أسود يوم في تاريخ مصر
أن يوم الخامس من يونيو عام 1967 الذى سُمي تخفيفا بـ "النكسة" كان خطأ فادحا للقيادة السياسية والعسكرية في آن، خطأ رهيب تحمل تبعته الجندي المصري على الجبهة الذى أضطر إلى الإنسحاب "كلٌ على مسؤوليته الشخصية".
لقد كان يوم الخامس من يونيو حقا .. أسود يوم في تاريخ مصر....
ولأننا حملنا على عاتقنا عرض الحقيقة مجردة – على قدر المستطاع – حتى ننقل إلى الأجيال الشابة التى ننتمي إليها أحداث لم يعاصروها وإن كانوا يكتون بنارها أحيانا، لذلك ننقل بعض الحقائق عن هذا اليوم الأسود الذى لم تتكشف كل الحقائق المحيطة به بعد.
الخامس من يونيو أو ما يطلق عليه تجاوزا (الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة) برغم أنه لم يكن حربا ولا حتى معركة لأنه لم يكن لمصر طرفا فيها فلا هي حاربت ولا شارك جندي واحد في خطة هجومية.
لكن على كل حال، فهذه الكارثة لم تكن وليدة اللحظة ولكنها كانت وليدة تصاعد الأزمة السياسية العسكرية والحقيقة التى لا يرقى اليها الشك ان خيوط هذه الخطة بدأ نسيجها غداة حرب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وتم تحديد موعد الجولة الجديدة ليكون في يونيو 1967 بعد احكام الاستعداد لتنفيذ الخطة وتوفر الظروف المناسبة وتهيئة الرأي العام لتقبلها مع تصويرها امام التفكير السطحي لرجل الشارع كما لو كانت مبادأة عدوانية سياسية عربية!!.
فالقيادة السياسية وقتها لم تكف عن التلميح والتصريح بأن إسرائيل إذا كانت تريد الحرب "فنحن لها .. نحن مستعدون .. وسنلقي بها في البحر!!". ولا نحن كنا لها ولا نحن كنا على إستعداد ولا نحن القينا بها في البحر!.
وحرب يونيو او حرب الايام الستة كما تعرف عالميا هي احدى حلقات سلسلة طويلة من احداث داخلية وخارجية هزت التوازن العالمي والإقليمي الذي ساد بعد ذرع اسرائيل داخل المنطقة وفرض وجودها وكان من اهم مجددات هذا اعلان ثلاثي اصدرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عام 1950 بفرض حماية اسرائيل وتأكيد حدودها التى وصلت اليها عبر اتفاقية الهدنة وليس حدود التقسيم عام 1947 كما قدمت الولايات المتحدة الدعم الاقتصادي لاسرائيل وكذلك لصياغة توازن اقليمي لصالح اسرائيل بنظم التسليح في المنطقة بطريقة تمنع قيام احد الأطراف بحرب أخرى فكانت هذه محاولة للتمهيد من اجل فرض صلح واقعي بين العرب واسرائيل تصبح الأخيرة بموجبه عضوا في العائلة الإقليمية.
التمهيد للحرب
في 11 فبراير 1957 اعلن وزير الخارجية الأمريكية ان خليج العقبة يعد مياها دولية وأنه لا يحق لأى دولة منع المرور الحر البري في الخليج والمضايق وان الولايات المتحدة على استعداد لممارسة هذا الحق لسفنها وتنضم لاسرائيل لضمان الاعتراف لها بهذا الحق وكان هذا الاعلان ضمن عوامل اخرى ادى الى الانفجار عام 1967 حينما اعتبرت اسرائيل قيام مصر بغلق الخليج امام ملاحتها بمثابة اعلان حرب عليها.
وتم وضع قوات دولية على الحدود الشرقية لمصر في سيناء ومنطقة خليج العقبة لضمان حرية الملاحة واعطيت مصر حق سحبها في أي وقت تشاء ولكن عندما مارست مصر هذا الحق عام 1967 لإخلاء ترابها من هذه القوات زاد الموقف اشتعالا.
