف وهذا هو الفساد العظيم والكفر المستبين والردة السافرة"..
وكيف لا وهذه الأحكام الوضعية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، وتبيح انتهاك الأعراض وإفساد العقول، وتهلك الحرث والنسل حتى أصبحت المادة القانونية: إذا زنت البكر برضاها فلا شيئ عليها أحفظ لأمن المجتمع ـ عند هؤلاء العلمانيين ـ من قول الله تعالى: {الزانية والزاني فاجلدوا كل واحد منهما مائة جلدة ولا تأخذكم بها رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر}.. وأصبحت تصاريح فتح الخمارات والملاهي والمواخير والبنوك الربوية أصلح للمجتمع ـ عند العلمانيين ـ من الأخذ بقول الله عز وجل: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه لعلكم تفلحون}.. وقوله سبحانه: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين، فإن لم تفعلوا فأذنوا بحرب من الله ورسوله}.
إن الأمر في هذه القوانين الوضعية واضح وضوح الشمس، وهي كفر بواح لا خفاء فيه ولا مداورة.. وليس هذا رأياً لنا نبديه، أو رأياً لعالم أو مفسر أو مجتهد من الفقهاء ننقل عنه، إنما هو النص الذي لا مجال فيه للتأويل، والحكم المعلوم من الدين بالضرورة.. قال تعالى: {ومن لم يحكم بما أنزل الله، فأولئك هم الكافرون}.. فالعلمانية التي تحكم بغير ما أنزل الله ليست معصية، بل هي كفر بواح.. وقبول الكفر والرضا به كفر.. ولذلك فلا بد لنا من رفض العلمانية لنبقى في دين الله، ونحقق لأنفسنا صفة الإسلام.
ونحن نرفض العلمانية لأنها..
- تفتقد الشرعية:
أكثر البلاد الإسلامية لا تحكم بشريعة الله، ولكن يحكمها أناس يحملون أسماء إسلامية، ويستعرضون أنفسهم بين الحين والحين في صلاة أو عمرة أو حج، فتتوهم الجماهير أن لهم (شرعية) رغم أنهم لا يحكمون بما أنزل الله.. فهل الحاكم إذا أبطل شريعة الله كاملة، واستعاض عنها بالشرائع الجاهلية.. هل تكون له شرعية؟
وهل يكون له على الرعية حق السمع والطاعة؟
وهل إذا قام نظام دولة على الإقرار بحق التشريع المطلق لغير الله، وحمل الأمة على التحاكم إلى غير ما أنزل الله..
هل تكون لهذا النظام شرعية؟
بادئ ذي بدء نقول إنه من المتفق عليه بين العلماء إن الإمام ما دام قائماً بواجباته الملقاة على عاتقه، مالكاً القدرة على الاستمرار في تدبير شؤون رعيته عادلاً بينهم، فإن له على الرعية حق السمع والطاعة..
ولكن هذا الحق في السمع والطاعة يكون في حدود طاعته هو لله ورسوله، فإن عطّل شرع الله، فقد خرج من طاعة الله والرسول، ولم تصبح له طاعة على الناس، قال تعالى: {يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم، فإن تنازعتم في شيئ فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا} [النساء: 59]، وظاهر من البناء اللغوي للآية أن الطاعة لله مطلقة، كذلك الطاعة للرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ، ولكن ليست كذلك الطاعة لأولي الأمر.. ولو قال تعالى: أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأطيعوا أولي الأمر منكم لوجبت طاعتهم مطلقاً كطاعة الله والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
ولكن الله جل شأنه لم يقل ذلك، وإنما عطف طاعة أولي الأمر على طاعة الله والرسول بدون تكرار الأمر "أطيعوا"، لتظل طاعتهم مقرونة دائماً بحدود ما أنزل الله، فشرط الطاعة أن يكون ولي الأمر (منكم) أي من الذين آمنوا، ولكي يكون ذلك فلا بد أن يرد الأمر عند التنازع (إلى الله) أي كتاب الله (وإلى الرسول) أي سنة الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ.
وقد أكد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا المعنى فقال: "اسمعوا وأطيعوا وإن استعمل عليكم عبد حبشي كأن رأسه زبيبة ما أقام فيكم كتاب الله" [رواه البخاري] وقال ـ صلى الله عليه وسلم ـ :"إن أمر عليكم عبد مجدع ـ أو قال أسود ـ يقودكم بكتاب الله، فاسمعوا وأطيعوا" [رواه مسلم]. فهذه الأحاديث واضحة الدلالة على أنه يشترط للسمع والطاعة أن يقود الإمام رعيته بكتاب الله، أما إذا لم يُحَكّم فيهم شرع الله فهذا لا سمع له ولا طاعة، وهذا يقتضي عزله، وهذا في صورة الحكم بغير ما أنزل الله المفسقة، أما المكفرة فهي توجب عزله ولو بالمقاتلة، وعليه فمن أجاز اتباع شريعة غير شريعة الإسلام وجب خلعه، وانحلت بيعته، وحرمت طاعته، لأنه في مثل هذا الحال يستحق وصف الكفر، والكفر هو أعظم الأسباب الموجبة لعزل الإمام، وخلعه عن تدبير أمور المسلمين.
