أجهزة التفجير العشوائية وأساليب التعامل معها

night fury

عضو
إنضم
23 مارس 2008
المشاركات
4,508
التفاعل
1,268 1 0
الدولة
Jordan
أجهزة التفجير العشوائية وأساليب التعامل معها
أجهزة التفجير العشوائية وأساليب التعامل معها


قال وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) أمام الكونجرس: «إن الجزء الأكثر إزعاجاً في عملي هو أنني كل ليلة أذهب إلى بيتي ولديَّ ملاحظات بخط اليد إلى عوائل أولئك الذين يُقتلون أثناء الواجب، وحوالي (70?) منهم تقتله قنابل الطرق»، واعترف قائلاً: «حالما نصل إلى طريقة نحاول أن نحبط بها جهودهم، يجد المتمردون تكنولوجيا ما أو وسيلة جديدة لمواصلة قتالهم».

أجهزة التفجير العشوائية Improvied Explosive Devices: IEDs ــ أو ببساطة القنابل العشوائية المتفجرة على الطرق ــ عبارة عن سلاح بسيط، وصفه الأمريكيون في البداية بأنه أداة العصر الحجري في مواجهة تكنولوجيا القرن الحادي والعشرين، ثم وصفها الرئيس الأمريكي السابق (جورج بوش الابن) بالخطر رقم (1)، الذي يهدد القوات الأمريكية في العراق، وأصبح لهذا السلاح في حَربيِّ العراق وأفغانستان ما كان للرشاش كلاشنكوف في حرب فيتنام، والقنابل الذكية في حرب تحرير الكويت، حيث أثبت أن التكنولوجيات البسيطة تستطيع ــ في ظروف معينة ــ أن تكون نداً حقيقياً للتكنولوجيات المتطورة.

يرجع استخدام تعبير «أجهزة التفجير العشوائية» إلى سبعينيات القرن العشرين، حين استخدم الجيش الجمهوري الإيرلندي (IRA) في الفترة (1969 ــ 1997م)، قنابل مصنوعة من مكونات مهرّبة من ليبيا، مضافاً إليها السماد المستخدم في الزراعة، ثم اعتمد بعد ذلك على قذائف الهاون، وأجهزة التفجير عن بعد. ولكن هذه الأسلحة سبق أن استخدمت في الحرب العالمية الثانية، عندما استخدمها المقاومون في (يبلورسيا) لتعطيل خطوط القطارات الألمانية في الفترة (1943 ـــ 1944م)، حيث أدت إلى خروج عدد كبير من القطارات عن القضبان، واستخدمت أيضاً في فيتنام بواسطة قوات (فيت كونج) ضد المركبات البرية والمائية والأفراد، وذلك باستخدام مكونات الذخائر الأمريكية التي لم تنفجر. وكان نحو (33?) من المصابين، و (82?) من القتلى بين الجنود الأمريكيين في فيتنام نتيجة الألغام وأجهزة التفجير العشوائية.
وخلال فترة الاحتلال السوفيتي لأفغانستان، استخدم المجاهدون الأفغان هذه الأسلحة بمكونات من الذخائر الروسية التي لم تنفجر، نظراً لصعوبة حصولهم على الألغام المضادة للمركبات، ومنذ الغزو الأمريكي لأفغانستان تستخدم قوات طالبان هذه الأسلحة ضد قوات التحالف (ايساف)، والقوات الأفغانية، وعمدت قوات التحالف إلى استخدام الكلاب البوليسية بكثافة لكشف هذه الأسلحة.
وفي لبنان، استخدمت قوات حزب الله هذه الأسلحة بعد الغزو الإسرائيلي للبنان عام 1982م، وعندما انسحبت إسرائيل من معظم لبنان عام 1985م، فإنها احتفظت بقوات في الجنوب، مما دفع حزب الله إلى مهاجمة مركباتها بهذه الأسلحة، حتى تم الانسحاب الإسرائيلي عام 2000م. وفي النزاع اللبناني ـــ الإسرائيلي عام 2006م، تم إصابة دبابة إسرائيلية من طراز (مركافا 2) بأحد هذه الأسلحة، مما أدى إلى مقتل (4) جنود، وكانت هذه أول إصابة لدبابة (مركافا) بهذا السلاح.

