رغم كل شئ .. رغم الهزيمة عام 1967 .. كانت لنا بطولات عسكرية سجلت في التاريخ وأثبتت أن جند مصر هم خير أجناد الأرض. والبحرية المصرية كان لها الكثير من الانتصارات بعد نكسة 1967، ولها الكثير من البطولات التي جعلت إسرائيل تحجب بحريتها في حرب 1973، حرب الانتصار.
ومن ضمن بطولات وأبطال البحرية كان هذا الرجل، اللواء محمد عبد المجيد عزب، هذا الرجل الذي أغرق نصف أسطول الغواصات الإسرائيلي عام 1967، ثم أغرق ربع الأسطول عام 1968. ففي عام 1967 كان لدي إسرائيل غواصتين اثنتين وهما "تانين" والتي تعني التمساح، "وراهاف" والتي تعني آلهة البحر وتمكن هذا الرجل من إغراق تانين وإصابتها إصابات جمة أخرجتها من الخدمة.وفي عام 1968 كان لدي إسرائيل أربعة غواصات وهي "نثياتان"، "دكار"، و"دولفن"، و"ولفيتان". وتمكن الرجل أيضاً من إغراق "دكار" الغواصة الشهيرة التي لم تعلن مصر عن قصة إغراقها وظلت إسرائيل تبحث عنها لمدة 31 عاماً حتى أعلنت أنها عثرت علي حطامها غارقاً بالبحر المتوسط.
التقيت بالبطل، وفتحت معه بوابة الذكريات وتركته يحكي قصة أيام مجيدة لا تمحي من الذاكرة فقال : في عام 1967 كنت أعمل كضابط أول برتبة رائد بحري بالمدمرة طارق، وقمنا بالعديد من العمليات التدريبية عن كيفية تأمين مداخل البحر الأحمر ضد هجمات البحرية الإسرائيلية وفي ظهر يوم 5 يونيه وردت إلينا إشارة بمغادرة الميناء ومسح السواحل الشمالية للدفاع عن مصر ضد أي هجوم محتمل، ونفذنا الأمر، وعند الغروب أظلمت السفينة إظلام تام وهو إجراء أمني متبع وأصبحت المدمرة طارق "كجبل أسود عائم" وصباح يوم 6 يونيه وبعد عمل مراكز القتال وأخذ التمام أمر القائد بفتح أحد الأبواب لتجديد الهواء داخل الكبائن المغلقة.
وفجأة شاهدت ثلاثة السنة من الدخان الأبيض تنبعث من الماء علي بعد كيلومتر واحد من جسم المدمرة فصعدت إلي كابينة القيادة لأتبين الأمر، وتوقف قلبي عن الخفقان حيث وجدة ثلاثة طوربيدات تشق الماء وتتجه بإتقان إلي المدمرة تاركة ورائها ثلاثة مسارات في الماء، ولا يمكن للعين المدربة أن تخطئها، وفي ثوان معدودة تم إطلاق صفارات الإنذار فوق المركب وتواجد كل شخص في مكانه وصعدت إلي الممشى قبل القائد، وتوليت زمام الأمر وقمت بعمل مناورة بإعطاء الأوامر بالاتجاه بسرعة قصوى للأمام .. والدوران يمين للأخر، وأخذت ماكينة السفينة تهدأ بشدة ودارت بسرعة لجهة اليمين في اتجاه معاكس لاتجاه الطوربيدات وتمكنت بفضل الله من المرور سالماً بين طوربيدين من الثلاثة، ولكن الغواصة الإسرائيلية عاجلتنا بطوربيدين آخرين فأعطيت الأوامر دومان يمين للآخر حتى أصبحت مؤخرة السفينة أمام الطوربيدين لامتصاص قوة الاصطدام "وحدثت المعجزة الإلهية" فقد مر الطوربيدين علي جانبي المدمرة وغرقا بعد أن انتهي مداها.
