بسم الله الــرحمن الرحيم وصـــلى الله عـــلى سيدنا محمد وعـــــلى آله وصحبه وسلـــــــــــم تسليما كثيــــــرا إلى يوم الديــــــن
الســــلام عليكم ورحمة الله تعـــالى وبــركــــــاته ........ كلنا نعرف أسمــاء الرسل المذكـــورين في القرآن الكــريم وكلنا نعرف أنه لا يوجـد نبي بين سيــدنا عيسى عليه الصــلاة والســلام وسيدنا رســول الله صـــلى الله عليه وآلـــه وسلم ، إلا أنه ذهب جمع من المؤرخيــن والحفـــاظ وعلمـــاء السير والتــراجم إلى أنه كان هنـــاك نبي بينهما يدعى : سيدنا خــالد بن سنـــان العبسي ، وقــد رأيت أنه من الأجــدر أن أكتب مــوضــوعا يتحدث حوله والغمــــوض الذي يلف حياته ونبــوته وعلاقته ببلادنا الجــزائر وما قيــل في ذلك والله الموفق للصــواب فإلى الموضـــوع :
نسبه وقبيلته : هو سيدنا خالد بن سنان بن غيث بن مريطة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفـــان بن سعد بن قيــس عيــلان بن مضــر بن نــزار بــن معــد بن عدنـــان وفي مضر يجتمع نسبه بنسب سيدنا محمد صــلى الله عليه وآله وسلم .
وأمــا قبيلته فهي قبيلة بني عبس العربية المشهـــورة بالبأس والشجاعة ( بالمنــاسبة فهي إحدى جمــرات العرب الثلاث ) والتي ينتمي إليها عنترة بن شــداد والربيع بن زيــاد و زهير بن قيس وغيرهم .
عصـــره : اتفق العلمـــاء على أنه عـــاش في الفترة التي بين سيدنا عيســى عليه الصلاة والســلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلــــم لكنهم لم يتفقوا في تحديد عصره بالضبط ..... فذكـــر العلامة الحافظ المؤرخ الشهير شمس الدين السخــاوي أن عاش 230 سنة وتوفي سنة 435 م ، وذكر القاضي الديــار بكري في تاريخ الخميس أنه كان بعد سيدنا عيسى عليه الصلاة والســلام ب 300 عــام و قال الشيخ العلامة سيدي عــلي البــوعنــاني المطمـاطي الجزائري في كتابه تنوير البصائر والأبصار في تحريض الجزائر على قتال الكفار : ( أنه مــــات قبل عام الفيل ب 5 سنــــوات ) ولعله الأقــــــرب للتحقيق لكون ابنة سيدنا خــالد وفدت على سيدنا رســول الله صــلى الله عليه وآله وسلــم كمــا سيأتي .
نبـــــوته : مثلما اختلف العلماء في عصره فإنهم اختلــفوا أيضا في نبوته وذلك لتعــارض الأحاديث الواردة عن سيدنا رســول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المســألة فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وســلم قوله ( أنا أولــى النــاس بعيســى بن مــريم ، الأنبيـــاء أخـــوات لعــلات وليس بيني وبينه نبــــي ) رواه الإمام البخــاري وغيره ، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفي وجـــود نبي بينه وبين سيدنا عيسى عليه الصــلاة والســلام إلا أن العلــــماء القائلين بنبوته تأولــوا ذلك بأنه لا نبي يشرع أو يحلل أو يحرم بعد سيـــدنا عيسى عليه الصلاة والســـلام ، فكل من جـــاء مثل سيدنا خالد إنما كان داعيا لشريعة سيدنا عيسى و مؤيدا لها ، ورد عن القاضي الديار بكري صاحب كتاب الخميس قوله : ( أن خالدًا كان يدعو إلى النصرانيّة مستمسكاّ بمنهاج عيسى عليه السّلام وشريعته، داعيا إلى دينه، كما كان مبشرًا برسول الله وبعثه عليه الصلاة والسلام )
وقــال العلّامة الفقيه المحدث مــلا علي القاري في شرح الشفاء: ( كان خالد بن سنان نبيّ بني عبس مُبشِّرًا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ) قــال شيخ شيـــوخنا العلامة الحـــافظ المجتهد الحجة سيدي أبــو الفيض الغماري رحمه الله في ذلك عند كلامه على الحديث الســـابق : ( (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ليس بيني وبينه نبي والأ نبياء أولاد علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) ( حم . ق . د ) عن أبي هريرة
قال في الكبير : على قوله :" ليس بيني وبينه نبي " أي من أولي العزم فلا يرد خالد بن سنان بفرض تسليم كونه بينهما وإلا فقد قيل : إن في سند خبره مقالاً وإنما دل بهذه الجملة الاستثنائية على الأولوية لأن عدم الفصل بين الشريعتين واتصال ما بين الدعوتين وتقارب ما بين الزمانين صيرهما كالنسب الذي هو أقرب الأنساب .
