مكان إقامة النبي إسماعيل

alaa777666

عضو
إنضم
19 سبتمبر 2010
المشاركات
799
التفاعل
48 0 0
مكان اقامة النبى اسماعيل
بادىء ذى بدء أذكر القارىء الكريم بالوعد الإلهى إلى خليل الله إبراهيم r كما ورد فى سفر التكوين ( 17 : 4 ـ 5 ) " .. تكون أبا لجمهور من الأمم . وأثمرك كثيرا جدا ، وأجعلك أمما ، والأرض لنسلك إلى الأبد " . وجاء فى ( 17 : 20 ) : " .. وأمَّا إسماعيل فقد سمعت لك فيه . ها أنا أباركه وأثمره وأكثره كثيرا جدا ، اثنى عشر رئيسا يلد ، وأجعله أمَّة كبيرة " .
وجاء بعد حادثة ذبح ابن إبراهيم البكر الوحيد " ... بما أنك فعلت هذا وما بخلت بأبنك وحيدك ، فأباركك وأكثر نسلك كنجوم السماء والرمل الذى على شاطىء البحر . ويرث نسلك مدن أعدائه . ويتبارك فى نسلك (1) جميع أمم الأرض لأنك سمعت لى " ( 16 : 18 ) .
فإذا تدبرنا فى هذا الوعد الإلهى لإبراهيم وإسماعيل عليهما السلام . بدون انفعال واستغلاق فكر ، نجده لم يتحقق بكامله إلا فى الفرع الإسماعيلى . فقد ظل الفرع الإسحاقى أمَّة واحدة منغلقة على نفسها ، كما أنه لم يحوز بنوا إسرائيل الأرض الموعودة ـ من النيل إلى الفرات ـ إلى الأبد أبدا . خلاف الفرع الإسماعيلى حيث لا يزال بنوا إسماعيل موجودون إلى اليوم وبحوزتهم الأرض الموعودة إلى أن يشاء الله سبحانه وتعالى . هذه واحدة .


وأمَّا الأمر الثانى فهو ضياع وفقدان النسل الإسحاقى اليعقوبى من الوجود ومنذ أكثر من ألف وخمسمائة سنة مضت . فلا يعلم أحدا إلا الله تعالى أين ذرية الأسباط الإثنى عشر ، الذين كان يطلق عليهم اسم بنوا إسرائيل سابقا .


وقد دلنا التاريخ التوراتى على أنَّ عشرة أسباط قد تشردوا فى الأرض ولم يعودوا إلى منطقة فلسطين عقب الأسر الأشورى لهم . ولم يتبق من الأسباط الإثنى عشر إلا سبطين هما اللذان تم أسرهما إلى بابل ثم رجعت بقاياهم إلى فلسطين على يد قورش الفارسى (2) . وفى بقايا هذين السبطين بُعث عيسى ابن مريم u
. ثم تم تشريدهم بين الأمم بعد تدمير أورشليم على يد الرومان فى سنة 70 مـ .
ولم يعرف لهم إلا بقايا وفلولا فى شبه الجزيرة العربية وباقى البلدان إلى أن ظهر الإسلام ، ثم فقدت هذه الفلول وذابت بين الأمم مكونين يهودا أمميين لا ينتمون إلى الأسباط فى شىء . ويهود اليوم أصلهم قوقازى اعتنقوا الديانة اليهودية ، فهم ليسوا من نسل إبراهيم وإسحاق ويعقوب عليهم السلام يقينا كما بين ذلك العلماء اليهود المتخصصون .
وبفضل من الله تعالى تم الحفاظ على النسل الإسماعيلى بين العرب . فمنهم اليوم المسلم والمسيحى واليهودى . وهذا تحقيق الوعد الإلهى لإبراهيم r فى ذريته من بعده .
جاء فى الأسفار اليهودية أنَّ إبراهيم u
قد ترك زوجه هاجر المصرية العملاقة مع إسماعيل ابنه منها فى برية . ولا يزال الخلاف قائما بين المسلمين والمسيحيين حول تعيين موقع برية فاران أو جبال فاران (3) . حيث يتمسك المسلمون بأنَّ مكانهما فى داخل شبه الجزيرة العربية وبالتحديد فى منطقة مكة المكرمة ـ بواد غير ذى زرع عند البيت المُحَرَّم ـ ولهم أدلتهم على ذلك منذ العصر الجاهلى وما توارثه الأحفاد عن الآباء والأجداد من قبل البعثة
الاسلامية . وللمسيحيين رأى آخر , فهم يرفضون البعثة الاسلامية ولا يؤمنون بصحة ثبوتها لذا نجدهم يضعون برية فاران وجبالها فى شرقى صحراء سيناء المصرية .
ولن أخوض فى هذه المجادلات المحسومة النتائج من الطرفين .وسوف أستعرض بعون الله تعالى نصوص العهد القديم وأقوال علماء المسيحية حول مكان إقامة إسماعيل ونسله من بعده ، ثم أعرض تلك الأقوال على الخرائط الجغرافية ليتبين للقارىء الخطأ من الصواب .
نصّ سفر التكوين ( 25 : 18 )
وبيان مكان إقامة إسماعيل  وذريته :