هنا أعلنت الغواصة عن نفسها ووجب مهاجمتها وفي لحظات تحولنا من الدفاع للهجوم وأطلقنا وابلاً من قذائف الأعماق فأصابتها إصابات مباشرة تسبب في إعطابها وخروجها من الخدمة البحرية في إسرائيل. وظلت نتائج هذه المعركة مجهولة تماماً لقواتنا البحرية وقيادتنا السياسية بالرغم من تقديمي تقرير كامل، حتى أفصح عنها اعتراف قائد الغواصة الإسرائيلية في حديث مع مجلة "بمجانية" بمناسبة منحه أعلي وسام إسرائيلي لاستطاعته العودة بها وهي شبه محطمة، فلما علم الرئيس جمال عبد الناصر منحني نوط الشجاعة العسكرية من الطبقة الأولي في 15 يوليو عام 1969 أي بعد عامين كاملين من تدمير الغواصة تانين أمام سواحل الإسكندرية.
كيف أغرقنا داكار ؟؟
ويستكمل اللواء عزب حديثه، فيحكي قصة إغراق الغواصة داكار ويقول : أن إسرائيل في إطار تحديثها لقواتها البحرية في حرب يوينه وإغراق المدمرة إيلات قامت بشراء غواصتين قديمتين من بريطانيا هما الغواصة داكار والغواصة لفيتان وكانت البحرية الإسرائيلية تملك غواصتين أخرتين.
وتم الاتفاق علي عمل عمرة للغواصتين "داركار ولفيتان" بأحواض السفن البريطانية في بورت سماوث. وغادرت الغواصة داكار حوض السفن في بورت سماوث يوم 9 يناير 1968 بعد الانتهاء من تجديدها وتحديثها وعلي متنها طاقمها المكون من 69 ضابطاً وبحاراً منهم 11 ضابطاً بحرياً بقيادة الرائد بحري يعقوب رعنان، وكانت متجهة لميناء حيفا وكان من المقرر لها أن ترسو في ميناء حيفا يوم 29 يناير.
ويستطرد اللواء عزب قائلاً : وصباح يوم 23 يناير 1968 غادرت السفينة الحربية "أسيوط" ميناء الإسكندرية "وكنت قائداً لها" وكانت أشهر سفينة حربية في ذلك الوقت. وكنا نتجه لتنفيذ مهمة تدريبية لبعض طلبة الكلية البحرية، وبعد أن وصلت السفينة أسيوط إلي منطقة التدريب المحددة لهذه المهمة تم تقسيم الطلبة إلي مجموعات تحت إشراف ضباط الكلية البحرية ..
وبعد انتهاء التدريب وكان الوقت ظهراً، أرسلت السفينة أسيوط الإشارة التقليدية لطلب الإذن بالدخول إلي الميناء، وأخذت السفينة تبحر ببطيء جنوب الميناء لحين الإذن لها بالدخول، وفي هذه الأثناء كان بعض الطلبة المتواجدين بالممشى يقومون بالتدريب علي أعمال المراقبة البصرية وأخذ أحدهم وهو وقتئذ العريف طالب "عادل معتوق" يتطلع إلي سطح البحر الساكن ومن خلال النظارة المكبرة التي كان يستخدمها شاهد هدفاً صغيراً جداً يشق سطح البحر وأخذ في مراقبته عدة دقائق لم يستطع خلالها التعرف علي الهدف وتمييزه، فلجأ إلي زميل دراسته وهو وقتئذ الرقيب طالب محمد أحمد إبراهيم، والذي فشل هو الآخر في التعرف علي نوعية الهدف مما جعله يلجأ إلي وكنت أقف بجواره، واستطعت علي الفور أن أميز الهدف علي أنه بيرسكوب غواصة تسير علي عمق البيرسكوب في خط مواز لخط سير السفينة أسيوط، واتخذت قرار فوري بمهاجمة الغواصة المجهولة التي انتهكت مياهنا الإقليمية فقد كانت علي مسافة 2 ميل فقط من سواحل الإسكندرية وهذه المنطقة ممنوع علي غواصتنا الغطس فيها، وعلي الفور أخذ كل فرد مكانه وتم إعلان مراكز القتال فوق السفينة والتأهب للانقضاض علي الغواصة المعادية واتجهت السفينة بأقصى سرعتها وانقضت علي الغواصة والتي كانت قريبة جداً من مقدمة سفينتنا، والانقضاض هو الحل الوحيد للركوب فوقها، وباختفاء بيرسكوب الغواصة أرسلنا إشارة للقاعدة لمتابعة الموقف وكنت قد أرسلت إشارة فور اتخاذي قرار الهجوم وكانت الإشارة : "غواصة تحت سطح الماء علي عمق البيرسكوب".