قلت : في هذا أمران :
أحدهما : أن خبر خالد بن سنان له طرق متعددة أفردته بجزء مستقل وهو بتلك الطرق ثابت جزماً لا شك فيه .
ثانيهما : أن الإشكال الوارد من نبوته على هذا الحديث مدفوع بأمر واضح إلا أني لم أر من تنبه له ممن تكلم على الحديث وهو أن المراد بقوله : " ليس بيني وبينه نبي " في المستقبل فهو متضمن للإخبار بنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان وصريح أو كالصريح في أنه لا نبي بعد رسول الله فهو كقوله " لا نبي بعدي "
يرشد إلى هذا أنه ورد في بعض طرق هذا الحديث : " لا نبي بينبي وبينه إلا أنه خليفتي في أمتي من بعدي " وهذ هو وجه أولية النبي به لأنه خليفته في أمته وسيحكم بشريعته ويتولى أمر إصلاح أمته في آخر الزمان لا ما ذكره الشارح ( أي العلامة الحافظ المناوي ) والله أعلم ...... ) المــــداوي الجزء الثالث ص 70
كمــا أنه ورد عن سيدنا رســول الله صلى الله عليه وآله وسلــــم في شــأنه حديثا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حقه ( ذاك نبيّ ضيّعه قومه ) رواه الإمــامان البــزار والطبراني ، وروى الحافظ أبو القاسم الطبري عن سيدنا ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبسط لها ثوبه وقال: ( بنت نبي ضيّعه قومه) ، وفي مصنف الحــافظ ابن أبي شيبة : حدّثنا وكيع قال ثنا سفيٰن عن سالم عن سعيد بن جبير قال: جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( مَرْحَبًا بِابْنَةِ أَخِي مَرْحَبًا بِابْنَةِ نَبِيّ ضَيَّعَهُ قَوْمُه ) وهو حديث مرســـل ، وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنها بمختلف طرقها ترتقي إلى الصحة ، لكن بقي كيفية الجمع بينها وبين الحديث الصحيح الذي ينفي وجود نبي بين سيدنا عيسى عليه الصـــلاة والســلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال في ذلك العلامة الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذلك في كتابه فتح الباري : ( (وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي)، واستدل به على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى، وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى، والجواب أن هذا الحديث يضعف ما ورد من ذلك فإنه صحيح بلا تردد وفي غيره مقال، أو المراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة، وإنما بعث بعده من بعث بتقرير شريعة عيسى، وقصة خالد بن سنان أخرجها الحاكم في ” المستدرك ” من حديث ابن عباس، ولها طرق جمعتها في ترجمته في كتابي في الصحابة )
العلمـــــاء القائلون بنبوته :
أثبت كثير من العلماء النبــوة لسيدنا خــالد نذكر في مقدّمتهم العلامة اللغوي أبــو عبيدة معمر بن المثنــى في كتابه ( الارجاء والجماجم )، وكذلك الإمام ابن أبي خثيمة الذي تحدث عنه مطوّلا في كتابه ( البدء) وأقرّ فيه بنبوته
جاء في تفسير العـــلامة القرطبي : ( ذكر ابن أبي خَيْثَمة في كتاب البدء له خالد بن سِنان العبسيّ وذكر نبوّته، وذكر أنه وكل به من الملائكة مالك خازن النار، وكان من أعلام نبوّته أن ناراً يقال لها نار الحدثان، كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكل الناس ولا يستطيعون ردّها، فردّها خالد بن سنان فلم تخرج بعد ) ، و ممّن عدّه مــن الأنبياء الشيخ الأكبــــر سيدي محي الديــن بن عربي قدس الله ســره الذي خصّه بفصل من فصول كتابه ( فصوص الحكم ) كبقية الأنبياء الآخرين، كذلك العلامة الفقيه سيدي محمد بن عرفة الدسوقي المالكي في حاشيته على مختصر سيدي خليل ، والعلامة النحوي أبو منصور الثعالبي النيسابوري في كتابه ( ثمار القلوب في المضاف والمنسوب )، والصفدي في كتابه ( تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون )، ويُؤكد العلامة الدميري في كتابه الشهيــر ( حياة الحيوان ) أنّ خالدًا أوّل نبيّ من بني إسماعيل.