وبعد اتفاقية السلاح التى وقعتها مصر مع تشيكوسلوفاكيا في 15 سبتمبر 1955 وأعلنها الرئيس عبد الناصر في 27 من الشهر نفسه، وأصبح الاتحاد السوفيتي بحكم الواقع الجديد، شريكا للولايات المتحدة في ادراة الصراع وتهديد مستقبل السلام في المنطقة، وأصبح أسطولة في قلب المياه الدافئة يهدد الحلف الأطلسي في الشمال وخطوط مواصلاته مع عمقه الاستراتيجي في افريقيا بل اصبح موجودا في قناة السويس والبحر الأحمر والخليج أو على حد تعبير رئيس هيئة اركان حرب الامبراطورية البريطانية "اصبح الاتحاد السوفيتي خلفنا بعد اجتيازه للحوائط التى كنا نقدمها امامه".
صفحة 2 من 2
وفي 12 و13 نوفمبر 1965 عقدت اجتماعات مشتركة بين القيادتين العسكريتين في كل من اسرائيل والولايات المتحدة لتقويم الاوضاع في المنطقة .
وفي وثيقة من 8 صفحات تابعة للخارجية الأمريكية بعنوان "ملخص للمباحثات الإسرائيلية الأمريكية: الاجتماع الاول في 12 نوفمبر 1965 والثاني في 13 نوفمبر 1965".
كان الوفد الامريكي برئاسة السفير "تالبرت" مساعد وزير الخراجية والوفد الاسرائيلي برئاسة الجنرال "رابين" نائب رئيس الأركان وعضوية العقيد "ياريف" نائب مدير المخابرات الحربية وأهمية هذه الوثيقة أنها تصور تصويرا دقيقا الحالة التى كانت تعيش فيها اسرائيل قبل عام 1967 وأهم ما ورد بها في حديث الوفد الاسرائيلي.
- تدفق الاسلحة السوفيتية على مصر مستمر حتى اثناء تأزم العلاقات السياسية بين مصر والاتحاد السوفيتي وبأسعار تقل كثيرا عن اسعار السوق العالمية، وتتوقف خطورة هذا الوضع على قدرة مصر على تدريب قواتها على الاسلحة.
- تخطط مصر لزيادة حجم قواتها حتى عام 67/1968 كي تبلغ قواتها:
1800:1900 دبابة، 200:250 طائرة مقاتلة، 60:70 قاذفة، 50 هليكوبتر، علاوة على 4:5 بطاريات صواريخ ارض جو، 10 مدمرات، 12 غواصة، 12 زورق دوريات مسلحة بالصواريخ. كما ان مصر تنوى انتاج 500 صاروخ من طراز قاهر مداه 600 كم، 400 صاروخ من طراز ظافر ومداه 380 كم، وتركز مصر على مشروع الصواريخ كبديل يعوض قدرتها المحدودة على تدريب الطيارين.
- تهتم مصر بالتسليح النووي عبر بناء مفاعلات بقوة 75:200 ميجاوات وبينما لم تحقق مصر نجاحا في الحرب البيولوجية الا انها انتجت ذخائر كيميائية وقنابل غاز وتسعى لانتاج صواريخ لها رؤوس كيميائية.
- تتوقع اسرائيل ان تقوم مصر بهجوم عليها بمجرد شعورها بأنها اتمت برامجها.
- دخول اسلحة جديدة الى المنطقة يسبب لاسرائيل مشاكل في التخطيط ما لم تتوافر لها امكانيات اضافية وتفتقر اسرائيل الى مطارات جديدة اذ لا تملك الا ثلاثة وفترة الانذار لدفعها الجوي محدودة جدا وتحتاج الى استبدال دبابات حديثة بـ 300 دبابة طراز "شيرمان" كما تحتاج الى بعض الصواريخ والطائرات.