وما هي إلا لحظات بعد اختفاء البيرسكوب حتى صدر بعدها الأمر للسفينة بالدخول إلي الميناء وكنت في غاية الحنق والغيظ ولكن ما خفف ذلك اعتقاد ثبت صحته بعد ذلك وهو اصطدام الغواصة بالقاع الذي يبعد عن سطح البحري بـ 18 قامة فقط عند محاولته الهروب بالغطس السريع.
وفي مساء الجمعة 26 يناير 1968 وبعد مقابلة أحد قادة الغواصات أيقنت أن الغواصة المجهولة غواصة معادية ورفعت تقرير مفصل إلي قائد القوات البحرية عن قصة غرق الغواصة الإسرائيلية التي تمت مهاجمتها و لم يصدق كلامي علي أساس أن إسرائيل أعلنت عن غرق داكار جنوب قبرص، ولم أيأس لتأكيد إغراقها فمن المؤكد أنها اندفعت نحو قاع البحر لتفادي الاصطدام بنا فانحشرت في الرمال.
دلائل مؤكدة علي إغراقنا لداكار :
ويقول اللواء محمد عبد المجيد عزب أن هناك أدلة تؤكد أننا قد أغرقنا دكار وهي :
- يوم 23 يناير 1968 أعلنت السفينة الحربية الناصر عن اكتشاف هدف تحت سطح البحر حوالي الساعة1130.
- إعلان إسرائيل عن فقد الغواصة داكار يوم 25 يناير 1968.
- يوم 23 يناير 1968 رصدت إحدى الغواصات المصرية طائرة تحوم حول المنقطة في حوالي الساحة 1657.
- يوم 24 يناير 1968 قامت إحدى الطائرات الهليوكوبتر التحليق بالإخطار عن هدف غاطس تحت الماء داخل مياهنا الإقليمية.
- يوم 24 يناير 1968 تم رصد تداول إشارات حوالي الساعة 1822 بين الغواصة داكار ومحطة قيادة البحرية الإسرائيلية.
- يوم 26 يناير 1968 أعلنت "رويتر" بأن الغواصة الإسرائيلية داكار غرقت قرب قبرص.
- نشر الكتاب السنوي الذي صدر بالمحكمة المتحدة عام 1969 عن أحداث العالم خلال عام 1968 أنه بتاريخ 26 يناير 1968 أعلن عن فقد الغواصة داكار قرب الإسكندرية و عليها 69 فرداً.
- يوم 27 يناير 1968 أعلنت "رويتر" أن الغواصة الإسرائيلية داكار غرقت قرب الإسكندرية.
- يوم 8 فبراير 1968 قام كل من الملحق البحري الأسباني والفلبيني بزيارة قائد البحرية المصري والاستفسار منه عن كيفية إغراق البحرية المصرية للغواصة داكار إلا أنه نفي ذلك لأسباب تخص الأمن.
- يوم 24 إبريل 1969 قام قائد السفينة أسيوط برفع تقرير عن احتمال غرق الغواصة داكار أما الإسكندرية وطلب البحث عنها، وبينما كان هذا التقرير أمام قائد القوات البحرية المرحوم فؤاد ذكري أعلنت إسرائيل علي نحو ما جاء بجريدة أخبار اليوم بتاريخ 26 إبريل 1969 أن الغواصة الإسرائيلية داكار قد غرقت علي بعد 30 ميلاً من السواحل المصرية وقال قائد البحرية الإسرائيلية أن الغواصة ضلت طريقها ولكنه لم يفسر الأسباب التي جعلت قائد الغواصة يغير اتجاهه بحيث ضل طريقه واكتفي بقوله أنه له الحق في ذلك لأنه كان يقوم بتدريبات.
- يوم 9 فبراير 1969 عثر علي جهاز الطفو الخاص بالغواصة الإسرائيلية داكار علي ساحل قطاع غزة بعد مضي أكثر من عام علي غرقها.
- أول يناير 1970 نشرت جريدة الأخبار أن البحرية المصرية أغرقت الغواصة داكار.
- بتاريخ 2 يناير 1970 نشرت جريدة الأخبار أن وكالات الأنباء تناقلت نبأ غرق الغواصة داكار و إذاعته إذاعة لندن ولم تستطع إسرائيل تكذيب هذا النبأ.