ومن الكتب التي أثبتت نبوته كذلك كتاب ) بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب )لمحمود شكري الألوسي و( صفوة الإعتبار ) لشيخ الإسلام التونسي محمّد بيرم الخامس وشـرح الموافقات للشاطبي للدكتور عبد الله دراز.
ومن المفسرين الكبار نذكر الزمخشري، والقُرطبي والرّازي والخازن، والبيضاوي، وكلّهم أثبتوا له النبوة.
كمـــــا أنه يــوجد كتاب خاصة في هذه القضية للعـــلامة المجتهد الحافظ المحدث سيدي أبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري سمـــاه : ( إتحاف الأذكياء بإثبات نبوة خالد بن سنان بين عيسى وبين سيد الأنبياء) أو ( إعلام الأذكياء بنبوة خالد بن سنان بعد المسيح وقبل خاتم الأنبياء ) والله أعـــلم
قصته ومعجزاته :
تكمن المعجزة الأولى سيدنا خــالد في إطفائه نار الحرتين وهي نار عُظمى ظهرت في بني عبس ببلاد العرب وإن ضوءها كان يظهر من مسيرة ثلاثة أيّام، فافتتن بها العرب حتى كادوا يتمجسون فبعث الله خالدًا فأطفأها والنّاس من حولها ينظرون .
قـــال الإمــــــــــام الحاكم : ( أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه وجعفر بن محمد الخلدي قالا: ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا معلى بن مهدي، ثنا أبو عوانة، عن أبي يونس، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه: إني أطفىء عنكم نار الحدثان قال: فقال له عمارة بن زياد رجل من قومه والله ما قلت لنا يا خالد قط إلا حقاً فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفيها، قال: فانطلق وانطلق معه عمارة بن زياد في ثلاثين من قومه حتى أتوها وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع، فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها، فقال: إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي، فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضاً قال: فاستقبلها خالد فضربها بعصاه وهو يقول: بدا بدا بدا كل هدى زعم ابن راعية المعزى إني لا أخرج منها وثناي بيدي حتى دخل معها الشق، قال: فأبطأ عليهم قال: فقال عمارة بن زياد: والله لو كان صاحبكم حياً لقد خرج إليكم بعد قالوا أدعوه باسمه قال: فقالوا: إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه فدعوه باسمه قال: فخرج إليهم وقد أخذ برأسه فقال: ألم أنهكم أن تدعوني باسمي قد والله قتلتموني فادفنوني، فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانتبشوني فإنكم ستجدوني حياً، قال: فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر، فقلنا: انبشوه فإنه أمرنا أن ننبشه، قال عمارة بن زياد: لا تحدّث مضر إنا ننبش موتاناً والله لا ننبشه أبداً قال: وقد كان أخبرهم إن في عكن امرأته لوحَيْن فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه وقال: لا يمسهما حائض قال: فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض قال:فذهب بما كان فيهما من علم قال: فقال أبو يونس قال سماك بن حرب سأل عنه النبيّ ، فقال: ( ذاكَ نَبِيٌّ أَضاعَهُ قَوْمُهُ )، وقال أبو يونس: قال سماك بن حرب: أن ابن خالد بن سنان أتى النبيّ ، فقال: ( مرحباً بابن أخي ) (
أما المعجزة الثانية فإنه لما ظهرت العنقــاء بنجد والحجاز فلم تزل تأكل الوحوش وتختطف الصبيان فشكاها الناس إلى سيدنا خالد بن سنان فدعا الله فقطع نسلها وانقرضت .
عــــــلاقته ببلادنا الجــزائر : أكدّ غير واحد من المؤرخين أنّ الشمال الإفريقي كان منذ أقدم العصور والأزمنة محط رحال الوافدين عليه من جزيرة العرب وذلك خلال الهجرات الكثيرة التي كانت تتم عبر برزخ السويس شمالاً وباب المندب جنوباً.