- حاول الجانب الامريكي تهدئة المخاوف الاسرائيلي وأكد ان امكانيات مصر محدودة لاسباب عسكرية واقتصادية ولأن المساعدات السوفيتية محدودة ايضا وقدرة مصر على التدريب محل تساؤل وان ما ذكره الجانب الاسرائيلي عن حجم وقدرة مصر ومكانتها فى مجال الصواريخ مبالغ فيه تماما وان الامكانات الاقتصادية والفنية لمصر تحول دون تنفيذ البرنامج الطموح.
ولكن مخاوف اسرائيل لم تهدأ وظلت على قناعة بعدم امكان فرض السلام الذي تريده ويتفق تماما مع اغراضها الا عن طريق تدمير القدرة القتالية لمصر.
وبدأت الاتصالات الأمريكية البريطانية لجس النبض الا ان اصرار الرئيس عبد الناصر على تنازل اسرائيل عن كل النقب وتمسك اسرائيل بعدم التنازل عن أي ارض قضى على المحاولات بعد شهور من بدايتها.
ومع بدايات عام 1967 اتخذت الولايات المتحدة قرارا بضرورة اسقاط الرئيس عبد الناصر في مصر وعزل مصر عن بقية العالم العربي، وقامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بدراسة خطة الهجوم الاسرائيلي المعدة من قبل بخطوطها العامة واختباراتها في العقل الاليكتروني "الكمبيوتر" على ضوء تقديرات موازين القوى وقياس القدرات القتالية لمصر واسرائيل على السواء.
وبهذا التقت المصالح الأمريكية والإسرائيلية في جر مصر الى حرب مدمرة يتم فيها تدمير الجيش المصري عن آخره واسقاط النظام السياسي ثم التحول بعدها الى الجيش السوري والاستيلاء على الجولان.
وبدأ التخطيط الدقيق لاستدراج مصر الى هذه الحرب في توقيت لا يناسبها خاصة وان قواتها كانت منشغلة بحرب اليمن.
أحداث اليوم الأسود
الساعة التاسعة صباحا يوم 5 يونيو 1967 أقلعت اسراب الطائرات الإسرائيلية من قواعدها في اسرائيل واقتربت من الاتجاه الشرقي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي لتصل فجأة وفي وقت واحد فوق القواعد الجوية المصرية، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق على ارتفاعات منخفضة لم تزد عن 50 متر، وكانت محطات الرادار المصرية والسوفيتية الصنع من طراز (B-8) و(B-20) و(B-12) و(B-13) كلها تعمل لتبحث عن أي عدو يتسلل الى مجالنا الجوي.
جميع العمال الفنيين امام شاشات الرادار لكن هذه الشاشات لم تظهر عليها طائرة واحدة لأن محطات الرادار لم تكن لديها القدرة على التقاط اى اهداف او طائرات تحلق على ارتفاع اقل من 500 متر!!.
وباستغلال هذه النقطة اقتربت الطائرات الاسرائيلية دون ان يراها احد، في هذا الوقت كان الطيارين المصريين في قواعدهم البعض منهم داخل طائرات الاستعداد على اول الممرات في كل قاعدة استعدادا لأي اشارة للانطلاق مباشرة في الجو ثم يتم توجيهها بعد ذلك من القاعدة ويسمى الطيار في هذه الحالة (طيار الحالة الأولى)، وكان البعض الآخر من طياري (الحالة الثانية) داخل مكاتبهم يمارسون اعمالهم اليومية، والباقي في (الحالة الثالثة) داخل القاعدة في الراحة أو يمارسون الرياضه، وكانت القاعدة المطبقة في هذه الحالة أن يتجه طياروا الحالتين الثانية والثالثة فورا وبأقصى سرعة الى طائراتهم بمجرد ظهور حالة الخطر وانطلاق طياروا الحالة الأولى الى الجو.