وقد انعقد إجماع العلماء على أن الأمامة لا تنعقد لكافر، وعلى أنه إذا طرأ عليه كفر وتغيير للشرع أو بدعة، خرج عن حكم الولاية وسقطت طاعته.
وبناء على ذلك فإن ولي الأمر الذي يتصرف في شريعة الله بالإبطال أو التعديل أو الاستبدال.. لا تكون له شرعية، لأنه فقد شرط توليه الذي يعطيه شرعية تولي الأمر وهو تطبيق شريعة الله، أي سياسة الدنيا بالدين.
وإذن فالحكام الذين يسوسون الدنيا بغير الدين، ويقيمون منهاج الحكم على المبدأ العلماني.. فصل الدين عن الدولة ـ هؤلاء الحكام ليس لهم شرعية، ولا تجب على الرعية طاعتهم، بل الواجب على المسلم معاداتهم وبغضهم وعدم مناصرتهم بقول أو فعل.
هذا من ناحية شرعية الحاكم.. أما من ناحية شرعية الوضع، أو ما يمكن أن نطلق عليه شرعية النظام فنقول: يعتقد كثير من الناس أن الأوضاع القائمة في معظم أرجاء العالم الإسلامي هي أوضاع إسلامية، ولكنها ينقصها تكملة هي تحكيم شريعة الله.. وفي الحقيقة إن هذا الفهم غير صحيح، فتحكيم الشريعة ليس تكملة لأصل إسلامي موجود بالفعل ولكنه تأسيس لذلك الأصل بمعنى أن الأوضاع لا تكون إسلامية إلا إذا حكمت شريعة الله، قال تعالى: {فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم، ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجاً مما قضيت، ويسلموا تسليما}.. فأول صفات الدولة الإسلامية التي يجب طاعتها وتحرم معاداتها هي أن يكون الحكم الحقيقي فيها من حيث التشريع والتكوين لله وحده.. وأن لا يكون فيها قانون خاص أو عام يخالف الكتاب والسنة، وأن لا يصدر أي أمر إداري يخالف التشريع الإلهي.. وأن لا ترتكز الدولة في قيامها على أساس إقليمي أو عرقي..
ذلك أن الدولة الإسلامية تقوم على الإسلام والانتساب للشرع، بمعنى أنها ترجع إلى أصول الإسلام وليس إلى أصول الكفر، مثل فصل الدين عن الدولة، أو نعرات القومية.
فإذا قام نظام دولة على مبدأ إلغاء الشريعة الإسلامية والإقرار بحق التشريع المطلق لبشر من دون الله، والتحاكم في الدماء والأموال والأعراض إلى غير ما أنزل الله كان هذا النظام باطلاً، ولا تجب طاعته..
وهذا هو شأن معظم النظم العلمانية التي تقوم على مبدأ فصل الدين عن الدولة فأنظمة الحكم القائمة الآن في العالم الإسلامي، أنظمة علمانية مقتبسة من النظم الغربية القائمة على مبدأ فصل الدين عن الدولة... وهذا المبدأ يعتبر خروجاً صريحاً على مبدأ معلوم من الدين بالضرورة، وبالنصوص القطعية في الكتاب والسنة وإجماع العلماء كافة، وهو عموم رسالة الإسلام لأمور الدين وشؤون الحياة، وأن الإسلام منهاج حياة كامل ينظم سائر شؤون المسلمين في دنياهم..
وإذن فقد بلغت الأنظمة العلمانية أقصى صور عدم الشرعية بعدولها عن حكم الله وتعدليها في أحكامه، وإبقائها على قوانين الكفر والشرك.. القوانين الوضعية.. التي تبيح ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله.
إن انعدام شرعية الأنظمة العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة، والتحاكم إلى إرادة الأمة بدلاً من الكتاب والسنة.. إن انعدام شريعة هذه الأنظمة هو بديهية من البديهات.. وموقف المسلم منها يتحدد في عبارة واحدة..
إنه يرفض هذه الأنظمة.. ويرفض الاعتراف لها بأي شرعية.
ونحن نرفض العلمانية لأنها..