نسخة فانديك المعتمدة
نسخة كتاب الحياة

وسكنوا من حويلة إلى شور التى أمام مصر حينما تجىء نحو شور أمام جميع إخوته نزل .


أما ذريته فقد انتشرت من حويلة إلى شور المتاخمة لمصر فى اتجاه شور . وكانت على عداء مع بقية إخوته .

نسخة الكاثوليك
نسخة الآباء اليسوعيين

وكانت مساكن بنى إسماعيل من حويلة إلى شور شرقى مصر فى الطريق إلى شور . وهكذا نزل إسماعيل بمواليده قبالة إخوته .


وأقاموا من حويلة إلى شور التى تجاه مصر وأنت آت نحو شور . وكان قد نزل قبالة جميع إخوته .

نسخة التوراة السامرية

وسكنوا من زويلة إلى شور التى على ظاهر مصر إلى مدخل الموصل ، حول كل إخوته نزل .


. ملاحظات على النص السابق :
.. تشير الترجمات العربية السابقة ـ باستثناء نسخة الكاثوليك ـ إلى أنَّ شور تقع ( أمام ـ تجاه ـ متاخمة ـ على ظاهر ) مصر . ونجد مثله فى النسخ الإنجليزية ( NASB , KJV , RSV ) . أمَّا نسخة الكاثوليك فقد وضعت المنطقة الواقعة بين حويلة وشور شرقى مصر ، وبمثله فى النسخ (NIV , GNB ) .
.. تشير الترجمات السابقة إلى أنَّ إسماعيل قد نزل ( أمام ـ قبالة ـ حول ) إخوته ( قبالتهم ـ جميعهم ـ كلهم ) .
.. انفراد الترجمة العربية لنسخة كتاب الحياة المصرية بذكر عداء ذرية إسماعيل لذرية إخوة إسماعيل الآخرين . وبمثله نجده فى النسخ الإنجليزية ( RSV , NIV , NASB , GNB , KJV ) .
.. دراسة جغرافية النصّ : سبق الكلام عن موقع شور واختلافهم فى تعيين المكان ، ولا يزال البحث عنه مستمرا ولن يكتمل إلا بعد دراسة المواقع الجغرافية لجميع الأماكن الواردة فى النصوص . ونستمر بحول الله تعالى وعلمه فى التعرف على حويلة أو زويلة كما تسميها .
كلمة حويلة العبرية ( תןילה ) تعنى أرض الرمال ( sand-land ) وهى مأخوذة من كلمة حول ( תןל ) العبرية بمعنى رمل . وقد تنطق حَوَلى أو حولا بمعنى دائرة أو شىء مُحَدَّد . كما نقول فى العربية مرّ عليه حَوْلٌ أى دارت عليه سنة كاملة . وإذا نظرنا إلى نجد أنَّ كلمة حويلة تأتى بمعنيين : إمَّا إشارة إلى اسم علم لشخص ، وإمَّا اسم مكان .
فمن المعنى الأول : وردت الكلمة فى نصّ ( تك 10 : 7 ) اسما لرجل من بنى كوش من نسل حام بن نوح u ، أى اسم رجل إفريقى ( حبشى أو مصرى ) حيث أجمعوا على أنَّ نسل حام هم الأفارقة عموما . ووردت الكلمة أيضا فى ( تك 10 : 29 ) اسما لرجل من بنى يقطان (4) من نسل سام بن نوح u أى اسما لرجل عربى سامى من نسل يقطان أو قحطان .

