حكم الاحتفال بأعياد الكفار
د سيد العربي
23 - 4 - 2008
العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا:
* منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة* اجتماع فيه.
* ومنها أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات.
* وقد يختص العيد بمكان بعينه وقد يكون مطلقًا, وكل من هذه الأمور قد تسمَّى عيدًا؛ فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة: «إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدًا», والاجتماع والأعمال: كقول ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمكان: كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدًا».
وقد يكون لفظ العيد اسمًا لمجموع اليوم، والعمل فيه، وهو الغالب؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيدًا، وإن هذا عيدنا».
* وأعياد الكفار: كثيرة مختلفة، وليس على المسلم أن يبحث عنها ولا يعرفها، بل يكفيه أن يعرف في أيّ فعل من الأفعال أو يوم أو مكان أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان والزمان من جهتهم، ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم، فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام؛ فإنه إذا لم يكن له أصل، فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء نفسه أو يكون مأخوذًا عنهم، فأقل أحواله أن يكون من البدع.
فمن ذلك "الخميس الحقير" الذي في آخر صومهم، فإنه يوم عيد المائدة، فيما يزعمون, ويسمونه عيد العشاء، وهو الأسبوع الذي يكون فيه من الأحد إلى الأحد عيدهم الأكبر.
ومن ذلك ما يفعله كثير من الناس في أثناء الشتاء في أثناء كانون الأول لأربع وعشرين خلت منه، ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام.
وكذلك أعياد الفرس مثل النيروز والمهرجان، وأعياد اليهود أو غيرهم من أنواع الكفار أو الأعاجم والأعراب.
حكم موافقتهم في أعيادهم
وموافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:
الطريق الأول العام: هو أن هذا موافقة لأهل الكتاب وعموم الكفار فيما ليس من ديننا، ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم، وفي تركه مصلحة مخالفتهم، حتى لو كانت موافقتهم في ذلك أمرًا اتفاقيًّا ليس مأخوذًا عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم؛ لما في مخالفتهم من المصلحة لنا كما هو معلوم من الدين, فمن وافقهم فقد فوَّت على نفسه هذه المصلحة، وإن لم يكن قد أتى بمفسدة، فكيف إذا جمعهما (المفسدة ومشابهة الكفار)؟!!
ومن جهة أنه من البدع المحدثة، وهذه الطريق لا ريب في أنها تدل على كراهة التشبه بهم في ذلك؛ فإن أقل أحوال التشبه بهم أن يكون مكروهًا، وكذلك أقل أحوال البدع أن تكون مكروهة، ويدل كثير منها على تحريم التشبه بهم في العيد، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم», فإن موجب هذا تحريم التشبه بهم مطلقًا، وكذلك قوله: «خالفوا المشركين», ونحو ذلك مثل ما ذكرناه من دلالة الكتاب والسنة على تحريم سبيل المغضوب عليهم والضالين وأعيادهم من سبيلهم، إلى غير ذلك من الدلائل المعلومة من الكتاب والسنة.
وأما الطريق الثاني الخاص: في نفس أعياد الكفار، فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار؛ أما الكتاب: فمما تأوّله غير واحد من التابعين وغيرهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] الآية.. فروى أبو بكر الخلال في الجامع بإسناده عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: هو الشعانين.
وكذلك ذكر عن مجاهد قال: هو أعياد المشركين، وكذلك عن الربيع بن أنس قال: هو أعياد المشركين، وفي معنى هذا ما روي عن عكرمة قال: لعب كان لهم في الجاهلية، وقال القاضي أبو يعلى: مسألة في النهي عن حضور أعياد المشركين.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: أعياد المشركين, وبإسناده عن أبي سنان عن الضحاك: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} كلام الشرك، وبإسناده عن جويبر عن الضحاك: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: أعياد المشركين، وروى بإسناده عن عمرو بن مرة {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم، وبإسناده عن عطاء بن يسار قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم, وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.
وأما السنة: الحديث الأول: فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟! قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر», رواه أبو داود بهذا اللفظ ورواه أحمد والنسائي، وهذا إسناد على شرط مسلم, فوجه الدلالة أن اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدَل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تُستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما، كقوله تعالى {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50], وقوله تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16] وقوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59]، وقوله تعالى: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2], ومنه الحديث في المقبور فيقال له: «انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به خيرًا منه مقعدًا في الجنة، ويقال للآخر: انظر إلى مقعدك من الجنة أبدلك الله به مقعدًا من النار».
فقوله صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكم الله بهما خيرًا» يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما قوله: «خيرًا منهما» يقتضي الاعتياض بما شُرع لنا عما كان في الجاهلية.
وأيضًا فقوله لهم: «إن الله قد أبدلكم» لما سألهم عن اليومين فأجابوه: إنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضًا بيومي الإسلام؛ إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبًا؛ إذ أصل شرع اليومين الواجبين الإسلاميين كانوا يعملونه، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية.
وفي قول أنس: (ولهم يومان يلعبون فيهما), وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرًا منهما» دليل على أن أنسًا رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم «أبدلكم بهما» تعويضًا باليومين المبدلين.
الحديث الثاني: ما رواه أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: «نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعْبَد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم».