وقد يكون سيدنا خالد بن سنان العبسي دخل شمال إفريقيا قادمًا إليها من جزيرة العرب مع بعض تلك الجاليات، قــال الأستاذ عبد الرحمن الجيلالي في كتابه ( تاريخ الجزائر العام ) : ( وقد يكون الضريح الموجود إلى اليوم بالجنوب الغربي من بسكرة المنسوب إلى خالد بن سنان العبسي هو لأحد أعضاء هذه الجاليات العربيّة القديمة التي ارتادت هذه الأوطان )
وذهب بعض المؤرخين إلى الجــزم بكون سيدنا خــالد دفن في الجــزائر وبالتحديد في البلدة التي تحمله إسمه بولاية بسكرة ( شــرق الجــزائر )
ذكــر المؤرخ الشهير ابن أبي دينــار أنّه مدفون في بلدة بسكرة.
ويضيف قائلا: ( والشيخ التواتي ممن أثبته أنّه هو..... ورأيت بخطّ والدي رحمه الله قال : حضرت الشيخ المذكور أي التواتي وهو مُتوجّه لزيارة نبيّ الله خالد بن سنان العبسي، وله كتاب صنّفه الشيخ وثبت عنده صحته وهو في تلك البلاد يسمّونه خالد النبي ) كتـــــــاب المؤنس .
ويؤكد هذا ما ذكره العــلامة البكري في كتابه ( المسالك والممالك ) من أنّه -أي سيدنا خالد- بناحية بسكرة غير أنّه لم يذكر اسمه ولكن سياق الكلام يدلّ عليه كما وردت القصّة كاملة في كتاب الإصابة في تمييز الصحــابة للحافظ ابن حجر رحمه اللــه .
وجزم العلامة الشيخ مصطفى الرماصي القلعي الجزائري المالكي في حاشيته على عقائد الإمــــام السنوسي حيث يفيدنا أنّ رجلاً من أهل الزاب حدّثه أنّ بين بلده وضريح سيدنا خالد مسير يوم.
ويؤكّد بعض شرّاح الوظيفة الزروقيّة ما ذكرناه ولفظه : ( وهذا النبي الكريم في بلاد الزاب ليس بيننا وبينه إلاّ مسير نحو اليوم ونحن نزور قبره كلّ عام ).
وهذا علاّمة المعقول والمنقول الإمام سيدي عبد الرحمن الأخضري صاحب التأليف العديدة، والمصنّفات المفيدة يؤكّد نبوة خالد ويظهر قبره حيث هو بالقرية المعروفة باسمه.
وفي كتاب ( نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار)المعروف بالرحلة الورتلانية للرحّالة الشيخ الحسين الورتلاني : ( مشينا لزيارة النبي سيدي خالد عليه السلام على القول بنبوته، وقد شهر غير واحد من النؤرخين رسالته بجبل «الرص» الملّقب الآن «أوراس» وكانت معجزته نارًا وكانت رسالته قبل رسالة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بمدة قليلة، والذي شهر رسالته صاحب التآليف المشهورة والتصانيف المذكورة، سيدي عبد الرحمن الأخضري رضي الله عنه، وإنّا سمعنا أنّه هو الذي أظهر قبره بعلم التربيع وهو مقام عظيم و الوفود تأتيه من المشرق والمغرب للزيارة ) .
والله أعــلم بحقيقة حـــــاله وإنما أوردت قصته هنــا ليكون القـــاريء على بينة من ذلك .
وصــلى الله وســلم وبــارك على سيدنا محمد وعــلى آلــه وصحبه والتــابعين لهم بإحســـان إلى يوم الدين .
الســــلام عليكم ورحمة الله تعـــالى وبــركــــــاته ........ كلنا نعرف أسمــاء الرسل المذكـــورين في القرآن الكــريم وكلنا نعرف أنه لا يوجـد نبي بين سيــدنا عيسى عليه الصــلاة والســلام وسيدنا رســول الله صـــلى الله عليه وآلـــه وسلم ، إلا أنه ذهب جمع من المؤرخيــن والحفـــاظ وعلمـــاء السير والتــراجم إلى أنه كان هنـــاك نبي بينهما يدعى : سيدنا خــالد بن سنـــان العبسي ، وقــد رأيت أنه من الأجــدر أن أكتب مــوضــوعا يتحدث حوله والغمــــوض الذي يلف حياته ونبــوته وعلاقته ببلادنا الجــزائر وما قيــل في ذلك والله الموفق للصــواب فإلى الموضـــوع :
نسبه وقبيلته : هو سيدنا خالد بن سنان بن غيث بن مريطة بن مخزوم بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفـــان بن سعد بن قيــس عيــلان بن مضــر بن نــزار بــن معــد بن عدنـــان وفي مضر يجتمع نسبه بنسب سيدنا محمد صــلى الله عليه وآله وسلم .
