عز الدين القسام .. العالم المجاهد
محمد سيد بركة
8 - 3 - 2008
عز الدين العام عَلَم من أعلام حياتنا المعاصرة، وصورة مشرقة متجددة لما كان عليه السلف الصالح .. فلقد أعاد لعقيدة مواطنيه الصفاء والنقاء، بعد أن رانت عليها بعض السُّحُب، وأحيا في أفئدتهم فريضة الجهاد، بعد أن ماتت عندهم أو كادت تموت. يعتبر القسام الرمز الأول للتيار الإسلامي الجهادي في فلسطين؛ نظرًا لطبيعته الشخصية، ولتجربته الفنية؛ ولأنه شكَّل أحد أهم التنظيمات الجهادية الرئيسية، ليس في فلسطين وحدها، وإنما في العالم العربي والإسلامي، ولأنه أول مَن فجَّر الثورة في فلسطين، وتغير مسار الحركة الوطنية الفلسطينية إثر استشهاده إلى العمل العسكري الجاد ومواجهة السلطات، ثم إن التنظيم الذي خلَّفه القسام كان له الأثر الأكبر في الثورة الفلسطينية الكبرى.
مولده ونشأته:
ولد عز الدين بن عبد القادر القسام في قرية «جبلة» التابعة لحاضرة اللاذقية في سوريا عام 1882م.نشأ القسام نشأة إسلامية محافظة على تعاليم الإسلام وآدابه، فحفظ كتاب الله، وتضلع من حديث رسول الله، وأخذ علوم العقيدة والفقه والعربية عن كبار العلماء، ولقد بلغ من علو همته وبُعد مطامحه أن ولَّى وجهه شطر مصر؛ طلبًا للعلم، حيث التحق بالأزهر، وتتلمذ فيه وتخرج على أيدي علمائه.
شخصية القسام:
عُرِفَ القسام بإيمانه القوي بالله -سبحانه وتعالى- وبإخلاصه، وكان عالمًا فاضلاً، وشيخًا جليل القدر، كما عُرِفَ بتقواه وورعه وتدينه وصلاحه، وكانت له سيرته المحمودة في التقى والصدق وحب الوطن، وقد اعتُبر في علمه من العلماء المجتهدين، وكان سلفي العقيدة، بعيدًا عن التقليد، محاربًا لإغراقات المتصوفة، ولم يأل القسام جهدًا في محاربة البدع المنتشرة بين الناس، كما هاجم الملل المنحرفة مثل القاديانية والبهائية، كان للقسام شخصية جريئة شجاعة، لا تخاف في الله لومة لائم، ولا تعرف المهادنة على حساب الإسلام وتعاليمه، وكان لا يخشى ولا يهاب أن يدعو للجهاد والتضحية لإنقاذ الوطن، رغم سلطة الانتداب الرهيبة البريطانية، ورغم النفوذ الصهيوني وأطماعه وأحقاده.
حربه ضد الفرنسيين:
لما انهارت الدولة العثمانية، واحتل الفرنسيون لبنان، والخط الساحلي الملحق وعلى رأسه مدينة جبلة نهض عز الدين القسام المقاومة الجيش الفرنسي الغازي، فبادر إلى جمع الأموال، وبدأ بنفسه قبل أن يسأل الناس فباع أملاكه كلها، ووضع أثمانها في هذا السبيل؛ حيث اشترى الأسلحة والذخائر للشباب والشيوخ وقادهم بنفسه .. ولقد خاض مع الفرنسيين معارك ضارية، وكبَّدهم كثيرًا من الخسائر في الأموال والأنفس.
