رئيس الموساد الجديد
خبير في حقل التكنولوجيا العالية
اعرف عدوك شخصيات
المجد-وكالات
«الحذاء أكبر من كلتا قدميّ»، هكذا عقب تمير باردو على تعيينه رئيسا لجهاز الموساد، وأيده في ذلك كثيرون. لكن هذا لم يقلل من الاستقبال الحماسي لتعيين هذا الرجل بالذات في هذا المنصب. بل لم يسبق أن قوبل تعيين مسؤول على رأس جهاز أمني في دولة الكيان بالحماس والتأييد الذي قوبل به تمير باردو، كرئيس جديد لجهاز المخابرات الخارجية المعروف بالموساد. فقد رحب بالتعيين كل القادة السياسيين والعسكريين والقادة السابقين للموساد وغيره من أجهزة المخابرات الصهيونية. واستقبلته الصحافة بحرارة بالغة، خصوصا أنه قدم من داخل صفوف الجهاز، ولم يفرض عليه من الخارج كما كان يحصل في تعيينات سابقة.
والأمر الأساسي الذي ميز هذا الاستقبال ليس الترحيب بالقائد الجديد بمقدار ما هو التحمس الكبير لضرورة تغيير الرئيس الحالي للموساد، مئير دغان. فمع أن دغان محبوب جدا في إسرائيل، ويعتبر القائد الذي جلبه إلى الموساد صديقه وقائده رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون، فأحدث ثورة فيه ونجح في ترميمه وأخرجه من أزمته، وأعاده جهاز مخابرات ميدانيا «ينفذ العمليات الجريئة وراء خطوط العدو»، فإنه بعد الفشل الذي يصل إلى حد الفضيحة خلال عملية اغتيال محمود المبحوح، لم يعد بالإمكان إبقاؤه.
وكما كتب المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرجمان، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان يريد تمديد فترة دغان بسنة أخرى، بفضل نجاحاته الهائلة. لكنه في أعقاب المأساة التي حصلت في دبي (كشفت شرطة دبي قائمة بأسماء العملاء الذين نفذوا هذه الجريمة)، توصل نتنياهو إلى قناعة بضرورة تنحيته. مع العلم بأن دغان رغب في هذا التمديد جدا بدعوى أنه يريد إكمال مشروعه لتصفية المخطط الإيراني بالتسلح النووي.
وليس من المستبعد أن يكون نتنياهو قد قرر تعيين باردو لرئاسة الموساد منذ فترة طويلة، لكنه أتاح لرئيسه الحالي، دغان، فرصة تنفيذ عملية نوعية كبيرة في الخارج. وقد جاء الإعلان عن التبديل في قيادة الموساد، في نفس اليوم الذي كشف فيه عن اغتيال أحد كبار علماء التسلح النووي وجرح ثان في إيران.
وباردو، حسب معارفه المقربين، هو الامتداد الطبيعي والأفضل لسابقه. ففي حين يعرف دغان بسطوته القيادية وتصرفه الحر لدرجة الانفلات، وتجاوز القيادة السياسية وعدم وضع القانون فوق رأسه، يعرف باردو بالاتزان والمسؤولية واحترام القوانين (الصهيونية المحلية). لكنه من جهة أخرى يعرف بتاريخ ثري باختراقات القوانين في الخارج. فهو الذي تولى مسؤولية قسم العمليات في «الموساد» لسنين طويلة. وهو الذي قاد عملية زرع أجهزة التنصت لرجالات حزب الله في سويسرا وملاحقة نشطاء حزب الله في دول العالم المختلفة. وقد قال عنه وزير الدفاع إيهود باراك إنه نفذ عشرات العمليات السرية في الخارج. ويقال إنه يعرف الكثير من العواصم العربية ككف يده، بفضل تلك العمليات. وبفضل نشاطاته تلك، حصل باردو على ثلاثة أوسمة رفيعة خلال خدمته، لا يسمح بنشر شيء عنها.