ومن خلال دراسة هذين الاسمين وأماكن تواجد سكنى ذرية حام وسام قال مؤلفو موسوعة ( New Bible Dictionary ) (5) بأنَّ ذلك الأمر يؤدى إلى احتمال تعيين موقع حويلة فى جنوب شبه الجزيرة العربية حيث المعبر العربى الافريقى خلال مضيق باب المندب . وحويلة بن يقطان هذا ، له أخ يُدعى حضرموت ( تك 10 : 26 ) لا يزال اسمه إلى يومنا هذا يطلق على أرض حضرموت فى جنوب شبه الجزيرة العربية وشرقى اليمن .
ومن المعنى الثانى : نجد أنَّ كلمة حويلة قد وردت اسما لمكان . فهى تذكر مع شور كأحد نهايات حدود بلاد العماليق (6) ( تك 25 : 18 ) . وفى هذه المنطقة حارب الملك الاسرائيلى شاول بن قيس بن أبى إيل العماليق كما ورد ذلك فى سفر صموئيل الأول ( 15 : 7 ـ 8 ) . وتخبرنا التوراة العبرانية ( عدد 13 : 29 ) عن موقع بلاد العماليق بقولها " العمالقة ساكنون فى أرض الجنوب " . وتخبرنا التوراة السامرية عن الموقع قائلة : " العملاق ساكن فى أرض الجنوب " ( عدد 13 : 29 ) .
وعلماء التاريخ القديم لا يعرفون قوما سكنوا فى منطقة صحراء النقب شرقى سيناء المصرية كان اسمهم العماليق أو يُعرفون بتلك الصفة . وهذا الأمر يؤدى بنا إلى محاولة التعرف على جنسية هؤلاء القوم العماليق المذكورين فى التوراة وأيضا فى كتب التراث العربى القديم .
هناك بحث قوى وطريف قام به الدكتور سيد القمنى حيث أثبت فيه أنَّ هؤلاء العماليق هم المعروفين بـ عبد ضخم و جرهم عند علمائنا القدماء ، وهم الذين أتوا من جنوب الجزيرة العربية من اليمن ، واستوطنوا المنطقة المحيطة ببيت الله الحرام بمكة المكرمة أبَّان فترة إقامة هاجر وإبنها إسماعيل عليهم
السلام وهم الذين تزوج منهم إسماعيل  ، كما أنَّ النصوص التوراتية تفيد أنَّ هاجر كانت من العماليق . وخلص الدكتور القمنى فى بحثه إلى أنَّ هؤلاء العماليق هم المصريون القدماء الذين استوطنوا فى جنوب الجزيرة العربية فى قديم الزمان (7) .
قلت جمال : وهو بحث قوى تشهد له نصوص كثيرة من التراث العربى ومن الأسفار اليهودية . فقدماء مؤرخى المسيحية يُصرحون بأنَّ هاجر عليها السلام كانت من العماليق وأنَّ ابنها إسماعيل u تزوج من عملاقة (8) . وكتَّاب السِّيَر والتاريخ العربى الإسلامى يشهدون أيضا أنَّ إسماعيل u تزوج من عملاقة ومن جرهمية . وأنَّ العماليق والجراهمة قد قاموا ببناء الكعبة المشرفة قديما . وكلاهما أنسباء إسماعيل u (9) .
وجميع المؤرخين مسلمين ومسيحيين يعترفون أيضا بأنَّ هاجر عليها السلام كانت مصرية ، وأنَّ ابنها إسماعيل قد تزوج مصرية . وهذا معناه أنَّ العماليق ـ سواء كان اسمهم جرهم أو عبد ضخم أو بنى عناق ـ هم المصريون العرب الذين استوطنوا جنوب الجزيرة العربية وكونوا جالية ـ قبيلة ـ عربية كبيرة فى جزيرة العرب ( اقليم مصر الأقصى ) . وآثارهم فى جزيرة العرب تشهد بوجودهم وخاصة فى أقصى الجنوب العربى من بناء السدود وخزانات المياه والمعابد الحجرية الضخمة ذات الأوتاد أى الأعمدة .
جاء فىكثير من كتب التاريخ العربى أنَّ إسماعيل  قد بُعِث إلى العماليق وقبائل اليمن . راجع على سبيل المثال كتاب تاريخ الأمم والملوك للطبرى ( ج 1 ص314 ) .