وفجأة وفي وقت واحد وصلت الطائرات الإسرائيلية في مفاجئة عنيفة فوق جميع القواعد الجوية المصرية في سيناء والدلتا وفي الجنوب، وبدأت فورا في قصف القواعد وضرب الطائرات المصرية الرابضة فوق الأرض بلا دشم أو ملاجئ تحميها، وبدأت الإنفجارات تتوالى وربضت الطائرات المصرية الى الأبد بينما كانت طائرات إسرائيلية آخرى تهاجم الممرات لتدمرها نهائيا وتمنع طياري الحالة الأولى من الإقلاع.
وقعت الكارثة ولم يكن هناك مفر من الطائرات المغيرة، وبدأ الطيارون والميكانيكيون يهرعون هنا وهناك بحثا عن حل، لكن وصول الطائرات الإسرائيلية الى القواعد الجوية المصرية بهذة المباغتة كان من الناحية الفنية والعسكرية والعقلية بمثابة إعلان تدمير القوات الجوية المصرية تماما.
وانتهت الضربة الجوية الإسرائيلية بنجاح ساحق وبعد القضاء على القوات الجوية المصرية تحول الطيران الإسرائيلي الى القوات البرية في سيناء، وبدلا من أن يصدر القادة المسئولون أمرا للقوات البرية المصرية بحفر الخنادق والملاجئ في سيناء للإحتماء داخلها من الطيران المعادي الذى امتلك سماء مصر، بدلا من ذلك صدر أمر مجنون بالإنسحاب ليخرج الرجال من الخنادق الى الأرض الواسعة المكشوفة ليكونوا صيدا سهلا للطائرات الإسرائيلية التى أستمتعت بقتل 30 ألف رجل من خيرة أبناء مصر.
ويبقى الدرس أمام الجميع .. فهل من متعلم؟
د. يحي الشاعر
(C) 2006 المؤرخ
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.
[تم التعديل في 13-6-2006 بواسطة Yahia-Al-Shaer]
أن يوم الخامس من يونيو عام 1967 الذى سُمي تخفيفا بـ "النكسة" كان خطأ فادحا للقيادة السياسية والعسكرية في آن، خطأ رهيب تحمل تبعته الجندي المصري على الجبهة الذى أضطر إلى الإنسحاب "كلٌ على مسؤوليته الشخصية".
لقد كان يوم الخامس من يونيو حقا .. أسود يوم في تاريخ مصر....
ولأننا حملنا على عاتقنا عرض الحقيقة مجردة – على قدر المستطاع – حتى ننقل إلى الأجيال الشابة التى ننتمي إليها أحداث لم يعاصروها وإن كانوا يكتون بنارها أحيانا، لذلك ننقل بعض الحقائق عن هذا اليوم الأسود الذى لم تتكشف كل الحقائق المحيطة به بعد.
الخامس من يونيو أو ما يطلق عليه تجاوزا (الجولة العربية الإسرائيلية الثالثة) برغم أنه لم يكن حربا ولا حتى معركة لأنه لم يكن لمصر طرفا فيها فلا هي حاربت ولا شارك جندي واحد في خطة هجومية.
لكن على كل حال، فهذه الكارثة لم تكن وليدة اللحظة ولكنها كانت وليدة تصاعد الأزمة السياسية العسكرية والحقيقة التى لا يرقى اليها الشك ان خيوط هذه الخطة بدأ نسيجها غداة حرب العدوان الثلاثى على مصر عام 1956 وتم تحديد موعد الجولة الجديدة ليكون في يونيو 1967 بعد احكام الاستعداد لتنفيذ الخطة وتوفر الظروف المناسبة وتهيئة الرأي العام لتقبلها مع تصويرها امام التفكير السطحي لرجل الشارع كما لو كانت مبادأة عدوانية سياسية عربية!!.
فالقيادة السياسية وقتها لم تكف عن التلميح والتصريح بأن إسرائيل إذا كانت تريد الحرب "فنحن لها .. نحن مستعدون .. وسنلقي بها في البحر!!". ولا نحن كنا لها ولا نحن كنا على إستعداد ولا نحن القينا بها في البحر!.