أصل هذا الحديث في الصحيحين، وهذا الإسناد على شرط الصحيحين، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة, وبُوانة بضم الباء الموحدة موضع قريب من مكة.
قوله: (فأوف بنذرك) تعقيب للوصف بالحكم بحرف الفاء، وذلك يدل على أن الوصف هو سبب الحكم، فيكون سبب الأمر بالوفاء وجود النذر خاليًا من هذين الوصفين، فيكون وجود الوصفين مانعًا من الوفاء، ولو لم يكن معصية لجاز الوفاء به.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هل بها عيد من أعيادهم» يريد اجتماعًا معتادًا من اجتماعاتهم التي كانت عندهم عيدًا، فلما قال: لا . قال له: «أوف بنذرك».
وهذا يقتضي أن كون البقعة مكانًا لعيدهم مانع من الذبح بها وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظم الكلام ولا حسن الاستفصال.
ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها أو لمشاركتهم في التعييد فيها أو لإحياء شعار عيدهم فيها ونحو ذلك؛ إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه, وإن كان النهي لأن في الذبح هناك موافقة لهم في عمل عيدهم فهو عين مسألتنا؛ إذ مجرد الذبح هناك لم يكره على هذا التقدير إلا بموافقتهم في العيد إذ ليس فيه محذور آخر.
وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان، وأعياد الكفار من الكتابيين والأميين في دين الإسلام من جنس واحد, وهذا الحديث وغيره قد دل على أنه كان للناس في الجاهلية أعياد يجتمعون فيها، ومعلوم أنه لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محا الله ذلك عنه، فلم يبق شيء من ذلك.
ومعلوم أنه لولا نهيه ومنعه لما ترك الناس تلك الأعياد؛ لأن المقتضي لها قائم من جهة الطبيعة التي تحب ما يصنع في الأعياد، خصوصًا أعياد الباطل من اللعب واللذات، ومن جهة العادة التي ألفت ما يعود من العيد؛ فإن العادة طبيعة ثانية، وإذا كان المقتضي قائمًا قويًّا، فلولا المانع القوي لما درست تلك الأعياد, وهذا يوجب العلم اليقيني بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعًا قويًّا عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها وطموسها بكل سبيل، وليس في إقرار أهل الكتاب على دينهم إبقاء لشيء من أعيادهم في حق أمته صلى الله عليه وسلم.
والحديث الثالث: ما خرَّجاه في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا) وفي رواية (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم).
وفي الصحيحين أيضًا أنه قال: دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد، وتلك الأيام أيام منى.
قوله: (إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا) فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم, كما أنه سبحانه لما قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148], وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الاختصاص، فإذا كان لليهود عيد وللنصارى عيد كانوا مختصين به، فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم, وكذلك أيضًا على هذا لا ندعهم يشركوننا في عيدنا.
ومن هذا الباب حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح, فإنه دليل على مفارقتنا لغيرنا في العيد، والتخصيص بهذه الأيام الخمسة؛ لأنه يجتمع فيها العيدان المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير، فلما كملت صفة التعييد حصر الحكم فيه لكماله، أو لأنه هو عيد الأيام، وليس لنا عيد هو أيام إلا هذه الخمسة.
والوجه الرابع من السنة: أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصارى حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته، وكان اليهود بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد هادنهم حتى نقضوا العهد طائفة بعد طائفة، وما زال بالمدينة يهود وإن لم يكونوا كثيرًا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وكان في اليمن يهود كثير، والنصارى بنجران وغيرها، والفرس بالبحرين, ومن المعلوم أن هؤلاء كانت لهم أعياد يتخذونها، ومن المعلوم أيضًا أن المقتضي لما يفعل في العيد من الأكل والشرب واللباس والزينة واللعب والراحة ونحو ذلك قائم في النفوس كلها، إذا لم يوجد مانع خصوصًا نفوس الصبيان والنساء وأكثر الفارغين من الناس.
ثم من كان له خبرة بالسِّيَر علم يقينًا أن المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يشركونهم في شيء من أمرهم ولا يغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، بل ذلك اليوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين يوم من الأيام لا يختصونه بشيء أصلاً, ثم على هذا جرى عمل المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين.
غاية ما كان يوجد من بعض الناس ذهاب إليهم يوم العيد للتنزه بالنظر إلى عيدهم ونحو ذلك، فنهى عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة عن ذلك, بل لما ظهر من بعض المسلمين اختصاص يوم عيدهم بصوم مخالفة لهم، نهى الفقهاء أو كثير منهم عن ذلك؛ لأجل ما فيه من تعظيم ما لعيدهم.
الوجه الخامس من السنة: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارى بعد غد) متفق عليه. وفي لفظ صحيح: (بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له).
وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم) رواه مسلم.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة عيدًا في غير موضع، ونهى عن إفراده بالصوم؛ لما فيه من معنى العيد. ثم إن في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا كما أن السبت لليهود والأحد للنصارى واللام تقتضي الاختصاص.
ثم هذا الكلام يقتضي الاقتسام إذا قيل: هذه ثلاثة أثواب أو ثلاثة غلمان، هذا لي وهذا لزيد وهذا لعمرو، أوجب ذلك أن يكون كل واحد مختصًّا بما جُعل له لا يشركه فيه غيره.
فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت أو عيد يوم الأحد؛ خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي؛ إذ لا فرق, بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك.
ومن الدلائل أيضًا (الإجماع): ما جاء في شروط عمر رضي الله عنه: التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وسموا الشعانين والباعوث, فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها، أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهرًا لها, وذلك أنّا إنما منعناهم من إظهارها لما فيه من الفساد؛ إما لأنها معصية أو شعار المعصية، وعلى التقديرين فالمسلم ممنوع من المعصية، ومن شعائر المعصية ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها لقوة قلبه بالمسلم، فكيف بالمسلم إذا فعلها فكيف وفيها من الشر ما فيها؟!
وقد جاء من رواية أبي الشيخ الأصبهاني عن عطاء بن يسار: هكذا رأيته ولعله عطاء بن دينار قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.
وروى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهة الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار، قال: قال عمر: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم. وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم؛ بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد يعرض لعقوبة ذلك وأشد.
وبالإسناد عن الثوري عن عوف عن الوليد أو أبي الوليد عن عبد الله بن عمرو قال: من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حُشِر معهم يوم القيامة, وهذا يقتضي أنه جعله كافرًا بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية.
وروى بإسناده عن البخاري صاحب الصحيح قال: قال لي ابن أبي مريم: أنبأنا نافع بن يزيد سمع سليمان بن أبي زينب وعمرو بن الحارث سمع سعيد بن سلمة سمع أباه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «اجتنبوا أعداء الله في عيدهم»، وقوله: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم، نهي عن لقائهم والاجتماع بهم فيه, فكيف بمن عمل عيدهم؟!
ومن أقوال الفقهاء: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود. نص عليه أحمد في رواية مهنا، واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}, قال: الشعانين وأعيادهم, وقال: إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم.
وقال الخلال في جامعه: باب في كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين, وقال ابن تيمية: لا يتشبه بهم في الأعياد, فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل يُنْهَى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب إجابة دعوته, ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصًا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم في مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم.
وكذلك أيضًا لا يُهْدَى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم، كما ذكرناه.
ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات.
وأما الاعتبار في مسألة العيد والمنع من مشابهة الكفار فيها فمن وجوه: (وهو الرابع) أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع، والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} وقال {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} كالقبلة والصلاة والصيام, فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر, والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره, ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة.
وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن لكل قوم عيدًا وإن هذا عيدنا), وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين، وهذا أمر ملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
الوجه الثاني من الاعتبار أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله؛ لأنه إما محدث مبتدع، وإما منسوخ، وأحسن أحواله - ولا حُسْن فيه - أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس (وهو منسوخ).
الوجه الثالث من الاعتبار يدل على أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيدًا حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، كما قد سوَّله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه, مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة للنصارى التي قل علم أهلها وإيمانهم قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله على ما حدثني به الثقات.
ويؤكد صحة ذلك ما رأيته بدمشق وما حولها من أرض الشام مع أنها أقرب إلى العلم والإيمان (هذا الكلام يذكره ابن تيمية من زمنه, فالله المستعان وعليه التكلان) فهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى يدور بدوران صومهم الذي هو سبعة أسابيع، وصومهم وإن كان في أوائل الفصل الذي تسميه العرب الصيف، وتسميه العامة الربيع فإنه يتقدم ويتأخر ليس له حدّ واحد من السنة الشمسية كالخميس الذي هو في أول نيسان، بل يدور في نحو ثلاثة وثلاثين يومًا لا يتقدم أوله عن ثاني شباط، ولا يتأخر أوله عن ثاني آذار، بل يبتدئون من الاثنين الذي هو أقرب إلى اجتماع الشمس والقمر في هذه المدة ليراعوا التوقيت الشمسي والهلالي.
وكل ذلك بدع أحدثوها باتفاق منهم، خالفوا بها الشريعة التي جاءت بها الأنبياء، فإن الأنبياء ما وقَّتوا العبادات إلا بالهلال، وإنما اليهود والنصارى حرفوا الشرائع تحريفًا ليس هذا موضع ذكره.
ويلي هذا الخميس يوم الجمعة الذي جعلوه بإزاء يوم الجمعة التي صلب فيها المسيح على زعمهم الكاذب يسمونها جمعة الصلبوت، ويليه ليلة السبت التي يزعمون أن المسيح كان فيها في القبر، وأظنهم يسمونها ليلة النور وسبت النور, ويصنعون مخرقة يروجونها على عامتهم لغلبة الضلال عليها، ويخيلون إليهم أن النور ينزل من السماء في كنيسة القيامة! التي ببيت المقدس حتى يحملوا ما يوقد من ذلك الضوء إلى بلادهم متبركين به، وقد علم كل ذي عقل أنه مصنوع مفتعل.
ثم يوم السبت يطلبون اليهود, ويوم الأحد يكون العيد الكبير عندهم الذي يزعمون أن المسيح قام فيه, ثم الأحد الذي يلي هذا يسمونه الأحد الحديث، يلبسون فيه الجديد من ثيابهم، ويفعلون فيه أشياء, وكل هذه الأيام عندهم أيام العيد، كما أن يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهم يصومون عن الدسم وما فيه الروح، ثم في مقدمة فطرهم يفطرون أو بعضهم على ما يخرج من الحيوان من لبن وبيض ولحم، وربما كان أول فطرهم على البيض.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..
