أمريكا تمول الغزو بـ 100 مليون دولار وحكومة البشير تعتم علي الخبر - جيش أسياس أفورقي سبق وساند الجيش الشعبي لتحرير السودان بدعم من إسرائيل
حيث تم إبرام اتفاق بين أمريكا والحكومة الإريترية تقوم بموجبه الأولي بتقديم الدعم الفني والعسكري المتمثل في الدبابات والراجمات والمدافع والصواريخ مع دعم مالي للقوات الإريترية قدره مائة مليون دولار علي أن تقوم حكومة أفورقي بدور محوري في منطقة القرن الأفريقي وشرق إفريقيا وتلزم نفسها بمحاربة ما يسمي بالإرهاب وتحفيض منابعه.
وقد تلقيت معلومات من نفس الإخوة منذ أيام قليلة أفادت بأن المخطط بالهجوم العسكري قد بدأ تنفيذه بالفعل حيث تتحرك معسكرات جيش النظام الإريتري في عمق الأراضي السودانية باتجاه خور بركة وسلسلة جبال عريرب، وفي الأسبوع الماضي مدت قوات هذا الجيش تواجدها إلي منطقة جمبكتا التي كانت تنقب فيها مجموعات من الرشايدة السودانيين عن الذهب ودخلت معهم القوات المعتدية في مناوشات بالأسلحة واستولت منهم علي أربع من السيارات ماركة تويوتا وفرت من المنطقة وبها عدد من الجرحي، وتمددت مجموعة أخري من القوة الغازية نحو خور بركة في مواجهة نقطة دولا بباي وخلصت المعلومات إلي أن القوات الإريترية مازالت في المواقع التي احتلتها داخل الأراضي السودانية.
ولم تقف الحكومة السودانية مكتوفة الأيدي أمام الغزو الإريتري لكنها لم تلجأ إلي الخيار العسكري بل ارتكنت إلي الخيارات السياسية والدبلوماسية وتحاشت تصعيد الموقف بل تعمدت فرض التعتيم الإعلامي علي ما يحدث منذ الثالث والعشرين من أكتوبر الماضي داخل حدود السودان المتاخمة لإريتريا، والظن عندها أن ذلك السلوك هو السبيل العملي التاتج لإقناع اسمرا وحاكمها الديكتاتور للتخلي عن دور العميل المفضوح للكيان الصهيوني من جهة والتخلص من ارتباطاته المشبوهة مع تنظيم القاعدة الإرهابي من الجهة المقابلة، ولكن هذا الظن هو ظن الطيبين المتجذر في أعماق الشعب السوداني، وكان نتاجه أن استمرأ أسياس أفورقي سماحة الحكومة السودانية وواصل حتي الآن دفع أعداد ملحوظة من حرس الحدود الإريترية لدعم ومساندة قواته العسكرية في المناطق التي احتلتها من شرق السودان، بل أكثر من ذلك منذ فشلت حتي الآن كل الحوارات الدبلوماسية التي شارك فيها مسئولون كبار ومجموعة من الخبراء العسكريين من السودان وجرت بينهم وبين الوفد الإريتري بقيادة رئيس المخابرات العسكرية الإريترية وإلي جانبه عدد من الخبراء العسكريين وسفير إريتريا السابق في الخرطوم عيسي أحمد عيسي الذي كان قبل انتقاله للعمل الدبلوماسي نائبا لرئيس المخابرات الإريترية. وما يثبت أن نتائج المفاوضات كانت سالبة أن القوات لاتزال متمركزة في المواقع التي احتلتها.
وما تجب الإشارة إليه أن هذه الجريمة العسكرية في حق السودان أرضاً وشعباً ليست الأولي التي يرتكبها أسياس أفورقي فقد سبقتها مناوشات عدة بدأت بدعم الجيش الشعبي لتحرير السودان في تمرده علي السلطة المركزية. ثم كان من أبرزها العدوان العسكري علي مناطق في شرق السودان أيضا، وافتعاله الحرب في همشكوريب التي بدأت بشق الخنادق وحفر آبار المياه وحشد الأعداد الكبيرة من قواته المسلحة في ذات الوقت الذي قامت فيه طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بطلعات متتالية علي تلك المنطقة ومناطق جنوب طوكر، وتم فيها نصب قواعد للعمليات الجوية كجزء من الدعم والإسناد الذي تلعبه إسرائيل والتي تمركزت قواتها في ذلك الحين في جنوب غرب إريتريا مع الحدود السودانية، وهو نفس السيناريو الذي يتم تنفيذه حالياً.