وأمــا قبيلته فهي قبيلة بني عبس العربية المشهـــورة بالبأس والشجاعة ( بالمنــاسبة فهي إحدى جمــرات العرب الثلاث ) والتي ينتمي إليها عنترة بن شــداد والربيع بن زيــاد و زهير بن قيس وغيرهم .
عصـــره : اتفق العلمـــاء على أنه عـــاش في الفترة التي بين سيدنا عيســى عليه الصلاة والســلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلــــم لكنهم لم يتفقوا في تحديد عصره بالضبط ..... فذكـــر العلامة الحافظ المؤرخ الشهير شمس الدين السخــاوي أن عاش 230 سنة وتوفي سنة 435 م ، وذكر القاضي الديــار بكري في تاريخ الخميس أنه كان بعد سيدنا عيسى عليه الصلاة والســلام ب 300 عــام و قال الشيخ العلامة سيدي عــلي البــوعنــاني المطمـاطي الجزائري في كتابه تنوير البصائر والأبصار في تحريض الجزائر على قتال الكفار : ( أنه مــــات قبل عام الفيل ب 5 سنــــوات ) ولعله الأقــــــرب للتحقيق لكون ابنة سيدنا خــالد وفدت على سيدنا رســول الله صــلى الله عليه وآله وسلــم كمــا سيأتي .
نبـــــوته : مثلما اختلف العلماء في عصره فإنهم اختلــفوا أيضا في نبوته وذلك لتعــارض الأحاديث الواردة عن سيدنا رســول الله صلى الله عليه وآله وسلم في المســألة فقد ورد عنه صلى الله عليه وآله وســلم قوله ( أنا أولــى النــاس بعيســى بن مــريم ، الأنبيـــاء أخـــوات لعــلات وليس بيني وبينه نبــــي ) رواه الإمام البخــاري وغيره ، فسيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ينفي وجـــود نبي بينه وبين سيدنا عيسى عليه الصــلاة والســلام إلا أن العلــــماء القائلين بنبوته تأولــوا ذلك بأنه لا نبي يشرع أو يحلل أو يحرم بعد سيـــدنا عيسى عليه الصلاة والســـلام ، فكل من جـــاء مثل سيدنا خالد إنما كان داعيا لشريعة سيدنا عيسى و مؤيدا لها ، ورد عن القاضي الديار بكري صاحب كتاب الخميس قوله : ( أن خالدًا كان يدعو إلى النصرانيّة مستمسكاّ بمنهاج عيسى عليه السّلام وشريعته، داعيا إلى دينه، كما كان مبشرًا برسول الله وبعثه عليه الصلاة والسلام )
وقــال العلّامة الفقيه المحدث مــلا علي القاري في شرح الشفاء: ( كان خالد بن سنان نبيّ بني عبس مُبشِّرًا برسول الله صلّى الله عليه وسلّم ) قــال شيخ شيـــوخنا العلامة الحـــافظ المجتهد الحجة سيدي أبــو الفيض الغماري رحمه الله في ذلك عند كلامه على الحديث الســـابق : ( (أنا أولى الناس بعيسى بن مريم في الدنيا والآخرة ليس بيني وبينه نبي والأ نبياء أولاد علات أمهاتهم شتى ودينهم واحد ) ( حم . ق . د ) عن أبي هريرة
قال في الكبير : على قوله :" ليس بيني وبينه نبي " أي من أولي العزم فلا يرد خالد بن سنان بفرض تسليم كونه بينهما وإلا فقد قيل : إن في سند خبره مقالاً وإنما دل بهذه الجملة الاستثنائية على الأولوية لأن عدم الفصل بين الشريعتين واتصال ما بين الدعوتين وتقارب ما بين الزمانين صيرهما كالنسب الذي هو أقرب الأنساب .
قلت : في هذا أمران :
أحدهما : أن خبر خالد بن سنان له طرق متعددة أفردته بجزء مستقل وهو بتلك الطرق ثابت جزماً لا شك فيه .