والقنابل التي نسفت ثكنات المارينز في بيروت عام 1983م كانت من هذا النوع، وكذا الشاحنة المتفجّرة التي قتلت (168) شخصاً في مدينة (أوكلاهوما) عام 1995م (قُتل في ذلك الهجوم 1680 شخصاً، وأُصيب 500 آخرون)، والأحزمة التي دمّرت القطارات في (مدريد) عام 2004م.

وفي الشيشان، شاع استخدام هذا السلاح ضد القوات الروسية في الحرب الأولى (1994 ـــ 1996م)، وفي الحرب الثانية (1999 ـــ حتى الآن)، واستخدمت قوات (التاميل) هذه الأسلحة في (سريلانكا).

واستخدمت أجهزة التفجير العشوائية بكثافة في العراق ضد قوات التحالف، وكانت مسؤولة عن نحو (40?) من الخسائر بين هذه القوات، وشهد شهر مايو عام 2007م وحده في العراق مقتل (89) من إجمالي (129) قتيلاًً من قوات التحالف بواسطة هذا السلاح، وكانت متفجرات الطريق المسؤول الأول عن معظم القتلى والمصابين الأمريكيين في حرب العراق. وبالرغم من أن الولايات المتحدة أنفقت مبالغ هائلة لتطوير دفاعات ضد هذه الأجهزة البدائية التي يمكن صنعها محلياً ــــ مستخدمة الروبوت، وآلات التشويش، ودروع الآليات، ونحل العسل، وكلاب المطاردة ـــ إلاّ أن عمليات المقاومة بهذا النوع من القنابل استمرت.

من أعمالهم سُلِّط عليهـــم
في عام 1965م، أصدر الجيش الأمريكي كراسة حول طرق صنع وإخفاء الأفخاخ المتفجّرة، تضمّنت خططاً تفصيلية توضّح الوسائل المختلفة لربط جهاز التفجير بالمتفجرات، وتقدّم النصائح حول أفضل المواقع لإخفاء القنابل القاتلة على امتداد الطرق والأماكن الأخرى. وبعد عقدين من الزمن، قدَّم الجيش العراقي لأفراد من قواته نسخة عربية من الكراسة ذاتها، وقد احتوت على النص الأصلي مترجماً والكثير من الرسوم أيضاً. وضمَّنت الكراسة التي صدرت في مارس 1987م وختمت بعبارة (سري)، رسالة من (صدام حسين) تؤكد أهمية التعلّم الدائم.

ويلقى وجود النسخة العراقية الأضواء على الدرجة التي وجدت فيها الأساليب والتقنية العسكرية الأمريكية طريقها إلى جيش (صدام)، علي الرغم من تدهور العلاقات بين الرئيس العراقي السابق وواشنطن في نهاية المطاف. وارتباطاً بقيادة أنصار النظام السابق وأفراد مؤسساته الأمنية بالكثير من أعمال المقاومة في العراق، تجد القوات الأمريكية نفسها في مواجهة عدو مدرب، جزئياً على الأقل، وفق المناهج العسكرية الأمريكية.

والقلق من أن العراقيين ربما يعتمدون على أساليب صنع القنابل الأمريكية، حفَّز المحققين الأمريكيين على مراجعة جميع الكراسات التي ربما كان العراقيون قد حصلوا عليها، ويمكن أن تؤدي تلك المراجعة إلى منفعة للقوات الأمريكية، حيث يجري الكثير من البحث في مجال مجابهة القنابل المزروعة على الطرق.
ويطبِّق العراقيون طرقاً أحدث، خصوصاً في اختيارهم أجهزة التفجير الإلكترونية التي تمكِّنهم من التفجير عن بعد، غير أن (10?) من القنابل المزروعة على الطرق في العراق تستخدم الأساليب الواردة تفاصيلها في الكراسة الأمريكية، ووجود النسخة العراقية لا يثير الدهشة، فقدكان هناك طلاب عراقيون في المدارس العسكرية الأمريكية حتى اندلاع الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967م، وأخذوا الكراسات معهم. وقد أوصى وزير الدفاع الأمريكي بالتحرِّي عن فترة ثمانينيات القرن الماضي، عندما استخدم مقاتلون ـــ ينضوون اليوم إلى صفوف طالبان ـــ أساليب في تصنيع القنابل بمساعدة من وكالة المخابرات الأمريكية CIA لمواجهة الغزو السوفيتي لأفغانستان.

