ما إن أطلقت الإدارة الأمريكية حملتها العالمية تحت واجهة (مكافحة الإرهاب) في أعقاب أحداث 11ايلول- سبتمبر 2001 حتى انطلقت مراكز الابحاث والدراسات الأمريكية بكل أنواعها وبمختلف اختصاصاتها للسباق مع الزمن في جهد محموم لصياغة وتشكيل القاعدة الفكرية الضرورية لهذه الحملة، وحتى لا تسير الحملة في متاهات مظلمة أو أنفاق مجهولة·· وليس هناك من ينكر أن العمل العسكري (على أرض أفغانستان) وكذلك العمل العسكري (على أرض فلسطين) قد سبق العمل السياسي الاستراتيجي بمراحل كثيرة، وهو ما ظهر عبر التناقضات المثيرة والغريبة التي وقع فيها أصحاب القرار في الإدارة الأمريكية من سياسيين وعسكريين، الأمر الذي أكد ضرورة الالتزام بتشكيل قاعدة فكرية (عقائدية) لضبط أعمال ما يسمى (بمكافحة الإرهاب) والسيطرة عليها، ويمكن على كل حال التوقف عند بعض الملامح الفكرية للاستراتيجية المقترحة، لتوجيه حملة (مكافحة الإرهاب) نحو غايتها
1- في استراتيجية (مكافحة الارهاب)
تستدعي مكافحة الإرهاب في المحيط العالمي، تضافر جهود كل شعوب العالم وتعاونها للوصول إلى هدف مكافحة الإرهاب، وهو ضمان الأمن العالمي، وتحقيق الاستقرار والسلام والرفاء لكل الشعوب· وقد أخذت الولايات المتحدة الامريكية على عاتقها مسؤولية قيادة وتوجيه الجهود الدولية، وتنسيق التعاون العالمي، لبلوغ الهدف، مع ما تقتضيه هذه المسؤولية من تطوير للسياسة الاستراتيجية الأمريكية ذاتها ومن ذلك
- دعم هيئة الأمم المتحدة حتى تتمكن من ممارسة دور قوي وفاعل في الصراع ضد الإرهاب، وفي تأمين الاستقرار لتلك الدول المنهارة أو المهددة بالسقوط، وتتحمل الولايات المتحدة الأمريكية المسؤولية الرئيسية في دعم هذه المنظمة الدولية دعماً كاملاً سواء كان ذلك معنوياً أو في مجال ما تحتاجه من دعم مالي·
- هناك عدد من البؤر المتفجرة في العالم والتي تحتاج لعمل ديبلوماسي من جانب الولايات المتحدة الأمريكية مع تدخل عسكري، وربما المزيد من المرونة السياسية وبقدر أكبر، وليس الصراع العربي - الاسرائيلي، والمجابهات والاشتباكات الهندية - الباكستانية بشأن كشمير وجامو بأكثر من نموذجين واضحين لتلك البؤر المتفجرة
ليس من الضروري أن تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية بوجود عسكري لفترات طويلة الأمد من أجل (بناء الدول) أو (بناء السلم) في عالم ما وراء البحار غير أن ذلك يتطلب يقظة قوية وموارد كبيرة تتوافر لدولة كبرى تمارس الريادة في العالم، وتعمل جنباً إلى جنب مع حلفائها في إطار التعاون العسكري المدني·
- يجب على الولايات المتحدة أن تزيد من هامش حضورها الإنساني (أو البشري) وأن تزيد من قدراتها الداخلية للتأثير في القضايا الدولية أو العالمية· ولا يمكن لأي قدر من التقانة أن يحل محل العنصر البشري المطلوب لجمع وتحليل المعلومات وتوجيه العمل السياسي، الديبلوماسي، وتطوير التعاون العسكري·
- إن أفضل ما يمكن اتخاذه لضمان مستقبل أمريكا هو الاعتماد على ثلاثة مرتكزات