تلك نبذة تاريخية مختصرة سريعة لمن أراد أن يتعرف على العماليق ومكان تواجدهم بأرض الجنوب كما نوَّهَت بذلك نصوص التوراة . فلنحفظ هذا جيدا مُضافا إليه معلوماتنا عن إقليم مصر الأقصى فى عصر إبراهيم الخليل r كما ذكره المؤرخ المسيحى القديم أورسيوس .
ونشرع الآن فى التعرُّف على موقع كل من شور و حويلة من خلال نصّ سفر صموئيل الأول ( 15 : 7 ـ 8 ) . جاء فى نسخة كتاب الحياة :
" وهجم شاول على العمالقة على طول الطريق من حويلة حتى مشارف شور مقابل مصر وأسَرَ أجاج ملك العماليق حيا " . وحيث أننى رجل عسكرى ، فأنا لا أفهم هذا النصّ إلا إذا عرفت اتجاه ذلك الهجوم الذى قام به شاول ..!! فاتجاه الهجوم يُبين لنا أى الموقعين أقرب لمكان شاول وجنده .
وجميع علماء المسيحية بلا استثناء ، يناصرهم جميع طوائف علماء اليهود يُقرون بأنَّ مكان شاول كان فى فلسطين . ولكن يناصرها أقوال المؤرخين العرب المسلمين تقول بأنَّ موضع بلاد العماليق يوجد بأقصى أرض الجنوب العربى .
وبناء على ذلك فإنَّ اتجاه الهجوم الذى قام به شاول كان من الشمال إلى الجنوب بغض النظر عن نقطة الانطلاق ، وبالتالى فإنَّ أقرب المواقع إليه طبقا للنصّ التوراتى هو موقع حويلة . واستمر متجها نحو الجنوب حتى مشارف شور . وتم أسر ملك العماليق حجَّاج أو عجَّاج (10) . فموقع حويلة يقع شمال موقع شور وليس العكس كما يعتقد علماء الكتاب ..!!

جاء فى دائرة معارف زندرفان الأمريكية للكتاب المقدس أنَّ معظم المخطوطات القديمة تضع موقع حويلة فى الجزء الغربى من شبه الجزيرة العربية شمالى اليمن (11) .
ويفيدنا كتبة قاموس الكتاب المقدس نشر دار الثقافة بالقاهرة عن موقع حويلة بقولهم " مقاطعة فى بلاد العرب ، يسكن بعضها الكوشيون ـ أى الأحباش ـ ويسكن البعض الآخر اليقطانيون ـ أى القحطانيون ـ وهم شعب سامى ... والصلة بين حويلة وحضرموت وأماكن أخرى تشير إلى موقع فى وسط البلاد العربية أو جنوبها ... ويفضل البعض أن يحققها بمنطقة خولان فى القسم الغربى من بلاد العرب شمالى اليمن ، ولا يُعرف إلى أى حد كانت تمتد حويلة شمالا . ومن قصة محاربة شاول مع العمالقة قد نستنتج أنَّ قسما من الصحراء العربية يمتد عدة مئات الأميال شمالى اليمامة ويحمل اسم حويلة .." (12) .
قلت جمال : لعل القارىء قد شاهد الآن أنَّ هذا البحث الذى بين يديه له آثار أقدام فوق رمال أرض الجنوب العربى . وها قد ثبت لدينا الموقع التقريبى لمكان حويلة ، إنها منطقة ممتدة توجد فى إقليم الحجاز ، وهو القسم الغربى لجزيرة العرب شمالى اليمن . ولا نعلم يقينا موقع حويلة كمدينة أو نقطة جغرافية توضع على الخريطة . وإنما يكفينا معرفتها كمنطقة تمتد من شمالى اليمن وإلى عدة مئات من الأميال شمالا على الجزء الغربى لجزيرة العرب . وهذه المنطقة هى بعينها المنطقة المعروفة باسم الحجاز ، ومن أشهر مدنها مكة المكرمة و المدينة المنورة على ساكنها أفضل الصلاة والسلام . وبقى علينا الآن أن نُعيِّن موقع شور من خلال اتجاه هجوم شاول على المنطقة التى كان يقيم فيها العماليق .