تقنيات أجهزة التفجير العشوائية
يمكن تصنيف أجهزة التفجير العشوائية كألغام متفجرة ذات مستوى تكنولوجي منخفض، وغالباً ما تصنع في المنازل، ويتم إخفاؤها في أجناب الطرق، وتفجيرها بواسطة بوادئ triggers، وتُستخدم متفجرات عسكرية أو مدنية، أما (العبوات المُشكّلة) فهي مواد متفجرة قاتلة، توجّه قذائف مخترقة الدروع.

إن أجهزة التفجير العشوائية هي عادة نوع من الحاويات التي تملأ بالمادة المتفجرة، وهي مصممة لتسبب الدمار العشوائي عندما تبدأ، والعديد من الأدوات المتفجرة لا تدعى قنابل، وهذه الأجهزة لها أربعة أنواع رئيسة:
ـــ أجهزة داخل حاويات.
ــ أجهزة لتفخيخ المركبات.
ـــ أجهزة لتفخيخ الأشخاص الانتحاريين.
ـــ الأجهزة المحمولة على قوارب.
وتشترك كلها في المكوّنات الرئيسة الآتية:
?? مصهر، أو بادئ إشعال.
?? مادة متفجرة في صورة لغم أو ذخيرة غير منفجرة، مثل: قذائف الهاون والمدفعية.
?? المشعل، ويمكن تقسيمه إلى: ميكانيكي، وكهربائي، وكيميائي، ويمكن الجمع بين هذه النظم.
?? مصدر طاقة للتفجير.
?? حاوية لكل هذه المكوّنات.

وتُقسّم أجهزة التفجير إلى فئات، بحسب نوع نظام الفتيل، ونوع المتفجرات، أو المخلوط القابل للاشتعال الذي تحويه. وتُصنع من عناصر لم تنتج بالضرورة بغرض أن تكون مكوّناً في قنبلة، مثل الدوائر الكهربائية التي يمكن أن تستخدم كمكونات لأجهزة تفجير مرتجلة. وأداة التفجير المرتجلة التي يتم التحكُّم بها لاسلكياً، يمكن تفجيرها بعدد من الأجهزة المختلفة، بما فيها أدوات التنبيه في السيارات، وأجراس الأبواب اللاسلكية، وأجهزة المناداة، أو الأشعة تحت الحمراء، أو لعبة أطفال تعمل بالريموت كنترول، أو إشارات أجهزة اللاسلكي (ووكي ــ توكي)، أو حتى بالمرور فوق خرطوم مطاطي يُطلق هواءً مضغوطاً كافياً لتشغيل مفتاح التفجير.
وأداة التفجير قد تضم هاتفاً خلوياً معدّلاً وموصولاً بدائرة إطلاق كهربائية، وتعمل هذه الهواتف في نطاق التردد العالي جداً VHF في خط الرؤية، ويكون استقبال إشارة المناداة أو مضمون رسالة SMS بالهاتف كافياً لتبدأ الدائرة بإطلاق أداة التفجير.

وأجهزة التفجير العشوائية التي تُشعل باستخدام الطاقة الكهربائية، جذّابة للكثيرين من صانعي القنابل، لأنها توفّر مجموعة كبيرة من خيارات التصميم الممكنة، مما يزيد من مجالات استعمال القنابل وقدراتها؛ إلاّ أن تصميم هذا النوع من أجهزة التفجير المرتجلة يتطلب قدراً كبيراً من المعرفة والمهارة.

وبالنسبة لأجهزة التفجير الميكانيكية (غير الكهربائية)، فإنه يمكن الحصول بسهولة على مكوناتها، مما يجعلها جذّابة لمن يشنّون هجمات بالقنابل، ويمكن أحياناً استعمال مكوّنات موجودة في المكان الذي سيُشنّ عليه الهجوم، مثل غلّاية البخار، التي يمكن تخريبها بإقفال فتحتها، مما يؤدي عند تسخين الماء في الغلّاية إلى توليد بخار يؤدي بدوره إلى ارتفاع الضغط داخل الغلّاية. وفي نهاية المطاف، يتخلّف الضغط المتزايد على هيكل الغلّاية ويحدث الانفجار.