أولها- أن تبقى الولايات المتحدة قوية وموحدة وديموقراطية· ثانيها- أن يتوافر لها المزيد من القدرة الدفاعية الداخلية· وثالثها- امتلاك المزيد من القدرة الفاعلة لتفجير القدرات الوطنية، بما في ذلك القدرة الجوية، والقدرة البحرية والقدرة البرية
وبايجاز تكوين مزيج مناسب صحيح في عمل أجهزة السياسة الخارجية للتعامل مع النقاط الساخنة في العالم· على الرغم من عدم وجود حجة شرعية أو قانونية يمكن استخدامها للدفاع عما شهده العالم من أحداث الرعب المذهلة يوم 11 أيلول- سبتمبر 2001- فإنه لابد من القول بأن صانعي القرارات الأمريكية وحتى جماهير الشعب الأمريكي بحاجة للتعرف وإدراك الاحباطات التي سببت النقمة والغضب والانحرافات عن أشكال الممارسات الدولية·إذا لم تعمل الولايات المتحدة وشركاؤها في المجتمع الدولي من أجل بذل الجهود الممكنة والضرورية لإيقاف دائرة العنف·
وقد يكون من الصعب تحديد ما يجب عمله بدون الاعتراف بحق اسرائيل في البقاء من ناحية، ووجود دولة فلسطينية وتسوية للحدود مع اسرائيل من ناحية أخرى·وهناك أيضا قضية إدارة وحماية الأماكن المقدسة في القدس، والتي قد تكون من أكثر القضايا الملتهبة والحساسة في العالم· وقد يكون من الصعب التهوين من قوة المشاعر لدى اسرائيل ولدى العرب تجاه هذه القضية· وما لم يتم الوصول إلى خطة متوازنة، وغير منحازة، لإدارة عالمية لهذه الأماكن، فإنه من غير المتوقع الوصول إلى سلام بعيد المدى، وستستمر الولايات المتحدة في الغوص في هذا المحيط من الاضطراب الهائل·· ولقد عبرت أمريكا عن مثل هذه الأفكار والتوجهات في مناسبات كثيرة· وهي لا تتناقض ولا تتعارض مع قرارات هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن، والتي صدرت بهذا الشأن·
إن استمرار النظام العراقي في البقاء ضمن محيط (الدول المارقة) وهو أمر مثير للقلق، ولم يقدم (صدام حسين) أية شارة لتراجعه عن مخططاته لتطوير أسلحة التدمير الشامل، واستطاع أن يستعيد مظهر الطرف المنتصر في الحرب الإعلامية، ولم تعد العقوبات المفروضة عليه ذات فاعلية أو جدوى، بعد أن تراجعت بصورة مستمرة مع استمرار جهود الحلفاء الهادفة لاستيعاب أنشطة العراق التي أصبحت تتلقى دعماً دوليا·
وبالتالي فسيكون استخدام القوة العسكرية لاقصاء (صدام حسين) وإبعاده عن حكم العراق، عملاً باهظ التكاليف، وسيشكل كارثة سياسية في وقت تسعى فيه أمريكا لبناء تحالف دولي ضد الارهاب في إطار مبدأ (الحرية المطلقة) ولعل أفضل استراتيجية يمكن للولايات المتحدة اعتمادها والأخذ بها في الظروف الراهنة هي متابعة (استراتيجية الاستيعاب) مع تطوير التوعية الاقليمية تجاه الأخطار والتهديدات التي يشكلها العراق ضد دول الجوار· ولا يتعارض ذلك مع الاستمرار في ممارسة الضغوط على العراق، وتحذيره من أن أي استخدام لأسلحة التدمير الشامل من قبل حكومته، سوف يؤدي إلى تدميره بصورة أكيدة· وبصورة عامة، وحتى لو كانت قضية الحرب هي قضية كبيرة كمثل ما هي عليه الحملة العالمية ضد الارهاب، فإنه لابد من أن تكون الأعمال الهجومية نسبية وتمييزية من حيث التعامل مع الأهداف أو من حيث طرائق استخدام العنف (بمعنى