وحرب يونيو او حرب الايام الستة كما تعرف عالميا هي احدى حلقات سلسلة طويلة من احداث داخلية وخارجية هزت التوازن العالمي والإقليمي الذي ساد بعد ذرع اسرائيل داخل المنطقة وفرض وجودها وكان من اهم مجددات هذا اعلان ثلاثي اصدرته الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا عام 1950 بفرض حماية اسرائيل وتأكيد حدودها التى وصلت اليها عبر اتفاقية الهدنة وليس حدود التقسيم عام 1947 كما قدمت الولايات المتحدة الدعم الاقتصادي لاسرائيل وكذلك لصياغة توازن اقليمي لصالح اسرائيل بنظم التسليح في المنطقة بطريقة تمنع قيام احد الأطراف بحرب أخرى فكانت هذه محاولة للتمهيد من اجل فرض صلح واقعي بين العرب واسرائيل تصبح الأخيرة بموجبه عضوا في العائلة الإقليمية.
التمهيد للحرب
في 11 فبراير 1957 اعلن وزير الخارجية الأمريكية ان خليج العقبة يعد مياها دولية وأنه لا يحق لأى دولة منع المرور الحر البري في الخليج والمضايق وان الولايات المتحدة على استعداد لممارسة هذا الحق لسفنها وتنضم لاسرائيل لضمان الاعتراف لها بهذا الحق وكان هذا الاعلان ضمن عوامل اخرى ادى الى الانفجار عام 1967 حينما اعتبرت اسرائيل قيام مصر بغلق الخليج امام ملاحتها بمثابة اعلان حرب عليها.
وتم وضع قوات دولية على الحدود الشرقية لمصر في سيناء ومنطقة خليج العقبة لضمان حرية الملاحة واعطيت مصر حق سحبها في أي وقت تشاء ولكن عندما مارست مصر هذا الحق عام 1967 لإخلاء ترابها من هذه القوات زاد الموقف اشتعالا.
وبعد اتفاقية السلاح التى وقعتها مصر مع تشيكوسلوفاكيا في 15 سبتمبر 1955 وأعلنها الرئيس عبد الناصر في 27 من الشهر نفسه، وأصبح الاتحاد السوفيتي بحكم الواقع الجديد، شريكا للولايات المتحدة في ادراة الصراع وتهديد مستقبل السلام في المنطقة، وأصبح أسطولة في قلب المياه الدافئة يهدد الحلف الأطلسي في الشمال وخطوط مواصلاته مع عمقه الاستراتيجي في افريقيا بل اصبح موجودا في قناة السويس والبحر الأحمر والخليج أو على حد تعبير رئيس هيئة اركان حرب الامبراطورية البريطانية "اصبح الاتحاد السوفيتي خلفنا بعد اجتيازه للحوائط التى كنا نقدمها امامه".
صفحة 2 من 2
وفي 12 و13 نوفمبر 1965 عقدت اجتماعات مشتركة بين القيادتين العسكريتين في كل من اسرائيل والولايات المتحدة لتقويم الاوضاع في المنطقة .
وفي وثيقة من 8 صفحات تابعة للخارجية الأمريكية بعنوان "ملخص للمباحثات الإسرائيلية الأمريكية: الاجتماع الاول في 12 نوفمبر 1965 والثاني في 13 نوفمبر 1965".
كان الوفد الامريكي برئاسة السفير "تالبرت" مساعد وزير الخراجية والوفد الاسرائيلي برئاسة الجنرال "رابين" نائب رئيس الأركان وعضوية العقيد "ياريف" نائب مدير المخابرات الحربية وأهمية هذه الوثيقة أنها تصور تصويرا دقيقا الحالة التى كانت تعيش فيها اسرائيل قبل عام 1967 وأهم ما ورد بها في حديث الوفد الاسرائيلي.