يذكر النصّ أنَّ شور تقابل حدود مصر وبدون ذكر الاتجاه . ونحن الآن وفى ذلك التوقيت أمام مِصْريْن لا مِصْر واحدة ..!!
فهناك مصر الأم فى شمال شرقى قارة أفريقيا مضافا إليها شبه جزيرة سيناء . وهناك مصر الفرع فى أقصى جنوب الجزيرة العربية ، إقليم مصر الأقصى . وعلماء المسيحية يزعمون أنَّ شور فى شرقى سيناء بدون دليل يعتد به غير الظن والتخمين . وباعثهم على ذلك هو رفض حدث r إلى الجنوب العربى .
فهل هناك شور أخرى أمام حدود إقليم مصر الأقصى غير التى يقولون بها فى سيناء ..!؟؟ مع ملاحظة أنَّ شور قد تعنى اسم مدينة وقد تعنى خطا دفاعيا من التحصينات إذا نظرنا لمعنى الاسم العبرى شور ومرادفه العربى سور .
قلت جمال : نستبعد أولا موقع شور الوهمى الذى وضعوه فى شرقى سيناء لأنه لا يمكن أن يكون المعنى فى نصّ صموئيل الأول بناء على اتجاه الهجوم الذى قام به شاول وبقى علينا أن نبحث عن شور فى إقليم مصر الأقصى أى فى اليمن (13) فى أقصى الجنوب العربى .
ذكر الدكتور جواد على فى موسوعته الضخمة " المفصل فى تاريخ العرب " أنه قد تم العثور على مدينة شور فى أقصى الجنوب العربى ، بعد الاستعانة بالاكتشافات الآثارية الحديثة ، حيث كانت مدينة شور من أشهر مدن الدولة القتبانية القديمة شرقى اليمن (14) . إنها إذا ينطبق عليها الوصف التوراتى : شرقى مصر أو أمام مصر أو قبالة مصر أو المتاخمة لمصر حسب النسخ والترجمات المتعددة . أخذا فى الاعتبار أنَّ مصر هنا هى مصر الصغرى أو

إقليم مصر الأقصى . كما أنه ينطبق عليها وصف سير حملة شاول الحربية إلى بلاد العماليق . وعلينا الآن أن نضع على خريطة لشبه الجزيرة العربية أماكن كل من منطقة حويلة و مدينة شور لنشاهد بأعيننا إمتداد المنطقة التى سكنها إسماعيل u وذريته من بعده " من حويلة إلى شور فى إتجاه آشور " وآشور هذه هى العراق بدون خلاف بين الجميع ، وهى التى عبَّرت عنها التوراة السامرية تحت اسم الموصل المعروفة حاليا بالعراق .