الغريب في الأمر، والحال هكذا، أن العالم كله علي يقين من أن إريتريا أفورقي هي أكثر المناطق لخلق النزاعات في منطقة شرق إفريقيا والقرن الإفريقي بالرغم من أنها في حاجة ملحة لمرحلة مستطيلة من الهدوء للبناء والتنمية بعد عقود طويلة قضتها في حرب التحرير التي استقرت فيها علي إثيوبيا وخرجت منها دولة مستقلة ذات سيادة، إلا أن الأمر لم يسر علي هذا النسق المرغوب فيه بل كانت النزاعات التي تخلقها هي السمة الرئيسية لنظام الحكم الديكتاتوري القائم في أسمرا الذي تخضع أفعاله لأمزجة الحاكم بأمره وظروفه الطارئة ومن ثم لم تكن جزءاً من تفكير استراتيجي ومصالح ثابتة للوطن والشعب وكان تنفيذ هذه الأفعال متمثلاً في التحكم في شئونه بالقوة العسكرية المتمثلة في الجيش الإريتري الذي ورث قوته وقدراته من المعارك التي خاضها طوال حرب التحرير ضد إثيوبيا التي تجاوزت الثلاثين عاماً، وزاد الوضع تعقيداً دخول الكيان الصهيوني علي الخط ووقوفه بقوة إلي جانب إريتريا في صراعاتها المسلحة سواء كان ذلك في الحروب الإريترية الإثيوبية التي اندلعت إثر النزاع الذي تفجر حول الحدود بين إريتريا وإثيوبيا أو عدوانها المتكرر واختراقاتها المسلحة للأراضي السودانية أو حتي في عمليات ضرب المعارضين لحكومة أفورقي التي ترفض اللجوء للديمقراطية كأساس للحكم وسيادة الدستور وإلزام نفسها باحترام وحماية حقوق الإنسان وساعدت في تصفيتهم والقضاء علي منابع تواجدهم علي مرأي ومسمع من دول الغرب والولايات المتحدة الأمريكية التي مازالت حتي الآن ساكتة عن الحق بحسبانها الشيطان الأخرس صاحب المصلحة في إبقاء الأحوال علي ما هي عليه.
ومن المؤكد أن دخول إسرائيل إلي جانب أفورقي وجبروته لم يأت اعتباطاً بل كان لهدفين رئيسيين أولهما استغلال الموقع الجغرافي لإريتريا عند منابع النيل مما يساعدها علي الضغط بشكل صريح علي السودان ومصر لتنال مبتغاها في حصة من مياه هذا النهر وثاني الهدفين أن إريتريا تقع في المنطقة التي تطل علي مضيق باب المندب ذلك الممر الاستراتيجي التي تتطلع تل أبيب للسيطرة عليه.
الخشية الآن من توغل القوات الأفورقية داخل الأراضي السودانية وارتفاع حرارة الأعداد لفصل جنوب السودان عن بقية الوطن من أن تتدخل القوات الإسرائيلية إلي جانب تلك القوات لتسهيل عملية الانفصال من خلال فتح جبهة عسكرية ساخنة في شرق السودان تعوق تيسير حكومة السودان بخيار الوحدة يساعدها علي ذلك وجود خبراء واستراتيجيين صهاينة في مناطق متميزة من جنوب السودان مع تمركزهم أيضاً في أوغندا التي تعد الأعلي صوتاً في الدفاع عن حق مواطني جنوب السودان في الاستقلال وبناء وتطوير دولتهم المقبلة.