- طريق التخلف والتبعية:
حين نقول للناس إن العلمانية هي طريق التخلف والتبعية، وأننا إذا أردنا التقدم والريادة، بل وقيادة البشرية جميعاً، فلا بد لنا من رفض العلمانية رفضاً مبدئياً، وقبول الإسلام قبولاً مبدئياً... حين نقول للناس ذلك.. يفتح كثير من الناس أفواههم من العجب.. وينكر كثيرون..
فعند بعض القوم أن طريق التقدم والريادة هو محاربة الفقهر والجهل والمرض. هو النباء الاقتصادي المتين. هو إزالة التخلف الحضاري والمادي والتكنولوجي.. هو إصلاح الأخلاق المنهارة: الكذب والنفاق، والغش والإهمال، وموت الضمير واللامبالاة.. هو إزالة الفرقة وتوحيد الصف وتغليب المصلحة العامة.. هو.. وهو.. وهو..
ونحن نقول: نعم لكل هذا، فكله إصلاح، وكله مطلوب.. ولكن كيف السبيل؟ لقد جربنا خلال قرن كامل من الزمان أن نصلح هذا كله، وفتحنا المدراس، وأنشأنا المصانع، وسلّحنا الجيوش.. و.. و..
فماذا حدث؟
زادت مشاكلنا كلها حدة، وزادت أزماتنا كلها تعقيداً. وزدنا ضعفاً وهواناً على الناس. ولم تعد الأمم وحدها هي التي تتداعى علينا كما يتداعى الأكلة إلى قصعتهم.. وإنما صار شذاذ الآفاق، الذين كتب الله عليهم الذلة والمسكنة من اليهود، هم أول المتداعين إلى القصعة، وأول الناهشين في الأموال والأعراض والدماء.. وما حدث ذلك إلا لوجود الزعامات العلمانية التي تجعل القرآن عضين وتجزئه وتمزقه، فتأخذ منه ما تشاء، وتدع ما لا يتفق مع أهوائها..
هذه الزعامات التي تولت زمام السلطة في ديار الإسلام في أعقاب رحيل الاستعمار العسكري المباشر على أراضي المسلمين، فقامت تعمل بجد واجتهاد على تذويب مجمتعات الإسلام في الغرب، وبذلت الجهود الخفية والمعلنة لعزل الإسلام عن الحياة، وإقامة هذه الحياة على المذهب العلماني.. فصل الدين عن الدولة..
ربما يقول قائل: وما علاقة العلمانية بتخلفنا الحضاري والمادي والعلمي والتكنولوجي؟.. وما علاقة العلمانية بأخلاقنا المنهارة من كذب ونفاق وغش وإهمال، وتقاعس وموت ضمير وعدم مبالاة؟
ونحن قبل أن نجيب.. نسأل: ما هو المقياس الذي نرجع إليه لقياس مدى تخلف الأمة؟.
لا شك أن هذا القياس هو القرآن والسنة، لأنه مرجع المسلمين في كل أمر من أمور حياتهم.. ولا شك أنه كلما اقتربنا من القرآن والسنة فنحن (متقدمون) عقيدياً وبالتالي (سلوكياً).. وكلما تأخرنا عن القرآن والسنة، فنحن متخلفون في مجال العقيدة وبالتالي في مجال السلوك..
وماذا تعني العلمانية؟
أليست تعني فصل الدين عن الدولة، وإقامة الحياة على غير الدين، وتنحية شريعة الله عن الحكم؟
إذن العلمانية هي أقصى درجات التخلف العقيدي، والتي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى.. التخلف العلمي، والتخلف الاقتصادي، والتخلف الحربي، والتخلف الفكري والثقافي..
يقول البعض من العلمانيين: دعونا بالله من حديث العقيدة. تعالوا ننظر إلى الواقع. تعالوا إلى ملايين الأفواه المفتوحة والمعدات الجائعة.. ابحثوا معنا عن حلول عملية للمشاكل الاقتصادية التي يعانيها العالم الإسلامي في تخلفه المزري وفقره المدقع وكثرة سكانه وقلة موارده..
ونقول: نعم. ابحثوا. ما زلتم تبحثون منذ قرن كامل أو يزيد فبأي شيئ خرجتم؟
أما نحن فنؤكد أن أي جهد يبذل في سبيل الخروج مما نحن فيه دون رد الناس إلى المنهج الرباني، سيظل كالأناء المملوء بالثقوب، كلما حاولنا ملأه عاد إلى الفراغ..
كيف لا ونحن نترك الطريق الصحيح لتحقيق التقدم وهو منهاج الله الذي ارتضاه لحكم الحياة، ونلهث وراء الرأسمالية تارة، والماركسية تارة، والاشتراكية تارة.. ونرفض أن نفهم أن هذه الأيدلوجيات الجاهلية تعجز عن الخروج بالأمة من التخلف، وأنها في الحقيقة سراب خادع..