عدم توجيه الضربات بصورة عشوائية أو الإفراط في استخدام القوة والعنف)·ويمكن أن تكون الهجمات شرعية وأخلاقية عندما يتم توجيه تلك الهجمات توجيهاً دقيقا ضد كل أولئك الذين تشير إليهم أصابع الاتهام بأنهم متورطون في المحيط الكبير لمؤامرة الإرهاب·وتحتاج العقيدة العسكرية الأمريكية للتركيز على الوسائل التي تحقق التطابق بين الأهداف وبين الأضرار والخسائر، حيث من المتوقع أن يتضاعف تأثير الضربات الهجومية عندما تتمكن الأعمال القتالية من الوصول إلى مثل هذا التطابق، وتبقى هناك نقطة لابد من التعرض لها وهي أن الإرهابيين محرومون من حماية ميثاق جنيف (لمعاملة أسرى الحرب) من المحاربين - ومن القوانين المماثلة الاقليمية أو الدولية، فهل يعني ذلك حرمانهم من أية حماية قانونية؟ أم يجب أن يبقى العامل الانساني فوق كل اعتبار لا سيما عندما لا تنطبق على من يتم اعتقالهم صفات (الارهابيين)· كمثل وضع عدد كبير من أسرى القاعدة وطالبان في سجن (غونتانامو - كوبا)؟ ويبدو أن استراتيجية مكافحة الإرهاب هي استراتيجية تحمل في مضمونها قدراً كبيراً من المرونة، أو يجب أن تكون كذلك حتى تستطيع التعامل مع عدو من أول خصائصه (المرونة) في كل تحركاته على كل جبهات القتال الواسعة وغير المحددة بحدود جغرافية·
بقدر ما أظهرت الحملة العالمية لمكافحة الإرهاب حاجة الولايات المتحدة لسياسة استراتيجية جديدة للتعامل مع (العالم الخارجي)· فقد أظهرت بالمقدار ذاته مدى الحاجة لاستراتيجية أمريكية جديدة للتعامل مع (الجبهة الداخلية) وإعادة النظر في العلاقات التي تحكم المجتمع الأمريكي، وكان في جملة الاجتهادات الأمريكية- أو التوجهات النقاط التالية
- عندما تكون الأمة في حالة حرب، فإنه من طبيعة الأمور أن تتلاحم الجبهة الداخلية، وتتعاضد لمواجهة الخطر الخارجي· وتلك حقيقة لازمت الحروب منذ أيام القبيلة المسلحة (البدائية) والتي بقيت ثابتة حتى الأزمنة الحديثة· ويصبح ما يحصل عليه قادة الجيوش من العسكريين، من الدعم والسلطة، هو أمر طبيعي ومتوقع· وعلى القادة الإفادة من خبرائها واختصاصييها وهيئاتها لتحقيق هدف الحرب، ولكن عليهم مقابل ذلك مقاومة الإغراءات السياسية للقوة· ومحاولة فرض طلبات أو شروط غير مناسبة، وخاصة بشأن المخصصات المالية (الموازنات)، وتجنب التفكير في وضع المخصصات المالية في غير مواضعها، مما يسيء إلى العلاقات العسكرية - المدنية·
- تتميز المجتمعات الديموقراطية والتي يمثلها المجتمع الأمريكي بوجود نوع من الحواجز والفواصل بين (المجتمع العسكري) و (المجتمع المدني) وقد جاءت الحملة العالمية لمحاربة الإرهاب لتقدم للعسكريين الأمريكيين فرصة مناسبة لدعم علاقاتهم وتطوير اتصالاتهم ببقية هيئات المجتمع الأمريكي وتنظيماته الموصوفة بالمدنية وذات العلاقة بالحرب (مثل الدفاع المدني والمراكز الصحية والأجهزة الإعلامية والصحافة الخ··)
