الإنفاق العسكري في الخليج.. حقائق ودلالات

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,267 1 0
الدولة
Jordan
الإنفاق العسكري في الخليج.. حقائق ودلالات
1696_l.jpg

الحقيقة الدولية – خاص –محمد فلاح الزعبي

التحول الكبير في المكانة الجيوبوليتيكية للخليج بعد اكتشاف النفط والتي أدت إلى تغييرات جذرية في بنيوية الأنظمة جعلت منه اللاعب الأساسي في التوازنات العالمية فيما يخص العلاقات الدولية من الناحية الجيوسياسية , ليصبح أهم المناطق على الخارطة العالمية على الإطلاق, فبعد أن كانت السويس كبيرة والخليج صغيرا بنظر المستعمر أصبح الخليج كبيرا والسويس صغيرة جدا والسبب هو اكتشاف النفط والذي أدى من حيث النتيجة إلى تغيرات بنيوية في سلوك الأنظمة السياسية داخليا وخارجيا .

هذه التحولات الجيوبوليتيكة أوصلته إلى مكانة عالمية تشعبت فيها علاقاتها مع دول العالم في مزيج معقد من السياسة والعسكرة انتقلت بها إلى مرحلة دقيقة جدا من التوازنات الإستراتيجية مع دول الغرب والشرق على السواء بحيث أصبحت قضاياها تؤثر على كل دول العالم من أمريكا إلى الصين.

ويبدو أن منطقة الخليج العربي التي تمثل إحدى المناطق الإستراتيجية في العالم المعاصر، باعتبارها تتمركز على احتياطات النفط العالمية، ستدفع خلال الفترة المقبلة المزيد من مداخيلها لصالح تجهيز جيوشها، في الوقت الذي يتوقع فيه أن يكون ذلك على حساب مشاريع التنمية البشرية ورفاهية شعوب المنطقة.

فعلى سبيل المثال وكما أكدت دراسات لخبراء عسكريين، فإن ميزانية الإنفاق على التسلح السعودي تثير الكثير من علامات الاستفهام حولها، فهي بحسب المراقبين، توازى ما ينفق على جيوش إيران وتركيا وإسرائيل مجتمعة، بالنظر إلى أن الجيش السعودي يصنف من بين الجيوش المتواضعة الحجم والمقدرة. إلا أن المراقبين ذاتهم يرون أن "مليارات" هذه الصفقات تسهم في رفد المواقف السياسية والدبلوماسية للرياض ومنحها قوة ضاغطة.


منطقة الخليج، وفي موضوع التسلح والإنفاق العسكري لم تكن استثناءاً من تلك القاعدة. فالركود العالمي وارتفاع أسعار النفط والمخاوف من نشوب صراعات، على أطراف المنطقة إن لم يكن في قلبها، أدت إلى موجة جديدة من سباقات التسلح، ليس فقط بين دول المنطقة، بل أيضاً بين الشركات المصنعة والمنتجة للسلاح على مستوى العالم.

سباق التسلح كان القطاع الوحيد الذي لم تطله الأزمة المالية العالمية الاقتصادية والمالية الراهنة، فرغم إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومات والدول حول العالم، لتفادي أو تخفيف وطأة الأزمة الاقتصادية، ظلت ميزانيات الدفاع والتسلح والإنفاق العسكري على ما هي عليه، بل نمت في أحيان كثيرة، وبخاصة في المناطق الملتهبة أو المرشحة للالتهاب إذا صح التعبير.