وهنا من الواجب التأكيد علي أن هناك نتائج سيئة لانفصال جنوب السودان وفق المخطط الإسرائيلي الأوغندي والتي دخلت فيه بصورة فجة هذا الأسبوع كينيا التي أوفدت عشرين برلمانيا للقيام بالدعاية اللازمة بين مواطني الجنوب لتدفعهم للتصويت إلي جانب الانفصال، ومن أهم تلك النتائج أن القرن الإفريقي هو المرشح الأول للصراع الدولي الجديد الذي سيعين علي تنمية النزاعات بين دول الحدود المتجاورة في هذه المنطقة وستتولي إسرائيل تغذية أوار هذه النزاعات وفق استراتيجيتها التي تهدف لتقوية أواصر الأقليات العرقية وتحريكها لخدمة أهداف هذه الاستراتيجية التي سوف يدعمها الغرب الأوروبي بالتضامن والتنسيق مع أمريكا ومن هنا يمكن وصف الكيان الصهيوني، الذي هو في الأصل كيان استعماري استثماري، بأنه «مقاول مصالح الغرب» وأحد أنصار أسياس أفورقي.
في مقابل العلاقات الأفورقية الإسرائيلية فإن هناك رابطة قوية ظهرت مؤخراً بوضوح بين أسياس أفورقي وتنظيم القاعدة تمثلت في تنفيذ مخططات هذا التنظيم في المنطقة الممتدة من جيبوتي الواقعة في الجنوب الشرقي من إريتريا، التي تعرضت لمحاولات أفورقي لقلب نظام الحكم فيها، ثم الصومال التي يدعم فيها الحاكم الإريتري القوات المتحاربة مع حكومة الشيخ شريف شيخ أحمد رغم الخلاف الديني والعقيدي بينهما، ومن بعد ذلك عبر خليج عدن وفي اتجاه الشرق في جنوب الجمهورية العربية اليمنية وبهذا يصبح أفورقي «مقاول مصالح القاعدة» في المنطقة.
بعد هذا كله، بل قبله يثور السؤال: كيف نشأت العلاقة بين أسياس أفورقي وإسرائيل؟
ـ الإجابة عن السؤال تفيد بأن هذه العلاقة لم تبدأ بعد وصوله إلي حكم إريتريا، وإنما تعود إلي وقت باكر، عندما بلغت الثورة الإريترية ذروتها في مطلع سبعينيات القرن الماضي، وفي وقت كان أفورقي عضواً في قوات التحرير الشعبية التي كان المناضل الشهيد عثمان صالح سيبي، حيث انسلخ منها بعد اتصالات مكثفة دارت بينه وبين مجموعة من الموساد التي كانت متواجدة في إثيوبيا في إطار علاقات وثيقة تواصلت بين امبراطورها الراحل هيلاسلاسي والكيان الصهيوني. وقد نجحت تلك المجموعة في إقناع أفورقي بالانسلاخ عن الفصيل الثوري الذي كان عضوا به بعد إثارة كوامن نفسه ـ المزدحمة بكراهيته لكل ما هو عربي وإسلامي ـ بأن ذلك الفصيل وإن كان يسهم في الثورة ويدعو للاستقلال إلا أنه مدعوم بصورة واضحة من الدول العربية، فإذا أصبح الاستقلال حقيقة واقعة وأن العروبة ستكون الهوية الساطعة لإريتريا، وأن ذلك سوف يؤدي إلي تهميش الجماعات التي تكره هذه النتيجة، والتي ستحول أفرادها إلي مواطنين من الدرجة الثانية عقيديا ولغويا وانتماءً. تعمقت هذه الدعوة في نسيج أفورقي الفكري والعاطفي فلم يكتف بالمروق من فصيلته، بل سارع إلي تشكيل فصيل جديد تحت مسمي الجبهة الشعبية لتحرير إريتريا وأخذ يستقطب الدعم له من إسرائيل وبعض الدول الغربية مما ساعده علي الدخول في معارك ضارية مع فصائل الثورة الإريترية الأخري التي كانت الدول العربية تؤازرها وتساندها في تلك الفترة التي شهدت تعاظم ثورة التحرر في القارة الإفريقية منذ الاستعمار الأوروبي الذي نهب ثرواتها واسترق شعوبها لأكثر من قرنين من الزمان. وقد راح ضحية تلك المعارك، وبسبب العجرفة الذاتية والكراهية المستهجنة، أعداد كبيرة من أبناء إريتريا الذين ما خرجوا من ديارهم وهجروا نعم الحياة إلا لتحقيق هدف الاستقلال والتحرر من الاستعمار وكان مصيرهم أن يغتال السواد الأعظم منهم بيد فرق اغتيال اغتيال أفورقي وقواته العسكرية، وانتشرت البقية الباقية حتي اليوم في المنافي ما بين السويد واستراليا وهولندا وكندا وأمريكا بعد أن استولي علي الحكم أسياس أفورقي وحرمهم من المشاركة في بناء الوطن والدولة.
