«الشرق الأوسط» تنشر قراءة موسعة في كتاب رئيس الاستخبارات الإسرائيلية السابق «بالأحابيل تصنع لك حرباً» (1 من 3
تنشر «الشرق الأوسط»، على ثلاث حلقات، قراءة مطولة في كتاب المدير السابق لجهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد)، يوسي كوهين. يحمل الكتاب عنوان «بالأحابيل تصنع لك حرباً» بنسخته الصادرة باللغة العبرية، فيما اسم الكتاب باللغة الإنجليزية مختلف: «سيف الحرية: إسرائيل الموساد والحرب السرية».
«قبل بضعة شهور، كنت عائداً من رحلة عمل في نيويورك، وكالعادة تأخر إقلاع الطائرة». يضيف يوسي كوهين، رئيس الموساد السابق، في كتابه الذي صدر في نهاية سبتمبر (أيلول) الماضي: «في ردهة الانتظار، كنت أجلس بجانب بروفسور مرموق من جامعة إسرائيلية معروفة (في الفصل الأخير من الكتاب يؤكد أنها جامعة حيفا). نحن نعرف بعضنا بعضاً من الاسم؛ لكننا نلتقي للمرة الأولى، فدار بيننا حوار ثقافي سياسي جميل. لكنه حرص على أن يقول لي إنني (جنرال يميني)، مضيفاً: (نحن نختلف بعضنا عن بعض. أنت يميني جداً وأنا يساري جداً. إنني مؤيد للسلام، مؤيد للتعايش اليهودي العربي. كثير من طلابي عرب). رحت أشرح له: (أنا يميني ليبرالي. لكنني أولاً يهودي مؤمن، وإسرائيلي وطني، وصهيوني مخلص، لكنني ديمقراطي بحق. أنا لا أكره العرب، ولا حتى من يكرهونني. لكنني مستعد لأن أقطع رأس من يريد أن يقضي على دولتي وكياني. وفي الوقت ذاته أنا معجب بنيلسون مانديلا ومارتن لوثر كينغ والمهاتما غاندي). وهكذا ظللنا نتناقش حتى قال لي: (يوسي. أنت يجب أن تكون رئيساً للحكومة)، فأجبته: (وهل تأتي معي؟). فضحك وقال: (لا طبعاً. ستقتلني زوجتي)».
قبل ذلك بنحو 30 صفحة، يروي كوهين قصة أخرى عن عمله كان يخبر بها زوجته، آية، مؤكداً أنها عبرت اختبار جهاز الأمن الصعب الذي يصنّفها على أنها كاتمة أسرار، ولذلك فإنها تصلح لتكون زوجة ضابط في الموساد. يقول: «كان تعليقها كما يلي: يوسي أنت يجب أن تصبح رئيساً للموساد».
الكتاب
بالطبع، صار كوهين رئيساً لهذا الجهاز، الذي يُعدّ من أهم أجهزة الأمن الإسرائيلية. وفي الحرب الأخيرة مع إيران وحلفائها في المنطقة، تم الكشف عن نجاحه في زرع خلايا كبيرة من العملاء على الأرض الإيرانية. نفّذ هؤلاء العملاء عمليات دقيقة، وجمعوا معلومات دسمة عن المشروع النووي الإيراني وعن قيادات الحرس الثوري، وهي عمليات رفعت من شأن كوهين وجعلت منه اسماً لامعاً، خصوصاً في أروقة أجهزة الأمن الغربية.
بعد صدور الكتاب، سارع محللون إلى القول إنه جاء ليكون بمثابة بساط أحمر يريد كوهين أن يفرشه أمامه في طريقه إلى منصب رئيس الوزراء. قد يكون هذا طموحاً شرعياً، وقد يكون تعبيراً عن نرجسية عالية، لكن الأكيد أنه يأتي في وقت تعاني فيه الدولة العبرية من أزمة قيادة حادة.