أما الأجهزة التي تعمل بإزالة الضغط فتشمل ـــ على سبيل المثال لا الحصر ـــ إزالة ثقل معين لجعل مطرقة تعمل بزمبرك مضغوط، تضرب كبسولة التفجير، أو إزالة ثقل كافٍ للسماح لنقطتي توصيل كهربائي بالتلامس. وتشمل الأجهزة التي تعمل بتحرير الشد، قطع سلك، أو فصل جهاز ميكانيكي يحرر مطرقة تعمل بزمبرك لضرب كبسولة التفجير. وتشمل الأجهزة التي تعمل بالضغط ــــ عـلى سبيل المثال لا الحصر ـــ الضغط بقوة لإحداث الاحتكاك اللازم لإشعال مركب كيميائي، أو لتقريب نقاط اتصال كهربائي حتى التلامس، أو لتحرير مطرقة تصدم كبسولة التفجير.

تكتيكـات الاستخــدام
إن الأمكنة التي توضع فيها أجهزة التفجير العشوائية، وطرق إشعال فتيلها، والمتفجرات التي توظّف فيها، كلها تغيّرت عدة مرات، بحيث لجأت القوات الأمريكية إلى محاولة تطبيق طرق مختلفة لاكتشاف القنابل، أو تعطيلها، أو حماية الجنود أنفسهم من انفجاراتها. ويمكن أن توجد المتفجرات في صناديق القمامة على قارعة الطريق، أو في أكياس الرمل، أو بين أكوام من الصخور، أو مخبّأة في حُفر أو في جثث الحيوانات من الخراف والكلاب.
وطبقاً لمكتب المحاسبة الحكومي الأمريكي ــــ الذي يُعتبر ذراع التحقيقات الدقيقة للكونجرس ــــ فإن الكثير من المواد الخام التي تستخدمها الميليشيات لصناعة هذه الأجهزة هي من قذائف المدفعية والمواد المتفجّرة، التي سرقت من ذخائر الجيش العراقي السابق، التي لم تخطط القوات الأمريكية للتحفظ عليها بعد الغزو مباشرة. وجاء في تقرير للمكتب: «كانت كلفة مخاطر عدم التحفّظ الأمني على مواقع خزن الذخيرة التقليدية عالية جداً بالنسبة للقوات الأمريكية، فقد وفّرت هذه المواد ذخيرة كافية لصناعة القنابل».

وكانت أجهزة التفجير العشوائية في البداية صغيرة الحجم ومستقيمة، وغالباً بحجم (155) ملم أو (152)ملم، وتُخفى في حاجز أو جدار إلى جانب الطريق، بينما يمد المستخدم سلكاً من القنبلة إلى مكان يختبئ فيه، واكتشفت القوات الأمريكية كيف تتحرّى عن وجود هذه القنابل، بتحديد موقع السلك، أو وجود شخص مريب في مكان قريب للقنابل المزروعة.

ويمكن أن توضع أجهزة التفجير داخل وعاء أسطواني مغطى بجسم معدني مخروطي الشكل، بحيث يتحوّل هذا الجسم إلى مقذوف منصهر عند حدوث الانفجار، يصيب المركبة الهدف ويصهر دروعها، وكان الاتجاه بعد ذلك إلى استخدام متفجرات أقوى، تستخدم فيها حاويات قذائف مدفعية متعددة لتعزيز ومضاعفة القوة التدميرية.

ومن التكتيكات التي استُخدمت في العراق بحلول مارس 2004م، استخدم (7) أو (8) حاويات في الصف الواحد، واستُخدمت حيلة التفجير المتكرر، أي أن يكون الكمين متعدد المراحل، بحيث عندما يحدث الانفجار الأول ويصل جنود لمحاولة إنقاذ المصابين، أو تهبط عمودية بموقع الحادث، يتم تفجير جهاز آخر، يكون قد سبق وضعه في الكمين، أو يقوم المقاومون بالهجوم بالمدافع الرشاشة.
ويمكن إيصال أجهزة التفجير المرتجلة إلى أهدافها بعدة طرق، منها: إلقاؤها أو وضعها باليد، وقذفها باستعمال صاروخ أو هاون أو منجنيق، أو إيصالها بواسطة ناقل دون علمه، مثل البريد والسعاة وخدمات النقل المحلية، وفي بعض الأحيان، قد يختفي المستخدم ويقوم بعملية التفجير يدوياً. ويمكن أن توضع مجموعة متفجرات فوق بعضها لزيادة قوة الانفجار.

