المجين البشري: التعريف و السياق التاريخي

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,268 1 0
الدولة
Jordan
المجين البشري: التعريف و السياق التاريخي


1.2. التعريف
لعل مشروع المجين البشري يعتبر أهم الإنجازات البشرية وأكثرها إفادة وأدلها على العبقرية المُلْهَمة. وهو يعد أيضا فتحا تكنولوجيا عظيما إذ وصفه الكثيرون بأنه أكثر أهمية من اختراع العجلة أو من الصعود إلى القمر. والمجين البشري هو جوهر الحياة الإنسانية، وستبقى أهمية المعلومات الوراثية واستعمالها ما بقي الإنسان نفسه.
وهذا المشروع مشروع دولي حيث تضافرت جهود حوالي 25 من المختبرات الدولية للبحث العلمي من أجل إنجاز وصف كامل للمجين البشري (الاتحاد الدولي للمجين البشري، 2001). تحتوي نواة خلية الإنسان على 46 صبغيا أو كروموزموما (23 زوجاً من الصبغيات) ؛ منها 44 صبغيا جسديا (أُطوسوما)، وصبغيان جنسيان، يظهر ذلك على الصورة (1)

pho1.gif

وهذه الصبغيات الستة والأربعون تشكل المجين البشري (الطاقم الجيني). ويضم هذا المجين حوالي 40000-30000 من الجينات (جينات وظيفية)، وهذه الجينات الوظيفية لا تشكل سوى 3 في المـائة مـن مجـموع المـادة الـوراثية، كـما تم اكتشافها مؤخرا (Venter, et al 2001, International )(Human Genome Consortium, 2001). أما الأجزاء المتبقية من الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين (DNA) فيطلق عليها الجينات المهملة (junk genes).
وكـان الهـدف الأول مـن مشـروع المجـين البشـري هو تحديد موضع مجموع الأربعين ألف جـين علـى الصبـغيات السـتة والأربـعين. أما الهـدف الثاني، وهو متفرع عن الأول، فيتمثل في تحديد التسلسل القاعدي للمجين، ثم في الأخير التعرف على وظيفة الجينات. ويتم تحديد مكان الجينات من خلال عملية رسم الخريطة (mapping)، أما تحديد التوالي القاعدي فيسمى السَّلْسَلة (Sequencing).
ويصعب تصور أبعاد المشروع بسبب دقة العمليات التي يستلزمها وشدة تعقيدها. وهذه الصعوبة راجعة أساسا إلى ضخامة حجم جزيء الحمض النووي الريبي المنقوص الأكسجين أو "DNA". ويقدر طول جزيئة "DNA" في كل خلية من خلايا الجسم بمترين تقريبا. وبالنظر إلى أن جسم الإنسان يحتوي في المتوسط على 100 تريليون خلية، فلو ربطنا أطراف جميع "DNA" الموجود في الجسم ومددناها لبلغ طولها 8000 أضعاف المسافة بين الأرض والقمر ذهابا وإيابا.
ولتبسيط الضخامة الفريدة لمشروع المجين البشري يمكن أن نستعين بالتشبيه التالي : فلو ضَخَّمنا قياس نواة الخلية الإنسانية بحيث يبلغ قياسَ دائرة الأرض فسيكون كل صبغي في حجم بلد، ويكون جين واحد في حجم مدينة، وتكون أزواج القواعد مساوية لساكنة هذه المدينة (الصورة 2). وفي "عالم الخلية" هذا، يبحث العلماء عن قرابة 40000-30000 جين (المُدن)، ويسعون إلى تحديد موضعها على 46 صبغيا (البلدان)، رغبةً في التوصل في الأخير إلى اكتشاف تسلسل خط مؤلف من 3 ملايير قاعدة (السكان).
pho2.gif