- يتمتع الجيش بثقة جماهير الشعب بصورة عامة، وهي الثقة التي رفعت من مكانة الجيش (وهيبته) إلى مرتبة نبيلة، سامية· في نظر أبناء الوطن، ويصبح لزاماً على الجيش بالتالي، وقيادته المحافظة على مستويات مهنية أو حرفية محترمة تتمثل بالكفاءة الجسمية (البدنية) والفضائل الخلقية التي يتم التعبير عنها عادة بالاستعداد الدائم لمساعدة الأخرين (المدنيين) وعدم مخاطبتهم من الموقع المتفوق (أو موقع الفوقية)·
- يجب أن يتقبل الجيش أعباء واجبات الأمن الداخلي المختلفة، وأن يضطلع بمهامها الأساسية بروح طيبة، وأن يركز جهده لتنفيذها على أفضل وجه ممكن، وبحيث يشمل ذلك وعلى قدم المساواة كل القوات المسلحة: العاملة والاحتياطية والحرس الوطني·كانت استجابة الشعب الأمريكي لتحديات أحداث يوم 11 أيلول- سبتمبر 2001 قوية، ووصل الدعم الجماهيري للأعمال العسكرية الأمريكية إلى مرتبة موازية لتلك التي كان عليها رد الفعل الأمريكي تجاه أحداث (بيرل هاربور) وقد هيمن على الأمريكيين اعتقاد بأن العمل العسكري هو الرد المناسب على ما وقع من هجوم، وأن على الشعب الأمريكي دعم الحرب ضد الإرهاب، على قاعدة أنها (حرباً وقائية)· وعلى الشعب الإمريكي بالتالي أن يكون مستعداً لقبول النتائج السلبية الناجمة عن هذه الحرب (الخسائر البشرية)·
على الرغم من قبول الشعب الأمريكي لمبدأ خوض الحرب ضد الإرهاب، إلا أنه لابد من الاعتراف بأن دعم الرأي العام لهذه الحرب ليس مطلقاً ولا ثابتاً ولا مستقراً، وإنما هو في حالة تأرجح وتقلب (تذبذب) ذلك لأن معظم الأمريكيين لا يميلون لتأييد الحرب، وهم سرعان ما يظهرون رغبتهم في العودة إلى منازلهم وإلى ممارسة حياتهم الطبيعية (المدنية)· لاسيما وأن أعداداً كبيرة من أجيال الشباب لا يعرفون شيئاً عن الحياة العسكرية، وهم يجهلون متاعبها ومعاناتها، وما تتميز به طبيعتها من أنواع الحرمان·
- يصبح من المتوقع بالتالي تراجع الدعم الجماهيري للعمل العسكري، ما لم يتمكن العسكريون من إظهار تقدم مراحل الحرب لمكافحة الإرهاب بصورة مستمرة، وهذا ما يفرض جعل الأمة على اتصال وثيق بقواتها المسلحة، واطلاعها على التطورات من خلال تقديم وعرض البراهين الأكيدة بما يكتسبه الأمن الوطني (الداخلي) من منجزات حقيقية، وهي إنجازات عادة ما تكون في معظمها، غير منظورة وغير معروفة وغير مباشرة·
- يظهر من خلال ذلك أن العمل على الجبهة الداخلية لا يمكن أن يكون مستقلاً أو منعزلاً عن العمل على الجبهة الخارجية، إذ لا يمكن للجهد المبذول على الجبهة الداخلية للحصول على دعم الشعب وتأييده للحرب ضد الارهاب - في شتى بقاع العالم، من أن يحقق أهدافه إلا إذا اتصل الدعم الداخلي بالدعم الخارجي، والذي يعتمد بالدرجة الأولى على ما يتم تحقيقه من نجاحات ديبلوماسية (في تنظيم التحالفات العالمية والاقليمية) وكذلك النجاحات العسكرية التي من شأنها تقصير أمد الحرب، والوصول إلى النصر الحاسم· فبقدر ما تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية إقامة التحالفات والمحافظة عليها: بقدر ما تتوافر لها الظروف المناسبة لتحقيق النتائج الجيدة والسريعة على المدى القريب·