أمضى رئيس الموساد الجديد، باردو البالغ من العمر 57 عاما، جل عمره في الخدمة العسكرية والمخابرات. وقد أنهى الخدمة العسكرية الإجبارية والتحق بالجيش النظامي. واختار الوحدة القتالية المختارة «سييرت متكال» (وحدة رئاسة الأركان)، المعروفة بعملياتها العسكرية المغامرة في الخارج. وكان قائده في هذه الوحدة، يوني نتنياهو، شقيق رئيس الحكومة الحالي. وعندما قتل يوني نتنياهو في عملية تحرير الرهائن في الطائرة المخطوفة في عينتيبه (أوغندا)، كان باردو إلى جانبه، وكان أول من قدم له الإسعاف الأولي. ومن هنا، أقام باردو علاقات صداقة مع عائلة نتنياهو مستمرة حتى اليوم.
عندما تحرر باردو من الجيش، التحق على الفور بجهاز الموساد، فعينوه محاربا في الوحدة القتالية التابعة للجهاز والمعروفة باسم «وحدة قيسارية». وقد تخصص في تكنولوجيا المعلومات وكيفية جمعها من أرض العدو بأقل ما يمكن من المخاطرة البشرية وتنفيذ عمليات جريئة بالاستناد إلى تلك المعلومات. ولذلك أرسل إلى الكثير من الدول العربية وإلى دول العالم التي يوجد فيها عرب «مطلوبون». خبرته في العالم العربي أصبحت أمرا معروفا في جميع أجهزة الأمن الصهيونية، فاختاره رئيس قسم العمليات في لواء الشمال، غادي آيزنكوت (الذي أصبح الآن قائدا للواء)، مستشارا له خلال حرب لبنان الثانية. بل أوكل له قيادة عملية اقتحام بعلبك في هذه الحرب سنة 2006.
في سنة 1998، عندما كان نتنياهو رئيسا للوزراء وقام «الموساد» بعملية اغتيال فاشلة لرئيس الدائرة السياسية في حركة «حماس» خالد مشعل، في عمان، عين باردو رئيسا للجنة تحقيق داخلية لفحص أسباب الفشل. وأصدر تقريرا نقديا حادا ضد العملية وطريقة أدائها. وأدى هذا التقرير إلى إقالة أو استقالة عدد من المسؤولين في الجهاز، بمن في ذلك رئيسه داني ياتوم.
تدرج باردو في سلم القيادة في «الموساد» وحصل على كل الرتب القيادية، حتى أصبح لواء. وفي آخر خمس سنوات من خدمته في الجهاز كان نائبا لرئيسه دغان. لكنه قبل سنتين توجه إلى دغان ورئيس الوزراء إيهود أولمرت، طالبا وعدا بتعيينه رئيسا للموساد بعد دغان. لكن دغان رفض ذلك وقال إن باردو رجل موساد ناجح بكل المقاييس لكنه لا يتمتع بالكاريزما والروح القيادية الضرورية لرئيس الموساد. عندها استقال باردو وتوجه إلى عالم الأعمال، وأقام شركة استشارات عامة وعمل في مجال تسويق الخدمات الطبية للمستشفيات الصهيونية.
وقد اختاره نتنياهو لرئاسة الموساد الآن، بعد سلسلة مشاورات مع شخصيات عسكرية وسياسية كثيرة. وحتى دغان غير رأيه فيه ووافق على الاختيار، بعد أن توصل إلى قناعة بأنه من الضروري جلب رئيس من داخل الجهاز. وقال إنه على قناعة بأن باردو سيكمل ما بناه في هذا الجهاز من تقاليد ومستوى عمل ورؤيا استراتيجية طموحة.
كان أول تعليق لرئيس الموساد الجديد، باردو، عند تعيينه أنه يشعر بأن «الحذاء كبير جدا على قدمي»، مما يعني أنه ليس من السهل أن يستطيع ملء الفراغ الذي سيتركه مئير دغان. فقد تمكن دغان خلال ثماني سنوات في قيادة الجهاز من تحقيق ما يعتبره الصهاينة إنجازات كبيرة جدا، مع أن الحكومة لا تعترف رسميا بأن هذه الإنجازات هي عمليات صهيونية. فقد نفذ عدة عمليات جريئة «وراء خطوط العدو»، حسبما ينشر خارج دولة الكيان:
* تدمير البناء الذي تقول دولة الكيان إنه مفاعل نووي تبنيه كوريا الشمالية بمساعدة إيران في دير الزور السورية، بينما يقول السوريون إنه مبنى عادي. وقد لمح نتنياهو، عندما كان رئيسا للمعارضة في زمن حكومة أولمرت، إلى أن دولة الكيان هي التي نفذتها، وأنه شخصيا، كرئيس للمعارضة، علم بها قبل تنفيذها وأيد القيام بها.