إن الأمر تطوّر إلى استخدام شاحنات محمّلة بالمواد المتفجرة لتصطدم مباشرة بالهدف. وكان العراقيون يصوّرون أفلام فيديو لنتائج تفجيراتهم ويوزعونها على مواقع الإنترنت لكسب المزيد من التأييد، وخارج العراق كان العالم يعرف أن الأمريكيين معرّضون للخطر.

وقد تحمل أجهزة التفجير في قوارب لمهاجمة السفن والمناطق الشاطئية، ومنها القوارب الانتحارية اليابانية، التي استخدمت في الحرب العالمية الثانية، وكانت محمّلة بالمتفجرات لتصطدم بالسفن الأمريكية، فتغرقها أو تحدث بها إصابات، واستخدمت القوارب الانتحارية أيضاً ضد المدمرة الأمريكية (كول) في اليمن، وضد القوات الأمريكية والبريطانية في العراق. ومؤخراً، ذكرت تقارير أن هذه المتفجرات قد تُستخدم لمواجهة العموديات الأمريكية بعد تطوير نوع جديد من أجهزة التفجير العشوائية، التي يتم تفجيرها فتنطلق إلى ارتفاع (50) قدماً، وتنشر شظايا معدنية تصيب الطائرات التي تطير على ارتفاعات منخفضة، ويمكن أن تستخدم أجهزة التفجير العشوائية المخلوطة بمواد سامة، أو بيولوجية، أو إشعاعية، وإن كان ذلك لم يحدث بعد.

مخاطر أجهزة التفجير العشوائية
عانت القوات الأمريكية كثيراً من القنابل والفخاخ التي تزرع على جانبي الطرق، وتتسبب انفجاراتها ــ التي يتم التحكُّم فيها عن بعد ـــ في إحداث خسائر تصاعدت كثيراً، وشكّلت منعطفاً حاداً في خسائر القوات الأمريكية، سواء في الأفراد أو في المعدات أو في الإمدادات اللوجستية، الأمر الذي يؤدي بطريقة أو بأخرى إلى خفض الروح المعنوية بدرجة كبيرة، وقد أدّت أجهزة التفجير العشوائية والسيارات المفخخة إلى مقتل المئات من العراقيين وإصابة العديد من مواقع الشرطة والأسواق والمساجد.

إن القنابل المزروعة على الطرق تسببت في قتل المئات، وفي جرح عدة آلاف من الجنود الأمريكيين، كما أحرقت وأعطبت العديد من المركبات والشاحنات ـــ بما فيها من إمدادات ووقود ــ الأمر الذي أحدث قدراً كبيراً من الإرباك في خطط التحرك والإمداد اللوجستي، ظهر أثره في الاعتماد على الإمداد الجوي، بما يمثّله من تكلفة باهظة.

إن التحديات التي تواجهها القوات المتحالفة في أفغانستان تختلف عن تلك التي واجهتها في العراق، فبينما تكوّنت القنابل التي واجهتها داخل العراق ــــ في الغالب ــــ من قذائف مدفعية يتم تفجيرها بشكل إلكتروني، فإن تلك التي في أفغانستان تتكون بشكل أساسي من أسمدة، مثل نترات الأمونيوم، التي يتم تفجيرها بواسطة ألغام أخري، ويكون من مهام القوات الأمريكية التحرّي عن نترات الأمونيوم في أفغانستان، والسيطرة على تلك المواد، والقيام بشرائها عند الضرورة، ولقد بحثت القوات الأمريكية بأفغانستان في شأن مصدر قنابل طالبان، ووجدت أنها من صنع محلي، وأنها ليست معقّدة كتلك التي تعرّضوا لها بالعراق.

إن الحال التي عليها الطرقات الأفغانية تختلف أيضاً عن نظيراتها العراقية، ففي أفغانستان تتحول الطرق فجأة من معبّدة إلى ترابية، إلى لا طريق. وقد أشارت تقارير إلى أن القنابل المزروعة على جوانب الطرق في أفغانستان باتت تشكّل الهاجس الأكبر للقوات الأمريكية، في ظل تأكيد وزير الدفاع الأمريكي (روبرت جيتس) على أنها تختلف عما واجهته قواته في الحرب على العراق.