- تدفق الاسلحة السوفيتية على مصر مستمر حتى اثناء تأزم العلاقات السياسية بين مصر والاتحاد السوفيتي وبأسعار تقل كثيرا عن اسعار السوق العالمية، وتتوقف خطورة هذا الوضع على قدرة مصر على تدريب قواتها على الاسلحة.
- تخطط مصر لزيادة حجم قواتها حتى عام 67/1968 كي تبلغ قواتها:
1800:1900 دبابة، 200:250 طائرة مقاتلة، 60:70 قاذفة، 50 هليكوبتر، علاوة على 4:5 بطاريات صواريخ ارض جو، 10 مدمرات، 12 غواصة، 12 زورق دوريات مسلحة بالصواريخ. كما ان مصر تنوى انتاج 500 صاروخ من طراز قاهر مداه 600 كم، 400 صاروخ من طراز ظافر ومداه 380 كم، وتركز مصر على مشروع الصواريخ كبديل يعوض قدرتها المحدودة على تدريب الطيارين.
- تهتم مصر بالتسليح النووي عبر بناء مفاعلات بقوة 75:200 ميجاوات وبينما لم تحقق مصر نجاحا في الحرب البيولوجية الا انها انتجت ذخائر كيميائية وقنابل غاز وتسعى لانتاج صواريخ لها رؤوس كيميائية.
- تتوقع اسرائيل ان تقوم مصر بهجوم عليها بمجرد شعورها بأنها اتمت برامجها.
- دخول اسلحة جديدة الى المنطقة يسبب لاسرائيل مشاكل في التخطيط ما لم تتوافر لها امكانيات اضافية وتفتقر اسرائيل الى مطارات جديدة اذ لا تملك الا ثلاثة وفترة الانذار لدفعها الجوي محدودة جدا وتحتاج الى استبدال دبابات حديثة بـ 300 دبابة طراز "شيرمان" كما تحتاج الى بعض الصواريخ والطائرات.
- حاول الجانب الامريكي تهدئة المخاوف الاسرائيلي وأكد ان امكانيات مصر محدودة لاسباب عسكرية واقتصادية ولأن المساعدات السوفيتية محدودة ايضا وقدرة مصر على التدريب محل تساؤل وان ما ذكره الجانب الاسرائيلي عن حجم وقدرة مصر ومكانتها فى مجال الصواريخ مبالغ فيه تماما وان الامكانات الاقتصادية والفنية لمصر تحول دون تنفيذ البرنامج الطموح.
ولكن مخاوف اسرائيل لم تهدأ وظلت على قناعة بعدم امكان فرض السلام الذي تريده ويتفق تماما مع اغراضها الا عن طريق تدمير القدرة القتالية لمصر.
وبدأت الاتصالات الأمريكية البريطانية لجس النبض الا ان اصرار الرئيس عبد الناصر على تنازل اسرائيل عن كل النقب وتمسك اسرائيل بعدم التنازل عن أي ارض قضى على المحاولات بعد شهور من بدايتها.
ومع بدايات عام 1967 اتخذت الولايات المتحدة قرارا بضرورة اسقاط الرئيس عبد الناصر في مصر وعزل مصر عن بقية العالم العربي، وقامت وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بدراسة خطة الهجوم الاسرائيلي المعدة من قبل بخطوطها العامة واختباراتها في العقل الاليكتروني "الكمبيوتر" على ضوء تقديرات موازين القوى وقياس القدرات القتالية لمصر واسرائيل على السواء.
وبهذا التقت المصالح الأمريكية والإسرائيلية في جر مصر الى حرب مدمرة يتم فيها تدمير الجيش المصري عن آخره واسقاط النظام السياسي ثم التحول بعدها الى الجيش السوري والاستيلاء على الجولان.
وبدأ التخطيط الدقيق لاستدراج مصر الى هذه الحرب في توقيت لا يناسبها خاصة وان قواتها كانت منشغلة بحرب اليمن.