* اغتيال عماد مغنية، رئيس الجهاز العسكري لدى حزب الله. وهذه العملية نفت دولة الكيان رسميا تنفيذها، لكن مصادر خارجية لا تقتنع بهذا النفي. وهناك من يرى أن هذا الاغتيال كان تعبيرا عن قدرة دغان على عمل ما لم يستطعه من سبقوه، باختراق حزب الله. فقد كان هذا الحزب عصيا على دولة الكيان طيلة سنوات. وفي حرب لبنان الثانية فاجأ دولة الكيان بقدراته العسكرية وبمدى الدعم الإيراني التكنولوجي واللوجيستي له. واغتيال مغنية وضع حدا لهذا العجز الصهيوني، إذ إن مثل هذا الاغتيال ما كان ليتم بهذه السرعة والنجاح من دون الحصول على معلومات دقيقة من داخل حزب الله ومن داخل سورية.
* اغتيال مستشار الرئيس السوري لشؤون الذرة، اللواء محمد سليمان، وهو في شرفة بيته المطلة على البحر في اللاذقية. وقد امتنعت دولة الكيان عن إعلان مسؤوليتها عن هذه العملية، لكن صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشرت تقريرا نقلا عن مصادر أجنبية تصف فيه بالتفصيل كيفية تنفيذها.
* عدة تفجيرات لا تعرف هوية منفذيها، تمت خلال السنتين الأخيرتين داخل عدة مفاعلات نووية في إيران.
* اغتيال عدد من علماء الذرة الإيرانيين وخطف بعضهم أو تجنيدهم وإقناعهم بالهرب من إيران.
* تنفيذ الكثير من العمليات ذات الحجم الأصغر التي نفذها ولم ينشر عنها. لكنه يحظى باستمرار على الأوسمة والمدائح العلنية من رئيس الدولة شيمعون بيريس، ووزير الدفاع إيهود باراك، ومن نتنياهو على القيام بها.
وفوق هذا كله، تمكن دغان من إعادة ترميم جهاز الموساد، من الناحية التنظيمية والمعنوية. والسؤال المطروح في دولة الكيان هو هل سيكون بمقدور باردو مواصلة السير على طريق دغان، ويملأ مكانه؟ فهنالك جبهات كثيرة يعمل فيها الموساد: إيران، حيث يخططون لمزيد من الضربات من الداخل في المفاعلات النووية وفي صفوف علماء الذرة الإيرانيين.. وحزب الله الذي يعتبر أحد أهم أهداف الموساد القريبة وكيف سيكون رد فعله حاليا على قرار المحكمة بخصوص اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. وسورية أيضا تعتبر هدفا متقدما للصهاينة، حيث إن هذا الجهاز يعتبر سورية عدوا مخادعا ويشكك في نوايا الرئيس بشار الأسد حول الرغبة في السلام، ويدعي أن غرض سورية من تحريك المفاوضات هو تحقيق انفراج في العلاقات مع الولايات المتحدة ومن ثم مع الغرب كله. ولذلك فإن الموساد معني بتجميع المعلومات عن سورية ونشاطاتها في لبنان وفي العراق وتعميق الهوة بينها وبين الولايات المتحدة.
وهناك مهمات أخرى لهذا الجهاز على جبهات أخرى كثيرة في العالم، تحت باب «مكافحة تنظيم القاعدة وغيره من تنظيمات الإرهاب في العالم». وتدخل في هذا الباب دول عدة، بينها دول عربية كثيرة مثل دول الخليج (المبحوح قتل في دبي كما هو معروف) والعراق واليمن والسودان والصومال وتدخل في هذا الباب دول أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا. فتاريخ الموساد يشهد على بصمات له في الكثير من هذه الدول.