د سيد العربي
23 - 4 - 2008
أولاً ما معنى العيد؟!
العيد: اسم لما يعود من الاجتماع العام على وجه معتاد، عائد إما بعود السنة أو بعود الأسبوع أو الشهر أو نحو ذلك، فالعيد يجمع أمورًا:
* منها يوم عائد كيوم الفطر ويوم الجمعة* اجتماع فيه.
* ومنها أعمال تجمع ذلك من العبادات أو العادات.
* وقد يختص العيد بمكان بعينه وقد يكون مطلقًا, وكل من هذه الأمور قد تسمَّى عيدًا؛ فالزمان كقوله صلى الله عليه وسلم ليوم الجمعة: «إن هذا يوم جعله الله للمسلمين عيدًا», والاجتماع والأعمال: كقول ابن عباس: شهدت العيد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم, والمكان: كقوله صلى الله عليه وسلم: «لا تتخذوا قبري عيدًا».
وقد يكون لفظ العيد اسمًا لمجموع اليوم، والعمل فيه، وهو الغالب؛ كقول النبي صلى الله عليه وسلم: «دعهما يا أبا بكر؛ فإن لكل قوم عيدًا، وإن هذا عيدنا».
* وأعياد الكفار: كثيرة مختلفة، وليس على المسلم أن يبحث عنها ولا يعرفها، بل يكفيه أن يعرف في أيّ فعل من الأفعال أو يوم أو مكان أن سبب هذا الفعل أو تعظيم هذا المكان والزمان من جهتهم، ولو لم يعرف أن سببه من جهتهم، فيكفيه أن يعلم أنه لا أصل له في دين الإسلام؛ فإنه إذا لم يكن له أصل، فإما أن يكون قد أحدثه بعض الناس من تلقاء نفسه أو يكون مأخوذًا عنهم، فأقل أحواله أن يكون من البدع.
فمن ذلك "الخميس الحقير" الذي في آخر صومهم، فإنه يوم عيد المائدة، فيما يزعمون, ويسمونه عيد العشاء، وهو الأسبوع الذي يكون فيه من الأحد إلى الأحد عيدهم الأكبر.
ومن ذلك ما يفعله كثير من الناس في أثناء الشتاء في أثناء كانون الأول لأربع وعشرين خلت منه، ويزعمون أنه ميلاد عيسى عليه السلام.
وكذلك أعياد الفرس مثل النيروز والمهرجان، وأعياد اليهود أو غيرهم من أنواع الكفار أو الأعاجم والأعراب.
حكم موافقتهم في أعيادهم
وموافقتهم في أعيادهم لا تجوز من طريقين:
الطريق الأول العام: هو أن هذا موافقة لأهل الكتاب وعموم الكفار فيما ليس من ديننا، ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم، وفي تركه مصلحة مخالفتهم، حتى لو كانت موافقتهم في ذلك أمرًا اتفاقيًّا ليس مأخوذًا عنهم لكان المشروع لنا مخالفتهم؛ لما في مخالفتهم من المصلحة لنا كما هو معلوم من الدين, فمن وافقهم فقد فوَّت على نفسه هذه المصلحة، وإن لم يكن قد أتى بمفسدة، فكيف إذا جمعهما (المفسدة ومشابهة الكفار)؟!!
ومن جهة أنه من البدع المحدثة، وهذه الطريق لا ريب في أنها تدل على كراهة التشبه بهم في ذلك؛ فإن أقل أحوال التشبه بهم أن يكون مكروهًا، وكذلك أقل أحوال البدع أن تكون مكروهة، ويدل كثير منها على تحريم التشبه بهم في العيد، مثل قوله صلى الله عليه وسلم: «من تشبه بقوم فهو منهم», فإن موجب هذا تحريم التشبه بهم مطلقًا، وكذلك قوله: «خالفوا المشركين», ونحو ذلك مثل ما ذكرناه من دلالة الكتاب والسنة على تحريم سبيل المغضوب عليهم والضالين وأعيادهم من سبيلهم، إلى غير ذلك من الدلائل المعلومة من الكتاب والسنة.
وأما الطريق الثاني الخاص: في نفس أعياد الكفار، فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار؛ أما الكتاب: فمما تأوّله غير واحد من التابعين وغيرهم في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72] الآية.. فروى أبو بكر الخلال في الجامع بإسناده عن محمد بن سيرين في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: هو الشعانين.
وكذلك ذكر عن مجاهد قال: هو أعياد المشركين، وكذلك عن الربيع بن أنس قال: هو أعياد المشركين، وفي معنى هذا ما روي عن عكرمة قال: لعب كان لهم في الجاهلية، وقال القاضي أبو يعلى: مسألة في النهي عن حضور أعياد المشركين.