أحداث اليوم الأسود
الساعة التاسعة صباحا يوم 5 يونيو 1967 أقلعت اسراب الطائرات الإسرائيلية من قواعدها في اسرائيل واقتربت من الاتجاه الشرقي والشمال الشرقي والجنوب الشرقي لتصل فجأة وفي وقت واحد فوق القواعد الجوية المصرية، كانت الطائرات الإسرائيلية تحلق على ارتفاعات منخفضة لم تزد عن 50 متر، وكانت محطات الرادار المصرية والسوفيتية الصنع من طراز (B-8) و(B-20) و(B-12) و(B-13) كلها تعمل لتبحث عن أي عدو يتسلل الى مجالنا الجوي.
جميع العمال الفنيين امام شاشات الرادار لكن هذه الشاشات لم تظهر عليها طائرة واحدة لأن محطات الرادار لم تكن لديها القدرة على التقاط اى اهداف او طائرات تحلق على ارتفاع اقل من 500 متر!!.
وباستغلال هذه النقطة اقتربت الطائرات الاسرائيلية دون ان يراها احد، في هذا الوقت كان الطيارين المصريين في قواعدهم البعض منهم داخل طائرات الاستعداد على اول الممرات في كل قاعدة استعدادا لأي اشارة للانطلاق مباشرة في الجو ثم يتم توجيهها بعد ذلك من القاعدة ويسمى الطيار في هذه الحالة (طيار الحالة الأولى)، وكان البعض الآخر من طياري (الحالة الثانية) داخل مكاتبهم يمارسون اعمالهم اليومية، والباقي في (الحالة الثالثة) داخل القاعدة في الراحة أو يمارسون الرياضه، وكانت القاعدة المطبقة في هذه الحالة أن يتجه طياروا الحالتين الثانية والثالثة فورا وبأقصى سرعة الى طائراتهم بمجرد ظهور حالة الخطر وانطلاق طياروا الحالة الأولى الى الجو.
وفجأة وفي وقت واحد وصلت الطائرات الإسرائيلية في مفاجئة عنيفة فوق جميع القواعد الجوية المصرية في سيناء والدلتا وفي الجنوب، وبدأت فورا في قصف القواعد وضرب الطائرات المصرية الرابضة فوق الأرض بلا دشم أو ملاجئ تحميها، وبدأت الإنفجارات تتوالى وربضت الطائرات المصرية الى الأبد بينما كانت طائرات إسرائيلية آخرى تهاجم الممرات لتدمرها نهائيا وتمنع طياري الحالة الأولى من الإقلاع.
وقعت الكارثة ولم يكن هناك مفر من الطائرات المغيرة، وبدأ الطيارون والميكانيكيون يهرعون هنا وهناك بحثا عن حل، لكن وصول الطائرات الإسرائيلية الى القواعد الجوية المصرية بهذة المباغتة كان من الناحية الفنية والعسكرية والعقلية بمثابة إعلان تدمير القوات الجوية المصرية تماما.
وانتهت الضربة الجوية الإسرائيلية بنجاح ساحق وبعد القضاء على القوات الجوية المصرية تحول الطيران الإسرائيلي الى القوات البرية في سيناء، وبدلا من أن يصدر القادة المسئولون أمرا للقوات البرية المصرية بحفر الخنادق والملاجئ في سيناء للإحتماء داخلها من الطيران المعادي الذى امتلك سماء مصر، بدلا من ذلك صدر أمر مجنون بالإنسحاب ليخرج الرجال من الخنادق الى الأرض الواسعة المكشوفة ليكونوا صيدا سهلا للطائرات الإسرائيلية التى أستمتعت بقتل 30 ألف رجل من خيرة أبناء مصر.
ويبقى الدرس أمام الجميع .. فهل من متعلم؟
د. يحي الشاعر
(C) 2006 المؤرخ
Joomla! is Free Software released under the GNU/GPL License.
[تم التعديل في 13-6-2006 بواسطة Yahia-Al-Shaer]