سلاح النساء التجسسي (3)
بطلة الموساد التي حولت بيتها للتجسس على المنطقة
المجد-
بالنسبة إلى مراجع الاستخبارات الصهيونية تعتبر شولاميت حالا استثنائية... وإلى حد ما «بطلة قومية»! وهذا، على الأقل، ما كانت تقوله هي نفسها لاحقا حين تقاعدت وصارت مجرد بائعة للعنائق والمجوهرات المزيفة في القدس... وصارت تحب أن تحكي حكايتها لمن يحب سماعها.
بالنسبة إلى مراجع الاستخبارات الصهيونية تعتبر شولاميت حالا استثنائية... وإلى حد ما «بطلة قومية»! وهذا، على الأقل، ما كانت تقوله هي نفسها لاحقا حين تقاعدت وصارت مجرد بائعة للعنائق والمجوهرات المزيفة في القدس... وصارت تحب أن تحكي حكايتها لمن يحب سماعها.
وحكاية شولاميت مثيرة، بعض الشيء على أية حال، حتى وإن كان ليس ثمة ما يبرر حقا اعتبارها «حكاية استثنائية».
ولدت شولاميت في بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين، من أب يهودي دمشقي الأصل وأم ولدت في القدس. وحين صارت في السادسة عشرة، زوّجها والدها من يهودي بيروتي الأصل يكبرها بعشرين سنة، انتقلت معه إلى بيروت وهناك عجز عن أن يوفر لها السعادة، كان معها ستة صبيان وبنتا راحت تربيهم بكل اجتهاد وتفانٍ. وهي عاشت في تلك السنوات منطوية على نفسها دائمة الحزن والتأمل «ثم اندلعت الحرب وأعلن تأسيس دولة الكيان، فاستبد بي حماس كبير». وأمام حماسها هذا، راحت تتحدث عن ضرورة مبارحة لبنان والانتقال إلى الإقامة في فلسطين وقد أضحت إسرائيل. غير أن معارضة زوجها لهذا كانت كبيرة فأذعنت له... لكنها في الوقت نفسه عقدت عزمها على أن تكرس ما تبقي من حياتها لـ «خدمة الوطن القومي اليهودي الجديد» على رغم أنف زوجها.
في ذلك الحين كانت بيروت تعتبر وكر التجسس والمؤامرات في طول الشرق الأوسط وعرضه. وكان العملاء والجواسيس يملأونها ذارعين شوارعها صاخبين في باراتها. وكان من بين هؤلاء عملاء يشتغلون لحساب «الهاغاناه» اليهودية. وإذ تعرفت شولاميت على بعضهم وأبدت رغبتها في تقديم كل عون ممكن إلى قضيتهم، كان سرورهم كبيرا.
آلة طاحنة
وهكذا تحول بيت آل كوهين، خلال أسابيع قليلة إلى مركز تجسس يضج بالحركة. وصار قبو البيت مستودعا للسلاح. أما الجدران فصارت مخبأ لأجهزة بث راحت شولاميت تستخدمها يوميا مرسلة كل ما يتوافر لها ولجماعتها من معلومات: معلومات عن الجمهورية العربية المتحدة التي كانت قامت بين مصر وسورية، معلومات عن المخططات الخاصة بالثوار المزمع القيام بها في دولة الكيان الصهيوني، معلومات عن العرب واللاجئين العرب في لبنان وعن الانقلابات. ولسنا في حاجة إلى القول هنا إن جمع مثل هذه المعلومات كان أمرا شديد السهولة في بيروت تلك الأيام.
والمدهش أن شولاميت ظلت قادرة على الالتزام بالقيام بما أخذت على نفسها القيام به، طوال 15 سنة. وهي طوال تلك السنوات ظلت قادرة على توزيع وقتها بين واجباتها الأسرية و«واجبتها القومية» كما تقول، من دون أن ينكشف أمرها أو تتعب. بل إن الشبكة التي كانت هي قطبها المحرك وسعت أشغالها لتشمل سورية إلى جانب لبنان.
لكن مقتلها كان هنا.
ففي ذلك الحين كان السوريون أكثر وعيا من اللبنانيين بكثير. وهكذا قيض لهم أن يدركوا ذات يوم حقيقتها، حين كانت في زيارة «عمل» لدمشق. وأسرعوا ليقبضوا عليها، لكنها تمكنت من أن تفلت من قبضتهم مختفية وسط أزقة دمشق العتيقة، داخلة بابا سريا لمنزل أسرة يهودية ومن هناك منتقلة مباشرة إلى المطار في طائرة أوصلتها إلى قبرص.
وهناك بعد استراحة قصيرة عادت إلى بيروت.
لكنها في بيروت وقعت في كمين نصب لها عند الرابعة والنصف من صباح أحد أيام شهر أغسطس/ آب 1961. إذ في تلك الساعة وصل إلى المنطقة التي تقيم فيها ثلاثون جنديا لبنانيا طوقوا منزلها. وإذ أدركت شولاميت استحالة الهرب هذه المرة، استسلمت ونقلت إلى حيث استمر التحقيق معها ستة وعشرين شهرا بالتمام والكمال.
وكان من الممكن لها أن تستمر على تلك الحال إلى الأبد، سجينة في لبنان، لولا أن اندلاع حرب العام 1967 وفر لها إمكان أن يتم تبادلها مع أسرى عرب.