ويعمل (جيتس) على تشكيل وحدة أمريكية خاصة، تتركز مهامها الرئيسة في ميادين القتال بالحرب الأفغانية على التعامل مع القنابل والألغام والمتفجرات التي يفخخ بها مقاتلو حركة طالبان الطرق.
وبعض أجهزة التفجير العشوائية وصلت إلى درجة من القوة، بحيث يمكنها قتل الجنود داخل مركبة (برادلي) القتالية، التي تزن (22) طناً. وفي إحدى الحوادث عام 2004م، بعد أن مرّت إحدى هذه المركبات فوق جهاز تفجير كبير، طار اللوح المعدني المدرع لباطن المركبة إلى مسافة (60) ياردة من موقع الانفجار. وعلى العكس من ذلك، فإن الوحدات المجهزة بمركبات (سترايكر) المدرعة، متوسطة الوزن (19 طناً)، سجّلت عدداً أقل من الإصابات، حيث تستطيع هذه المركبة عندما تسير بسرعة (60) ميلاً في الساعة أن تمر فوق أجهزة التفجير دون أن تُصاب، بينما يمكن لدبابات (أبرامز)، أو مركبات (برادلي) الأبطأ أن تتعرّض للإصابة. وخلاف الفترة من ديسمبر 2003 إلى أكتوبر 2004م، فإن مركبات (سترايكر) في العراق نجحت في تجنّب الإصابة بالمتفجرات العشوائية (56) مرة، وحتى في حالة إصابة المركبة فإن الجنود بداخلها لم يتعرّضوا للإصابة.

الإجراءات المضادة
أنشأت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) ما أسمته (منظومة القضاء على أجهزة التفجير العشوائية المشتركة)، للعمل مع المعامل الوطنية، ووزارة الطاقة، والمتعاقدين، والأكاديميين، وقد حصلت المنظمة على (3،3) بليون دولار لتطوير أساليب لمواجهة الأسلحة البدائية التي تصنعها المقاومة العراقية، وأقامت المنظمة مركزاً للتدريب في (كاليفورنيا) لتقويم الإجراءات المضادة، واختبارها، والتوصية باستخدامها. وشملت التكنولوجيات التي تم اختبارها أجهزة الإعاقة الإلكترونية، والرادار، وأشعة (إكس)، والروبوت الذي يتخلّص من المتفجرات، والمركبات المدرعة المقاومة للانفجارات.

وفي مبادرة تظهر مدى جدية هذا التهديد، اقترحت وزارة الدفاع إنفاق (167) مليون دولار لبناء طرق جديدة مجهّزة في العراق، تتجنّب المراكز المدنية، حيث تتعرّض قوافلهم لأجهزة التفجير العشوائية.

وقد كوّنت أمريكا في إحدى معسكراتها في بغداد ما أسمته (خلية للمواد المتفجرة بصورة مضادة)، وهي عبارة عن مجموعة سرّية، تعمل على بناء قاعدة بيانات عن الحوادث الناتجة عن أجهزة التفجير العشوائية في بحثها عن النماذج ووسائل الدفاع، وانتزاع بيانات تقنية أفضل عن الأجهزة المتفجرة عن طريق الصور الرقمية، وبقايا المتفجرات، وبصمات الأصابع، وعمليات الاستجواب للجنود الذين في الميدان.

لقد بلغ عدد المركبات الأمريكية في العراق نحو (10) آلاف مركبة، ولم تكن مدرعة بما يكفي لمواجهة مخاطر أجهزة التفجير، وتم زيادة تدريعها بألواح إضافية، ولكن ذلك لم يكن كافياً لتحقيق الحماية، ففي أواخر عام 2003م، بينما كانت القوات الأمريكية تستكشف محلات حديد الخردة للعثور على فولاذ لدرع مركبات (همفي) أمرت البنتاجون بإنجاز دروع استثنائية للسيارات، من ضمنها الأبواب الفولاذية شديدة القوة، والألواح الجانبية، وبحلول شهر مارس 2004م، وتحت ضغط الكونجرس، أرسل الجيش الأمريكي (7) آلاف طاقم، والكثير منها وصلت في الشهور اللاحقة.