وروى أبو الشيخ الأصبهاني بإسناده في شروط أهل الذمة عن الضحاك في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: أعياد المشركين, وبإسناده عن أبي سنان عن الضحاك: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} كلام الشرك، وبإسناده عن جويبر عن الضحاك: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} قال: أعياد المشركين، وروى بإسناده عن عمرو بن مرة {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ} لا يمالئون أهل الشرك على شركهم ولا يخالطونهم، وبإسناده عن عطاء بن يسار قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم, وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.
وأما السنة: الحديث الأول: فروى أنس بن مالك رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟! قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما خيرًا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر», رواه أبو داود بهذا اللفظ ورواه أحمد والنسائي، وهذا إسناد على شرط مسلم, فوجه الدلالة أن اليومين الجاهليين لم يقرهما رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا تركهم يلعبون فيهما على العادة، بل قال: إن الله قد أبدلكم بهما يومين آخرين، والإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدَل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، ولهذا لا تُستعمل هذه العبارة إلا فيما ترك اجتماعهما، كقوله تعالى {أَفَتَتَّخِذُونَهُ وَذُرِّيَّتَهُ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِي وَهُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظَّالِمِينَ بَدَلًا} [الكهف: 50], وقوله تعالى: {وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ} [سبأ: 16] وقوله تعالى: {فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ} [البقرة: 59]، وقوله تعالى: {وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} [النساء: 2], ومنه الحديث في المقبور فيقال له: «انظر إلى مقعدك من النار أبدلك الله به خيرًا منه مقعدًا في الجنة، ويقال للآخر: انظر إلى مقعدك من الجنة أبدلك الله به مقعدًا من النار».
فقوله صلى الله عليه وسلم: «قد أبدلكم الله بهما خيرًا» يقتضي ترك الجمع بينهما، لا سيما قوله: «خيرًا منهما» يقتضي الاعتياض بما شُرع لنا عما كان في الجاهلية.
وأيضًا فقوله لهم: «إن الله قد أبدلكم» لما سألهم عن اليومين فأجابوه: إنهما يومان كانوا يلعبون فيهما في الجاهلية دليل على أنه نهاهم عنهما اعتياضًا بيومي الإسلام؛ إذ لو لم يقصد النهي لم يكن ذكر هذا الإبدال مناسبًا؛ إذ أصل شرع اليومين الواجبين الإسلاميين كانوا يعملونه، ولم يكونوا ليتركوه لأجل يومي الجاهلية.
وفي قول أنس: (ولهم يومان يلعبون فيهما), وقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الله قد أبدلكم بهما يومين خيرًا منهما» دليل على أن أنسًا رضي الله عنه فهم من قول النبي صلى الله عليه وسلم «أبدلكم بهما» تعويضًا باليومين المبدلين.
الحديث الثاني: ما رواه أبو داود عن ثابت بن الضحاك قال: «نذر رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينحر إبلاً ببوانة، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إني نذرت أن أنحر إبلاً ببوانة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: هل كان فيها وثن من أوثان الجاهلية يُعْبَد؟ قالوا: لا، قال: فهل كان فيها عيد من أعيادهم؟ قالوا: لا، قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوف بنذرك، فإنه لا وفاء لنذر في معصية الله، ولا فيما لا يملك ابن آدم».
أصل هذا الحديث في الصحيحين، وهذا الإسناد على شرط الصحيحين، وإسناده كلهم ثقات مشاهير، وهو متصل بلا عنعنة, وبُوانة بضم الباء الموحدة موضع قريب من مكة.
قوله: (فأوف بنذرك) تعقيب للوصف بالحكم بحرف الفاء، وذلك يدل على أن الوصف هو سبب الحكم، فيكون سبب الأمر بالوفاء وجود النذر خاليًا من هذين الوصفين، فيكون وجود الوصفين مانعًا من الوفاء، ولو لم يكن معصية لجاز الوفاء به.
فقول النبي صلى الله عليه وسلم: «هل بها عيد من أعيادهم» يريد اجتماعًا معتادًا من اجتماعاتهم التي كانت عندهم عيدًا، فلما قال: لا . قال له: «أوف بنذرك».
وهذا يقتضي أن كون البقعة مكانًا لعيدهم مانع من الذبح بها وإن نذر، كما أن كونها موضع أوثانهم كذلك، وإلا لما انتظم الكلام ولا حسن الاستفصال.
ومعلوم أن ذلك إنما هو لتعظيم البقعة التي يعظمونها بالتعييد فيها أو لمشاركتهم في التعييد فيها أو لإحياء شعار عيدهم فيها ونحو ذلك؛ إذ ليس إلا مكان الفعل أو نفس الفعل أو زمانه, وإن كان النهي لأن في الذبح هناك موافقة لهم في عمل عيدهم فهو عين مسألتنا؛ إذ مجرد الذبح هناك لم يكره على هذا التقدير إلا بموافقتهم في العيد إذ ليس فيه محذور آخر.
وهذا نهي شديد عن أن يفعل شيء من أعياد الجاهلية على أي وجه كان، وأعياد الكفار من الكتابيين والأميين في دين الإسلام من جنس واحد, وهذا الحديث وغيره قد دل على أنه كان للناس في الجاهلية أعياد يجتمعون فيها، ومعلوم أنه لما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم محا الله ذلك عنه، فلم يبق شيء من ذلك.