2.2. السياق التاريخي
غداة الحرب العالمية الثانية وبخاصة على إثر سقوط القنبلتين النوويتين الأمريكيتين على هيروشيما ونغازاكي في السادس من أغسطس سنة 1945، اهتز الضمير العالمي من هول آثار هاتين القنبلتين على السكان في هاتين المدينتين اليابانيتين. وقد خَلص تقييم ياباني صدر سنة 1968 إلى أن ما لا يقل عن 250000 مواطن من سكان هيروشيما قُتلوا في الحال أو ماتوا في غضون خمس سنوات من جراء أمراض ناجمة عن الإشعاع الذري. ولا تزال آثار هذه الكارثة تنعكس على الأجيال اللاحقة بالنظر إلى ما خلفته من تأثير على المادة الوراثية. ومنذ ذلك العهد اهتمت وزارة الطاقة في الولايات المتحدة الأمريكية والوكالات السابقة لها، بالبحث وتطوير طرق حساسة للكشف عن التغيرات الدقيقة التي تحدث في المادة الوراثية بسبب الإشعاع التأييني (ionizing radiation)، وعن آثارها على الصحة (US DOE programme Report, 1990).
وتفيد العديد من الدراسات أن جزيئة "DNA" (المادة الوراثية) تشكل أكثر مكونات الخلية حساسية، إذ يسهل تعرضها للتشويه أو الإضرار من جراء الإشعاع، حتى ولو كان بكميات ضئيلة (Cleaver and Borek, 1993).
وبالإضافة إلى ما تراكم من معلومات منذ اكتشاف جزيئة "DNA" (الصورة 5)، تجددت الاكتشافات واستحدثت تكنولوجيات جديدة أدت إلى تحسين فهمنا لهذا الجزيء ووظائفه على نحو مذهل. ومنذ عقد الثمانينيات ظهرت فكرة إنجاز سَلْسَلة المجين البشري برمته بصورة منظمة، ومع بروز هذه الفكرة انبثق مشروع المجين البشري. وقد كان هناك إقرار منذ وقت مبكر بأن هذا المشروع عندما يكتمل سيوفر "مرجعا شاملا" يمكن أن يبني عليه الآخرون دون أن يُضْطروا إلى تكرار البحث من البداية.
وكانت وزارة الطاقة الأمريكية قد كُلفت أيضا بالعمل على تعميق الفهم بالمخاطر الصحية المحتملة التي قد تنشأ عن استخدام الطاقة وعن تكنولوجيات إنتاج الطاقة. فمعظم الأبحاث المتعلقة بالمخاطر الصحية للإشعاع قد انبثقت عن دراسات مدعومة من وزارة الطاقة الأمريكية ووكالاتها. ومن هذه الأبحاث يمكن ذكر دراسات طويلة الأمد أجريت على الناجين من القصف النووي لهيروشيما ونغازاكي. وعُرِف الكثير عن نتائج التعرض لكميات عالية من الإشعاع. ومن جهة أخرى، ما زال هناك العديد من الأسئلة التي لم تلقَ بعدُ أجوبة لها. ومازال هناك الكثير مما ينبغي تعلمه على وجه الخصوص فيما يتعلق بالآثار الخبيثة التي تحدثها الكميات المنخفضة من الإشعاع. فعند التعرض لكميات منخفضة ولكنها ملحوظة فإن عناصر سامة مثل المواد المشعة أو المواد الكيميائية المطفِّرة تؤثر تأثيرها الضار بطرق خفية ماكرة، حيث تقتصر على تشويه طفيف للمعلومات الوراثية في خلايانا.
وقد تنتج عن ذلك طفرات وراثية أدَقُّْ من أن تحدث آثارا بينة في جيل أو جيلين غير أن استمرارها وعدم عَكوسيتها (أي استحالة ردها إلى الوراء) يشكل مع ذلك مصدر قلق شديد (US DOE programme Report, 1990).