إن العلمانية لم تحل مشاكل الأمة، بل زادت هذه المشاكل تعقيداً وحدةً، فضلاً عن المزيد من الهوان والذل والضياع والتخلف.. وإنها لحماقة أن يستزيد الإنسان من السم ويتوهم أنه مقبل على الشفاء.. ولذلك فلا بد من رفض هذا السم.. رفض العلمانية.. التي هي السبب الأول في التخلف..
والعلمانية كما قلنا آنفاً هي تخلف عقيدي، بل هي أقصى درجات التخلف العقيدي وهذا التخلف العقيدي يؤدي إلى تخلف اقتصادي، والتخلف الاقتصادي يؤدي إلى الفقر والاحتياج، والاحتياج يؤدي إلى التبعية.. وفي ظل التبعية تزداد المشاكل تعقيداً وتهبط عملات البلاد إلى الحضيض، وتثقل الديون، ويزداد الجوع والاحتياج، وهذا الاحتياج يولد التبعية مرة أخرى.. وهكذا تدور الأمة في حلقة مفرغة، وتصبح كالذي يخرج من حفرة ليقع في أكبر منها.. حتى يقع في الحفرة التي ليس منها خلاص !!.
فهل نظل نقبل العلمانية حتى نقع في هذه الحفرة التي لا خلاص منها، أم نرفض هذه العلمانية لننقذ أمتنا من التخلف والتبعية، ونخرج بها إلى التقدم والريادة؟
ونحن نرفض العلمانية لأنها..
- حكم الأراذل والعملاء:
لكل أمة من الأمم ثوابت تعد هي القاعدة الأساسية لبناء الأمة، وفي طليعة هذه الثوابت تأتي الهوية باعتبارها التي تتمركز حوله بقية الثوابت، والذي يستقطب حوله أفراد الأمة.. فأي أمة هي بنيان يتجمع فيه الأفراد حول (هوية) ثابتة، فإذا فقدت الهوية، تفككت الأمة وضاع الأفراد.. بل وماتت الأمة وأصبحت مطمعاً للآخرين، وتداعى عليها الأعداء.
والتاريخ يثبت أن أية أمة من الأمم تنطلق في دربها الحضاري من مجموعة الأفكار التي تمثل هويتها.. بل إن أية أمة لا توصف بأنها أمة إلا إذا كانت ذات (هوية) واضحة ومتميزة..
فماذا فعلت العلمانية بهوية أمتنا؟
لقد جاءت العلمانية بتنحية شرعية الله عن الحياة، فألقت الأمة وراء الحاجز الذي ظلت قروناً طويلة تستند إليه لتحافظ على هويتها كأمة..
وجاءت العلمانية بإثارة النعرات القومية، فلم يصبح الإسلام هو أساس الولاء والبراء وإنما أصبح الجنس أو الوطن هو أساس الموالاة والمعاداة، فتفرقت الأمة، ولم يصبح الإسلام هو المهيمن على توجيه حركتها.. وبذلك جردت الأمة من (هويتها) الإسلامية، وطرحت عليها الهوية الوطنية كبديل لها..
ولا شك أن الهوية الوطنية في المجتمعات الإسلامية هي في حقيقتها (فراغ اجتماعي) وأي أمة إذا حدث فيها فراغ اجتماعي، حدثت فيها ظواهر (اغتراب).. وفقدان (انتماء)، وهذا هو ما حدث في ظل حكم العلمانية، وصلنا إلى المعادلة الصعبة ـ وطن بلا مواطنين، ومواطنون بلا وطن ـ وفقد أفراد الأمة الانتماء للأمة وانعزل كل فرد في داخل نفسه، وعاش همه الفردي..
وأصبح العقلاء والحكماء من الأمة غير قادرين على التأثير لفقدهم مساندة الأمة، وصارت الكلمة للأراذل، وصار الحكم للسفهاء، وإذا حكم الأراذل فهو الفساد العريض، والجهود الضائعة، واستنزاف الطاقات، واعتقال العقول..
وهذا هو ما تعانيه مجتمعاتنا اليوم في ظل حكم الأراذل والسفهاء من زعماء العلمانية الذين يدفع بهم أعداء الأمة إلى القيادة بأيد خفية ليقوموا بعملية تغييب الهوية الحقيقية للأمة.. الإسلام.. واستبدالها بهويات أخرى.. وطنية أو قومية، تخرب بنيان الأمة، وتجعلها أكثر قابلية لعملية الامتصاص والاستغلال من قبل الأعداء..
