كتاب الذكرى الـ 50 للعدوان الثلاثي محمود مراد
فيما يلي ما نشره الكاتب محمود مراد عن تلك الحرب ، ويلاحظ أن معظم ما يرد ، قد إعتمد علي ما ورد في كتابي "الوجه الأخر للميدالية"
د. يحي الشاعر
(1)
التخطيط للعدوان بدأ في اليوم التالي لتأميم قناة السويس
ملفات يكتبها:
انه اليوبيل الذهبي لمعارك ال 150 يوما بين تأميم القناة وتحقيق النصر، ذكرى حرب السويس التي كانت وبكل المقاييس، حدا فاصلا بين عصرين، تبدأ "الخليج" بالتزامن مع "الأهرام" اليوم نشر دراسة مهمة تعتمد على الوثائق المصرية ويوميات القتال، وعلى الوثائق العسكرية للأطراف الثلاثة التي شاركت في العدوان وهي: انجلترا وفرنسا و"اسرائيل". واذا كان العدوان المسلح قد بدأ في اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر سنة ألف وتسعمائة وست وخمسين.. فإنه قد سبقتها ولحقتها معارك سياسية ونضالية بدأت مباشرة بعد اعلان قرار تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو/تموز 1956 واستمرت حتى تحقق النصر الكامل بجلاء القوات المعتدية في الثاني والعشرين من ديسمبر نفس العام. وبهذا استغرقت ملحمة السويس مائة وخمسين يوما كاملة.ان القيمة الأساسية لهذه الغزوة أو لهذا العدوان أو كما أصبح معروفا باسم حرب السويس، انها لم تكن مجرد حرب تحمل رقم اثنين في مسلسل الصراع العربي - “الاسرائيلي” الذي لا يعلم أحد متى ينتهي ولا في انها تحالف علني سافر بين دولتين كانتا من اكبر دول العالم هما بريطانيا الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، وفرنسا الامبراطورية التي تمتد مستعمراتها عبر القارات، وبين دولة صغيرة مشكوك في شرعية وجودها هي “اسرائيل” التي قال ابرز قادتها العسكريين “موشي ديان” ان اشتراكها كان اشبه براكب دراجة تعلق بسيارة كبيرة تصعد سفح الجبل فانطلق بسرعة لكنه فقد توازنه، ذلك ان القيمة الأساسية لحرب السويس هي، في انها كانت حدا فاصلا بين عصرين، بين عصر السيطرة الاستعمارية الاستعبادية المستغلة المستنزفة بلا حدود، وبين عصر الاستقلال والتحرر السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي.وكانت بداية النتائج قطع ذيل الأسد البريطاني وكسر أنيابه فبدأ يلملم بقاياه من مستعمراته ويرحل، وهزيمة القوى اليمينية الفرنسية فاشتدت عزائم الثوار في المستعمرات مثل الجزائر وتونس ودول افريقية وغيرها حتى تحقق الاستقلال، بل ان ما حدث في حرب السويس كانت له تأثيراته الايجابية في أقصى الجنوب الافريقي وفي أقصى القارة الأمريكية الجنوبية وفي آسيا.ولهذه القيمة الكبرى، بالغة الأهمية، حفرت حرب السويس مكانتها في التاريخ السياسي والانساني للعالم، وأكد المصريون قدرهم وقدرتهم، ومن ثم يحتفي بها العالم بشرقه وغربه، واذا كان العالم يهتم بها ولا تزال المطابع ودور الصحف ومراكز الدراسات والأبحاث تنشر عنها حتى اللحظة دراسات وكتب عن خفاياها ونتائجها وما ترتب عليها، فإنه من الأجدر أن تكون هذه مهمتنا نحن ولا أعني المصريين فقط بل كل العرب لأسباب عديدة، أذكر فقط ثلاثة منها:
1- اننا نحن الذين تصدينا لهذه الحرب وخضناها ببسالة وخرجنا منها بنتائج مشرفة، واحتذى بنا الآخرون من الأشقاء.
2- إننا نحن في مصر والدول العربية أول من انعكست عليه هذه النتائج.
3- انه اذا كان هدف التذكر والدراسة هو التحليل الاستراتيجي للحرب من الجوانب والأبعاد السياسية والعسكرية وغيرها. فإننا نحن أول من يهمه هكذا المفروض هذا التحليل ونتائجه، ولكننا للأسف الشديد لا نبالي بهذا، ونبدو أحيانا وقد قطعنا الصلة بالماضي وبما أنجزناه فنبدأ من فراغ كما لو كانت الدنيا تولد “اليوم” فلا نستفيد بما فعلنا في حين يستفيد الآخرون ولا نبني فوق ما بنينا فنرتفع، بينما الآخرون يفعلون، في حين انه اذا كنا نتنبه ونتحسب ونعي الدرس لما كان قد حدث ما حدث على الساحة العربية التي تبدو من دون ساحات العالم ومناطقه مهانة مجروحة مباحة لكل من يريد ان يغزوها بالسلاح، أو، يتهجم عليها بالاساءات والبذاءات، أو، يشوه تاريخها وزعماءها، ويشككها في نفسها!لهذا، تجيء هذه المحاولة بالوثائق الكاملة للملحمة من تأميم قناة السويس الى العدوان الثلاثي اضافة لما قيل عن حرب السويس، واستثارة للمبادئ والمعاني والقيم، وللتعرف الى النموذج ليس لتكراره فالحدث مثل الانسان، بصمة غير قابلة للتكرار، وانما تصلح لأن نستفيد منها، باستخلاص الثوابت وهي أشبه بأوعية وقوالب، تصلح لكل زمان وان كان محتواها يتغير جزئيا أو، كليا حسب المتغيرات وايقاع العصر، ومزاجه الحاكم.
ان بداية العمل العسكري للجولة العربية “الاسرائيلية” الثانية الشهيرة بحرب السويس كانت صباح 27 يوليو 1956 أي اليوم التالي مباشرة لإعلان الرئيس جمال عبد الناصر لتأميم قناة السويس وذلك عندما جمع سير أنتوني ايدن رئيس وزارة بريطاني وقتها رؤساء اركان حرب المملكة المتحدة وطلب منهم: اعداد خطة لعمل عسكري يستهدف انتزاع القناة من مصر.
لقد كانت الاستراتيجية في هذا اليوم 27 يوليو 1956 تعتمد على ان تعمل بريطانيا وحدها ضد مصر واذا قبلت فرنسا الاشتراك فلتكن مساهمتها بقوات رمزية. فإن بريطانيا كانت تريد أن تسترد وحدها هيبتها الضائعة في الشرق الأوسط، كذلك كان في تخطيط القيادة الانجليزية الاعتماد على تعضيد من الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في قيام الأسطول السادس الأمريكي الموجود في البحر الأبيض بتغطية استراتيجية للعمل العسكري الانجليزي، وذلك بتأمين القتال ضد احتمالات التدخل من جانب الاتحاد السوفييتي.وعلى هذا الأساس وضع رؤساء أركان حرب الامبراطورية خطة الغزو باسم “العملية700” وهي تدخل في نطاق الحروب المحلية المحددة.وقد دارت مناقشات كثيرة أثناء وضع هذه الخطة عن مكان انزال قوات الغزو، وتأرجحت الأفكار بين الاسكندرية وبورسعيد، وأخيرا تغلب الرأي القائل بأن الاسكندرية هي أنسب مكان لإنزال قوات الغزو، واصبحت العملية بالتالي عبارة عن غزو بحري للاسكندرية تتلوه معركة على الاتجاه الاستراتيجي الاسكندرية القاهرة يتم فيها تدمير القوات المصرية، وبعد ذلك تحتل قوات الغزو القاهرة لتسقط الحكم الثوري القائم بها.
وعندما عرضت هذه الخطة على سير ايدن في اغسطس كان من الطبيعي أن يرفضها، اذ انها تقتضي احتلال مصر كلها الأمر الذي سيستغرق وقتا طويلا، بينما كان سير ايدن يرغب في توجيه ضربة حاسمة سريعة، وفي هذا الوقت عرضت فرنسا مساهمتها الكاملة وأبلغت بريطانيا أنها على استعداد لتقديم قوات بنسبة 5:،3 وقبل ايدن اشتراك الفرنسيين بأمل تحقيق عاملي: الحسم والسرعة.
* * *
وفي هذه المرحلة عرضت فرنسا على بريطانيا فكرة اشراك “اسرائيل” في الغزو.. ومن الجدير بالذكر هنا أن نبين علاقة فرنسا ب “اسرائيل” في ذلك الوقت.. وفي الواقع فإنه لم يكن هناك في يوم من الأيام رباط قوي بين فرنسا و”اسرائيل” سوى ذلك الشعور بالعطف الذي أعقب الحرب العالمية الثانية واتجاه زعماء الصهيونية للتقرب الى الدول الكبرى، على أن السبب الأهم والأول تزايد عداء العرب للسياسة الاستعمارية الفرنسية في شمال افريقيا وبزوغ المقاومة الجزائرية ومن ثم فقد بدأت فرنسا تلقي بالتبعة على مبادئ القومية العربية وتعتقد أن القاهرة هي الموجهة والمثيرة للعداء العربي، وحاملة راية التحرر والحرية ولذلك كله تلقفت “اسرائيل” الفرصة وأخذت تقترب من فرنسا وتبارك المشاعر الخبيثة التي تولدت في فرنسا نتيجة تقلص سيادتها الاستعمارية على شمال افريقيا، كما أخذت “اسرائيل” تؤكد لفرنسا انها ركيزتها وسندها الأول في الشرق الأوسط وأن كليهما له عدو واحد وهو القاهرة، واذا تمكنا من تدمير القاهرة فسوف تحل كل مشاكلهما.. وصدقت فرنسا التي كانت تتخبط في سياستها في تلك الأيام وانهال السلاح الفرنسي على “اسرائيل” وبدأ عهد جديد بين فرنسا و”اسرائيل” اتسم بالتعاون الشديد..
ولكن عندما عرضت فرنسا على بريطانيا اشراك “اسرائيل” رفض سير ايدن رغبة منه في أن لا تظهر دولته أمام العرب في صورة الدولة المتواطئة مع “اسرائيل” مما قد يهدد المصالح البريطانية الكثيرة في العالم العربي.وقدم البريطانيون الى الفرنسيين خطة “العملية700” فوافق عليها الفرنسيون، ودارت دراسات بين قادة الجانبين لتحديد حجم القوات التي ستشترك في الغزو من الجانبين ولتخصيص واستخدام قواعد الهجوم وبدء القيادة المشتركة وكيفية تنفيذها، وقد اتفق على أن يتولى الجنرال تشارلس كيتلي (الانجليزي) القيادة العامة للحملة بينما يتولى الأدميرال الفرنسي بارجو منصب نائب القائد العام، وبالمثل اتفق على أن تكون القيادة للبريطانيين والنيابة للفرنسيين في كل فرع من فروع العمليات والخدمات والقوات.وسميت الخطة بعد اتفاق الجانبين “هاميلكار” وتقرر ان تنتهي الاستعدادات ويبدأ الهجوم في منتصف سبتمبر، وأخذت القوات البريطانية والفرنسية تتجه الى قاعدتي الغزو والتي أصبحتا “مالطة وقبرص” كما أمرت القوات بأن تضع “حرف: “ه H “ وهو الحرف الأول من اسم هاميلكار فوق خوذها وعلى اسطح عرباتها وطائراتها، ولكن وقبل أن يجف الطلاء صدرت الأوامر بتغيير الخطة “هاميلكار” الى الخطة “موسكتير -1”.