- بتاريخ 5 أكتوبر 1972 جاء علي لسان المقدم مفتاح دخيل رئيس مشتروات ليبيا في غرب أوروبا في حفل أقامه له الملحق العسكري المصري بلندن بأنه عندما هدد بقطع التعامل مع بريطانيا لتعاقدها علي بيع 3 غواصات لإسرائيل، قيل له علي سبيل التهدئة بأن العرب قد أغرقوا الغواصة داكار.
- يوم 13 أغسطس 1979 نشرت جريدة الأهرام الخبر التالي : "الإسرائيليون فقدوا غواصة تحمل 64 رجلاً أمام الشواطئ المصرية في يناير 1968".
- يوم 1 يناير 1986 نشرت جريدة الأخبار النبأ التالي : "البحث عن حطام غواصة إسرائيلية غرقت بصاروخ مصري منذ 20 سنة" وذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن وفداً عسكرياً إسرائيلياً" سيتوجه إلي القاهرة لتحديد موعد بدء عمليات البحث، وكانت الغواصة داكار قد اختفت بصورة غامضة بينما كانت تقوم بأول رحلة لها من بريطانيا إلي إسرائيل". وكان ذلك بعد معاهدة كامب ديفيد، حيث سمح لإسرائيل بالبحث عن هذه الغواصة، وكان ذلك أول اعتراف إسرائيلي بأن البحرية المصرية متماثلة في السفينة الحربية أسيوط هي التي تسببت في غرق الغواصة الإسرائيلية داكار داخل مياهنا الإقليمية".
- وكان غرق داكار وقبلها تانين من الأسباب الرئيسة التي جعلت إسرائيل تحجم عن استخدام غواصاتها خلال حرب أكتوبر 1973 والتي تحقق فيها النصر لقواتنا المسلحة علي لقوات الإسرائيلية.
يبقي أن نذكر أن اللواء محمد عبد المجيد عزب يحمل ثلاثة أنواط وهي نوط الواجب العسكري لأعماله في حرب اليمن، ونوط الشجاعة العسكري من الدرجة الأولي بعد إغراقه للغواصة تانين، ونوط الواجب العسكري عام 1982 كما يحمل أعظم وسام في جسمه، وهو ساقيه اللتين بترتا نتيجة سقوط قنبلة عليه أثناء وجوده كرئيس عمليات بميناء الأدبية في يناير 1970، وهو الوسام الذي سيظل أبداً شاهداً علي بطولته.
ومن ضمن بطولات وأبطال البحرية كان هذا الرجل، اللواء محمد عبد المجيد عزب، هذا الرجل الذي أغرق نصف أسطول الغواصات الإسرائيلي عام 1967، ثم أغرق ربع الأسطول عام 1968. ففي عام 1967 كان لدي إسرائيل غواصتين اثنتين وهما "تانين" والتي تعني التمساح، "وراهاف" والتي تعني آلهة البحر وتمكن هذا الرجل من إغراق تانين وإصابتها إصابات جمة أخرجتها من الخدمة.وفي عام 1968 كان لدي إسرائيل أربعة غواصات وهي "نثياتان"، "دكار"، و"دولفن"، و"ولفيتان". وتمكن الرجل أيضاً من إغراق "دكار" الغواصة الشهيرة التي لم تعلن مصر عن قصة إغراقها وظلت إسرائيل تبحث عنها لمدة 31 عاماً حتى أعلنت أنها عثرت علي حطامها غارقاً بالبحر المتوسط.
التقيت بالبطل، وفتحت معه بوابة الذكريات وتركته يحكي قصة أيام مجيدة لا تمحي من الذاكرة فقال : في عام 1967 كنت أعمل كضابط أول برتبة رائد بحري بالمدمرة طارق، وقمنا بالعديد من العمليات التدريبية عن كيفية تأمين مداخل البحر الأحمر ضد هجمات البحرية الإسرائيلية وفي ظهر يوم 5 يونيه وردت إلينا إشارة بمغادرة الميناء ومسح السواحل الشمالية للدفاع عن مصر ضد أي هجوم محتمل، ونفذنا الأمر، وعند الغروب أظلمت السفينة إظلام تام وهو إجراء أمني متبع وأصبحت المدمرة طارق "كجبل أسود عائم" وصباح يوم 6 يونيه وبعد عمل مراكز القتال وأخذ التمام أمر القائد بفتح أحد الأبواب لتجديد الهواء داخل الكبائن المغلقة.