ardjnob_ismail_set.jpg


من الخريطة نلاحظ أنَّ المنطقة التى سكنتها ذرية إسماعيل u تكاد أن تكون معظم أراضى شبه الجزيرة العربية ، وخاصة فى جهة الغرب حيث إقليم الحجاز ( حويلة ) . فى هذه المنطقة الحجازية وللداخل قليلا لجهة الشرق حيث الجبال الداكنة والوادى البلقع الأجرد ، ترك إبراهيم ص زوجته هاجر وابنه الصغير إسماعيل بواد غير ذى زرع ، والذى تطلق عليه التوراة اسم برية فاران ( تكوين 21 : 21 ) .
ولا تزال علامة ذلك التواجد بئر شاهدة إلى يومنا هذا ، وإن كانت التوراة السامرية تطلق عليها اسم بئر الحى الناظر ، وفى التوراة العبرية نجدها تحت مسمى بئر لحى رُئى أو إيل رئى ( تكوين 25 : 11 ) . إنها البئر التى تفجرت تحت قدمى إسماعيل . بئر لم ولن تنضب أبدا بإذن الله تعالى ، ولا يزال البشر يشربون منها منذ ذلك الزمان السحيق وإلى يومنا هذا بفضل من الله تعالى ، وسيأتى الكلام عن زمزم والزمزميون بإذن الله تعالى . إنه التعصب الأعمى البغيض الذى يضع وبئرها فى سيناء مصر ، وهو الرأى الذى يرفض كليا حَدَث الصعود الإبراهيمى إلى أرض الجنوب العربى .
ونستكمل بعون من الله تعالى الحوادث التاريخية والمواقع الجغرافية ..
من أقصى الجنوب العربى ، من شور حيث كان يقيم عماليق مصر ـ جرهم أو عبد ضخم ـ نزل هؤلاء المصريون القدماء إلى الشمال طبقا للرواية العربية القديمة بعد حادثة سيل العرم إلى حيث يقيم إسماعيل وأمه هاجر عليهما السلام فى برية فاران حول بئر زمزم . وتزوج منهم إسماعيل u. فكانوا له أصهارا وأنصارا إلى جانب كونهم أخواله من جهة أمِّهِ هاجر المصرية .
ورد فى الروايات العربية القديمة وفى جميع كتب التراث التاريخية أنَّ إبراهيم u كان يقوم بين الحين والحين بزيارة ابنه إسماعيل فى مكان إقامته . وفى بعض هذه الزيارات كان إبراهيم u يرجع مباشرة عندما كان لا يجد ابنه إسماعيل فى خيمته ( مسكنه ) وتارة أخرى كان يسأل زوجة إسماعيل عن ابنه ويقرؤه السلام ثم ينصرف مباشرة دون أن ينزل من على ظهر دابته . فهل نستطيع أن نتعرف على مكان سكنى إبراهيم r فى تلك الفترة التاريخية ..!؟
فمن غير المعقول أن يكون إبراهيم u مقيما فى فلسطين ثم يأتى ليسأل عن ابنه وينصرف دون أن ينزل من فوق دابته عائدا إلى فلسطين وتلك المسافة تستغرق وقتا لا يقل عن شهرين سفرا بالجمال ذهابا وايابا ..!! إنَّ تلك الأخبار تفيدنا أنَّ إبراهيم r كان يقيم على مسيرة يوم أو نصف يوم أو أقل من ذلك .
تفيدنا التوراة العبرية أنَّ " إبراهيم تغرَّب فى جرار " ( تك 20 : 1 ) . و جرار هذه هى التى تطلق عليها التوراة السامرية اسم الخلوص . وقد سبق الكلام عن جرار وموقعها فى الفصل السابق ، ورأينا كيف زعم علماء المسيحية أنَّ موطنها بين بئر سبع وغزة فى فلسطين بدود دليل يعتد به غير الظن والتخمين . ومخالفة لظاهر نصوص التوراة التى تضعها فى أرض الجنوب العربى وليست شرقى سيناء مصر . ونستكمل هنا البحث عن جرار بعد أن تعرَّفنا على موطن إقامة إسماعيل وذريته .
يفهم من سفر التكوين ( 25 : 6 ) أنَّ مكان إقامة إبراهيم r كان غربى مكان إقامة إسماعيل u حيث أعطى إبراهيم العطايا لأبنائه من سراريه ـ ومنهم إسماعيل ـ ثم صرفهم للسكنى شرقا بعيدا عن مكان إقامة ابنه إسحاق .