وإلى غاية الثمانينيات لم تكن البيولوجيا الجزيئية متطورة بما يكفي للكشف بسهولة عن التغيرات الطفيفة الحاصلة في جزيء "DNA" المتحكمة في برنامجنا الوراثي. فكان لا بد من إيجاد تكنولوجيات متطورة من شأنها أن تمكن من الكشف عن تغيير في "كلمة" واحدة من البرنامج من بين مائة مليون إمكانية.
وفي سنة 1984 عقدت كل من وزارة الطاقة الأمريكية والمفوضية الدولية للحماية من مُسبِّبات الطفرات والسرطان اجتماعا مشتركا، وشُرع في طرح هذه الأسئلة بجدية : هل نستطيع أو هل ينبغي لنا القيام بسَلْسَلة مجموع المجين البشري؟ هل بالإمكان تطوير تكنولوجيا فائقة نستطيع من خلالها أن ننسخ كلمةً بكلمة، مجموع النص الجيني لفرد متوسط من البشر وأن نضع بالتالي معلما نهتدي به في الكشف عن أثر الإشعاع في إحداث الطفرات ــ وهو أثر عصي عن الكشف ــ وعن الذيفانات (توكسين) المسببة للسرطان ؟
وللإجابة على هذه الأسئلة عقدت ورشات عمل سنة 1985 و1986. وانكب على دراسة المسائل المطروحة على جدول الأعمال فريق استشاري تابع لوزارة الطاقة الأمريكية ومكتب تقييم التكنولوجيا التابع للكونغرس والأكاديمية الوطنية للعلوم. كما جرت مناقشة الموضوع من قبل البيولوجيين أنفسهم سواء في الدوائر العامة أو الخاصة. وتوافقت الآراء في الأخير على ضرورة انطلاق العمل.
وكان لوزارة الطاقة اهتمام سابق بالمجين البشري حيث جهزت بصورة تامة المختبرات الوطنية إضافة إلى قدرتها على القيام بمشاريع متعددة التخصصات، مما جعل منها إطارا أمثل لمجهود من هذا القبيل. وكان من المؤكد أن هذا المشروع الضخم سيستفيد من إسهام مختلف التخصصات مثل الهندسة والفيزياء والكيمياء والمعلوميات والرياضيات. وبالنظر إلى ما لديها من بنية تحتية ومن اهتمام خاص بالنتائج النهائية، كانت وزارة الطاقة الأمريكية أول وكالة فيدرالية تقوم بإعلان وتمويل مبادرة العمل من أجل فهم مفصل للمجين البشري.
غير أن الاهتمام بالمجين البشري لم يكن يقتصر على وزارة الطاقة، فهناك العديد من المعاهد (المعاهد الوطنية للصحة، مختبرات "كولد سبرين هاربر" Cold Spring Harbor، المعهد الطبي "هوارد هاف") قدمت الدعم والرعاية لكثير من أوراش عمل خصصت للمجين البشري.
وفي سنة 1988 انضمت المعاهد الوطنية للصحة (NIH) إلى المشروع، وتم في نهاية تلك السنة توقيع مذكرة تفاهم بين هذه المعاهد وبين وزارة الطاقة، أرست أسس العمل المنسق بين الوكالات في هذا المجال.
وللاطلاع على نبذة تاريخية عن المجين البشري فيما يتعلق بالتقنيات الجزيئية الممهدة لتحقيق المشروع، يمكن الرجوع إلى الجدول رقم 1 الذي يقدم تسلسلا تاريخيا للأبحاث المؤدية إلى إنجاز عمليات رسم الخريطة والسٌَلسَلة المجينية.
الجدول 1 : التسلسل الزمني للأبحاث المتعلقة بالمجين البشري