وفي عصر الإنترنت وميادين الحرب الإلكترونية، يتميز الموساد بدور كبير. وباردو بالذات، صاحب أول مشاريع تطوير في الموساد لهذه الحرب، يتوقع تطويرها أكثر. وهناك مهمة لا تقل أهمية تتعلق بنوعية العلاقات مع المخابرات الأميركية. فالمعروف أن هناك علاقات وثيقة جدا بين الجهازين. لكن المخابرات الأميركية تواجه أزمة كبيرة حاليا بسبب النشر في «ويكيليكس». وهناك حذر أميركي زائد في التعامل مع أجهزة المخابرات في العالم، بعد هذا النشر. وسيكون على باردو العمل بشق النفس حتى يتجاوز هذا الحذر ويعيد العلاقات إلى سابق عهدها من حيث التعاون والتنسيق.
وعلى الصعيد الداخلي، يرث باردو علاقات متوترة بين الموساد وأجهزة المخابرات الأخرى في دولة الكيان (المخابرات العامة والمخابرات العسكرية ودائرة المعلومات في وزارة الخارجية وغيرها). فالرئيس السابق، مئير دغان، عرف بالفظاظة والاستعلاء. وكان يستخف بزملائه من الأجهزة الأخرى، ولم يكترث لإظهار خلافاته معهم. وعلى سبيل المثال، عندما خرجت المخابرات العسكرية بالاستنتاج أن سورية معنية بصدق في دفع عملية سلام مع دولة الاحتلال، سرب دغان إلى وسائل الإعلام الصهيونية رأيا مغايرا قال فيه إن سورية ليست صادقة، وإنها تتظاهر بهذه الرغبة لكي تكسب ود الولايات المتحدة وتفك عزلتها الدولية. وكان لهذا الرأي تأثير حاسم ضد استئناف المفاوضات مع سورية لسنين طويلة.
«الحذاء أكبر من كلتا قدميّ»، هكذا عقب تمير باردو على تعيينه رئيسا لجهاز الموساد، وأيده في ذلك كثيرون. لكن هذا لم يقلل من الاستقبال الحماسي لتعيين هذا الرجل بالذات في هذا المنصب. بل لم يسبق أن قوبل تعيين مسؤول على رأس جهاز أمني في دولة الكيان بالحماس والتأييد الذي قوبل به تمير باردو، كرئيس جديد لجهاز المخابرات الخارجية المعروف بالموساد. فقد رحب بالتعيين كل القادة السياسيين والعسكريين والقادة السابقين للموساد وغيره من أجهزة المخابرات الصهيونية. واستقبلته الصحافة بحرارة بالغة، خصوصا أنه قدم من داخل صفوف الجهاز، ولم يفرض عليه من الخارج كما كان يحصل في تعيينات سابقة.
والأمر الأساسي الذي ميز هذا الاستقبال ليس الترحيب بالقائد الجديد بمقدار ما هو التحمس الكبير لضرورة تغيير الرئيس الحالي للموساد، مئير دغان. فمع أن دغان محبوب جدا في إسرائيل، ويعتبر القائد الذي جلبه إلى الموساد صديقه وقائده رئيس الوزراء الأسبق آرييل شارون، فأحدث ثورة فيه ونجح في ترميمه وأخرجه من أزمته، وأعاده جهاز مخابرات ميدانيا «ينفذ العمليات الجريئة وراء خطوط العدو»، فإنه بعد الفشل الذي يصل إلى حد الفضيحة خلال عملية اغتيال محمود المبحوح، لم يعد بالإمكان إبقاؤه.
وكما كتب المعلق العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» رونين بيرجمان، فإن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو كان يريد تمديد فترة دغان بسنة أخرى، بفضل نجاحاته الهائلة. لكنه في أعقاب المأساة التي حصلت في دبي (كشفت شرطة دبي قائمة بأسماء العملاء الذين نفذوا هذه الجريمة)، توصل نتنياهو إلى قناعة بضرورة تنحيته. مع العلم بأن دغان رغب في هذا التمديد جدا بدعوى أنه يريد إكمال مشروعه لتصفية المخطط الإيراني بالتسلح النووي.