وإسماعيل u كان مقيما حول بئر زمزم مع أخواله وأصهاره ، فإن اتجهنا غربا لوجدنا مكان إقامة إبراهيم r فى جرار . لاحظ التعبير التوراتى تغرَّبَ أى اتخذ جهة الغرب ، وهى كلمة تُعبر تماما عن جهة مكان جرار بالنسبة لمكانى شور وحويلة . إنها على الشريط الساحلى للبحر الأحمر وعلى مسافة يوم أو نصف يوم من مكان زمزم .
ولكن لفظ التوراة السامرية الخلوص ، يبعدنا قليلا لجهة الجنوب على الشريط الساحلى للبحر الأحمر ، فربما كانت جرار تقع فى المنطقة المتواجد فيها المعبد الضخم لمعبود العرب القديم ذى الخلصة والذى بقيت منه بقايا آثار تم تدميرها فى النصف الأول من القرن العشرين الميلادى . جاء فى التعليق على كتاب أخبار مكة للأزرقى ( ج 1 ص 382 ) أنه فى سراة الحجاز بالقرب من جبال دوس كان يوجد معبد قديم ضخم جدا يُعرف بكعبة ذى الخلصة . أو الكعبة اليمانية فيه صنم كبير يُعرف بذى الخلصة . أمر النبىّ r جرير بن عبد الله البجلى رضى الله عنه أن يقوم بهدم ذلك المعبد وتكسير صنمه الشهير . وتم ذلك كما رواه البخارى فى صحيحه فى غزوة ذى الخلصة . إلا أنَّ بقايا من ذلك المعبد الحجرى الضخم بقيت لم تأتِ عليها عوامل الطبيعة . وحين استولى الملك عبد العزيز آل سعود على الحجاز سنة 1343 هـ أمر بأن تهدم قواعد وجدران ذلك المعبد فتم ذلك فى عام 1344 هـ ويقول أحد الذين رافقوا الحملة : " إنَّ بنيان ذى الخلصة كان ضخما بحيث لا يقوى على زحزحة الحجر الواحد منه أقل من أربعين شخصا ، وإن متانته تدل على مهارة وحذق فى البناء " .
قلت جمال : وهذا البنيان الضخم يستبعد جدا أن يكون من فعل العرب القدماء ساكنى الخيام ولكنه من فعل المصريون القدماء العماليق الذين استوطنوا فى الجنوب العربى والمعروفين فى المصادر الإسلامية بالعماليق وجرهم ( راجع أخبار ذلك المعبد الضخم فى موسوعة تاج العروس ج 2 ص 271 ) .
وهناك دليل توراتى آخر يفيد بقرب سكنى إبراهيم من سكنى إسماعيل عليهما السلام ، وهو ما جاء فى سفر التكوين ( 25 : 9 ) من أنَّ إسماعيل وإسحاق قد دفنا أباهما إبراهيم بعد موته فى مغارة المكفيلة . وهذا الأمر لا يمكن أبدا أن يقع إذا كان إسماعيل بمكة وإسحاق بفلسطين ، فالمسافة بين المكانين يضرب لها أكباد الإبل مسيرة شهر . ولن يترك إسحاق جثمان أبيه لمدة تزيد عن شهرين حتى يأتى إليه إسماعيل ليشتركا فى دفن جثمان أبيهما ..!!
والغريب فى الأمر أنَّ التوراة تخبرنا فى تكوين ( 25 : 11 ) أنَّ إسحاق بعد موت أبيه إبراهيم أقام عند بئر لحى رئى التى هى زمزم ، أى أقام فى جوار أخيه الأكبر إسماعيل ، ثم ارتحل بعد ذلك غربا إلى جرار ( تك 26 : 1 ، 6 ) لقحط أصاب المكان الذى كان يقيم فيه بجوار أخيه إسماعيل .
وسكن إسحاق فى جرار أو الخلوص كما تسميها التوراة السامرية . وهنا نجد أنَّ سكنى إسماعيل حول إخوته وخاصة إسحاق المذكورة فى تكوين ( 25 : 18 ) قد تحققت أيضا بدون اشكال . وبذلك التوزيع الجغرافى يلتئم الموروث العربى القديم ثم الاسلامى مع الموروث الإسرائيلى ثم المسيحى من بعد . وكان مفتاح ذلك البحث هو كلمة الجنوب العبرية ، وموقع حويلة ، والمعركة التى دارت بين شاول مع العماليق عند حويلة وتعقبه لهم حتى شور .
وعلماء المسيحية يدركون جيدا أنَّ هناك إمتدادا لمفهومهم التوراتى يوجد فى أرض الجنوب العربى ، فحاولوا أن يمحوا ذلك الامتداد سواء فى المفهوم أو فى جغرافية المواقع ، فنقلوا الجنوب بكامله إلى صحراء النقب شرقى سيناء مصر وحجبوا الأضواء عن مكان حويلة ، بل صرَّحَ بعضهم مثل مؤلف الموسوعة الكتابية ( BAKER ) عن موقع حويلة قائلا : " إنَّ تعيين موقع حويلة ينبنى على جدال كبير ... وأنَّ أى محاولة لوضع مكان حويلة فى جنوب الجزيرة العربية أو الصومال أو الهند يعتبر خطأ كبير " (15) قلت وبمثل ذلك الكلام يتم صرف الباحثين عن البحث عن موقع حويلة فى أرض الجنوب وهو خطأ كبير من صاحب الموسوعة الدينية .
وأمَّا عن دائرة معارف زندرفان الكتابية الأمريكية الضخمة ، فإنَّ كاتبوها يعترفون بأنَّ البحث عن حويلة لم يستحوذ على اهتمام العلماء ولم يتم عمل شىء فى هذا الموضوع (16) .


من كتاب

ع . م / جمال الدين شرقاوى
المصدر :

 
عودة
أعلى