إقامته في فلسطين وجهاده ضد العدو:
ولى القسام وجهه شطر فلسطين بعد سقوط الحكم الفيصلي في سوريا في أواخر عام 1920م ونزل في مدينة حيفا، وما كاد يستقر فيها حتى أخذ يُلقي خطب الجمعة على المنابر، ويعقد الدروس والمواعظ في المساجد فمالت إليه جماهير الناس وتعلقت به، وقد اهتم اهتمامًا خاصًّا بالعمال المكدودين والفلاحين الذين طردهم اليهود من الأرض التي كانوا يعملون فيها، وذلك بعد أن اشتروها بأبخس الأثمان. فأخذ يوثق علاقاته بهم؛ حيث يزورهم في مساكنهم النائية، ويبحث لمريضهم عن طبيب يداويه، ولمضطرهم عن معونة تكفيه، ولعاطلهم عن عمل يقوم بأوده. ولما تعمقت صلته بنفر مختار منهم جعل يؤكد لهم بأن حياة المسلم تقوم على الاتصال بكتاب الله، فهو ربيع قلبه ونور عينيه، وأن هذه الصلة لا تتحقق إلا بتعليم القراءة والكتابة، ثم جعل القرآن الكريم مصدرهم الأول لتحقيق هذه الغاية، وطفق يختار لهم من سوره ما يسهل عليهم حفظه وفهمه، ثم يرتقي بهم درجة إثر درجة . فإذا تمكن طلابه من القراءة والكتابة علَّمهم سورة الجهاد، وحضهم عليه وأخبرهم بأن المسلمين كانوا إذا لاقوا عدوهم قرءوها، فتقوى عزائمهم وتطمئن قلوبهم، ويتذوقون السكنية ويُحرزون النصر. كان القسام دائمًا يجهر على المنبر في دروسه الدينية بتذكير الناس بأن الجهاد فريضة عليهم، وأنه لا مفر من محاربة الإنجليز وأعوانهم، وكان يطلب من الناس جهرًا شراء السلاح والتدريب عليه، وبشكل عام فإن القسام كان أكثر الشيوخ والعلماء تطرقًا لضرورة الجهاد، ومنع اليهود من تحقيق أحلامهم على أرض فلسطين. وقد حصل مرة أن طُلب منه على المنبر من المصلين أن يقاوموا العدو فوقف أحد المصلين، وسأل بماذا تقاوم العدو ونحن لا نملك شيئًا؟! ويقول عربي البدوي – أحد أصحاب القسام – سُمِعَ القسام وهو يهدر على المنبر وكان السيف يلازمه في كل خطبه: «رأيت شبانًا يحملون المكانس لكنس الشوارع، هؤلاء مدعوون لحمل البنادق، ورأيت شبانًا يحملون فرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعوون لحمل المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب». وكان القسام – رحمه الله – يرى أولوية الجهاد مقدمة على كل الأمور في الظرف الذي يعيشه الشعب تحت وطأة الانتداب البريطاني والتغلغل اليهودي، ولذلك برى أن إعداد الشعب للجهاد وتسليمه لخوض المعركة أفضل وأحق من تشييد المساجد والمباني وتزينها. لقد سعي القسام إلى تكريس معاني الجهاد بحيث تُحفر في القلوب، وتسكن في أعماقها، فأصبحت أقواله الداعية للجهاد تترد على كل لسان مثل:«الجهاد رفيقه الحرمان» و«المجاهد رائد قومه، والرائد لا يكذب أهله»، بالإضافة إلى آيات وأحاديث الجهاد. استخدم القسام أسلوبًا تحريضيًّا شديد الوقع على النفوس حتى تصحو، وتنطلق في ميادين الجهاد ففي إحدى خطبه عام 1927م حذَّر من التساهل مع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ودعا لاستقبال هؤلاء – الذين تحميهم عربات الجيش البريطاني – كعدو ، لا كمهاجر أو ضيف، ثم خاطب المصلين مستثيرًا حماستهم: ألا تخجلون أن تكون لحية الكلب أطهر من لحاكم في يوم الأيام عند الله؟!وفي أواخر عام 1934م سأل المصلين جهارًا: هل أنتم مؤمنون؟! ثم أجاب هو: لا أعتقد وسكت قليلاً، فسرت صيحة وهمهمة، والأنظار كلها مشدودة نحوه تواقة لسماع تفسيره، ثم تابع قائلاً: لأنه لو كنتم مؤمنين لكانت عندكم عزة المؤمن فإذا خرجتم من هذا المسجد، وناداكم جندي بريطاني فستهرولون نحوه». ومع اقترب وقت إعلان الثروة كانت جرأته ودعوته للجهاد تزداد يومًا بعد يوم، ففي يوم 12 فبراير 1935م خطب القسام في المصلين قائلاً: «ما أنتم إلا شعب من أرانب تخافون الموت والشنق، منشغلين بالأقوال الفارغة، اعرفوا أن خلاصنا في أيدينا».