فهؤلاء الزعماء في الحقيقة يقومون عبر العلمانية بإعادة ترتيب وتنظيم المجتمعات الإسلامية لتكون أكثر قابلية للتعايش مع أعدائها.. وذلك لأنهم عملاء يقومون بالدور المطلوب منهم لقاء الأجر الذي يحصلون عليه.. سواء كان هذا الأجر سلطاناً في الأرض أو شهرة وذيوع صيت، أو مالاً حراماً، أو شهواتٍ دنسة..
فإذا أردنا أن نسقط هؤلاء الأراذل العملاء، فلا بد من رفض العلمانية ليكون الإسلام هو محور اجتماع الأمة، وتزول ظواهر الاغتراب وفقدان الانتماء.. وتدفع الأمة بأولي الألباب والحكماء إلى القيادة..
وإذا تولى أولوا الألباب قيادة الأمة، كان الاجتماع على الإسلام، والولاء والبراء عليه، فكانت هذه الهوية الإسلامية حافزاً لصنع الحضارة، ودافعاً للفاعلية.. ووقتها سيكون الميلاد الجديد للفرد المسلم الذي يحقق في سنوات ما لا يحققه غيره في عقود، وللأمة المسلمة صاحبة الوثبة القوية، والانطلاقة الواسعة التي يتحطم الأغلال التي وضعها الأعداء على المارد الإسلامي عبر العلمانية.. وعبر حكم الأراذل والعملاء.
وأولاً.. وأخيراً.. نحن نرفض العلمانية لتكون:
- شريعة الله هي العليا:
فقد جاء الإسلام ليكون دين البشرية كلها، ولتكون شريعته هي شريعة الناس جميعاً ولتهيمن على ما قبلها من الشرائع، وتكون هي المرجع النهائي، ولتقيم منهج الله لحياة البشرية حتى يرث الله ومن عليها. والمنهج الذي تقوم عليه الحياة في شتى شعبها ونشاطها، والشريعة التي تعيش الحياة في إطارها وتدور حول محورها، وتستمد منها تصورها الاعتقادي، ونظامها الاجتماعي، وآداب سلوكها الفردي والجماعي..
وقد نَزّه الله شريعته عن التناقض والفساد، وجعلها كفيلة وافية بمصالح خلقه في المعاش والمعاد.. فهي صراطه المستقيم الذي لا أمت فيه ولا عوج، وملته الحنيفية السمحة التي لا ضيق فيها ولا حرج.. لم تأمر بشيئ فيقول العقل لو نهت عنه لكان أوفق، ولم تنه عن شيئ فيقول الحَجِي لو أباحته لكان أرفق، بل أمرت بكل صلاح ونهت عن كل فساد، وأباحت كل طيب، وحرمت كل خبيث، فأوامرها غذاء ودواء، ونواهيها حمية وصيانة، وظاهرها زينة لباطنها، وباطنها أجمل من ظاهرها.. شعارها الصدق وقوامها الحق، وميزانها العدل، وحكمها الفصل، لا حاجة بها البتة إلى أن تكمل بسياسة ملك، أو رأي ذي رأي.. أكملها الله الذي أتم نعمته علينا بشرعها قبل سياسة الملوك فقال سبحانه: {اليوم أكملت لكم دينكم، وأتممت عليكم نعمتي، ورضيت لكم الإسلام ديناً}..
وبقيت هذه الشريعة تحكم حياة المسلمين منذ قيام المجتمع الإسلامي على يد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ وفي عهد الخلفاء الراشدين، ثم الخلفاء الأمويين وإن كان بدر منهم بعض الانحرافات، إلا أن الحكم الذي ظل الناس يتحاكمون إليه هو شريعة الله، ثم جاءت الدولة العباسية، وكان الشرع أيضاً هو نظام الحكم مع وجود ثغرات قوية بعض الشيئ.. ثم جاء التتار، وكان كتابهم الياسق الذي تحدثنا عنه سابقاً، ولكن المسلمين لم يستسلموا له، فزال أثره بثبات المسلمين على دينهم وشريعتهم. وبقيت شريعة الإسلام هي الشريعة الوحيدة التي تحكم حياة المسلمين، يردّون إليها عند التنازع، ويتحاكمون إليها عند الاختلاف.. ولم يحدث أبداً أن استبدلت الأمة بشريعة الإسلام شريعة أخرى.. حتى غزت العلمانية ديار الإسلام فقامت بتنحية شريعة الله عن الحكم، وجعلت الشريعة الغالبة، والسلطان المهيمن، هو سلطان غير الله، وشريعة غير الله..
ولذلك وجب على كل مسلم أن يكفر بهذه العلمانية، وأن يرفض الأنظمة القائمة عليها، ولا يرضى بها ولا يرضى عنها.. حتى يعلو سلطان الله، وتعز راية القرآن وتكون شريعة الله هي العليا..