* * *
لقد بنيت الخطة موسكتير (1) على نفس أسس الخطة هاميلكار من ناحية التصميم على أن تكون الاسكندرية هي مكان الغزو وأيضا على ان يكون ميعاد الغزو يوم 15 سبتمبر الا ان خطة موسكتير فاقت في تفصيلاتها خطة هاميلكار واستندت الى ضرورة توفير السيطرة الجوية بمهاجمة المطارات المصرية أولا وقبل أن يبدأ الغزو بيومين ثم على ضرب ميناء الاسكندرية بالاسطولين الانجليزي والفرنسي في يوم الغزو وانزال قوة مظلات يتلوها انزال القوات البرية المشتركة، وقد استمر الهدف الرئيسي أيضا وهو الاستيلاء على القاهرة بعد تدمير القوات المصرية وبالتالي اسقاط نظام الحكم التحرري الثوري.
وفي 15 أغسطس أقرت الحكومتان الخطة وبدأتا في ارسال القوات، ولكن سرعان ما دب الخلاف بين البريطانيين والفرنسيين حيث رغب الفرنسيون في القيام بهجوم مندفع بينما رغب البريطانيون في ان يكون الأسلوب هو الأسلوب التقليدي البريطاني البطيء والذي يميل الى استخدام خطط وضعت من قبل لحالات مماثلة، كما اعترض الفرنسيون على اختيار منطقة الاسكندرية كمنطقة نزول لقوات الغزو.
متى اشتركت “اسرائيل”؟
وفي ذلك الوقت بدأت فرنسا تسفه فكرة “موسكتير -1” وترى وجوب ادخال “اسرائيل” وبذلك يسهل استدراج الجيش المصري الى سيناء الأمر الذي يخلق فراغا في منطقة القناة وبذلك يمكن للقوات الانجلو فرنسية سرعة احتلال القناة وايقاع القوات المصرية بين المطرقة والسندان، وفي نفس الوقت يخلق اشتراك “اسرائيل” ذريعة التدخل للدولتين اللتين ستظهران كأنهما ترغبان في تأمين منطقة القناة والفصل بين المتحاربين !
وأخيرا وافقت بريطانيا على اشراك “اسرائيل”، وقد تم ذلك في المؤتمر الذي عقد بلندن يومي 10و11 سبتمبر وعليه الغيت الخطة “موسكتير -1” وظهرت الخطة “موسكتير” المعدلة والتي غيرت مكان الغزو من الاسكندرية الى بورسعيد يتلوه زحف مشترك نحو الاسماعيلية ومن ثم تتجه القوات البريطانية الى “ابو صوير” بينما تتجه القوات الفرنسية الى السويس. وبعد ذلك يوجه الطرفان ضربة موحدة تجاه القاهرة، بينما كان على “اسرائيل” استدراج القوات المصرية الى سيناء ثم تدميرها هناك بمعاونة القوات الجوية الانجليزية والفرنسية.
وفي 18 سبتمبر وصلت الخطة الى تل أبيب، وانتهز بن جوريون الفرصة وسرعان ما طالب بتدعيمات تمثلت في كميات كبيرة من الاسلحة والمعدات وزيادة المعونة الجوية والبحرية البريطانية ل “اسرائيل” مع ترك تحديد بدء العدوان ل “اسرائيل”، وفي 20 سبتمبر تمت الموافقة على ذلك واصبحت الخطة تعرف باسم الخطة موسكتير المعدلة
النهائية.
وفي 22 أكتوبر طار بن جوريون لباريس حيث أخذ يطالب بضمان على شكل معاهدة يوقعها الأطراف الثلاثة.. وتتم الاتصالات..
وفي يوم 24 أكتوبر وبرحلة سريعة تسلك الطرق والشوارع المهجورة مضى المتآمرون الى سيفر (احدى ضواحي باريس) يناقشون ثم يوقعون المعاهدة التي تفضح التواطؤ وتحمل ذات الاسم، وهذا هو نص المعاهدة بالحرف:
“ لا تنشر الى الأبد
بروتوكول سيفر
24 أكتوبر سنة 1956
* تقوم القوات “الاسرائيلية” بخلق حالة صراع مسلح على مشارف قناة السويس لتستغلها بريطانيا وفرنسا كذريعة للتدخل العسكري ضد مصر.
* توفر القوات الجوية الفرنسية الحماية الجوية ل “اسرائيل”، كما توفر القوات البحرية الفرنسية الحماية البحرية للمياه الاقليمية “الاسرائيلية”.
* تصدر بريطانيا وفرنسا انذارا مشتركا لكل من مصر و”اسرائيل” لوقف اعمال القتال والابتعاد عن القناة، مع قبول مصر احتلال منطقة القناة احتلالا مؤقتا بواسطة القوات الانجلو فرنسية لحماية الملاحة البحرية فيها.
* تقوم القوات الجوية البريطانية بتدمير المطارات والطائرات والأهداف العسكرية المصرية وتحقق السيطرة الجوية في سماء مصر.
* تدافع فرنسا عن موقف “اسرائيل” في الأمم المتحدة وفي نفس الوقت تبذل بريطانيا جهودها بصفة سرية بالاتصالات الخاصة لمساندة “اسرائيل” من دون ان تكشف علانية عن ذلك حتى لا يضار مركزها في الوطن العربي”.
توقيعات:
عن المملكة المتحدة باتريك دين
عن الجمهورية الفرنسية كريستيان بينو
عن دولة “اسرائيل” دافيد بن جوريون
واتفق على ان يحتفظ كل طرف بنسخته ولا يظهرها أبدا،!!
* * *
وقد حصل بن جوريون على الاتفاق بسرور بالغ وعاد في ذات اليوم الى “اسرائيل” لتبدأ خطوات العمل التنفيذية، ففي اليوم التالي مباشرة وأنا أنقل هذا عن موشي ديان (يوميات معركة سيناء):
“وبعد المباحثات الداخلية الكثيرة، وبعد الاتصالات والتفسيرات مع العناصر الخارجية التي بدأت منذ حوالي شهرين، يمكن اليوم تلخيص الأمور التالية:
1- أقر بن جوريون رئيس الحكومة ووزير الدفاع مبدئيا خطة المعركة وأهدافها.
2- ستبدأ قواتنا عملها يوم الاثنين 29/10/1956 مع الظلام وعلينا أن ننهي احتلال شبه جزيرة سيناء بسرعة ليتم الاحتلال خلال 7-10 أيام،
3- القرار على المعركة وكذلك تخطيطها يعتمدان على فرض انه من المنتظر أن تعمل قوات بريطانية وفرنسية ضد مصر.
4- ومن المعلومات الموجودة لدينا فإنه من المنتظر أن تقوم القوات البريطانية والفرنسية بعمليتها يوم31/10/1956 وهدفها السيطرة على منطقة قناة السويس، ولهذا يجب عليها النزول من البحر أو اسقاط قوات من الجو وسيعملون هذا بالطبع تحت تغطية جوية مناسبة”.
ونلاحظ على كلام ديان ما يلي:
انه نتيجة لاتفاق سيفر تحددت عمليات “اسرائيل” يوم29/10 لكنه لم يذكر صراحة اتفاق سيفر أو ما هي الاتصالات الخارجية ؟
انه ونتيجة لاتفاق سيفر تحددت عمليات “اسرائيل” يوم29/10 وذلك لأن الاتفاق كان يوم 24 وسيبدأ التحضير الجوي في اليوم التالي و”اسرائيل” تستغرق 4 أيام لإعلان التعبئة العامة.
يعترف ديان بنوعية العمل العسكري “الاسرائيلي” (وبسرعة يتم الاحتلال) ذلك لأنه كما يقول في موضع آخر، “نحن لا نستطيع أن نواصل الحرب لأكثر من اسبوعين”.
وفي نفس هذا اليوم 25/10 وضع موشي ديان بصفته رئيسا لهيئة اركان العامة الرتوش النهائية لخطة قادش الخاصة بدور “اسرائيل” ثم وقعها وارسلها الى القادة وأبرزهم: “دان تلكوفسكي” قائد القوات الجوية و”صمويل تانكوس” قائد القوات البحرية و “اساف سمحوني” قائد القوات البرية والى رئيس شعبة العمليات، وهذا الأخير ننقل طبقا للوثائق “الاسرائيلية” نص ما ارسل اليه:
للمرسل اليه فقط
الى رئيس شعبة العمليات
الموضوع: توجيهات عمليات الغرض:
(أ) خلق تهديد عسكري على القناة باحتلال أغراض مجاورة لها.
(ب) احتلال مضايق ايلات (أي خليج العقبة).
(ج) احداث ارتباك في تشكيل قتال القوات المصرية الموجودة في سيناء..
الطريقة:
(د) عام:
يوم ع (أي يوم بداية العمليات): يوم الاثنين 29 أكتوبر سنة 1956.
ساعة الهجوم: الساعة 1700.
(ه) المراحل:
1- المرحلة الأولى (3) ليلة ع (29/10-30/10)
وكانت هذه هي المهمة المباشرة للمنطقة الجنوبية:
(أ) احتلال تقاطع الطرق عند صدر الحيطان باستخدام قوات ابرارجوي.
(ب) احتلال نخل.
(ج) احتلال الكونتلا ورأس النعيت.
(د) تأمين مدخل القصيمة نخل.
(ه) تأمين محور الكونتلا نخل.
(و) تأمين محور رأس النقب نخل.
(ز) تستعد القيادات الأخرى (خلال قيادة المنطقة الجنوبية للدفاع أول ضوء يوم30أكتوبر).
(ح) يستعد سلاح الطيران والسلاح البحري استعدادا تاما ابتداء من ساعة الهجوم لتنفيذ ما يكلفان به من مهام بالاسبقيات التالية:
الدفاع عن سماء البلاد.
مساندة القوات البرية.
مهاجمة المطارات المصرية.
2- المرحلة الثانية (ب): في ليلة ع + 1 (30/10-31/10)
(أ) التقدم في محور رأس النقب شرم الشيخ..
(ب) الاستعداد لصد الهجوم المضاد من القطاع الأردني.
(ج) الاستيلاء على القصيمة.
(د) الاستعداد للدفاع عن الحدود “الاسرائيلية” المتاخمة لسوريا ولبنان.
3- المرحلة الثالثة (ج) ليلة 4+2 (31/10-1/11) والأيام التالية:
(أ) احتلال مضايق ايلات.
(ب) احتلال رفح وأبو عجيلة والعريش.
(ج) تأمين طريق الاقتراب من صدر الحيطان الطور وفتح محور الى شرم الشيخ.
(د) فتح محور أبو زنيمة الى دهب.
(ه) التقدم الى صوب القناة والتشبث بخط يبعد عنها بما لا يقل عن 15 كيلومترا.
رالف الوف (لواء)
موشي ديان رئيس هيئة الاركان العامة.
ثم تتوالى الأحداث بعرض بن جوريون الخطة على حكومته يوم 28/10/56 ويذيع بيانا مخادعا يقول فيه ان “التعبئة جرت عقب النشاط المعادي العربي فلا نقف أمام هجوم مفاجئ من دون دفاع كاف” ويطرد ديان مراقبي الأمم المتحدة من بئر السبع والعوجة، ويقول “كان خيرا لنا أن يتقدموا بشكوى ضدنا للأمم المتحدة من أن يشاهدوا تحركاتنا ويبلغوا عنها”.ويأتي يوم 29 أكتوبر وتدق القلوب انتظارا لما سيحدث.
... (2)
يوميات القتال على مدى 201 ساعة
.لا شك في أن كشف حقيقة ما جرى يستلزم منا متابعة يوميات القتال بأمانة تستند إلى الوثائق العسكرية المصرية والبريطانية والفرنسية و”الإسرائيلية”، وهذا يؤدي إلى تعرية الموقف أو بتشبيه أدق رفع الغطاء عن الطعام الفاسد الذي صنعه الطباخون الانجلو فرنسي “إسرائيليون”.