وليس من المستبعد أن يكون نتنياهو قد قرر تعيين باردو لرئاسة الموساد منذ فترة طويلة، لكنه أتاح لرئيسه الحالي، دغان، فرصة تنفيذ عملية نوعية كبيرة في الخارج. وقد جاء الإعلان عن التبديل في قيادة الموساد، في نفس اليوم الذي كشف فيه عن اغتيال أحد كبار علماء التسلح النووي وجرح ثان في إيران.
وباردو، حسب معارفه المقربين، هو الامتداد الطبيعي والأفضل لسابقه. ففي حين يعرف دغان بسطوته القيادية وتصرفه الحر لدرجة الانفلات، وتجاوز القيادة السياسية وعدم وضع القانون فوق رأسه، يعرف باردو بالاتزان والمسؤولية واحترام القوانين (الصهيونية المحلية). لكنه من جهة أخرى يعرف بتاريخ ثري باختراقات القوانين في الخارج. فهو الذي تولى مسؤولية قسم العمليات في «الموساد» لسنين طويلة. وهو الذي قاد عملية زرع أجهزة التنصت لرجالات حزب الله في سويسرا وملاحقة نشطاء حزب الله في دول العالم المختلفة. وقد قال عنه وزير الدفاع إيهود باراك إنه نفذ عشرات العمليات السرية في الخارج. ويقال إنه يعرف الكثير من العواصم العربية ككف يده، بفضل تلك العمليات. وبفضل نشاطاته تلك، حصل باردو على ثلاثة أوسمة رفيعة خلال خدمته، لا يسمح بنشر شيء عنها.
أمضى رئيس الموساد الجديد، باردو البالغ من العمر 57 عاما، جل عمره في الخدمة العسكرية والمخابرات. وقد أنهى الخدمة العسكرية الإجبارية والتحق بالجيش النظامي. واختار الوحدة القتالية المختارة «سييرت متكال» (وحدة رئاسة الأركان)، المعروفة بعملياتها العسكرية المغامرة في الخارج. وكان قائده في هذه الوحدة، يوني نتنياهو، شقيق رئيس الحكومة الحالي. وعندما قتل يوني نتنياهو في عملية تحرير الرهائن في الطائرة المخطوفة في عينتيبه (أوغندا)، كان باردو إلى جانبه، وكان أول من قدم له الإسعاف الأولي. ومن هنا، أقام باردو علاقات صداقة مع عائلة نتنياهو مستمرة حتى اليوم.
عندما تحرر باردو من الجيش، التحق على الفور بجهاز الموساد، فعينوه محاربا في الوحدة القتالية التابعة للجهاز والمعروفة باسم «وحدة قيسارية». وقد تخصص في تكنولوجيا المعلومات وكيفية جمعها من أرض العدو بأقل ما يمكن من المخاطرة البشرية وتنفيذ عمليات جريئة بالاستناد إلى تلك المعلومات. ولذلك أرسل إلى الكثير من الدول العربية وإلى دول العالم التي يوجد فيها عرب «مطلوبون». خبرته في العالم العربي أصبحت أمرا معروفا في جميع أجهزة الأمن الصهيونية، فاختاره رئيس قسم العمليات في لواء الشمال، غادي آيزنكوت (الذي أصبح الآن قائدا للواء)، مستشارا له خلال حرب لبنان الثانية. بل أوكل له قيادة عملية اقتحام بعلبك في هذه الحرب سنة 2006.
في سنة 1998، عندما كان نتنياهو رئيسا للوزراء وقام «الموساد» بعملية اغتيال فاشلة لرئيس الدائرة السياسية في حركة «حماس» خالد مشعل، في عمان، عين باردو رئيسا للجنة تحقيق داخلية لفحص أسباب الفشل. وأصدر تقريرا نقديا حادا ضد العملية وطريقة أدائها. وأدى هذا التقرير إلى إقالة أو استقالة عدد من المسؤولين في الجهاز، بمن في ذلك رئيسه داني ياتوم.