القسام وتنظيمه الجهادي:
لم يكن ليغيب عن بال الشيخ عز الدين القسام الذين عُرف بعلمه وإخلاصه وشجاعته وخبرته الجهادية – أهمية العمل المنظم في مواجهه الأعداء الذين يتميزون بكثرة العدد والعُدة والعتاد، وبالخبرة والتخطيط، كما لم يكن ليغيب عن باله خطورة المخططات اليهودية، ونفوذ اليهود القوي في العالم، وما يتميز به اليهود من حيث ومكر وحقد على الإسلام والمسلمين. كما أدراك القسام بعمق أن الموجات الشعبية العاطفية التي اجتاحت فلسطين وخصوصًا في عامي 1920و1921م هي موجات عابرة لن تضع حدًّا للعدوان الحاقد المنظم على فلسطين .. وأصبح واضحًا في ذهنه أن الزعامة السياسية الفلسطينية ليست على مستوى قيادة المعركة ضد البريطانيين واليهود. وهكذا قرار القسام أن يؤسس حركة جهادية تستمد فهمها من الإسلام، وتتبنى منهجه في العمل وتتبنى الجهاد طريقًا وحيدًا لتحرير فلسطين، وبدأ القسام عملية بناء تنظيم جهادي اعتُبر فيما بعد أخطر منظمة جهادية، وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، بل تاريخ الجهاد الإسلامي الحديث، وأول تنظيم إسلامي معاصر جادّ .. ولقد خاض القسام المعارك بنفسه، وكان يحبب الجهاد والاستشهاد في نفوس إخوانه وهو يردد: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، يا رفاقي موتوا شهداء». وبينما هو يخوض إحدى المعارك إذ برصاصة محشوة بالبغض والعدوان تخترق صدره العامر بالإيمان فخر صريعًا مضرجا بدمائه في يوم 20 نوفمبر 193م.وحسْب القسام سعادةً في الدارين أنه مضى إلى ربه راضيًا، وأنه خلَّف وراءه آلافًا من المجاهدين ظلوا يقاتلون عدو الله وعدهم بضع سنين، وكانوا بداية الجهاد الحقيقي الصادر لأعداء الله على أرض فلسطين في عصر الحديث
محمد سيد بركة
8 - 3 - 2008
عز الدين العام عَلَم من أعلام حياتنا المعاصرة، وصورة مشرقة متجددة لما كان عليه السلف الصالح .. فلقد أعاد لعقيدة مواطنيه الصفاء والنقاء، بعد أن رانت عليها بعض السُّحُب، وأحيا في أفئدتهم فريضة الجهاد، بعد أن ماتت عندهم أو كادت تموت. يعتبر القسام الرمز الأول للتيار الإسلامي الجهادي في فلسطين؛ نظرًا لطبيعته الشخصية، ولتجربته الفنية؛ ولأنه شكَّل أحد أهم التنظيمات الجهادية الرئيسية، ليس في فلسطين وحدها، وإنما في العالم العربي والإسلامي، ولأنه أول مَن فجَّر الثورة في فلسطين، وتغير مسار الحركة الوطنية الفلسطينية إثر استشهاده إلى العمل العسكري الجاد ومواجهة السلطات، ثم إن التنظيم الذي خلَّفه القسام كان له الأثر الأكبر في الثورة الفلسطينية الكبرى.
مولده ونشأته:
ولد عز الدين بن عبد القادر القسام في قرية «جبلة» التابعة لحاضرة اللاذقية في سوريا عام 1882م.نشأ القسام نشأة إسلامية محافظة على تعاليم الإسلام وآدابه، فحفظ كتاب الله، وتضلع من حديث رسول الله، وأخذ علوم العقيدة والفقه والعربية عن كبار العلماء، ولقد بلغ من علو همته وبُعد مطامحه أن ولَّى وجهه شطر مصر؛ طلبًا للعلم، حيث التحق بالأزهر، وتتلمذ فيه وتخرج على أيدي علمائه.