وبداية.. نقول إن القتال بدأ في الساعة الخامسة بعد ظهر يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول وامتد على مدى 201 ساعة حتى صدر قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النيران في الساعة الثانية فجر يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني.وقد كان دور “إسرائيل” أثناء القتال هو طبقاً لتوجيهات القيادية العامة “الإسرائيلية” “القتال على المجهود الثانوي داخل سيناء وغزة بهدف خلق تهديد عسكري على القناة”.
أما دور القوات الانجليزية- الفرنسية فكان القتال على المجهود الرئيسي بشن غزو بحري على امتداد الخط التعبوي الاستراتيجي لقناة السويس. وفي ما يلي نص أمر عمليات الغزو البحري الانجلو- فرنسي:
المهمات:
بعد تمهيد جوي مركز ابتدائي لمدة ستة أيام، وتمهيد مباشر بالطيران وبمدفعية الأسطول من س ،3 تقوم قوات الغزو المشتركة أول ضوء “يوم ي 9” باقتحام منطقة بورسعيد والاستيلاء على رأس الشاطئ فيها بمواجهة 10 كيلو مترات وعمق 40 كيلو مترا كمهمة مباشرة لها على أن تتم “يوم ي 11”، وتطور الهجوم وتستولي على منطقة الإسماعيلية “يوم ي 12” كمهمة أساسية لها طبقا للخطة (أ) على أن تكون مستعدة لاستغلال النجاح لحسم الحرب بالاندفاع صوب السويس والقاهرة للاستيلاء عليهما وتحقيق المهمات الأساسية طبقاً للخطة (ب).
التشكيل التعبوي لعملية الغزو البحري ومهمات القوات:
(أ) نسق أول قوات الغزو البحري:
1 قوة الاقتحام الجوي:
القائد: بريجادير بتلر قائد مجموعة اللواء 16 مظلات.
القوات: مجموعة اللواء 16 مظلات عدا كتيبتين وآلاي مظلات من الفرقة 10 مظلات.
المهمات: اقتحام منطقة بورسعيد جوا أول ضوء “يوم ي 9” وتأمين مخارجها والاستيلاء على الأهداف الحيوية فيها.
2 قوة الاقتحام البرمائي:
القائد: الرير أدميرال هولاندمارتن.
القوات: مجموعة اللواء 3 الفدائيين البحريين، رئاسة الفرقة 10 مظلات.
كتيبة مظلات من الفرقة 10 مظلات أورطة دبابات خفيفة ثلاث كتائب فدائيين بحريين.
المهمات: الاستيلاء على رأس الشاطئ وتأمينه كمهمة مباشرة “يوم ي 11” بمواجهة 10 كيلو مترات وعمق 40 كيلو متراً وتطوير الهجوم والاستيلاء على منطقة الاسماعيلية كمهمة أساسية يوم ي 12 طبقا للخطة (أ).
(ب) نسق ثاني قوات الغزو البحري:
القوات اللاحقة:
القائد جنرال هيوستوكويل.
القوات: الفرقة 3 مشاة. مجموعة اللواء 51 المشاة المستقل مجموعة اللواء 50 المشاة المستقل، كتيبتان من مجموعة اللواء 16 المظلات، الآلاي 6 المدرع، آلاي سيارات مدرعة، كتيبة مظلات من الفرقة الأجنبية الفرنسية، الآلاي الخفيف.
المهمات: استغلال نجاح قوة الاقتحام البرمائي وتطوير الهجوم نحو القاهرة والسويس معا للاستيلاء عليهما وحسم الحرب.
(ج) الاحتياطي العام:
القوات: الكتيبة الأولى رويال وست كنت 2 آلاي مظلات فرنسية.
ومن هذه الخطة العسكرية تتضح الأهداف السياسية والتي يمكن أجمالها في الآتي:
1 الاستيلاء على قناة السويس.
2 إبادة القوات المسلحة المصرية ومعداتها.
3 القضاء على الحكم الثوري في مصر الذي كان يساعد الثورة الجزائرية.
4 انهاء الحركات التحررية في الشرق الأوسط والقضاء على القومية العربية.
5 استعادة السيطرة على الوطن العربي.
المراحل الأربع للقتال
على هذا النحو اذن كان دور الغزاة.. وكانت أهدافهم من القتال فإذا نظرنا إلى المجهود المصري فاننا نجد أن القتال دار خلال 4 مراحل استراتيجية.
المرحلة الأولى:
مرحلة حصر العدوان “الإسرائيلي” المدعم بالجهد الجوي والبحري الانجلو فرنسي، وقد استغرقت هذه المرحلة 47 ساعة بدأت في الخامسة مساء يوم 29/10 وانتهت في الرابعة مساء يوم 31/10 وفيها نجحت القوات المصرية في حصر العدوان وتثبيته واستعدت لتدمير قواته نهائيا تمهيدا لنقل المعركة إلى قلب “إسرائيل” ذاتها.
المرحلة الثانية:
مرحلة النضال من اجل تحقيق التوازن الاستراتيجي في مسرح العمليات وقد استغرقت 86 ساعة بدأت في الساعة الرابعة مساء يوم 31/10 عندما تكشفت نوايا العدوان و.. انتهت في السادسة صباح يوم 4/11 وخلالها صدر قرار توحيد الجبهة المصرية غرب السويس في الوقت المناسب لتحقيق التوزان الاستراتيجي وتركيز قوى النضال في مثلث (بورسعيد السويس القاهرة).
المرحلة الثالثة:
مرحلة الصراع في اتجاه المجهود الرئيسي، وقد استغرقت 68 ساعة من السادسة صباح يوم 4/11 حتى الثانية صباح يوم 7/،11 وكان الصراع المسلح فيها بين القوات البريطانية والفرنسية من جهة، وبين القوات المسلحة المصرية وقوى النضال الشعبي من جهة أخرى وكان القتال دفاعا عن العقيدة والأرض تحت شعار “الحرب من بيت إلى بيت”.
المرحلة الرابعة:
مرحلة فشل العدوان الثلاثي، وقد استغرقت 120 يوما بين 7 نوفمبر سنة 1956 وقف اطلاق النار وبين 6 مارس 1957 نهاية الانسحاب وتميزت هذه المرحلة بصمود الإرادة الممثلة في الإنسان المصري وتحفزه متأهبا لأي طارئ.
هذه هي مراحل القتال من وجهة النظر الإستراتيجية المصرية.. وهي هنا مقدمة نبدأ بعدها في يوميات القتال.. وكيف جري؟
اليوم الأول : 29 أكتوبر:
المظليون “الإسرائيليون”.. ذريعة العدوان!
اختارت القيادة “الإسرائيلية” منطقة “صدر الحيطان” بسيناء لتبدأ فيها أولى عملياتها تنفيذا لدورها في اتفاق “سيفر”.. ولقد أثير في هيئة الأركان “الإسرائيلية” أن “صدر الحيطان” بعيدة عن القواعد “الإسرائيلية”.. وهي في ذات الوقت قريبة من القواعد المصرية (نحو 65 كيلومترا من القناة) كما انها تحت أنف مطار كبريت المصري (نحو 70 كيلو متراً) لكن دايان رد بأن المهمة هي: جذب الجيش المصري إلى أعماق سيناء وترك قلب الدولة المصري خالياً من القوات، وفي ذات الآن: خلق صراع مسلح على مشارف القناة.. كذلك فإن الهجوم سيكون تحت حماية مظلة جوية فرنسية، علما بأن منطقة “صدر الحيطان” خالية من القوات المصرية.وعلى هذا الأساس انطلقت في الساعة الخامسة من بعد ظهر هذا اليوم (29/10) أو بالضبط قبل تمام الخامسة بدقيقة واحدة 16 طائرة داكوتا منتظمة في 4 تشكيلات، كل منها يحمل سرية من جنود المظلات.واتجهت إلى الهدف الا أن الطيارين طبقا ليوميات دايان “اخطأوا وأسقطوا الجنود بالمظلات شرق المكان المحدد بخمسة كيلو مترات”.على أي حال لقد هبطت القوة وهي تضم 395 فردا بأمتعتهم وأسلحتهم ومعداتهم، وهؤلاء يشكلون الكتيبة 890 مظلات، ثم سار الجنود على أقدامهم مسافة الخمسة كيلومترات التي أخطأوها فوصلوا مكانهم المحدد في الساعة السابعة والنصف مساء.. وفي الساعة التاسعة مساء أسقطت لهم الطائرات كمية من الامدادات، وذلك قبل أن تأتي الطائرات الفرنسية المتعاونة وهي من نوع “نورد أطلس” لتلقى في الواحدة بعد منتصف الليل امدادات جاءت بها من قاعدة قبرص وهي عبارة عن 8 عربات جيب و4 مدافع عديمة الارتداد 106 مم ومدفعين هاون 120 مم وصناديق الذخيرة اللازمة.وقد صدرت الأوامر لهذه الكتيبة بالتحصن في موقعها بمنطقة “صدر الحيطان” دون أن تتقدم او تتحرك حتى لا تتورط في قتال مع القوات المصرية.وفي العاشرة من مساء ذات اليوم 29 أكتوبر تحرك اللواء 202 مظلات “الإسرائيلي”، عبر الحدود المصرية عند الكونتيلا بهدف مساندة كتيبة المظلات التي اسقطت في صدر الحيطان.خلال هذا الوقت، وعندما أيقنت قيادة المنطقة الشرقية المصرية من بدء العدو عملياته الغادرة أصدرت أوامرها بالسيطرة عل ممر متلا، وسرعة القضاء عل القوة المعادية المسقطة مع تعطيل تقدم القوات البرية المعادية التي تنضم إلى القوة المسقطة، وقد كلف بالمهمة الأولى اللواء الثاني المشاة “كتيبة مشاة” أما المهمة الثانية فقد كلف بها الآلاي الثاني حدود كما أمرت قيادة المنطقة الشرقية المصرية قوتها الاحتياطية بالاستعداد لعبور قناة السويس والتحرك غرباً بهدف القضاء على قوات العدو “الإسرائيلي”.وفي الساعة الحادية عشرة بدأت وحدات اللواء الثاني المشآة المصري في عبور القناة متجهة إلى صدر الحيطان عبر ممر متلا.. وقد استغرقت عملية العبور وقتا طويلا اذ لم تنته الا في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالي 30/10 وكان السبب في ذلك أنه رئي عدم تعطيل الملاحة في القناة والعبور في الفواصل التي تتخلل عبور قوافل السفن، مستخدمة في ذلك “المعدية”.. وقد استطاعت العناصر المتقدمة من اللواء المصري أن تصل إلى المدخل الشرقي لممر متلا في نحو الساعة الثامنة صباحاً.
اليوم الثاني30 أكتوبر
ملاحم في سيناء.. وانذار مرفوض!
اعترف دايان: القوات المصرية حاربت جيداً.. و”الإسرائيلية” رديئة!