أجهـــزة الكشـــف
إن أجهزة كشف القنابل المفخخة موجودة عالمياً منذ أواخر سبعينيات القرن العشرين، إلاّ أنه قد أٌعيد اكتشافها، وازدهر استخدامها لظروف الحروب الأخيرة على الساحة، وتطوّر استخدام المتفجرات في الشرق الأوسط وفي حرب العراق. ومحللو أجهزة التفجير العشوائية مهتمون بصورة أساسية بتكتيكات وضعها وإزالتها. وتقوم بعض الشركات بتطوير أجهزة يتم التحكّم بها لاسلكياً ـــ ومنها جهاز الكشف الإلكتروني hawkxdi، لكشف الألغام وأدوات التفجير المرتجلة، والذي يمكِّن من البحث في الفراغات والمناطق التي لا تستطيع المركبات الوصول إليها أو رؤيتها، وتحديد ما إذا كانت المنطقة خالية من أدوات التفجير المرتجلة أم لا. ويُستعمل هذا الجهاز داخل الأبنية، لكن يمكن استعماله لتأمين المركبات، أو الطائرات، أو في العراء. ويكشف الجهاز أدوات التفجير التي تتضمن مكونات إلكترونية، مثل: أجهزة الاستقبال التي يتم التحكم بها من بعد، أو الهواتف الخلوية، أو ساعات التوقيت الإلكترونية، أو أجهزة الاستقبال/الإرسال، أو الصمامات الإلكترونية، أو أجهزة تأخير الانفجار، ويمكن أيضاً نشرالجهاز لكشف الأسلحة المطمورة، والذخيرة والألغام، ومخابئ الأسلحة الخفية. وقد استخدم هذا الجهاز بنجاح إبان العمليات العسكرية في إيرلندا، والعراق، وأفغانستان.

ومن الإجراءات المضادة الأخرى توليد طاقة نبضية قوية لإبطال مفعول أجهزة التفجير، أو حرق، أو تدمير دائرة التفجير، ومن أمثلة ذلك جهاز الراديو لتحييد أجهزة التفجير العشوائية، والذي يولّد طاقة تردد عالي، ذات طول موجي قصير لتحييد جهاز التفجير.

وطوَّر البنتاجون جهازاً يحمل الاسم الكودي (PING)، ويستخدم في العراق، ويركب هذا الجهاز داخل مركبة (همفي)، حيث يرسل موجات كهرومغناطيسية تخترق حوائط المباني لكشف مواقع أجهزة التفجير العشوائية.

ومن المستشعرات الأخرى المستخدمة جهاز الليزر LIBS، لتتبع آثار المتفجرات التي تستخدم في تصنيع أجهزة التفجير العشوائية من مسافة حتى (30) متراً.

ويستخدم الروبوت TALON، للتخلُّص من المفرقعات، وهو مجهز بذراع ميكانيكي لكشف وتحديد موقع أجهزة التفجير العشوائية، ويستخدم في العراق وأفغانستان أكثر من (100) روبوت لهذا الغرض، ويستخدم أيضاً روبوت آخر اسمه PACKBOT، لتطهير الموقع من القنابل وكشف المسلحين المشبوهين، أما مركبات BUFFALO، فتبطل أذرعها الميكانيكية مفعول قنابل الطرقات، حيث يتم إبطال (45?) من القنابل الموضوعة قبل تفجيرها، حسب قول القيادة الأمريكية.

أنظمة التشويش
تعمل أجهزة التحكم في التفجير عن بعد في حيّز التردد العالي HF والعالي جداً VHF، وفوق العالي UHF، وقد تستخدم ترددات الأجهزة الجوّالة، أي أن حيّز التردد المُستخدم يمكن أن يغطي من واحد ميجا سيكل إلى حوالي (2) جيجا سيكل، وهذا الحيّز من الترددات يعتبر عريضاً، فكيف تتم عملية التشويش على أجهزة التفجير العشوائية؟

في جميع الأحوال يكون هناك جهاز إرسال من بعيد، يرسل إشارة إلى مستقبل موجود مع المتفجرات، تنشأ عنها عملية التفجير، فإذا تم التشويش على إشارة أمر التفجير تكون عملية التفجير فاشلة، وطبقاً لذلك، فإن أجهزة التشويش ترسل إشارات تتداخل مع إشارة مرسلات التفجير، وذلك عند مستقبل التفجير.