ومعلوم أنه لولا نهيه ومنعه لما ترك الناس تلك الأعياد؛ لأن المقتضي لها قائم من جهة الطبيعة التي تحب ما يصنع في الأعياد، خصوصًا أعياد الباطل من اللعب واللذات، ومن جهة العادة التي ألفت ما يعود من العيد؛ فإن العادة طبيعة ثانية، وإذا كان المقتضي قائمًا قويًّا، فلولا المانع القوي لما درست تلك الأعياد, وهذا يوجب العلم اليقيني بأن إمام المتقين صلى الله عليه وسلم كان يمنع أمته منعًا قويًّا عن أعياد الكفار، ويسعى في دروسها وطموسها بكل سبيل، وليس في إقرار أهل الكتاب على دينهم إبقاء لشيء من أعيادهم في حق أمته صلى الله عليه وسلم.
والحديث الثالث: ما خرَّجاه في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها قالت: دخل عليّ أبو بكر وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذلك يوم عيد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا أبا بكر، إن لكل قوم عيدًا، وهذا عيدنا) وفي رواية (يا أبا بكر إن لكل قوم عيدًا، وإن عيدنا هذا اليوم).
وفي الصحيحين أيضًا أنه قال: دعهما يا أبا بكر، فإنها أيام عيد، وتلك الأيام أيام منى.
قوله: (إن لكل قوم عيدًا وهذا عيدنا) فإن هذا يوجب اختصاص كل قوم بعيدهم, كما أنه سبحانه لما قال: {وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا} [البقرة: 148], وقال: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} [المائدة: 48] أوجب ذلك اختصاص كل قوم بوجهتهم وبشرعتهم، وذلك أن اللام تورث الاختصاص، فإذا كان لليهود عيد وللنصارى عيد كانوا مختصين به، فلا نشركهم فيه، كما لا نشركهم في قبلتهم وشرعتهم, وكذلك أيضًا على هذا لا ندعهم يشركوننا في عيدنا.
ومن هذا الباب حديث عقبة بن عامر رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهي أيام أكل وشرب) رواه أبو داود والنسائي والترمذي، وقال: حديث حسن صحيح, فإنه دليل على مفارقتنا لغيرنا في العيد، والتخصيص بهذه الأيام الخمسة؛ لأنه يجتمع فيها العيدان المكاني والزماني، ويطول زمنه، وبهذا يسمى العيد الكبير، فلما كملت صفة التعييد حصر الحكم فيه لكماله، أو لأنه هو عيد الأيام، وليس لنا عيد هو أيام إلا هذه الخمسة.
والوجه الرابع من السنة: أن أرض العرب ما زال فيها يهود ونصارى حتى أجلاهم عمر رضي الله عنه في خلافته، وكان اليهود بالمدينة في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان قد هادنهم حتى نقضوا العهد طائفة بعد طائفة، وما زال بالمدينة يهود وإن لم يكونوا كثيرًا؛ فإنه صلى الله عليه وسلم مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وكان في اليمن يهود كثير، والنصارى بنجران وغيرها، والفرس بالبحرين, ومن المعلوم أن هؤلاء كانت لهم أعياد يتخذونها، ومن المعلوم أيضًا أن المقتضي لما يفعل في العيد من الأكل والشرب واللباس والزينة واللعب والراحة ونحو ذلك قائم في النفوس كلها، إذا لم يوجد مانع خصوصًا نفوس الصبيان والنساء وأكثر الفارغين من الناس.
ثم من كان له خبرة بالسِّيَر علم يقينًا أن المسلمين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كانوا يشركونهم في شيء من أمرهم ولا يغيرون لهم عادة في أعياد الكافرين، بل ذلك اليوم عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وسائر المسلمين يوم من الأيام لا يختصونه بشيء أصلاً, ثم على هذا جرى عمل المسلمين على عهد الخلفاء الراشدين.
غاية ما كان يوجد من بعض الناس ذهاب إليهم يوم العيد للتنزه بالنظر إلى عيدهم ونحو ذلك، فنهى عمر رضي الله عنه وغيره من الصحابة عن ذلك, بل لما ظهر من بعض المسلمين اختصاص يوم عيدهم بصوم مخالفة لهم، نهى الفقهاء أو كثير منهم عن ذلك؛ لأجل ما فيه من تعظيم ما لعيدهم.
الوجه الخامس من السنة: ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نحن الآخرون السابقون يوم القيامة، بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي فرض الله عليهم، فاختلفوا فيه، فهدانا الله له، فالناس لنا فيه تبع، اليهود غدًا، والنصارى بعد غد) متفق عليه. وفي لفظ صحيح: (بيد أنهم أوتوا الكتاب من قبلنا وأوتيناه من بعدهم، فهذا يومهم الذي اختلفوا فيه فهدانا الله له).
وعن أبي هريرة وحذيفة رضي الله عنهما قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أضل الله عن الجمعة من كان قبلنا، فكان لليهود يوم السبت، وللنصارى يوم الأحد، فجاء الله بنا فهدانا ليوم الجمعة، فجعل الجمعة والسبت والأحد، وكذلك هم تبع لنا يوم القيامة نحن الآخرون من أهل الدنيا والأولون يوم القيامة المقضي لهم) رواه مسلم.