طلعت شمس هذا النهار على وحدات اللواء الثاني مشاة المصري وهو يستكمل عبوره، وفي الساعة الخامسة صباحا وصل اللواء 202 مظلات “الإسرائيلية” إلى “التمد” التي كان فيها عناصر من الالاي الثاني التابع لسلاح الحدود المصري مزودين بأسلحة خفيفة إذ تنحصر مهمتهم في القتال التعطيلي، ورغم صغر حجم قوة الحدود المصرية أمام القوة “الإسرائيلية” المتفوقة عدداً وعدة، إلا أن الإنسان المصري هنا أبرز كفاءة ممتازة في القتال الصامد الانتحاري وفق مبدأ “لن يمر العدو إلا على جثثنا”.. يقول دايان في يومياته عن “معركة التمد” لقد جرى فيها قتال حقيقي. ويقول الكاتب الصهيوني “روبرت هنريك” في كتابه “مائة ساعة إلى السويس”: “وصل الطابور “الإسرائيلي” في الفجر وصدرت الأوامر إلى جنود المشاة بالتقدم متباعدين عن بعضهم في خطوط منتظمة على جانبي الطريق وباقي الطابور من خلفهم متباعدا أيضاً. وأطلق المصريون النيران من أعالي المنطقة، وجرح القائد “الإسرائيلي” من جراء لغم ورغم ذلك أمر الطابور أن يتقدم على أن يحميه بسحب الدخان”.وهكذا جرى القتال، كان بطله إنسان مصر الذي عرف أن إمكاناته أقل من العدو حجماً وسلاحاً وذخيرة ورغمها ظل يقاتل ويقاوم.. ولم يستطيع الطابور “الإسرائيلي” أن يستولي على الموقع الا بعد استشهاد معظم أفراد القوة المصرية الأمر الذي يدل على صلابة وشجاعة قواتنا واستبسالها في القتال.وبينما كان القتال يجري في “التمد” كانت أربع طائرات “ميج 15” مصرية تلقى قذائفها على أفراد كتيبة المظلات “الإسرائيلية” في صدر الحيطان.. ما كبدها خسائر جسيمة دفعت قائدها إلى أن يبعث برسالة عاجلة لقائد اللواء 202 مظلات يقول فيه كما جاء في كتاب “مائة ساعة إلى السويس”: “تعرضنا لعدة هجمات جوية نجم عنها عدد من القتلى.. وحاولنا صد الضرب بمدافعنا.. نفكر في إجراء هجوم عندما يحين الليل، نتوقع هجوما علينا، نطلب نجدات جوية بالحاح”.لكن قائد اللواء 202 وقع في موقف حرج، إذ بينما قواته تعيد تنظيم تشكيلها بعد معركة التمد فوجئ بطائرتي ميج مصريتين تقصفانه بعنف فأسرع يأمر وحداته بالانتشار في الجبل خوفا وهرباً.. وقد تسلم القائد أشارة من قيادته تبلغه أنه يستطيع طلب المعونة الجوية ابتداء من الساعة الواحة ظهرا. لكنه بعث برد سريع: نريد العون فوراً.. لكن المعونة لم تصله.. فأخذ يتجه إلى ممر متلا..وفي هذه الأثناء كان اللواء الرابع مشاة “الإسرائيلي” قد تحرك إلى القصيمة، وفي الساعة التاسعة والنصف صباحا اشتبك هذا اللواء مع الاورطة الثانية المدرعة الخفيفة المصرية التي كانت متمركزة في القصيمة ومعها كتيبة من الحرس الوطني.. وقد دار قتال عنيف بين الجانبين ما دفع “الإسرائيليين” نتيجة سوء موقفهم إلى الاستعانة باللواء السابع المدرع ليشترك في المعركة التي استمرت حتى الظهر.كما تحرك أيضاً اللواء العاشر المشاة “الإسرائيلي” من العوجة إل”أم بسيس” ليؤمن هجوم اللواء السابع والثلاثين المدرع “الإسرائيلي” على “أم قطف”.. وأثناء تحركه فاجأته طائرات ميج مصرية بالضرب.والجدير بالذكر هنا أن طائرات العدو لم تظهر فوق المعركة إلا في الساعة الحادية عشرة صباحاً.. وهنا يقفز السؤال: لماذا تأخرت.. ولماذا لم تظهر منذ الصباح؟
يقول موشى دايان في “يوميات معركة سيناء” بالحرف : “لسبب ما لم يكن في الجو أثناء الهجوم المصري الجوي أي طائرة من طائراتنا” ثم لا يشرح دايان هذا السبب ال.. ما.الحقيقة أن مهمة الحماية الجوية كانت معطاة للطائرات الفرنسية لكن خلال العمليات كان تنظيم التعاون بينها وبين القوات البرية “الإسرائيلية” صعباً للغاية مما أحدث ارتباكاً للقوات.. حتى أمكن تلافي ذلك في وقت متأخر.
.......
عند الظهر كان اللواء الرابع مشاة “الإسرائيلي”.. واللواء السابع مدرع “الإسرائيلي” قد تمكنا بعد جهد عنيف من القضاء على المقاومة المصرية في القصيمة إذ كان كما قلنا لم يكن فيها سوى أورطة مدرعة خفيفة وكتيبة حرس وطني.. ونتجية لذلك أتجه اللواء السابع المدرع “الإسرائيلي” إلى ابو عجيلة التي كان متجها اليها أيضاً اللواء 202 مظلات “الإسرائيلي”.(وفي نفس الوقت كان الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة المصرية يعبر قناة السويس على الاتجاهين الاوسط والشمالي).. ماذا حدث؟
في ممر متلا..كما يقول الصحفيان الفرنسيان “ميري وسيرج بروميرجر” في كتابهما “أسرار الحملة على مصر”: “اتخذت القوات المصرية مواقعها في المغارات الكامنة على جانبي مدخل الممر.. وبدأ أفرادها يسلطون نيران مدافعهم عل جنود المظلات.. ونشطت طائرات الميج مرة أخرى ما أوقع القوات “الإسرائيلية” في موقف حرج.. وبالرغم من أنها قاتلت قتال المستميت، وبالرغم من مساعدة طائرات الميستير لها.. إلا أنها لم تتمكن من التقدم ولم تتمكن حتى من أجبار المصريين على ترك أماكنهم”.وهكذا ظهر الطيران المعادي “الإسرائيلي” الفرنسي ليساعد قواته البرية بعد أن وصلته نجدات كبيرة من قواعد خارجية في قبرص، كذلك ركز الطيران المعادي هجومه على القوات المصرية في متلا. أما اللواء المدرع “الإسرائيلي” الذي وصل إلى أبو عجيلة فإنه وجد قتالاً رهيباً عبر عنه ديان بقوله: “إن القوات المصرية حاربت بحالة جيدة جدا في الوقت الذي حاربت فيه قواتنا بصورة رديئة جداً” وقال في موضع أخر من كتابه “يوميات معركة سيناء”: “لقد قاتلت القوات المصرية في هذا القطاع قتالاً جيداً” و”مع القيمة التكتيكية لخط أبو عجيلة فأنه تعذر احتلالنا لجزء منه حتى ولو في البداية”.
***
في أبو عجيلة كان القتال مثيرا واستمر 84 ساعة حتى انسحبت القوة المصرية بناء على أوامر القيادة فلقد كانت الروح المعنوية عالية رغم منشورات العدو التي طلب فيها الاستسلام، وقدم الإغراء بأن من يسلم نفسه سيعامل معاملة حسنة.ورغم ذلك كله فإن القوة “الإسرائيلية” التي انضم إليها اللواء العاشر مشاة فشلت في اختراق أبو عجيلة مما دفع قائد المنطقة الجنوبية إلى إعفاء قائد القوة وهو برتبة لواء من منصبه واحلال أخر مكانه. وقد أعترف ديان بهذا وقال إنه اعتمد هذا التغيير!!
***
ولقد شهد هذا اليوم أيضا نشاطاً آخر للقوات الجوية المصرية، اذ انطلقت الطائرات المصرية أكثر من مرة لقصف قواعد العدو كما يلي طبقاً للوثائق العسكرية المصرية:
جرى ضرب مطار رامات دافيد خمس مرات: في الساعة 45.7 مساء، وبعدها بربع ساعة، وفي الساعة الثامنة و55 دقيقة، وفي التاسعة و42 دقيقة والمرة الأخيرة كانت في الساعة العاشرة مساء.
جرى ضرب مطار عكير ثلاث مرات : في الساعة 55.7 و25.8 و40.8 مساء.
جرى ضرب مطار كاستينا مرة واحدة: في الساعة الثامنة ودقيقتين مساء.
وكان الهجوم الجوي ناجحا بصفة عامة،رغم الحماية الفرنسية الجوية، وقد أعترف دايان نفسه بتدمير عدد من طائراته وهي على الأرض.
الإنذار.. و.. المؤامرة
خلال هذه العملية العنيفة، والشمس تسحب آخر خيط لأ شعتها المبتلة من مياه القناة.. في الساعة السادسة مساء أذاعت أنجلترا وفرنسا إنذارهما الشهير إلى كل من مصر و”إسرائيل” لتسحب كل منهما قواتها إلى مسافة عشرة أميال من قناة السويس. مع ان “الإسرائيليين” كانوا بعيدين جدا عنها!.. وقال الإنذار الموجه إلى مصر:
“إن حكومتي المملكة المتحدة وفرنسا تطالبان الحكومة المصرية:
1 بوقف جميع العمليات الحربية في البر والبحر والجو وخلافه.
2 بأن تسحب جميع القوات المسلحة المصرية إلى مسافة عشرة أميال من القناة.
3 بأن تقبل الاحتلال المؤقت للمواقع الحيوية في بورسعيد والاسماعيلية والسويس بواسطة القوات الانجليزية والفرنسية حتى يتسنى ضمان حرية مرور سفن جميع الدول عبر القناة وحتى يمكن الفصل بين المتحاربين.أن حكومتي المملكة المتحدة وفرنسا تطالبان بالرد على هذا التبليغ في خلال اثنتي عشرة ساعة، وفي حالة انتهاء هذا الوقت دون قيام إحدى الدولتين أو كلاهما بالإذعان لتلك الطلبات فإن قوات المملكة المتحدة وفرنسا ستتدخل بالدرجة الكافية لضمان الاذعان”.كان هذا الانذار يعني لمصر: مؤامرة خطيرة.. وقد عبر عنه زعيم الهند الراحل نهرو بقوله: “لا أذكر عدوانا صارخاً يماثل في بشاعته ما يحدث اليوم ضد مصر”.أما بالنسبة ل”إسرائيل” فقد كان الانذار يعني ان تتقدم قواتها المتورطة في قتال فاشل إلى قناة السويس، أوكما يقول الانذار الى مسافة عشرة أميال منها رغم أنها كانت على مسافة بعيدة، أقربها في “صدر الحيطان” حيث الكتيبة 890 مظلات في حالة سيئة لم يتحسن موقفها إلا في العاشرة والنصف مساء عندما وصل إليها اللواء 202 مظلات الذي كان يقصد متلا.. ولم يكد هذا اللواء يستريح حتى فوجئ بالآلاي الثاني استطلاع مدرع المصري القادم من الإسماعيلية يصل إلى نطاقه ويشتبك معه، وقد تكبد المظليون “الإسرائيليون” خسائر فادحه عبر عنها دايان بقوله: “لقد دفعت وحدة المظلات الثمن الكامل من دمها” كان الموقف سيئاً بالنسبة ل”إسرائيل” على مستويين:
عسكرياً... في مسرح العمليات. سياسياً... في دول العالم.ولقد أدى هذا الموقف، ورفض مصر الإنذار، إلى أن تتلقى القيادة المشتركة في “أبسكوبي” بقبرص تعليمات عاجلة باعداد خطة تعجل بالغزو البحري الانجلو فرنسي لمصر بحيث يتم في الأيام الأولى من شهر نوفمبر “3 أو 4 نوفمبر” أي قبل بدء الهجوم حسب توقيتات الخطة “موسكتير المعادلة”.
وعلى هذا اجتمع جنرال كيتلي مع هيئة أركان حربه لوضع الخطة الجديدة..