وفجأة شاهدت ثلاثة السنة من الدخان الأبيض تنبعث من الماء علي بعد كيلومتر واحد من جسم المدمرة فصعدت إلي كابينة القيادة لأتبين الأمر، وتوقف قلبي عن الخفقان حيث وجدة ثلاثة طوربيدات تشق الماء وتتجه بإتقان إلي المدمرة تاركة ورائها ثلاثة مسارات في الماء، ولا يمكن للعين المدربة أن تخطئها، وفي ثوان معدودة تم إطلاق صفارات الإنذار فوق المركب وتواجد كل شخص في مكانه وصعدت إلي الممشى قبل القائد، وتوليت زمام الأمر وقمت بعمل مناورة بإعطاء الأوامر بالاتجاه بسرعة قصوى للأمام .. والدوران يمين للأخر، وأخذت ماكينة السفينة تهدأ بشدة ودارت بسرعة لجهة اليمين في اتجاه معاكس لاتجاه الطوربيدات وتمكنت بفضل الله من المرور سالماً بين طوربيدين من الثلاثة، ولكن الغواصة الإسرائيلية عاجلتنا بطوربيدين آخرين فأعطيت الأوامر دومان يمين للآخر حتى أصبحت مؤخرة السفينة أمام الطوربيدين لامتصاص قوة الاصطدام "وحدثت المعجزة الإلهية" فقد مر الطوربيدين علي جانبي المدمرة وغرقا بعد أن انتهي مداها.
هنا أعلنت الغواصة عن نفسها ووجب مهاجمتها وفي لحظات تحولنا من الدفاع للهجوم وأطلقنا وابلاً من قذائف الأعماق فأصابتها إصابات مباشرة تسبب في إعطابها وخروجها من الخدمة البحرية في إسرائيل. وظلت نتائج هذه المعركة مجهولة تماماً لقواتنا البحرية وقيادتنا السياسية بالرغم من تقديمي تقرير كامل، حتى أفصح عنها اعتراف قائد الغواصة الإسرائيلية في حديث مع مجلة "بمجانية" بمناسبة منحه أعلي وسام إسرائيلي لاستطاعته العودة بها وهي شبه محطمة، فلما علم الرئيس جمال عبد الناصر منحني نوط الشجاعة العسكرية من الطبقة الأولي في 15 يوليو عام 1969 أي بعد عامين كاملين من تدمير الغواصة تانين أمام سواحل الإسكندرية.
كيف أغرقنا داكار ؟؟
ويستكمل اللواء عزب حديثه، فيحكي قصة إغراق الغواصة داكار ويقول : أن إسرائيل في إطار تحديثها لقواتها البحرية في حرب يوينه وإغراق المدمرة إيلات قامت بشراء غواصتين قديمتين من بريطانيا هما الغواصة داكار والغواصة لفيتان وكانت البحرية الإسرائيلية تملك غواصتين أخرتين.
وتم الاتفاق علي عمل عمرة للغواصتين "داركار ولفيتان" بأحواض السفن البريطانية في بورت سماوث. وغادرت الغواصة داكار حوض السفن في بورت سماوث يوم 9 يناير 1968 بعد الانتهاء من تجديدها وتحديثها وعلي متنها طاقمها المكون من 69 ضابطاً وبحاراً منهم 11 ضابطاً بحرياً بقيادة الرائد بحري يعقوب رعنان، وكانت متجهة لميناء حيفا وكان من المقرر لها أن ترسو في ميناء حيفا يوم 29 يناير.
ويستطرد اللواء عزب قائلاً : وصباح يوم 23 يناير 1968 غادرت السفينة الحربية "أسيوط" ميناء الإسكندرية "وكنت قائداً لها" وكانت أشهر سفينة حربية في ذلك الوقت. وكنا نتجه لتنفيذ مهمة تدريبية لبعض طلبة الكلية البحرية، وبعد أن وصلت السفينة أسيوط إلي منطقة التدريب المحددة لهذه المهمة تم تقسيم الطلبة إلي مجموعات تحت إشراف ضباط الكلية البحرية ..