كانت كل كلمة في الكتاب تصب في هدف إبراز مزايا كوهين وخصاله، في حال أراد أن يلعب دوراً سياسياً في المستقبل. فعندما يتحدث عن سيرته الذاتية، يُبرز ماضيه كابنٍ للصهيونية الدينية، فيكسب بذلك اليمين، ويُبرز قيم التضحية لخدمة الوطن ليكسب بذلك الوسط الإسرائيلي واليسار، ويُبرز المغامرات الكبيرة والخطيرة التي قام بها ليكسب الشباب، ويتحدث عن العمليات الناجحة للموساد حتى تكون نداً للإخفاقات التي وقعت فيها إسرائيل في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، عندما وقع هجوم «حماس» المباغت الذي احتل فيه مقاتلوها 11 موقعاً عسكرياً و22 قرية وقتلوا مئات الإسرائيليين.
في كل فصول الكتاب، يتحدث كوهين عن حاجة إسرائيل إلى قيادة جديدة تتمتع بصفات قيادية تتغلب فيها المصلحة الوطنية على الذاتية، ويتجلى فيها القائد الجديد في تحقيق مهمة مقدسة؛ هي توحيد صفوف الشعب والقضاء على روح الفرقة والعداء الداخلي. يتخذ كوهين من قصص «الموساد»، جهاز المخابرات الإسرائيلية الخارجية، نموذجاً يُثبت فيه أنه هو بالذات القائد الذي يصلح لإسرائيل؛ فيتحدث عن صفاته بوصفه رجلاً قوياً يتحكم بمرؤوسيه، وصاحبَ أفكار جهنمية خلاقة، وإنساناً قديراً على تفعيل شبكة واسعة من العملاء من بعيد، وإنساناً مضحّياً يجنّد إلى جانبه أناساً مضحّين مقله. يُبرز نفسه بوصفه شخصاً لا يخشى المغامرات ولا الصدامات، وبوصفه شخصاً يستطيع ترويض أناس حتى في صفوف العدو.
يروي كوهين أنه في ذات مرة، قال له الرئيس الأميركي، دونالد ترمب، في البيت الأبيض: «كيف حال أقوى رجل في الشرق الأوسط؟». ثم يروي عن لقائه بالرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، واصفاً إياه بـ«الزميل»، باعتبار أن كليهما قادم من أجهزة المخابرات. يقتبس كوهين من رؤساء للمخابرات الأميركية ممن عمل معهم، أنهم يعدّونه «أكبر وطني إسرائيلي، وأكبر صديق لأميركا».
يروي كوهين في الكتاب، قائلاً: «زوجتي تقول إنني منذ البداية وضعت هدفاً لأن أكون قائداً للموساد، لكنني لا أتذكر أنني قلت هذا. بيد أنني في قرارة نفسي أردت أن أكون قائداً، بل أن أكون قائداً لكل القادة». يقول إنه يستلهم الروح القيادية من ثلاث شخصيات سياسية في التاريخ الإسرائيلي؛ ديفيد بن غوريون، مؤسس الدولة الذي ينتمي إلى الليبرالية الاشتراكية، وزئيف جابوتنسكي ومناحيم بيغن، مؤسسي اليمين الصهيوني، ومن شخصية أمنية هي مئير دجان، الرئيس الأسبق للموساد. ويقصد كوهين بذلك وحدة الحركة الصهيونية بطرفيها؛ الاشتراكي الليبرالي واليميني الصهيوني، ومعهم جنرال أمن. وتبدو هذه رسالة تحاكي الشغف اليهودي اليوم في إسرائيل، إذ إن الناس ملّوا الخلافات والصراعات ويطالبون السياسيين بتوحيد صفوفهم.
ويقول كوهين إن الجنرال دجان أثّر عليه بشكل خارق. ويوضح أن من أهم المبادئ التي علّمه إياها: «يجب ضرب عدوك بمشرط الجرّاح. وظيفة أجهزة الأمن أن تعمل كل ما في وسعها لكي تؤجل الحرب المقبلة، لأطول وقت ممكن، لكن من خلال استغلال الوقت لاستخدام الوسائل السرية بشكل موضعي».
https://aawsat.com/شؤون-إقليمية/521...0RIG_IMA5GbPBBF7r8_aem_39R8fTOwzkbx05YKXP_eeA