وقد سمى النبي صلى الله عليه وسلم الجمعة عيدًا في غير موضع، ونهى عن إفراده بالصوم؛ لما فيه من معنى العيد. ثم إن في هذا الحديث ذكر أن الجمعة لنا كما أن السبت لليهود والأحد للنصارى واللام تقتضي الاختصاص.
ثم هذا الكلام يقتضي الاقتسام إذا قيل: هذه ثلاثة أثواب أو ثلاثة غلمان، هذا لي وهذا لزيد وهذا لعمرو، أوجب ذلك أن يكون كل واحد مختصًّا بما جُعل له لا يشركه فيه غيره.
فإذا نحن شاركناهم في عيدهم يوم السبت أو عيد يوم الأحد؛ خالفنا هذا الحديث، وإذا كان هذا في العيد الأسبوعي فكذلك في العيد الحولي؛ إذ لا فرق, بل إذا كان هذا في عيد يعرف بالحساب العربي فكيف بأعياد الكافرين العجمية التي لا تعرف إلا بالحساب الرومي القبطي أو الفارسي أو العبري ونحو ذلك.
ومن الدلائل أيضًا (الإجماع): ما جاء في شروط عمر رضي الله عنه: التي اتفقت عليها الصحابة وسائر الفقهاء بعدهم أن أهل الذمة من أهل الكتاب لا يظهرون أعيادهم في دار الإسلام، وسموا الشعانين والباعوث, فإذا كان المسلمون قد اتفقوا على منعهم من إظهارها فكيف يسوغ للمسلمين فعلها، أو ليس فعل المسلم لها أشد من فعل الكافر لها مظهرًا لها, وذلك أنّا إنما منعناهم من إظهارها لما فيه من الفساد؛ إما لأنها معصية أو شعار المعصية، وعلى التقديرين فالمسلم ممنوع من المعصية، ومن شعائر المعصية ولو لم يكن في فعل المسلم لها من الشر إلا تجرئة الكافر على إظهارها لقوة قلبه بالمسلم، فكيف بالمسلم إذا فعلها فكيف وفيها من الشر ما فيها؟!
وقد جاء من رواية أبي الشيخ الأصبهاني عن عطاء بن يسار: هكذا رأيته ولعله عطاء بن دينار قال: قال عمر: إياكم ورطانة الأعاجم، وأن تدخلوا على المشركين يوم عيدهم في كنائسهم.
وروى البيهقي بإسناد صحيح في باب كراهة الدخول على أهل الذمة في كنائسهم والتشبه بهم يوم نيروزهم ومهرجانهم عن سفيان الثوري عن ثور بن يزيد عن عطاء بن دينار، قال: قال عمر: لا تعلموا رطانة الأعاجم، ولا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم، فإن السخطة تنزل عليهم. وإذا كان السخط ينزل عليهم يوم عيدهم؛ بسبب عملهم فمن يشركهم في العمل أو بعضه أليس قد يعرض لعقوبة ذلك وأشد.
وبالإسناد عن الثوري عن عوف عن الوليد أو أبي الوليد عن عبد الله بن عمرو قال: من بنى ببلاد الأعاجم وصنع نيروزهم ومهرجانهم، وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حُشِر معهم يوم القيامة, وهذا يقتضي أنه جعله كافرًا بمشاركتهم في مجموع هذه الأمور أو جعل ذلك من الكبائر الموجبة للنار، وإن كان الأول ظاهر لفظه فتكون المشاركة في بعض ذلك معصية.
وروى بإسناده عن البخاري صاحب الصحيح قال: قال لي ابن أبي مريم: أنبأنا نافع بن يزيد سمع سليمان بن أبي زينب وعمرو بن الحارث سمع سعيد بن سلمة سمع أباه سمع عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: «اجتنبوا أعداء الله في عيدهم»، وقوله: اجتنبوا أعداء الله في عيدهم، نهي عن لقائهم والاجتماع بهم فيه, فكيف بمن عمل عيدهم؟!
ومن أقوال الفقهاء: لا يجوز شهود أعياد النصارى واليهود. نص عليه أحمد في رواية مهنا، واحتج بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ}, قال: الشعانين وأعيادهم, وقال: إنما يمنعون أن يدخلوا عليهم بيعهم وكنائسهم.
وقال الخلال في جامعه: باب في كراهة خروج المسلمين في أعياد المشركين, وقال ابن تيمية: لا يتشبه بهم في الأعياد, فلا يعان المسلم المتشبه بهم في ذلك، بل يُنْهَى عن ذلك، فمن صنع دعوة مخالفة للعادة في أعيادهم لم تجب إجابة دعوته, ومن أهدى للمسلمين هدية في هذه الأعياد مخالفة للعادة في سائر الأوقات غير هذا العيد لم تقبل هديته، خصوصًا إن كانت الهدية مما يستعان بها على التشبه بهم في مثل إهداء الشمع ونحوه في الميلاد أو إهداء البيض واللبن والغنم في الخميس الصغير الذي في آخر صومهم.
وكذلك أيضًا لا يُهْدَى لأحد من المسلمين في هذه الأعياد هدية لأجل العيد لا سيما إذا كان مما يستعان بها على التشبه بهم، كما ذكرناه.