ثانيهما : أن الإشكال الوارد من نبوته على هذا الحديث مدفوع بأمر واضح إلا أني لم أر من تنبه له ممن تكلم على الحديث وهو أن المراد بقوله : " ليس بيني وبينه نبي " في المستقبل فهو متضمن للإخبار بنزول عيسى عليه السلام آخر الزمان وصريح أو كالصريح في أنه لا نبي بعد رسول الله فهو كقوله " لا نبي بعدي "
يرشد إلى هذا أنه ورد في بعض طرق هذا الحديث : " لا نبي بينبي وبينه إلا أنه خليفتي في أمتي من بعدي " وهذ هو وجه أولية النبي به لأنه خليفته في أمته وسيحكم بشريعته ويتولى أمر إصلاح أمته في آخر الزمان لا ما ذكره الشارح ( أي العلامة الحافظ المناوي ) والله أعلم ...... ) المــــداوي الجزء الثالث ص 70
كمــا أنه ورد عن سيدنا رســول الله صلى الله عليه وآله وسلــــم في شــأنه حديثا وهو قوله صلى الله عليه وآله وسلم في حقه ( ذاك نبيّ ضيّعه قومه ) رواه الإمــامان البــزار والطبراني ، وروى الحافظ أبو القاسم الطبري عن سيدنا ابن عبّاس رضي الله عنهما قال: جاءت بنت خالد بن سنان إلى النبيّ صلّى الله عليه وسلّم فبسط لها ثوبه وقال: ( بنت نبي ضيّعه قومه) ، وفي مصنف الحــافظ ابن أبي شيبة : حدّثنا وكيع قال ثنا سفيٰن عن سالم عن سعيد بن جبير قال: جاءت ابنة خالد بن سنان العبسي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : ( مَرْحَبًا بِابْنَةِ أَخِي مَرْحَبًا بِابْنَةِ نَبِيّ ضَيَّعَهُ قَوْمُه ) وهو حديث مرســـل ، وهذه الأحاديث وإن كانت ضعيفة إلا أنها بمختلف طرقها ترتقي إلى الصحة ، لكن بقي كيفية الجمع بينها وبين الحديث الصحيح الذي ينفي وجود نبي بين سيدنا عيسى عليه الصـــلاة والســلام وسيدنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، قال في ذلك العلامة الحافظ ابن حجر رحمه الله في ذلك في كتابه فتح الباري : ( (وأنا أولى الناس بعيسى لأنه لم يكن بيني وبينه نبي)، واستدل به على أنه لم يبعث بعد عيسى أحد إلا نبينا صلى الله عليه وسلم، وفيه نظر لأنه ورد أن الرسل الثلاثة الذين أرسلوا إلى أصحاب القرية المذكورة قصتهم في سورة يس كانوا من أتباع عيسى، وأن جرجيس وخالد بن سنان كانا نبيين وكانا بعد عيسى، والجواب أن هذا الحديث يضعف ما ورد من ذلك فإنه صحيح بلا تردد وفي غيره مقال، أو المراد أنه لم يبعث بعد عيسى نبي بشريعة مستقلة، وإنما بعث بعده من بعث بتقرير شريعة عيسى، وقصة خالد بن سنان أخرجها الحاكم في ” المستدرك ” من حديث ابن عباس، ولها طرق جمعتها في ترجمته في كتابي في الصحابة )
العلمـــــاء القائلون بنبوته :
أثبت كثير من العلماء النبــوة لسيدنا خــالد نذكر في مقدّمتهم العلامة اللغوي أبــو عبيدة معمر بن المثنــى في كتابه ( الارجاء والجماجم )، وكذلك الإمام ابن أبي خثيمة الذي تحدث عنه مطوّلا في كتابه ( البدء) وأقرّ فيه بنبوته
جاء في تفسير العـــلامة القرطبي : ( ذكر ابن أبي خَيْثَمة في كتاب البدء له خالد بن سِنان العبسيّ وذكر نبوّته، وذكر أنه وكل به من الملائكة مالك خازن النار، وكان من أعلام نبوّته أن ناراً يقال لها نار الحدثان، كانت تخرج على الناس من مغارة فتأكل الناس ولا يستطيعون ردّها، فردّها خالد بن سنان فلم تخرج بعد ) ، و ممّن عدّه مــن الأنبياء الشيخ الأكبــــر سيدي محي الديــن بن عربي قدس الله ســره الذي خصّه بفصل من فصول كتابه ( فصوص الحكم ) كبقية الأنبياء الآخرين، كذلك العلامة الفقيه سيدي محمد بن عرفة الدسوقي المالكي في حاشيته على مختصر سيدي خليل ، والعلامة النحوي أبو منصور الثعالبي النيسابوري في كتابه ( ثمار القلوب في المضاف والمنسوب )، والصفدي في كتابه ( تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون )، ويُؤكد العلامة الدميري في كتابه الشهيــر ( حياة الحيوان ) أنّ خالدًا أوّل نبيّ من بني إسماعيل.