وبعد انتهاء التدريب وكان الوقت ظهراً، أرسلت السفينة أسيوط الإشارة التقليدية لطلب الإذن بالدخول إلي الميناء، وأخذت السفينة تبحر ببطيء جنوب الميناء لحين الإذن لها بالدخول، وفي هذه الأثناء كان بعض الطلبة المتواجدين بالممشى يقومون بالتدريب علي أعمال المراقبة البصرية وأخذ أحدهم وهو وقتئذ العريف طالب "عادل معتوق" يتطلع إلي سطح البحر الساكن ومن خلال النظارة المكبرة التي كان يستخدمها شاهد هدفاً صغيراً جداً يشق سطح البحر وأخذ في مراقبته عدة دقائق لم يستطع خلالها التعرف علي الهدف وتمييزه، فلجأ إلي زميل دراسته وهو وقتئذ الرقيب طالب محمد أحمد إبراهيم، والذي فشل هو الآخر في التعرف علي نوعية الهدف مما جعله يلجأ إلي وكنت أقف بجواره، واستطعت علي الفور أن أميز الهدف علي أنه بيرسكوب غواصة تسير علي عمق البيرسكوب في خط مواز لخط سير السفينة أسيوط، واتخذت قرار فوري بمهاجمة الغواصة المجهولة التي انتهكت مياهنا الإقليمية فقد كانت علي مسافة 2 ميل فقط من سواحل الإسكندرية وهذه المنطقة ممنوع علي غواصتنا الغطس فيها، وعلي الفور أخذ كل فرد مكانه وتم إعلان مراكز القتال فوق السفينة والتأهب للانقضاض علي الغواصة المعادية واتجهت السفينة بأقصى سرعتها وانقضت علي الغواصة والتي كانت قريبة جداً من مقدمة سفينتنا، والانقضاض هو الحل الوحيد للركوب فوقها، وباختفاء بيرسكوب الغواصة أرسلنا إشارة للقاعدة لمتابعة الموقف وكنت قد أرسلت إشارة فور اتخاذي قرار الهجوم وكانت الإشارة : "غواصة تحت سطح الماء علي عمق البيرسكوب".
وما هي إلا لحظات بعد اختفاء البيرسكوب حتى صدر بعدها الأمر للسفينة بالدخول إلي الميناء وكنت في غاية الحنق والغيظ ولكن ما خفف ذلك اعتقاد ثبت صحته بعد ذلك وهو اصطدام الغواصة بالقاع الذي يبعد عن سطح البحري بـ 18 قامة فقط عند محاولته الهروب بالغطس السريع.
وفي مساء الجمعة 26 يناير 1968 وبعد مقابلة أحد قادة الغواصات أيقنت أن الغواصة المجهولة غواصة معادية ورفعت تقرير مفصل إلي قائد القوات البحرية عن قصة غرق الغواصة الإسرائيلية التي تمت مهاجمتها و لم يصدق كلامي علي أساس أن إسرائيل أعلنت عن غرق داكار جنوب قبرص، ولم أيأس لتأكيد إغراقها فمن المؤكد أنها اندفعت نحو قاع البحر لتفادي الاصطدام بنا فانحشرت في الرمال.
دلائل مؤكدة علي إغراقنا لداكار :
ويقول اللواء محمد عبد المجيد عزب أن هناك أدلة تؤكد أننا قد أغرقنا دكار وهي :
- يوم 23 يناير 1968 أعلنت السفينة الحربية الناصر عن اكتشاف هدف تحت سطح البحر حوالي الساعة1130.
- إعلان إسرائيل عن فقد الغواصة داكار يوم 25 يناير 1968.
- يوم 23 يناير 1968 رصدت إحدى الغواصات المصرية طائرة تحوم حول المنقطة في حوالي الساحة 1657.
- يوم 24 يناير 1968 قامت إحدى الطائرات الهليوكوبتر التحليق بالإخطار عن هدف غاطس تحت الماء داخل مياهنا الإقليمية.
- يوم 24 يناير 1968 تم رصد تداول إشارات حوالي الساعة 1822 بين الغواصة داكار ومحطة قيادة البحرية الإسرائيلية.
- يوم 26 يناير 1968 أعلنت "رويتر" بأن الغواصة الإسرائيلية داكار غرقت قرب قبرص.
- نشر الكتاب السنوي الذي صدر بالمحكمة المتحدة عام 1969 عن أحداث العالم خلال عام 1968 أنه بتاريخ 26 يناير 1968 أعلن عن فقد الغواصة داكار قرب الإسكندرية و عليها 69 فرداً.