وبعد.. فلعلنا أجبنا على السؤال الذي طرحناه في أول البحث:
لماذا نرفض العلمانية؟
أجبنا حين قلنا: أن الشرع لله ابتداء، وأن شريعة الله هي العليا.. وأن مقتضى ذلك ألا يكون معها شريعة أخرى، وإلا فمعنى ذلك هو الشرك، واتخاذ الآلهة مع الله، والعبادة للأرباب المتفرقين.
وأجبنا حين قلنا: إن العلمانية تحل ما حرم الله، وتحرم ما أحل الله، وقبول التحليل والتحريم من غير الله كفر وشرك مخرج من الملة، فلا بد لنا من رفض العلمانية لنحقق لأنفسنا صفة الإسلام.
وأجبنا حين قلنا: إن العلمانية ليست معصية ولكنها كفر بواح، وقبول الكفر والرضا به كفر.. ولذلك فلا بد لنا من رفض العلمانية وعدم الرضا بها لنبقى في دين الله، ونحقق لأنفسنا صفة الإسلام.
وأجبنا حين قلنا: إن الأنظمة العلمانية التي تقوم على فصل الدين عن الدولة والتحاكم إلى إرادة الأمة بدلاً من الكتاب والسنة ـ هذه الأنظمة ـ تفتقد الشرعية وموقف المسلم منها يتحدد في عبارة واحدة..
إنه يرفض هذه الأنظمة، ويرفض الاعتراف لها بأيّ شرعية.
وأجبنا حين قلنا: إن العلمانية هي أقصى درجات التخلف العقيدي، والذي تنشأ منه كل ألوان التخلف الأخرى.. وهذا التخلف يولّد احتياجاً، والاحتياج يولد تبعية.. ولذلك فنحن نرفض العلمانية لأنها سبب التخلف والتبعية.
وأجبنا حين قلنا: إن العلمانية يحكم في ظلها الأراذل والعملاء، وينتج عنها ظواهر اغتراب، وفقدان انتماء، فيؤدي ذلك إلى استنزاف الطاقات، وضياع الجهود، وفساد عريض.. ولذلك فلا بد أن نرفض العلمانية ليسقط حكم الأراذل والعملاء، ويتولى أولوا الألباب قيادة الأمة، فيكون ميلاداً جديداً للأمة الإسلامية، التي تستطيع أن تثب الوثبة القوية، وتنطلق الانطلاقة الواسعة، وتحطم الأغلال التي وضعها الأعداء على المارد الإسلامي.
لمزيد من الإطلاع ـ راجع إن شئت:
- العلمانية ـ سفر الحوالي.
- حول تطبيق الشريعة ـ محمد قطب.
- راجع قانون العقوبات المصري ـ المواد 267 ـ 279. وقانون العقوبات العراقي ـ المواد 232 ـ 240.
- شرح قانون العقوبات القسم الخاص ـ محمود نجيب حسني، مجلة نادي القضاة.
- الفتاوى ج 28 ـ ابن تيمية.
- مسند الأمام أحمد ج 6 ـ تعليق أحمد شاكر.
- تحكيم القوانين ـ محمد بن سعيد القحطاني.
- الولاء والبراء ـ محمد بن سعيد القحطاني.
- نقد القومية العربية ـ عبد العزيز بن باز.
- أهمية الجهاد في نشر الدعوة ـ عليّ بن نفيع العلياني.
- عمدة التفاسير ـ أحمد شاكر.
- الجهاد الأفغاني ودلالاته ـ محمد قطب.
- الإمامة العظمى ـ عبد الله بن عمر الدميجي.
- حول تطبيق الشريعة ـ محمد قطب.
- الشهادة ـ صلاح أبو إسماعيل.
- مفاهيم ينبغي أن تصحح ـ محمد قطب.
- واقعنا المعاصر ـ محمد قطب.
- إعلام الموقعين ـ ابن القيم.
- في ظلال القرآن ج2 ـ سيد قطب.
الخاتمة
فطوبى للغرباء
لست ممن يؤمنون أن الإسلام يمكن أن يقوم له سلطان في الأرض بألف كتاب يُكتب عنه، ولا بالخطب والمواعظ.. وإنما لا بد مع الكتب والخطب والمواعظ من مسلمين صادقين يمثلون الإسلام في واقع حيّ متحرك.. واقع تراه العيون، وتلمسه الأيدي، وتلحظ آثاره العقول..