وإذا ما تعثرت مخططات العمل العسكري· وهناك ثمة قضية واحدة تجعل من الاستراتيجية الأمريكية وسيلة ناجعة وأكثر فاعلية، وهي قضية عدالة حجة الولايات المتحدة لمكافحة الإرهاب، والتي لا يمكن حصرها بدقة أو تحديدها (كمثل الحرب ضد القاعدة وطالبان)
ويبدو أن الأمر سيكون أكثر صعوبة إذا ما أعلنت الحرب ضد (كل الإرهابيين) إذ إن قائمة الأهداف (في العالم الإسلامي) يجب ألا تستطيل بالضرورة أو أن تمدد بحيث تتجاوز حدود الحرب ضد الإرهاب·وإذا كان عالم الحاضر والمستقبل هو عالم ثورة التقانة والمعلوماتية وشبكات الاتصال التي جعلت من وصف العالم (بالقرية الكبيرة)· فإنه يصبح من المحال تحقيق أي قدر من النجاح في مكافحة الإرهاب، ما لم تكن عالمية بحق، وتتلاحم فيها الجبهات الداخلية والخارجية، سواءً بسواء·
نجحت الولايات المتحدة الأمريكية كعهدها دائماً عبر كل مراحل تاريخها العسكري، في تنظيم التحالفات- السياسية- الاقتصادية- العسكرية المضادة للإرهاب، مستخدمة في ذلك كل ما يتضمنه قاموسها من استراتيجيات لم تعد مجهولة بسبب الإفراط في استخدامها، ولكن وعلى الرغم من إذعان كثير من دول العالم لمتطلبات هذه الحرب (تحت ذريعة عدالة قضية الحرب) وبتأثير الانفعال العاطفي الذي أفادت منه الإدارة الأمريكية حتى أقصى الحدود لما حدث يوم 11 أيلول- سبتمبر 2001، إلا أنه ليس من الضروري أبداً أن تعتبر مثل هذه الدول، أو الأقطار لها مصلحة في التحالف ضد الإرهاب، أو أنها معنية أو مهتمة بقضية الحرب· بأنها قسم من الحل للتعامل مع قضية مكافحة الإرهاب، وإنما يجب الأخذ بهذه الاستراتيجية على أنها مجرد وسيلة مرحلية للتخفيف من شدة الضجيج، أو الدوي، العالمي الهائل الذي رددت أصداءه جماهير المسلمين خلال أيام الحرب الأمريكية ضد (طالبان القاعدة)· ولابد من أن تعمل الولايات المتحدة الأمريكية على إعادة تقويم موقفها من القضية الفلسطينية·
عملت الإدارة الأمريكية، كما ظهر بوضوح، علي تنظيم الحلف العالمي لمكافحة الإرهاب في إطار توزيع الأعباء بما يتناسب مع وضع كل دولة من الدول وفي حدود قدراتها ومع مراعاة خصوصيتها وأوضاعها الجيواستراتيجية والاقتصادية وحتى العقائدية· ولقد حرصت الإدارة الأمريكية في كل أعمالها على تجنب ما من شأنه إثارة ردود الفعل السلبية التي من شأنها إضعاف التحالف، أو تفككه فكان مما أبرزته الأبحاث والدراسات الأمريكية من أسس التوجه والعمل الأمريكي للمحافظة على التحالف ودعمه، وحتى إمكانات تطويره ما هو خاص بكل دولة من دول العالم، وبقيت العلاقات الأوروبية، الأمريكية في مركز المحور من علاقات التحالف الجديد، ومما تم اختياره في مجال هذه العلاقات ما يلي:
- متابعة حملة إعلامية نشطة في أوروبا لدعم التحالف المضاد للإرهاب·
- جعل السلام في الشرق الأوسط يتفاعل عبر الأطلسي بمبادأة وبدور رئيسي لأوروبا·
- بيع أو اعارة طائرات نقل عسكرية أمريكية وسفن نقل كبيرة لدعم القدرات الأوروبية·
- قيام أمريكا بدور مطلوب لتطوير الفيلق- الأوروبي (مادياً وتنظيمياً)·
لقد انطلقت الإدارة الأمريكية في تحركاتها تجاه العالم - وتجاه أوروبا بخاصة من حقيقة أنها لا تستطيع وحدها محاربة الإرهاب في كل أقطار الكرة الأرضية، والانتصار على الإرهاب بصورة حاسمة، إذا لم يتوافر لها دعم حقيقي من الحلفاء والأصدقاء·