كانت هذه بداية طريق أفورقي للعمل كوكيل بالعمولة مرة وبالأجر مرات لدي الكيان الصهيوني وهنا قد يسأل سائل عن علاقة السببية بين اندفاع إسرائيل إلي هذه الدولة الوليدة وابتياعها أفورقي ودعمه في مواقفه من دول الجوار واختلاق الصراعات معها.
لقد سبقت الإشارة لبعض أهداف إسرائيل، وهنا يتم الانتقال إلي تفاصيل أخري.
تقع إريتريا في الشمال الشرقي من قارة إفريقيا علي الساحل الغربي للبحر الأحمر الموازي لشبه الجزيرة العربية ويحدها السودان من الغرب والشمال وإثيوبيا من الجنوب وجيبوتي من الجنوب الشرقي والبحر الأحمر من الشمال الشرقي علي امتداد ألف كيلومتر من الشريط الساحلي. وتضم إريتريا 126 جزيرة أكبرها مجموعة جزر «دهلك» إضافة إلي ميناءي مصوع وعصب.
إن هذا الموقع الذي تحتله إريتريا علي ساحل البحر الأحمر ومدخل باب المندب جعلها ذات ثقل استراتيجيي في الأمن الإقليمي لاعتبارات عدة يلخصها أساتذة الجغرافيا السياسية فيما يلي:
1ـ تربط إريتريا بين أقرب وأقصر طرق الملاحة بين المحيط الهندي والبحر المتوسط مما يشكل حلقة وصل بين القارات الثلاث الكبري «إفريقيا وآسيا وأوروبا».
2ـ القرب المكافئ من مناطق إنتاج البترول في الخليج العربي، وكذلك دول شرق إفريقيا.
3ـ القرب من المناطق المقدسة في شبه الجزيرة العربية.
4ـ تشكل الجزر الإريترية نقاط ارتكاز وتحكم للقوي العسكرية في الصراع الإقليمي والدولي في المنطقة وقد ثبت ذلك ـ ومازال ـ إذا استعرضنا الوجود الإسرائيلي في إريتريا والمكثف في تلك الجزر هذا من ناحية. ومن الناحية الأخري فإن أمريكا عندما كانت تعد العدة لضرب العراق عقدت اتفاقية أمنية مع أفورقي استخدمت بموجبها هذه الجزر وما جاورها في انفاذها الغزوة البربرية التي شنتها علي العراق وكان الثمن سكوت أمريكا علي سلوكيات حاكم إريتري وصراعاته المسلحة مع إريتريا وتوغله في الأراضي السودانية وارتباطاته الواضحة مع تنظيم القاعدة رغم مطالبتها أفورقي علي استيحاء بمساندتها في حربها علي ما يسمي الإرهاب وهو ما لم يستجب لها، بل زاد الطين بلة دعم القراصنة البحريين علي شواطئ الصومال.
5ـ تشكل إريتريا عمقاً استراتيجياً مهما لكل الدول المطلة علي البحر الأحمر باعتبارها البوابة الجنوبية.
6ـ تشكل إريتريا منذ الأزمنة القديمة حلقة اتصال تجاري وحضاري بين إفريقيا وشبه الجزيرة العربية.
http://www.elfagr.org/Portal_NewsDetails.aspx?nwsId=3957&secid=51