[/size]
فيما يلي ما نشره الكاتب محمود مراد عن تلك الحرب ، ويلاحظ أن معظم ما يرد ، قد إعتمد علي ما ورد في كتابي "الوجه الأخر للميدالية"
د. يحي الشاعر
(1)
التخطيط للعدوان بدأ في اليوم التالي لتأميم قناة السويس
ملفات يكتبها:
انه اليوبيل الذهبي لمعارك ال 150 يوما بين تأميم القناة وتحقيق النصر، ذكرى حرب السويس التي كانت وبكل المقاييس، حدا فاصلا بين عصرين، تبدأ "الخليج" بالتزامن مع "الأهرام" اليوم نشر دراسة مهمة تعتمد على الوثائق المصرية ويوميات القتال، وعلى الوثائق العسكرية للأطراف الثلاثة التي شاركت في العدوان وهي: انجلترا وفرنسا و"اسرائيل". واذا كان العدوان المسلح قد بدأ في اليوم التاسع والعشرين من أكتوبر سنة ألف وتسعمائة وست وخمسين.. فإنه قد سبقتها ولحقتها معارك سياسية ونضالية بدأت مباشرة بعد اعلان قرار تأميم قناة السويس يوم 26 يوليو/تموز 1956 واستمرت حتى تحقق النصر الكامل بجلاء القوات المعتدية في الثاني والعشرين من ديسمبر نفس العام. وبهذا استغرقت ملحمة السويس مائة وخمسين يوما كاملة.ان القيمة الأساسية لهذه الغزوة أو لهذا العدوان أو كما أصبح معروفا باسم حرب السويس، انها لم تكن مجرد حرب تحمل رقم اثنين في مسلسل الصراع العربي - “الاسرائيلي” الذي لا يعلم أحد متى ينتهي ولا في انها تحالف علني سافر بين دولتين كانتا من اكبر دول العالم هما بريطانيا الامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس، وفرنسا الامبراطورية التي تمتد مستعمراتها عبر القارات، وبين دولة صغيرة مشكوك في شرعية وجودها هي “اسرائيل” التي قال ابرز قادتها العسكريين “موشي ديان” ان اشتراكها كان اشبه براكب دراجة تعلق بسيارة كبيرة تصعد سفح الجبل فانطلق بسرعة لكنه فقد توازنه، ذلك ان القيمة الأساسية لحرب السويس هي، في انها كانت حدا فاصلا بين عصرين، بين عصر السيطرة الاستعمارية الاستعبادية المستغلة المستنزفة بلا حدود، وبين عصر الاستقلال والتحرر السياسي والعسكري والاقتصادي والثقافي.وكانت بداية النتائج قطع ذيل الأسد البريطاني وكسر أنيابه فبدأ يلملم بقاياه من مستعمراته ويرحل، وهزيمة القوى اليمينية الفرنسية فاشتدت عزائم الثوار في المستعمرات مثل الجزائر وتونس ودول افريقية وغيرها حتى تحقق الاستقلال، بل ان ما حدث في حرب السويس كانت له تأثيراته الايجابية في أقصى الجنوب الافريقي وفي أقصى القارة الأمريكية الجنوبية وفي آسيا.ولهذه القيمة الكبرى، بالغة الأهمية، حفرت حرب السويس مكانتها في التاريخ السياسي والانساني للعالم، وأكد المصريون قدرهم وقدرتهم، ومن ثم يحتفي بها العالم بشرقه وغربه، واذا كان العالم يهتم بها ولا تزال المطابع ودور الصحف ومراكز الدراسات والأبحاث تنشر عنها حتى اللحظة دراسات وكتب عن خفاياها ونتائجها وما ترتب عليها، فإنه من الأجدر أن تكون هذه مهمتنا نحن ولا أعني المصريين فقط بل كل العرب لأسباب عديدة، أذكر فقط ثلاثة منها:
1- اننا نحن الذين تصدينا لهذه الحرب وخضناها ببسالة وخرجنا منها بنتائج مشرفة، واحتذى بنا الآخرون من الأشقاء.
2- إننا نحن في مصر والدول العربية أول من انعكست عليه هذه النتائج.
3- انه اذا كان هدف التذكر والدراسة هو التحليل الاستراتيجي للحرب من الجوانب والأبعاد السياسية والعسكرية وغيرها. فإننا نحن أول من يهمه هكذا المفروض هذا التحليل ونتائجه، ولكننا للأسف الشديد لا نبالي بهذا، ونبدو أحيانا وقد قطعنا الصلة بالماضي وبما أنجزناه فنبدأ من فراغ كما لو كانت الدنيا تولد “اليوم” فلا نستفيد بما فعلنا في حين يستفيد الآخرون ولا نبني فوق ما بنينا فنرتفع، بينما الآخرون يفعلون، في حين انه اذا كنا نتنبه ونتحسب ونعي الدرس لما كان قد حدث ما حدث على الساحة العربية التي تبدو من دون ساحات العالم ومناطقه مهانة مجروحة مباحة لكل من يريد ان يغزوها بالسلاح، أو، يتهجم عليها بالاساءات والبذاءات، أو، يشوه تاريخها وزعماءها، ويشككها في نفسها!لهذا، تجيء هذه المحاولة بالوثائق الكاملة للملحمة من تأميم قناة السويس الى العدوان الثلاثي اضافة لما قيل عن حرب السويس، واستثارة للمبادئ والمعاني والقيم، وللتعرف الى النموذج ليس لتكراره فالحدث مثل الانسان، بصمة غير قابلة للتكرار، وانما تصلح لأن نستفيد منها، باستخلاص الثوابت وهي أشبه بأوعية وقوالب، تصلح لكل زمان وان كان محتواها يتغير جزئيا أو، كليا حسب المتغيرات وايقاع العصر، ومزاجه الحاكم.
ان بداية العمل العسكري للجولة العربية “الاسرائيلية” الثانية الشهيرة بحرب السويس كانت صباح 27 يوليو 1956 أي اليوم التالي مباشرة لإعلان الرئيس جمال عبد الناصر لتأميم قناة السويس وذلك عندما جمع سير أنتوني ايدن رئيس وزارة بريطاني وقتها رؤساء اركان حرب المملكة المتحدة وطلب منهم: اعداد خطة لعمل عسكري يستهدف انتزاع القناة من مصر.
لقد كانت الاستراتيجية في هذا اليوم 27 يوليو 1956 تعتمد على ان تعمل بريطانيا وحدها ضد مصر واذا قبلت فرنسا الاشتراك فلتكن مساهمتها بقوات رمزية. فإن بريطانيا كانت تريد أن تسترد وحدها هيبتها الضائعة في الشرق الأوسط، كذلك كان في تخطيط القيادة الانجليزية الاعتماد على تعضيد من الولايات المتحدة الأمريكية تتمثل في قيام الأسطول السادس الأمريكي الموجود في البحر الأبيض بتغطية استراتيجية للعمل العسكري الانجليزي، وذلك بتأمين القتال ضد احتمالات التدخل من جانب الاتحاد السوفييتي.وعلى هذا الأساس وضع رؤساء أركان حرب الامبراطورية خطة الغزو باسم “العملية700” وهي تدخل في نطاق الحروب المحلية المحددة.وقد دارت مناقشات كثيرة أثناء وضع هذه الخطة عن مكان انزال قوات الغزو، وتأرجحت الأفكار بين الاسكندرية وبورسعيد، وأخيرا تغلب الرأي القائل بأن الاسكندرية هي أنسب مكان لإنزال قوات الغزو، واصبحت العملية بالتالي عبارة عن غزو بحري للاسكندرية تتلوه معركة على الاتجاه الاستراتيجي الاسكندرية القاهرة يتم فيها تدمير القوات المصرية، وبعد ذلك تحتل قوات الغزو القاهرة لتسقط الحكم الثوري القائم بها.
وعندما عرضت هذه الخطة على سير ايدن في اغسطس كان من الطبيعي أن يرفضها، اذ انها تقتضي احتلال مصر كلها الأمر الذي سيستغرق وقتا طويلا، بينما كان سير ايدن يرغب في توجيه ضربة حاسمة سريعة، وفي هذا الوقت عرضت فرنسا مساهمتها الكاملة وأبلغت بريطانيا أنها على استعداد لتقديم قوات بنسبة 5:،3 وقبل ايدن اشتراك الفرنسيين بأمل تحقيق عاملي: الحسم والسرعة.
* * *
وفي هذه المرحلة عرضت فرنسا على بريطانيا فكرة اشراك “اسرائيل” في الغزو.. ومن الجدير بالذكر هنا أن نبين علاقة فرنسا ب “اسرائيل” في ذلك الوقت.. وفي الواقع فإنه لم يكن هناك في يوم من الأيام رباط قوي بين فرنسا و”اسرائيل” سوى ذلك الشعور بالعطف الذي أعقب الحرب العالمية الثانية واتجاه زعماء الصهيونية للتقرب الى الدول الكبرى، على أن السبب الأهم والأول تزايد عداء العرب للسياسة الاستعمارية الفرنسية في شمال افريقيا وبزوغ المقاومة الجزائرية ومن ثم فقد بدأت فرنسا تلقي بالتبعة على مبادئ القومية العربية وتعتقد أن القاهرة هي الموجهة والمثيرة للعداء العربي، وحاملة راية التحرر والحرية ولذلك كله تلقفت “اسرائيل” الفرصة وأخذت تقترب من فرنسا وتبارك المشاعر الخبيثة التي تولدت في فرنسا نتيجة تقلص سيادتها الاستعمارية على شمال افريقيا، كما أخذت “اسرائيل” تؤكد لفرنسا انها ركيزتها وسندها الأول في الشرق الأوسط وأن كليهما له عدو واحد وهو القاهرة، واذا تمكنا من تدمير القاهرة فسوف تحل كل مشاكلهما.. وصدقت فرنسا التي كانت تتخبط في سياستها في تلك الأيام وانهال السلاح الفرنسي على “اسرائيل” وبدأ عهد جديد بين فرنسا و”اسرائيل” اتسم بالتعاون الشديد..
ولكن عندما عرضت فرنسا على بريطانيا اشراك “اسرائيل” رفض سير ايدن رغبة منه في أن لا تظهر دولته أمام العرب في صورة الدولة المتواطئة مع “اسرائيل” مما قد يهدد المصالح البريطانية الكثيرة في العالم العربي.وقدم البريطانيون الى الفرنسيين خطة “العملية700” فوافق عليها الفرنسيون، ودارت دراسات بين قادة الجانبين لتحديد حجم القوات التي ستشترك في الغزو من الجانبين ولتخصيص واستخدام قواعد الهجوم وبدء القيادة المشتركة وكيفية تنفيذها، وقد اتفق على أن يتولى الجنرال تشارلس كيتلي (الانجليزي) القيادة العامة للحملة بينما يتولى الأدميرال الفرنسي بارجو منصب نائب القائد العام، وبالمثل اتفق على أن تكون القيادة للبريطانيين والنيابة للفرنسيين في كل فرع من فروع العمليات والخدمات والقوات.وسميت الخطة بعد اتفاق الجانبين “هاميلكار” وتقرر ان تنتهي الاستعدادات ويبدأ الهجوم في منتصف سبتمبر، وأخذت القوات البريطانية والفرنسية تتجه الى قاعدتي الغزو والتي أصبحتا “مالطة وقبرص” كما أمرت القوات بأن تضع “حرف: “ه H “ وهو الحرف الأول من اسم هاميلكار فوق خوذها وعلى اسطح عرباتها وطائراتها، ولكن وقبل أن يجف الطلاء صدرت الأوامر بتغيير الخطة “هاميلكار” الى الخطة “موسكتير -1”.