شخصية القسام:
عُرِفَ القسام بإيمانه القوي بالله -سبحانه وتعالى- وبإخلاصه، وكان عالمًا فاضلاً، وشيخًا جليل القدر، كما عُرِفَ بتقواه وورعه وتدينه وصلاحه، وكانت له سيرته المحمودة في التقى والصدق وحب الوطن، وقد اعتُبر في علمه من العلماء المجتهدين، وكان سلفي العقيدة، بعيدًا عن التقليد، محاربًا لإغراقات المتصوفة، ولم يأل القسام جهدًا في محاربة البدع المنتشرة بين الناس، كما هاجم الملل المنحرفة مثل القاديانية والبهائية، كان للقسام شخصية جريئة شجاعة، لا تخاف في الله لومة لائم، ولا تعرف المهادنة على حساب الإسلام وتعاليمه، وكان لا يخشى ولا يهاب أن يدعو للجهاد والتضحية لإنقاذ الوطن، رغم سلطة الانتداب الرهيبة البريطانية، ورغم النفوذ الصهيوني وأطماعه وأحقاده.
حربه ضد الفرنسيين:
لما انهارت الدولة العثمانية، واحتل الفرنسيون لبنان، والخط الساحلي الملحق وعلى رأسه مدينة جبلة نهض عز الدين القسام المقاومة الجيش الفرنسي الغازي، فبادر إلى جمع الأموال، وبدأ بنفسه قبل أن يسأل الناس فباع أملاكه كلها، ووضع أثمانها في هذا السبيل؛ حيث اشترى الأسلحة والذخائر للشباب والشيوخ وقادهم بنفسه .. ولقد خاض مع الفرنسيين معارك ضارية، وكبَّدهم كثيرًا من الخسائر في الأموال والأنفس.
إقامته في فلسطين وجهاده ضد العدو:
ولى القسام وجهه شطر فلسطين بعد سقوط الحكم الفيصلي في سوريا في أواخر عام 1920م ونزل في مدينة حيفا، وما كاد يستقر فيها حتى أخذ يُلقي خطب الجمعة على المنابر، ويعقد الدروس والمواعظ في المساجد فمالت إليه جماهير الناس وتعلقت به، وقد اهتم اهتمامًا خاصًّا بالعمال المكدودين والفلاحين الذين طردهم اليهود من الأرض التي كانوا يعملون فيها، وذلك بعد أن اشتروها بأبخس الأثمان. فأخذ يوثق علاقاته بهم؛ حيث يزورهم في مساكنهم النائية، ويبحث لمريضهم عن طبيب يداويه، ولمضطرهم عن معونة تكفيه، ولعاطلهم عن عمل يقوم بأوده. ولما تعمقت صلته بنفر مختار منهم جعل يؤكد لهم بأن حياة المسلم تقوم على الاتصال بكتاب الله، فهو ربيع قلبه ونور عينيه، وأن هذه الصلة لا تتحقق إلا بتعليم القراءة والكتابة، ثم جعل القرآن الكريم مصدرهم الأول لتحقيق هذه الغاية، وطفق يختار لهم من سوره ما يسهل عليهم حفظه وفهمه، ثم يرتقي بهم درجة إثر درجة . فإذا تمكن طلابه من القراءة والكتابة علَّمهم سورة الجهاد، وحضهم عليه وأخبرهم بأن المسلمين كانوا إذا لاقوا عدوهم قرءوها، فتقوى عزائمهم وتطمئن قلوبهم، ويتذوقون السكنية ويُحرزون النصر. كان القسام دائمًا يجهر على المنبر في دروسه الدينية بتذكير الناس بأن الجهاد فريضة عليهم، وأنه لا مفر من محاربة الإنجليز وأعوانهم، وكان يطلب من الناس جهرًا شراء السلاح والتدريب عليه، وبشكل عام فإن القسام كان أكثر الشيوخ والعلماء تطرقًا لضرورة الجهاد، ومنع اليهود من تحقيق أحلامهم على أرض فلسطين. وقد حصل مرة أن طُلب منه على المنبر من المصلين أن يقاوموا العدو فوقف أحد المصلين، وسأل بماذا تقاوم العدو ونحن لا نملك شيئًا؟! ويقول عربي البدوي – أحد أصحاب القسام – سُمِعَ القسام وهو يهدر على المنبر وكان السيف يلازمه في كل خطبه: «رأيت شبانًا يحملون المكانس لكنس الشوارع، هؤلاء مدعوون لحمل البنادق، ورأيت شبانًا يحملون فرشاة لمسح أحذية الأجانب، هؤلاء مدعوون لحمل المسدسات لقتل هؤلاء