ولا يبيع المسلم ما يستعين المسلمون به على مشابهتهم في العيد من الطعام واللباس ونحو ذلك؛ لأن في ذلك إعانة على المنكرات.
وأما الاعتبار في مسألة العيد والمنع من مشابهة الكفار فيها فمن وجوه: (وهو الرابع) أحدها: أن الأعياد من جملة الشرع، والمناهج والمناسك التي قال الله سبحانه: {لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا} وقال {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ} كالقبلة والصلاة والصيام, فلا فرق بين مشاركتهم في العيد، وبين مشاركتهم في سائر المناهج؛ فإن الموافقة في جميع العيد موافقة في الكفر, والموافقة في بعض فروعه موافقة في بعض شعب الكفر، بل الأعياد هي من أخص ما تتميز به الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره, ولا ريب أن الموافقة في هذا قد تنتهي إلى الكفر في الجملة.
وإلى هذا الاختصاص أشار النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: (إن لكل قوم عيدًا وإن هذا عيدنا), وهذا أقبح من مشاركتهم في لبس الزنار ونحوه من علاماتهم؛ فإن تلك علامة وضعية ليست من الدين، وإنما الغرض منها مجرد التمييز بين المسلم والكافر، وأما العيد وتوابعه فإنه من الدين، وهذا أمر ملعون هو وأهله، فالموافقة فيه موافقة فيما يتميزون به من أسباب سخط الله وعقابه.
الوجه الثاني من الاعتبار أن ما يفعلونه في أعيادهم معصية لله؛ لأنه إما محدث مبتدع، وإما منسوخ، وأحسن أحواله - ولا حُسْن فيه - أن يكون بمنزلة صلاة المسلم إلى بيت المقدس (وهو منسوخ).
الوجه الثالث من الاعتبار يدل على أنه إذا سوغ فعل القليل من ذلك أدى إلى فعل الكثير، ثم إذا اشتهر الشيء دخل فيه عوام الناس، وتناسوا أصله حتى يصير عادة للناس، بل عيدًا حتى يضاهى بعيد الله، بل قد يزيد عليه حتى يكاد أن يفضي إلى موت الإسلام وحياة الكفر، كما قد سوَّله الشيطان لكثير ممن يدعي الإسلام فيما يفعلونه, مما يصير به مثل عيد المسلمين، بل البلاد المصاقبة للنصارى التي قل علم أهلها وإيمانهم قد صار ذلك أغلب عندهم وأبهى في نفوسهم من عيد الله ورسوله على ما حدثني به الثقات.
ويؤكد صحة ذلك ما رأيته بدمشق وما حولها من أرض الشام مع أنها أقرب إلى العلم والإيمان (هذا الكلام يذكره ابن تيمية من زمنه, فالله المستعان وعليه التكلان) فهذا الخميس الذي يكون في آخر صوم النصارى يدور بدوران صومهم الذي هو سبعة أسابيع، وصومهم وإن كان في أوائل الفصل الذي تسميه العرب الصيف، وتسميه العامة الربيع فإنه يتقدم ويتأخر ليس له حدّ واحد من السنة الشمسية كالخميس الذي هو في أول نيسان، بل يدور في نحو ثلاثة وثلاثين يومًا لا يتقدم أوله عن ثاني شباط، ولا يتأخر أوله عن ثاني آذار، بل يبتدئون من الاثنين الذي هو أقرب إلى اجتماع الشمس والقمر في هذه المدة ليراعوا التوقيت الشمسي والهلالي.
وكل ذلك بدع أحدثوها باتفاق منهم، خالفوا بها الشريعة التي جاءت بها الأنبياء، فإن الأنبياء ما وقَّتوا العبادات إلا بالهلال، وإنما اليهود والنصارى حرفوا الشرائع تحريفًا ليس هذا موضع ذكره.
ويلي هذا الخميس يوم الجمعة الذي جعلوه بإزاء يوم الجمعة التي صلب فيها المسيح على زعمهم الكاذب يسمونها جمعة الصلبوت، ويليه ليلة السبت التي يزعمون أن المسيح كان فيها في القبر، وأظنهم يسمونها ليلة النور وسبت النور, ويصنعون مخرقة يروجونها على عامتهم لغلبة الضلال عليها، ويخيلون إليهم أن النور ينزل من السماء في كنيسة القيامة! التي ببيت المقدس حتى يحملوا ما يوقد من ذلك الضوء إلى بلادهم متبركين به، وقد علم كل ذي عقل أنه مصنوع مفتعل.
ثم يوم السبت يطلبون اليهود, ويوم الأحد يكون العيد الكبير عندهم الذي يزعمون أن المسيح قام فيه, ثم الأحد الذي يلي هذا يسمونه الأحد الحديث، يلبسون فيه الجديد من ثيابهم، ويفعلون فيه أشياء, وكل هذه الأيام عندهم أيام العيد، كما أن يوم عرفة ويوم النحر وأيام منى عيدنا أهل الإسلام، وهم يصومون عن الدسم وما فيه الروح، ثم في مقدمة فطرهم يفطرون أو بعضهم على ما يخرج من الحيوان من لبن وبيض ولحم، وربما كان أول فطرهم على البيض.
هذا والله تعالى أعلى وأعلم، وصلى الله وسلم على نبينا محمد ..
منقول من موقع لواء الشريعه