1945

انطلاق فكرة المشروع غداة الحرب العالمية الثانية و سقوط القنبلة النووية اولى على هيروشيما

1953

اكتشف جيمس د.واتسون و فرانسيس ك.كريك بنية DNAاللولبية المزدوجة ونالا جازة نوبل للفزيولوجيا و الطب سنة 1962

1957

اكتشف أرHور كورنبرغ من جامعة واشنطن أنزيم التماﺜر (DNA Polymerase) و هو أنزيم له القدرة على تكوين)الحمض النووي الريبوزي المنقوص الاكسجين( انطلاقا من مركباته.
و يعد هذا اﻷنزيم جزءا مهما من أدوات الهندسة الوراﺜية.و منح كورنبرغ جاﺌزة نوبل سنة 1959

1960

تم اكتشاف الحمض النووي الريبي المرسال (messenger RNA)و هو الجزيء الذي يحمل المعلومات المكتوبة في ) « DNA » الحمض النووي الريبي المنقوص الاكسجين( وينقلها ﺇلى »معامل« الخلية حيت تصنع البروتينات من اﻷحماض اﻷمينية

1961

اقترج فرانسو جاكوب و جاك موندو من معهد باستور)فرنسا(
نموذج الفاعول(Operon)المؤﺜر لتفسير كيفية تنشيط الجينات في البكتيريا وتعطيلها,و حصلا على جاﺌزة نوبل سنة 1965

1966
تم فك رموز الشفرة الوراﺜية : ﺜلاﺜة أزواج من القواعد تكون ¶لاتيا و تحدد حمضا أمينيا واحدا في البروتين. و نال غوبيند خورانا)جامعة ويسكونسين(ومارشال نيرنبورغ )المعاهد الوطنية اﻷمريكية للصحة(جاﺌزة نوبل سنة 1968
1967


اكتشاف أول أنزيم الربط DNA ligase و هو انزيم يوصل جزﺌﻴات DNA بعضها ببعض,و يعد عنصرا أساسيا ضمن اﻷدوات المستعملة في الهندسة الوراﺜية.

1970

اكتشاف أول أنزيم التحدبد ,(restriction enzyme) وهي مادة تقوم بقطع جزﺌﻴات DNA في نقط معينة. وبذلك أصبحت عمليات قطع ووصل شريط DNA قي مختبرات الهندسة الوراية أمرا اعتياديا في كل أرجاء العالم. ومنح كل من ويرنر أربر )جامعة جنيف( و دانيال نانس و هاملتون سميت ) من جامعة جونس هوبكينز(جاﺌزة نوبل مكاف¨ة لهذا الاكتشاف سنة 1978

1973

أتبت هيربرت بوايي و ستانلي كوهين أن DNA الذي قطع و أعيد تأليفه ) تأشيبيه(ينشط عندما يدخل ﺇلى خلية حية"بداية تقنيات الهندسة الوراﺜية

1975

قام كل من فريد سانغير بجامعة كامبريدج و والترجيلبير بجامعة هارفارد بتطوير تفنيات سريعة لسلسلة DNA.وحازا على جازة نوبل سنة 1980

1977

تم عزل أول جين ﺇنساني وهو الجين المسؤول عن تخليق مادة اﻷنسولين ; ويجري حاليا ﺇنتاج اﻷنسولين بواسطة البكتريا اﻷشريكية القولونية E.Coli من خلال تكنولوجيا DNAالمؤشب )معاد التﺎليف(

1978
تم عزل هرمون النمو انساني HGH.
1985


اقترح ريناتو دولبيكو سلسلة مجموع المجين البشري

1987

بدأ المشروع اﻹطالي للمجين البشري

1988

أسست منظمة المجين البشري (HUGO)في كولد سبرينغ هاربر)الولايات المتحدة,(و انضم ﺇليها أزيد من ماﺌة عضو يمتلون العديد من دول العالم.وعقدت المنظمة أول اجتماع لمجلسها في مونترو بسويسرا, في غمرة الحماس العارم لهذا المشروع الضخم المتعلق برسم خريطة المجين البشري و سلسلته بكامله.