الأجانب». وكان القسام – رحمه الله – يرى أولوية الجهاد مقدمة على كل الأمور في الظرف الذي يعيشه الشعب تحت وطأة الانتداب البريطاني والتغلغل اليهودي، ولذلك برى أن إعداد الشعب للجهاد وتسليمه لخوض المعركة أفضل وأحق من تشييد المساجد والمباني وتزينها. لقد سعي القسام إلى تكريس معاني الجهاد بحيث تُحفر في القلوب، وتسكن في أعماقها، فأصبحت أقواله الداعية للجهاد تترد على كل لسان مثل:«الجهاد رفيقه الحرمان» و«المجاهد رائد قومه، والرائد لا يكذب أهله»، بالإضافة إلى آيات وأحاديث الجهاد. استخدم القسام أسلوبًا تحريضيًّا شديد الوقع على النفوس حتى تصحو، وتنطلق في ميادين الجهاد ففي إحدى خطبه عام 1927م حذَّر من التساهل مع الهجرة اليهودية إلى فلسطين، ودعا لاستقبال هؤلاء – الذين تحميهم عربات الجيش البريطاني – كعدو ، لا كمهاجر أو ضيف، ثم خاطب المصلين مستثيرًا حماستهم: ألا تخجلون أن تكون لحية الكلب أطهر من لحاكم في يوم الأيام عند الله؟!وفي أواخر عام 1934م سأل المصلين جهارًا: هل أنتم مؤمنون؟! ثم أجاب هو: لا أعتقد وسكت قليلاً، فسرت صيحة وهمهمة، والأنظار كلها مشدودة نحوه تواقة لسماع تفسيره، ثم تابع قائلاً: لأنه لو كنتم مؤمنين لكانت عندكم عزة المؤمن فإذا خرجتم من هذا المسجد، وناداكم جندي بريطاني فستهرولون نحوه». ومع اقترب وقت إعلان الثروة كانت جرأته ودعوته للجهاد تزداد يومًا بعد يوم، ففي يوم 12 فبراير 1935م خطب القسام في المصلين قائلاً: «ما أنتم إلا شعب من أرانب تخافون الموت والشنق، منشغلين بالأقوال الفارغة، اعرفوا أن خلاصنا في أيدينا».
القسام وتنظيمه الجهادي:
لم يكن ليغيب عن بال الشيخ عز الدين القسام الذين عُرف بعلمه وإخلاصه وشجاعته وخبرته الجهادية – أهمية العمل المنظم في مواجهه الأعداء الذين يتميزون بكثرة العدد والعُدة والعتاد، وبالخبرة والتخطيط، كما لم يكن ليغيب عن باله خطورة المخططات اليهودية، ونفوذ اليهود القوي في العالم، وما يتميز به اليهود من حيث ومكر وحقد على الإسلام والمسلمين. كما أدراك القسام بعمق أن الموجات الشعبية العاطفية التي اجتاحت فلسطين وخصوصًا في عامي 1920و1921م هي موجات عابرة لن تضع حدًّا للعدوان الحاقد المنظم على فلسطين .. وأصبح واضحًا في ذهنه أن الزعامة السياسية الفلسطينية ليست على مستوى قيادة المعركة ضد البريطانيين واليهود. وهكذا قرار القسام أن يؤسس حركة جهادية تستمد فهمها من الإسلام، وتتبنى منهجه في العمل وتتبنى الجهاد طريقًا وحيدًا لتحرير فلسطين، وبدأ القسام عملية بناء تنظيم جهادي اعتُبر فيما بعد أخطر منظمة جهادية، وأعظم حركة فدائية عرفها تاريخ الحركة الوطنية الفلسطينية، بل تاريخ الجهاد الإسلامي الحديث، وأول تنظيم إسلامي معاصر جادّ .. ولقد خاض القسام المعارك بنفسه، وكان يحبب الجهاد والاستشهاد في نفوس إخوانه وهو يردد: «الله أكبر، الله أكبر، الله أكبر، يا رفاقي موتوا شهداء». وبينما هو يخوض إحدى المعارك إذ برصاصة محشوة بالبغض والعدوان تخترق صدره العامر بالإيمان فخر صريعًا مضرجا بدمائه في يوم 20 نوفمبر 193م.وحسْب القسام سعادةً في الدارين أنه مضى إلى ربه راضيًا، وأنه خلَّف وراءه آلافًا من المجاهدين ظلوا يقاتلون عدو الله وعدهم بضع سنين، وكانوا بداية الجهاد الحقيقي الصادر لأعداء الله على أرض فلسطين في عصر الحديث