وأجهزة التشويش تشتمل على مستقبلات تقوم بمسح حيِّز التردد المتوقع استخدامه، وعندما تستقبل في الحيز أي إشارة يتم تحليلها بسرعة وإعاقتها فوراً، إذا أثارت أي شك في كونها إشارة تفجير. وقد يحدث أن تسبب إشارة التشويش تشبعاً تاماً في مستقبلات أجهزة التفجير، فيتم التفجير قبل قدوم الهدف إلى منطقة الانفجار، أو قد تسبب الإشارة نوعاً من الارتباك في العمل، فيتم الانفجار بعد مغادرة الهدف منطقة الانفجار.

وقد وضعت القوات الأمريكية في العراق أجهزة التشويش على المركبات، ومنها: جهاز الإجراءات المضادة لأجهزة التفجير العشوائية، وجهاز WARLOCK، وكلاهما يستخدم موجات الراديو ضعيفة الطاقة لإيقاف عمل الإشارات التي تفجّر أجهزة التفجير، سواء عن طريق الهاتف الخلوي، أو تليفونات الأقمار الاصطناعية، أو أسلاك التليفون الطويلة العادية.

واستخدم الجيش الأمريكي أجهزة تشويش أرضية وجوية حققت بعض النجاح في مقاومة القنابل المزروعة على الطرق. ووفقاً لأرقام الجيش الأمريكي، فإن ما يتراوح بين (30) إلى (40?) من متفجرات الطرق يجري اكتشافها وإبطال مفعولها، وأصبحت أجهزة التفجير متطورة على نحو متزايد، ويجد المتخصصون الأمريكيون سبلاً لمواجهتها.

إن جزءاً كبيراً من حيّز الطيف الكهرومغناطيسي في العراق كان خارج السيطرة والتنظيم، حيث إن ترددات أجهزة الإعاقة الإلكترونية على أجهزة التفجير كانت تتداخل مع ترددات أجهزة الاتصالات العسكرية على الأرض، فإذا استخدم الجندي الأمريكي جهاز الإعاقة، فإنه لا يستطيع في الوقت نفسه استخدام جهاز الاتصالات الذي يحمله، فكان يضطر إلى إغلاق جهاز الإعاقة لتحقيق الاتصال متيحاً بذلك فرصة لأداة التفجير لتستقبل إشارة التفجير، وأدى ذلك أيضاً إلى أن المركبات الجوية غير المأهولة كانت تفقد الاتصال نتيجة التداخل عندما تكون بعيدة عن محطة التوجيه.

الحل الأمثـــل : شراء العقــول
إن الفشل في مواجهة مشكلة تكيُّف الميليشيات في تطوير قنابل الطرق واستخداماتها دفع جنرال أمريكي إلى أن يقترح (شراء العقول) التي تصنع هذه المعدات بالمال، أو بالسلطة، أو بالحياة الأحسن، وقال: «إذا لم نفعل ذلك فلن نربح الحرب». وحسب الجنرال (أنتوني زيني) ـــ الرئيس السابق للقيادة المركزية الأمريكية ـــ فإن المتمردين كانوا يواجهون التكتيكات العسكرية الأمريكية، وقد اختاروا أجهزة التفجير العشوائية كجزء من مواجهتهم تلك. وقال: «إنها الحرب الأولى التي نواجه فيها عدواً يتكيف بشكل أحسن من مستويات التكتيكات التي نتبعها».

واعترف قائلاً: «لقد واجهنا مشكلة هذه الأجهزة منذ اليوم الأول للغزو، فماذا فعلنا لمواجهتها؟ وفي الحقيقة لم نفعل شيئاً للتكيف معها»،، وقال: «إن أفضل مواجهة لها هو أن نصل إلى عقول الرجال الذين يخططون لتطويرها دائماً، إذا كان أحدهم يفعل ذلك من أجل الدولارات يمكن أن نعطيه عملاً أحسن، وإذا كان عمله من أجل أن يتولى منصباً يمكن أن نعده بحياة أفضل،أما إذا قلنا بأننا يجب أن نطوّر تقنياتنا، فإننا لن نربح الحرب» ?
 
عودة
أعلى