ثم إن هؤلاء المسلمين الصادقين لا بد لهم من العمل وبذل الجهد من المال والنفس والولد حتى يستطيعوا إخراج الأمة المسلمة من التبعية إلى الريادة ومن الاستضعاف إلى التمكين، ومن الفرقة والضعف إلى الائتلاف والقوة..
فإن قال قائل من المسلمين: ليس بيدي شيئ لمواجهة الأنظمة العلمانية؟ قلنا: بل بيدك قوة عظيمة سمّاها الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ (جهاداً) وهي قوة الرفض بالقلب.. قال عليه الصلاة والسلام: "ما من نبّي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب، يأخذون بسنته، ويقتدون بأمره. ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف، يقولون ما لا يفعلون، ويفعلون ما لا يؤمرون. فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن، ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن، ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن، وليس وراء ذلك الإيمان حبة خردل" [رواه مسلم]، فجهاد الأنظمة العلمانية يبدأ من الرفض والكره بالقلب، والكره بالقلب ليس معناه أن يعتقد الإنسان في قرارة قلبه أن هذا منكر لا يرضى الله، ثم يكون سلوكه مع هذا المنكر بعد ذلك هو نفس سلوك الراضي به المقبل عليه..
بل لا بد من اعتزال باطل العلمانية وعدم مظاهرة القائمين عليه بالعمل.. وهذا يعني البراءة من كل منهج وتشريع يخالف شريعة الله، ومعاداة القائمين عليه، وعدم الاعتراف بشرعية أنظمتهم.
وإذا كانت الأنظمة العلمانية تستطيل علينا بانهزامنا أمامها، فلنجاهدها بتماسكنا، وإذا كانت الأنظمة العلمانية تحتاج في بقائها لمناصرتنا وموالاتنا، فلنسعى في إسقاطها بمنع النصرة والموالاة عنها.. وليكن موقفنا منها هو المعاداة والمقاطعة.
وليعلم المسلم أن المسؤولية عن الإسلام هي مسوؤلية كل من شهد أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، على اختلاف في الدرجات، باختلاف القدرات والمواقع والظروف، وليعلم أن الإسلام بحاجة لجهده وإن قل.. فلا يستسلم ولا يستكين ولا ينعزل داخل كيانه الفردي..
قال عز وجل: {وكأين من نبي قاتل معه ربّيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله، وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين} [آل عمران: 146].
وليوقن كل مسلم أن الباطل إذا لم تذيبه، فإنه يذيبك..
والإنسان لا يستطيع أن يعيش طويلاً بعقيدة وتصور وقيم تخالف واقعه، وهو لا بد أن يسعى لتغيير الواقع المخالف لعقيدته وتصوره وقيمه، وإلا فإن استقرار الواقع المخالف لتصوراته وقيمه، يهدد هذه القيم وتلك التصورات بالتغيير.. وأكبر شاهد على ما نقول هو واقع المجتمعات عن التصور الإسلامي الصحيح.. بعد واقعها عن النظام الإسلامي للحياة ونُحّيت شريعة الله عن الحكم..
ثم إن هذه التنحية لشريعة الله وفصل الدين عن الحياة.. أخذ بدوره يبعدها عن الصور الإسلامي من جديد.. وهكذا ظلت المجمتعات الإسلامية تدور في هذه الحلقة المفرغة حتى أصبحت غريبة غربة كاملة عن الإسلام.. وظهرت فيها آلهة تمشي على الأرض.. زعماء وكبراء وقادة.. يزعمون لأنفسهم حق التشريع المطلق للشعوب.. يحلّون ما يشاؤون، ويحرّمون ما يشاؤون، ويعطلون من أحكام الله ما يشاؤون !!.
وبعد أن كانت قضية تفرد الله عز وجل بحق التشريع المطلق بديهية في عقل وحس كل مسلم، رأينا من علماء الضلال، وخطباء الفتنة من يُلَبّس على المسلمين هذه البديهية، ويطرح للبحث إمكانية إشراك الله عز وجل في التشريع والحكم مع القادة والحكام و... إلى آخر هذه الدواب الحقيرة..
وصدق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: "بدأ الإسلام غريباً وسيعود غريباً كما بدأ، فطوبى للغرباء" [رواه مسلم]. ولقد بدأ الإسلام بدعوة التوحيد الخالص في وجه الشرك.. ولقد عاد الإسلام يواجه الشرك في صوره الجديدة.. بدعوة التوحيد الخالص من جديد..
فمن يا ترى أولئك الغرباء ـ السعداء ـ بدعاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ لهم بالحسنى؟.. إنهم الذين يحملون راية التوحيد الخالص في وجه الشرك من جديد.. ليبدأوا الجولة الثانية كما بدأ أصحاب رسول الله الجولة الأولى..