فما هو إذاً حجم الإنفاق الراهن على برامج الدفاع والتسلّح في دول الخليج؟ وما هي نسب هذا الإنفاق من النواتج القومية الفردية والإجمالية لبلدان المنطقة؟. وكم هي حصة الفرد السنوية من الإنفاق الدفاعي؟ وما هي صفقات التسليح الجديدة التي تنتظرها هذه المنطقة الحساسة من العالم؟

يشير كتاب سيبري السنوي لعام 2010 (SIPRI Yearbook2010) الصادر في يونيو/حزيران من العام من العام 2010 عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، إلى أن هذا الإنفاق قد ارتفع في الفترة بين عامي 1988 و2009 في سلطنة عمان من 2.11 مليار دولار إلى 4 مليارات دولار. وفي الكويت من 3.31 إلى 4.58 مليارات دولار. وفي السعودية من 17.83 إلى 39.25 مليار دولار، وفي البحرين من 232 إلى 721 مليون دولار. ولا توجد بيانات مكتملة لتطورات هذه الفترة في تقرير سيبري حول قطر أو دولة الإمارات.

أما في إيران فقد ارتفع الإنفاق العسكري من 1.54 مليار دولار في العام 1988 إلى 9.17 مليارات دولار في العام 2008. وفي العراق ارتفع الإنفاق من 2.84 إلى 3.81 مليارات دولار خلال الفترة بين 2005 و2009.
وفي أماكن أخرى من الشرق الأوسط، ارتفع هذا الإنفاق في إسرائيل في الفترة بين 1988 و2009 من 12.29 إلى 14.3 مليار دولار، وفي لبنان من 263 مليون دولار إلى 1.4 مليار دولار، وفي سورية من مليار إلى 1.88 مليار دولار، وفي تركيا من 9.92 إلى 19 مليار دولار.
وسجل الشرق الأوسط عامة نفقات عسكرية في العام 2009 بلغت 103 مليارات دولار، مرتفعة بنسبة 40 % عن العام 2000, مما جعلها الأعلى في العالم على الإطلاق فيما يخص الإنفاق العسكري !!!

واستوعبت مشتريات الأسلحة الجزء الأهم من الإنفاق العسكري لأقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربية. وتوحي البيانات المتاحة بأن هذه المشتريات قد اقتربت، في السنوات الثلاث الماضية، في بعض جوانبها، من تلك التي شهدها النصف الأول من تسعينيات القرن العشرين، مع فارق أن الأسلحة الجوية قد بدت اليوم أكثر حضورا بحسب خبراء عسكريين.

أما على مستوى الاتفاقيات المستقبلية فيما يخص صفقات الأسلحة فقد ذكرت صحيفة فايننشال تايمز نقلا عن مصادر مطلعة أن فاتورة المشتريات العسكرية لأقطار مجلس التعاون لدول الخليج العربي بلغت حوالي ثلاثمائة مليار دولار خلال السنوات الخمس القادمة فقط، منها مائة مليار دولار لتقنيات دفاعية متممة، لدولتين خليجيتين.

كما يتوقع أن يصل الإنفاق على الدفاع البحري وحده في هذه الأقطار حوالي 17.5 مليار دولار بحلول العام 2020، وذلك وفقا لمؤسسة "جينز" الاستشارية.

على صعيد برامج التسليح القادمة –بحسب الصحيفة - فان هناك مشاريع صفقات خليجية متعلقة بنوعين من أنظمة الدفاع الجوي المتوسطة المدى من الجيل الخامس. وكذلك أسلحة جوية، ومعدات وأسلحة برية، جلها من الدبابات وآليات المشاة المدرعة. وقد وصلت المفاوضات الخاصة بعدد من هذه الصفقات إلى مراحلها النهائية.

وفي الخامس عشر من يونيو/حزيران2010، ذكرت صحيفة تريبون الفرنسية أن تكلفة تطوير المقاتلة رافال، حسب المواصفات التي طلبتها الإمارات،وصلت حدود الخمسة مليارات يورو (5.4 و6.7 مليارات دولار).

واهم ملاحظة شهدتها صفقات السلاح خلال السنوات الخمس الأخيرة في منطقة الخليج العربي عامة وفي العراق خاصة هي استحواذ الطيران على القسم الأكبر من هذه الصفات وكذلك فان كل هذه الصفقات كانت أوروبية الصنع والاستيراد .