* * *
لقد بنيت الخطة موسكتير (1) على نفس أسس الخطة هاميلكار من ناحية التصميم على أن تكون الاسكندرية هي مكان الغزو وأيضا على ان يكون ميعاد الغزو يوم 15 سبتمبر الا ان خطة موسكتير فاقت في تفصيلاتها خطة هاميلكار واستندت الى ضرورة توفير السيطرة الجوية بمهاجمة المطارات المصرية أولا وقبل أن يبدأ الغزو بيومين ثم على ضرب ميناء الاسكندرية بالاسطولين الانجليزي والفرنسي في يوم الغزو وانزال قوة مظلات يتلوها انزال القوات البرية المشتركة، وقد استمر الهدف الرئيسي أيضا وهو الاستيلاء على القاهرة بعد تدمير القوات المصرية وبالتالي اسقاط نظام الحكم التحرري الثوري.
وفي 15 أغسطس أقرت الحكومتان الخطة وبدأتا في ارسال القوات، ولكن سرعان ما دب الخلاف بين البريطانيين والفرنسيين حيث رغب الفرنسيون في القيام بهجوم مندفع بينما رغب البريطانيون في ان يكون الأسلوب هو الأسلوب التقليدي البريطاني البطيء والذي يميل الى استخدام خطط وضعت من قبل لحالات مماثلة، كما اعترض الفرنسيون على اختيار منطقة الاسكندرية كمنطقة نزول لقوات الغزو.
متى اشتركت “اسرائيل”؟
وفي ذلك الوقت بدأت فرنسا تسفه فكرة “موسكتير -1” وترى وجوب ادخال “اسرائيل” وبذلك يسهل استدراج الجيش المصري الى سيناء الأمر الذي يخلق فراغا في منطقة القناة وبذلك يمكن للقوات الانجلو فرنسية سرعة احتلال القناة وايقاع القوات المصرية بين المطرقة والسندان، وفي نفس الوقت يخلق اشتراك “اسرائيل” ذريعة التدخل للدولتين اللتين ستظهران كأنهما ترغبان في تأمين منطقة القناة والفصل بين المتحاربين !
وأخيرا وافقت بريطانيا على اشراك “اسرائيل”، وقد تم ذلك في المؤتمر الذي عقد بلندن يومي 10و11 سبتمبر وعليه الغيت الخطة “موسكتير -1” وظهرت الخطة “موسكتير” المعدلة والتي غيرت مكان الغزو من الاسكندرية الى بورسعيد يتلوه زحف مشترك نحو الاسماعيلية ومن ثم تتجه القوات البريطانية الى “ابو صوير” بينما تتجه القوات الفرنسية الى السويس. وبعد ذلك يوجه الطرفان ضربة موحدة تجاه القاهرة، بينما كان على “اسرائيل” استدراج القوات المصرية الى سيناء ثم تدميرها هناك بمعاونة القوات الجوية الانجليزية والفرنسية.
وفي 18 سبتمبر وصلت الخطة الى تل أبيب، وانتهز بن جوريون الفرصة وسرعان ما طالب بتدعيمات تمثلت في كميات كبيرة من الاسلحة والمعدات وزيادة المعونة الجوية والبحرية البريطانية ل “اسرائيل” مع ترك تحديد بدء العدوان ل “اسرائيل”، وفي 20 سبتمبر تمت الموافقة على ذلك واصبحت الخطة تعرف باسم الخطة موسكتير المعدلة
النهائية.
وفي 22 أكتوبر طار بن جوريون لباريس حيث أخذ يطالب بضمان على شكل معاهدة يوقعها الأطراف الثلاثة.. وتتم الاتصالات..
وفي يوم 24 أكتوبر وبرحلة سريعة تسلك الطرق والشوارع المهجورة مضى المتآمرون الى سيفر (احدى ضواحي باريس) يناقشون ثم يوقعون المعاهدة التي تفضح التواطؤ وتحمل ذات الاسم، وهذا هو نص المعاهدة بالحرف:
“ لا تنشر الى الأبد
بروتوكول سيفر
24 أكتوبر سنة 1956
* تقوم القوات “الاسرائيلية” بخلق حالة صراع مسلح على مشارف قناة السويس لتستغلها بريطانيا وفرنسا كذريعة للتدخل العسكري ضد مصر.
* توفر القوات الجوية الفرنسية الحماية الجوية ل “اسرائيل”، كما توفر القوات البحرية الفرنسية الحماية البحرية للمياه الاقليمية “الاسرائيلية”.
* تصدر بريطانيا وفرنسا انذارا مشتركا لكل من مصر و”اسرائيل” لوقف اعمال القتال والابتعاد عن القناة، مع قبول مصر احتلال منطقة القناة احتلالا مؤقتا بواسطة القوات الانجلو فرنسية لحماية الملاحة البحرية فيها.
* تقوم القوات الجوية البريطانية بتدمير المطارات والطائرات والأهداف العسكرية المصرية وتحقق السيطرة الجوية في سماء مصر.
* تدافع فرنسا عن موقف “اسرائيل” في الأمم المتحدة وفي نفس الوقت تبذل بريطانيا جهودها بصفة سرية بالاتصالات الخاصة لمساندة “اسرائيل” من دون ان تكشف علانية عن ذلك حتى لا يضار مركزها في الوطن العربي”.
توقيعات:
عن المملكة المتحدة باتريك دين
عن الجمهورية الفرنسية كريستيان بينو
عن دولة “اسرائيل” دافيد بن جوريون
واتفق على ان يحتفظ كل طرف بنسخته ولا يظهرها أبدا،!!
* * *
وقد حصل بن جوريون على الاتفاق بسرور بالغ وعاد في ذات اليوم الى “اسرائيل” لتبدأ خطوات العمل التنفيذية، ففي اليوم التالي مباشرة وأنا أنقل هذا عن موشي ديان (يوميات معركة سيناء):
“وبعد المباحثات الداخلية الكثيرة، وبعد الاتصالات والتفسيرات مع العناصر الخارجية التي بدأت منذ حوالي شهرين، يمكن اليوم تلخيص الأمور التالية:
1- أقر بن جوريون رئيس الحكومة ووزير الدفاع مبدئيا خطة المعركة وأهدافها.
2- ستبدأ قواتنا عملها يوم الاثنين 29/10/1956 مع الظلام وعلينا أن ننهي احتلال شبه جزيرة سيناء بسرعة ليتم الاحتلال خلال 7-10 أيام،
3- القرار على المعركة وكذلك تخطيطها يعتمدان على فرض انه من المنتظر أن تعمل قوات بريطانية وفرنسية ضد مصر.
4- ومن المعلومات الموجودة لدينا فإنه من المنتظر أن تقوم القوات البريطانية والفرنسية بعمليتها يوم31/10/1956 وهدفها السيطرة على منطقة قناة السويس، ولهذا يجب عليها النزول من البحر أو اسقاط قوات من الجو وسيعملون هذا بالطبع تحت تغطية جوية مناسبة”.
ونلاحظ على كلام ديان ما يلي:
انه نتيجة لاتفاق سيفر تحددت عمليات “اسرائيل” يوم29/10 لكنه لم يذكر صراحة اتفاق سيفر أو ما هي الاتصالات الخارجية ؟
انه ونتيجة لاتفاق سيفر تحددت عمليات “اسرائيل” يوم29/10 وذلك لأن الاتفاق كان يوم 24 وسيبدأ التحضير الجوي في اليوم التالي و”اسرائيل” تستغرق 4 أيام لإعلان التعبئة العامة.
يعترف ديان بنوعية العمل العسكري “الاسرائيلي” (وبسرعة يتم الاحتلال) ذلك لأنه كما يقول في موضع آخر، “نحن لا نستطيع أن نواصل الحرب لأكثر من اسبوعين”.
وفي نفس هذا اليوم 25/10 وضع موشي ديان بصفته رئيسا لهيئة اركان العامة الرتوش النهائية لخطة قادش الخاصة بدور “اسرائيل” ثم وقعها وارسلها الى القادة وأبرزهم: “دان تلكوفسكي” قائد القوات الجوية و”صمويل تانكوس” قائد القوات البحرية و “اساف سمحوني” قائد القوات البرية والى رئيس شعبة العمليات، وهذا الأخير ننقل طبقا للوثائق “الاسرائيلية” نص ما ارسل اليه:
للمرسل اليه فقط
الى رئيس شعبة العمليات
الموضوع: توجيهات عمليات الغرض:
(أ) خلق تهديد عسكري على القناة باحتلال أغراض مجاورة لها.
(ب) احتلال مضايق ايلات (أي خليج العقبة).
(ج) احداث ارتباك في تشكيل قتال القوات المصرية الموجودة في سيناء..
الطريقة:
(د) عام:
يوم ع (أي يوم بداية العمليات): يوم الاثنين 29 أكتوبر سنة 1956.
ساعة الهجوم: الساعة 1700.
(ه) المراحل:
1- المرحلة الأولى (3) ليلة ع (29/10-30/10)
وكانت هذه هي المهمة المباشرة للمنطقة الجنوبية:
(أ) احتلال تقاطع الطرق عند صدر الحيطان باستخدام قوات ابرارجوي.
(ب) احتلال نخل.
(ج) احتلال الكونتلا ورأس النعيت.
(د) تأمين مدخل القصيمة نخل.
(ه) تأمين محور الكونتلا نخل.
(و) تأمين محور رأس النقب نخل.
(ز) تستعد القيادات الأخرى (خلال قيادة المنطقة الجنوبية للدفاع أول ضوء يوم30أكتوبر).
(ح) يستعد سلاح الطيران والسلاح البحري استعدادا تاما ابتداء من ساعة الهجوم لتنفيذ ما يكلفان به من مهام بالاسبقيات التالية:
الدفاع عن سماء البلاد.
مساندة القوات البرية.
مهاجمة المطارات المصرية.
2- المرحلة الثانية (ب): في ليلة ع + 1 (30/10-31/10)
(أ) التقدم في محور رأس النقب شرم الشيخ..
(ب) الاستعداد لصد الهجوم المضاد من القطاع الأردني.
(ج) الاستيلاء على القصيمة.
(د) الاستعداد للدفاع عن الحدود “الاسرائيلية” المتاخمة لسوريا ولبنان.
3- المرحلة الثالثة (ج) ليلة 4+2 (31/10-1/11) والأيام التالية:
(أ) احتلال مضايق ايلات.
(ب) احتلال رفح وأبو عجيلة والعريش.
(ج) تأمين طريق الاقتراب من صدر الحيطان الطور وفتح محور الى شرم الشيخ.
(د) فتح محور أبو زنيمة الى دهب.
(ه) التقدم الى صوب القناة والتشبث بخط يبعد عنها بما لا يقل عن 15 كيلومترا.
رالف الوف (لواء)
موشي ديان رئيس هيئة الاركان العامة.
ثم تتوالى الأحداث بعرض بن جوريون الخطة على حكومته يوم 28/10/56 ويذيع بيانا مخادعا يقول فيه ان “التعبئة جرت عقب النشاط المعادي العربي فلا نقف أمام هجوم مفاجئ من دون دفاع كاف” ويطرد ديان مراقبي الأمم المتحدة من بئر السبع والعوجة، ويقول “كان خيرا لنا أن يتقدموا بشكوى ضدنا للأمم المتحدة من أن يشاهدوا تحركاتنا ويبلغوا عنها”.ويأتي يوم 29 أكتوبر وتدق القلوب انتظارا لما سيحدث.
... (2)
يوميات القتال على مدى 201 ساعة
.لا شك في أن كشف حقيقة ما جرى يستلزم منا متابعة يوميات القتال بأمانة تستند إلى الوثائق العسكرية المصرية والبريطانية والفرنسية و”الإسرائيلية”، وهذا يؤدي إلى تعرية الموقف أو بتشبيه أدق رفع الغطاء عن الطعام الفاسد الذي صنعه الطباخون الانجلو فرنسي “إسرائيليون”.