وأن باستطاعة أوروبا ممارسة دور مركزي في الحملة المضادة للإرهاب، إذ إن عدم قيام أوروبا بهذا الدور من شأنه مساعدة الإرهاب وتشجيعه، باعتبار أن أوروبا هي الحليف النشط للولايات المتحدة، وهي بحكم وضعها الجيواستراتيجي والتاريخي تستطيع تقديم الدعم والموارد والخبراء، وأن تتحكم بمحاور اتصال الإرهابيين، للوصول إلى قلب القلعة الأوروبية· وأن تعمل في الوقت ذاته على كشف الخلايا الإرهابية العاملة على أرضها· ولهذا لم يكن غريباً أو مباغتاً أن تتحرك بريطانيا بصورة فورية ومباشرة لتقديم دعمها لعمليات (الحرية المطلقة)· فيما بقيت المواقف الأوروبية الأخرى مختلفة عن موقف بريطانيا، وهو ما تفهمته الإدارة الأمريكية بسبب معرفتها للمخاوف الأوروبية· ويظهر أنه لابد للولايات المتحدة الأمريكية من العمل، رغم كل التناقضات الأوروبية، للإفادة من القدرات السياسية والعسكرية والأمنية (الاستخباراتية) المتوافرة للقارة الأوروبية، من أجل ضمان أوروبا ذاتها في القرن الجديد-21- ولتحرير أوروبا من مخاوفها، وبايجاز كبير، وهذا مما يساعد أوروبا على التحرر من هيمنة أخطار الإرهاب (الشريرة) وذلك من خلال تغيير نظرتها للإرهاب، وصهرها في بوتقة العمل المشترك في إطار التحالف الدولي الواسع·· وقد تكون إمكانات أوروبا العسكرية ، وقدراتها القتالية محدودة في الظروف الراهنة، إلا أن أوروبا تمتلك قوات نوعية يمكن لها الاضطلاع بدور هام في المشاركة المباشرة، وتمتلك (الفيالق الأروربية) قدرة تمكنها من ممارسة دور أكبر في مجال الأمن العالمي، وذلك من غير أن تضطر أوروبا لاحتمال أعباء نفقات عسكرية كبيرة، وهناك ثمة فكرة أمريكية تقول: إذا كان الإرهابيون يريدون تجزئة العالم وتقسيمه، فإن أصداء صوت (بوق رولاند) التي عبرت الأطلسي قد أيقظت العالم وبدلاً عن تجزئة العالم، فإن الارهابيين قد عملوا خلافاً لما كانوا يريدون، إذا أعادوا ربط علاقات القارات بعضها ببعض، وبعثوا روحاً جديدة في هذه العلاقات· ويظهر من ذلك، أن صانعي القرارات من الأمريكيين يعرفون جيداً موقف أوروبا الموحد، وموقف كل دولة من دولة، ولقد حققت الإدارة الأمريكية (إدارة جورج بوش) في الحصول على دعم نسبي في حربها ضد أفغانستان، ولكن هل تستطيع الحصول على مثل هذا الدعم إذا ما طورت حربها تحت ذريعة مكافحة الإرهاب لتشمل أقطاراً اسلامية أخرى؟ ألم تعارض بعض الدول الأوروبية، منذ البداية- توسيع دائرة الحرب إلى ما وراء حدود أفغانستان- وطالبت باعتماد حلول سياسية لقضية مكافحة الارهاب عبر التعامل مع أسباب الإرهاب وليس مع ظواهره؟
لقد مضى على أحداث يوم 11 ايلول- سبتمبر 2001 والتي اعتبرت أنها هي التي أطلقت الحملة العالمية على الإرهاب بقيادة الولايات المتحدة الامريكية أكثر من عام حيث أعلنت الادارة الأمريكية أنها أنجزت المرحلة الأولى من هذه الحرب ولكن الحرب ضد الارهاب ستبقى مستمرة· وبدأت إدارة (جورج بوش) في البحث عن أهداف جديدة أطلقت عليها اسم (محور الشر وضمت العراق وايران وكوريا الشمالية)·