وهكذا تحقق حلم شولاميت: وصلت إلى دولة الكيان الزائلة أخيرا، وفي جعبتها حكاياتها الكثيرة. ولكن في مقدمة ذلك سرورها باللقب الذي أطلقه عليها النائب العام اللبناني خلال محاكمتها إذ سماها: «ماتا هاري الشرق الأوسط».
ولدت شولاميت في بوينس آيرس، عاصمة الأرجنتين، من أب يهودي دمشقي الأصل وأم ولدت في القدس. وحين صارت في السادسة عشرة، زوّجها والدها من يهودي بيروتي الأصل يكبرها بعشرين سنة، انتقلت معه إلى بيروت وهناك عجز عن أن يوفر لها السعادة، كان معها ستة صبيان وبنتا راحت تربيهم بكل اجتهاد وتفانٍ. وهي عاشت في تلك السنوات منطوية على نفسها دائمة الحزن والتأمل «ثم اندلعت الحرب وأعلن تأسيس دولة الكيان، فاستبد بي حماس كبير». وأمام حماسها هذا، راحت تتحدث عن ضرورة مبارحة لبنان والانتقال إلى الإقامة في فلسطين وقد أضحت إسرائيل. غير أن معارضة زوجها لهذا كانت كبيرة فأذعنت له... لكنها في الوقت نفسه عقدت عزمها على أن تكرس ما تبقي من حياتها لـ «خدمة الوطن القومي اليهودي الجديد» على رغم أنف زوجها.
في ذلك الحين كانت بيروت تعتبر وكر التجسس والمؤامرات في طول الشرق الأوسط وعرضه. وكان العملاء والجواسيس يملأونها ذارعين شوارعها صاخبين في باراتها. وكان من بين هؤلاء عملاء يشتغلون لحساب «الهاغاناه» اليهودية. وإذ تعرفت شولاميت على بعضهم وأبدت رغبتها في تقديم كل عون ممكن إلى قضيتهم، كان سرورهم كبيرا.
آلة طاحنة
وهكذا تحول بيت آل كوهين، خلال أسابيع قليلة إلى مركز تجسس يضج بالحركة. وصار قبو البيت مستودعا للسلاح. أما الجدران فصارت مخبأ لأجهزة بث راحت شولاميت تستخدمها يوميا مرسلة كل ما يتوافر لها ولجماعتها من معلومات: معلومات عن الجمهورية العربية المتحدة التي كانت قامت بين مصر وسورية، معلومات عن المخططات الخاصة بالثوار المزمع القيام بها في دولة الكيان الصهيوني، معلومات عن العرب واللاجئين العرب في لبنان وعن الانقلابات. ولسنا في حاجة إلى القول هنا إن جمع مثل هذه المعلومات كان أمرا شديد السهولة في بيروت تلك الأيام.
والمدهش أن شولاميت ظلت قادرة على الالتزام بالقيام بما أخذت على نفسها القيام به، طوال 15 سنة. وهي طوال تلك السنوات ظلت قادرة على توزيع وقتها بين واجباتها الأسرية و«واجبتها القومية» كما تقول، من دون أن ينكشف أمرها أو تتعب. بل إن الشبكة التي كانت هي قطبها المحرك وسعت أشغالها لتشمل سورية إلى جانب لبنان.
لكن مقتلها كان هنا.
ففي ذلك الحين كان السوريون أكثر وعيا من اللبنانيين بكثير. وهكذا قيض لهم أن يدركوا ذات يوم حقيقتها، حين كانت في زيارة «عمل» لدمشق. وأسرعوا ليقبضوا عليها، لكنها تمكنت من أن تفلت من قبضتهم مختفية وسط أزقة دمشق العتيقة، داخلة بابا سريا لمنزل أسرة يهودية ومن هناك منتقلة مباشرة إلى المطار في طائرة أوصلتها إلى قبرص.
وهناك بعد استراحة قصيرة عادت إلى بيروت.
لكنها في بيروت وقعت في كمين نصب لها عند الرابعة والنصف من صباح أحد أيام شهر أغسطس/ آب 1961. إذ في تلك الساعة وصل إلى المنطقة التي تقيم فيها ثلاثون جنديا لبنانيا طوقوا منزلها. وإذ أدركت شولاميت استحالة الهرب هذه المرة، استسلمت ونقلت إلى حيث استمر التحقيق معها ستة وعشرين شهرا بالتمام والكمال.
وكان من الممكن لها أن تستمر على تلك الحال إلى الأبد، سجينة في لبنان، لولا أن اندلاع حرب العام 1967 وفر لها إمكان أن يتم تبادلها مع أسرى عرب.
وهكذا تحقق حلم شولاميت: وصلت إلى دولة الكيان الزائلة أخيرا، وفي جعبتها حكاياتها الكثيرة. ولكن في مقدمة ذلك سرورها باللقب الذي أطلقه عليها النائب العام اللبناني خلال محاكمتها إذ سماها: «ماتا هاري الشرق الأوسط».
أما اليوم فإنها تبتسم حين تُسأل عن ماضيها وعما إذا كانت تعتبر نفسها «ماتا هاري الشرق الأوسط» حقا وتقول: ربما... لكن هذا لا يمنعني من أن أطرح على نفسي أسئلتي المقلقة: هل فعلا كنت بطلة... أم مجرد برغي صغير في آلة طاحنة كبيرة؟
لقراءة المزيد عن جاسوسة الموساد "كوهين"