تدرج باردو في سلم القيادة في «الموساد» وحصل على كل الرتب القيادية، حتى أصبح لواء. وفي آخر خمس سنوات من خدمته في الجهاز كان نائبا لرئيسه دغان. لكنه قبل سنتين توجه إلى دغان ورئيس الوزراء إيهود أولمرت، طالبا وعدا بتعيينه رئيسا للموساد بعد دغان. لكن دغان رفض ذلك وقال إن باردو رجل موساد ناجح بكل المقاييس لكنه لا يتمتع بالكاريزما والروح القيادية الضرورية لرئيس الموساد. عندها استقال باردو وتوجه إلى عالم الأعمال، وأقام شركة استشارات عامة وعمل في مجال تسويق الخدمات الطبية للمستشفيات الصهيونية.
وقد اختاره نتنياهو لرئاسة الموساد الآن، بعد سلسلة مشاورات مع شخصيات عسكرية وسياسية كثيرة. وحتى دغان غير رأيه فيه ووافق على الاختيار، بعد أن توصل إلى قناعة بأنه من الضروري جلب رئيس من داخل الجهاز. وقال إنه على قناعة بأن باردو سيكمل ما بناه في هذا الجهاز من تقاليد ومستوى عمل ورؤيا استراتيجية طموحة.
كان أول تعليق لرئيس الموساد الجديد، باردو، عند تعيينه أنه يشعر بأن «الحذاء كبير جدا على قدمي»، مما يعني أنه ليس من السهل أن يستطيع ملء الفراغ الذي سيتركه مئير دغان. فقد تمكن دغان خلال ثماني سنوات في قيادة الجهاز من تحقيق ما يعتبره الصهاينة إنجازات كبيرة جدا، مع أن الحكومة لا تعترف رسميا بأن هذه الإنجازات هي عمليات صهيونية. فقد نفذ عدة عمليات جريئة «وراء خطوط العدو»، حسبما ينشر خارج دولة الكيان:
* تدمير البناء الذي تقول دولة الكيان إنه مفاعل نووي تبنيه كوريا الشمالية بمساعدة إيران في دير الزور السورية، بينما يقول السوريون إنه مبنى عادي. وقد لمح نتنياهو، عندما كان رئيسا للمعارضة في زمن حكومة أولمرت، إلى أن دولة الكيان هي التي نفذتها، وأنه شخصيا، كرئيس للمعارضة، علم بها قبل تنفيذها وأيد القيام بها.
* اغتيال عماد مغنية، رئيس الجهاز العسكري لدى حزب الله. وهذه العملية نفت دولة الكيان رسميا تنفيذها، لكن مصادر خارجية لا تقتنع بهذا النفي. وهناك من يرى أن هذا الاغتيال كان تعبيرا عن قدرة دغان على عمل ما لم يستطعه من سبقوه، باختراق حزب الله. فقد كان هذا الحزب عصيا على دولة الكيان طيلة سنوات. وفي حرب لبنان الثانية فاجأ دولة الكيان بقدراته العسكرية وبمدى الدعم الإيراني التكنولوجي واللوجيستي له. واغتيال مغنية وضع حدا لهذا العجز الصهيوني، إذ إن مثل هذا الاغتيال ما كان ليتم بهذه السرعة والنجاح من دون الحصول على معلومات دقيقة من داخل حزب الله ومن داخل سورية.
* اغتيال مستشار الرئيس السوري لشؤون الذرة، اللواء محمد سليمان، وهو في شرفة بيته المطلة على البحر في اللاذقية. وقد امتنعت دولة الكيان عن إعلان مسؤوليتها عن هذه العملية، لكن صحيفة «يديعوت أحرونوت» نشرت تقريرا نقلا عن مصادر أجنبية تصف فيه بالتفصيل كيفية تنفيذها.
* عدة تفجيرات لا تعرف هوية منفذيها، تمت خلال السنتين الأخيرتين داخل عدة مفاعلات نووية في إيران.
* اغتيال عدد من علماء الذرة الإيرانيين وخطف بعضهم أو تجنيدهم وإقناعهم بالهرب من إيران.