ومن الكتب التي أثبتت نبوته كذلك كتاب ) بلوغ الإرب في معرفة أحوال العرب )لمحمود شكري الألوسي و( صفوة الإعتبار ) لشيخ الإسلام التونسي محمّد بيرم الخامس وشـرح الموافقات للشاطبي للدكتور عبد الله دراز.
ومن المفسرين الكبار نذكر الزمخشري، والقُرطبي والرّازي والخازن، والبيضاوي، وكلّهم أثبتوا له النبوة.
كمـــــا أنه يــوجد كتاب خاصة في هذه القضية للعـــلامة المجتهد الحافظ المحدث سيدي أبي الفيض أحمد بن محمد بن الصديق الغماري سمـــاه : ( إتحاف الأذكياء بإثبات نبوة خالد بن سنان بين عيسى وبين سيد الأنبياء) أو ( إعلام الأذكياء بنبوة خالد بن سنان بعد المسيح وقبل خاتم الأنبياء ) والله أعـــلم
قصته ومعجزاته :
تكمن المعجزة الأولى سيدنا خــالد في إطفائه نار الحرتين وهي نار عُظمى ظهرت في بني عبس ببلاد العرب وإن ضوءها كان يظهر من مسيرة ثلاثة أيّام، فافتتن بها العرب حتى كادوا يتمجسون فبعث الله خالدًا فأطفأها والنّاس من حولها ينظرون .
قـــال الإمــــــــــام الحاكم : ( أخبرنا أبو بكر بن إسحاق الفقيه وجعفر بن محمد الخلدي قالا: ثنا علي بن عبد العزيز، ثنا معلى بن مهدي، ثنا أبو عوانة، عن أبي يونس، عن عكرمة، عن ابن عباس رضي الله عنهما أن رجلاً من بني عبس يقال له خالد بن سنان قال لقومه: إني أطفىء عنكم نار الحدثان قال: فقال له عمارة بن زياد رجل من قومه والله ما قلت لنا يا خالد قط إلا حقاً فما شأنك وشأن نار الحدثان تزعم أنك تطفيها، قال: فانطلق وانطلق معه عمارة بن زياد في ثلاثين من قومه حتى أتوها وهي تخرج من شق جبل من حرة يقال لها حرة أشجع، فخط لهم خالد خطة فأجلسهم فيها، فقال: إن أبطأت عليكم فلا تدعوني باسمي، فخرجت كأنها خيل شقر يتبع بعضها بعضاً قال: فاستقبلها خالد فضربها بعصاه وهو يقول: بدا بدا بدا كل هدى زعم ابن راعية المعزى إني لا أخرج منها وثناي بيدي حتى دخل معها الشق، قال: فأبطأ عليهم قال: فقال عمارة بن زياد: والله لو كان صاحبكم حياً لقد خرج إليكم بعد قالوا أدعوه باسمه قال: فقالوا: إنه قد نهانا أن ندعوه باسمه فدعوه باسمه قال: فخرج إليهم وقد أخذ برأسه فقال: ألم أنهكم أن تدعوني باسمي قد والله قتلتموني فادفنوني، فإذا مرت بكم الحمر فيها حمار أبتر فانتبشوني فإنكم ستجدوني حياً، قال: فدفنوه فمرت بهم الحمر فيها حمار أبتر، فقلنا: انبشوه فإنه أمرنا أن ننبشه، قال عمارة بن زياد: لا تحدّث مضر إنا ننبش موتاناً والله لا ننبشه أبداً قال: وقد كان أخبرهم إن في عكن امرأته لوحَيْن فإذا أشكل عليكم أمر فانظروا فيهما فإنكم سترون ما تسألون عنه وقال: لا يمسهما حائض قال: فلما رجعوا إلى امرأته سألوها عنهما فأخرجتهما وهي حائض قال:فذهب بما كان فيهما من علم قال: فقال أبو يونس قال سماك بن حرب سأل عنه النبيّ ، فقال: ( ذاكَ نَبِيٌّ أَضاعَهُ قَوْمُهُ )، وقال أبو يونس: قال سماك بن حرب: أن ابن خالد بن سنان أتى النبيّ ، فقال: ( مرحباً بابن أخي ) (
أما المعجزة الثانية فإنه لما ظهرت العنقــاء بنجد والحجاز فلم تزل تأكل الوحوش وتختطف الصبيان فشكاها الناس إلى سيدنا خالد بن سنان فدعا الله فقطع نسلها وانقرضت .