إنهم الذين يحملون رسالة هذا الدين لكل البشرية بالنجاة من الشرك.. ليخرجوا من شاء الله من عبادة العباد إلى عبادة الله الواحد..
وهذا هو القرآن حاضر.. وريح الجنة تفوح من بعيد.. لا.. بل من قريب.
المصادر والمراجع
أولاً:
- القرآن الكريم.
- السنة المطهرة.
ثانياً: التفاسير:
- تفسير القرآن العظيم ـ الحافظ أبو الفداء إسماعيل بن كثير.
- أنوار التنزيل وأسرار التأويل ـ عبد الله البيضاوي.
- الجامع لأحكام القرآن ـ أبو عبد الله القرطبي.
- أحاكم القرآن ـ أبو بكر الجصاص.
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن ـ محمد الأمين الشنقيطي.
- مدارك التنزيل وحقائق التأويل ـ عبد الله النسفي.
- عمدة التفاسير ـ اختصار وتحقيق أحمد شاكر.
- في ظلا القرآن ـ سيد قطب.
ثالثاً: شروح كتب الحديث:
- فتح الباري في شرح صحيح البخاري ـ ابن حجر العسقلاني.
- صحيح مسلم ـ شرح الأمام النووي.
- مسند الأمام أحمد ـ تعليق أحمد شاكر.
رابعاً: كتب وفتاوى الأمام ابن تيمية:
- الفتاوى الكبرى.
- اقتضاء الصراط المستقيم مخالفة أصحاب الجحيم.
- العبودية.
- قاعدة جليلة في التوسل والوسيلة.
- الفرقان بين أولياء الرحمن وأولياء الشيطان.
- الصارم المسلول على شاتم الرسول.
- مختصر الفتاوى المصرية.
- الرسالة التدمرية.
خامساً: كتب الأمام ابن القيم:
- مدارج السالكين.
- أعلام الموقعين عن رب العالمين.
- زاد المعاد في هدى خير العباد.
- طريق الهجرتين.
سادساً: رسائل جامعية:
- الأمامة العظمى ـ عبد الله بن عمر الدميجي ـ رسالة ماجستير قدمت لجامعة أم القرى بمكة المكرمة عام 1403 هـ.
- العلمانية ـ سفر بن عبد الرحمن الحوالي ـ رسالة ماجستير قدمت لجامعة أم القرى بمكة المكرمة.
- أهمية الجهاد في نشر الدعوة الإسلامية ـ د. على بن نفيع العلياني ـ رسالة دكتوراة قدمت إلى جامعة مكة المكرمة عام 1404 هـ.
- الولاء والبراء ـ محمد بن سعيد القحطاني ـ رسالة ماجستير قدمت لجامعة مكة المكرمة عام 1401 هـ.
سابعاً: من كتب الأستاذ سيد قطب:
- معالم في الطريق.
- مقومات التصور الإسلامي.
ثامناً: من كتب الأستاذ محمد قطب:
- حول تطبيق الشريعة.
- مقرر علم التوحيد ـ وزارة المعارف السعودية.
- مفاهيم ينبغي أن تصحح.
- الجهاد الأفغاني ودلالاته.
- واقعنا المعاصر.
تاسعاً: كتب أخرى:
- شرح العقيدة الطحاوية ـ لأبي العز.
- فتح المجيد شرح كتاب التوحيد ـ الشيخ عبد الرحمن ابن حسن آل الشيخ.
- تيسير العزيز الحميد في شرح كتاب التوحيد ـ سليمان بن عبد الله.
- تحكيم القوانين ـ الشيخ محمد بن إبراهيم ـ مفتي الديار السعودية سابقاً.
- البداية والنهاية ـ ابن كثير.
- العقيدة وأثرها في بناء الجيل ـ عبد الله عزام.
- الشريعة الإسلامية لا القوانين الجاهلية ـ د. عمر الأشقر.
- أحكام إسلامية إدانة للقوانين الوضعية ـ المستشار محمود عبد الحميد غراب.
- نقد القومية العربية ـ الشيخ عبد العزيز بن باز.
- مدخل دستوري ـ د. سيد صبري.
- نظرية القانون ـ د. فؤاد عبد الباقي.
- قانون العقوبات المصري، والعراقي، نقلاً عن كتاب الموالاة والمعاداة ـ محماس بن عبد الله الجلعود.
- الشهادة ـ الشيخ صلاح أبو إسماعيل.
عاشراً:
- مجلة البحوث الإسلامية ـ العدد 25 رجب، شعبان، رمضان، شوال ـ عام 1409 هـ.
- مجلة نادي القضاة ـ عام 1981 م.
- صحيفة الأهرام ـ عدد الخميس 29 جمادي الآخر عام 1402 هـ.