* تنفيذ الكثير من العمليات ذات الحجم الأصغر التي نفذها ولم ينشر عنها. لكنه يحظى باستمرار على الأوسمة والمدائح العلنية من رئيس الدولة شيمعون بيريس، ووزير الدفاع إيهود باراك، ومن نتنياهو على القيام بها.
وفوق هذا كله، تمكن دغان من إعادة ترميم جهاز الموساد، من الناحية التنظيمية والمعنوية. والسؤال المطروح في دولة الكيان هو هل سيكون بمقدور باردو مواصلة السير على طريق دغان، ويملأ مكانه؟ فهنالك جبهات كثيرة يعمل فيها الموساد: إيران، حيث يخططون لمزيد من الضربات من الداخل في المفاعلات النووية وفي صفوف علماء الذرة الإيرانيين.. وحزب الله الذي يعتبر أحد أهم أهداف الموساد القريبة وكيف سيكون رد فعله حاليا على قرار المحكمة بخصوص اغتيال الرئيس رفيق الحريري.. وسورية أيضا تعتبر هدفا متقدما للصهاينة، حيث إن هذا الجهاز يعتبر سورية عدوا مخادعا ويشكك في نوايا الرئيس بشار الأسد حول الرغبة في السلام، ويدعي أن غرض سورية من تحريك المفاوضات هو تحقيق انفراج في العلاقات مع الولايات المتحدة ومن ثم مع الغرب كله. ولذلك فإن الموساد معني بتجميع المعلومات عن سورية ونشاطاتها في لبنان وفي العراق وتعميق الهوة بينها وبين الولايات المتحدة.
وهناك مهمات أخرى لهذا الجهاز على جبهات أخرى كثيرة في العالم، تحت باب «مكافحة تنظيم القاعدة وغيره من تنظيمات الإرهاب في العالم». وتدخل في هذا الباب دول عدة، بينها دول عربية كثيرة مثل دول الخليج (المبحوح قتل في دبي كما هو معروف) والعراق واليمن والسودان والصومال وتدخل في هذا الباب دول أوروبا وآسيا وأميركا اللاتينية وأفريقيا. فتاريخ الموساد يشهد على بصمات له في الكثير من هذه الدول.
وفي عصر الإنترنت وميادين الحرب الإلكترونية، يتميز الموساد بدور كبير. وباردو بالذات، صاحب أول مشاريع تطوير في الموساد لهذه الحرب، يتوقع تطويرها أكثر. وهناك مهمة لا تقل أهمية تتعلق بنوعية العلاقات مع المخابرات الأميركية. فالمعروف أن هناك علاقات وثيقة جدا بين الجهازين. لكن المخابرات الأميركية تواجه أزمة كبيرة حاليا بسبب النشر في «ويكيليكس». وهناك حذر أميركي زائد في التعامل مع أجهزة المخابرات في العالم، بعد هذا النشر. وسيكون على باردو العمل بشق النفس حتى يتجاوز هذا الحذر ويعيد العلاقات إلى سابق عهدها من حيث التعاون والتنسيق.
وعلى الصعيد الداخلي، يرث باردو علاقات متوترة بين الموساد وأجهزة المخابرات الأخرى في دولة الكيان (المخابرات العامة والمخابرات العسكرية ودائرة المعلومات في وزارة الخارجية وغيرها). فالرئيس السابق، مئير دغان، عرف بالفظاظة والاستعلاء. وكان يستخف بزملائه من الأجهزة الأخرى، ولم يكترث لإظهار خلافاته معهم. وعلى سبيل المثال، عندما خرجت المخابرات العسكرية بالاستنتاج أن سورية معنية بصدق في دفع عملية سلام مع دولة الاحتلال، سرب دغان إلى وسائل الإعلام الصهيونية رأيا مغايرا قال فيه إن سورية ليست صادقة، وإنها تتظاهر بهذه الرغبة لكي تكسب ود الولايات المتحدة وتفك عزلتها الدولية. وكان لهذا الرأي تأثير حاسم ضد استئناف المفاوضات مع سورية لسنين طويلة.