- يوم 27 يناير 1968 أعلنت "رويتر" أن الغواصة الإسرائيلية داكار غرقت قرب الإسكندرية.
- يوم 8 فبراير 1968 قام كل من الملحق البحري الأسباني والفلبيني بزيارة قائد البحرية المصري والاستفسار منه عن كيفية إغراق البحرية المصرية للغواصة داكار إلا أنه نفي ذلك لأسباب تخص الأمن.
- يوم 24 إبريل 1969 قام قائد السفينة أسيوط برفع تقرير عن احتمال غرق الغواصة داكار أما الإسكندرية وطلب البحث عنها، وبينما كان هذا التقرير أمام قائد القوات البحرية المرحوم فؤاد ذكري أعلنت إسرائيل علي نحو ما جاء بجريدة أخبار اليوم بتاريخ 26 إبريل 1969 أن الغواصة الإسرائيلية داكار قد غرقت علي بعد 30 ميلاً من السواحل المصرية وقال قائد البحرية الإسرائيلية أن الغواصة ضلت طريقها ولكنه لم يفسر الأسباب التي جعلت قائد الغواصة يغير اتجاهه بحيث ضل طريقه واكتفي بقوله أنه له الحق في ذلك لأنه كان يقوم بتدريبات.
- يوم 9 فبراير 1969 عثر علي جهاز الطفو الخاص بالغواصة الإسرائيلية داكار علي ساحل قطاع غزة بعد مضي أكثر من عام علي غرقها.
- أول يناير 1970 نشرت جريدة الأخبار أن البحرية المصرية أغرقت الغواصة داكار.
- بتاريخ 2 يناير 1970 نشرت جريدة الأخبار أن وكالات الأنباء تناقلت نبأ غرق الغواصة داكار و إذاعته إذاعة لندن ولم تستطع إسرائيل تكذيب هذا النبأ.
- بتاريخ 5 أكتوبر 1972 جاء علي لسان المقدم مفتاح دخيل رئيس مشتروات ليبيا في غرب أوروبا في حفل أقامه له الملحق العسكري المصري بلندن بأنه عندما هدد بقطع التعامل مع بريطانيا لتعاقدها علي بيع 3 غواصات لإسرائيل، قيل له علي سبيل التهدئة بأن العرب قد أغرقوا الغواصة داكار.
- يوم 13 أغسطس 1979 نشرت جريدة الأهرام الخبر التالي : "الإسرائيليون فقدوا غواصة تحمل 64 رجلاً أمام الشواطئ المصرية في يناير 1968".
- يوم 1 يناير 1986 نشرت جريدة الأخبار النبأ التالي : "البحث عن حطام غواصة إسرائيلية غرقت بصاروخ مصري منذ 20 سنة" وذكرت صحيفة هاآرتس الإسرائيلية أن وفداً عسكرياً إسرائيلياً" سيتوجه إلي القاهرة لتحديد موعد بدء عمليات البحث، وكانت الغواصة داكار قد اختفت بصورة غامضة بينما كانت تقوم بأول رحلة لها من بريطانيا إلي إسرائيل". وكان ذلك بعد معاهدة كامب ديفيد، حيث سمح لإسرائيل بالبحث عن هذه الغواصة، وكان ذلك أول اعتراف إسرائيلي بأن البحرية المصرية متماثلة في السفينة الحربية أسيوط هي التي تسببت في غرق الغواصة الإسرائيلية داكار داخل مياهنا الإقليمية".
- وكان غرق داكار وقبلها تانين من الأسباب الرئيسة التي جعلت إسرائيل تحجم عن استخدام غواصاتها خلال حرب أكتوبر 1973 والتي تحقق فيها النصر لقواتنا المسلحة علي لقوات الإسرائيلية.
يبقي أن نذكر أن اللواء محمد عبد المجيد عزب يحمل ثلاثة أنواط وهي نوط الواجب العسكري لأعماله في حرب اليمن، ونوط الشجاعة العسكري من الدرجة الأولي بعد إغراقه للغواصة تانين، ونوط الواجب العسكري عام 1982 كما يحمل أعظم وسام في جسمه، وهو ساقيه اللتين بترتا نتيجة سقوط قنبلة عليه أثناء وجوده كرئيس عمليات بميناء الأدبية في يناير 1970، وهو الوسام الذي سيظل أبداً شاهداً علي بطولته.