1990

انطلق مشروع المجين البشري رسميا في الولايات المتحدة
اﻷمريكية بتمويل يقدر بنحو 3 ملايير من الدولار اﻷمريكي وبجدول زمني يمتد على مدى 15 عاما.و بدأ كذلك المشروع الفرنسي للمجين البشري

1995

بدأ المشروع اﻷلماني للمجين البشري بتمويل سنوي يقدر بنحو 50 مليونا من المارك اﻷلماني

1996

تم التعرف على 85 لى 90% من مجموع الجينات البشرية

يونيو/حزيران2000

تم ﺇنجاز المسودة اﻷولية للخريطة لمجينية البشرية الكاملة بمشاركة منظمة المجين البشري اﻷمريكية و أكسفورد, بريطانيا, ﺇلى جانب 25 مختبرا في مختلف أرجاء العالم)و أعلن المشروع بصورة متزامنة خلال مؤتمر صحفي نقل عبر اﻷفمار اﻹصطناعية في 7/6/2000(

فبراير /شباط 2001

نشر المسودة اولية للمجين البشري في مجلة Nature )15 فبراير /شباط 2001( و مجلة Science )16 فبراير / شباط 2001 (


3.2. أهداف مشروع المجين البشري
إن أقل ما يقال عن إتمام ِرسم خريطة المجين البشري وسَلْسَلته أنه ثورة بيوكيميائة. وعلى غرار قراصنة "سيليكون فالي" اللذين يعكسون هندسة الرقائق الحاسوبية لسرقة أسرار المنافسين، يقوم أخصائيو الهندسة الوراثية بفك الأسرار الجزيئية للحياة ويحاولون استخدام هذه المعرفة لقلب المسار الطبيعي للأمراض. وأصبح DNA في أيديهم "نموذجا" ودواء، إنه مادة صيدلانية تنطوي على قدرة علاجية هائلة، حيث إنها لا تمكن من معالجة الأمراض وأعراضها فحسب، بل تسمح أيضا بعلاج أوجه الخلل في DNA التي تجعل الأفراد عرضة للإصابة بهذه الأمراض. وهذه القدرة على تغيير الجينات أو التصرف فيها (manipulation) قد تؤدي آخرَ الأمر إلى تغيير جميع جوانب حياتنا: ملبَسنا ومأكَلنا، وكيف نحيا ونموت، وطريقة معالجتنا للأمراض، وبوجه عام، كيف ننظر إلى أنفسنا فيما يتصل بمصيرنا وبالكائنات الحية الأخرى والبيئة.
وكان هناك الكثير من الجدل والمعارضة بين قطاع عريض من العلماء والمؤسسات فيما يتعلق بالأموال المرصودة للإنفاق على المشروع. وقد بلغت الميزانية المخصصة في البداية للمشروع ثلاثة مليارات من الدولار الأمريكي. وكان من الحُجَج التي قُدمت خلال هذا الجدل أن هذه الأموال إذا ما أنفقت بحكمة فلن يكون هناك محرومون من المأوى أو العمل في أمريكا. فكيف يمكن إذن تبرير هذه الميزانية الضخمة؟ وفي المقابل، كان هناك علماء آخرون يرون أن هذا المشروع العلمي رخيص الكلفة مقارنة بمشروع مانهاتان للقنبلة النووية الذي كلف 18,5 مليارا من الدولار أو مشروع أبولو، الذي كلف 115,5 مليارا من الدولار، بقيمة الدولار الحالي. غير أنه إذا أردنا إيجاد جواب معقول لتبرير المشروع، فيمكن أن نستعير هذا التشبيه الذي استعمله ستيف جونس (Steve Jones) (1993) : عندما أرسلت الأميرالية الملكية البريطانية السفينة الملكية "بيغل" (Beagle) إلـى جنـوب أمـريكا وعلـى مـتنها شـارل داروين، لم يكـن ذلك بسـبب اهتـمامها بنظـرية النشوء والارتقاء، وهي النظرية المثيرة للجدل والتي نشرها داروين بعد سفره سنة 1859 في كتابه الشهير (The Origin of the Species أصل الأنواع)، والتي تناول فيها تطور الأنواع عن طريق الانتقاء الطبيعي أو وفق مبدأ "الصراع من أجل البقاء والبقاء للأصلح". أما الحكومة البريطانية فكان يهمها شيء واحد وهو ما يلي: كان البريطانيون يعرفون أن الخطوة الأولى لفهم العالم وصولا إلى السيطرة عليه في الأخير هي رسم خريطة له ! وتلك كانت غاية رحلة السفينة الملكية بيغل. وربما كان القصد من مشروع المجين البشري ولا زال هو السعي إلى السيطرة على الجسم الإنساني
ومن الأهداف الأخرى التي يمكن تصنيفها ضمن هذا الباب، ما يلي :