عــــــلاقته ببلادنا الجــزائر : أكدّ غير واحد من المؤرخين أنّ الشمال الإفريقي كان منذ أقدم العصور والأزمنة محط رحال الوافدين عليه من جزيرة العرب وذلك خلال الهجرات الكثيرة التي كانت تتم عبر برزخ السويس شمالاً وباب المندب جنوباً.
وقد يكون سيدنا خالد بن سنان العبسي دخل شمال إفريقيا قادمًا إليها من جزيرة العرب مع بعض تلك الجاليات، قــال الأستاذ عبد الرحمن الجيلالي في كتابه ( تاريخ الجزائر العام ) : ( وقد يكون الضريح الموجود إلى اليوم بالجنوب الغربي من بسكرة المنسوب إلى خالد بن سنان العبسي هو لأحد أعضاء هذه الجاليات العربيّة القديمة التي ارتادت هذه الأوطان )
وذهب بعض المؤرخين إلى الجــزم بكون سيدنا خــالد دفن في الجــزائر وبالتحديد في البلدة التي تحمله إسمه بولاية بسكرة ( شــرق الجــزائر )
ذكــر المؤرخ الشهير ابن أبي دينــار أنّه مدفون في بلدة بسكرة.
ويضيف قائلا: ( والشيخ التواتي ممن أثبته أنّه هو..... ورأيت بخطّ والدي رحمه الله قال : حضرت الشيخ المذكور أي التواتي وهو مُتوجّه لزيارة نبيّ الله خالد بن سنان العبسي، وله كتاب صنّفه الشيخ وثبت عنده صحته وهو في تلك البلاد يسمّونه خالد النبي ) كتـــــــاب المؤنس .
ويؤكد هذا ما ذكره العــلامة البكري في كتابه ( المسالك والممالك ) من أنّه -أي سيدنا خالد- بناحية بسكرة غير أنّه لم يذكر اسمه ولكن سياق الكلام يدلّ عليه كما وردت القصّة كاملة في كتاب الإصابة في تمييز الصحــابة للحافظ ابن حجر رحمه اللــه .
وجزم العلامة الشيخ مصطفى الرماصي القلعي الجزائري المالكي في حاشيته على عقائد الإمــــام السنوسي حيث يفيدنا أنّ رجلاً من أهل الزاب حدّثه أنّ بين بلده وضريح سيدنا خالد مسير يوم.
ويؤكّد بعض شرّاح الوظيفة الزروقيّة ما ذكرناه ولفظه : ( وهذا النبي الكريم في بلاد الزاب ليس بيننا وبينه إلاّ مسير نحو اليوم ونحن نزور قبره كلّ عام ).
وهذا علاّمة المعقول والمنقول الإمام سيدي عبد الرحمن الأخضري صاحب التأليف العديدة، والمصنّفات المفيدة يؤكّد نبوة خالد ويظهر قبره حيث هو بالقرية المعروفة باسمه.
وفي كتاب ( نزهة الأنظار في فضل علم التاريخ والأخبار)المعروف بالرحلة الورتلانية للرحّالة الشيخ الحسين الورتلاني : ( مشينا لزيارة النبي سيدي خالد عليه السلام على القول بنبوته، وقد شهر غير واحد من النؤرخين رسالته بجبل «الرص» الملّقب الآن «أوراس» وكانت معجزته نارًا وكانت رسالته قبل رسالة سيّدنا محمّد صلّى الله عليه وسلّم بمدة قليلة، والذي شهر رسالته صاحب التآليف المشهورة والتصانيف المذكورة، سيدي عبد الرحمن الأخضري رضي الله عنه، وإنّا سمعنا أنّه هو الذي أظهر قبره بعلم التربيع وهو مقام عظيم و الوفود تأتيه من المشرق والمغرب للزيارة ) .
والله أعــلم بحقيقة حـــــاله وإنما أوردت قصته هنــا ليكون القـــاريء على بينة من ذلك .
وصــلى الله وســلم وبــارك على سيدنا محمد وعــلى آلــه وصحبه والتــابعين لهم بإحســـان إلى يوم الدين .