وبداية.. نقول إن القتال بدأ في الساعة الخامسة بعد ظهر يوم 29 أكتوبر/تشرين الأول وامتد على مدى 201 ساعة حتى صدر قرار مجلس الأمن بوقف اطلاق النيران في الساعة الثانية فجر يوم 7 نوفمبر/تشرين الثاني.وقد كان دور “إسرائيل” أثناء القتال هو طبقاً لتوجيهات القيادية العامة “الإسرائيلية” “القتال على المجهود الثانوي داخل سيناء وغزة بهدف خلق تهديد عسكري على القناة”.
أما دور القوات الانجليزية- الفرنسية فكان القتال على المجهود الرئيسي بشن غزو بحري على امتداد الخط التعبوي الاستراتيجي لقناة السويس. وفي ما يلي نص أمر عمليات الغزو البحري الانجلو- فرنسي:
المهمات:
بعد تمهيد جوي مركز ابتدائي لمدة ستة أيام، وتمهيد مباشر بالطيران وبمدفعية الأسطول من س ،3 تقوم قوات الغزو المشتركة أول ضوء “يوم ي 9” باقتحام منطقة بورسعيد والاستيلاء على رأس الشاطئ فيها بمواجهة 10 كيلو مترات وعمق 40 كيلو مترا كمهمة مباشرة لها على أن تتم “يوم ي 11”، وتطور الهجوم وتستولي على منطقة الإسماعيلية “يوم ي 12” كمهمة أساسية لها طبقا للخطة (أ) على أن تكون مستعدة لاستغلال النجاح لحسم الحرب بالاندفاع صوب السويس والقاهرة للاستيلاء عليهما وتحقيق المهمات الأساسية طبقاً للخطة (ب).
التشكيل التعبوي لعملية الغزو البحري ومهمات القوات:
(أ) نسق أول قوات الغزو البحري:
1 قوة الاقتحام الجوي:
القائد: بريجادير بتلر قائد مجموعة اللواء 16 مظلات.
القوات: مجموعة اللواء 16 مظلات عدا كتيبتين وآلاي مظلات من الفرقة 10 مظلات.
المهمات: اقتحام منطقة بورسعيد جوا أول ضوء “يوم ي 9” وتأمين مخارجها والاستيلاء على الأهداف الحيوية فيها.
2 قوة الاقتحام البرمائي:
القائد: الرير أدميرال هولاندمارتن.
القوات: مجموعة اللواء 3 الفدائيين البحريين، رئاسة الفرقة 10 مظلات.
كتيبة مظلات من الفرقة 10 مظلات أورطة دبابات خفيفة ثلاث كتائب فدائيين بحريين.
المهمات: الاستيلاء على رأس الشاطئ وتأمينه كمهمة مباشرة “يوم ي 11” بمواجهة 10 كيلو مترات وعمق 40 كيلو متراً وتطوير الهجوم والاستيلاء على منطقة الاسماعيلية كمهمة أساسية يوم ي 12 طبقا للخطة (أ).
(ب) نسق ثاني قوات الغزو البحري:
القوات اللاحقة:
القائد جنرال هيوستوكويل.
القوات: الفرقة 3 مشاة. مجموعة اللواء 51 المشاة المستقل مجموعة اللواء 50 المشاة المستقل، كتيبتان من مجموعة اللواء 16 المظلات، الآلاي 6 المدرع، آلاي سيارات مدرعة، كتيبة مظلات من الفرقة الأجنبية الفرنسية، الآلاي الخفيف.
المهمات: استغلال نجاح قوة الاقتحام البرمائي وتطوير الهجوم نحو القاهرة والسويس معا للاستيلاء عليهما وحسم الحرب.
(ج) الاحتياطي العام:
القوات: الكتيبة الأولى رويال وست كنت 2 آلاي مظلات فرنسية.
ومن هذه الخطة العسكرية تتضح الأهداف السياسية والتي يمكن أجمالها في الآتي:
1 الاستيلاء على قناة السويس.
2 إبادة القوات المسلحة المصرية ومعداتها.
3 القضاء على الحكم الثوري في مصر الذي كان يساعد الثورة الجزائرية.
4 انهاء الحركات التحررية في الشرق الأوسط والقضاء على القومية العربية.
5 استعادة السيطرة على الوطن العربي.
المراحل الأربع للقتال
على هذا النحو اذن كان دور الغزاة.. وكانت أهدافهم من القتال فإذا نظرنا إلى المجهود المصري فاننا نجد أن القتال دار خلال 4 مراحل استراتيجية.
المرحلة الأولى:
مرحلة حصر العدوان “الإسرائيلي” المدعم بالجهد الجوي والبحري الانجلو فرنسي، وقد استغرقت هذه المرحلة 47 ساعة بدأت في الخامسة مساء يوم 29/10 وانتهت في الرابعة مساء يوم 31/10 وفيها نجحت القوات المصرية في حصر العدوان وتثبيته واستعدت لتدمير قواته نهائيا تمهيدا لنقل المعركة إلى قلب “إسرائيل” ذاتها.
المرحلة الثانية:
مرحلة النضال من اجل تحقيق التوازن الاستراتيجي في مسرح العمليات وقد استغرقت 86 ساعة بدأت في الساعة الرابعة مساء يوم 31/10 عندما تكشفت نوايا العدوان و.. انتهت في السادسة صباح يوم 4/11 وخلالها صدر قرار توحيد الجبهة المصرية غرب السويس في الوقت المناسب لتحقيق التوزان الاستراتيجي وتركيز قوى النضال في مثلث (بورسعيد السويس القاهرة).
المرحلة الثالثة:
مرحلة الصراع في اتجاه المجهود الرئيسي، وقد استغرقت 68 ساعة من السادسة صباح يوم 4/11 حتى الثانية صباح يوم 7/،11 وكان الصراع المسلح فيها بين القوات البريطانية والفرنسية من جهة، وبين القوات المسلحة المصرية وقوى النضال الشعبي من جهة أخرى وكان القتال دفاعا عن العقيدة والأرض تحت شعار “الحرب من بيت إلى بيت”.
المرحلة الرابعة:
مرحلة فشل العدوان الثلاثي، وقد استغرقت 120 يوما بين 7 نوفمبر سنة 1956 وقف اطلاق النار وبين 6 مارس 1957 نهاية الانسحاب وتميزت هذه المرحلة بصمود الإرادة الممثلة في الإنسان المصري وتحفزه متأهبا لأي طارئ.
هذه هي مراحل القتال من وجهة النظر الإستراتيجية المصرية.. وهي هنا مقدمة نبدأ بعدها في يوميات القتال.. وكيف جري؟
اليوم الأول : 29 أكتوبر:
المظليون “الإسرائيليون”.. ذريعة العدوان!
اختارت القيادة “الإسرائيلية” منطقة “صدر الحيطان” بسيناء لتبدأ فيها أولى عملياتها تنفيذا لدورها في اتفاق “سيفر”.. ولقد أثير في هيئة الأركان “الإسرائيلية” أن “صدر الحيطان” بعيدة عن القواعد “الإسرائيلية”.. وهي في ذات الوقت قريبة من القواعد المصرية (نحو 65 كيلومترا من القناة) كما انها تحت أنف مطار كبريت المصري (نحو 70 كيلو متراً) لكن دايان رد بأن المهمة هي: جذب الجيش المصري إلى أعماق سيناء وترك قلب الدولة المصري خالياً من القوات، وفي ذات الآن: خلق صراع مسلح على مشارف القناة.. كذلك فإن الهجوم سيكون تحت حماية مظلة جوية فرنسية، علما بأن منطقة “صدر الحيطان” خالية من القوات المصرية.وعلى هذا الأساس انطلقت في الساعة الخامسة من بعد ظهر هذا اليوم (29/10) أو بالضبط قبل تمام الخامسة بدقيقة واحدة 16 طائرة داكوتا منتظمة في 4 تشكيلات، كل منها يحمل سرية من جنود المظلات.واتجهت إلى الهدف الا أن الطيارين طبقا ليوميات دايان “اخطأوا وأسقطوا الجنود بالمظلات شرق المكان المحدد بخمسة كيلو مترات”.على أي حال لقد هبطت القوة وهي تضم 395 فردا بأمتعتهم وأسلحتهم ومعداتهم، وهؤلاء يشكلون الكتيبة 890 مظلات، ثم سار الجنود على أقدامهم مسافة الخمسة كيلومترات التي أخطأوها فوصلوا مكانهم المحدد في الساعة السابعة والنصف مساء.. وفي الساعة التاسعة مساء أسقطت لهم الطائرات كمية من الامدادات، وذلك قبل أن تأتي الطائرات الفرنسية المتعاونة وهي من نوع “نورد أطلس” لتلقى في الواحدة بعد منتصف الليل امدادات جاءت بها من قاعدة قبرص وهي عبارة عن 8 عربات جيب و4 مدافع عديمة الارتداد 106 مم ومدفعين هاون 120 مم وصناديق الذخيرة اللازمة.وقد صدرت الأوامر لهذه الكتيبة بالتحصن في موقعها بمنطقة “صدر الحيطان” دون أن تتقدم او تتحرك حتى لا تتورط في قتال مع القوات المصرية.وفي العاشرة من مساء ذات اليوم 29 أكتوبر تحرك اللواء 202 مظلات “الإسرائيلي”، عبر الحدود المصرية عند الكونتيلا بهدف مساندة كتيبة المظلات التي اسقطت في صدر الحيطان.خلال هذا الوقت، وعندما أيقنت قيادة المنطقة الشرقية المصرية من بدء العدو عملياته الغادرة أصدرت أوامرها بالسيطرة عل ممر متلا، وسرعة القضاء عل القوة المعادية المسقطة مع تعطيل تقدم القوات البرية المعادية التي تنضم إلى القوة المسقطة، وقد كلف بالمهمة الأولى اللواء الثاني المشاة “كتيبة مشاة” أما المهمة الثانية فقد كلف بها الآلاي الثاني حدود كما أمرت قيادة المنطقة الشرقية المصرية قوتها الاحتياطية بالاستعداد لعبور قناة السويس والتحرك غرباً بهدف القضاء على قوات العدو “الإسرائيلي”.وفي الساعة الحادية عشرة بدأت وحدات اللواء الثاني المشآة المصري في عبور القناة متجهة إلى صدر الحيطان عبر ممر متلا.. وقد استغرقت عملية العبور وقتا طويلا اذ لم تنته الا في الساعة الثالثة بعد ظهر اليوم التالي 30/10 وكان السبب في ذلك أنه رئي عدم تعطيل الملاحة في القناة والعبور في الفواصل التي تتخلل عبور قوافل السفن، مستخدمة في ذلك “المعدية”.. وقد استطاعت العناصر المتقدمة من اللواء المصري أن تصل إلى المدخل الشرقي لممر متلا في نحو الساعة الثامنة صباحاً.
اليوم الثاني30 أكتوبر
ملاحم في سيناء.. وانذار مرفوض!
اعترف دايان: القوات المصرية حاربت جيداً.. و”الإسرائيلية” رديئة!