1.3.2. تطوير التكنولوجيات الضرورية لرسم خريطة المجين :
يتألف المجين البشري من 46 صبغيا يمكن أن تُرى بواسطة المجهر الضوئي، وهي طريقة تستعملها عادة مختبرات فحص التكون الخلوي السريري (clinical cytogenic) في كل أنحاء العالم، كما رأينا ذلك في الصورة 1. ويمكن أن يكشف تحليل الصبغيات على هذا المستوى بعض المعلومات مثل متلازمة داون (Downصs syndrome)، حيث نرى ثلاث نسخ للصبغي 21 بدل النسختين الطبيعيتين كما هو موضح في الرسم رقم 3، أو جنس الشخص حيث نرى فيما إذا كان يحمل الصبغيين XY أو XX.

pho3.gif
 
رد: المجين البشري: التعريف و السياق التاريخي

وبالنظر إلى أن سَلْسَلة DNA ستوفر من المعلومات عشرة ملايين ضعف ما يوفره تحليل النمط الصبغي ، (الشيء الذي يمثل تحسنا هائلا حسب كانطور Cantor 2000)، فإن سلسلة المجين البشري بقواعده البالغ عددها ثلاثة ملايير زوج، سوف تشكل كما أريد له إنجازا ضخما. واستعدادا للتعامل مع هذا الكم الهائل من قواعد DNA، قرر القائمون على المشروع منذ مراحله المبكرة الاعتماد على تكنولوجيا دائمة التطور. فتقرر وفقا لهذا النهج العمل خلال السنوات الخمس الأولى للمشروع على تخصيص حجم أكبر من الاستثمارات لتحسين تكنولوجيا رسم الخريطة والسلسلة، التي ستمكن في نهاية المطاف من تخفيض الكلفة، وتقليل الاستثمارات المخصصة لعمليات سلسلة DNA الواسعة النطاق، وهي عمليات باهظة التكلفة.
وفي المرحلة الثانية، أي خلال الخمس سنوات اللاحقة، يتعين إلى حد كبير مواصلة التطورات التقنية الحاصلة خلال المرحلة السابقة ؛ ويتعين الرفع من فعالية طرق البحث وموثوقيتها على الأقل بعشرة أضعاف على ما كانت عليه. ومع نهاية هذه المرحلة، يتوقع أن تكون عملية رسم خريطة المجين قد اكتملت لتبدأ عملية السلسلة. وخلال المرحلة الأخيرة للمشروع، يفترض أن تتم سلسلة ما تبقى من المجين واكتشاف جميع الجينات على الأرجح (Cantor, 2000).
وقد مكن هذا الاستثمار في تكنولوجيا سلسلة DNA "العشوائية" (shotgun)، التي تم تطويرها من قبل Celera Genomics سنة 1998، من فرض المبادرة الممولة من القطاع العام إلى رفع وتيرة عملها، مما مكن من تسريع العملية وخفض المدة الزمنية للمشروع بصفة ملحوظة من 10 سنوات إلى 15 سنة.