فقد تضمن البحث عدداً من التوصيات والتوجيهات التي أكدت ضرورة تقصير أمد الحرب ضد الارهاب، للمحافظة على التحالف الدولي وعدم السماح بتفككه،ولكن الإدارة الأمريكية تسير على الاتجاه المضاد تماماً لما قدم إليها من مقترحات واجتهادات· متجاهلة في ذلك إحدى حقائق الدروس المستخلصة من تجارب الحروب عبر التاريخ، وهي أن كل سلاح مهما كان فعالاً، لابد وأن يصاب بالتثلم والوهن إذا ما بولغ باستخدامه، وهذا ما أكدته حقيقة التطور المستمر في أهداف الحروب ومخططاتها وأسلحتها، حتى وصل العالم إلى سلاح (النار النووية) ، ولقد تقدمت كثير من الدول بنصائحها إلى إدارة (جورج بوش) بعدم التعامل مع كل مشكلات العالم من خلال واجهة، أو ذريعة مكافحة الإرهاب· وأنه لابد من التعامل بواقعية مع أسباب تضخم (ظاهرة الإرهاب)· فهل يتساءل أحد صانعي القرارات الأمريكية عن الأسباب التي وضعت أقطار الوطن العربي، والشعوب الاسلامية على حافة الهاوية- فوق بركان متفجر-؟ وهل يمكن التعامل مع مثل هذا الوضع بأدوية مهدئة، أو بمعالجات مؤقتة أو مرحلية، أم يجب الذهاب بعيداً لاستئصال جذور الإرهاب والتي تتصل بالسياسات الاستراتيجية الأمريكية ذاتها- باعتراف مفكرين أمريكيين وهم كثر وليسوا قلة بالتأكيد؟
لقد حققت آلة الحرب الأمريكية انتصاراً حاسماً وكبيراً في أفعانستان وفلسطين - وفقاً للاعترافات الأمريكية، ولكن هل كانت الحرب في أفغانستان وفلسطين حرباً حقيقية أم كانت حرباً غربية أحادية الجانب؟ هناك ثمة حقيقة لابد من توافرها عند تقويم أي حرب من الحروب - بمقدماتها ووقائعها ونتائجها - وهي وجود نوع من التوازن في القوى العسكرية، فهل كان مثل هذا التوازن متوافراً على مسارح العمليات، وهل وجود بعض الأسلحة في أيدي بعض المقاتلين كافيا لتسمية مثل هذا الصراع بالحرب؟ وهل كانت عبارة (إدانة اسرائيل بالاستخدام المفرط للقوة) وهو ما اعترفت به الإداة الأمريكية في بداية العدوان الاسرائيلي على الفلسطينيين - إلا اعترافاً أيدته كل شعوب العالم وكثير من قياداته بعدم شرعية الحرب نظراً لعدم توافر التوازن المطلوب لكي تصبح الحرب حرباً تتوافر فيها شروط (حوار الإرادات المتصارعة)؟ وإذن فقد كانت حرب آلة الحرب الأمريكية بمثابة (مذبحة حقيقية) تقوم بها قوة متفوقة بدرجة ساحقة ضد قوة لا تمتلك حتى القوة الكافية للدفاع عن النفس وعن الوجود·
إن ما تضمنه البحث من خطوط عامة لما هو مطلوب للسياسة الاستراتيجية الأمريكية، وفقاً لاجتهادات الباحثين الأمريكيين ذاتهم - تتطابق في كثير منها مع ما قدمه قادة الوطن العربي، ومنهم من هم موصوفون من قبل الإدارات الأمريكية بأصدقاء أمريكا وحلفائها، علاوة على كثير من قادة العالم الاسلامي والعالم غير الإسلامي ولا ريب أن هذا الاجماع العالمي إنما يؤكد أن العالم لا يريد شراً لا لأمريكا ولا لمصالحها ولا لمستقبلها· وإن هذه المواقف العالمية إنما تؤكد حرص العالم على الوجود الأمريكي، ربما أكثر مما تعمل له أمريكا وصانعوا قراراتها السياسية·