وفي السياق ذاته، تفيد تقارير إعلامية فرنسية بأن باريس تسعى لتسويق منظومة دفاع مضاد للصواريخ لدول الخليج، ربما تكون بدايتها في الكويت. وإذا صحت هذه التقارير، فسوف يعني ذلك حدوث تحول كبير في موقع فرنسا، ليس في سوق السلاح الخليجي وحسب، بل وفي مقاربة أمن الخليج عامة كما ذكر الأستاذ عبد الجليل مرهون في مقاله بتاريخ 2/10/2010 في صحيفة الشرق الأوسط .

من جهة أخرى، أعلنت شركة بوينغ الأميركية في يناير/كانون الثاني 2010 عن فوزها بعقد لتزويد الإمارات بست طائرات نقل عسكري من طراز "سي 17"، مما يجعل الإمارات ثاني دولة شرق أوسطية تطلب شراء هذه الطائرات بعد قطر. وسوف تتسلم أبو ظبي أربعا من هذه الطائرات في العام 2011 واثنتين عام 2012.

على صعيد السلاح الألماني، ذكرت مجلة دير شبيغل في الثامن عشر من مايو/أيار 2009 أن برلين قررت السماح، لأول مرة، بتصدير دبابة القتال الرئيسية من طراز "Leopard 2"، التي تنتجها شركة "KMW GmbH"، إلى دول مجلس التعاون الخليجي، وأن مجلس الأمن القومي الألماني صادق على البدء ببيع 36 دبابة من هذا الطراز إلى قطر، كمقدمة لعقد صفقات مماثلة مع دول المنطقة.

هذه الحقائق حول حجم الإنفاق العسكري في الخليج العربي تقودنا إلى البحث في دلالات هذا الإنفاق والذي لا يزال يحظى بالكثير من التفسيرات والنظريات المتضاربة أحيانا والمتقاربة أحيانا أخرى ,إلا أنها تتقاطع عند نقطة واحدة وهي أن هذا الإنفاق إنما يأتي على حساب المواطن في هذه الدول وحصته من الناتج القومي .

الدلالة الأهم في هذه الحقائق هي أن هذه المليارات التي تنفقها الحكومات في دول الخليج على التسلح، تعتبر جزءا هاما من المليارات التي تضخ لصالح مصنعي السلاح في أوروبا والولايات المتحدة وآسيا، وتدرك الدول المنتجة للسلاح أن ارتفاع أسعار النفط المصحوب بالتوترات التي تشتعل في وحول مناطق إنتاج النفط فى المنطقة، يعنى أنها ستحصل على المزيد من هذه المليارات وهو ما يجمع عليه كل منظري السياسة والحرب والاقتصاد في كل العالم .
ومن جهة ثانية فان ارتفاع أسعار النفط يجعل بالتأكيد سوق السلاح رائجة حيث تعمل الدول الغربية على بيع السلاح لتسديد فاتورة النفط المستورد من هذه الدول وهو ما يفسر عدم انتعاش دول الخليج بعائدات النفط فقد قفز البرميل من 28دولار إلى ما يقارب ال 100دولار أي حوالي أربعة أضعاف السعر فأين يذهب الفرق ؟

وإذا أردنا أن نذهب بعيدين في تحليلاتنا فإننا نقول أن هذه الثورات التي بدأت تدق أبواب كل الدول العربية إنما تغذيها الدول الغربية لإعادة سيطرة الجيوش على مقاليد الحكومات في هذه الدول لإعادة عقد صفقات أسلحة جديدة بعد إنهاك الدول في فوضى خلاقة من نوع جديد براق وجذاب للشعوب وهو ما يفسر كذلك وقوف الجيوش إلى جانب الشعوب في الثورات والتسارع الكبير في سقوط الأنظمة .

فهل هذا ما يفسر إعلان النظام السعودي مؤخرا حول مفاوضات لتحديث الجيش وشراء أسلحة جديدة لرفده هو من قبيل رفد المواقف السياسية والدبلوماسية للرياض ومنحها قوة ضاغطة تجعلها بعديدة عن الاضطرابات التي قد تطالها كما طالت الدول الأخرى ؟


 
عودة
أعلى