2.3.2. تطوير تكنولوجيا البحث المجيني الوظيفي :
لكي ندرس وظيفة جين ما، لا بد أن نقوم بتدمير الجين أو تشويهه ثم نلاحظ النمط الظاهري (phenotype) الناتج عن ذلك، كما حصل من قبلُ مع ذبابة الفاكهة (Drosophila melanogaster)، منذ عقد العشرينيات وما تلاها. غير أن هذا النوع من التجارب لا يمكن إجراؤها على الإنسان، ومن ثم يتعين إجراء التجارب الأولى على حيوانات المختبر، تماما مثلما نجرب عليها الأدوية الجديدة، وذلك لتقييم أثرها قبل الترخيص باستعمالها للعموم. ومن هنا ظهرت الحاجة إلى إيجاد عدد من نماذج المشاريع المجينية لحيوانات التجارب. ذلك أن الدراسات المجينية المقارَنة هي المفتاح لفهم المجين البشري، كما أشار إلى ذلك كرايج فينتر (Craig Venter)، رئيس مؤسسة "سيليرا جينوميكس" Celera Genomics، حين قال : >ستصبح الدراسات المجينية منذ الآن أهم أداة للبحث على الإطلاق< (Withgott, 2001). وقد أنجزت مؤسسة سيليرا جينوميكس سَلْسَلة مجين فأر المختبر المسـمى علـميا Mus Musculus، فـي شـهر فبراير 2001. ومـن شـأن مقـارنة المجين الإنساني ومجين الفئران أن يمهد السبيل لفهم الأسس الجينية للأمراض البشرية. فهناك تشابه قوي بين صبغيات الإنسان وصبغيات الفئران (انظر: Rubin, 1996 and Barsh)، كما يتجلى ذلك من خلال الرسم 4 الآتي :
pho4.gif


لقد تمت حتى الآن سَلْسَلة كاملة للمجين النووي لنحو 40 نوعا أحيائيا، معظمها من البكتيريا. ويوجد ضمن هذه القائمة خمسة كائنات حقيقية النوى (Eukaryotes) غير الإنسان وهي : الفأر وذبابة الفاكهة والدودة الخيطية (nematode) ونبتة الخردل Arabidopsis وخميرة العجين (Withgott, 2001).
وأهمية هذه الدراسة المقارنة أنها ستساعد علي اكتشاف وظيفة 40% من الجينات البشرية التي لا يعرف عنها شيء حتى الآن، كما ستساعد في تأكيد وظيفة جينات أخرى نظن أننا نعرفها ! ويرأس جوزيف نادو (Joseph Nadeau) في مدرسة الطب التابعة لجامعة "كيس ويسترن ريزيرف" في كليفلاند، أهايو، مشروعا يسمى "الاتحاد الدولي المعني بدراسة الطفور عند الفئران". وهدف هذا المشروع هو إحداث طفور في كل جين من جينات الفأر البالغ عددها 30000 أو نحو ذلك، وذلك للتعرف على وظيفتها والوصول في الأخير إلى تطبيق هذه التكنولوجيا لأغراض بشرية. وكان ذلك إيذانا ببدء عهد الجينوميا (الدراسات المجينية) لا بانتهائها، وهو ما عبر عنه فرانسيس كولينس (Francis Collins)، مدير مشروع المجين البشري، بهذا التعبير المجازي :«هناك صف من الكائنات العضوية تُلَوٌِح بأيديها قائلة : «اجعلوني المرشح اللاحق في لائحة السلسلة !». ويضيف : «علينا ونحن نقوم بهذه العملية أن ننظر إلى بعض أجزاء الشجرة التطورية الأقل إشكالا».
ويوضح الجدول التالي عينات من أحجام مجينات بعض الكائنات العضوية النموذجية.
جدول 2 : أحجام مجين بعض الكائنات العضوية النموذجية