طلعت شمس هذا النهار على وحدات اللواء الثاني مشاة المصري وهو يستكمل عبوره، وفي الساعة الخامسة صباحا وصل اللواء 202 مظلات “الإسرائيلية” إلى “التمد” التي كان فيها عناصر من الالاي الثاني التابع لسلاح الحدود المصري مزودين بأسلحة خفيفة إذ تنحصر مهمتهم في القتال التعطيلي، ورغم صغر حجم قوة الحدود المصرية أمام القوة “الإسرائيلية” المتفوقة عدداً وعدة، إلا أن الإنسان المصري هنا أبرز كفاءة ممتازة في القتال الصامد الانتحاري وفق مبدأ “لن يمر العدو إلا على جثثنا”.. يقول دايان في يومياته عن “معركة التمد” لقد جرى فيها قتال حقيقي. ويقول الكاتب الصهيوني “روبرت هنريك” في كتابه “مائة ساعة إلى السويس”: “وصل الطابور “الإسرائيلي” في الفجر وصدرت الأوامر إلى جنود المشاة بالتقدم متباعدين عن بعضهم في خطوط منتظمة على جانبي الطريق وباقي الطابور من خلفهم متباعدا أيضاً. وأطلق المصريون النيران من أعالي المنطقة، وجرح القائد “الإسرائيلي” من جراء لغم ورغم ذلك أمر الطابور أن يتقدم على أن يحميه بسحب الدخان”.وهكذا جرى القتال، كان بطله إنسان مصر الذي عرف أن إمكاناته أقل من العدو حجماً وسلاحاً وذخيرة ورغمها ظل يقاتل ويقاوم.. ولم يستطيع الطابور “الإسرائيلي” أن يستولي على الموقع الا بعد استشهاد معظم أفراد القوة المصرية الأمر الذي يدل على صلابة وشجاعة قواتنا واستبسالها في القتال.وبينما كان القتال يجري في “التمد” كانت أربع طائرات “ميج 15” مصرية تلقى قذائفها على أفراد كتيبة المظلات “الإسرائيلية” في صدر الحيطان.. ما كبدها خسائر جسيمة دفعت قائدها إلى أن يبعث برسالة عاجلة لقائد اللواء 202 مظلات يقول فيه كما جاء في كتاب “مائة ساعة إلى السويس”: “تعرضنا لعدة هجمات جوية نجم عنها عدد من القتلى.. وحاولنا صد الضرب بمدافعنا.. نفكر في إجراء هجوم عندما يحين الليل، نتوقع هجوما علينا، نطلب نجدات جوية بالحاح”.لكن قائد اللواء 202 وقع في موقف حرج، إذ بينما قواته تعيد تنظيم تشكيلها بعد معركة التمد فوجئ بطائرتي ميج مصريتين تقصفانه بعنف فأسرع يأمر وحداته بالانتشار في الجبل خوفا وهرباً.. وقد تسلم القائد أشارة من قيادته تبلغه أنه يستطيع طلب المعونة الجوية ابتداء من الساعة الواحة ظهرا. لكنه بعث برد سريع: نريد العون فوراً.. لكن المعونة لم تصله.. فأخذ يتجه إلى ممر متلا..وفي هذه الأثناء كان اللواء الرابع مشاة “الإسرائيلي” قد تحرك إلى القصيمة، وفي الساعة التاسعة والنصف صباحا اشتبك هذا اللواء مع الاورطة الثانية المدرعة الخفيفة المصرية التي كانت متمركزة في القصيمة ومعها كتيبة من الحرس الوطني.. وقد دار قتال عنيف بين الجانبين ما دفع “الإسرائيليين” نتيجة سوء موقفهم إلى الاستعانة باللواء السابع المدرع ليشترك في المعركة التي استمرت حتى الظهر.كما تحرك أيضاً اللواء العاشر المشاة “الإسرائيلي” من العوجة إل”أم بسيس” ليؤمن هجوم اللواء السابع والثلاثين المدرع “الإسرائيلي” على “أم قطف”.. وأثناء تحركه فاجأته طائرات ميج مصرية بالضرب.والجدير بالذكر هنا أن طائرات العدو لم تظهر فوق المعركة إلا في الساعة الحادية عشرة صباحاً.. وهنا يقفز السؤال: لماذا تأخرت.. ولماذا لم تظهر منذ الصباح؟
يقول موشى دايان في “يوميات معركة سيناء” بالحرف : “لسبب ما لم يكن في الجو أثناء الهجوم المصري الجوي أي طائرة من طائراتنا” ثم لا يشرح دايان هذا السبب ال.. ما.الحقيقة أن مهمة الحماية الجوية كانت معطاة للطائرات الفرنسية لكن خلال العمليات كان تنظيم التعاون بينها وبين القوات البرية “الإسرائيلية” صعباً للغاية مما أحدث ارتباكاً للقوات.. حتى أمكن تلافي ذلك في وقت متأخر.
.......
عند الظهر كان اللواء الرابع مشاة “الإسرائيلي”.. واللواء السابع مدرع “الإسرائيلي” قد تمكنا بعد جهد عنيف من القضاء على المقاومة المصرية في القصيمة إذ كان كما قلنا لم يكن فيها سوى أورطة مدرعة خفيفة وكتيبة حرس وطني.. ونتجية لذلك أتجه اللواء السابع المدرع “الإسرائيلي” إلى ابو عجيلة التي كان متجها اليها أيضاً اللواء 202 مظلات “الإسرائيلي”.(وفي نفس الوقت كان الاحتياطي الاستراتيجي للقيادة المصرية يعبر قناة السويس على الاتجاهين الاوسط والشمالي).. ماذا حدث؟
في ممر متلا..كما يقول الصحفيان الفرنسيان “ميري وسيرج بروميرجر” في كتابهما “أسرار الحملة على مصر”: “اتخذت القوات المصرية مواقعها في المغارات الكامنة على جانبي مدخل الممر.. وبدأ أفرادها يسلطون نيران مدافعهم عل جنود المظلات.. ونشطت طائرات الميج مرة أخرى ما أوقع القوات “الإسرائيلية” في موقف حرج.. وبالرغم من أنها قاتلت قتال المستميت، وبالرغم من مساعدة طائرات الميستير لها.. إلا أنها لم تتمكن من التقدم ولم تتمكن حتى من أجبار المصريين على ترك أماكنهم”.وهكذا ظهر الطيران المعادي “الإسرائيلي” الفرنسي ليساعد قواته البرية بعد أن وصلته نجدات كبيرة من قواعد خارجية في قبرص، كذلك ركز الطيران المعادي هجومه على القوات المصرية في متلا. أما اللواء المدرع “الإسرائيلي” الذي وصل إلى أبو عجيلة فإنه وجد قتالاً رهيباً عبر عنه ديان بقوله: “إن القوات المصرية حاربت بحالة جيدة جدا في الوقت الذي حاربت فيه قواتنا بصورة رديئة جداً” وقال في موضع أخر من كتابه “يوميات معركة سيناء”: “لقد قاتلت القوات المصرية في هذا القطاع قتالاً جيداً” و”مع القيمة التكتيكية لخط أبو عجيلة فأنه تعذر احتلالنا لجزء منه حتى ولو في البداية”.
***
في أبو عجيلة كان القتال مثيرا واستمر 84 ساعة حتى انسحبت القوة المصرية بناء على أوامر القيادة فلقد كانت الروح المعنوية عالية رغم منشورات العدو التي طلب فيها الاستسلام، وقدم الإغراء بأن من يسلم نفسه سيعامل معاملة حسنة.ورغم ذلك كله فإن القوة “الإسرائيلية” التي انضم إليها اللواء العاشر مشاة فشلت في اختراق أبو عجيلة مما دفع قائد المنطقة الجنوبية إلى إعفاء قائد القوة وهو برتبة لواء من منصبه واحلال أخر مكانه. وقد أعترف ديان بهذا وقال إنه اعتمد هذا التغيير!!
***
ولقد شهد هذا اليوم أيضا نشاطاً آخر للقوات الجوية المصرية، اذ انطلقت الطائرات المصرية أكثر من مرة لقصف قواعد العدو كما يلي طبقاً للوثائق العسكرية المصرية:
جرى ضرب مطار رامات دافيد خمس مرات: في الساعة 45.7 مساء، وبعدها بربع ساعة، وفي الساعة الثامنة و55 دقيقة، وفي التاسعة و42 دقيقة والمرة الأخيرة كانت في الساعة العاشرة مساء.
جرى ضرب مطار عكير ثلاث مرات : في الساعة 55.7 و25.8 و40.8 مساء.
جرى ضرب مطار كاستينا مرة واحدة: في الساعة الثامنة ودقيقتين مساء.
وكان الهجوم الجوي ناجحا بصفة عامة،رغم الحماية الفرنسية الجوية، وقد أعترف دايان نفسه بتدمير عدد من طائراته وهي على الأرض.
الإنذار.. و.. المؤامرة
خلال هذه العملية العنيفة، والشمس تسحب آخر خيط لأ شعتها المبتلة من مياه القناة.. في الساعة السادسة مساء أذاعت أنجلترا وفرنسا إنذارهما الشهير إلى كل من مصر و”إسرائيل” لتسحب كل منهما قواتها إلى مسافة عشرة أميال من قناة السويس. مع ان “الإسرائيليين” كانوا بعيدين جدا عنها!.. وقال الإنذار الموجه إلى مصر:
“إن حكومتي المملكة المتحدة وفرنسا تطالبان الحكومة المصرية:
1 بوقف جميع العمليات الحربية في البر والبحر والجو وخلافه.
2 بأن تسحب جميع القوات المسلحة المصرية إلى مسافة عشرة أميال من القناة.
3 بأن تقبل الاحتلال المؤقت للمواقع الحيوية في بورسعيد والاسماعيلية والسويس بواسطة القوات الانجليزية والفرنسية حتى يتسنى ضمان حرية مرور سفن جميع الدول عبر القناة وحتى يمكن الفصل بين المتحاربين.أن حكومتي المملكة المتحدة وفرنسا تطالبان بالرد على هذا التبليغ في خلال اثنتي عشرة ساعة، وفي حالة انتهاء هذا الوقت دون قيام إحدى الدولتين أو كلاهما بالإذعان لتلك الطلبات فإن قوات المملكة المتحدة وفرنسا ستتدخل بالدرجة الكافية لضمان الاذعان”.كان هذا الانذار يعني لمصر: مؤامرة خطيرة.. وقد عبر عنه زعيم الهند الراحل نهرو بقوله: “لا أذكر عدوانا صارخاً يماثل في بشاعته ما يحدث اليوم ضد مصر”.أما بالنسبة ل”إسرائيل” فقد كان الانذار يعني ان تتقدم قواتها المتورطة في قتال فاشل إلى قناة السويس، أوكما يقول الانذار الى مسافة عشرة أميال منها رغم أنها كانت على مسافة بعيدة، أقربها في “صدر الحيطان” حيث الكتيبة 890 مظلات في حالة سيئة لم يتحسن موقفها إلا في العاشرة والنصف مساء عندما وصل إليها اللواء 202 مظلات الذي كان يقصد متلا.. ولم يكد هذا اللواء يستريح حتى فوجئ بالآلاي الثاني استطلاع مدرع المصري القادم من الإسماعيلية يصل إلى نطاقه ويشتبك معه، وقد تكبد المظليون “الإسرائيليون” خسائر فادحه عبر عنها دايان بقوله: “لقد دفعت وحدة المظلات الثمن الكامل من دمها” كان الموقف سيئاً بالنسبة ل”إسرائيل” على مستويين:
عسكرياً... في مسرح العمليات. سياسياً... في دول العالم.ولقد أدى هذا الموقف، ورفض مصر الإنذار، إلى أن تتلقى القيادة المشتركة في “أبسكوبي” بقبرص تعليمات عاجلة باعداد خطة تعجل بالغزو البحري الانجلو فرنسي لمصر بحيث يتم في الأيام الأولى من شهر نوفمبر “3 أو 4 نوفمبر” أي قبل بدء الهجوم حسب توقيتات الخطة “موسكتير المعادلة”.
وعلى هذا اجتمع جنرال كيتلي مع هيئة أركان حربه لوضع الخطة الجديدة..
[/size]