الكانات العضوية
حجم المجين )مليون زوج من القواعد(
1
البكتريا اìشريكية القولونية E.Coli
5
2
خميرة العجين
15
3
الدودة الخيطية
100
4
ذبابة الفاكهة(drosophila melanogaster)
180
5
الف¨ر
3000
6
اìنسان
3000

3.3.2. مشروع رسم خريطة وسلسلة الصيغة الأولية للمجين (3 ملايير من الحروف) :
ولقد اكتمل أكثر من 95% من هذا المشروع ونشر في مجلتين من أفضل المجلات العلمية وهما "نايتشر" البريطانية في عددها الصادر في 15/2/2001 و"أميركن ساينس" في عددها الصادر بتاريخ 16/2/2001. ولا تزال هناك بعض الثغرات الواجب ملؤها على طول المجين. و قُدِّر أن قراءة حروف المجين جهرا سوف يتطلب ما لا يقل عن تسع سنوات! ولو دُوِّن المجين على الورق، لَمَلأ حوالي 200 مجلد، كل منها بحجم دليل الهاتف. ويقدر آخرون أن حجم المجين البشري يعادل 134 مجموعة كاملة من الموسوعة البريطانية.

4.3.2. قواعد المعطيات البيولوجية لرصد أي مشروع متعلق بالمجين البشري :
هناك تلات قواعد معطيات (البيانات) مجينية مدعومة من وزارة وزارة الطاقة الأمريكية: قاعدة المعطيات المجينية (GDP)
و قاعدة المعطيات المتعلقة بسلسلة المجين (GSDB) و المركز الوطني للموارد المجينية, تعمل جنبا إلى جنب لتوفر لجميع العلماء فرصة الوصول الى المجين البشري. و الهدف المتوخى هو إنشاء قاعدة معطيات موحدة يرجع إليها العلماء و الباحثون و الاطباء لاستقصاء المعلومات عن أي جين يهمهم.

5.3.2. الهدف النهائي لاكتشاف جميع الجينات البشرية البالغ عددها 30000 إلى 40000 جين :
من الضروري اكتشاف جميع الجينات وتيسير الاستفادة منها للمضي قدما في الدراسات البيولوجية. إن ما نعلمه حاليا لا يكاد يتعدى 60% تقريبا من مجموع المجين. غير أن هذه الجينات المعروفة مازالت بحاجة إلى مزيد من التأكيد لوظائفها. وهناك حوالي 40% من المجين غير معروفة على الإطلاق.

6.3.2. فك ألغاز تفاعلات الحياة :
إن استكشاف مجموع المجين البشري سوف يسهل فهمنا للأسس البيوكيميائية لحواسنا وذاكرتنا ؛ كما سيُمِيط النقاب عن جوانب أخرى مثل نمو الجسم وشيخوخته، وأوجه الشبه والاختلاف.

7.3.2. دراسة التأثيرات الأخلاقية والقانونية والاجتماعية للمجين البشري :
إن المعرفة العميقة لجميع وظائف الجينات سوف تترتب عليها آثار واسعة النطاق بالنسبة للفرد والمجتمع والبيئة على الأصعدة الأخلاقية والقانونية والاجتماعية والدينية.
 
رد: المجين البشري: التعريف و السياق التاريخي

بارك االله فيك اخي على الموضوع
لكن فيه بعض الدراسات تقول راح نتوقع المجرم وهو صغير من جيناته الوراثية وهذا خطاء كبير
فالبنسبة لنا نحن المسلمين ليس دائما صحيح
فيخرج من ظهر النبي او الرسول كافر _مثل ابن سيدنا نوح عليه السلام
ويخرج من ظهر الكافر نبي او رسول _مثل والد سيدنا ابراهيم عليه السلام
 
عودة
أعلى